[الفرقان : 51] وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا
51 - (ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرا) يخوف أهلها ولكن بعثناك إلى أهل القرى كلها نذيرا ليعظم أجرك
يقول تعالى ذكره : ولو شئنا يا محمد لأرسلنا في كل مصر و مدينة نذيرا ينذرهم بأسنا على كفرهم بنا ، فيخف عنك كثير من أعباء ما حملناك منه ، ويسقط عنك بذلك مؤنة عظيمة ، ولكنا حملناك ثقل نذارة جميع القرى ، لتستوجب يصبرك عليه إن صبرت ما أعد الله لك من الكرامة عنده ، و المنازل الرفيعة قبله ، فلا تطع الكافرين فيما يدعونك إليه من أن تعبد آلهتهم ، فنذيقك ضعف الحياة و ضعف الممات , ولكن جاهدهم بهذا القرآن جهادا كبيرا ، حتى ينقادوا للإقرار بما فيه من فرائض الله ، و يدينوا به و يذعنوا للعمل يجميعه طوعا وكرها .
وبنحو الذي قلنا في قوله " وجاهدهم به " قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عباس ، قوله " فلا تطع الكافرين وجاهدهم به " قال : بالقرآن .
وقال آخرون : في ذلك بما :
حدثني يونس ، قال: أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله " وجاهدهم به جهادا كبيرا " قال : الإسلام ، وقرأ " واغلظ عليهم " التوبة : 73 - التحريم : 9 وقرأ " وليجدوا فيكم غلظة " التوبة : 123 وقال : هذا الجهاد الكبير .

قوله تعالى : " ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرا " أي رسولاً ينذرهم كما قسمنا المطر ليخف عليك أعباء النبوة ، ولكنا لم نفعل بل جعلناك نذيراً للكل لترتفع درجتك فاشكر نعمة الله عليك .
يقول تعالى: "ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيراً" يدعوهم إلى الله عز وجل, ولكنا خصصناك يا محمد بالبعثة إلى جميع أهل الأرض, وأمرناك أن تبلغهم القرآن "لأنذركم به ومن بلغ" "ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده" "لتنذر أم القرى ومن حولها" "قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً". وفي الصحيحين "بعثت إلى الأحمر والأسود", وفيهما " وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة, وبعثت إلى الناس عامة" ولهذا قال تعالى: "فلا تطع الكافرين وجاهدهم به" يعني القرآن, قاله ابن عباس , "جهاداً كبيراً" كما قال تعالى: "يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين" الاية.
وقوله تعالى: "وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج" أي خلق الماءين: الحلو والملح, فالحلو كالأنهار والعيون والابار, وهذا هو البحر الحلو العذب الفرات الزلال, قاله ابن جريج , واختاره ابن جرير , وهذا المعنى لا شك فيه, فإنه ليس في الوجود بحر ساكن وهو عذب فرات, والله سبحانه وتعالى إنما أخبر بالواقع لينبه العباد على نعمه عليهم ليشكروه, فالبحر العذب هو هذا السارح بين الناس, فرقه الله تعالى بين خلقه لاحتياجهم إليه أنهاراً وعيوناً في كل أرض, بحسب حاجتهم وكفايتهم لأنفسهم وأرضيهم.
وقوله تعالى: "وهذا ملح أجاج" أي مالح مر زعاق لا يستساغ, وذلك كالبحار المعروفة في المشارق والمغارب: البحر المحيط وما يتصل به من الزقاق, وبحر القلزم, وبحر اليمن, وبحر البصرة, وبحر فارس, وبحر الصين والهند, وبحر الروم, وبحر الخزر, وما شاكلها وما شابهها من البحار الساكنة التي لا تجري, ولكن تموج وتضطرب وتلتطم في زمن الشتاء وشدة الرياح, ومنها ما فيه مد وجزر, ففي أول كل شهر يحصل منها مد وفيض, فإذا شرع الشهر في النقصان جزرت حتى ترجع إلى غايتها الأولى, فإذا استهل الهلال من الشهر الاخر شرعت في المد إلى الليلة الرابعة عشرة, ثم تشرع في النقص, فأجرى الله سبحانه وتعالى ـ وهو ذو القدرة التامة ـ العادة بذلك, فكل هذه البحار الساكنة, خلقها الله سبحانه وتعالى مالحة لئلا يحصل بسببها نتن الهواء, فيفسد الوجود بذلك, ولئلا تجوى الأرض بما يموت فيها من الحيوان, ولما كان ماؤها مالحاً, كان هواؤها صحيحاً وميتتها طيبة, ولهذا " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سئل عن ماء البحر: أنتوضأ به ؟ فقال " هو الطهور ماؤه الحل ميتته " " رواه الأئمة مالك والشافعي وأحمد وأهل السنن بإسناد جيد.
وقوله تعالى: "وجعل بينهما برزخاً وحجراً" أي بين العذب والمالح "برزخاً" أي حاجزاً وهو اليبس من الأرض, "وحجراً محجوراً" أي مانعاً من أن يصل أحدهما إلى الاخر, كقوله تعالى: " مرج البحرين يلتقيان * بينهما برزخ لا يبغيان * فبأي آلاء ربكما تكذبان " وقوله تعالى: "أمن جعل الأرض قراراً وجعل خلالها أنهاراً وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزاً أإله مع الله ؟ بل أكثرهم لا يعلمون" وقوله تعالى: "وهو الذي خلق من الماء بشراً" الاية, أي خلق الإنسان من نطفة ضعيفة فسواه وعدله وجعله كامل الخلقة ذكراً وأنثى, كما يشاء, "فجعله نسباً وصهراً" فهو في ابتداء أمره ولد نسيب, ثم يتزوج فيصير صهراً, ثم يصير له أصهار وأختان وقرابات, وكل ذلك من ماء مهين, ولهذا قال تعالى: "وكان ربك قديراً".
51- "ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيراً" أي رسولاً ينذرهم كما قسمنا المطر بينهم، ولكنا لم نفعل ذلك بل جعلنا نذيراً واحداً، وهو أنت يا محمد، فقابل ذلك بشكر النعمة.
قوله عز وجل: 51- "ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيراً"، رسولاً ينذرهم، ولكن بعثناك إلى القرى كلها، وحملناك ثقل النذارة جميعها، لتستوجب بصبرك عليه ما أعددنا لك من الكرامة والدرجة الرفيعة.
51ـ " ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيراً " نبياً ينذر أهلها فيخف عليك أعباء النبوة لكن قصرنا الأمر عليك إجلالاً لك وتعظيماً لشأنك وتفضيلاً لك على سائر الرسل فقابل ذلك بالثبات والاجتهاد في الدعوة وإظهار الحق .
51. If We willed, We could raise up a warner in every village.
51 - Had it been Our Will, We could have sent a warner to every centre of population.