[المؤمنون : 41] فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاء فَبُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ
41 - (فأخذتهم الصيحة) صيحة العذاب والهلاك كائنة (بالحق) فماتوا (فجعلناهم غثاء) وهو نبت يبس أي صيرناهم مثله في اليبس (فبعدا) من الرحمة (للقوم الظالمين) المكذبين
يقول تعالى ذكره : فانتقمنا منهم ، فأرسلنا عليهم الصيحة ، فأخذتهم بالحق ، وذلك أن الله عاقبهم باستحقاقهم العقاب منه ، بكفرهم به ، وتكذيبهم رسوله ، " فجعلناهم غثاء " يقول : فصيرناهم بمنزلة الغثاء ، وهو ما ارتفع على السيل ونحوه ن كما لا ينتفع به في شيء . فإنما هذا مثل ، والمعنى : فأهلكناهم ، فجعلناهم كالشيء الذي لا منفعة فيه .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : " فجعلناهم غثاء فبعدا للقوم الظالمين " يقول : جعلوا كالشيء الميت البالي من الشجر .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى . وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد " غثاء " كالرميم الهامد ، الذي يحتمل السيل .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، " فجعلناهم غثاء " قال : كالرميم الهامد ، الذي يحتمل السبيل .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة " فجعلناهم غثاء " قال : هو الشيء البالي .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر عن قتادة ، مثله .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله " فجعلناهم غثاء " قال : هذا مثل ضربه الله .
وقوله " فبعدا للقوم الظالمين " يقول : فأبعد الله القوم الكافرين بهلاكهم ، إذ كفروا بربهم ، وعصوا رسله وظلموا أنفسهم .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، قال أولئك ثمود ، يعني قوله " فجعلناهم غثاء فبعدا للقوم الظالمين " .
" فأخذتهم الصيحة " في التفاسير: صاح بهم جبريل عليه السلام صيحة واحدة مع الريح التي أهلكهم الله تعالى بها فماتوا عن آخرهم. " فجعلناهم غثاء " أي هلكى هامدين كغثاء السيل، وهو ما يحمله من بالي الشجر من الحشيش والقصب مما يبس وتفتت. " فبعدا للقوم الظالمين " أي هلاكاً لهم. وقيل بعداً لهم من رحمة الله، وهو منصوب على المصدر. ومثله سقياً له ورعياً.
يخبر تعالى أنه أنشأ بعد قوم نوح قرناً آخرين, قيل: المراد بهم عاد, فإنهم كانوا مستخلفين بعدهم, وقيل: المراد بهؤلاء ثمود لقوله: "فأخذتهم الصيحة بالحق" وأنه تعالى أرسل فيهم رسولاً منهم, فدعاهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له, فكذبوه وخالفوه وأبوا عن اتباعه لكونه بشراً مثلهم, واستنكفوا عن اتباع رسول بشري, وكذبوا بلقاء الله في القيامة وأنكروا المعاد الجثماني وقالوا: "أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم تراباً وعظاماً أنكم مخرجون * هيهات هيهات لما توعدون" أي بعيد بعيد ذلك "إن هو إلا رجل افترى على الله كذباً" أي فيما جاءكم به من الرسالة والنذارة والإخبار بالمعاد "وما نحن له بمؤمنين * قال رب انصرني بما كذبون" أي استفتح عليهم الرسول واستنصر ربه عليهم, فأجاب دعاءه "قال عما قليل ليصبحن نادمين" أي بمخالفتك وعنادك فيما جئتهم به "فأخذتهم الصيحة بالحق" أي وكانوا يستحقون ذلك من الله بكفرهم وطغيانهم, والظاهر أنه اجتمع عليهم صيحة مع الريح الصرصر العاصف القوي الباردة "تدمر كل شيء بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم". وقوله: "فجعلناهم غثاء" أي صرعى هلكى كغثاء السيل, وهو الشيء الحقير التافه الهالك الذي لا ينتفع بشيء منه, "فبعداً للقوم الظالمين" كقوله: "وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين" أي بكفرهم وعنادهم ومخالفة رسول الله, فليحذر السامعون أن يكذبوا رسولهم.
ثم أخبر سبحانه بأنها 41- "أخذتهم الصيحة" وحاق بهم عذابه ونزل عليهم سخطه. قال المفسرون: صاح بهم جبريل صيحة واحدة مع الريح التي أهلكهم الله بها فماتوا جميعاً. وقيل الصيحة: هي نفس العذاب الذي نزل بهم، ومنه قول الشاعر:
صاح الزمان بآل برمك صيحة خروا لشدتها على الأذقان
والباء في بالحق متعلق بالأخذ، ثم أخبر سبحانه عما صاروا إليه بعد العذاب النازل بهم. فقال: "فجعلناهم غثاء" أي كغثاء السيل الذي يحمله: والغثاء ما يحمل السيل من بالي الشجر والحشيش والقصب ونحو ذلك مما يحمله على ظاهر الماء. والمعنى: صيرهم هلكى فيبسوا كما يبس الغثاء "فبعداً للقوم الظالمين" انتصاب بعداً على المصدرية وهو من المصادر التي لا يذكر فعلها معها: أي بعدوا بعداً، واللام لبيان من قيل له ذلك.
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "فاسلك فيها" يقول: اجعل معك في السفينة "من كل زوجين اثنين". وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد "وقل رب أنزلني منزلاً مباركاً" قال لنوح حين أنزل من السفينة. وأخرج هؤلاء عن قتادة في الآية قال: يعلمكم سبحانه كيف تقولون إذا ركبتم، وكيف تقولون إذا نزلتم. أما عند الركوب فـ " سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين * وإنا إلى ربنا لمنقلبون " و" بسم الله مجريها ومرساها إن ربي لغفور رحيم "، وعند النزول "رب أنزلني منزلاً مباركاً وأنت خير المنزلين". وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله: "قرناً" قال: أمة. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "هيهات هيهات" قال: بعيد بعيد. وأخرج ابن جرير عنه في قوله: "فجعلناهم غثاء" قال: جعلوا كالشيء الميت البالي من الشجر.
41. " فأخذتهم الصيحة "، يعني صيحة العذاب، " بالحق "، قيل: أراد بالصيحة الهلاك. وقيل: صاح بهم جبريل صيحة فتصدعت قلوبهم، " فجعلناهم غثاءً "، وهو ما يحمله السيل من حشيش وعيدان شجر، معناه: صيرناهم هلكى فيبسوا يبس الغثاء من نبات الأرض، " فبعداً للقوم الظالمين ".
41ـ " فأخذتهم الصيحة " صيحة جبريل صاح عليهم صيحة هائلة تصدعت منها قلوبهم فماتوا ، واستدل به على أن القوم صالح . " بالحق " بالوجه الثالث الذي لا دافع له ، أو بالعدل من الله كقولك فلان يقضي بالحق . أو بالوعد الصدق . " فجعلناهم غثاءً " شبههم في دمارهم بغثاء السيل وهو حميله كقول العرب : سال به الوادي ، لمن هلك . " فبعداً للقوم الظالمين " يحتمل الإخبار والدعاء ، وبعداً مصدر بعد إذا هلك ، وهو من المصادر التي تنصب بأفعال لا يستعمل إظهارها ، واللام لبيان من دعي عليه بالبعد ، ووضع الظاهر موضع ضميرهم للتعليل.
41. So the (Awful) Cry overtook them rightfully, and We made them like as wreckage (that a torrent hurleth). A far removal for wrongdoing folk!
41 - Then the Blast overtook them with justice, and We made them as rubbish of dead leaves (floating on the stream of Time)! So away with the people who do wrong!