[الفرقان : 33] وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا
33 - (ولا يأتونك بمثل) في إبطال أمرك (إلا جئناك بالحق) الدافع له (وأحسن تفسيرا) بيانا لهم
يقول تعالى ذكره : ولا يأتيك يا محمد هؤلاء المشركون بمثل يضربونه إلا جئناك من الحق بما نبطل به ما جاءوا به ، و أحسن منه تفسيرا .
كما حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، " ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق " قال : الكتاب بما ترد به ما جاءوا به ن الأمثال التي جاءوا بها و أحسن تفسيرا .
و عنى بقوله : "وأحسن تفسيرا " : و أحسن مما جاءوا به من المثل بيانا و نفصيلا .
و بنحو الذي قلنا في تأويل ذلك ، قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : " و أحسن تفسيرا " يقول : أحسن تفصيلا .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : " وأحسن تفسيرا " قال بيانا .
حدثت عن الحسين ، قال سمعت أبا معاذ ، يقول : أخبرنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : " وأحسن تفسيرا " يقول : نفصيلا .
و قوله : " الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم أولئك شر مكانا " يقول تعالى ذكره لنبيه : هؤلاء المشركون يا محمد ، القائلون لك لولا نزل هذا القرآن جملة واحدة و من كحان على مثل الذي هم عليه من الكفر بالله ، الذين يحشرون يوم القيامة على وجوههم إلى جهنم ، فيساقون إلى جهنم شر مستقرا في الدنيا و الآخرة من أهل الجنة في الجنة ، و أضل منهم في الدنيا طريقا .
و بنحو الذي قلنا في تأويل ذلك ، قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : " الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم " قال : الذي أمشاهم على أرجلهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم " أولئك شر مكانا " من أهل الجنة " و أضل سبيلا " قال : طريقا .
حدثني محمد بن يحيى الأزدي ، قال : ثنا الحسين بن محمد ، قال : ثنا شيبان ، عن قتادة ، قوله : " الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم " قال : حدثنا " أنس بن مالك أن رجلا قال : يا رسول الله كيف يحشر الكافر على وجهه ؟ قال : الذي أمشاه على رجليه قادر أن يمشيه على وجهه " .
حدثنا أبو سفيان الغنوي يزيد بن عمرو ، قال : ثنا خلاد بن يحيى الكوفي ، قال : ثنا سفيان الثوري ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، قال : أخبرني من سمع أنس بن مالك يقول : " جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : كيف يحشرهم على وجوههم ؟ قال : الذي يحشرهم على أرجلهم قادر بأن يحشرهم على وجوههم " .
حدثنا عبيد بن محمد الوراق ، قال : ثنا يزيد بن هارون ، قال : أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي داود ، " عن أنس بن مالك ، قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : كيف يحشر أهل النار على وجوههم ؟ فقال : إن الذي أمشاهم على أقدامهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم " .
حدثنا أحمد بن المقدام قال : ثنا حزم ، قال : سمعت الحسن يقول : " قرأ رسول الله صلى اله عليه وسلم هذه الآية " الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم " فقالوا : يا نبي الله كيف يمشون على وجوههم ؟ قال : أرأيت الذي أمشاهم على أقدامهم أليس قادرا أن يمشيهم على وجوههم " .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا هشيم ، قال : أخبرنا منصور بن زاذان ، عن علي بن زيد بن جدعان عن أبي خالد ، عن أبي هريرة ، قال : يحشر الناس يوم القيامة على ثلاثة أصناف : صنف على الدواب ، و صنف على وجوههم ، فقيل : كيف يمشون على وجوههم ؟ قال : إن الذي أمشاهم على أقدامهم ، قادر أن يمشيهم على وجوههم .

قال تعالى : " ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا " يقول : لو أنزلنا عليك القرآن جملة واحدة ثم سألوك لم يكن عندك ما تجيب به ، ولكن نمسك عليك فإذا سألوك أجبت . قال النحاس : وكان ذلك من علامات النبوة لأنهم لا يسألون عن شيء إلا أجيبوا عنه ، وهذا لا يكون إلا من نبي ، فكان ذلك تثبيتاً لفؤاده وأفئدتهم ، ويدل على هذا " ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا " ولو نزل جملة بما فيه من الفرائض لثقل عليهم ، وعلم الله عز وجل أن الصلاح في إنزاله متفرقاً ، لأنهم ينبهون به مرة بعد مرة ، ولو نزل جملة واحدة لزال معنى التنبيه وفيه ناسخ ومنسوخ ، فكانوا يتعبدون بالشيء إلى وقت بعينه قد علم الله عز وجل فيه الصلاح ، ثم ينزل النسخ بعد ذلك ، فمحال أن ينزل حملة واحدة : افعلوا كذا ولا تفعلوا . قال النحاس : والأولى أن يكون التمام ( جملة واحدة )لإنه إذا وقف على " كذلك " صار المعنى كالتوراة والإنجيل والزبور ولم يتقدم لها ذكر . قال الضحاك : "وأحسن تفسيرا " أي تفصيلاً . والمعنى : أحسن من مثلهم تفصيلاً ، فحذف لعلم السامع . وقيل : كان المشركون يستمدون من أهل الكتاب وكان قد غلب على أهل الكتاب التحريف والتبديل ، فكان ما يأتي به النبي صلى الله عليه وسلم أحسن تفسيراً مما عندهم ، لأنهم كانوا يخلطون الحق بالباطل ، والحق المحض أحسن من حق مختلط بباطل ، ولهذا قال تعالى : " ولا تلبسوا الحق بالباطل " [ البقرة : 42 ] وقيل : " لا يأتونك بمثل " كقولهم في صفة عيس إنه خلق من غير أب إلا جئناك بالحق أي بما فيه نقض حجتهم كآدم إذا خلق من غير أب وأم .
يقول تعالى مخبراً عن كثرة اعتراض الكفار وتعنتهم وكلامهم فيما لا يعنيهم, حيث قالوا "لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة" أي هلا أنزل عليه هذا الكتاب الذي أوحي إليه جملة واحدة, كما نزلت الكتب قبله جملة واحدة, كالتوراة والإنجيل والزبور وغيرها من الكتب الإلهية, فأجابهم الله تعالى عن ذلك بأنه إنما نزل منجماً في ثلاث وعشرين سنة بحسب الوقائع والحوادث, وما يحتاج إليه من الأحكام ليثبت قلوب المؤمنين به, كقوله "وقرآنا فرقناه" الاية, ولهذا قال "لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلاً", قال قتادة : بيناه تبيينا. وقال عبد الرحمن ابن زيد بن أسلم : وفسرناه تفسيراً "ولا يأتونك بمثل" أي بحجة وشبهة "إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيراً" أي ولا يقولون قولاً يعارضون به الحق, إلا أجبناهم بما هو الحق في نفس الأمر وأبين وأوضح وأفصح من مقالتهم.
قال سعيد بن جبير عن ابن عباس "ولا يأتونك بمثل" أي بما يلتمسون به عيب القرآن والرسول "إلا جئناك بالحق" الاية, أي إلا نزل جبريل من الله تعالى بجوابهم وما هذا إلا اعتناء وكبير شرف للرسول صلى الله عليه وسلم, حيث كان يأتيه الوحي من الله عز وجل بالقرآن صباحاً ومساء, وليلاً ونهاراً, سفراً وحضراً, وكل مرة كان يأتيه الملك بالقرآن لا كإنزال كتاب مما قبله من الكتب المتقدمة, فهذا المقام أعلى وأجل وأعظم مكانة من سائر إخوانه من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين, فالقرآن أشرف كتاب أنزله الله, ومحمد صلى الله عليه وسلم أعظم نبي أرسله الله تعالى, وقد جمع الله للقرآن الصفتين معاً, ففي الملأ الأعلى أنزل جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا, ثم أنزل بعد ذلك إلى الأرض منجماً بحسب الوقائع والحوادث. وقال أبو عبد الرحمن النسائي أخبرنا أحمد بن سليمان حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا داود عن عكرمة عن ابن عباس قال: أنزل القرآن جملة واحدة إلى سماء الدنيا في ليلة القدر, ثم نزل بعد ذلك في عشرين سنة, قال الله تعالى: "ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيراً" وقال تعالى: "وقرآناً فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلاً".
ثم قال تعالى مخبراً عن سوء حال الكفار في معادهم يوم القيامة, وحشرهم إلى جهنم في أسوأ الحالات وأقبح الصفات "الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم أولئك شر مكانا وأضل سبيلاً". وفي الصحيح عن أنس أن رجلاً قال: يا رسول الله, كيف يحشر الكافر على وجهه يوم القيامة ؟ فقال "إن الذي أمشاه على رجليه قادر أن يمشيه على وجهه يوم القيامة" وهكذا قال مجاهد والحسن وقتادة وغير واحد من المفسرين.
فقال: 33- "ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيراً" أي لا يأتيك يا محمد المشركون بمثل من أمثالهم التي من جملتها اقتراحاتهم المتعنتة إلا جئناك في مقابلة مثلهم بالجواب الحق الثابت الذي يبطل ما جاءوا به من المثل ويدمغه ويدفعه. فالمراد بالمثل هنا: السؤال والاقتراح، وبالحق جوابه الذي يقطع ذريعته ويبطل شبهته ويحسم مادته. ومعنى "أحسن تفسيراً" جئناك بأحسن تفسير، فأحسن تفسيراً معطوف على الحق، والاستثناء بقوله: "إلا جئناك" مفرغ، والجملة في محل نصب على الحال: أي لا يأتونك بمثل إلا في حال إيتائنا إياك ذلك. ثم أوعد هؤلاء الجهلة وذمهم.
33- "ولا يأتونك"، يا محمد يعني: هؤلاء المشركين، "بمثل"، يضربونه في إبطال أمرك "إلا جئناك بالحق"، يعني بما ترد به ما جاؤوا به من المثل وتبطله، فسمى ما يوردون من الشبه مثلاً، وسمى ما يدفع به الشبه حقاً، "وأحسن تفسيراً"، أي: بياناً وتفصيلاً، والتفسير: تفعيل، من الفسر، وهو كشف ما قد غطي.
33ـ " ولا يأتونك بمثل " سؤال عجيب كأنه مثل في البطلان يريدون به القدح في نبوتك . " إلا جئناك بالحق " الدامغ له في جوابه . " وأحسن تفسيراً " وبما هو أحسن بياناً أو معنى من سؤالهم ، أو " لا يأتونك " بحال عجيبة يقولون هلا كانت هذه حاله إلا أعطيناك من الأحوال ما يحق لك في حكمتنا وما هو أحسن كشفاً لما بعثت له .
33. And they bring thee no similitude but We bring thee the Truth (as against it), and better (than their similitude) as argument.
33 - And no question do they bring to thee but We reveal to thee the truth and the best explanation (thereof).