[الشعراء : 192] وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ
192 - (وإنه) القرآن (لتنزيل رب العالمين)
يقول تعالى ذكره : وإن هذا القرآن " لتنزيل رب العالمين " والهاء في قوله " وإنه " كناية الذكر الذي في قوله ( وما يأتيهم من ذكر من الرحمن ) الشعراء : 5 .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل :
ذكر من قال ذلك :
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله " لتنزيل رب العالمين " قال : هذا القرآن .
واختلفت القراء في قراءة قوله " نزل به الروح الأمين " فقرأته عامة قراء الحجاز والبصرة " نزل به " مخففة " الروح الأمين " رفعا بمعنى : أن الروح الأمين هو الذي نزل بالقرآن على محمد ، وهو جبريل . وقرأ ذلك عامة قراء أهل الكوفة نزل مشددة الزاي الروح الأمين نصبا ، بمعنى : أن رب العالمين نزل بالقرآن الروح الأمين ، وهو جبريل عليه السلام .
والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال : إنهما قراءتان مستفيضتان في قراء الأمصار ، متقاربتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب ، وذلك أن الروح الأمين إذا نزل على محمد بالقرآن ، لم ينزل به إلا بأمر الله إياه بالنزول ، ولن يجهل أن ذلك كذلك دو إيمان بالله ، وأن الله إذا أنزله به نزل .
وبنحو الذي قلنا في أن المعني بالروح الأمين في هذا الموضع جبريل قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعيد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، في قوله " نزل به الروح الأمين " قال : جبريل .
حدثنا الحسين ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قول الله " نزل به الروح الأمين " قال : جبريل .
حدثنا القاسم ، قا : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال " الروح الأمين " جبريل .
حدثت عن الحسين ، قال :سمعت أبا معاذ : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله " الروح الأمين " قال : جبريل.
وقوله " على قلبك " يقول : نزل به الروح الأمين فتلاه عليك يا محمد ، حتى وعيته بقلبك . وقوله " لتكون من المنذرين " يقول : لتكون من رسل الله الذين كانوا ينذرون من أرسلوا إليه من قومهم ، فتنذر بهذا التنزيل قومك المكذبين بآيات الله . وقوله " بلسان عربي مبين " يقول : لتنذر قومك بلسان عربي مبين ، يبين لمن سمعه أنه عربي ، وبلسان العرب نزل ، والباء من قوله " بلسان " من صلة قوله : " نزل " . وإنما ذكر تعالى ذكره أنه نزل هذا القرآن بلسان عربي مبين في هذا الموضع ، إعلاما منه مشركي قريش أنه أنزله كذلك ، لئلا يقولوا إنه نزل بغير لساننا ، فنحن إنما نعرض عنه ولا نسمعه ، لأنا لا نفهمه ، وإنما هذا تقريع لهم ، وذلك أنه تعالى ذكره قال ( ما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث إلا كانوا عنه معرضين ) الشعراء : 5 ثم قال : لم يعرضوا عنه لأنهم لا يفهمون معانيه ، بل يفهمونها ، لأنه تنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين بلسانهم العربي ، ولكنهم أعرضوا عنه تكذيبا به واستنكارا ( فقد كذبوا فسيأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون ) الشعراء : 6 كما أتى هذه الأمم التي قصصنا نبأها في هذه السورة حين كذبت رسلها أنباء ما كانوا به يكذبون .
قوله تعالى : " وإنه لتنزيل رب العالمين " عاد إلى ما تقدم بيانه في أول السورة من إعراض المشركين عن القرآن .
يقول تعالى مخبراً عن الكتاب الذي أنزله على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم "وإنه" أي القرآن ذكره في أول السورة في قوله "وما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث" الاية "لتنزيل رب العالمين" أي أنزله الله عليك وأوحاه إليك "نزل به الروح الأمين" وهو جبريل عليه السلام, قاله غير واحد من السلف: ابن عباس ومحمد بن كعب وقتادة وعطية العوفي والسدي والضحاك والزهري وابن جريج , وهذا مما لا نزاع فيه. قال الزهري : وهذه كقوله "قل من كان عدواً لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه" وقال مجاهد : من كلمه الروح الأمين لا تأكله الأرض "على قلبك لتكون من المنذرين" أي نزل به ملك كريم أمين ذو مكانة عند الله مطاع في الملأ الأعلى "على قلبك" يا محمد سالماً من الدنس والزيادة والنقص "لتكون من المنذرين" أي لتنذر به بأس الله ونقمته على من خالفه وكذبه, وتبشر به المؤمنين المتبعين له.
وقوله تعالى: "بلسان عربي مبين" أي هذا القرآن الذي أنزلناه إليك, أنزلناه بلسانك العربي الفصيح الكامل الشامل, ليكون بيناً واضحاً ظاهراً, قاطعاً للعذر, مقيماً للحجة دليلاً إلى المحجة. قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا عبد الله بن أبي بكر العتكي , حدثنا عباد بن عباد المهلبي عن موسى بن محمد عن إبراهيم التيمي عن أبيه قال: "بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أصحابه في يوم دجن إذ قال لهم : كيف ترون بواسقها ؟ قالوا: ما أحسنها وأشد تراكمها . قال :فكيف ترون قواعدها ؟ قالوا: ما أحسنها وأشد تمكنها. قال فكيف ترون جريها ؟ قالوا: ما أحسنه وأشد سواده. قال فيكف ترون رحاها استدارت قالوا: ما أحسنها وأشد استدارتها. قال فكيف ترون برقها: أوميض أم خفق أم يشق شقاً ؟ قالوا: بل يشق شقاً. قال الحياء الحياء إن شاء الله. قال: فقال رجل: يا رسول الله, بأبي وأمي, ما أفصحك, ما رأيت الذي هو أعرب منك. قال: فقال حق لي وإنما أنزل القرآن بلساني والله يقول "بلسان عربي مبين"" وقال سفيان الثوري : لم ينزل وحي إلا بالعربية, ثم ترجم كل نبي لقومه, واللسان يوم القيامة بالسريانية, فمن دخل الجنة تكلم بالعربية, رواه ابن أبي حاتم .
قوله: 192- "وإنه لتنزيل رب العالمين" الضمير يرجع إلى ما نزله عليه من الأخبار: أي وإن هذه الأخبار أو وإن القرآن وإن لم يجر له ذكر للعلم به، قيل وهو على تقدير مضاف محذوف: أي ذو تنزيل، وأما إذا كان تنزيل بمعنى منزل فلا حاجة إلى تقدير مضاف.
قوله عز وجل: 192- "وإنه"، يعني القرآن. "لتنزيل رب العالمين".
192 -" وإنه لتنزيل رب العالمين " .
192. And lo! it is a revelation of the Lord of the Worlds,
192 - Verily this is a Revelation from the Lord of the Worlds: