[الشعراء : 53] فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ
53 - (فأرسل فرعون) حين أخبر بسيرهم (في المدائن) قيل كان له ألف مدينة واثنا عشر ألف قرية (حاشرين) جامعين الجيش قائلا
يقول تعالى ذكره : فأرسل فرعون في المدائن يحشر له جنده و قومه ،و يقول لهم " إن هؤلاء " يعني بهؤلاء : بني إسرائيل " لشرذمة قليلون " يعني بالشرذمة ، الطائفة و العصبة الباقية من عصب جبيرة ، و شرذمة كل شيء بقيته القليلة ، و منه قول الراجز :
جاء الشتاء وقميصي أخلاق شرذام يضحك منه التواق
وقيل : قليلون ، لأن كل جماعة منهم كان يلزمها معنى القلة ، فلما جمع جمع جماعتهم قيل : قليلون ، كما قال الكميت :
فرد قواصي الأحياء منهم فقد صاروا كحي واحدينا
وذكر أن الجماعة التي سماها فرعون شرذمة قليلين ، كانوا ست مائة ألف و سبعين ألفا .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبيدة ، " إن هؤلاء لشرذمة قليلون " ، قال : كانوا ست مائة و سبعين ألفا .
قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله ، قال : الشرذمة : ست مائة ألف و سبعون ألفا .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يحيى بن واضح ، قال : ثنا موسى بن عبيدة ، عن محمد بن كعب القرظي ، عن عبد الله بن شداد بن الهاد ، قال : اجتمع يعقوب وولده إلى يوسف ، و هم اثنان و سبعون ، و خرجوا مع موسى و خم ست مائة ألف ، فقال فرعون " إن هؤلاء لشرذمة قليلون " ، و خرج فرعون على فرس أدهم حصان على لون فرسه في عسكره ثمان مائة ألف .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا ابن علية ، عن سعيد الجريري ، عن أبي السليل ، عن قيس بن عباد ، قال : وكان من أكثر الناس أو أحدث الناس عن بني إسرائيل ، قال: فحدثنا أن الشرذمة الذين سماهم فرعون من بني إسرائيل كانوا ست مائة ألف ، قال : و كان مقدمة فرعون سبع مائة ألف ،كل رجل منهم على حصان على رأسه بيضة ، و في يده حربة ، و هو خلفهم في الدهم . فلما انتهى موسى ببني إسرائيل إلى البحر ، قالت بنو إسرائيل : يا موسى أين ما وعدتنا ، هذا البحر بين أيدينا ، و هذا فرعون و جنوده قد دمنا من خلفنا ، فقال موسى للبحر : انفلق أبا خالد ، قال : لا لن أنفلق لك يا موسى ، أنا أقدم منك خلقا ، قال : فنودي أن اضرب بعصاك البحر ، فضربه ، فانفلق البحر ، و كانوا اثني عشر سبطا . قال الجريري : فأحسبه قال إنه كان لكل سبط طريق ، قال : فلما انتهى أول جنود فرعون إلى البحر ، هابت الخيل اللهب ، قال ك و مثل لحصان منها فرس و ديق ، فوجد ريحها فاشتد ، فاتبعه الخيل ، قال : فلما تتام آخر جنود فرعون في البحر ، و خرج آخر بني إسرائيل ، أمر البحر فانصفق عليهم ، فقالت بنو إسرائيل : ما مات فرعون و ما كان ليموت أبدا ، فسمع الله تكذيبهم نبيه عليه السلام ، قال ك فرمى به على الساحل ، كأنه ثور أحمر يتراءاه بنو إسرائيل .
حدثنا موسى ، قال : ثنا عمرو ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي ، في قوله " إن هؤلاء لشرذمة قليلون " يعني بني إسرائيل .
حدثني محمد بن عمرو ، قال :ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، و حدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله " إن هؤلاء لشرذمة قليلون " قال : هم يومئذ ست مائة ألف ، ولايحصى عدد أصحاب فرعون .
حدثني القاسم ، قال: ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قوله " وأوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي إنكم متبعون " قال : أوحى الله إلى موسى أن اجمع بني إسرائيل ، كل أربعة ابيات في بيت ، ثم اذبحوا أولاد الضأن ، فاضربوا بدمائها على الأبواب ، فإني سآمر الملائكة أن لا تدخل بيتا على بابه دم ، وسآمرهم بقتل أبكار آل فرعون من أنفسهم وأموالهم ، ثم اخبزوا خبزا فطيرا ، فإنه أسرع لكم ، ثم أسر بعبادي حتى تنتهي للبحر ، فيأتيك أمري ، ففعل ، فلما أصبحوا قال فرعون : هذا عمل موسى وقومه قتلوا أبكارنا من أنفسنا وأموالنا ، فأرسل في أثرهم ألف ألف وخمس مئة ألف وخمس مئة ملك مسور ، مع كل ملك ألف رجل ، وخرج فرعون في الكرش العظمى ، وقال " إن هؤلاء لشرذمة قليلون " قال : قطعة ، وكانوا ست مئة ألف ، مئتا ألف منهم أبناء عشرين سنة إلى أربعين .
قال : ثني حجاج ، عن أبي بكر بن حوشب ، عن ابن عباس ، قال : كان مع فرعون يومئذ ألف جبار ، كلهم عليه تاج ، وكلهم أمير على خيل .
قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : كانوا ثلاثين ملكا ساقة خلف فرعون يحسبون أنهم معهم وجبرائيل أمامهم ، يرد أوائل الخيل على أواخرها ، فأتبعهم حتى انتهى إلى البحر . وقوله " وإنهم لنا لغائظون " يقول : وإن هؤلاء الشرذمة لنا لغائظون ، فذكر أن غيظهم إياهم كان قتل الملائكة من قتلت من أبكارهم .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قوله " وإنهم لنا لغائظون " يقول : بقتلهم أبكارنا من أنفسنا وأموالنا ، وقد يحتمل أن يكون معناه : وإنهم لنا لغائظون بذهابهم منهم بالعواري التي كانوا استعاروها منهم من الحي ، ويحتمل أن يكون ذلك بفراقهم إياهم ، وخروجهم من أرضهم بكره لهم لذلك .
وقوله " وإنا لجميع حاذرون " اختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء الكوفة " وإنا لجميع حاذرون " بمعنى : أنهم معدون مؤدون ذوو أداة وقوة وسلاح . وقرأ ذلك عامة قراء المدينة والبرصرة وأنا لجميع حذرون بغير ألف . وكان الفراء يقول : كأن الحاذر الذي يحذرك الآن ، وكأن الحذر المخلوق حذرا لا تلقاه إلا
حذرا ، ومن الحذر قول بان أحمر :
هل أنسان يوما إلى غيره إني حوالي وإني حذر
والصواب من القول في ذلك قراءتان مستفيضتان في قراءة الأمصار متقاربتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارئ ، فمصيب الصواب فيه .
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، قال : سمعت الأسود بن يزيد يقرأ " وإنا لجميع حاذرون " قال : مقوون مؤدون .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يحيى بن واضح ، قال : ثنا عيسى بن عبيد ، عن أيوب ، عن أبي العرجاء عن الضحاك بن مزاحم أنه كان يقرأ " وإنا لجميع حاذرون " يقول : مؤدون .
حدثنا موسى ، قال : ثنا عمرو ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي في قوله " وإنا لجميع حاذرون " قال : مؤدون معدون في السلاح والكراع .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج أبو معشر ، عن محمد بن قيس قال : كان مع فرعون ست مئة ألف حصان أدهم سوى ألوان الخيل .
حدثنا عمرو بن علي ، قال : ثنا أبو داود ، قال : ثنا سليمان بن معاذ الضبي ، عن عاصم بن بهدلة عن أبي رزين ، عن ابن عباس أنه قرأها " وإنا لجميع حاذرون " قال : مؤدون مقوون .
قوله تعالى : " فأرسل فرعون في المدائن حاشرين " سورة الشعراء
لما طال مقام موسى عليه السلام ببلاد مصر, وأقام بها حجج الله وبراهينه على فرعون وملئه, وهم مع ذلك يكابرون ويعاندون, لم يبق لهم إلا العذاب والنكال, فأمر الله تعالى موسى عليه السلام أن يخرج ببني إسرائيل ليلاً من مصر, وأن يمضي بهم حيث يؤمر, ففعل موسى عليه السلام ما أمره به ربه عز وجل, خرج بهم بعد ما استعاروا من قوم فرعون حلياً كثيراً, وكان خروجه بهم فيما ذكره غير واحد من المفسرين وقت طلوع القمر, وذكر مجاهد رحمه الله أنه كسف القمر تلك الليلة, فالله أعلم, وأن موسى عليه السلام سأل عن قبر يوسف عليه السلام, فدلته امرأة عجوز من بني إسرائيل عليه, فاحتمل تابوته معهم, ويقال: إنه هو الذي حمله بنفسه عليهما السلام, وكان يوسف عليه السلام قد أوصى بذلك, إذا خرج بنو إسرائيل أن يحملوه معهم.
وقد ورد في ذلك حديث رواه ابن أبي حاتم رحمه الله فقال: حدثنا علي بن الحسين , حدثنا عبد الله بن عمر بن أبان بن صالح , حدثنا ابن فضيل عن يونس بن أبي إسحاق , عن ابن أبي بردة عن أبيه عن أبي موسى قال: " نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأعرابي فأكرمه, فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم تعاهدنا ؟ فأتاه الأعرابي, فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما حاجتك ؟ قال: ناقة برحلها وأعنز يحتلبها أهلي, فقال أعجزت أن تكون مثل عجوز بني إسرائيل ؟ فقال له أصحابه: وما عجوز بني إسرائيل يا رسول الله ؟ قال إن موسى عليه السلام لما أراد أن يسير ببني إسرائيل أضل الطريق, فقال لبني إسرائيل: ما هذا ؟ فقال له علماء بني إسرائيل: نحن نحدثك أن يوسف عليه السلام لما حضرته الوفاة أخذ علينا موثقاً من الله أن لا نخرج من مصر حتى ننقل تابوته معنا, فقال لهم موسى: فأيكم يدري أين قبر يوسف ؟ قالوا: ما يعلمه إلا عجوز لبني إسرائيل, فأرسل إليها فقال لها: دليني على قبر يوسف, فقالت: والله لا أفعل حتى تعطيني حكمي, فقال لها: وما حكمك ؟ قالت: حكمي أن أكون معك في الجنة, فكأنه ثقل عليه ذلك, فقيل له: أعطها حكمها ـ قال ـ فانطلقت معهم إلى بحيرة ـ مستنقع ماء ـ فقالت لهم: انضبوا هذا الماء, فلما أنضبوه قالت: احفروا, فلما حفروا استخرجوا قبر يوسف, فلما احتملوه إذا الطريق مثل ضوء النهار" وهذا حديث غريب جداً, والأقرب أنه موقوف, والله أعلم, فلما أصبحوا وليس في ناديهم داع ولا مجيب, غاظ ذلك فرعون, واشتد غضبه على بني إسرائيل لما يريد الله به من الدمار, فأرسل سريعاً في بلاده حاشرين, أي من يحشر الجند ويجمعه كالنقباء والحجاب, ونادى فيهم "إن هؤلاء" يعني بني إسرائيل "لشرذمة قليلون" أي لطائفة قليلة "وإنهم لنا لغائظون" أي كل وقت يصل منهم إلينا ما يغيظنا "وإنا لجميع حاذرون" أي نحن كل وقت نحذر من غائلتهم, وإني أريد أن أستأصل شأفتهم, وأبيد خضراءهم, فجوزي في نفسه وجنده بما أراد لهم, قال الله تعالى: "فأخرجناهم من جنات وعيون * وكنوز ومقام كريم" أي فخرجوا من هذا النعيم إلى الجحيم, وتركوا تلك المنازل العالية والبساتين والأنهار والأموال والأرزاق, والملك والجاه الوافر في الدنيا "كذلك وأورثناها بني إسرائيل" كما قال تعالى: "وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها" الاية, وقال تعالى: "ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين" الايتين.
و 53- "فأرسل فرعون في المدائن حاشرين" وذلك حين بلغه مسيرهم، والمراد بالحاشرين الجامعون للجيش من الأمكنة التي فيها أتباع فرعون، ثم قال فرعون لقولمه بعد اجتماعهم لديه.
53- "فأرسل فرعون في المدائن حاشرين"، يحشرون الناس يعني: الشرط ليجمعوا السحرة. وقيل: حتى يجمعوا له الجيش، وذكر بعضهم: أنه كان له ألف مدينة واثنا عشرة ألف قرية.
53 -" فأرسل فرعون " حين أخبر بسراهم . " في المدائن حاشرين " العساكر ليتبعوهم .
53. Then Pharaoh sent into the cities summoners,
53 - By inspiration We told Moses: Travel by night with My servants; for surely ye shall be pursued.