[الفرقان : 75] أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا
75 - (أولئك يجزون الغرفة) الدرجة العليا في الجنة (بما صبروا) على طاعة الله (ويلقون) بالتشديد والتخفيف مع فتح الياء (فيها) في الغرفة (تحية وسلاما) من الملائكة
يقول تعالى ذكره : هؤلاء الذين وصفت صفتهم من عبادي ، وذلك من ابتداء قوله : " وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا " ... إلى قوله : " والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا " .. الآية " يجزون " يقول : يثابون على أفعالهم هذه التي فعلوها في الدنيا " الغرفة " وهي منزلة من منازل الجنة رفيعة " بما صبروا " يقول : بصبرهم على هذه الأفعال ، ومقاساة شدتها ، وقوله : " ويلقون فيها تحية وسلاما " اختلفت القراء في قراءته عامة قراء أهل المدينة والبصرة " ويلقون " مضمومة الياء ، مشددة القاف ، بمعنى : وتتلقاهم الملائكة فيه بالتحية ، وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة : ويلقون بفتح الياء ، وتخفيف القاف .
والصواب في من القول في ذلك : أن يقال إنهما قراءتان مشهورتان في قرأة الأمصار ، بمعنى واحد ، فبأيتهما قرا القارئ فمصيب ، غير أن أعدب القراءتين إلي أن أقرأ بها ويلقون فيها بفتح الياء ، وتخفيف القاف ، لأن العرب إذا قالت ذلك بالتشديد ، قالت فلان يتلقى بالسلام وبالخير ، ونحن نتلقاهم بالسلام ، قرنته بالياء ، وقلما تقول : فلان يلقى السلام ، فكان وجه الكلام لو كان بالتشديد ، أن يقال : ويتلقون فيها بالتحية والسلام .
وإنما اخترنا القراءة بذلك ، كما نجيز : أخذت بالخطام ، وأخذت الخطام .
وقد بينا معنى التحية والسلام فيما مضى قبل ، فأغنى عن إعادته في هذا الموضع .
قوله تعالى : " أولئك يجزون الغرفة بما صبروا " " أولئك " خبر و " عباد الرحمن " في قول الزجاج على ما تقدم ، وهو أحسن ما قيل فيه . وما تخلل بين المبتدأ وخبره أوصافهم من التحلي والتخلي ، وهي إحدى عشرة : التواضع ، والحلم ، والتهجد ، والخوف ، وترك الإسراف والإقتار ، والنزاهة عن الشرك والزنى والقتل ، والتوبة وتجنب الكذب ، والعفو عن المشي ، وقبول المواعظ ، والابتهال إلى الله . و " الغرفة " الدرجة الرفيعة وهي أعلى منازل الجنة وأفضلها كما أن الغرفة أعلى مساكن الدنيا . حكاه ابن شجرة . وقال الضحاك : الغرفة الجنة . " بما صبروا " أي بصبرهم على أمر ربهم ، وطاعة نبيهم عليه أفضل الصلاة والسلام . وقال محمد بن علي بن الحسين : " بما صبروا " على الفقر والفاقة في الدنيا . وقال الضحاك : " بما صبروا " عن الشهوات . " ويلقون فيها تحية وسلاما " قرأ أبو بكر و المفضل و الأعمش و يحيى و حمزة و الكسائي وخلف :" ويلقون " مخففة ، واختاره الفراء ، قال لأن العرب تقول : فلان يتلقى بالسلام وبالتحية وبالخير بالتاء ، وقلما يقولون فلان يلقى السلامة . وقرأ الباقون : " ويلقون " واختاره أبو عبيد و أبو حاتم ، لقوله تعالى : " ولقاهم نضرة وسرورا " [ الإنسان : 11 ] . قال أبو جعفر النحاس : وما ذهب إليه الفراء واختاره غلط ، لأنه يزعم أنها لو كانت " يلقون " كانت في العربية بتحية وسلام ، وقال كما يقال : فلان يتلقى بالسلام وبالخبر ، فمن عجيب ما في هذا الباب أنه قال يتلقى والآية " يلقون " والفرق بينهما بين : لأنه يقال فلان يتلقى بالخير ولا يجوز حذف الباء ، فكيف يشبه هذا ذاك ! وأعجب من هذا أن في القرآن " ولقاهم نضرة وسرورا " [ الإنسان : 11 ] ولا يجوز أن يقرأ بغيره . وهذا يبين أن الأولى على خلاف ما قال . والتحية من الله والسلام من الملائكة . وقيل : التحية البقاء الدائم والملك العظيم ، والأظهر أنهما واحد ، وأنهما من قبل الله تعالى ، دليلة قوله تعالى : " تحيتهم يوم يلقونه سلام " [ الأحزاب : 44 ] وسيأتي .
لما ذكر تعالى من أوصاف عباده المؤمنين ما ذكر من الصفات الجميلة, والأقوال والأفعال الجليلة, قال بعد ذلك كله "أولئك" أي المتصفون بهذه "يجزون" يوم القيامة "الغرفة" وهي الجنة, قال أبو جعفر الباقر وسعيد بن جبير والضحاك والسدي : سميت بذلك لا رتفاعها "بما صبروا" أي على القيام بذلك "ويلقون فيها" أي في الجنة "تحية وسلاماً" أي يبتدرون فيها بالتحية والإكرام, ويلقون التوقير والاحترام, فلهم السلام وعليهم السلام, فإن الملائكة يدخلون عليهم من كل باب: سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار. وقوله تعالى: "خالدين فيها" أي مقيمين لا يظعنون ولا يحولون ولا يموتون ولا يزولون عنها ولا يبغون عنها حولاً, كما قال تعالى: "وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السموات والأرض" الاية.
وقوله تعالى: "حسنت مستقراً ومقاماً" أي حسنت منظراً وطابت مقيلاً ومنزلاً, ثم قال تعالى: "قل ما يعبأ بكم ربي" أي لا يبالي ولا يكترث بكم إذا لم تعبدوه, فإنه إنما خلق الخلق ليعبدوه ويوحدوه ويسبحوه بكرة وأصيلاً. قال مجاهد وعمرو بن شعيب "قل ما يعبأ بكم ربي" يقول: ما يفعل بكم ربي. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله "قل ما يعبأ بكم ربي" الاية, يقول: لولا إيمانكم. وأخبر تعالى الكفار أنه لا حاجة له بهم إذ لم يخلقهم مؤمنين, ولو كان له بهم حاجة لحبب إليهم الإيمان كما حببه إلى المؤمنين.
وقوله تعالى: "فقد كذبتم" أيها الكافرون "فسوف يكون لزاماً" أي فسوف يكون تكذيبكم لزاماً لكم, يعني مقتضياً لعذابكم وهلاككم ودماركم في الدنيا والاخرة, ويدخل في ذلك يوم بدر, كما فسره بذلك عبد الله بن مسعود وأبي بن كعب ومحمد بن كعب القرظي ومجاهد والضحاك وقتادة والسدي وغيرهم. وقال الحسن البصري "فسوف يكون لزاماً" أي يوم القيامة, ولا منافاة بينهما.
والإشارة بقوله: 75- "أولئك يجزون الغرفة بما صبروا" إلى المتصفين بتلك الصفات، وهو مبتدأ وخبره ما بعده، والجمل مستأنفة. وقيل إن أولئك وما بعده خبر لقوله: "وعباد الرحمن" كذا قال الزجاج، والغرفة: الدرجة الرفيعة، وهي أعلى منازل الجنة وأفضلها، وهي في الأصل لكل بناء مرتفع، والجمع غرف. وقال الضحاك: الغرفة الجنة، والباء في بما صبروا سببية، وما مصدرية: أي يجزون الغرفة بسبب صبرهم على مشاق التكليف "ويلقون فيها تحية وسلاماً" قرأ أبو بكر والمفضل والأعمش ويحيى بن وثاب وحمزة والكسائي وخلف "يلقون" بفتح الياء وسكون اللام وتخفيف القاف، واختار هذه القراءة الفراء، قال: لأن العرب تقول: فلان يلقي بالسلام والتحية والخير، وقل ما يقولون يلقي. وقرأ الباقون بضم الياء وفتح اللام وتشديد القاف، واختار هذه القراءة أبو عبيد وأبو حاتم لقوله: "ولقاهم نضرة وسروراً" والمعنى: أنه يحيي بعضهم بعضاً ويرسل إليهم الرب سبحانه بالسلام، قيل التحية البقاء الدائم والملك العظيم، وقيل هي بمعنى السلام، وقيل إن الملائكة تحييهم وتسلم عليهم، والظاهر أن هذه التحية والسلام هي من الله سبحانه لهم، ومن ذلك قوله سبحانه: "تحيتهم يوم يلقونه سلام" وقيل معنى التحية: الدعاء لهم بطول الحياة. ومعنى السلام: الدعاء لهم بالسلامة من الآفات.
75- "أولئك يجزون"، أي: يثابون، "الغرفة"، أي: الدرجة الرفيعة في الجنة، والغرفة: كل بناء مرتفع عال. وقال عطاء: يريد غرف الدر والزبر جد والياقوت في الجنة، "بما صبروا"، على أمر الله تعالى وطاعته. وقيل: على أذى المشركين. وقيل: عن الشهوات "ويلقون فيها"، قرأ حمزة، والكسائي، وأبو بكر: بفتح الياء وتخفيف القاف، كما قال: "فسوف يلقون غياً" (مريم-59)، وقرأ الآخرون بضم الياء وتشديد القاف كما قال: "ولقاهم نضرةً وسروراً" (الإنسان-11)، وقوله: "تحية"، أي ملكاً، وقيل: بقاء دائماً، "وسلاماً" أي: يسلم بعضهم على بعض. وقال الكلبي: يحيي بعضهم بعضاً بالسلام، ويرسل الرب إليهم بالسلام. وقيل: سلاماً أي: سلامة من الآفات.
75ـ " أولئك يجزون الغرفة " أعلى مواضع الجنة وهي اسم جنس أريد به الجمع كقوله تعالى : " وهم في الغرفات آمنون " وللقراءة بها ، وقيل هي من أسماء الجنة . " بما صبروا " بصبرهم على المشاق من مضض الطاعات ورفض الشهوات وتحمل المجاهدات . " ويلقون فيها تحية وسلاماً " دعاء بالتعمير والسلامة أي يحييهم الملائكة ويسلمون عليهم ، أو يحيي بعضهم بعضاً ويسلم عليه ، أو تبقية دائمة وسلامة من كل آفة ، وقرأ حمزة و الكسائي و أبو بكر " يلقون " من لقي .
75. They will be awarded the high place forasmuch as they were steadfast, and they will meet therein with welcome and the word of peace,
75 - Those are the ones who will be rewarded with the highest place in heaven, because of their patient constancy: therein shall they be met with salutations and peace,