[النور : 14] وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ
14 - (ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة لمسكم فيما أفضتم) أيها العصبة أي خضتم (فيه عذاب عظيم) في الآخرة
يقول تعالى ذكره " ولولا فضل الله عليكم " أيها الخائضون في أمر عائشة ، المشيعون فيها الكذب والإثم ، بتركه تعجيل عقوبتكم " ورحمته " إياكم لعفوه عنكم " في الدنيا والآخرة " بقبول توبتكم مما كان منكم في ذلك ، " لمسكم في ما " خضتم فيه من أمرها عاجلا في الدنيا " عذاب عظيم " .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال : ابن زيد في قوله " ولولا فضل الله عليكم ورحمته " هذا للذين تكلموا ، فنشروا ذلك الكلام " لمسكم في ما أفضتم فيه عذاب عظيم " .
الحادية عشرة: قوله تعالى: " ولولا فضل الله عليكم ورحمته " " فضل " رفع بالابتداء عند سيبويه، والخبر محذوف لا تظهره العرب. وحذف جواب " لولا " لأنه قد ذكر مثله بعد، قال الله عز وجل: " ولولا فضل الله عليكم ورحمته " لمسكم، أي بسبب ما قلتم في عائشة عذاب عظيم في الدنيا والآخرة. وهذا عتاب من الله تعالى بليغ، ولكنه برحمته ستر عليكم في الدنيا ويرحم في الآخرة من أتاه تائباً. والإفاضة: الأخذ في الحديث، وهو الذي وقع عليه العتاب، يقال: أفاض القوم في الحديث أي أخذوا فيه.
يقول تعالى: " ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة " أيها الخائضون في شأن عائشة بأن قبل توبتكم وإنابتكم إليه في الدنيا وعفا عنكم لإيمانكم بالنسبة إلى الدار الاخرة " لمسكم في ما أفضتم فيه " من قضية الإفك "عذاب عظيم" وهذا فيمن عنده إيمان رزقه الله بسببه التوبة إليه, كمسطح وحسان وحمنة بنت جحش أخت زينت بنت جحش , فأما من خاض فيه من المنافقين كعبد الله بن أبي ابن سلول وأضرابه, فليس أولئك مرادين في هذه الاية, لأنه ليس عندهم من الإيمان والعمل الصالح ما يعادل هذا ولا ما يعارضه, وهكذا شأن ما يرد من الوعيد على فعل معين يكون مطلقاً مشروطاً بعدم التوبة أو ما يقابله من عمل صالح يوازنه أو يرجح عليه.
ثم قال تعالى: "إذ تلقونه بألسنتكم" قال مجاهد وسعيد بن جبير : أي يرويه بعضكم عن بعض, يقول هذا سمعته من فلان, وقال فلان كذا, وذكر بعضهم كذا, وقرأ آخرون "إذ تلقونه بألسنتكم" وفي صحيح البخاري عن عائشة أنها كانت تقرؤها كذلك, وتقول: هو من ولق اللسان يعني الكذب الذي يستمر صاحبه عليه, تقول العرب: ولق فلان في السير إذا استمر فيه, والقراءة الأولى أشهر وعليها الجمهور, ولكن الثانية مروية عن أم المؤمنين عائشة . قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج , حدثنا أبو أسامة عن نافع عن ابن عمر عن ابن أبي مليكة عن عائشة أنها كانت تقرأ "إذ تلقونه" وتقول: إنما هو ولق القول ـ والولق الكذب ـ. قال ابن أبي مليكة : هي أعلم به من غيرها.
وقوله تعالى: "وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم" أي تقولون ما لا تعلمون, ثم قال تعالى: "وتحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم" أي تقولون ما تقولون في شأن أم المؤمنين وتحسبون ذلك يسيراً سهلاً ولو لم تكن زوجة النبي صلى الله عليه وسلم لما كان هيناً, فكيف وهي زوجة النبي الأمي خاتم الأنبياء وسيد المرسلين ؟ فعظيم عند الله أن يقال في زوجة رسوله ما قيل ! فإن الله سبحانه وتعالى يغار لهذا, وهو سبحانه وتعالى لا يقدر على زوجة نبي من الأنبياء ذلك حاشا وكلا, ولما لم يكن ذلك, فكيف يكون هذا في سيدة نساء الأنبياء وزوجة سيد ولد آدم على الإطلاق في الدنيا والاخرة ؟ ولهذا قال تعالى: "وتحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم" وفي الصحيحين "إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يدري ما تبلغ, يهوي بها في النار أبعد مما بين السماء والأرض". وفي رواية "لا يلقي لها بالاً".
14- "ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة" هذا خطاب السامعين، وفيه زجر عظيم "ولولا" هذه هي لامتناع الشيء لوجود غيره " لمسكم في ما أفضتم فيه " أي بسبب ما خضتم فيه من حديث الإفك، يقال أفاض في الحديث، واندفع وخاض. والمعنى: لولا أني قضيت عليكم بالفضل في الدنيا بالنعم التي من جملتها الإمهال والرحمة في الآخرة بالعفو، لعاجلتكم بالعقاب على ما خضتم فيه من حديث الإفك. وقيل المعنى: لولا فضل الله عليكم لمسكم العذاب في الدنيا والآخرة معاً، ولكن برحمته ستر عليكم في الدنيا ويرحم في الآخرة من أتاه تائباً.
14- " ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة لمسكم في ما أفضتم "، خضتم، "فيه"، من الإفك، "عذاب عظيم"، قال ابن عباس أي: عذاب لا انقطاع له، يعني: في الآخرة، لأنه ذكر عذاب الدنيا من قبل، فقال تعالى: " والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم "، وقد أصابه، فإنه جلد وحد، وروت عمرة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزلت هذه الآية حد أربة نفر: عبد الله ابن أبي، وحسان بن ثابت، ومسطح بن أثاثة، وحمنة بنت جحش.
14 -" ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة " لولا هذه لامتناع الشيء لوجود غيره ، والمعنى لولا فضل الله عليكم في الدنيا بأنواع النعم التي من جملتها الإمهال للتوبة " ورحمته " في الآخرة بالعفو والمغفرة المقدران لكم . " لمسكم " عاجلاً . " في ما أفضتم " خضتم . " فيه عذاب عظيم " يستحقر دونه اللوم والجلد .
14. Had it not been for the grace of Allah and His mercy unto you in the world and the Hereafter an awful doom had overtaken you for that whereof ye murmured.
14 - Were it not for the grace and mercy of God on you, in this world and the Hereafter, a grievous penalty would have seized you in that ye rushed glibly into this affair.