[الشعراء : 25] قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ
25 - (قال) فرعون (لمن حوله) من أشراف قومه (ألا تستمعون) جوايه الذي لم يطابق السؤال
يعني تعالى ذكره بقوله " قال لمن حوله ألا تستمعون " قال فرعون لمن حوله من قومه : ألا تستمعون لما يقول موسى ؟ فأخبر موسى عليه السلام القوم بالجواب عن مسئلة فرعون إياه قيله له " وما رب العالمين " ؟ ليفهم بذلك قوم فرعون مقالته لفرعون ، وجوابه إياه عما سأله ، إذ قال لهم فرعون " ألا تستمعون " إلى قول موسى ، فقال لهم الذي دعوته إليه وإلى عبادته " ربكم " الذي خلقكم " ورب آبائكم الأولين " فقال فرعون لما قال لهم موسى ذلك ، أخبرهم عما يدعوا إليه فرعون وقومه " إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون " يقول : إن رسولكم هذا الذي يزعم أنه أرسل إليكم لمغلوب على عقله ، لأنه يقول قولا لا نعرفه ، ولا نفهمه ، إنما قال ذلك ونسب موسى عدو الله إلى الجنة ، لأنه كان عنده وعند قومه أنه لا رب غيره يعبد ، وأن الذي يدعوه إليه موسى باطل ليست له حقيقة ، فقال موسى عند ذلك محتجا عليهم ، ومعرفهم ربهم بصفته وأدلته ، إذ كان عند قوم فرعون أن الذي يعرفونه ربا لهم في ذلك الوقت هو فرعون ، وأن الذي يعرفونه لآبائهم أربابا ملوك أخر ، كانوا قبل فرعون ، قد مضوا فلم يكن عندهم أن موسى أخبرهم بشيء له معنى يفهمونه ولا يعقلونه ، ولذلك قال لهم فرعون : إنه لمجنون ، لأن كلامه كان عندهم كلاما لا يعقلون معناه : الذي أدعوكم وفرعون إلى عبادته رب المشرق والمغرب وما بينهما ، يعني ملك مشرق الشمس ومغربها ، وما بينهما من شيء ، لا إلى عبادة ملوك مصر الذي كانوا ملوكها قبل فرعون لآبائكم فمضوا ، ولا إلى عبادة فرعون الذي هو ملكها " إن كنتم تعقلون " يقول : إن كان لكم عقول تعقلون بها ما يقال لكم ، وتفهمون بها ما تسمعون مما يعين لكم . فلما أخبرهم عليه السلام بالأمر الذي علموا أنه الحق الواضح ، إذ كان فرعون ومن قبله من ملوك مصر لم يجاوز ملكهم عريش مصر ، وتبين لفرعون ومن حوله من قومه أن الذي يدعوهم موسى إلى عبادته ، هو الملك الذي يملك الملوك قال فرعون حينئذ استكبارا عن الحق ، وتماديا في الغي لموسى " لئن اتخذت إلها غيري " يقول : لئن أقررت بمعبود سواي " لأجعلنك من المسجونين " يقول : لأسجننك مع من في السجن من أهله .
قوله تعالى : " ألا تستمعون "على معنى الإغراء التعجب من سفه المقالة إذا كانت عقيدة القوم أن فرعون ربهم ومعبودهم والفراعنة قبله كذلك . فزاد موسى في البيان بقوله .
يقول تعالى مخبراً عن كفر فرعون وتمرده وطغيانه وجحوده في قوله "وما رب العالمين" وذلك أنه كان يقول لقومه "ما علمت لكم من إله غيري" "فاستخف قومه فأطاعوه" وكانوا يجحدون الصانع جل وعلا, ويعتقدون أنه لا رب لهم سوى فرعون فلما قال له موسى: إني رسول رب العالمين. قال له فرعون: ومن هذا الذي تزعم أنه رب العالمين غيري ؟ هكذا فسره علماء السلف وأئمة الخلف, حتى قال السدي : هذه الاية كقوله تعالى: " قال فمن ربكما يا موسى * قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى " ومن زعم من أهل المنطق وغيرهم أن هذا سؤال عن الماهية فقد غلط, فإنه لم يكن مقراً بالصانع حتى يسأل عن الماهية, بل كان جاحداً له بالكلية فيما يظهر, وإن كانت الحجج والبراهين قد قامت عليه, فعند ذلك قال موسى لما سأله عن رب العالمين "قال رب السموات والأرض وما بينهما" أي خالق جميع ذلك ومالكه والمتصرف فيه, وإلهه لا شريك له, هو الذي خلق الأشياء كلها, العالم العلوي وما فيه من الكواكب الثوابت والسيارات النيرات, والعالم السفلي وما فيه من بحار وقفار وجبال وأشجار وحيوانات ونبات وثمار, وما بين ذلك من الهواء والطير, وما يحتوي عليه الجو, الجميع عبيد له خاضعون ذليلون "إن كنتم موقنين" أي إن كانت لكم قلوب موقنة وأبصار نافذة, فعند ذلك التفت فرعون إلى من حوله من ملئه ورؤساء دولته قائلاً لهم على سبيل التهكم والاستهزاء والتكذيب لموسى فيما قاله " لا يسمعون " أي ألا تعجبون مما يقول هذا في زعمه أن لكم إلهاً غيري ؟ فقال لهم موسى "ربكم ورب آبائكم الأولين" أي خالقكم وخالق آبائكم الأولين, الذين كانوا قبل فرعون وزمانه. "قال" أي فرعون لقومه "إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون" أي ليس له عقل في دعواه أن ثم رباً غيري. "قال" أي موسى لأولئك الذين أوعز إليهم فرعون ما أوعز من الشبهة, فأجاب موسى بقوله " رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون " أي هو الذي جعل المشرق مشرقاً تطلع منه الكواكب, والمغرب مغرباً تغرب فيه الكواكب: ثوابتها وسياراتها, مع هذا النظام الذي سخرها فيه وقدرها, فإن كان هذا الذي يزعم أنه ربكم وإلهكم صادقاً, فليعكس الأمر وليجعل المشرق مغرباً والمغرب مشرقاً, كما قال تعالى عن " الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب " الاية. ولهذا لما غلب فرعون وانقطعت حجته, عدل إلى استعمال جاهه وقوته وسلطانه, واعتقد أن ذلك نافع له ونافذ في موسى عليه السلام, فقال ما أخبر الله تعالى عنه :
25- "قال" فرعون "لمن حوله ألا تستمعون" أي لمن حوله من الأشراف ألا تستمعون ما قاله، يعني موسى معجباً لهم من ضعف المقالة كأنه قال: أتسمعون وتعجبون، وهذا من اللغني مغالطة، لما لم يجد جواباً عن الحجة التي أوردها عليه موسى، فلما سمع موسى ما قال فرعون، أورد عليه حجة أخرى هي مندرجة تحت الحجة الأولى ولكنها أقرب إلى فهم السامعين له.
25- "قال لمن حوله"، من أشراف قومه. قال ابن عباس: كانوا خمس مائة رجل عليهم الأسورة، قال لهم فرعون استبعاداً لقول موسى: "ألا تستمعون"، وذلك أنهم كانوا يعتقدون أن آلتهم ملوكهم، فزادهم موسى في البيان.
25 -" قال لمن حوله ألا تستمعون " جوابه سألته عن حقيقته وهو يذكر أفعاله ، أو يزعم أنه " رب السموات " وهي واجبة متحركة لذاتها كما هو مذهب الدهرية ، أو غير معلوم افتقارها إلى مؤثر .
25. (Pharaoh) said unto those around him: Hear ye not?
25 - (Pharaoh) said to those around: Do ye not listen (to what he says)?