[الشعراء : 201] لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ
201 - (لا يؤمنون به حتى يروا العذاب الأليم)
القول في تأويل قوله تعالى : " لا يؤمنون به حتى يروا العذاب الأليم " .
قوله تعالى : " لا يؤمنون به " وقيل : سلكنا التكذيب في قلوبهم ، فذلك الذي منعهم من الإيمان ، قاله يحيى بن سلام . وقال عكرمة : القسوة . والمعنى متقارب وقد مضى في ( الحجر ) وأجاز الفراء الجزم في " لا يؤمنون " ، لأن فيه معنى الشرط والمجازاة . وزعم أن من شأن العرب إذا وضعت لا موضع كي لا في مثل هذا ربما جزمت ما بعدها وربما رفعت ، فتقول : ربطت الفرس لا ينفلت بالرفع والجزم ، لأن معناه إن لم أربطه ينفلت ، والرفع بمعنى كيلا ينفلت . وأنشد لبعض بن عقيل :
وحتى رأينا أحسن الفعل بيننا مساكنة لا يقرف الشر قارف
بالرفع لما حذف كي . ومن الجزم قوله الآخر :
لطالما حلأتماها لا ترد فخلياها والسجال تبترد
قال النحاس : وهذا كله في " يؤمنون " خطأ عند البصريين ، ولا يجوز الجزم بلا جازم ، ولا يكون شيء يعمل عملاً فإذا حذف عمل عملاً أقوى منعمله وهو موجود ، فهذا احتجاج بين .
يقول تعالى: كذلك سلكنا التكذيب والكفر والجحود والعناد, أي أدخلناه في قلوب المجرمين "لا يؤمنون به" أي بالحق "حتى يروا العذاب الأليم" أي حيث لا ينفع الظالمين معذرتهم, ولهم اللعنة ولهم سوء الدار "فيأتيهم بغتة" أي عذاب الله بغتة " وهم لا يشعرون * فيقولوا هل نحن منظرون " أي يتمنون حين يشاهدون العذاب أن لو أنظروا قليلاً ليعملوا في زعمهم بطاعة الله, كما قال الله تعالى: " وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال " فكل ظالم وفاجر إذا شاهد عقوبته ندم ندماً شديداً, هذا فرعون لما دعا عليه الكليم بقوله " ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم * قال قد أجيبت دعوتكما " فأثرت هذه الدعوة في فرعون, فما آمن حتى رأى العذاب الأليم " حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين * آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين " وقال تعالى: "فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده" الايات.
وقوله تعالى: "أفبعذابنا يستعجلون" إنكار عليهم وتهديد لهم, فإنهم كانوا يقولون للرسول تكذيباً واستبعاداً: ائتنا بعذاب الله, كما قال تعالى: "ويستعجلونك بالعذاب" الايات, ثم قال " أفرأيت إن متعناهم سنين * ثم جاءهم ما كانوا يوعدون * ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون " أي لو أخرناهم وأنظرناهم وأملينا لهم برهة من الدهر وحيناً من الزمان وإن طال, ثم جاءهم أمر الله أي شيء يجدي عنهم ما كانوا فيه من النعيم "كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها" وقال تعالى: "يود أحدهم لو يعمر ألف سنة وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر" وقال تعالى: "وما يغني عنه ماله إذا تردى" ولهذا قال تعالى: "ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون".
وفي الحديث الصحيح "يؤتى بالكافر فيغمس في النار غمسة ثم يقال له: هل رأيت خيراً قط ؟ هل رأيت نعيماً قط ؟ فيقول: لا والله يا رب, ويؤتى بأشد الناس بؤساً كان في الدنيا, فيصبغ في الجنة صبغة, ثم يقال له: هل رأيت بؤساً قط ؟ فيقول: لا والله يا رب" أي ما كأن شيئاً كان. ولهذا كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يتمثل بهذا البيت:
كأنك لم تؤثر من الدهر ليلة إذا أنت أدركت الذي أنت تطلب
ثم قال تعالى مخبراً عن عدله في خلقه أنه ما أهلك أمة من الأمم إلا بعد الإعذار إليهم, والإنذار لهم, وبعثة الرسل إليهم, وقيام الحجة عليهم, ولهذا قال تعالى: "وما أهلكنا من قرية إلا لها منذرون * ذكرى وما كنا ظالمين" كما قال تعالى: "وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً" وقال تعالى: " وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا يتلو عليهم آياتنا وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون ".
وجملة 201- "لا يؤمنون" تحتمل وجهين: الأول الاستئناف على جهة البيان والإيضاح لما قبلها. والثاني أنها في محل نصب على الحال من الضمير في سلكناه، ويجوز أن يكون حالاً من المجرمين. وأجاز الفراء الجزم في لا يؤمنون، لأنه فيه معنى الشرط والمجازاة، وزعم أن من شأن العرب إذا وضعت لا موضع كيلا مثل هذا ربما جزمت ما بعدها، وربما رفعت، فتقول ربطت الفرس لا ينفلت بالرفع والجزم لأن معناىه: إن لم أربطه ينفلت، وأنشد لبعض بني عقيل:
وحتى رأينا أحسن الفعل بيننا مساكنه لا يقرب الشر قارب
بالرفع، ومن الجزم قول الآخر:
لطال ما حللتماها لا ترد فخلياها والسخال تبترد
قال النحاس: وهذا كله في لا يؤمنون خطأ عند البصريين، ولا يجوز الجزم بلا جازم "حتى يروا العذاب الأليم" أي لا يؤمنون إلى هذه الغاية وهي مشاهدتهم للعذاب الأليم.
201- "لا يؤمنون به"، أي: بالقرآن، "حتى يروا العذاب الأليم"، يعني: عند الموت.
201 -" لا يؤمنون به حتى يروا العذاب الأليم " الملجئ إلى الإيمان .
201. They will not believe in it till they behold the painful doom,
201 - They will not believe in it until they see the grievous Penalty;