[النور : 64] أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
64 - (ألا إن لله ما في السماوات والأرض) ملكا وخلقا وعبيدا (قد يعلم ما أنتم) أيها المكلفون (عليه) من الإيمان والنفاق ويعلم (ويوم يرجعون إليه) فيه التفات عن الخطاب أي متى يكون (فينبئهم) فيه (بما عملوا) من الخير والشر (والله بكل شيء) من أعمالهم وغيرهم (عليم)
يقول تعالى ذكره : ألا إن الله ملك جميع السماوات والأرض يقول : فلا ينبغي لمملوك أن يخالف أمر مالكه فيعصيه ، فيستوجب بذلك عقوبته . يقول : فكذلك أنتم أيها الناس ، لا يصلح لكم خلاف ربكم الذي هو مالككم ، فأطيعوه ، و أتمروا لأمره ، ولا تنصرفوا عن رسوله إذا كنتم معه على أمر جامع ، إلا بإذنه .
وقوله " قد يعلم ما أنتم عليه " من طاعتكم إياه فيما أمركم ونهاكم من ذلك ، كما حدثني أيضا يونس قال : أخبرنا ابن وهب ،قال : قال ابن زيد ، في قوله " قد يعلم ما أنتم عليه " صنيعكم هذا أيضا " ويوم يرجعون إليه " يقول : ويوم يرجع إلى الله الذين يخالفون عن أمره ، " فينبئهم " يقول : فيخبرهم حينئذ " بما عملوا " في الدنيا ، يم يجازيهم على ما أسلفوا فيها ، من خلافهم على ربهم " والله بكل شيء عليم " يقول : والله ذو علم بكل شيء عملتموه أنتم وهم وغيركم ، وغير ذلك من الأمور ، لا يخفى عليه شيء ، بل هو محيط بذلك كله ، وهو موف كل عامل منكم أجر عمله يوم ترجعون إليه .
قوله تعالى: " ألا إن لله ما في السموات والأرض " خلقاً وملكاً, " قد يعلم ما أنتم عليه " فهو يجازيكم به. و " يعلم " هنا بمعنى علم. " ويوم يرجعون إليه " بعد ما كان في خطاب رجع في خبر، وهذا يقال له: خطاب التلوين. " فينبئهم بما عملوا " أي يخبرهم بأعمالهم ويجازيهم بها. " والله بكل شيء عليم " من أعمالهم وأحوالهم.
ختمت السورة بما تضمنت من التفسير، والحمد لله على التيسير.
تم بعون الله تعالى الجزء الثاني عشر من تفسير القرطبي
يتلوه إن شاء الله تعالى الجزء الثالث عشر، وأوله سورة ((الفرقان))
يخبر تعالى أنه مالك السموات والأرض, وأنه عالم الغيب والشهادة, وهو عالم بما العباد عاملون في سرهم وجهرهم, فقال "قد يعلم ما أنتم عليه" وقد للتحقيق, كما قال قبلها " قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذاً" وقال تعالى: "قد يعلم الله المعوقين منكم" الاية, وقال تعالى: "قد سمع الله قول التي تجادلك" الاية, وقال "قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون" وقال "قد نرى تقلب وجهك في السماء" الاية, فكل هذه الايات فيها تحقيق الفعل بقد, كقول المؤذن تحقيقاً وثبوتاً: قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة. فقوله تعالى: "قد يعلم ما أنتم عليه" أي هو عالم به مشاهد له لا يعزب عنه مثقال ذرة, كما قال تعالى: " وتوكل على العزيز الرحيم * الذي يراك حين تقوم * وتقلبك في الساجدين * إنه هو السميع العليم " وقوله " وما تكون في شأن وما تتلوا منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين " وقال تعالى: "أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت" أي هو شهيد على عباده بما هم فاعلون من خير وشر, وقال تعالى: "ألا حين يستغشون ثيابهم يعلم ما يسرون وما يعلنون" وقال تعالى: "سواء منكم من أسر القول ومن جهر به" الاية, وقال تعالى: "وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين" وقال "وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين" والايات والأحاديث في هذا كثيرة جداً.
وقوله "ويوم يرجعون إليه" أي ويوم ترجع الخلائق إلى الله وهو يوم القيامة "فينبئهم بما عملوا" أي يخبرهم بما فعلوا في الدنيا من جليل وحقير وصغير وكبير, كما قال تعالى: "ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر" وقال "ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضراً ولا يظلم ربك أحداً" ولهذا قال ههنا "ويوم يرجعون إليه فينبئهم بما عملوا والله بكل شيء عليم" والحمد لله رب العالمين ونسأله التمام.
آخر تفسير سورة النور و لله الحمد والمنة.
64- "ألا إن لله ما في السموات والأرض" من المخلوقات بأسرها، فهي ملكه "قد يعلم ما أنتم عليه" أيها العباد من الأحوال التي أنتم عليها فيجازيكم بحسب ذلك، ويعلم هاهنا بمعنى علم "ويوم يرجعون إليه" معطوف على ما أنتم عليه: أي يعلم ما أنتم عليه ويعلم يوم يرجعون إليه فيجازيكم فيه بما عملتم، وتعليق علمه سبحانه بيوم يرجعون لا بنفس رجعهم لزيادة تحقيق علمه، لأن العلم بوقت وقوع الشيء يستلزم العلم بوقوعه على أبلغ وجه " فينبئهم بما عملوا " أي يخبرهم بما عملوا من الأعمال التي من جملتها مخالفة الأمر، والظاهر من السياق أن هذا الوعيد للمنافقين "والله بكل شيء عليم" لا يخفى عليه شيء من أعمالهم.
وقد أخرج ابن إسحاق وابن المنذر والبيهقي في الدلائل عن عروة ومحمد بن كعب القرظي قالا: لما أقبلت قريش عام الأحزاب نزلوا بمجمع الأسيال من رومة بئر بالمدينة، قائدها أبو سفيان، وأقبلت غطفان حتى نزلوا بنقمى إلى جانب أحد، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر، فضر الخندق على المدينة وعمل فيه المسلمون، وأبطأ رجال من المنافقين، وجعلوا يورون بالضعيف من العمل، فيتسللون إلى أهليهم بغير علم من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا إذن، وجعل الرجل من المسلمين إذا نابته النائبة من الحاجة التي لا بد منها يذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ويستأذنه في اللحوق لحاجته فيأذن له، فإذا قضى حاجته رجع، فأنزل الله في أولئك "إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله" الآية. وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في الآية قال: هي في الجهاد والجمعة والعيدين. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم في قوله: "على أمر جامع" قال: من طاعة الله عام. وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل عنه في قوله: "لا تجعلوا دعاء الرسول" الآية قال: يعني كدعاء أحدكم إذا دعا أخاه باسمه، ولكن وقروه وقولوا له: يا رسول الله يا نبي الله. وأخرج عبد الغني بن سعيد في تفسيره وأبو نعيم في الدلائل عنه أيضاً في الآية قال: لا تصيحوا به من بعيد يا أبا القاسم، ولكن كما قال الله في الحجرات "إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله". وأخرج أبو داود في مراسيله عن مقاتل، قال: كان لا يخرج أحد لرعاف أو أحداث حتى يستأذن النبي صلى الله عليه وسلم يشير إليه بأصبعه التي تلي الإبهام، فيأذن له النبي صلى الله عليه وسلم يشير إليه بيده، وكان من المنافقين من يثقل عليه الخطبة والجلوس في المسجد، فكان إذا استأذن رجل من المسلمين قام المنافق إلى جنبه يستتر به حتى يخرج. فأنزل الله "الذين يتسللون منكم لواذا" الآية. وأخرج أبو عبيد في فضائله والطبراني، قال السيوطي بسند حسن عن عقبة بن عامر قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ هذه الآية في خاتمة سورة النور وهو جاعل أصبعيه تحت عينيه يقول: بكل شيء بصير.
ثم عظم نفسه فقال:
64- "ألا إن لله ما في السموات والأرض"، ملكاً وعبيداً، "قد يعلم ما أنتم عليه"، من الإيمان والنفاق: يعلم، وقد صلة "ويوم يرجعون إليه"، يعني: يوم البعث، "فينبئهم بما عملوا"، من الخير والشر، "والله بكل شيء عليم".
أخبرنا أبو سعيد الشريحي، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي، أخبرني الحسين بن محمد بن فنجويه، حدثنا عبد الله بن محمد بن شيبة، حدثنا محمد بن إبراهيم الكرابيسي، حدثنا سليمان بن توبة، حدثنا أبو داود الأنصاري، أخبرنا محمد بن إبراهيم الشامي، حدثنا شعيب بن إسحاق، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تنزلوا النساء الغرف، ولا تعلموهن الكتابة، وعلموهن الغزل، وسورة النور".
64 -" ألا إن لله ما في السماوات والأرض قد يعلم ما أنتم عليه " أيها المكلفون من المخالفة والموافقة والنفاق والإخلاص ، وإنما أكد علمه بـ " قد " لتأكيد الوعيد . " ويوم يرجعون إليه " يوم يرجع المنافقون إليه للجزاء ، ويجوز أن يكون الخطاب أيضاً مخصوصاً بهم على طريق الالتفات ، وقرأ يعقوب بفتح الياء وكسر الجيم . " فينبئهم بما عملوا " من سوء الأعمال بالتوبيخ والمجازاة عليه . " والله بكل شيء عليم " لا يخفى عليه خافية .
عن النبي صلى الله عليه وسلم " من قرأ سورة النور أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد كل مؤمن ومؤمنة فيما مضى وفيما بقي " .
64. Lo! verily unto Allah belongeth whatsoever is in the heavens and the earth. He knoweth your condition. And (He knoweth) the Day when they are returned unto Him so that He may inform them of what they did. Allah is Knower of all things.
64 - Be quite sure that to God doth belong whatever is in the heavens and on earth. Well doth He know what ye are intent upon: and one day they will be brought back to Him, and He will tell them the truth of what they did: for God doth know all things.