[الفرقان : 9] انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا
9 - (انظر كيف ضربوا لك الأمثال) بالمسحور والمحتاج إلى ما ينفقه وإلى ملك يقوم معه بالأمر (فضلوا) بذلك عن الهدى (فلا يستطيعون سبيلا) طريقا إليه
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه و سلم : انظر يا محمد إلى هؤلاء المشركين الذين شبهوا لك الأشباه بقولهم لك : هو مسحور ، فضلوا بذلك عن قصد السليل ، و أخطئوا طريق الهدى و الرشاد ، فلا يستطيعون : يقول : فلا يجيدون سبيلا إلى الحق ، إلا فيما بعثتك به ، و من الوجه الذي ضلوا عنه .
و بنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : ثني محمد بن أبي محمد عن سعيد بن جبير ، أو عكرمة ، عن ابن عباس " انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا " أي التمسوا الهدى في غير ما بعثتك به إليهم فضلوا فلن يستطيعوا أن يصيلوا الهدى في غيره .
و قال آخرون في ذلك ما :
حدثني محمد بن عمرو ، قال ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، و حدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد " فلا يستطيعون سبيلا " قال مخرجا يخرجهم من الأمثال التي ضربوا لك .
و قوله " تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار " يقول تعالى ذكره : تقدس الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك .
و اختلف أهل التأويل في المعني ب ذلك التي في قوله " جعل لك خيرا من ذلك " فقال بعضهم : معنى ذلك : خيرا مما قال هؤلاء المشركون لك يا محمد ، هلا أوتيته ة أنت لله رسول ، ثم بين تعالى ذكره عن الذي لو شاء جعل له من خير مما قالوا ، فقال " جنات تجري من تحتها الأنهار "
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، و حدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال ك ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله " تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك " خيرا مما قالوا .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال ك ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، قوله " تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك " قال ك مما قالوا و تمنوا لك ، فيجعل لك مكان ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار .
و قال آخرون : عني بذلك المشي في الأسواق ، و التماس المعاش .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد ، فيما يرى الطبري ، عن سعيد بن جبير ، أو عكرمة عن ابن عباس ، قال : ثم قال : " تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك " من أن تمشي في الأسواق ، و تلتمس المعاش كما يلتمسه الناس ، " جنات تجري من تحتها الأنهار و يجعل لك قصورا " .
قال أبو جعفر : و القول الذي ذكرناه عن مجاهد في ذلك : أشبه بتأويل الآية ، لأن المشركين إنما استعظموا أن لا تكون له جنة يأكل منها ، و أن لا يلقى إلأيه كنز ، و استنكروا أن يمشي في الأسواق ، و هو لله رسول ، فالذي هو أولى بوعد الله إياه ، أن يكون وعدا بما هو خير ما كان عند المشركين عظيما ، لا مما كان منكرا عندهم . و عني بقوله " جنات تجري من تحتها الأنهار " : بساتين تحري في أصول أشجارها الأنهار .
كم حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، و حدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد " و يجعل لك قصورا " قال ك بيوتا مبنية مشيدة ، كان ذلك في الدنيا ، قال ك كانت قريش ترى البيت من الحجارة قصرا كائنا ما كان .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ،
" ويجعل لك قصورا " مشيدة في الدنيا ، كل هذا قالته قريش ، و كانت قريش ترى البيت من حجارة ما كان صغيرا قصرا .
حدثنا ابن بشار ، قال ك ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن حبيب ، قال : قيل للنبي صلى الله عليه و سلم : إن شئت أن نعطيك من خزائن الأرض و مغاتيحها ، ما لم يعط نبي قبلك ، و لا بعطى من بعدك ، و لا ينقص ذلك مما لك عند الله تعالى ، فقال : اجمعوها لي في الآخرة ، فأنزل الله في ذلك " تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار و يجعل لك قصورا " .
قوله تعالى : " انظر كيف ضربوا لك الأمثال " أي ضربوا لك هذه الأمثال ليتوصلوا إلى تكذيبك . " فضلوا " عن سبيل الحق وعن بلوغ ما أرادوا . " فلا يستطيعون سبيلاً " إلى تصحيح ما قالوه فيك .
يخبر تعالى عن تعنت الكفار وعنادهم وتكذيبهم للحق بلا حجة ولا دليل منهم, وإنما تعللوا بقولهم " مال هذا الرسول يأكل الطعام " يعنون كما نأكله ويحتاج إليه كما نحتاج إليه "ويمشي في الأسواق" أي يتردد فيها وإليها طلباً للتكسب والتجارة "لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيراً" يقولون: هلا أنزل إليه ملك من عند الله فيكون له شاهداً على صدق ما يدعيه, وهذا كما قال فرعون " فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين " وكذلك قال هؤلاء على السواء تشابهت قلوبهم, ولهذا قالوا "أو يلقى إليه كنز" أي علم كنز ينفق منه "أو تكون له جنة يأكل منها" أي تسير معه حيث سار, وهذا كله سهل يسير على الله ولكن له الحكمة في ترك ذلك وله الحجة البالغة "وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلاً مسحوراً" قال الله تعالى: "انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا" أي جاءوا بما يقذفونك به ويكذبون به عليك من قولهم ساحر مسحور مجنون كذاب شاعر, وكلها أقوال باطلة, كل أحد ممن له أدنى فهم وعقل يعرف كذبهم وافتراءهم في ذلك, ولهذا قال "فضلوا" عن طريق الهدى "فلا يستطيعون سبيلاً" وذلك أن كل من خرج عن الحق وطريق الهدى, فإنه ضال حيثما توجه, لأن الحق واحد ومنهجه متحد يصدق بعضه بعضاً.
ثم قال تعالى مخبراً نبيه أنه إن شاء لاتاه خيراً مما يقولون في الدنيا وأفضل وأحسن, فقال "تبارك الذي إن شاء جعل لك خيراً من ذلك" الاية, قال مجاهد : يعني في الدنيا, قال: وقريش يسمون كل بيت من حجارة قصراً كبيراً كان أو صغيراً, قال سفيان الثوري عن حبيب بن أبي ثابت عن خيثمة : " قيل للنبي صلى الله عليه وسلم إن شئت أن نعطيك خزائن الأرض ومفاتيحها ما لم نعطه نبياً قبلك, ولا نعطي أحداً من بعدك ولا ينقص ذلك مما لك عند الله, فقال : اجمعوها لي في الاخرة" فأنزل الله عز وجل في ذلك "تبارك الذي إن شاء جعل لك خيراً من ذلك" الاية.
وقوله "بل كذبوا بالساعة" أي إنما يقول هؤلاء هكذا تكذيباً وعناداً لا أنهم يطلبون ذلك تبصراً واسترشاداً بل تكذيبهم بيوم القيامة يحملهم على قول ما يقولونه من هذه الأقوال "وأعتدنا" أي أرصدنا "لمن كذب بالساعة سعيراً" أي عذاباً أليماً حاراً لا يطاق في نار جهنم. قال الثوري عن سلمة بن كهيل عن سعيد بن جبير "السعير" واد من قيح جهنم. وقوله "إذا رأتهم" أي جهنم "من مكان بعيد" يعني في مقام المحشر. قال السدي : من مسيرة مائة عام "سمعوا لها تغيظاً وزفيراً" أي حنقاً عليهم, كما قال تعالى: " إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقا وهي تفور * تكاد تميز من الغيظ " أي يكاد ينفصل بعضها عن بعض من شدة غيظها على من كفر بالله.
وروى ابن أبي حاتم : حدثنا إدريس بن حاتم بن الأحنف الواسطي أنه سمع محمد بن الحسن الواسطي عن أصبغ بن زيد عن خالد بن كثير , عن خالد بن دريك بإسناده عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: " قال رسول الله: من يقل علي ما لم أقل, أو ادعى إلى غير والديه, أو انتمى إلى غير مواليه فليتبوأ مقعده من النار ـ وفي رواية ـ فليتبوأ بين عيني جهنم مقعداً . قيل: يا رسول الله وهل لها من عينين ؟ قال : أما سمعتم الله يقول "إذا رأتهم من مكان بعيد" الاية " , ورواه ابن جرير عن محمد بن خداش عن محمد بن يزيد الواسطي به. وقال أيضاً: حدثنا أبي حدثنا علي بن محمد الطنافسي , حدثنا أبو بكر بن عياش عن عيسى بن سليم عن أبي وائل قال: خرجنا مع عبد الله يعني ابن مسعود ومعنا الربيع بن خيثم , فمروا على حداد, فقام عبد الله ينظر إلى حديدة في النار, ونظر الربيع بن خيثم إليها, فتمايل الربيع ليسقط, فمر عبد الله على أتون على شاطىء الفرات, فلما رآه عبد الله والنار تلتهب في جوفه, قرأ هذه الاية "إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظاً وزفيراً" فصعق, يعني الربيع , وحملوه إلى أهل بيته, فرابطه عبد الله إلى الظهر, فلم يفق رضي الله عنه.
وحدثنا أبي , حدثنا عبد الله بن رجاء , حدثنا إسرائيل عن أبي يحيى عن مجاهد عن ابن عباس قال: إن العبد ليجر إلى النار فتشهق إليه شهقة البغلة إلى الشعير, ثم تزفر زفرة لا يبقى أحد إلا خاف, هكذا رواه ابن أبي حاتم بأسناده مختصراً, وقد رواه الإمام أبو جعفر بن جرير : حدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي , حدثنا عبيد الله بن موسى , أخبرنا إسرائيل عن أبي يحيى عن مجاهد عن ابن عباس قال: إن الرجل ليجر إلى النار فتنزوي وتنقبض بعضها إلى بعض, فيقول لها الرحمن: ما لك ؟ قالت: إنه يستجير مني, فيقول: أرسلوا عبدي, وإن الرجل ليجر إلى النار فيقول: يا رب ما كان هذا الظن بك, فيقول: فما كان ظنك ؟ فيقول: أن تسعني رحمتك, فيقول: أرسلوا عبدي, وإن الرجل ليجر إلى النار فتشهق إليه النار شهقة البغلة إلى الشعير, وتزفر زفرة لا يبقى أحد إلا خاف, وهذا إسناد صحيح.
وقال عبد الرزاق : أخبرنا معمر عن منصور عن مجاهد عن عبيد بن عمير في قوله "سمعوا لها تغيظاً وزفيراً" قال: إن جهنم لتزفر زفرة لايبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا خر لوجهه ترتعد فرائصه, حتى إن إبراهيم عليه السلام ليجثو على ركبتيه ويقول: رب لاأسألك اليوم إلا نفسي. وقوله " وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين " قال قتادة عن أبي أيوب عن عبد الله بن عمرو قال: مثل الزج في الرمح, أي من ضيقه, وقال عبد الله بن وهب : أخبرني نافع بن يزيد عن يحيى بن أبي أسيد يرفع الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, " أنه سئل عن قول الله "وإذا ألقوا منها مكاناً ضيقاً مقرنين" قال : والذي نفسي بيده, إنهم ليستكرهون في النار كما يستكره الوتد في الحائط " .
وقوله "مقرنين" قال أبو صالح : يعني مكتفين "دعوا هنالك ثبوراً" أي بالويل والحسرة والخيبة " لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا " الاية. روى الإمام أحمد : حدثنا عفان , حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن يزيد عن أنس بن مالك " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أول من يكسى حلة من النار إبليس, فيضعها على حاجبيه ويسحبها من خلفه وذريته من بعده, وهو ينادي ياثبوراه, وينادون ياثبورهم حتى يقفوا على النار, فيقول يا ثبوراه ويقولون ياثبورهم, فيقال لهم لا تدعوا اليوم ثبوراً واحداً, وادعوا ثبوراً كثيراً" لم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة. ورواه ابن أبي حاتم عن أحمد بن سنان عن عفان به, ورواه ابن جرير من حديث حماد بن سلمة به. وقال العوفي عن ابن عباس في قوله " لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا " الاية, أي لاتدعوا اليوم ويلاً واحداً, وادعوا ويلاً كثيراً, وقال الضحاك : الثبور الهلاك, والأظهر أن الثبور يجمع الهلاك والويل والخسار والدمار, كما قال موسى لفرعون " وإني لأظنك يا فرعون مثبورا " أي هالكاً. وقال عبد الله بن الزبعري :
إذ أجاري الشيطان في سنن الغـ ـي ومن مال ميله مثبور
9- "انظر كيف ضربوا لك الأمثال" ليتوصلوا بها إلى تكذيبك، والأمثال هي الأقوال النادرة والاقتراحات الغريبة، وهي ما ذكروه هاهنا "فضلوا" عن الصواب فلا يجدون طريقاً إليه ولا وصلوا إلى شيء منه، بل جاءوا بهذه المقالات الزائفة التي لا تصدر عن أدنى العقلاء وأقلهم تمييزاً ولهذا قال: "فلا يستطيعون سبيلاً" أي لا يجدون إلى القدح في نبوة هذا النبي طريقاً من الطرق.
9- "انظر"، يا محمد، "كيف ضربوا لك الأمثال"، يعني الأشباه، فقالوا: مسحور، محتاج، وغيره، "فضلوا"، عن الحق، "فلا يستطيعون سبيلاً"، إلى الهدى ومخرجاً عن الضلالة.
9ـ " انظر كيف ضربوا لك الأمثال " أي قالوا فيك الأقوال الشاذة واخترعوا لك الأحوال النادرة . " فضلوا " عن الطريق الموصل إلى معرفة خواص النبي والمميز بينه وبين المتنبي فخبطوا خبطه عشواء . " فلا يستطيعون سبيلاً " إلى القدح في نبوتك أو إلى الرشد والهدى .
9. See how they coin similitudes for thee, so that they are all astray and cannot find a road!
9 - See what kinds of comparisons they make for thee! But they have gone astray, and never a way will they be able to find!