[الفرقان : 48] وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء طَهُورًا
48 - (وهو الذي أرسل الرياح) وفي قراءة الريح (بشرا بين يدي رحمته) متفرقة قدام المطر وفي قراءة بسكون الشين تخفيفا وفي أخرى بسكونها ونون مفتوحة مصدر وفي أخرى بسكونها وضم الموحدة بدل النون أي مبشرات ومفرد الأولى نشور كرسول والأخيرة بشير (وأنزلنا من السماء ماء طهورا) مطهرا
يقول تعالى ذكره : والله الذي أرسل الرياح المفلحة " بشرا " : حياة أو من الحيا و الغيث الذي هو منزله على عباده " وأنزلنا من السماء ماء طهورا " يقول : وأنزلنا من السحاب الذي أنشأناه بالرياح من فوقكم أيها الناس ماء طهورا " لنحيي به بلدة ميتا " يعني أرضا قحطة عذية لا تنبت . وقال " بلدة ميتا " ولم يقل ميتة ، لأنه أريد بذلك لنحيي به موضعا ومكانا ميتا " ونسقيه " من خلقنا " أنعاما " من البهائم " و أناسي كثيرا " يعني بالأناسي : جمع إنسان و جمع أناسي ، فجعل الياء عوضا من النون التي في إنسان ، و قد يجمع إنسان إناسين ، كما يجمع النشيان : نشايين . فإن قيل : أناسي جمع واحده إنسي ، فهو مذهب أيضا محكي ، وقد يجمع أناسي مخففة الياء ، وكأن من جمع ذلك كذلك أسقط الياء التي بين عين الفعل ولامه ، كما يجمع القرقور : قراقيروقراقر . ومما يصحح جمعهم إياه بالتخفيف ، قول العرب : أناسية كثيرة .
قوله تعالى : " وهو الذي أرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته " تقدم في ( الأعراف ) مستوفى .
قوله تعالى : " وأنزلنا من السماء ماء طهورا " .
فيه خمس عشرة مسألة :
الأولى : قوله تعالى : " ماء طهورا " يتطهر به ، كما يقال : وضوء للماء الذي يتوضأ به . وكل طهور طاهر وليس كل طاهر طهوراً . فالظهور ( بفتح الطاء ) الاسم . وكذلك الوضوء والوقود . وبالضم المصدر ، وهذا هو المعروف في اللغة ، قاله ابن الأنباري فبين أن الماء المنزل من السماء طار في نفسه مطهر لغيره ، فإن الطهور بناء مبالغة في طاهر ، وهذه المبالغة اقتضت أن يكون طاهراً مطهراً . وإلى هذا ذهب الجمهور . وقيل : " طهورا " بمعنى طاهر ، وهو قول أبي حنيفة ، وتعلق بقوله تعالى :" وسقاهم ربهم شرابا طهورا " [ الإنسان : 21 ] يعني طاهراً .
وبقول الشاعر :
خليلي هل في نظرة بعد توبة أداوي بها قلبي علي فجور
إلى رجج الأكفال غيد من الظبا عذاب الثنايا ريقهن ظهور
فوصف الريق بأنه ظهور وليس بمطهر . وتقول العرب : رجل نؤوم وليس ذلك بمعنى أنه منيم لغيره ، وإنما يرجع ذلك إلى فعل نفسه . ولقد أجاب علماؤنا عن هذا فقالوا : وصف شراب الجنة بأنه ظهور يفيد التطهر عن أوضار الذنوب وعن خسائس الصفات كالغل والحسد ، فإذا شربوا هذا الشراب يطهرهم الله من رحض الذنوب وأوضار الاعتقادات الذميمة ، فجاؤوا الله بقلت سليم ، ودخلوا الجنة بصفات التسليم ، وقيل لهم حينئذ " سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين " [ الزمر : 73 ] ولما كان حكمه في الدنيا بزوال حكم الحدث بجريان الماء على الأعضاء كانت تلك حكمته ورحمته في الآخرة . وأما قول الشاعر : ريقهن طهور
فإنه قصد بذلك المبالغة في وصف الريق بالطهورية لعذوبته وتعلقه بالقلوب ، وطيبه في النفوس ، وسكون عليل المحب برشفه حتى كأنه الماء الطهور ، وبالجملة فإن الأحكام الشرعية لا تثبت بالمجازاة الشعرية ، فإن الشعراء يتجاوزون في الاستغراق حد الصدق إلى الكذب ، ويسترسلون في القول حتى يخرجهم ذلك إلى البدعة والمعصية ، وربما وقعوا في الكفر من حيث يشعرون . ألا ترى إلى القول :
ولو لم تلامس صفحة الأرض رجلها لما كنت أدري علية للتيمم
وهذا كفر صراح ، نعوذ بالله منه . قال القاضي أبو بكر بن العربي : هذا منتهى لباب كلام العلماء ، وهو بالغ في فنه ، إلا أني تأملت من طريق العربية فوجدت فيه مطلعاً مشرقاً ، وهو أن بناء فعول للمبالغة ، إلا أن المبالغة قد تكون في الفعل المتعدي كما قال الشاعر :
ضروب بنصل السيف سوق سمانها
وقد تكون في الفعل القاصر كما قال الشاعر :
نؤوم الضحا لم تنطق عن تفضل
وإنما تؤخذ طهورية الماء لغيره من الحسن نظافة ومن الشرع طهارة ، كقوله عليه السلام : " لا يقبل الله صلاة بغير طهور " . وأجمعت الأمة لغة وشريعة على أن وصف طهور يختص بالماء فلا يتعدى إلى سائر المائعات وهي طاهرة ، فكان اقتصارهم بذلك على الماء أدل دليل على أن الطهور هو المطهر ، وقد يأتي فعول لوجه آخر ليس من هذا كله وهو العبارة به عن الآلة للفعل لا عن الفعل كقولنا : وقود وسحور بفتح الفاء ، فإنها عبارة عن الحطب والطعم المستحر به ، فوصف الماء بأنه طهور ( بفتح الطاء ) أيضاً يكون خبراً عن الآلة التي يتطهر بها . فإذا ضمت الفاء في الوقود والسحرر والطهور عاد إلى الفعل وكان خبراً عنه . فثبت بهذا أن اسم الفعول ( بفتح الفاء ) يكون بناء للمبالغة ويكون خبراً عن الآلة ، وهو الذي خطر ببال الحنفية ، ولكن قصرت أشداقها عن لوكه ، وبعد هذا يقف البيان عن المبالغة وعن الآلة على الدليل بقوله تعالى : " وأنزلنا من السماء ماء طهورا " وقوله عليه السلام : " جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً " يحتمل المبالغة ويحتمل العبارة به عن الآلة ، فلا حجة فيه لعلمائنا ، لكن يبقى قوله : " ليطهركم به" [الأنفال : 11] نص في أن فعله يتعدى إلى غيره .
الثانية : المياه المنزلة من السماء والمودعة في الأرض طاهرة مطهرة على اختلاف ألوانها وطعومها وأرياحها حتى يخالطها غيرها والمخالط للماء على ثلاثة أضرب : ضرب يوافقه في صفتيه جميعاً ، فإذا خالطه فغيره لم يسلبه وصفاً منهما لموافقته لهما وهو التراب . والضرب الثاني يوافقه في إحدى صفتيه وهي الطهارة ، فإذا خالطه فغيره سلبه ما خالفه فيه وهو التطهر ، كماء الورد وسائر الطاهرات . والضرب الثالث يخالفه في الصفتين جميعاً ، فإذا خالطه فغيره سلبه الصفتين جميعاً لمخالفته له فيهما وهو النجس .
الثالثة : ذهب المصريون من أصحاب مالك إلى أن قليل الماء يفسده قليل النجاسة ، وأن الكثير لا يفسده إلا ما عير لونه أو طعمه أو ريحه من المحرمات . ولم يحدوا بين القليل والكثير حداً يوقف عنده ، إلا أن ابن القاسم روى عن مالك في الجنب يغتسل في حوض من الحياض التي تسقى فيها الدواب ولم يكن عسل ما به من الأذى أنه قد أفسد الماء ، وهو مذهب ابن القاسم و أشهب و ابن عبد الحكم ومن اتبعهم من المصريين . إلا ابن وهب فإنه يقول في الماء بقول المدنيين من أصحاب مالك وقولهم : ما حكاه أبو مصعب عنهم وعنه : أن الماء لا تفسده النجاسة الحالة فيه قليلاً كان أو كثيراً إلا أن تظهر فيه النجاسة الحالة فيه وتغير منه طعماً أو ريحاً أو لوناً . وذكر أحمد بن المعدل أن هذا قول مالك بن أنس في الماء . وإلى هذا ذهب إسماعيل بن إسحاق و محمد بن بكير و أبو الفرج الأبهري وسائر المنتحلين لمذهب مالك من البغداديين ، وهو قول الأوزاعي و الليث بن سعيد و الحسن بن صالح و وداود بن علي . وهو مذهب أهل البصرة ، وهو الصحيح في النظر وجيد الأثر . وقال أبو حنيفة : إذا وقعت نجاسة في الماء أفسدته كثيراً كان أو قليلاً إذا تحققت عموم النجاسة فيه . ووجه تحققها عنده أن تقع مثلاً نقطة بول في بركة ، فإن كانت البركة يتحرك طرفاها بتحرك أحدهما فالكل نجس ، وإن كانت حركة أحد الطرفين لا تحرك الآخر لم ينجس . وفي المجموعة نحو مذهب أبي حنيفة . وقال الشافعي :
بحديث القلتين ، وهو حديث مطعون فيه اختلف في إسناده ومتنه ، أخرجه أبو داود و الترمذي وخاصة الدارقطني ، فإنه صدر به كتابه وجمع طرقه . قال ابن العربي : وقد رام الدارقطني على إمامته أن يصحح حديث القلتين فلم يقدر . وقال أبو عمر بن عبد البر : وأما ما ذهب إليه الشافعي من حديث القلتين فمذهب ضعيف من جهة النظر ، غير ثابت في الأثر ، لأنه قد تكلم فيه جماعة من أهل العلم بالنقل ، ولأن القلتين لا يوقف على حقيقة مبلغهما في أثر ثابت ولا إجماع ، فلو كان ذلك حداً لازماً لوجب على العلماء البحث عنه لقفوا على حد ما حده النبي صلى الله عليه وسلم ، لأنه من أصل دينهم وفرضهم ، ولو كان ذلك كذلك ما ضيعوه ، فلقد بحثوا عما هو أدون من ذلك وألطف .
قلت : وفيما ذكر ابن المنذر في القلتين من الخلاف يدل على عدم التوقيف فيهما والتحديد . وفي سنن الدارقطني عن حماد بن زيد عن عاصم بن المنذر قال : القلال الخوابي العظام . و عاصم هذا هو أحد رواة حديث القلتين . ويظهر من قول الدارقطني أنها مثل قلال هجر ، لسياقه حديث الإسراء عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لما رفعت إلى سدرة المنتهى في السماء السابعة نبقها مثل قلال هجر وورقها مثل آذان الفيلة " وذكر الحديث . قال ابن العربي : وتعلق علماؤنا بحديث أبي سعيد الخدري . في بئر بضاعة ، رواه النسائي و الترمذي و أبو داود وغيرهم . وهو أيضاً حديث ضعيف لا قدم له في الصحة فلا تعويل عليه . وقد فاوضت الطوسي الأكبر في هذه المسألة فقال : إن أخلص المذاهب في هذه المسألة مذهب مالك ، فإن الماء طهور ما لم يتغير أحد أوصافه ، إذا لا حديث في الباب يعول عليه ، وإنما المعول على ظاهر القرآن وهو قوله تعالى : " وأنزلنا من السماء ماء طهورا " وهو ما دام بصفاته ، فإن تغير عن شيء منها خرج عن الاسم لخروجه عن الصفة ، ولذلك لما لم يجد البخاري إمام الحديث والفقه في الباب خبراً يقول عليه قال : ( باب إذا تغير وصف الماء ) وأدخل الحديث الصحيح : " ما من أحد يكلم في سبيل الله والله أعلم بمن يكلم في سبيله إلا جاء يوم القيامة وجرحه يثعب دماً اللون لون الدم والريح ريح المسك " فأخبر صلى الله عليه وسلم أن الدم بحله وعليه رائحة المسك ، ولم تخرجه الرائجة عن صفة الدموية . ولذلك قال علماؤنا : إذا تغير الماء بريح جيفة على طرفه وساحله لم يمنع ذلك الوضوء منه . ولو تغير بها وقد وضعت فيه لكان ذلك تنجيساً له للمخالطة والأولى مجاورة لا تعويل عليها . قلت : وقد استدل به أيضاً على نقيض ذلك ، وهو أن تغير الرائحة يخرجه عن أصله . ووجه هذا الاستدلال أن الدم لما استحالت رائحته إلى رائحة المسك خرج عنه كونه مستخبثاً نجساً ، وأنه صار مسكاً ، وإن المسك بعض دم الغزال .
فكذلك الماء إذا تغيرت رائحته . وإلى هذا التأويل ذهب الجمهور في الماء . وإلى الأول ذهب عبد الملك . قال أبو عمر : جعلوا الحكم للرائحة دون اللون ، فكان الحكم لها فاستدلوا عليها في زعمهم بهذا الحديث . وهذا لا يفهم منه معنى تسكن إله النفس ، ولا في الدم معنى الماء فيقاس عليه ، ولا يشتغل بمثل هذا الفقهاء ، وليس من شأنه أهل العلم اللغز به وإشكاله ، وإنما شأنهم إيضاحه وبيانه ، ولذلك أخذ الميثاق عليهم ليبيننه للناس ولا يكتمونه ، والماء لا يخلو تغيره بنجاسة أو بغير نجاسة ، فإن كان بنجاسة وتغير فقد أجمع العلماء على أنه غير طاهر ولا مطهر ، وكذلك أجمعوا أنه إذا تغير بغير نجاسة أنه ظاهر على أصله . وقال الجمهور : إنه غير مطهر إلا أن يكون تغيره من تربة وحمأة . وما أجمعوا عليه فهو الحق لا إشكال فيه ، ولا التباس معه.
الرابعة : الماء المتغير بقراره كزرنيخ أو جير يجري عليه ، أو تغير بطحلب أو ورق شجر ينبت عليه لا يمكن الاحتراز عنه فاتفق العلماء أن ذلك لا يمنع من الضوء به ، لعدم الاحتراز منه والانفكاك عنه ، وقد روى ابن وهب عن مالك أن غيره أولى منه .
الخامسة : قال علماؤنا رحمة الله عليهم : ويكره سؤر النصراني وسائر الكفار والمدمن الخمر ، وما أكل الجيف ، كالكلاب وغيرها . ومن توضأ بسؤرهم فلا شيء عليه حتى يستقن النجاسة . قال البخاري . وتوضأ عمر رضي الله عنه من بيت نصرانية . ذكر سفيان عيينة قال : حدثونا عن زيد بن أسلم عن أبيه قال : لما كنا بالشأم أتيت عمر بن الخطاب بماء فتوضأ منه فقال : من أين جئت بهذا الماء ؟ ما رأيت ماء عذباً ولا ماء سماء أطيب نمه . قال قلت : جئت به من بيت هذه العجوز النصرانية ، فلما توضأ أتاها فقال أيتها العجوز أسلمي تسلمي ، بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم بالحق . قال : فكشفت عن رأسها ، فإذا مثل الثغامة فقالت : عجوز عبيرة ، وإنما أموت الآن ! فقال عمر رضي الله عنه : اللهم أشهد . خرجه الدارقطني ، حدثنا الحسين بن إسماعيل قال : حدثنا أحمد بن إبراهيم البوش قال : حدثنا سفيان فذكره . رواه أيضاً عن الحسن بن إسماعيل قال : حدثنا خلاد ابن أسلم حدثنا سفيان عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه توضأ من بيت نصرانية أتاها فقال : أيتها العجوز أسلمي وذكر الحديث بمثل ما تقدم . فأما الكلب إذا ولغ في الماء فقال مالك : يغسل الإناء سبعاً ولا يتوضأ منه وهو طاهر . وقال الثوري : يتوضأ بذلك الماء ويتيمم معه . وهو قول عبد الملك بن عبد العزيز و حمد بن مسلمة . وقال أبو حنيفة : الكلب نجس ، ويغسل الإناء منه لأنه نجس . وبه قال الشافعي و أحمد و إسحاق . وقد كان مالك يفرق بين ما يجوز اتخاذه من الكلاب وبين ما لا يجوز اتخاذه منها في غسل الإناء من ولوغه . وتحصيل مذهبه أنه طاهر عند ، لا ينجس ولوغه شيئاً ولغ فيه طعاماً ,لا غيره ، إلا أنه استحب هراقة ما ولغ فيه من الماء ليسارة مؤنته . وكلب البادية والحاضرة سواء . ويغسل الإناء منه على كل حال سبعاً تعبداً . هذا ما استقر عليه مذهبه عند المناظرين من أصحابه . ذكر ابن وهب قال : حدثنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن عطاء عن أبي هريرة قال :" سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحياض التي تكون فيما بين مكة والمدينة ، فقيل له : إن الطلاب والسباع ترد عليها . فقال : لها ما أخذت في بطونها ولنا ما بقي شراب وطهور " أخرجه الدارقطني . وهذا نص في طهارة الكلاب وطهارة ما تلغ فيه . وفي البخاري عن ابن عمر بحضرة الصحابة لصاحب الحوض الذي سأله عمرو بن العاص : هل ترد حوضك السباع . فقال عمر : يا صاحب الحوض ، لا تخبرنا فإنا نريد على السباع وترد علينا . أخرجه مالك و الدارقطني . ولم يفرق بين السباع ، والكلب من جملتها ، ولا حجة للمخالف في الأمر بإراقة ما ولغ فيه وأن ذلك للنجاسة ، وإنما أمر بإراقته لأن النفس تعفه لا لنجاسته ، لأن التنزه من الأقذار مندوب إليه ، أو تغليظاً عليهم لأنهم نهو عن اقتنائها كما قاله ابن عمر والحسن ، فلما لم ينتهوا عن ذلك غلظ عليهم في الماء لقلته عندهم في البادية ، حتى يشتد عليهم فيمتنعوا من اقتنائها . وأما الأمر بغسل الإناء فعبادة لا لنجاسته كما ذكرناه بدليلين : أحدهما : أن الغسل قد دخله العدد . الثاني : أنه جعل للتراب فيه مدخل لقوله عليه السلام : " وعفروه الثامنة بالتراب " ولو كان للنجاسة لما كان للعدد ولا للتراب فيه مدخول كالبول . وقد جعل صلى الله عليه وسلم الهر وما ولغ فيه طاهراً . والهر سبع لا خلاف في ذلك ، لأنه يفترس ويأكل الميتة ، فكذلك الكلب وما كان مثله من السباع ، لأنه إذا جاء نص في أحدهما كان نصاً في الآخر . وهذا من أقوى أنواع القياس . هذا لو لم يكن هناك دليل ، وقد ذكرنا النص على طهارته فسقط قول المخالف . والحمد لله .
السابعة : ما مات في الماء مما لا دم له فلا يضر الماء إن لم يغير ريحه ، فإن أنتن لم يتوضأ به . وكذلك ما كان له دم سائل من دواب الماء كالحوت والضفدع لم يفسد ذلك الماء موته فيه ، إلا أن تتغير رائحته ، فإن تغيرت رائحته وأنتن لم يجز التطهر به ولا الوضوء منه ، وليس بنجس عند مالك . وأما ما له نفس سائلة فمات في الماء ونزح مكانه ولم يغير لونه ولا طعمه ولا ريحه فهو طاهر مطهر سواء كان الماء قليلاً أن كثيراً عند المدنيين . واستحب بعضهم أن ينزح من ذلك الماء دلاء لتطيب النفس به ، ولا يجدون في ذلك حداً لا يتعدى . ويكرهون استعمال ذلك الماء قبل نزح الدلاء ، فإن استعمله أحد في غسل أو وضوء جاز إذا كانت حاله ما وصفنا . وقد كان بعض أصحاب مالك يبرى لمن توضأ بهذا الماء وإن لم يتغير أن يتيمم ، فيجمع بين الطهارتين احتياطاً ، فإن لم يفعل وصلى بذلك الماء أجزأه . وروى الدارقطني عن محمد بن سيرين أن زنجياً وقع في زمزم يعني فمات فأمر به ابن عباس رضي الله عنه فأخرج فأمر بها أن تنزح . قال : فغلبهم عين جاءتهم من الركن فأمر بها فدسمت بالقباطي والمطارف حتى نزحوها ، فلما نزحوها انفجرت عليهم . وأخرجه عن أبي طفيل أن غلاماً وقع في بئر زمزم فنزحت . وهذا يحتمل أن يكون الماء تغير ، والله أعلم . وروى شعبة عن مغيرة عن إبراهيم أنه كان يقول : كل نفس سائلة لا يتوضأ منها ، ولكن رخص في الخنفساء والعقرب والجراد والجديد إذا وقعن في الركاء فلا بأس به . قال شعبة وأظنه قد ذكر الوزغة . أخرجه الدارقطني ، حدثنا الحسين بن إسماعيل قال حدثنا محمد بن الوليد قال حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا شعبة ، فذكره .
الثامنة : ذهب الجمهور من الصحابة وفقهاء الأمصار وسائر التابعين بالحجاز والعراق أن ما ولغ فيه الهر من الماء طاهر ، وأنه لا بأس بالوضوء بسؤره ، لحديث أبي قتادة ، أخرجه مالك وغيره . وقد روي عن أبي هريرة فيه خلاف ولغ فيه الهر وغسل الإناء منه . واختلف في ذلك عن الحسن . ويحتمل أن يكون الحسن رأى في فمه نجاسة ليصح مخرج الروايتين عنه . قال الترمذي لما ذكر حديث مالك : ( وفي الباب عن عائشة وأبي هريرة ، هذا حديث حسن صحيح ، وهو قول أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم ، مثل الشافعي و أحمد و إسحاق ، (لم يروا بسؤر الهرة ) وهذا أحسن شيء في الباب ، وقد جود مالك هذا الحديث عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، ولم يأتي به أحد أتم من مالك . قال الحافظ أبو عمر : الحجة عند التنازع والاختلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد صح من حديث أبي قتادة أنه أصغى لها الإناء حتى شربت . الحديث . عليه اعتماد الفقهاء في كل مصر إلا ‎ أبا حنيفة ومن قال بقوله ، فإنه كان يكره سؤره . وقال إن توضأ به أحد أجزأه ، ولا كأعلم حجة لمن كره الوضوء بسؤر الهرة أحسن من أنه لم يبلغه حديث أبي قتادة ، وبلغه حديث أبي هريرة في الكلب فقاس الهر عليه ، وقد فرقت السنة بينهما في باب التعبد في غسل الإناء ، ومن حجته السنة خاصمته ، وما خلفها مطرح . وبالله التوفيق . ومن حجتهم أيضاً ما رواه قرة بن خالد عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " طهور الإناء إذا ولغ فيه الهر أن يغسل مرة أو مرتين " شك قرة . وهذا الحديث لم يرفعه إلا قرة بن خالد و قرة ثقة ثبت .
قلت : هذا الحديث أخرجه الدارقطني ، ومتنه : " طهور الإناء إذا ولغ فيه الكلب أن يغسل سبع مرات الأولى بالتراب والهر مرة أو مرتين " . قرة شك . قال أبو بكر . كذا رواه أبو عاصم مرفوعاً ، ورواه غيره عن قرة ( ولوغ الكلب ) مرفوعاً و( ولوغ الهر ) موقوفاً وروى أبو صالح عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يغسل الإناء من الهر كما يغسل من الكلب " قال الدارقطني : لا يثبت هذا مرفوعاً والمحفوظ من قول أبي هريرة واختلف عنه . وذكر معمر و ابن جريج عن ابن طاوس عن أبيه أنه كان يجعل الهر مثل الكلب . وعن مجاهد أنه قال في الإناء يلغ فيه السنور قال : اغسله مرات ، قاله الدارقطني .التاسعة : الماء المستعمل طاهر إذا كان أعطاء المتوضئ به طاهرة ، إلا أن مالكاً وجماعة من الفقهاء الجلة كانوا يكرهون الوضوء به . قال مالك : لا خير فيه ، ولا أحب لأحد أن يتوضأ به ، فإن فعل وصلى لم أر عليه إعادة الصلاة ويتوضأ لما يستقبل . وقال أبو حنيفة و الشافعي وأصحابهما : لا يجوز استعماله في رفع الحديث ، ومن توضأ به أعاد ، لأنه ليس بماء مطلق ، ويتيمم واجده لأنه ليس بواحد ماء . وقال بقولهم في ذلك أصبغ بن الفرج وهو قول الأوزاعي . واحتجوا بحديث الصنابيحي خرجه مالك وحديث عمرو بن عبسة أخرجه مسلم ، وغير ذلك من الآثار . وقالوا : الماء إذا توضئ به خرجت الخطايا معه ، فوجب التنزه عنه لأنه ماء الذنوب . قال أبو عمر : وهذا عندي لا وجه له ، لأن الذنوب لا تنجس الماء لأنها لا أشخاص لها ولا أجسام تمازج الماء فتفسده ، وإنما معنا قوله : ( خرجت الخطايا مع الماء ) إعلام منه بأن الوضوء للصلاة عمل يكفر الله به السيئات عن عباده المؤمنين رحمة منه بهم وتفضلاً عليهم . وقال أبو ثور و داود مثل قول مالك ، وأن الوضوء بالماء المستعمل جائز ، لأنه ماء طاهر لا ينضاف إليه
شيء وهو ماء مطلق . واحتجوا بإجماع الأمة على طهارته إذا لم يكن في أعضاء المتوضئ نجاسة . وإلى هذا ذهب أبو عبد المروزي محمد بن نصر . وروي عن علي بن أبي طالب وابن عمر وأبي أمامة و عطاء بن أبي رباح و الحسن البصري و النخعي و مكحول و الزهري أنهم قالوا فيمن نسي مسح رأسه فوجد في لحيته تللا : إنه يجزئه أن يمسح بذلك البلل رأسه ، فهؤلاء كلهم أجازوا الوضوء بالماء المستعمل . وروى عبد السلام بن صالح حدثنا إسحاق بن سويد عن العلا بن زياد عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مرضي : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج لعيهم ذات يوم وقد اغتسل وقد بقيت لمعة من جسده ولم يصبها الماء ، فقلنا : يا رسول الله ، هذه لمعة لم يصبها الماء ، فكان له شعر وارد ، فقال بشعره هكذا على المكان فبله . أخرجه الدارقطني ، وقال : عبد السلام بن صالح هذا بصري وليس بقوي ، وغيره من الثقات يرويه عن إسحاق عن العلاء مرسلاً وهو الصواب .
قلت : الراوي الثقة عن إسحاق بن سويد العدوي عن العلاء بن زياد العدوي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتسل ، الحديث فيما ذكره هشيم . قال ابن العربي : ( مسألة الماء المستعمل إنما تنبني على أصل آخر ، وهو أن الآلة إذا أدى بها فرض هل يؤدي بها فرض آخر أم لا ، فمنع ذلك المخالف قياساً على الرقبة إذا أدى بها فرض عتق لم يصلح أن يتكرر في أداء فرض آخر ، وهذا باطل من القول ، فإن العتق إذا أتى على الرق أتلفه فلا يبقى محل لأداء الفرض بعتق آخر . ونظيره من الماء ما تلف على الأعضاء فإنه لا يصح لأأن يؤدى به فرض آخر لتلف عينه حساً كما تلف الرق في الرقبة بالعتق حكماً ، وهذا نفيس فتأملوه ) .
العاشرة : لم يفرق مالك وأصحابه بين الماء تقع فيه النجاسة وبين النجاسة يرد عليها الماء ، واكداً كان الماء أو غير راكد ، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الماء لا ينجسه شيء إلا ما غلب عليه فغير طعمه أو لونه أو ريحه " وفرقت الشافعية فقالوا : إذا وردت النجاسة على الماء تنجس ، واختاره ابن العربي . وقال : من أصول الشريعة في أحكام المياه أن وردت النجاسة على الماء ليس كورود الماء على النجاسة ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده " فمنع من ورود اليد على الماء وأمر بإيراد الماء عليها ، وهذا أصل بديع في الباب ، ولولا وروده على النجاسة قليلاً كان أو كثيراً لما طهرت . وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في بول الأعرابي في المسجد : ( صبوا عليه ذنوباً من ماء ) قلا شيخنا أبو العباس : واستدلوا أيضاً بحديث القلتين ، فقالوا : إذا كان الماء دون القلتين فحلته نجاسة تنجس وإن لم يغيره ، وإن ورد ذلك القدر فأقل على النجاسة فأذهب عينها بقي الماء على طهارته وأزال النجاسة وهذه مناقضة ، إذا المخالطة قد حصلت في الصورتين ، وتفريقهم بورود الماء على النجاسة وورودها عليه فرق صوري ليس فيه من الفقه شيء ، فليس الباب باب التعبدات بل من باب عقلية المعاني ، فإنه من باب إزالة النجاسة وأحكامها . ثم هذا كله . ثم هذا كله منهم يرده قوله عليه الصلاة والسلام : " الماء لا ينجسه شيء إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه " قلت : هذا الحديث أخرجه الدارقطني عن رشدين بن سعد ابي الحجاج عن معوية بن صالح عن راشد بن سعد عن أبي إمامة الباهلي وعن ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم وليس فيه ذكر اللون . وقال : لم يرفعه غير رشدين بن سعد عن معاوية بن صالح وليس بالقوي ، وأحسن منه في الاستدلال ما رواه أبو أسامة عن الوليد بن كثير عن محمد بن كعب عن عبيد الله بن عبد الله بن رافع بن خديج عن أبي سعيد الخدري قال : قيل : يا رسول الله ، أنتوضأ من بئر بضاعة ؟ وهي بئر تلقى فيها الحيض ولحوم الكلاب والنتن ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الماء طهور لا ينجسه شيء " أخرجه أبو داود و الترمذي و الدارقطني كلهم بهذا الإسناد . وقال أبو عيسى : هذا حديث حسن ، وقد جود أبو أسامة هذا الحديث ولم يرو أحد حديث أبي سعيد في بئر بضاعة أحسن مما روى أبو أسامة . فهذا الحديث نص في ورود النجاسة على الماء ، وقد حكم صلى الله عليه وسلم بطهارته وطهوره . قال أبو داود : سمعت قتيبة بن سعيد قال سألت قيم بئر بضاعة عن عمقها ، قلت : أكثر ما يكون الماء فيها ؟ قال : إلى العانة . قلت : فإذا نقص ؟ قال : دون العورة . قال أبو داود : وقدرت بئر بضاعة بردائي مددته عليها ثم ذرعته فإذا عرضها ستة أذرع ، وسألت الذي فتح لي باب البستان فأدخلني إليه : هل غير بناؤها عما كانت عليه ؟ فقال لا . ورأيت فيها ماء متغير اللون . فكان هذا دليلاً لنا على ما ذكرناه ، غير أن ابن العربي قال : إنها في وسط السبخة ، فماؤها يكون متغيراً من قرارها ، والله أعلم .
الحادية عشرة : الماء الطاهر المطهر الذي يجوز به الوضوء وغسل النجاسات هو الماء القراح الصافي من ماء السماء والأنهار والبحار والعيون والآبار ، وما عرفه الناس ماء مطلقاً غير مضاف إلى شيء خالطه كما خلقه الله عز وجل صافياً ولا يضره لون أرضه على مابيناه . وخالف في هذه الجملة أبو حنيفة و عبد الله بن عمر و عبد الله بن عمر فأما أبو حنيفة فأجاز الوضوء بالنبيذ في السفر ، وجوز إزالة النجاسة بكل مائع طاهر . فأما بالدهن والمرق فعنه رواية أنه لا يجوز وإزالتها به . إلا أن أصحابه يقولون : إذا زالت النجاسة به جاز . وكذلك عنده النار والشمس ، حتى أن جلد الميتة إذا جف في الشمس طهر من غير دباغ . وكذلك النجاسة على الأرض إذا جفت بالشمس فإنه يظهر ذلك الموضوع ، بحيث تجوز الصلاة عليه ، ولكن لا يجوز التيمم بذلك التراب . قال ابن العربي : لما وصف الله سبحانه الماء بأنه طهور وامتن بإنزاله من السماء ليطهرنا به دل على اختصاصه بذلك ، وكذلك قال عليه الصلاة والسلام لأسماء بن الصديق حين سألته عن دم الحيض يصيب الثوب ( حتيه ثم أقرصيه ثم اغسليه بالماء ) فلذلك لم يلحق غير الماء بالماء لما في ذلك من إبطال الابطال الامتنان ، وليس النجاسة معنى محسوساً حتى يقال كل ما أرالها فقد قام به الغرض ، وإنما النجاسة حكم شرعي عين له صاحب الشرع الماء فلا يلحق به غيره ،إذا ليس في معناه ، ولأنه لو لحق به لأسقط ، والفرع إذا عاد إلحاقه بالأصل في إسقاطه سقط في نفسه . وقد كان تاج السنة ذو العز ابن المرتضى الدبوسي يسميه فرخ زنى .
قلت : وأما ما استدل به على استعمال النبيذ فأحاديث واهية ،ضعاف لا يقوم شيء منها على ساق ، ذكرها الدارقطني وضعفها ونص عليها . كذلك ضعف ما روي عن ابن عباس موقوفاً : ( النبيذ وضوء لمن لم يجد الماء ) في طريقه ابن محرر متروك الحديث . وكذلك ما روي عن علي أنه قال : لا بأس بالضوء بالنبيذ . الحجاج و أبو ليلى ضعيفان . وضعف حديث ابن مسعود وقال : تفرد به ابن لهيعة وهو ضعيف الحديث . وذكر عن علقمة بن قيس قال : لعبد الله بن مسعود : اشهد الله صلى الله عليه وسلم أحد منكم ليلة أتاه داعي الجن ؟ فقال : لا .
قلت : هذا إسناد صحيح الا يختلف في عدالة رواته . وأخرج الترمذي " حديث ابن مسعود قال : سألني النبي صلى الله عليه وسلم : ما في إداوتك " فقلت : نبيذ . فقال " تمرة طيبة وماء طهور قال : فتوضأ منه " . قال أبو عيسى وإنما روي هذا الحديث عن أبي زيد عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وأبو زيد رجل مجهول عند أهل الحديث لا نعرف له رواية غير هذا الحديث ، وقد رأى بعض أهل العلم الوضوء بالنبيذ ، منهم سفيان وغيره ، وقال بعض أهل العلم : لا يتوضأ بالنبيذ ، وهو قول الشافعي و أحمد و إسحاق ، وقال إسحاق : إن ابتلي رجل بهذا فتوضأ بالنبيذ وتيمم أحب إلى . قال أبو عيسى : وقول من يقول لا يتوضأ بالنبيذ أقرب إلى الكتاب والسنة وأشبه ، لأن الله تعالى : " فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا " [ النساء : 43] . وهذه المسألة مطولة في كتب الخلاف ، وعمدتهم التمسك بلفظ الماء حسبما تقدم في ( المائدة ) بيانه والله أعلم .
الثانية عشرة : لما قال الله تعالى : " وأنزلنا من السماء ماء طهورا " وقال " ليطهركم به " [ الأنفال : 11 ] تتوقف جماعة في ماء البحر ، لأنه ليس بمنزل من السماء ، حتى رووا عن عبد الله بن عمر وابن عمرو معاً أنه لا يتوضأ به ، لأنه نار ولأنه طبق جهنم ولكن النبي صلى الله عليه وسلم بين حكمه حين قال لمن سأله : " هو الطهور ماؤه الحل ميتته " أخرجه مالك . وقال فيه أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح . وهو قول أكثر الفقهاء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم أبو بكر وعمر وابن العباس ، لم يروا بأساً بماء البحر ، وقد بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الوضوء بما ء البحر ، منهم ابن عمر وعبد الله بن عمرو ، وقال عبد الله بن عمرو : هو نار . قال أبو عمر : وقد سئل أبو عيسى : فقلت للبخاري : هشيم يقول فيه ابن أبي برزة . فقال : وهم فيه ، إنما هو المغيرة بن أبي بردة . قال . قال أبو عمر لا أدري ما هذا من البخاري رحمه لله ، ولو كان صحيحاً لأخرجه في مصنفه الصحيح عنده ، ولم يفعل لأنه لا يعول في الصحيح إلا على الإسناد . وهذا الحديث لا يحتج أهل الحديث بمثل إسناده ، وهو عندي صحيح لأن العلماء تلقوه بالقبول له والعمل به ، ولا يخالف في جملته أحد من الفقهاء ، وإنما الخلاف بينهم في بعض معانيه . وقد أجمع جمهور من العلماء وجماعة أئمة الفتوى بالأمصار من الفقهاء : أن البحر طهور ماؤه ، وأن الوضوء به جائز ، إلا ما روي عن عبد الله بن عمر بن الخطاب وعبد الله بن عمرو بن العاص عليه ، أنهما كرها الوضوء بماء البحر ، ولم يتابعهما أحد من فقهاء الأمصار على ذلك ولا عرج عليه ، ولا التفت إليه لحديث هذا الباب . وهذا يدلك على اشتهار الحديث عندهم ، وعملهم به وقبولهم له وهو أولى عندهم من الإسناد الظاهر الصحة لمعنى ترده الأصول . وبالله التوفيق .
قال أبو عمر : وصفوان بن سليم مولى حميد بن عبد الرحمن بن عوف الزهري ، من عباد أهل المدينة وأتقاهم لله ، ناسكاً كثير الصدقة بما وجد من قليل وكثير ، كثير العمل ، خائفاً لله ، يكنى أبا عبد الله ، سكن المدينة لم ينتقل عنها ، ومات بها سنة اثنتين وثلاثين ومائة . ذكر عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : سمعت أبي يسأل عن صفوان بن سليم فقال : ثقة من خيار عباد الله وفضلاء المسلمين . وأما سعيد بن سلمة فلم يرو عنه فيما علمت إلا صفوان _ والله أعلم _ ومن كانت هذه حاله فهو مجهول لا تقوم به حجة عند جميعهم . وأما المغيرة بن أبي بردة فقيل عنه إنه غير معروف في حملة العلم في مغازي موسى بن نصير بالمغرب ، وكان موسى يستعمله على الخيل ، وفتح الله له في بلاد البربر فتوحات في البر والبحر . وروى الدارقطني من غير طريق مالك عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من لم يطهره ماء البحر فلا طهره الله " قال إسناده حسن .
الثالثة عشرة : قال ابن العربي : توهم قوم أن الماء إذا فضلت للجنب منه فضلة لا يتوضأ به ، وهو مذهب باطل ، فقد ثبن عن ميمونة أنها قالت :
أجنبت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم واغتسلت من جفنة وفضلت فضلة ، فجاء رسول الله ليغتسل منه فقلت : إني اغتسلت منه . فقال : " إن الماء ليس عليه نجاسة أو إن الماء لا يجنب " قال أبو عمر : وردت آثار في هذا الباب مرفوعة في النهي عن أن يتوضأ الرجل بفضل المرأة . وزاد بعضهم في بعضها : ولكن ليغترفا جميعاً . فقالت طائفة : لا يجوز أن يغترف الرجل مع المرأة في إناء واحد ، لأن كل واحد منهما متوضء بفضل صاحبه . وقال آخرون : إنما كره من ذلك أن تنفرد المرأة بالإناء قم يتوضأ الرجل بعدها بفضلها . وكل واحد منهم روى بما ذهب إليه أثراً . والذي ذهب إليه الجمهور من العلماء وجماعة فقهاء الأمصار أنه لا بأس أن يتوضأ الرجل بفضل المرأة وتتوضأ المرأة من فضله ، انفردت بالإناء لو لم تنفرد . وفي مثل هذا آثار كثيرة صحاح . والذي نذهب إليه أن الماء لا ينجسه شيء إلا ما ظهر فيه من النجاسات أو غلب عليه منها ، فلا وجه للاشتغال بما لا يصح من الآثار والأقوال . والله المستعان .
روى الترمذي عن ابن عباس قال : حدثتني ميمونة قالت : كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد من الحنابة . قال هذا حديث حسن صحيح . وروى البخاري عن عائشة قالت :
كنت اغتسل أنا والنبي صلى الله عليه وسلم من إناء واحد يقال له الفرق وفي صحيح مسلم عن ابن عباس :
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بفضل ميمونة . وروى الترمذي عن ابن عباس قال اغتسل بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في جفنة فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتوضأ منه فقالت : يا رسول الله إني كنت جنباً . قال : " إن الماء لا يجنب " قال : هذا حديث حسن صحيح وهو قول سفيان و مالك و الشافعي . وروى الدارقطني عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها قالت : كنت أتوضأ أنا والنبي صلى الله عليه وسلم من إناء واحد وقد أصابت الهرة منه قبل ذلك قال : هذا حديث حسن صحيح . وروى أيضاً عن رجل من بني غفار قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فضل طهور المرأة . وفي الباب عن عبد الله بن سرجس بوكره بعض الفقهاء فضل طهور المرأة ، وهو قول أحمد و إسحاق .
الرابعة عشرة : روى الدارقطني عن زيد بن أسلم مولى عمر بن الخطاب أن عمر بن الخطاب كان يسخن له الماء في قمقمة ويغتسل به . قال : وهذا إسناد صحيح "وروي عن عائشة قالت دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سخنت ماء في الشمس . فقال : لا تفعلي يا حميراء فإنه يورث البرص " رواه خالد بن إسماعيل المخزومي عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ، وهو متروك . ورواه عمر بن محمد الأعشم عن فليح عن الزهري عن عروة عن عائشة . وهو منكر الحديث ولم يروه غيره عن فليح ولا يصح عن الزهري قاله الدارقطني .
الخامس عشرة : كل إناء طاهر فجائز الوضوء منه إلا إناء الذهب والفضة ، لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اتخاذهما . وذلك _ والله أعلم _ للتشبه بالأعاجم والجبارة لا لنجاسة فيهما . ومن توضأ فيهما أجزاه وضوءه وكان عاصياً باستعمالها . وقد قيل : لا يجزئ الوضوء في أحدهما . والأول أكثر ، قال أبو عمر . وكل جلد ذكي فجائز استعماله للوضوء وغير ذلك . وكان مالك يكره الوضوء في إناء جلد الميتة بعد الدباغ، على اختلاف من قوله . وقد تقدم في ( النحل ) .
وهذا أيضاً من قدرته التامة وسلطانه العظيم, وهو أنه تعالى يرسل الرياح مبشرات, أي بمجيء السحاب بعدها, والرياح أنواع في صفات كثيرة من التسخير, فمنها ما يثير السحاب, ومنها ما يحمله, ومنها ما يسوقه, ومنها ما يكون بين يدي السحاب مبشراً, ومنها ما يكون قبل ذلك يقم الأرض, ومنها ما يلقح السحاب ليمطر, ولهذا قال تعالى: "وأنزلنا من السماء ماء طهوراً" أي آلة يتطهر بها كالسحور والوقود وما جرى مجراهما, فهذا أصح ما يقال في ذلك. وأما من قال إنه فعول بمعنى فاعل, أو إنه مبني للمبالغة والتعدي, فعلى كل منهما إشكالات من حيث اللغة والحكم, ليس هذا موضع بسطها, والله أعلم.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي حدثنا عمر بن حفص بن غياث حدثنا أبي عن أبي جعفر الرازي إلى حميد الطويل عن ثابت البناني قال: دخلت مع أبي العالية في يوم مطير, وطرق البصرة قذرة, فصلى فقلت له, فقال "وأنزلنا من السماء ماء طهوراً" قال: طهره ماء السماء, وقال أيضاً: حدثنا أبي , حدثنا أبو سلمة , حدثنا وهيب عن داود عن سعيد بن المسيب في هذه الاية قال: أنزله الله طهوراً لا ينجسه شيء. وعن أبي سعيد قال: قيل: يا رسول الله أنتوضأ من بئر بضاعة, وهي بئر يلقى فيها النتن ولحوم الكلاب ؟ فقال "إن الماء طهور لا ينجسه شيء" رواه الشافعي وأحمد وصححه وأبو داود والترمذي وحسنه والنسائي .
وروى ابن أبي حاتم بإسناده: حدثنا أبي , حدثنا أبو الأشعث حدثنا معتمر , سمعت أبي يحدث عن سيار عن خالد بن يزيد قال: كان عند عبد الملك بن مروان فذكروا الماء, فقال خالد بن يزيد : منه من السماء, ومنه يسقيه الغيم من البحر فيغذ به الرعد والبرق, فأما ما كان من البحر فلا يكون له نبات, فأما النبات فمما كان من السماء. وروي عن عكرمة قال: ما أنزل الله من السماء قطرة إلا أنبت بها في الأرض عشبة أو في البحر لؤلؤة. وقال غيره: في البر بر وفي البحر در.
وقوله تعالى: "لنحيي به بلدة ميتا" أي أرضاً قد طال انتظارها للغيث, فهي هامدة لا نبات فيها ولا شيء فلما جاءها الحياء عاشت واكتست رباها أنواع الأزاهير والألوان, كما قال تعالى: "فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت" الاية, " ونسقيه مما خلقنا أنعاما وأناسي كثيرا " أي وليشرب منه الحيوان من أنعام, وأناسي محتاجين إليه غاية الحاجة لشربهم وزروعهم وثمارهم, كما قال تعالى: "وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا" الاية, وقال تعالى: "فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحيي الأرض بعد موتها" الاية.
وقوله تعالى: "ولقد صرفناه بينهم ليذكروا" أي أمطرنا هذه الأرض دون هذه, وسقنا السحاب يمر على الأرض ويتعداها ويتجاوزها إلى الأرض الأخرى, فيمطرها ويكفيها ويجعلها غدقاً, والتي وراءها لم ينزل فيها قطرة من ماء, وله في ذلك الحجة البالغة والحكمة القاطعة. قال ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهم: ليس عام بأكثر مطراً من عام, ولكن الله يصرفه كيف يشاء, ثم قرأ هذه الاية "ولقد صرفناه بينهم ليذكروا فأبى أكثر الناس إلا كفوراً" أي ليذكروا بإحياء الله الأرض الميتة أنه قادر على إحياء الأموات والعظام الرفات, أو ليذكر من منع المطر إنما أصابه ذلك بذنب أصابه, فيقلع عما هو فيه.
وقال عمر مولى غقبة: كان جبريل عليه السلام في موضع الجنائز, فقال له النبي صلى الله عليه وسلم "يا جبريل إني أحب أن أعلم أمر السحاب" قال: فقال له جبريل: يا نبي الله هذا ملك السحاب فسله, فقال: تأتينا صكاك مختمة, اسق بلاد كذا وكذا, كذا وكذا قطرة. رواه ابن أبي حاتم وهو حديث مرسل. وقوله تعالى: "فأبى أكثر الناس إلا كفوراً" قال عكرمة : يعني الذين يقولون مطرنا بنوء كذا وكذا, وهذا الذي قاله عكرمة كما صح في الحديث المخرج في صحيح مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لأصحابه يوماً على أثر سماء أصابتهم من الليل "أتدرون ماذا قال ربكم ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال قال أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر, فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذاك مؤمن بي, كافر بالكواكب, وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا, فذاك كافر بي, مؤمن بالكواكب ".
48- " وهو الذي أرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته " قرئ "الريح" وقرئ "بشراً" بالباء الموحدة وبالنون، وقدم تقدم تفسير هذه الآية مستوفى في الأعراف "وأنزلنا من السماء ماءً طهوراً" أي يتطهر به كما يقال وضوء للماء الذي يتوضأ به. قال الأزهري: الطهور في اللغة الطاهر المطهر، والطهور ما يتطهر به. قال ابن الأنباري: الطهور بفتح الطاء الاسم، وكذلك الوضوء والوقود، وبالضم المصدر، هذا هو المعروف في اللغة، وقد ذهب الجمهور إلى أن الطهور هو الطاهر المطهر، ويؤيد ذلك كونه بناء مبالغة. وروي عن أبي حنيفة أنه قال: الطهور هو الطاهر، واستدل لذلك بقوله تعالى: "وسقاهم ربهم شراباً طهوراً" يعني طاهراً، ومنه قول الشاعر:
خليلي هل في نظرة بعد توبة أداوي بها قلبي علي فجور‌‌‌
إلى رجح الأكفال غيد من الظبى عذاب الثنايا ريقهن طهور
فوصف الريق بأنه طهور وليس بمطهر، ورجح القول الأول ثعلب. وهو راجح لما تقدم من حكاية الأزهري لذلك عن أهل اللغة. وأما وصف الشاعر للريق بأنه طهور، فهو على طريق المبالغة، وعلى كل حال فقد ورد الشرع بأن الماء طاهر في نفسه مطهر لغيره، قال الله تعالى: "وينزل عليكم من السماء ماءً ليطهركم به". وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "خلق الماء طهوراً"أولثم ذكر سبحانه علة الإنزال.
48- "وهو الذي أرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته"، يعني المطر "وأنزلنا من السماء ماءً طهوراً"، وهو الطاهر في نفسه المطهر لغيره، فهو اسم لما يتطهر به، كالسحور اسم لما يتسحر به، والفطور اسم لما يفطر به، والدليل عليه ما روينا "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في البحر: هو الطهور ماؤه الحل ميتته" وأراد به المطهر، فالماء مطهر لأنه يطهر الإنسان من الحدث والنجاسة، كما قال في آية أخرى: "وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به" (الأنفال-11)، فثبت به أن التطهير يختص بالماء.
وذهب أصحاب الرأي إلى أن الطهور هو الطاهر، حتى جوزوا إزالة النجاسة بالمائعات الطاهرة، مثل الخل وماء الورد والمرق ونحوها.
ولو جاز إزالة النجاسة بها لجاز إزالة الحدث بها.
وذهب بعضهم إلى أن الطهور ما يتكرر منه التطهير، كالصبور اسم لمن يتكرر منه الصبر، والشكور اسم لمن يتكرر منه الشكر، وهو قول مالك، حتى جوز الوضوء بالماء الذي توضأ منه مرة.
وإن وقع في الماء شيء غير طعمه أو لونه أو ريحه هل تزول طخوريته؟ نظر: إن كان الواقع شيئاً لا يمكن صون الماء عنه، كالطين والتراب وأوراق الأشجار، لا تزول، فيجوز الطهارة به كما لو تغير لطول المكث في قراره، وكذلك لو وقع فيه ما لا يخالطه، كالدهن يصب فيه فيتروح الماء برائحته يجوز الطهارة به، لأن تغيره للمجاورة لا للمخالطة. وإن كان شيئاً يمكن صون الماء منه ويخالطه كالخل والزعفران ونحوهما تزول طهوريته فلا يجوز الوضوء به.
وإن لم يتغير أحد أوصافه، ينظر: إن كان الواقع فيه شيئاً طاهراً لا تزول طهوريته، فتجوز الطهارة به، سواء كان الماء قليلاً أو كثيراً، وإن كان الواقع فيه شيئاً نجساً، ينظر: فإن كان الماء قليلاً أقل من القلتين ينجس الماء، وإن كان قدر قلتين فأكثر فهو طاهر يجوز الوضوء به. والقلتان خمس قرب، ووزنه خمسمائة رطل، والدليل عليه ما:
أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي، أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسين الجيري، أخبرنا حاجب بن أحمد الطوسي، حدثنا عبد الرحيم بن المنيب، أخبرنا جرير عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر، عن أبيه "عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن الماء يكون في الفلاة وما يرده من الدواب والسباع؟ فقال: إذا كان الماء قلتين ليس يحمل الخبث"، وهذا قول الشافعي، وأحمد، وإسحاق، وجماعة من أهل الحديث: أن الماء إذا بلغ هذا الحد لا ينجس بوقوع النجاسة فيه ما لم يتغير أحد أوصافه.
وذهب جماعة إلى أن الماء القليل لا ينجس بوقوع النجاسة فيه ما لم يتغير طعمه أو لونه أو ريحه، وهو قول الحسن وعطاء والنخعي والزهري. واحتجوا بما:
أخبرنا أبو القاسم بن عبد الله بن محمد الحنفي، أخبرنا أبو الحارث طاهر بن محمد الطاهري، حدثنا أبو محمد الحسن بن محمد بن الحكيم، حدثنا أبو الموجه محمد بن عمرو بن الموجه، حدثنا صدقة بن الفضل/، أخبرنا أبو أسامة عن الوليد بن كثير، عن محمد بن كعب القرظي، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن رافع بن خديج، عن أبي سعيد الخدري قال: "قيل يا رسول الله أنتوضأ من بئر بضاعة؟ وهي بئر يلقى فيه الحيض ولحوم الكلاب والنتن، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الماء طهور لا ينجسه شيء".
48ـ " وهو الذي أرسل الرياح " وقرأ ابن كثير على التوحيد إرادة للجنس . " نشراً " ناشرات للحساب جمع نشور ، وقرأ ابن عامر بالسكون على التخفيف و حمزة و الكسائي به وبفتح النون على أنه مصدر وصف به و عاصم " بشراً " تخفيف بشر جمع بشور بمعنى مبشر " بين يدي رحمته " يعنى قدام المطر . " وأنزلنا من السماء ماءً طهوراً " مطهر اً لقوله " ليطهركم به " . وهو اسم لما يتطهر به كالوضوء والوقود لما يتوضأ به ويوقد به . " قال عليه الصلاة والسلام التراب طهور المؤمن ، طهور إناء أحدكم إذا ولغ الكلب فيه أن يغسل سبعاً إحداهن بالتراب " . وقيل بليغاً في الطهارة وفعول وإن غلب في المعنيين لكنه قد جاء للمفعول كالضبوث وللمصدر كالقبول وللاسم كالذنوب ، وتوصيف الماء به إشعاراً بالنعمة فيه وتتميم للمنة فيما بعده فإن الماء الطهور أهنأ وأنفع مما خالطه ما يزيل طهوريته ، وتنبيه على أن ظواهرهم لما كانت مما ينبغي أن يطهروها فبواطنهم بذلك أولى .
48. And He it is Who sendeth the winds, glad tidings heralding His mercy, and We send down purifying water from the sky.
48 - And He it is Who sends the Winds as heralds of glad tidings, going before His Mercy, and We send down pure water from the sky,