[الشعراء : 4] إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّن السَّمَاء آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ
4 - (إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت) بمعنى المضارع أي تظل تدوم (أعناقهم لها خاضعين) فيؤمنون ولما وصفت الأعناق بالخضوع الذي هو لأربابها جمعت الصفة منه جمع العقلاء
اختلف أهل التأويل في تأويل قوله " فظلت أعناقهم " ... الآية ، فقال بعضهم : معناه : فظل القوم الذين أنزل عليهم من السماء آية خاضعة أعناقهم لها من الذلة .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، في قوله " فظلت أعناقهم لها خاضعين " قال : فظلوا خاضعة أعناقهم لها .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : اخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله " خاضعين " قال : لو شاء الله لنزل عليه آية يذلون بها ، فلا يلوي أحد عنقه إلى معصية الله .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، " أن لا يكونوا مؤمنين *إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية " قال : لو شاء الله لأراهم أمرا من أمره لا يعمل أحد منهم بعده بمعصية .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله " فظلت أعناقهم لها خاضعين " قال : ملقين أعناقهم .
حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله " فظلت أعناقهم لها خاضعين " قال : الخاضع : الذليل .
و قال آخرون : بل معنى ذلك : فظلت سادتهم و كبراؤهم للآية خاضعين ، و يقول : الأعناق : هم الكبراء من الناس .
واختلف أهل العربية في وجه تذكير خاضعين ، و هو خبر عن الأعناق ، فقال بعض نحويي البصرة يزعمون أن قوله " أعناقهم " على الجماعات ،نحو : هذا عنق من الناس كثير ، أو ذكر كما يذكر بعض المؤنث ، كما قال الشاعر :
تمززتها و الديك يدعو صباحه إذا ما بنو نعش دنوا فتصوبوا
فجماعات هذا أعناق ، أو يكون ذكره لإضافته إلى المذكر كما يؤنث لإضافته إلى المؤنث ، كما قال الأعشي :
ونشرق بالقول الذي قد أذعته كما شرقت صدر القناة من الدم
و قال العجاج :
لما رأى متن السماء أبعدت
و قال الفرزدق :
إذا القنبضات السود طوفن بالضحى رقدن عليهن الحجال المسجف
و قال الأعشى :
وإن أمرا أهدى إليك ودونه من الأرض يهماء وبيداء خيفق
لمحقوقة أن تستجيبي لصوته وأن تعلمي أن المعان الموفق
قال ك ويقولون : بنات نعش و بنو نعش ، و يقال : بنات عرس ، وبنو عرس ، و قالت امرأة : أنا امرؤ لا أخبر السر ، قال : و ذكر لرؤبة رجل فقال : هو كان أحد بنات مساجد الله ، يعني الحصى . وكان بعض نحوييي الكوفة يقول : هذا بمنزلة قول الشاعر :
ترى أرماحهم متقلديها إذا صدئ الحديد على الكماة
فمعناه عنده : فظلت أعناقهم خاضعيها هم ، كما يقال : يدك باسطها ، بمعنى : يدك باسطها أنت ، فاكتفي بما ابتدأ به من الأسم أن يكون ، فصار الفعل كأنه للأول ،هو للثاني ، و كذلك قوله : لمحقوقة أن تستجيبي لصوته إنما هو لمحقوقة أنت ، و المحقوقة : الناقة ، إلا أنه عطفه على المرء لما عاد بالذكر . و كان آخر منهم يقول : الأعناق : الطوائف ، كما يقال : رأيت الناس إلى فلان عنقا واحدة ، فيجعل الأعناق الطوائف و العصب ، و يقول : يحتمل أيضا أ ن تكون الأعناق هم السادة و الرجال الكبراء ، فيكون كأنه قيل : فظلت رءوس القوم و كبراؤهم لها خاضعين : و قال أحب إلي من هذين الوجهين في العربية أن يقال : إن الأعناق إذا خضعت فأربابها خاضعون ، فجعلت الفعل أولا للأعناق ، ثم جعلت خاضعين للرجال ، كما قال الشاعر :
على قبضة مرجوة ظهر كفه فلا المرء مستحي ولا هو طاعم
فأنث فعل الظهر ، لأ نالكف تجمع الظهر ، و تكفي منه ، كما أنك تكتفي بأن تقول : خضعت لك ، من أن تقول : خضعت لك رقبتي ، و قال ألا ترى أن العرب تقول : كل ذي عين ناظر و ناظرة إليك ، لأن قولك : نظرت إليك عيني ، و نظرت إليك بمعنى واحد بترك كل وله الفعل وبرده إلى العين ، فلو قلت : فظلت أعناقهم لها خاضعة ، كان صوابع .
قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب و أشبهها بما قال أهل التأويل في ذلك أن تكون الأعناق هي أعناق الرجال ، و أن يكون معنى الكلام : فظلت أعناقهم ذليلة الآية التي ينزلها الله عليهم من السماء ، أو يكون قوله خاضعين مذكرا ، لأنه خبر عن الهاء و الميم في الأعناق ، فيكون ذلك نظير قول جرير :
أرى من السنين أخذن مني كما أخذ السرار من الهلال
وذلك أن قوله مر ، لو أسعط من الكلام ، لأدى ما بعي من الكلام عنه ولم يفسد سقوطه معنى الكلام عما كان به قبل سقوطه ، و كذلك لو أسقطت الأعناق من قوله : فظلت أعناقهم ، لأدى مت بقي من الكلام عنها ، وذلك أن الرجال إذا ذلوا فقد ذلت رقابهم ، و إذا ذلت رقابهم فقد ذلوا .
فإن قيل في الكلام : فظلوا لها خاضعين ، كان الكلام غير فاسد ، لسقوط الأعناق ، ولا متغير معناه عما كان عليه قبل سقوطها ، فصرف الخبر بالخضوع إلى أصحاب الأعناق ، و إن كان قد ابتدأ بذكر الأعناق لما قد جرى به استعمال العرب في كلامهم ، إذا كان الاسم المبتدأ به و ما أضيف إليه يؤدي الخبر كل واحد منهما عن الآخر .
قوله تعالى : " إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية " أي معجزة ظاهرة وقدرة باهرة فتصير معارفهم ضرورية ، ولكن سبق القضاء بأن تكون المعرف نظرية . وقال أبو حمزة الثمالي في هذه الآية : بلغني أن لهذه الآية صوتاً يسمع من السماء في النصف من شهر رمضان ، تخرج به العوائق من البيوت وتضج له الأرض . وهذا فيه بعد ، لأن المراد قريش لا غيرهم . " فظلت أعناقهم " أي فتظل أعناقهم " لها خاضعين " قال مجاهد : أعناقهم كبراؤهم ، وقال النحاس : ومعروف في اللغة ، يقال : جاءني عنق من الناس أي رؤساء منهم . أبو زيد , الأحفش : " أعناقهم " جماعاتهم ، يقال : جاءني عنق من الناس أي جماعة . وقل : إنما أراد أصحاب الأعناق ، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه . قتادة : المعنى لو شاء لأنزل آية يذلون بها فلا يلوي أحد منهم عنقه إلى معصية . ابن عباس : نزلت فينا وفي بني أمية ستكون لنا عليهم الدولة فتذل لنا أعناقهم بعد معاوية ، ذكره الثعلبي و الغزنوي فالله أعلم. وخاضعين وخاضعة هنا سواء ، قاله عيس بن عمر واختاره المبرد . والمعنى : إنهم إذا ذلت رقابهم ذلوا ، فالإخبار عن الرقاب إخبار عن أصحابها . ويسوغ في كلام العرب أن تترك الخبر عن الأول وتخبر عن الثاني ، قال الراجز :
طول الليالي أسرعت في نقضي طوين طولي وطوين عرضي
فأخبر عن الليالي وترك الطول . وقال جرير :
أرى مر السنين أخذن مني كما أخذ السرار من الهلال
وإنما جاز ذلك لأنه لو أسقط مر وطول من الكلام لم يفسد معناه ، فكذلك رد الفعل إلى الكناية في قوله : " فظلت أعناقهم " لأنه لو أسقط الأعناق لما فسد الكلام ولأدى ما بقي من الكلام عنه حتى يقول : فظلوا لها خاضعين . وعلى هذا اعتمد الفراء وأبو عبيدة . و الكسائي يذهب إلى أن المعنى خاضعيها هم ، وهذا خطأ عند البصريين و الفراء . ومثل هذا الحذف لا يقع في شيء من الكلام ،قاله النحاس .
أما الكلام على الحروف المقطعة في أوائل السور فقد تكلمنا عليه في أول تفسير سورة البقرة. وقوله تعالى: "تلك آيات الكتاب المبين" أي هذه آيات القرآن المبين, أي البين الواضح الجلي الذي يفصل بين الحق والباطل, والغي والرشاد. وقوله تعالى: "لعلك باخع" أي مهلك "نفسك" أي مما تحرص وتحزن عليهم " أن لا يكونوا مؤمنين " وهذه تسلية من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم في عدم إيمان من لم يؤمن به من الكفار, كما قال تعالى: "فلا تذهب نفسك عليهم حسرات" كقوله "فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفاً" الاية. قال مجاهد وعكرمة وقتادة وعطية والضحاك والحسن وغيرهم "لعلك باخع نفسك" أي قاتل نفسك. قال الشاعر:
ألا أيهذا الباخع الحزن نفسه لشيذء نحته عن يديه المقادر
ثم قال تعالى: "إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين" أي لو نشاء لأنزلنا آية تضطرهم إلى الإيمان قهراً, ولكن لا نفعل ذلك لأنا لا نريد من أحد إلا الإيمان الاختياري. وقال تعالى: " ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ". وقال تعالى: "ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة" الاية, فنفذ قدره, ومضت حكمته, وقامت حجته البالغة على خلقه بإرسال الرسل إليهم, وإنزال الكتب عليهم, ثم قال تعالى: "وما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث إلا كانوا عنه معرضين" أي كلما جاءهم كتاب من السماء أعرض عنه أكثر الناس, كما قال تعالى: "وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين" وقال تعالى: "يا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون" وقال تعالى: " ثم أرسلنا رسلنا تترا كلما جاء أمة رسولها كذبوه " الاية, ولهذا قال تعالى ههنا: " فقد كذبوا فسيأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون " أي فقد كذبوا بما جاءهم من الحق, فسيعلمون نبأ هذا التكذيب بعد حين "وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون" ثم نبه تعالى على عظمة سلطانه وجلالة قدره وشأنه, الذين اجترءوا على مخالفة رسوله وتكذيب كتابه, وهو القاهر العظيم القادر الذي خلق الأرض وأنبت فيها من كل زوج كريم من زروع وثمار وحيوان.
قال سفيان الثوري عن رجل عن الشعبي : الناس من نبات الأرض فمن دخل الجنة فهو كريم, ومن دخل النار فهو لئيم " إن في ذلك لآية " أي دلالة على قدرة الخالق للأشياء الذي بسط الأرض ورفع بناء السماء, ومع هذا ما آمن أكثر الناس بل كذبوا به وبرسله وكتبه, وخالفوا أمره, وارتكبوا نهيه. وقوله "وإن ربك لهو العزيز" أي الذي عز كل شيء وقهره وغلبه "الرحيم" أي بخلقه فلا يعجل على من عصاه بل يؤجله وينظره, ثم يأخذه أخذ عزيز مقتدر. قال أبو العالية وقتادة والربيع بن أنس وابن إسحاق : العزيز في نقمته وانتصاره ممن خالف أمره وعبد غيره. وقال سعيد بن جبير : الرحيم بمن تاب إليه وأناب.
وجملة 4- "إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية" مستأنفة مسوقة لتعليل ما سبق من التسلية، والمعنى: إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية تلجئهم إلى الإيمان، ولكن قد سبق القضاء بأنا لا ننزل ذلك، ومعنى "فظلت أعناقهم لها خاضعين" أنهم صاروا مناقدين لها: أي فتظل أعناقهم إلخ، قيل وأصله فظلوا لها خاضعين فأقحمت الأعناق لزيادة التقرير والتصوير، لأن الأعناق موضع الخضوع، وقيل إنها لما وضعت الأعناق موضع الخضوع، وقيل إنها لما وضعت الأعناق بصفات العقلاء أجريت مجراهم ووصفت بما يوصفون به. قال عيسى بن عمر: خاضعين وخاضعة هنا سواء، واختاره المبرد، والمعنى: أنها إذا ذلت رقابهم ذلوا، فالإخبار عن الرقاب إخبار عن أصحابها، ويسوغ في كلام العرب أن يترك الخبر عن الأول ويخبر عن الثاني، ومنه قول الراجز:
طول الليالي أسرعت في نقضي طوين طولي وطوين عرضي
فأخبر عن الليالي وترك الطول، ومنه قول جرير:
أرى مر السنين أخذن مني كما أخذ السرار من الهلال
وقال ابو عبيد والكسائي: إن المعنى خاضعيها هم، وضعفه النحاس. وقال مجاهد: أعناقهم كبراؤهم. قال النحاس: وهذا معروف في اللغة، يقال جاءني عنق من الناس: أي رؤساء منهم. وقال أبو زيد والأخفش: أعناقهم جماعاتهم، يقال جاءني عنق من الناس: أي جماعة.
4- "إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين"، قال قتادة: لو شاء الله لأنزل عليهم آية يذلون بها، فلا يلوي أحد منهم عنقه إلى معصية الله وقال ابن جريج: معناه: لو شاء الله لأراهم أمراً من أمره، لا يعمل أحد منهم بعده معصية.
وقوله عز وجل:"خاضعين" ولم يقل خاضعة وهي صفة الأعناق،وفيه أقاويل: أحدها: أراد أصحاب الأعناق، فحذف الأصحاب وأقام الأعناق مقامهم، لأن الأعناق إذا خضعت فأربابها خاضعون، فجعل الفعل أولاً للأعناق، ثم جعل خاضعين للرجال.
وقال الأخفش: رد الخضوع على المضمر الذي أضاف الأعناق إليه.
وقال قوم: ذكر الصفة لمجاورتها المذكر، وهو قوله هم على عادة العرب في تذكير المؤنث إذا أضافوه إلى مذكر، وتأنيث المذكر إذا أضافوه إلى مؤنث.
وقيل: أراد فظلوا خاضعين فعبر بالعنق عن جميع البدن، كقوله: "ذلك بما قدمت يداك" (الحج-10) و"ألزمناه طائره في عنقه" (الإسراء-13).
وقال مجاهد: أراد بالأعناق الرؤساء والكبراء،أي: فظلت كبراؤهم خاضعين. وقيل: أراد بالأعناق الجماعات،يقال: جاء القوم عنقاً عنقاً، أي:جماعات وطوائف.
وقيل:إنما قال خاضعين على وفاق رؤوس الآي ليكون على نسق واحد.
4 -" إن نشأ ننزل عليهم من السماء آيةً " دلالة ملجئة إلى الإيمان أو بلية قاسرة عليه . " فظلت أعناقهم لها خاضعين " منقادين وأصله فظلوا لها خاضعين فأقحمت الأعناق لبيان موضع الخضوع وترك الخبر على أصله . وقيل لما وصفت الأعناق بصفات العقلاء أجريت مجراهم . وقيل المراد بها الرؤساء أو الجماعات من قولهم : جاءنا عنق من الناس لفوج منهم ، وقرئ " خاشعة " و " ظلت " عطف على " ننزل " عطف وأكن على فأصدق لأنه لو قيل أنزلنا بدله لصح .
4. If We will, We can send down on them from the sky a portent so that their necks would remain bowed before it.
4 - If (such) were Our Will, We could send down to them from the sky a Sign, to which they would bend their necks in humility.