[المؤمنون : 61] أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ
61 - (أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون) في علم الله
القول في تأويل قوله تعالى : " أولئك يسارعون في الخيرات و هم لها سابقون " .
قوله تعالى: " أولئك يسارعون في الخيرات " أي في الطاعات، كي ينالوا بذلك أعلى الدرجات والغرفات. وقرىء يسرعون في الخيرات، أي يكونوا سراعاً إليها. ويسارعون على معنى يسابقون من سابقهم إليها، فالمفعول محذوف. قال الزجاج : يسارعون أبلغ من يسرعون.
" وهم لها سابقون " أحسن ما قيل فيه: أنهم يسبقون إلى أوقاتها. ودل بهذا أن الصلاة في أول الوقت أفضل، كما تقدم في ((البقرة)). وكل من تقدم في شيء فهو سابق إليه، وكل من تأخر عنه فقد سبقه وفاته، فاللام في " لها " على هذا القول بمعنى إلى، كما قال: " بأن ربك أوحى لها " [الزلزلة: 5] أي أوحى إليها. وأنشد سيبوبه:
تجانف عن جول اليمامة ناقتي وما قصدت من أهلها لسوائكا
وعن ابن عباس في معنى " وهم لها سابقون " سبقت لهم من الله السعادة، فلذلك سارعوا في الخيرات. وقيل: المعنى وهم من أجل الخيرات سابقون.
يقول تعالى: "إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون" أي هم مع إحسانهم وإيمانهم وعملهم الصالح مشفقون من الله خائفون منه وجلون من مكره بهم, كما قال الحسن البصري : إن المؤمن جمع إحساناً وشفقة, وإن الكافر جمع إساءة وأمناً "والذين هم بآيات ربهم يؤمنون" أي يؤمنون بآياته الكونية والشرعية, كقوله تعالى إخباراً عن مريم عليها السلام: "وصدقت بكلمات ربها وكتبه" أي أيقنت أن ما كان, إنما هو عن قدر الله وقضائه, وما شرعه الله فهو إن كان أمراً فمما يحبه ويرضاه, وإن كان نهياً فهو مما يكرهه ويأباه, وإن كان خيراً فهو حق, كما قال الله: "والذين هم بربهم لا يشركون" أي لا يعبدون معه غيره, بل يوحدونه ويعلمون أنه لا إله إلا الله أحداً صمداً لم يتخذ صاحبة ولا ولداً, وأنه لا نظير له ولا كفء له.
وقوله: "والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون" أي يعطون العطاء وهم خائفون وجلون أن لا يتقبل منهم لخوفهم أن يكونوا قد قصروا في القيام بشرط الإعطاء, وهذا من باب الإشفاق والاحتياط, كما قال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن آدم , حدثنا مالك بن مغول , حدثنا عبد الرحمن بن سعيد بن وهب عن عائشة أنها قالت: " يا رسول الله الذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة هو الذي يسرق ويزني ويشرب الخمر وهو يخاف الله عز وجل ؟ قال:لا يا بنت الصديق, ولكنه الذي يصلي ويصوم ويتصدق وهو يخاف الله عز وجل" وهكذا رواه الترمذي وابن أبي حاتم من حديث مالك بن مغول بنحوه, وقال "لا يا ابنة الصديق, ولكنهم الذين يصلون ويصومون ويتصدقون وهم يخافون ألا يتقبل منهم "أولئك يسارعون في الخيرات" " وقال الترمذي : وروي هذا الحديث من حديث عبد الرحمن بن سعيد عن أبي حازم , عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا, وهكذا قال ابن عباس ومحمد بن كعب القرظي والحسن البصري في تفسير هذه الاية.
وقد قرأ آخرون هذه الاية "والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة" أي يفعلون ما يفعلون وهم خائفون, وروي هذا مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأها كذلك. قال الإمام أحمد : حدثنا عفان , حدثنا صخر بن جويرية , حدثنا إسماعيل المكي , حدثنا أبو خلف مولى بني جمح أنه دخل مع عبيد بن عمير على عائشة رضي الله عنها, فقالت: " مرحباً بأبي عاصم, ما يمنعك أن تزورنا أو تلم بنا ؟ فقال: أخشى أن أملك, فقالت: ما كنت لتفعل ؟ قال: جئت لأسألك عن آية من كتاب الله عز وجل: كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها ؟ قال: أية آية ؟ قال: "والذين يؤتون ما آتوا" " والذين يؤتون ما آتوا " فقالت: أيتهما أحب إليك ؟ فقلت: والذي نفسي بيده لإحداهما أحب إلي من الدنيا جميعاً, أو الدنيا وما فيها. قالت وما هي ؟ فقلت: " والذين يؤتون ما آتوا " فقالت: أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك كان يقرؤها, وكذلك أنزلت " , ولكن الهجاء حرف, فيه إسماعيل بن مسلم المكي وهو ضعيف, والمعنى على القراءة الأولى, وهي قراءة الجمهور السبعة وغيرهم أظهر, لأنه قال: "أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون" فجعلهم من السابقين, ولو كان المعنى على القراءة الأخرى لأوشك أن لا يكونوا من السابقين بل من المقتصدين أو المقصرين, والله أعلم.
والإشارة بقوله: 61- "أولئك" إلى المتصفين بهذه الصفات، ومعنى "يسارعون في الخيرات" يبادرون بها. قال الفراء والزجاج: ينافسون فيها، وقيل يسابقون، وقرئ يسرعون "وهم لها سابقون" اللام للتقوية، والمعنى: هم سابقون إياها، وقيل اللام إلى كما في قوله: "بأن ربك أوحى لها" أي أوحى إليها، وأنشد سيبويه قول الشاعر:
تجانف عن أهل اليمامة يا فتى وما قصدت من أهلها لسوائكا
أي إلى سوائكا، وقيل المفعول محذوف، والتقدير: وهم سابقون الناس لأجلها.
61. قوله عز وجل: " أولئك يسارعون في الخيرات "، يبادرون إلى الأعمال الصالحات، " وهم لها سابقون "، أي: إليها سابقون، كقوله تعالى: " لما نهوا " أي: إلى ما نهوا، ولما قالوا ونحوها، وقال ابن عباس في معنى هذه الآية: سبقت لهم من الله السعادة. وقال الكلبي : سبقوا الأمم إلى الخيرات.
61ـ " أولئك يسارعون في الخيرات " يرغبون في الطاعات أشد الرغبة فيبادرونها ، أو يسارعون في نيل الخيرات الدنيوية الموعودة على صالح الأعمال بالمبادرة إليها كقوله تعالى : " فآتاهم الله ثواب الدنيا " فيكون إثباتاً لهم ما نفي عن أضداهم . " وهم لها سابقون " لأجلها فاعلون السبق أو سابقون الناس إلى الطاعة أو الثواب أو الجنة ، أو سابقونها أي ينالونها قبل الآخرة حيث عجلت لهم في الدنيا كقوله تعالى : " هم لها عاملون " .
61. These race for the good things, and they shall win them in the race.
61 - It is these who hasten in every good work, and these who are foremost in them.