[المؤمنون : 100] لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ
100 - (لعلي أعمل صالحا) بأن أشهد أن لا إله إلا الله يكون (فيما تركت) ضيعت من عمري أي في مقابلته قال تعالى (كلا) أي لا رجوع (إنها) أي رب ارجعون (كلمة هو قائلها) ولا فائدة له فيها (ومن ورائهم) أمامهم (برزخ) حاجز يصدهم عن الرجوع (إلى يوم يبعثون) ولا رجوع بعده
القول في تأويل قوله تعالى : " لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون " .
" لعلي أعمل صالحا " قال ابن عباس: يريد أشهد أن لا إله إلا الله. " فيما تركت " أي فيما ضيعت وتركت العمل به من الطاعات. وقيل: " فيما تركت " من المال فأتصدق. و " لعل " تتضمن تردداً، وهذا الذي يسأل الرجعة قد استيقن العذاب، وهو يوطن نفسه على العمل الصالح قطعاً من غير تردد. فالتردد يرجع إما إلى رده إلى الدنيا، وإما إلى التوفيق، أي أعمل صالحاً إن وفقتني، إذ ليس على قطع من وجود القدرة والتوفيق لو رد إلى الدنيا، كلا هذه كلمة رد أي ليس الأمر على ما يظنه من أنه يجاب إلى الرجوع إلى الدنيا، بل هو كلام يطيح في أدراج الريح. وقيل: لو أجيب إلى ما يطلب لما وفى بما يقول: كما قال: " ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه " [الأنعام: 28]. وقيل: " كلا إنها كلمة هو قائلها " ترجع إلى الله تعالى، أي لا خلف في خبره، وقد أخبر أنه لن يؤخر نفساً إذا جاء أجلها، وأخبر بأن هذا الكافر لا يؤمن. وقيل: " إنها كلمة هو قائلها " عند الموت، ولكن لا تنفع. " ومن ورائهم برزخ " أي ومن أمامهم وبين أيديهم. وقيل: من خلفهم. " برزخ " أي حاجز بين الموت والبعث، قاله الضحاك و مجاهد وابن زيد. وعن مجاهد أيضاً أن البرزخ هو الحاجز بين الموت والرجوع إلى الدنيا. وعن الضحاك : هو ما بين الدنيا والآخرة. ابن عباس: حجاب. السدي : أجل. قتادة بقية الدنيا. وقيل: الإمهال إلى يوم القيامة، حكاه ابن عيسى. الكلبي : هو الأجل ما بين النفختين، وبينهما أربعون سنة. وهذه الأقوال متقاربة. وكل حاجز بين شيئين فهو برزخ. قال الجوهري : البرزخ الحاجز بين الشيئين. والبرزخ ما بين الدنيا والآخرة من وقت الموت إلى البعث، فمن مات فقد دخل في البرزخ. وقال رجل بحضرة الشعبي : رحم الله فلاناً فقد صار من أهل الآخرة! فقال: لم يصر من أهل الآخرة، ولكنه صار من أهل البرزخ، وليس من الدنيا ولا من الآخرة. وأضيف " يوم " إلى " يبعثون " لأنه ظرف زمان، والمراد بالإضافة المصدر.
يخبر تعالى عن حال المحتضر عند الموت من الكافرين أو المفرطين في أمر الله تعالى, وقيلهم عند ذلك وسؤالهم الرجعة إلى الدنيا ليصلح ما كان أفسده في مدة حياته, ولهذا قال: " رب ارجعون * لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا " كما قال تعالى: " وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين * ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون " وقال تعالى " وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال " وقال تعالى: "يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل" وقال تعالى: " ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون " وقال تعالى: " ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين * بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون " وقال تعالى: "وترى الظالمين لما رأوا العذاب يقولون هل إلى مرد من سبيل" وقال تعالى: "قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل" والاية بعدها. وقال تعالى: " وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير " فذكر تعالى أنهم يسألون الرجعة فلا يجابون عند الاحتضار ويوم النشور ووقت العرض على الجبار, وحين يعرضون على النار وهم في غمرات عذاب الجحيم.
وقوله ههنا: "كلا إنها كلمة هو قائلها" كلا حرف ردع وزجر, أي لا نجيبه إلى ما طلب ولا نقبل منه. وقوله تعالى: "إنها كلمة هو قائلها" قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : أي لابد أن يقولها لا محالة كل محتضر ظالم, ويحتمل أن يكون ذلك علة لقوله كلا, أي لأنها كلمة, أي سؤاله الرجوع ليعمل صالحاً هو كلام منه وقول لا عمل معه, ولو رد لما عمل صالحاً ولكان يكذب في مقالته هذه, كما قال تعالى: "ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون" قال قتادة : والله ما تمنى أن يرجع إلى أهل ولا إلى عشيرة, ولا بأن يجمع الدنيا ويقضي الشهوات, ولكن تمنى أن يرجع فيعمل بطاعة الله عز وجل, فرحم الله امرءاً عمل فيما يتمناه الكافر إذا رأى العذاب إلى النار.
وقال محمد بن كعب القرظي " حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون * لعلي أعمل صالحا فيما تركت " قال: فيقول الجبار: "كلا إنها كلمة هو قائلها" وقال عمر بن عبد الله مولى غفرة : إذا قال الكافر رب ارجعون لعلي أعمل صالحاً, يقول الله تعالى: كلا كذبت. وقال قتادة في قوله تعالى: "حتى إذا جاء أحدهم الموت" قال: كان العلاء بن زياد يقول: لينزلن أحدكم نفسه أنه قد حضره الموت فاستقال ربه فأقاله, فليعمل بطاعة الله تعالى. وقال قتادة : والله ما تمنى إلا أن يرجع فيعمل بطاعة الله, فانظروا أمنية الكافر المفرط فاعملوا بها, ولا قوة إلا بالله, وعن محمد بن كعب القرظي نحوه. وقال محمد بن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا أحمد بن يوسف , حدثنا فضيل ـ يعني ابن عياض ـ عن ليث عن طلحة بن مصرف , عن أبي حازم عن أبي هريرة قال: إذا وضع ـ يعني الكافر ـ في قبره فيرى مقعده من النار, قال: فيقول: رب ارجعون أتوب وأعمل صالحاً, قال: فيقال قد عمرت ما كنت معمراً, قال: فيضيق عليه قبره ويلتئم, فهو كالمنهوش ينام ويفزع, تهوي إليه هوام الأرض وحياتها وعقاربها.
وقال أيضاً: حدثنا أبي , حدثنا عمر بن علي , حدثني سلمة بن تمام , حدثنا علي بن زيد عن سعيد بن المسيب عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ويل لأهل المعاصي من أهل القبور تدخل عليهم في قبورهم حيات سود أو دهم, حية عند رأسه وحية عند رجليه يقرصانه حتى يلتقيا في وسطه, فذلك العذاب في البرزخ الذي قال الله تعالى: "ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون". وقال أبو صالح وغيره في قوله تعالى: "ومن ورائهم" يعني أمامهم. وقال مجاهد : البرزخ الحاجز ما بين الدنيا والاخرة. وقال محمد بن كعب : البرزخ ما بين الدنيا والاخرة, ليسوا مع أهل الدنيا يأكلون ويشربون ولا مع أهل الاخرة يجازون بأعمالهم. وقال أبو صخر : البرزخ المقابر لا هم في الدنيا ولا هم في الاخرة, فهم مقيمون إلى يوم يبعثون, وفي قوله تعالى: "ومن ورائهم برزخ" تهديد لهؤلاء المحتضرين من الظلمة بعذاب البرزخ, كما قال تعالى: "من ورائهم جهنم" وقال تعالى: "ومن ورائه عذاب غليظ". وقوله تعالى: "إلى يوم يبعثون" أي يستمر به العذاب إلى يوم البعث, كما جاء في الحديث "فلا يزال معذباً فيها" أي في الأرض.
ثم رجع إلى مخاطبة الملائكة فقال: 100- " ارجعون * لعلي أعمل صالحا " أي أعمل عملاً صالحاً في الدنيا إذا رجعت إليها من الإيمان وما يتبعه من أعمال الخير، ولما تمنى أن يرجع ليعمل رد الله عليه ذلك بقوله: "كلا إنها كلمة هو قائلها" فجاء بلكمة الردع والزجر، والضمير في إنها يرجع إلى قوله: "رب ارجعون" أي إن هذه الكلمة هو قائلها لا محالة، وليس الأمر على ما يظنه من أنه يجاب إلى الرجوع إلى الدنيا، أو المعنى: أنه لو أجيب إلى ذلك لما حصل منه الوفاء كما في قوله: "ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه" وقيل إن الضمير في قائلها يرجع إلى الله: أي لا خلف في خبره، وقد أخبرنا بأنه لا يؤخر نفساً إذا جاء أجلها "ومن ورائهم برزخ" أي من أمامهم وبين أيديهم: والبرزخ هو الحاجز بين الشيئين. قاله الجوهري.
واختلف في معنى الآية، فقال الضحاك ومجاهد وابن زيد: حاجز بين الموت والبعث. وقال الكلبي: هو الأجل ما بين النفختين، وبينهما أربعون سنة. وقال السدي: هو الأجل، و"إلى يوم يبعثون" هو يوم القيامة.
100. قوله تعالى: " لعلي أعمل صالحاً فيما تركت "، أي: ضيعت أن أقول لا إله إلا الله. وقيل: أعمل بطاعة الله. قال قتادة : ما تمنى أن يرجع إلى أهله وعشيرته ولا ليجمع الدنيا ويقضي الشهوات، ولكن تمنى أن يرجع فيعمل بطاعة الله، فرحم الله امرءاً عمل فيما يتمناه الكافر إذا رأى العذاب، " كلا "، كلمة ردع وزجر، أي: لا يرجع إليها، " إنها " يعني: سؤاله الرجعة، " كلمة هو قائلها "، [ولا ينالها]، " ومن ورائهم برزخ "، أي أمامهم وبين أيديهم حاجز، " إلى يوم يبعثون "، والبرزخ الحاجز بين الشيئين، واختلفوا في معناه هاهنا، فقال مجاهد : حجاب بينهم وبين الرجوع إلى الدنيا. وقال قتادة : بقية الدنيا. وقال الضحاك : البرزخ ما بين الموت إلى البعث. وقيل: هو القبر، وهم فيه إلى يوم يبعثون.
100ـ " لعلي أعمل صالحا فيما تركت " في الإيمان الذي تركته أي لعلي آتي الإيمان وأعمل فيه ، وقيل في المال أو في الدنيا . " وعنه عليه الصلاة والسلام قال إذا عاين المؤمن الملائكة قالوا أنرجعك إلى الدنيا ، فيقول إلى دار الهموم والأحزان بل قدوماً إلى الله تعالى ، وأما الكافر فيقول رب ارجعون " . " كلا " ردع من طلب الرجعة واستبعاد لها . " إنها كلمة " معنى قوله " رب ارجعون " الخ ، والكلمة الطائفة من الكلام المنتظم بعضها مع بعض . " هو قائلها " لا محالة لتسلط الحسرة عليه . " ومن ورائهم " أمامهم والضمير للجماعة . " برزخ " حائل بينهم وبين الرجعة . " إلى يوم يبعثون " يوم القيامة ، وهو إقناط كلي عن الرجوع إلى الدنيا لما علم أنه لا رجعة يوم البعث إلى الدنيا وإنما الرجوع فيه إلى حياة تكون في الآخرة .
100. That I may do right in that which I have left behind! But nay! It is but a word that he speaketh; and behind them is a barrier until the day when they are raised.
100 - In order that I may work righteousness in the things I neglected. By no means! It is but a word he says. Before them is a Partition till the Day they are raised up.