[الشعراء : 77] فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ
77 - (فإنهم عدو لي) لا أعبدهم (إلا) لكن (رب العالمين) فإني أعبده
القول في تأويل قوله تعالى : " فإنهم عدو لي إلا رب العالمين "
قوله تعالى : " إلا رب العالمين " قال الكلبي : أي إلا من عبد رب العالمين ، إلا عابد رب العالمين ، فحذف المضاف . قال أبو إسحاق الزجاج : قال النحويون هو استثناء ليس من الأول ، وأجاز أبو إسحاق أن يكون من الأول على أنهم كانوا يعبدون الله عز وجل ويعبدون معه الأصنام ، فأعلمهم أنه تبرأ مما يعبدون إلا الله . وتأوله الفراء على الأصنام وحدها والمعنى عنده : فإنهم لو عبدتهم عدو لي يوم القيامة ، على ما ذكرنا . وقال الجرجاني : تقديره : أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكم الأقدمون إلى رب العالمين فإنهم عدو لي . وإلا بمعنى دون وسوى ، كقوله : " لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى " [ الدخان : 56] أي دون الموتة الأولى .
هذا إخبار من الله تعالى عن عبده ورسوله وخليله إبراهيم عليه السلام إمام الحنفاء, أمر الله تعالى رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم أن يتلوه على أمته ليقتدوا به في الإخلاص والتوكل, وعبادة الله وحده لا شريك له, والتبري من الشرك وأهله, فإن الله تعالى آتى إبراهيم رشده من قبل, أي من صغره إلى كبره, فإنه من وقت نشأ وشب أنكر على قومه عبادة الأصنام مع الله عز وجل "إذ قال لأبيه وقومه ما تعبدون" أي ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون ؟ "قالوا نعبد أصناماً فنظل لها عاكفين" أي مقيمين على عبادتها ودعائها " قال هل يسمعونكم إذ تدعون * أو ينفعونكم أو يضرون * قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون " يعني اعترفوا بأن أصنامهم لا تفعل شيئاً من ذلك, وإنما رأوا آباءهم كذلك يفعلون, فهم على آثارهم يهرعون, فعند ذلك قال لهم إبراهيم "أفرأيتم ما كنتم تعبدون * أنتم وآباؤكم الأقدمون * فإنهم عدو لي إلا رب العالمين" أي إن كانت هذه الأصنام شيئاً ولها تأثير, فلتخلص إلي بالمساءة, فإني عدو لها لا أبالي بها ولا أفكر فيها, وهذا كما قال تعالى مخبراً عن نوح عليه السلام: "فأجمعوا أمركم وشركاءكم" الاية, وقال هود عليه السلام " إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون * من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون * إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم " وهكذا تبرأ إبراهيم من آلهتهم فقال "وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله" الاية. وقال تعالى: " قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده " وقال تعالى: "وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون * إلا الذي فطرني فإنه سيهدين * وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون" يعني لا إله إلا الله.
فقال: 77- "فإنهم عدو لي" ومعنى كونهم عدواً له مع كونهم جماداً أنه إن عبدهم كانوا له عدواً يوم القيامة. قال الفراء: هذا من المقلوب: أي فإني عدو لهم لأن من عاديته عاداك، والعدو كالصديق يطلق على الواحد والمثنى والجماعة والمذكر والمؤنث، كذا قال الفراء. قال علي بن سليمان: من قال عدوه الله فأثبت الهاء، قال هي بمعنى المعادية، ومن قال عدو للمؤنث والجمع جعله بمعنى النسب.
وقيل المراد بقوله: "فإنهم عدو لي" آباؤهم الأقدمون لأجل عبادتهم الأصنام، ورد بأن الكلام مسوق فيما عبدوه لا في العابدين، والاستثناء في قوله: "إلا رب العالمين" منقطع: أي لكن رب العالمين ليس كذلك، بل هو وليي في الدنيا والآخرة. قال الزجاج: قال النحويون: هو استثناء ليس من الأول، وأجاز الزجاج أيضاً أن يكون من الأول على أنهم كانوا يعبدون الله عز وجل ويعبدون معه الأصنام، فأعلمهم أنه تبرأ مما يعبدون إلا الله. قال الجرجاني: تقديره أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكم الأقدمون إلا رب العالمين فإنهم عدو لي، فجعله من باب التقديم والتأخير، وجعل إلا بمعنى دون وسوى كقوله: "لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى" أي دون الموتة الأولى. وقال الحسن بن الفضل: إن المعنى إلا من عبد رب العالمين.
77- "فإنهم عدو لي"، أي: أعداء لي، ووحده على معنى أن كل معبود لكم عدو لي.
فإن قيل: كيف وصف الأصنام بالعداوة وهي جمادات؟
قيل: معناه فإنهم عدو لي لو عبدتهم يوم القيامة، كما قال تعالى: "سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضداً" (مريم-82).
وقال الفراء: هو من المقلوب، أراد: فإني عدو لهم، لأن من عاديته فقد عاداك.
وقيل: فإنهم عدو لي على معنى إني لا أتولاهم ولا أطلب من جهتهم نفعاً، كما لا يتولى العدو، ولا يطلب من جهته النفع.
قوله: " إلا رب العالمين "، اختلفوا في هذا الاستثناء، قيل: هو استثناء منقطع، كأنه قال: فإنهم عدو لي لكن رب العالمين وليي.
وقيل: إنهم كانوا يعبدون الأصنام مع الله، فقال إبراهيم: كل من تعبدون أعدائي إلا رب العالمين.
وقيل: إنهم غير معبود لي إلا رب العالمين، فإني أعبده. وقال الحسين بن الفضل: معناه إلا من عبد رب العالمين.
77 -" فإنهم عدو لي " يريد أنهم أعداء لعابديهم من حيث إنهم يتضررون من جهتهم فوق ما يتضرر الرجل من جهة عدوه ، أو إن المغري بعبادتهم أعدى أعدائهم وهو الشيطان ، لكنه صور الأمر في نفسه تعريضاً لهم فإنه أنفع في النصح من التصريح ، وإشعاراً بأنها نصيحة بدأ بها نفسه ليكون أدعى إلى القبول ، وإفراد العدو لأنه في الأصل مصدر أو بمعنى النسب . " إلا رب العالمين " استثناء منقطع أو متصل على أن الضمير لكل معبود عبدوه وكان من آبائهم من عبد الله .
77. Lo! they are (all) an enemy unto me, save the Lord of the Worlds.
77 - For they are enemies to me; not so the Lord and Cherisher of the Worlds;