[النور : 29] لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ
29 - (ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع) أي منفعة (لكم) باستكنان وغيره كبيوت الربط والخانات المسبلة (والله يعلم ما تبدون) تظهرون (وما تكتمون) تخفون في دخول غير بيوتكم من قصد صلاح أو غيره وسيأتي أنهم إذا دخلوا بيوتهم يسلمون على أنفسهم
يقول تعالى ذكره : ليس عليكم أيها الناس إثم وحرج ، أن تدخلوا بيوتا لا ساكن بها ، بغير استئذان .
ثم اختلفوا في ذلك أي البيوت عنى ، فقال بعضهم : عنى بها الخانات والبيوت المبنية بالطرق التي ليس بها سكان معروفون ، وإنما بنيت لمارة الطريق والسابلة ، ليأووا إليها ، ويؤوا إليها أمتعتهم .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يعقوب قال ثنا هشيم ، قال : أخبرنا حجاج ، عن سالم المكي ، عن محمد ابن الحنفية ، في قوله " ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة " قال : هي الخانات التي تكون في الطرق .
حدثني عباس بن محمد ، قال : ثنا مسلم ، قال : ثنا عمر بن قروخ ، قال : سمعت قتادة يقول : " بيوتا غير مسكونة " قال : هي الخانات ، تكون لأهل الأسفار .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن أبي زائدة ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد " ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم " قال : كانوا يضعون في بيوت في طرق المدينة متاعا وأقتابا ، فرخص لهم أن يدخلوها .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله " بيوتا غير مسكونة " قال : هي البيوت التي ينزلها السفر ، لا يسكنها أحد .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله " بيوتا غير مسكونة " قال : كانوا يصنعون أو يضعون بطريق المدينة أقتابا وأمتعة ، في بيوت ليس فيها أحد ، فأحل لهم أن يدخلوها بغير إذن .
حدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله ، إلا أنه قال : كانوا يضعون بطريق المدينة بغير شك .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد مثله . غير أنه قال : كانوا يضعون بطريق المدينة أقتابا وأمتعة .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول : قوله " أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة " هي البيوت التي ليس لها أهل ، وهي البيوت التي تكون بالطرق والخربة " فيها متاع " منفعة للمسافر في الشتاء والصيف ، يأوي إليها .
وقال آخرون : هي بيوت مكة .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا حكام بن سلم عن سعيد بن سائق ، عن الحجاج بن أرطأة ، عن سالم بن محمد ابن الحنفية ، في " بيوتا غير مسكونة " قال : هي بيوت مكة .
وقال آخرون : هي البيوت الخربة . والمتاع الذي قال الله فيها لكم : قضا الحاجة ، من الخلاء والبول فيها .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : سمعت عطاء يقول " ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم " قال : الخلاء والبول .
حدثني محمد بن عمارة ، قال : ثنا عمرو بن حماد ، قال : ثنا حسن بن عيسى بن زيد ، عن أبيه ، في هذه الآية " ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم " قال : التخلي في الخراب .
وقال آخرون : بل عني بذلك بيوت التجار ، التي فيها أمتعة الناس .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله " ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم " قال : بيوت التجار ، ليس عليكم جناح أن تدخلوها بغير إذن ، الحوانيت التي بالقيساريات والأسواق . وقرأ " فيها متاع لكم " متاع للناس ، ولبني آدم .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب : أن يقال : إن الله عم بقوله : " ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم " كل بيت لا ساكن به ، لنا فيه متاع ، ندخله بغير إذن ، لأن الإذن إنما يكون ليؤنس المأذون عليه قبل الدخول ، أو ليأذن للداخل إن كان له مالكا ، أو كان فيه ساكنا . فأما إن كان لا مالك له فيحتاج إلى إذنه لدخوله ، ولا ساكن فيه فيحتاج الداخل إلى إيناسه ، والتسليم عليه ، لئلا يهجم على ما لا يحب رؤيته منه ، فلا معنى للاستئذان فيه . فإذا كان ذلك ، فلا وجه لتخصيص بعض ذلك دون بعض ، فكل بيت لا مالك له ولا سكان ، من بيت مبني ببعض الطرق للمارة والسابلة ليأووا إليه ، أو بيت خراب قد باد أهله ولا ساكن فيه ، حيث كان ذلك ، فإن لمن أراد دخوله أن يدخل بغير استئذان ، لمتاع له يؤويه إليه ، أو للاستمتاع به ، لقضاء حقه ، من بول أو غائط أو غير ذلك . وأما بيوت التجار ، فإنه ليس لأحد دخولها إلا بإذن أربابها وسكانها .
فإن ظن ظان أن التاجر إذا فتح دكانه وقعد للناس ، فقد أذن لمن أراد الدخول عليه في دخوله ، فإن الأمر في ذلك بخلاف ما ظن ، وذلك أنه ليس لأحد دخول مالك غيره ، بغير ضرورة ألجأته إليه ، أو بغير سبب أباح له دخوله ، إلا بإذن ربه ، لا سيما إذا كان فيه متاع ، فإن كان التاجر قد عرف منه أن فتحه حانوته إذن منه لمن أراد دخوله في الدخول ، فذلك بعد راجع إلى ما قلنا ، من أنه لم يدخله من دخله إلا بإذنه .
وإذا كان ذلك كذلك ، لم يكن من معنى قوله : " ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم " في شيء ، وذلك أن التي وضع الله عنا الجناح في دخولها بغير إذن من البيوت ، هي ما لم يكن مسكونا ، إذ حانوت التاجر لا سبيل إلى دخوله غلا بإذنه ، وهو مع ذلك مسكون ، فتبين أنه مما عنى الله من هذه الآية بمعزل .
وقال جماعة من أهل التأويل : هذه الآية مستثناة من قوله : " لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها" .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عباس " لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم " ثم نسخ واستثنى فقال " ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم " .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يحيى بن واضح ، عن الحسين ، عن يزيد ، عن عكرمة " حتى تستأنسوا " فنسخ من ذلك ، واستثنى فقال : " ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم " وليس في قوله " ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم "دلالة على أنه استثناء من قوله " لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا " ، لأن قوله : "لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها " : حكم من الله في البيوت التي لها سكان وأرباب . وقوله : " ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم " : حكم منه في البيوت التي لا سكان لها ولا أرباب معرفون ، فكل واحد من الحكمين حكم في معنى غير معنى الآخر ، وإنما يستثني الشيء من الشيء إذا كان من جنسه أو نوعه ، في الفعل أو النفس . فأما إذا لم يكن كذلك ، فلا معنى لاستثنائه منه . قوله : " والله يعلم ما تبدون " يقول تعالى ذكره : والله يعلم ما تظهرون ايها الناس بألسنتكم ، من الاستئذان إذا استأذنتم على أهل البيوت المسكونة " وما تكتمون " يقول : وما تضمرونه في صدوركم عند فعلكم ذلك ما الذي تقصدون به : إطاعة الله والانتهاء إلى أمره ، أم غير ذلك .
فيه مسألتان:
الأولى: روي: أن بعض الناس لما نزلت آية الاستئذان تعمق في الأمر، فكان لا يأتي موضعاً خربا ولا مسكونا إلا سلم واستأذن، فنزلت هذه الآية، أباح الله تعالى فيها رفع الاستئذان في كل بيت لا يسكنه أحد، لأن العلة في الاستئذان إنما هي لأجل خوف الكشفة على الحرمات، فإذا زالت العلة زال الحكم.
الثانية: اختلف العلماء في المراد بهذه البيوت، فقال محمد ابن الحنفية و قتادة و مجاهد : هي الفنادق التي في طرق السابلة. قال مجاهد : لا يسكنها أحد بل هي موقوفة ليأوي إليها كل ابن سبيل، وفيها متاع لهم، أي استمتاع بمنفعتها. عن محمد ابن الحنفية أيضاً أن المراد بها دور مكة، ويبينه قول مالك . وهذا على القول بأنها غير متملكة، وأن الناس شركاء فيها، وأن مكة أخذت عنوة. وقال ابن زيد و الشعبي : هي حوانيت القيساريات. قال الشعبي : لأنهم جاؤوا ببيوعهم فجعلوها فيها، وقالوا للناس هلم، وقال عطاء : المراد بها الخرب التي يدخلها الناس للبول والغائط، ففي هذا أيضاً متاع. وقال جابر بن زيد : ليس يعني بالمتاع الجهاز، ولكن ما سواه من الحاجة، أما منزل ينزله قوم من ليل أو نهار، أو خربة يدخلها لقضاء حاجة، أو دار ينظر إليها، فهذا متاع وكل منافع الدنيا متاع. قال أبو جعفر النحاس: وهذا شرح حسن من قول إمام من أئمة المسلمين، وهو موافق للغة، والمتاع في كلام العرب: المنفعة، ومنه أمتع الله بك. ومنه " فمتعوهن " [الأحزاب: 49].
قلت: واختاره أيضاً القاضي أبو بكر بن العربي وقال: أما من فسر المتاع بأنه جميع الانتفاع، فقد طبق المفسر وجاء بالفيصل، وبين أن الداخل فيها إنما هو لما له من الانتفاع. فالطالب يدخل في الخانكات وهي المدارس لطلب العلم، والساكن يدخل الخانات وهي الفنادق، والزبون يدخل الدكان للابتياع، والحاقن يدخل الخلاء للحاجة، وكل يؤتى على وجهه من بابه. وأما قول ابن زيد و الشعبي فقول! وذلك أن بيوت القيساريات محظورة بأموال الناس، غير مباحة لكل من أراد دخولها بإجماع، ولا يدخلها إلا من أذن له ربها، بل أربابها موكلون بدفع الناس.
هذه آداب شرعية, أدب الله بها عباده المؤمنين وذلك في الاستئذان أمرهم أن لا يدخلوا بيوتاً غير بيوتهم حتى يستأنسوا, أي يستأذنوا قبل الدخول, ويسلموا بعده, وينبغي أن يستأذن ثلاث مرات, فإن أذن له وإلا انصرف, كما ثبت في الصحيح " أن أبا موسى حين استأذن على عمر ثلاثاً فلم يؤذن له انصرف, ثم قال عمر : ألم أسمع صوت عبد الله بن قيس يستأذن ؟ ائذنوا له, فطلبوه فوجدوه قد ذهب, فلما جاء بعد ذلك قال: ما رجعك ؟ قال: إني استأذنت ثلاثاً فلم يؤذن لي, وإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : إذا استأذن أحدكم ثلاثاً فلم يؤذن له فلينصرف فقال عمر لتأتيني على هذا ببينة وإلا أوجعتك ضرباً, فذهب إلى ملإ من الأنصار فذكر لهم ما قال عمر فقالوا لا يشهد لك إلا أصغرنا فقام معه أبو سعيد الخدري فأخبر عمر بذلك فقال: ألهاني عنه الصفق بالأسواق " .
وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق , أخبرنا عمر عن ثابت عن أنس أو غيره " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استأذن على سعد بن عبادة فقال : السلام عليك ورحمة الله. فقال سعد : وعليك السلام ورحمة الله, ولم يسمع النبي صلى الله عليه وسلم حتى سلم ثلاثاً, ورد عليه سعد ثلاثاً ولم يسمعه فرجع النبي صلى الله عليه وسلم واتبعه سعد فقال: يا رسول الله بأبي أنت وأمي, ما سلمت تسليمة إلا وهي بأذني, ولقد رددت عليك ولم أسمعك, وأردت أن أستكثر من سلامك ومن البركة, ثم أدخله البيت فقرب إليه زبيباً فأكل نبي الله, فلما فرغ قال : أكل طعامكم الأبرار, وصلت عليكم الملائكة, وأفطر عندكم الصائمون " .
وقد روى أبو داود والنسائي من حديث أبي عمرو الأوزاعي سمعت يحيى بن أبي كثير يقول: حدثني محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة عن قيس بن سعد هو ابن عبادة قال: " زارنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في منزلنا فقال : السلام عليكم ورحمة الله . فرد سعد رداً خفياً, قال قيس : فقلت ألا تأذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال: دعه يكثر علينا من السلام, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : السلام عليكم ورحمة الله . فرد سعد رداً خفياً ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : السلام عليكم ورحمة الله . ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم, واتبعه سعد فقال: يا رسول الله إني كنت أسمع تسليمك وأرد عليك رداً خفياً لتكثر علينا من السلام. قال فانصرف معه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر له سعد بغسل فاغتسل, ثم ناوله ملحفة مصبوغة بزعفران أو ورس, فاشتمل بها ثم رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه وهو يقول : اللهم اجعل صلاتك ورحمتك على آل سعد بن عبادة . قال: ثم أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطعام, فلما أراد الانصراف قرب إليه سعد حماراً قد وطىء عليه بقطيفة, فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال سعد : يا قيس اصحب رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال قيس : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اركب فأبيت, فقال : إما أن تركب وإما أن تنصرف , قال: فانصرفت ", وقد روي هذا من وجوه أخر, فهو حديث جيد قوي, والله أعلم.
ثم ليعلم أنه ينبغي للمستأذن على أهل المنزل أن لا يقف تلقاء الباب بوجهه, ولكن ليكن الباب عن يمينه أو يساره لما رواه أبو داود : حدثنا مؤمل بن الفضل الحراني في آخرين قالوا: حدثنا بقية , حدثنا محمد بن عبد الرحمن عن عبد الله بن بشر قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى باب قوم لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه, ولكن من ركنه الأيمن أو الأيسر, ويقول : السلام عليكم, السلام عليكم " وذلك أن الدور لم يكن عليها يومئذ ستور, تفرد به أبو داود .
وقال أبو داود أيضاً: حدثنا عثمان بن أبي شيبة , حدثنا جرير ـ (ح) ـ حينئذ, قال أبو داود : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة , حدثنا حفص عن الأعمش عن طلحة عن هزيل قال: جاء رجل, قال عثمان : سعد " فوقف على باب النبي صلى الله عليه وسلم يستأذن فقام على الباب قال عثمان : مستقبل الباب, فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : هكذا عنك ـ أو هكذا ـ فإنما الاستئذان من النظر" وقد رواه أبو داود الطيالسي عن سفيان الثوري عن الأعمش عن طلحة بن مصرف عن رجل عن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم, رواه أبو داود من حديثه, وفي الصحيحين " عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : لو أن امرأ اطلع عليك بغير إذن فخذفته بحصاة ففقأت عينه, ما كان عليك من جناح" وأخرج الجماعة من حديث شعبة عن محمد بن المنكدر عن جابر قال:" أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في دين كان على أبي فدققت الباب, فقال : من ذا ؟ فقلت: أنا, قال : أنا أنا . كأنه كرهه, وإنما كره ذلك " لأن هذه اللفظة لا يعرف صاحبها حتى يفصح باسمه أو كنيته التي هو مشهور بها, وإلا فكل أحد يعبر عن نفسه بأنا, فلا يحصل بها المقصود من الإستئذان الذي هو الإستئناس المأمور به في الاية, وقال العوفي عن ابن عباس : الإستئناس الإستئذان, وكذا قال غير واحد,
وقال ابن جرير : حدثنا ابن بشار , حدثنا محمد بن جعفر , حدثنا شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في هذه الاية "لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا" قال: إنما هي خطأ من الكاتب حتى تستأذنوا وتسلموا, وهكذا رواه هشيم عن أبي بشر ـ وهو جعفر بن إياس ـ عن سعيد عن ابن عباس بمثله, وزاد: كان ابن عباس يقرأ " حتى تستأنسوا وتسلموا " وكان يقرأ على قراءة أبي بن كعب رضي الله عنه, وهذا غريب جداً عن ابن عباس , وقال هشيم : أخبرنا مغيرة عن إبراهيم قال: في مصحف ابن مسعود حتى تسلموا على أهلها وتستأذنوا, وهذا أيضاً رواية عن ابن عباس وهو اختيار ابن جرير .
وقد قال الإمام أحمد : حدثنا روح , حدثنا ابن جريج , أخبرني عمرو بن أبي سفيان أن عمرو بن أبي صفوان أخبره أن كلدة بن الحنبل أخبره أن صفوان بن أمية بعثه في الفتح بلبأ وجدابة وصغابيس, " والنبي صلى الله عليه وسلم بأعلى الوادي, قال: فدخلت على النبي صلى الله عليه وسلم ولم أسلم ولم أستأذن, فقال صلى الله عليه وسلم : ارجع فقل السلام عليكم أأدخل ؟ وذلك بعدما أسلم صفوان " , ورواه أبو داود والترمذي والنسائي من حديث ابن جريج به. وقال الترمذي : حسن غريب, لا نعرفه إلا من حديثه. وقال أبو داود : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة , حدثنا أبو الأحوص عن منصور عن ربعي قال: " أتى رجل من بني عامر استأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيته, فقال: أألج ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم لخادمه : اخرج إلى هذا فعلمه الاستئذان فقل له: قل السلام عليكم أأدخل ؟ فسمعه الرجل, فقال: السلام عليكم أأدخل ؟ فأذن له النبي صلى الله عليه وسلم, فدخل " .
وقال هشيم : أخبرنا منصور عن ابن سيرين , وأخبرنا يونس بن عبيد عن عمرو بن سعيد الثقفي " أن رجلاً استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أألج أو أنلج ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأمة له يقال لها روضة : قومي إلى هذا فعلميه, فإنه لا يحسن يستأذن, فقولي له: يقول السلام عليكم أأدخل ؟ فسمعها الرجل فقالها فقال : ادخل " . وقال الترمذي : حدثنا الفضل بن الصباح , حدثنا سعيد بن زكريا عن عنبسة بن عبد الرحمن عن محمد بن زاذان عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : السلام قبل الكلام . ثم قال الترمذي : عنبسة ضعيف الحديث ذاهب, و محمد بن زاذان منكر الحديث. وقال هشيم : قال مغيرة : قال مجاهد : جاء ابن عمر من حاجة وقد آذاه الرمضاء, فأتى فسطاط امرأة من قريش فقال: السلام عليكم أأدخل ؟ قالت: ادخل بسلام, فأعاد فأعادت وهو يراوح بين قدميه, قال: قولي ادخل. قالت: ادخل فدخل " .
ولابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج , حدثنا أبو نعيم الأحول , حدثني خالد بن إياس , حدثتني جدتي أم إياس قالت: كنت في أربع نسوة نستأذن على عائشة , فقلت: ندخل ؟ فقالت: لا قلن لصاحبتكن تستأذن, فقالت: السلام عليكم أندخل قالت: ادخلوا, ثم قالت: "يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها" الاية. وقال هشيم : أخبرنا أشعث بن سوار عن كردوس عن ابن مسعود قال: عليكم أن تستأذنوا على أمهاتكم وأخواتكم, قال أشعث عن عدي بن ثابت أن امرأة من الأنصار قالت: يا رسول الله إني أكون في منزلي على الحال التي لا أحب أن يراني أحد عليها لا والد ولا ولد, وإنه لا يزال يدخل علي رجل من أهلي وأنا على تلك الحال, قال فنزلت "يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً" الاية.
وقال ابن جريج : سمعت عطاء بن أبي رباح يخبر عن ابن عباس رضي الله عنه قال: ثلاث آيات جحدهن الناس. قال الله تعالى: "إن أكرمكم عند الله أتقاكم" قال: ويقولون إن أكرمهم عند الله أعظمهم بيتاً, قال والأذن كله قد جحده الناس قال: قلت: أستأذن على أخواتي أيتام في حجري معي في بيت واحد ؟ قال: نعم فرددت عليه ليرخص لي فأبى, فقال: تحب أن تراها عريانة ؟ قلت: لا, قال: فاستأذن قال: فراجعته أيضاً. فقال: أتحب أن تطيع الله ؟ قلت نعم, قال: فاستأذن. قال ابن جريج : وأخبرني ابن طاوس عن أبيه قال: ما من امرأة أكره إلي أن أرى عورتها من ذات محرم, قال: وكان يشدد في ذلك, وقال ابن جريج عن الزهري . سمعت هزيل بن شرحبيل الأودي الأعمى أنه سمع ابن مسعود يقول: عليكم الإذن على أمهاتكم وقال ابن جريج : قلت لعطاء : أيستأذن الرجل على امرأته قال: لا وهذا محمول على عدم الوجوب, وإلا فالأولى أن يعلمها بدخوله ولا يفاجئها به, لاحتمال أن تكون على هيئة لا تحب أن يراها عليها. وقال أبو جعفر بن جرير : حدثنا القاسم , حدثنا الحسين , حدثنا محمد بن حازم عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن يحيى بن الجزار عن ابن أخي زينب ـ امرأة عبد الله بن مسعود ـ عن زينب رضي الله عنها, قالت: كان عبد الله إذا جاء من حاجة فانتهى إلى الباب تنحنح وبزق كراهة أن يهجم منا على أمر يكرهه, إسناده صحيح.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن سنان الواسطي , حدثنا عبد الله بن نمير , حدثنا الأعمش عن عمرو بن مرة عن أبي هبيرة . قال: كان عبد الله إذا دخل الدار استأنس وتكلم ورفع صوته, وقال مجاهد : حتى تستأنسوا, قال: تنحنحوا أو تنخموا. وعن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله أنه قال: إذا دخل الرجل بيته استحب له أن يتنحنح أو يحرك نعليه, ولهذا جاء في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه " نهى أن يطرق الرجل أهله طروقاً ـ وفي رواية ـ ليلاً يتخونهم " , وفي الحديث الاخر " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة نهاراً, فأناخ بظاهرها, وقال انتظروا حتى ندخل عشاء ـ يعني آخر النهار ـ حتى تمشط الشعثة وتستحد المغيبة".
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة , حدثنا عبد الرحمن بن سليمان عن واصل بن السائب , حدثني أبو ثورة بن أخي أبي أيوب عن أبي أيوب قال: قلت: " يا رسول الله هذا السلام, فما الإستئناس ؟ قال يتكلم الرجل بتسبيحة أو تكبيرة أو تحميدة ويتنحنح فيؤذن أهل البيت" هذا حديث غريب. وقال قتادة في قوله "حتى تستأنسوا" هو الاستئذان ثلاثاً, فمن لم يؤذن له منهم فليرجع, أما الأولى فليسمع الحي, وأما الثانية فليأخذوا حذرهم, وأما الثالثة فإن شاءوا أذنوا وإن شاءوا ردوا, ولا تقفن على باب قوم ردوك عن بابهم, فإن للناس حاجات ولهم أشغال, والله أولى بالعذر.
وقال مقاتل بن حيان في قوله "يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها" كان الرجل في الجاهلية إذا لقي صاحبه لا يسلم عليه ويقول: حييت صباحاً وحييت مساء, وكان ذلك تحية القوم بينهم, وكان أحدهم ينطلق إلى صاحبه فلا يستأذن حتى يقتحم ويقول: قد دخلت, ونحو ذلك, فيشق ذلك على الرجل ولعله يكون مع أهله فغير الله ذلك كله في ستر وعفة, وجعله نقياً نزهاً من الدنس والقذر والدرن, فقال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها" الاية, وهذا الذي قاله مقاتل : حسن, ولهذا قال تعالى: "ذلكم خير لكم" يعني الاستئذان خير لكم بمعنى هو خير من الطرفين للمستأذن ولأهل البيت "لعلكم تذكرون".
وقوله تعالى: "فإن لم تجدوا فيها أحداً فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم" وذلك لما فيه من التصرف في ملك الغير بغير إذنه, فإن شاء أذن, وإن شاء لم يأذن, "وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم" أي إذا ردوكم من الباب قبل الإذن أو بعده "فارجعوا هو أزكى لكم" أي رجوعكم أزكى لكم وأطهر "والله بما تعملون عليم" وقال قتادة : قال بعض المهاجرين لقد طلبت عمري كله هذه الاية, فما أدركتها أن أستأذن على بعض إخواني فيقول لي ارجع, فأرجع وأنا مغتبط "وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم والله بما تعملون عليم" وقال سعيد بن جبير "وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا" الاية أي لا تقفوا على أبواب الناس.
وقوله تعالى: " ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة " الاية, هذه الاية الكريمة أخص من التي قبلها وذلك أنها تقتضي جواز الدخول إلى البيوت التي ليس فيها أحد إذا كان له متاع فيها بغير إذن, كالبيت المعد للضيف إذا أذن له فيه أول مرة كفى. قال ابن جريج : قال ابن عباس "لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم" ثم نسخ واستثنى, فقال تعالى: " ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم " وكذا روي عن عكرمة والحسن البصري , وقال آخرون: هي بيوت التجار كالخانات ومنازل الأسفار وبيوت مكة وغير ذلك, واختار ذلك ابن جرير وحكاه عن جماعة, والأول أظهر, والله أعلم. وقال مالك عن زيد بن أسلم : هي بيوت الشعر.
29- "ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتاً غير مسكونة فيها متاع لكم" أي لا جناح عليكم في الدخول بغير استئذان إلى البيوت التي ليست بمسكونة.
وقد اختلف الناس في المراد بهذه البيوت، فقال محمد بن الحنفية وقتادة ومجاهد: هي الفنادق التي في الطرق السابلة الموضوعة لابن السبيل يأوي إليها. وقال ابن زيد والشعبي: هي حوانيت القيساريات، قال الشعبي: لأنهم جاءوا ببيوعهم فجعلوها فيها، وقالوا للناس هلم. وقال عطاء: المراد بها الخرب التي يدخلها الناس للبول والغائط، ففي هذا أيضاً متاع. وقيل هي بيوت مكة. روي ذلك عن محمد بن الحنفية أيضاً، وهو موافق لقول من قال: إن الناس شركاء فيها، ولكن قد قيد سبحانه هذه البيوت المذكورة هنا بأنها غير مسكونة. والمتاع: المنفعة عند أهل اللغة، فيكون معنى الآية: فيها منفعة لكم، ومنه قوله: "ومتعوهن" وقولهم: أمتع الله بك، وقد فسر الشعبي المتاع في كلامه المتقدم بالأعيان التي تباع. قال جابر بن زيد: وليس المراد بالمتاع الجهاز، ولكن ما سواه من الحاجة. قال النحاس: وهو حسن موافق للغة "والله يعلم ما تبدون وما تكتمون" أي ما تظهرون وما تخفون، وفيه وعيد لمن لم يتأدب بآداب الله في دخول بيوت الغير.
وقد أخرج الفيرابي وابن جرير من طريق عدي بن ثابت عن رجل من الأنصار قال: قالت امرأة: يا رسول الله إني أكون في بيتي على الحالة التي لا أحب أن يراني عليها أحد ولد ولا والد، فيأتيني الأب فيدخل علي فكيف أصنع؟ ولفظ ابن جرير: وإنه لا يزال يدخل علي رجل من أهلي وأنا على تلك الحالة، فنزلت: "يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم" الآية. وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري في المصاحف وابن منده في غرائب شعبة والحاكم وصححه، وابن مردويه والبيهقي في الشعب والضياء في المختارة من طرق عن ابن عباس في قوله: "حتى تستأنسوا" قال: أخطأ الكاتب حتى تستأذنوا "وتسلموا على أهلها". وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير والبيهقي عن إبراهيم النخعي قال في مصحف عبد الله " حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ". وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر عن عكرمة مثله. وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس قال: الاستئناس: الاستئذان. وأخرج ابن أبي شيبة والحكيم والترمذي والطبراني وابن مردويه وابن أبي حاتم عن أبي أيوب قال: "قلت يا رسول الله: أرأيت قول الله تعالى "حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها" هذا التسليم قد عرفناه فما الاستئناس؟ قال: يتكلم الرجل بتسبيحة وتكبيرة وتحميدة ويتنحنح فيؤذن أهل البيت". قال ابن كثير: هذا حديث غريب. وأخرج الطبراني عن أبي أيوب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الاستئناس أن يدعو الخادم حتى يستأنس أهل البيت الذين يسلم عليهم". وأخرج ابن سعد وأحمد والبخاري في الأدب وأبو داود والترمذي والنسائي والبيهقي في الشعب من طريق كلدة "أن صفوان بن أمية بعثه في الفتح بلبأ وضغابيس والنبي صلى الله عليه وسلم بأعلى الوادي، قال: فدخلت عليه ولم أسلم ولم أستأذن، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ارجع فقل: السلام عليكم أأدخل؟" قال الترمذي: حسن غريب لا نعرفه إلا من حديثه. وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري في الأدب وأبو داود والبيهقي في السنن من طريق ربعي، قال: "حدثنا رجل من بني عامر استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بيت، فقال: أألج؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم لخادمه: اخرج إلى هذا فعلمه الاستئذان، فقل له: قل السلام عليكم أأدخل؟". وأخرج ابن جرير عن عمر بن سعيد الثقفي نحوه مرفوعاً، ولكنه قال: "إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأمة له يقال لها روضة: قومي إلى هذا فعلميه". وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي سعيد الخدري قال: كنت جالساً في مجلس من مجالس الأنصار فجاء أبو موسى فزعاً، فقلنا له: ما أفزعك قال: أمرني عمر أن آتيه فأتيته، فاستأذنت ثلاثاً فلم يؤذن لي، فقال: ما منعك أن تأتيني؟ فقلت: قد جئت فاستأذنت ثلاثاً فلم يؤذن لي، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا استأذن أحدكم ثلاثاً فلم يؤذن له فليرجع". قال: لتأتيني على هذا بالبينة، فقالوا: لا يقوم إلا أصغر القوم، فقام أبو سعيد معه ليشهد له، فقال عمر لأبي موسى: إني لم أتهمك، ولكن الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شديد. وفي الصحيحين وغيرهما من حديث سهل بن سعد قال: اطلع رجل من جحر في حجرة النبي صلى الله عليه وسلم ومعه مدرى يحك بها رأسه، قال: لو أعلم أنك تنظر لطعنت بها في عينك، إنما جعل الاستئذان من أجل البصر. وفي لفظ: إنما جعل الإذن من أجل البصر. وأخرج أبو يعلى وابن جرير وابن مردويه عن أنس قال: قال رجل من المهاجرين: لقد طلبت عمري كله في هذه الآية، فما أدركتها أن أستأذن على بعض إخواني، فيقول لي ارجع، فأرجع وأنا مغتبط لقوله: وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم. وأخرج البخاري في الأدب وأبو داود في الناسخ والمنسوخ وابن جرير عن ابن عباس قال: "يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها" فنسخ، من ذلك فقال: "ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتاً غير مسكونة فيها متاع لكم".
ولما نزلت آية الاستئذان قالوا: كيف بالبيوت التي بين مكة والمدينة والشام وعلى ظهر الطريق، ليس فيها ساكن؟ فأنزل الله عز وجل:
29- " ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة "، أي: بغير استئذان، "فيها متاع لكم"، يعني منفعة لكم. واختلفوا في هذه البيوت، فقال قتادة: هي الخانات والبيوت والمنازل المبنية للسابلة ليأووا إليها ويؤووا أمتعتهم إليها، جاز دخولها بغير استئذان، والمنفعة فيها بالنزول وإيواء المتاع والاتقاء من الحر والبرد.
وقال ابن زيد: هي بيوت التجار وحوانيتهم التي بالأسواق يدخلونها للبيع والشراء وهو المنفعة.
وقال إبراهيم النخعي: ليس على حوانيت السوق إذن.
وكان ابن سيرين إذا جاء إلى حانوت السوق يقول: السلام عليكم أأدخل؟ ثم يلج.
وقال عطاء: هي البيوت الخربة، والمتاع هو قضاء الحاجة فيها من البول والغائط. وقيل: هي جميع البيوت التي لا ساكن لها لأن الاستئذان إنما جاء لئلا يطلع على عورة فإن لم يخف ذلك فله الدخول بغير استئذان، "والله يعلم ما تبدون وما تكتمون".
29 -" ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتاً غير مسكونة " كالربط والحوانيت والخانات والخانقات . " فيها متاع " استمتاع . " لكم " كالاستكنان من الحر والبرد وإيواء الأمتعة والجلوس للمعاملة ، و1لك استثناء من الحكم السابق لشموله البيوت المسكونة وغيرها . " والله يعلم ما تبدون وما تكتمون " وعيد لمن دخل مدخلاً لفساد أو تطلع على عورات .
29. (It is) no sin for you to enter uninhabited houses wherein is comfort for you Allah knoweth that ye proclaim and what ye hide.
29 - It is no fault on your part to enter houses not used for living in, which serve some (other) use for you: and God has knowledge of what ye reveal and what ye conceal.