[الشعراء : 207] مَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يُمَتَّعُونَ
207 - (ما) استفهامية بمعنى أي شيء (أغنى عنهم ما كانوا يمتعون) في دفع العذاب أو تخفيفه أي لم يغن
القول في تأويل قوله تعالى : " ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون " .
قوله تعالى : " ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون " (ما) الأولى استفهام معناه التقرير ، وهو في موضع نصب أعنى وما الثانية في موضع رفع ، ويجوزز أن تكون الثانية نفياً لا موضع لها . وقيل :(ما) الأولى حرف نفي ، و(ما) الثانية في موضع رفع بـ(أغنى والهاء محذوفه . والتقدير : ما أغنى عنهم الزمان الذي كانوا يمتعونه . وعن الزهري : إن عمر بن عبد العزيز كان إذا أصبح أمسك بلحيته ثم قرأ : " أفرأيت إن متعناهم سنين * ثم جاءهم ما كانوا يوعدون * ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون " ثم يبكي ويقول :
نهارك يا مغرور سهو وغفلة وليلك نوم والردى لك لازم
فلا أنت في الأيقاط يقظان حازم ولا أنت في النوام ناج فسالم
تسر بما يفنى وتفرح بالمنى كما سر باللذات في النونم حالم
وتسعى إلى ما سوف تكره غبه كذلك في الدنيا تعيش بالبهائم
قوله تعالى : " وما أهلكنا من قرية " من صلة ، المعنى : وما أهلكنا قرية .
يقول تعالى: كذلك سلكنا التكذيب والكفر والجحود والعناد, أي أدخلناه في قلوب المجرمين "لا يؤمنون به" أي بالحق "حتى يروا العذاب الأليم" أي حيث لا ينفع الظالمين معذرتهم, ولهم اللعنة ولهم سوء الدار "فيأتيهم بغتة" أي عذاب الله بغتة " وهم لا يشعرون * فيقولوا هل نحن منظرون " أي يتمنون حين يشاهدون العذاب أن لو أنظروا قليلاً ليعملوا في زعمهم بطاعة الله, كما قال الله تعالى: " وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال " فكل ظالم وفاجر إذا شاهد عقوبته ندم ندماً شديداً, هذا فرعون لما دعا عليه الكليم بقوله " ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم * قال قد أجيبت دعوتكما " فأثرت هذه الدعوة في فرعون, فما آمن حتى رأى العذاب الأليم " حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين * آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين " وقال تعالى: "فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده" الايات.
وقوله تعالى: "أفبعذابنا يستعجلون" إنكار عليهم وتهديد لهم, فإنهم كانوا يقولون للرسول تكذيباً واستبعاداً: ائتنا بعذاب الله, كما قال تعالى: "ويستعجلونك بالعذاب" الايات, ثم قال " أفرأيت إن متعناهم سنين * ثم جاءهم ما كانوا يوعدون * ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون " أي لو أخرناهم وأنظرناهم وأملينا لهم برهة من الدهر وحيناً من الزمان وإن طال, ثم جاءهم أمر الله أي شيء يجدي عنهم ما كانوا فيه من النعيم "كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها" وقال تعالى: "يود أحدهم لو يعمر ألف سنة وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر" وقال تعالى: "وما يغني عنه ماله إذا تردى" ولهذا قال تعالى: "ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون".
وفي الحديث الصحيح "يؤتى بالكافر فيغمس في النار غمسة ثم يقال له: هل رأيت خيراً قط ؟ هل رأيت نعيماً قط ؟ فيقول: لا والله يا رب, ويؤتى بأشد الناس بؤساً كان في الدنيا, فيصبغ في الجنة صبغة, ثم يقال له: هل رأيت بؤساً قط ؟ فيقول: لا والله يا رب" أي ما كأن شيئاً كان. ولهذا كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يتمثل بهذا البيت:
كأنك لم تؤثر من الدهر ليلة إذا أنت أدركت الذي أنت تطلب
ثم قال تعالى مخبراً عن عدله في خلقه أنه ما أهلك أمة من الأمم إلا بعد الإعذار إليهم, والإنذار لهم, وبعثة الرسل إليهم, وقيام الحجة عليهم, ولهذا قال تعالى: "وما أهلكنا من قرية إلا لها منذرون * ذكرى وما كنا ظالمين" كما قال تعالى: "وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً" وقال تعالى: " وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا يتلو عليهم آياتنا وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون ".
207- "ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون" ما هي الاستفهامية، والمعنى: أي شيء أغنى عنهم كونهم ممتعين ذلك التمتع الطويل، و ما في ما كانوا يمتعون يجوز أن تكون المصدرية، ويجوز أن تكون الموصولة والاستفهام للإنكار التقريري، ويجوز أن تكون ما الأولى نافية، والمفعول محذوف: أي لم يغن عنهم تمتيعهم شيئاً، وقرئ يمتعون بإسكان الميم وتخفيف التاء من أمتع الله زيداً بكذا.
207- "ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون"، به في تلك السنين. والمعنى: أنهم وإن طال تمتعهم بنعيم الدنيا فإذا أتاهم العذاب لم يغن عنهم طول التمتع شيئاً، ويكون كأنهم لم يكونوا في نعيم قط.
207 -" ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون " لم يغن عنهم تمتعهم المتطاول في دفع العذاب وتخفيفه .
207. (How) that wherewith they were contented naught availeth them?
207 - It will profit them not that they enjoyed (this life)!