[الشعراء : 19] وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ
19 - (وفعلت فعلتك التي فعلت) هي قتله القبطي (وأنت من الكافرين) الجاحدين لنعمتي عليك بالتربية وعدم الاستعباد
القول في تأويل قوله تعالى : " وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين " .
قوله تعالى : " وفعلت فعلتك التي فعلت " والفعلة بفتح الفاء المرة من الفعل . وقرأ الشعبي : ( فعلتك ) بكسر الفاء والفتح أولى ، لأنها المرة الواحدة ، والكسر بمعنى الهيئة والحال ، أي فعلتك التي تعرف فكيف تدعي مع علمنا أحوالك بأن الله أرسلك . وقال الشاعر :
كأن مشيتها من بيت جارتها مر السحابة لا ريث ولا عجل
ويقال : كان ذلك أيام الردة والردة . " وأنت من الكافرين " قال الضحاك : أي في قتلك القبطي إذ هو نفس لا يحل قتله . وقيل : أي بنعمتي التي كانت لنا عليك من التربية والإحسان إليك ، قاله ابن زيد . الحسن : " من الكافرين " في أني إلهك . السدي : " من الكافرين " بالله لأنك كنت معنا على ديننا هذا الذي تعيبه . وكان بين خروج موسى على السلام حين قتل القبطي وبين رجوعه نبياً أحد عشر عاماً غير أشهر .
يخبر تعالى عما أمر به عبده ورسوله وكليمه موسى بن عمران عليه السلام حين ناداه من جانب الطور الأيمن, وكلمه وناجاه, وأرسله واصطفاه, وأمره بالذهاب إلى فرعون وملئه, ولهذا قال تعالى: " أن ائت القوم الظالمين * قوم فرعون ألا يتقون * قال رب إني أخاف أن يكذبون * ويضيق صدري ولا ينطلق لساني فأرسل إلى هارون * ولهم علي ذنب فأخاف أن يقتلون " هذه أعذار سأل الله إزاحتها عنه, كما قال في سورة طه " قال رب اشرح لي صدري * ويسر لي أمري " إلى قوله " قد أوتيت سؤلك يا موسى ".
وقوله تعالى: "ولهم علي ذنب فأخاف أن يقتلون" أي بسبب قتل ذلك القبطي الذي كان سبب خروجه من بلاد مصر "قال كلا" أي قال الله له: لا تخف من شيء من ذلك كقوله " سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون " "فاذهبا بآياتنا إنا معكم مستمعون" كقوله " إنني معكما أسمع وأرى " أي إنني معكما بحفظي وكلاءتي ونصري وتأييدي " فأتيا فرعون فقولا إنا رسول رب العالمين " كقوله في الاية الأخرى "إنا رسولا ربك" أي كل منا أرسل إليك "أن أرسل معنا بني إسرائيل" أي أطلقهم من إسارك وقبضتك وقهرك وتعذيبك, فإنهم عباد الله المؤمنون وحزبه المخلصون, وهم معك في العذاب المهين, فلما قال له موسى ذلك أعرض فرعون هنالك بالكلية, ونظر إليه بعين الازدراء والغمص, فقال "ألم نربك فينا وليداً" الاية, أي أما أنت الذي ربيناه فينا وفي بيتنا وعلى فراشنا, وأنعمنا عليه مدة من السنين, ثم بعد هذا قابلت ذلك الإحسان بتلك الفعلة أن قتلت منا رجلاً, وجحدت نعمتنا عليك, ولهذا قال "وأنت من الكافرين" أي الجاحدين. قاله ابن عباس وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم , واختاره ابن جرير , "قال فعلتها إذاً" أي في تلك الحال "وأنا من الضالين" أي قبل أن يوحى إلي وينعم الله علي بالرسالة والنبوة.
قال ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد وقتادة والضحاك وغيرهم "وأنا من الضالين" أي الجاهلين. قال ابن جريج : وهو كذلك في قراءة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه "ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكماً وجعلني من المرسلين" الاية, أي انفصل الحال الأول وجاء أمر آخر, فقد أرسلني الله إليك فإن أطعته سلمت, وإن خالفته عطبت, ثم قال موسى "وتلك نعمة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل" أي وما أحسنت إلي وربيتني مقابل ما أسأت إلى بني إسرائيل فجعلتهم عبيداً وخدماً تصرفهم في أعمالك ومشاق رعيتك, أفيفي إحسانك إلى رجل واحد منهم بما أسأت إلى مجموعهم, أي ليس ما ذكرته شيئاً بالنسبة إلى ما فعلت بهم.
فقال: 19- "وفعلت فعلتك التي فعلت" الفعلة بفتح الفاء: المرة من الفعل، وقرأ الشعبي فعلتك بكسر الفاء، والفتح أولى لأنها للمرة الواحدة لا للنوع، والمعنى: أنه لما عدد عليه النعم ذكر له ذنوبه، وأراد بالفعل قتل القبطي، ثم قال "وأنت من الكافرين" أي من الكافرين للنعمة حيث قتلت رجلاً من أصحابي، وقيل المعنى: من الكافرين بأن فرعون إله، وقيل من الكافرين بالله في زعمه لأنه كان معهم على دينهم، والجملة في محل نصب على الحال.
19-"وفعلت فعلتك التي فعلت"، يعني: قتل القبطي، "وأنت من الكافرين"، قال الحسن والسدي: يعني وأنت من الكافرين بإلهك وكنت على ديننا هذا الذي تعيبه.
وقال أكثر المفسرين: معنى قوله: وأنت من الكافرين، وكفرت بنعمتنا. أي: من الجاحدين لنعمتي وحق تربيتي،يقول ربيناك فينا فكافأتنا أن قتلت منا نفساً، وكفرت بنعمتنا. وهذ رواية العوفي عن ابن عباس، وقال: إن فرعون لم يكن يعلم ما الكفر بالربوبية.
19 -" وفعلت فعلتك التي فعلت " يعني قتل القبطي ، وبخه به معظماً إياه بعدما عدد عليه نعمته ، وقرئ فعلتك بالكسر لأنها كانت قتلة بالوكز . " وأنت من الكافرين " بنعمتي حتى عمدت إلى قتل خواصي ، أو ممن تكفرهم الآن فإنه عليه الصلاة والسلام كان يعايشهم بالتقية فهو حال من إحدى التاءين ، ويجوز أن يكون حكماً مبتدأ عليه بأنه من الكافرين بآلهيته أو بنعمته لما عاد عليه بالمخالفة ، أو من الذين كانوا يكفرون في دينهم .
19. And thou didst that thy deed which thou didst, and thou wast one of the ingrates,
19 - And thou didst a deed of thine which (thou knowest) thou didst, and thou art an ungrateful (wretch)!