[الحج : 36] وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
36 - (والبدن) جمع بدنة وهي الإبل (جعلناها لكم من شعائر الله) أعلام دينه (لكم فيها خير) نفع في الدنيا كما تقدم وأجر في العقبى (فاذكروا اسم الله عليها) عند نحرها (صواف) قائمة على ثلاث معقولة اليد اليسرى (فإذا وجبت جنوبها) سقطت إلى الأرض بعد النحر وهو وقت الأكل منها (فكلوا منها) إن شئتم (وأطعموا القانع) الذي يقنع بما يعطى ولا يسأل ولا يعترض (والمعتر) السائل أو المعترض (كذلك) أي مثل ذلك التسخير (سخرناها لكم) بأن تنحر وتركب وإلا لم تطق (لعلكم تشكرون) إنعامي عليكم
يقول تعالى ذكره : و البدن : و هي جمع بدنة ، و قد يقال لواحدها : بدن . و إذا قيل بدن احتمل أن يكون جمعا وواحدا ، يدل على أنه قد يقال ذلك للواحد قول الراجز :
علي حين تملك الأمورا صوم شهور وجبت نذورا
و حلق رأسي وافيا مضفورا وبدنا مدرعا موفورا
و البدن : هو الضخم من كل شيء ، ولذلك قيل لامرئ القيس بن النعمان صاحب الخورنق و السدير : البدن : لضخمه و استرخاء لحمه ، فإنه يقال : قد بدن تبدينا . فمعنى الكلام و الإبل العظام الأجسام الضخام ، جعلناها لكم أيها الناس من شعائر الله : يقول : من أعلام أمر الله الذي أمركم به في مناسك حجكم إذا قلدتموها و جللتموها و أشعرتموها علم بذلك ، و شعر أنكم فعلتم ذلك من الإبل و البقر .
كما حدثنا ابن بشار ، قال: ثنا يحيى ، عن ابن جريج ، قال: قال عطاء " والبدن جعلناها لكم من شعائر الله " ، قال : البقرة و البعير .
و قوله " لكم فيها خير " ، يقول لكم في البدن خير ، و ذلك الخير هو الأجر في الآخرة بنحرها و الصدقة بها ، و في الدنيا : الركوب إذا احتاج إلى ركوبها .
و بنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله " لكم فيها خير " قال: أجر و منافع في البدن .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا ابن بشار ، قال: ثنا عبد الرحمن ، قال ، قال ثنا سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم " لكم فيها خير " قال : اللبن و الركوب إذا احتاج .
حدثنا عبد الحميد بن بيان ، قال: أخبرنا إسحاق ، عن شريك ، عن منصور ، عن إبراهيم " لكم فيها خير " قال: إذا اضطررت إلى بدنتك ركبتها ، وشربت لبنها .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن منصور ، عن إبراهيم "لكم فيها خير " من احتاج إلى ظهر البدنة ركب ، و من احتاج إلى لبنها شرب .
و قوله " فاذكروا اسم الله عليها صواف " يقول تعالى ذكره : فاذكروا اسم الله على البدن عند نحركم إياها صواف .
و اختلف القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء الأمصار " فاذكروا اسم الله عليها صواف " مصطفة ، واحدها : صافة ، و قد صفت بين أيديها . وروي عن الحسن و مجاهد ، وزيد بن أسلم و جماعة أخر معهم ، أنهم قرءوا ذلك صوافي بالياء منصوبة ، بمعنى : خالصة لله لا شريك له فيها صافية له .
و قرأ بعضهم ذلك صواف بإسقاط الياء و تنوين الحرف ، على مثال عوار ، و عواد . وري عن ابن مسعود أنه قرأه صوافن بمعنى : معقلة .
و الصواب من القراءة في ذلك عندي ، قراءة من قرأه بتشديد الفاء و نصبها ، لإجماع الحجة من القراء عليه بالمعنى الذي ذكرناه لمن قرأه كذلك .
ذكر من تأوله بتأويل من قرأه بتشديد الفاء و نصبها :
حدثنا أبو كريب ، قال: ثنا جابر بن نوح ، عن الأعمش ، عن أبي ظبيان ، عن ابن عباس ، في قوله " فاذكروا اسم الله عليها صواف " قال : الله أكبر الله أكبر ، اللهم منك و لك . صواف : قياما على ثلاث أرجل ، فقيل لابن عباس : ما نصنع بجلودها ، قال : تصدقوا بها ، واستمتعوا بها .
حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال : ثنا أيوب بن سويد ، قال : ثنا سفيان عن الأعمش ، عن أبي ظبيان ، عن ابن عباس ، في قوله " صواف " قال : قائمة ، قال : يقول : الله أكبر ، لا إله إلا الله اللهم منك ولك .
حدثني محمد بن المثنى ، قال : ثنا ابن أبي أبي عدي ، عن شعبة عن سليمان ، عن أبي ظبيان ، عن ابن عباس " فاذكروا اسم الله عليها صواف " قال : قياما على ثلاث قوائم معقولة باسم الله ، الله أكبر ، اللهم منك ولك .
حدثني يعقوب ، قال : ثنا هشيم ، قال : أخبرنا حصين ، عن مجاهد عن ابن عباس في قوله : " صواف " قال : معقولة إحدى يديها ، قال : قائمة على ثلاث قوائم .
حدثني علي ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، في قوله " فاذكروا اسم الله عليها صواف " يقول : قياما .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله " فاذكروا اسم الله عليها صواف " والصواف : أن تعقل قائمة واحدة ، وتصفها على ثلاث فتنحرها كذلك .
حدثني يعقوب ، قال : ثنا هشيم ، قال : أخبرنا يعلى بن عطاء ، قال : أخبرني جبير بن سالم ، قال : رأيت ابن عمر وهو ينحر بدنته ، قال : فقال " صواف " كما قال الله ، قال فنحرها وهي قائمة معقولة إحدى يديها .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن إدريس ، قال : أخبرنا ليث ، عن مجاهد ، قال : الصواف : إذا عقلت رجلها وقامت على ثلاث .
قال : ثنا ليث ، عن مجاهد ، في قوله " فاذكروا اسم الله عليها صواف " قال : صواف بين أوظافها .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيج ، عن مجاهد " صواف " قال : قيام صواف على ثلاث قوائم
حدثنا القاسم ، قال ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد " فاذكروا اسم الله عليها صواف " قال : بين وظائفها قياما .
حدثنا ابن البرقي ، قال : ثنا ابن مريم ، قال : أخبرنا يحيى بن أيوب ، عن خالد بن يزيد ، عن ابن أبي هلال ، عن نافع ، عن عبد الله أنه كان ينحر البدن وهي قائمة مستقبلة البيت تصف أيديها بالقيود ، قال : هي التي ذكر الله " فاذكروا اسم الله عليها صواف " .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثني جرير ، عن منصور ، عن رجل ، عن أبي ظبيان ، عن ابن عباس ، قال : قلت له قول الله " فاذكروا اسم الله عليها صواف " قال : إذا أردت أن تنحر البدنة فانحرها ، وقل الله أكبر ، لا إله إلا الله ، اللهم منك ولك ، ثم سم ، ثم انحرها ، قلت : فأقول ذلك للأضحية ؟ قال : وللإضحية .
ذكر من تأوله بتأويل من قرأه صوافي بالياء .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا المعتمر ، عن أبيه ، عن الحسن أنه قال فاذكروا اسم الله عليها صوافي قال : مخلصين .
قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، قال : قال الحسن صوافي : خالصة .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرازق ، قال : أخبرنا معمر ، قال : قال الحسن صوافي : خالصة لله .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا أيمن بن نابل ، قال : سألت طاوسا عن قوله فاذكروا اسم الله عليها صوافي قال خالصا .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن يزيد ، في قوله فاذكروا اسم الله عليها صوافي قال : خالصة ليس فيها شريك كما كان المشركون يفعلون ، يجعلون لله ولآلهتهم صوافي صافية لله تعالى .
ذكر من تأويله بتأويل من قرأه صوافن .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة في حرف ابن مسعود فاذكروا اسم الله عليها صوافن أي معلقة قياما .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرازق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في حرف ابن مسعود فاذكروا اسم الله عليها صوافن قال : أي معلقة قياما .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، قال : من قرأها صوافن قال : معقولة . قال : ومن قرأها " صواف " قال : تصف بن يديها .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاد يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله " فاذكروا اسم الله عليها صواف " يعني صوافن ، والبدنة إذا نحرت عقلت يد واحدة ، فكانت على ثلاث ، وكذلك تنحر .
قال أبو جعفر : وقد تقدم بيان أولى هذه الأقوال بتأويل قوله " صواف " وهي المصطفة بين أيديها المعقولة إحدى قوائمها .
وقوله " فإذا وجبت جنوبها " يقول : فإذا سقطت فوقعت جنوبها إلى الأرض بعد النحر ، " فكلوا منها " وهو من قوهم : قد وجبت الشمس : إذا غابت فسقطت للتغيبت ، ومنه قول أوس بن حجر :
ألم تكسف الشمس والبدر والـ ـكواكب للجبل الواجب
يعني بالواجب : الواقع .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل :
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثني عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد " فإذا وجبت جنوبها " سقطت إلى الأرض .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد مثله .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، في قوله " فإذا وجبت جنوبها " قال : إذا فرغت ونحرت .
حدثني محمد بن عمارة ، قال : ثنا عبيد الله بن موسى ، قال : أخبرنا إسرائيل ، عن أبي يحيى ، عن مجاهد " فإذا وجبت " نحرت .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن ابيه ، عن ابن عباس قوله " فإذا وجبت جنوبها " قال : إذا نحرت .
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله " فإذا وجبت جنوبها " قال : فإذا ماتت .
وقوله " فكلوا منها " وهذا مخرجه مخرج الأمر ، ومعناه : الإباحة ، والإطلاق ، يقول الله : فإذا نحرت فسقطت ميتة بعد النحر ، فقد حل لكم أكلها ، وليس بأمر إيجاب .
وكان إبراهيم النخعي يقول في ذلك ما :
حدثنا محمد بن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان عن حصين عن مجاهد ، قال: إن شاء أكل و إن شاء لم يأكل ، فهي بمنزلة "وإذا حللتم فاصطادوا" المائدة : 2 .
حدثني محمد بن سعد ، قال: ثني أبي ، قال : ثني : عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس " فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر " يقول : يأكل منها و يطعم .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا هشيم ، قال: أخبرنا يونس ، عن الحسن ، و أخبرناه مغيرة ، عن إبراهيم ، و أخبرنا حجاج ،عن عطاء و أخبرنا حصين ، عن مجاهد ، في قوله : " فكلوا منها " قال: إن شاء أكل ، و إن شاء لم يأكل ، قال مجاهد : هي رخصة ، هي كقوله : " فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض " الجمعة : 10 و مثل قوله : " وإذا حللتم فاصطادوا " المائدة : 2 ، و قوله : " وأطعموا القانع و المعتر " يقول : فأطعموا منها القانع .
و اختلف أهل التأويل في المعني بالقانع و المعتر ، فقال بعضهم : القانع الذي يقنع بما أعطي أو بما عنده ولا يسأل ، والمعتر: الذي يعترض لك أن تطعمه من اللحم ولا يسأل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال :ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال ثني أبي،عن أبيه ، عن ابن عباس ،في قوله : " و أطعموا القانع و المعتر" قال : القانع : المستغني بما أعطيته ، و هو في بيته .
و المعتر : الذي يتعرض لك ، و يلم بك أن تطعمه من اللحم ولا يسأل ، و هؤلاء الذين أمر أن يطعموا من البدن .
حدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن علية ، عن ليث ،عن مجاهد ، قال: القانع : جارك الذي يقنع بما أعطيته . و المعتر : الذي يتعرض لك ولا يسألك .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ،قال : أخبرني أبو صخر ،عن القرظي ، أنه كان يقول في هذه الآية : " وأطعموا القانع والمعتر " القانع : الذي يقنع بالشيء اليسير يرضي به . و المعتر : الذي يمر بجانبك لا يسأل شيئا ، فذلك المعتر .
و قال آخرون : القانع : الذي يقنع بما عنده ، ولا يسأل ، و المعتر : الذي يعتر بك فيسألك .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قوله : " القانع و المعتر " يقول : القانع المتعفف ، و المعتر : يقول : السائل .
حدثنا ابن أبي الشوارب ، قال : ثنا عبد الواحد ، قال : ثنا خصيف ، قال : سمعت مجاهدا يقول: القانع : أهل مكة ، و المعتر : الذي يعتريك فيسألك .
حدثني أبو السائب ، قال: ثنا عطاء ، عن خصيف ، عن مجاهد مثله
حدثنا ابن بشار ، قال: ثنا مسلم بن إبراهيم قال : ثنا كعب بن فروخ قال : سمعت قتادة يحدث ، عن عكرمة ، في قوله " القانع والمعتر " قال : القانع : الذي يقعد في بيته ، والمعتر : الذي يسأل .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثني عبد الأعلى ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : القانع : المتعفف الجالس في بيته ، و المعتر : الذي يعتريك فيسألك .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال: ثنا ابن ثور ، عن معمر ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : القانع والمعتر ، قال : القانع : الطامع بما قبلك ولا يسألك ، والمعتر : الذي يعتريك ولا يسألك .
حدثني نصر بن عبد الرحمن ، قال : ثنا المحاربي ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، و إبراهيم ، قالا : القانع : الجالس في بيته ، و المعتر : الذي يسألك .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الأعلى ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة في القانع والمعتر ، قال : القانع : الذي يقنع في يديه ، والمعتر : الذي يعتريك ، ولكليهما عليك حق يا ابن آدم .
حدثنا ابن حميد ، ثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد : " فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر " قال : القانع الذي يجلس في بيته . والمعتر : الذي يعتريك .
وقال آخرون : القانع : هو السائب ، والمعتر : هو الذي يعتريك ولا يسأل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الأعلى ، قال : ثنا يونس ، عن الحسن ، قال : القانع : الذي يقنع إليك ويسألك ، والمعتر : الذي يعرض لك ولا يسألك .
حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن منصور بن زاذان ، عن الحسن ، في هذه الاية : " وأطعموا القانع والمعتر " قال : القانع : الذي يقنع ، والمعتر : الذي يعتريك .
قال : وقال الكلبي : القانع : الذي يسألك ، والمعتر : الذي يعتريك ، يتعرض ولا يسألك .
حدثني نصر بن عبد الرحمن الأودي ، قال : ثنا المحاربي ، عن سفيان ، عن يونس ، عن الحسن ، في قوله : " وأطعموا القانع والمعتر " قال : القانع : الذي يسألك ، والمعتر : الذي يتعرض لك .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن إدريس ، عن أبيه ، قال : قال سعيد بن جبير : القانع : السائل .
حدثني محمد بن إسماعيل الأحمسي ، قال : ثني غالب ، قال : ثني شريك ، عن فرات القزاز ، عن سعيد بن جبير ،في قوله : " القانع " قال : هو السائل ، ثم قال : أما سمعت قول الشماخ :
‌‌‌ لمال المرء يصلحه فيغني مفاقره أعف من القنوع
قال : من السؤال .
حدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن علية ، قال : أخبرنا يونس ، عن الحسن ، أنه قال في قوله : " وأطعموا القانع والمعتر " قال : القانع : الذي يقنع إليك يسألك ، والمعتر : الذي يريك نفسه ويتعرض لك ولا يسألك .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا هشام ، قال : أخبرنا منصور و يونس عن الحسن ، قال : القانع : السائل ، والمعتر : الذي يتعرض ولا يسأل .
حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني عبد الله بن عياش ، قال : قال زيد بن أسلم : القانع : الذي يسأل الناس .
وقال آخرون : القانع : الجار ، والمعتر : الذي يعتريك من الناس .
ذكر من قال ذلك .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن ادريس ، قال : سمعت ليثا ، عن مجاهد ، قال : القانع : جارك وإن كان غنيا ، والمعتر : الذي يعتريك .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا حكام ، عن عنبسة ، عن ابن أبي نجيح ، قال : قال مجاهد في قوله : " وأطعموا القانع والمعتر " قال : القانع : جارك الغني ، والمعتر : من اعتراك من الناس .
حدثني يعقوب ، قال : ثنا هشيم ، قال : أخبرنا مغيرة ، عن إبراهيم ، في قوله : " وأطعموا القانع والمعتر " أنه قال : أحدهما السائل ، والآخر : الجار .
وقال آخرون : القانع : الطواف . والمعتر : الصديق الزائر .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، قال : ثني أبي وشعيب بن الليث عن الليث ، عن خالد بن يزيد ، عن ابن أبي هلال ، قال : قال زيد بن أسلم ، في قوله الله تعالى : " القانع والمعتر " فالقانع : المسكين الذي يطوف ، والمعتر : الصديق والضعيف الذي يزور .
وقال آخرون : القانع : الطامع ، والمعتر : الذي يعتر بالبدن .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ، قوله : " القانع " قال : الطامع والمعتر : من يعتر بالبدن ، من غني أو فقير .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج قال : أخبرني عمر بن عطاء ، عن عكرمة ، قال : القانع : الطامع .
وقال آخرون : القانع : هو المسكين ، والمعتر : الذي يتعرض للحم .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : " وأطعموا القانع والمعتر " قال : القانع : المسكين ، والمعتر : الذي يعتر القوم للحمهم وليس بمسكين ، ولا تكون له ذبيحة ، يجيء إلى القوم من أجل لحمهم ، والبائس الفقير : هو القانع .
وقال آخرون بما :
حدثنا به ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن فرات ، عن سعيد بن جبير ، قال : القانع : الذي يقنع ، والمعتر : الذي يعتريك .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان عن يونس ، عن الحسن بمثله .
قال : ثنا سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم و مجاهد : " القانع والمعتر " القانع : الجالس في بيته ، والمعتر : الذي يتعرض لك .
وأولى هذه الأقوال بالصواب قول من قال : عني بالقانع : السائل ، لأنه لو كان المعني بالقانع في هذا الموضع ، الكتفي بما عنده ، والمستغني به لقيل : وأطعموا القانع والسائل ، ولم يقل : وأطعموا القانع والمعتر ، وفي إتباع ذلك قوله : والمعتر ، الدليل الواضح على أن القانع معني به السائل من قولهم : قنع فلان إلى فلان ، بمعنى سأله وخضع إليه ، فهو يقنع قنوعا ، ومنه قول لبيد :
وأعطاني المولى على حين فقره إذا قال أبصر خلتي وقنوعي !
وأما القانع الذي هو يمعنى المكتفي ، فإنه من قنعت بكسر النون أقنع قناعة وقنعا وقنعانا . وأما المعتر : فإنه الذي يأتيك معترا بك لتعطيه وتطعمه .
وقوله " كذلك سخرناها لكم " يقول هكذا سخرنا البدن لكم أيها الناس " لعلكم تشكرون " يقول ، لتشكروني على تسخيرها لكم .
فيها عشر مسائل:
الأولى: قوله تعالى: " والبدن " وقرأ ابن أبي إسحاق " والبدن " لغتان، واحدتها بدنة. كما يقال: ثمرة وثمر وثمر، وخشبة وخشب وخشب. وفي التنزيل: " وكان له ثمر " وقرىء " ثمر " لغتان. وسميت بدنة لأنها تبدن، والبدانة السمن. وقيل: إن هذا الاسم خاص بالإبل. وقيل: البدن جمع " بدن " بفتح الباء والدال. ويقال: بدن الرجل ((بضم الدال)) إذا سمن. وبدن ((بتشديدها)) إذا كبر وأسن. وفي الحديث:
" إني قد بدنت " أي كبرت وأسننت. وروي بدنت وليس له معنى، لأنه خلاف صفته صلى الله عليه وسلم، ومعناه كثرة اللحم. يقال: بدن الرجل يبدن بدناً وبدانة فهو بادن، أي ضخم.
الثانية: اختلف العلماء في البدن هل تطلق على غير الإبل من البقر أم لا، فقال ابن مسعود و عطاء و الشافعي : لا. وقال مالك و أبو حنيفة : نعم. وفائدة الخلاف فيمن نذر بدنة فلم يجد البدنة أو لم يقدر عليها وقدر على البقرة، فهل تجزيه أم لا، فعلى مذهب الشافعي و عطاء لا تجزيه. وعلى مذهب مالك تجزيه. والصحيح ما ذهب إليه الشافعي و عطاء ، " لقوله عليه السلام في الحديث الصحيح في يوم الجمعة:
من راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة " الحديث. فتفريقه عليه السلام بين البقرة والبدنة يدل على أن البقرة لا يقال عليها بدنة، والله أعلم. وأيضاً قوله تعالى: " فإذا وجبت جنوبها " يدل على ذلك، فإن الوصف خاص بالإبل. والبقر يضجع ويذبح كالغنم، على ما يأتي. ودليلنا أن البدنة مأخوذة من البدانة وهو الضخامة، والضحامة توجد فيهما جميعاً. وأيضاً فإن البقرة في التقرب إلى الله تعالى بإراقة الدم بمنزلة الإبل، حتى تجوز البقرة في الضحايا عن سبعة كالإبل. وهذا حجة لأبي حنيفة حيث وافقه الشافعي على ذلك، وليس ذلك في مذهبنا. وحكى ابن شجرة أنه يقال في الغنم بدنة، وهو قول شاذ. والبدن هي الإبل التي تهدى إلى الكعبة. والهدي عام في الإبل والبقر والغنم.
الثالثة: قوله تعالى: " من شعائر الله " نص في أنها بعض الشعائر. وقوله: " لكم فيها خير " يريد به المنافع التي تقدم ذكرها. والصواب عمومه في خير الدنيا والآخرة.
الرابعة: قوله تعالى: " فاذكروا اسم الله عليها صواف " أي انحروها على اسم الله. و " صواف " أي قد صفت قوائمها. والإبل تنحر قياماً معقولة. وأصل هذا الوصف في الخيل، يقال: صفن الفرس فهو صافن إذا قام على ثلاث قوائم وثنى سنبك الرابعة، والسنبك طرف الحافر. والبعير إذا أرادوا نحره تعقل إحدى يديه فيقوم على ثلاث قوائم. وقرأ الحسن و الأعرج و مجاهد وزيد بن أسلم وأبو موسى الأشعري صوافي أيضاً صواف بكسر الفاء وتنوينها مخففة، وهي بمعنى التي قبلها، لكن حذفت الياء تخفيفاً على غير قياس و " صواف " قراءة الجمهور بفتح الفاء وشدها، من صف يصف. وواحد صواف صافة، وواحد صوافي صافية. و [قرأ] ابن مسعود وابن عباس وابن عمر وأبو جعفر محمد بن علي صوافن بالنون جمع صافنة. ولا يكون واحدها صافناً، لأن فاعلاً لا يجمع على فواعل إلا في حروف مختصة لا يقاس عليها، وهي فارس وفوارس، وهالك وهوالك، وخالف وخوالف. والصافنة هي التي قد رفعت إحدى يديها بالعقل لئلا تضطرب. ومنه قوله تعالى: " الصافنات الجياد " [ص: 31]. وقال عمرو بن كلثوم:
تركنا الخيل عاكفةً عليه مقلدةً أعنتها صفونا
ويروى:
تظل جياذه نوحاً عليه مقلدةً أعنتها صفونا
وقال آخر:
ألف الصفون فما يزال كأنه مما يقوم على الثلاث كسيرا
وقال أبو عمرو الجرمي: الصافن عرق في مقدم الرجل، فإذا ضرب على الفرس رفع رجله. وقال الأعشى:
وكل كميت كجذع السحو ق يرنو القناء إذا ما صفن
الخامسة: قال ابن وهب: أخبرني ابن أبي ذئب أنه سأل ابن شهاب عن الصواف فقال: تقيدها ثم تصفها. وقال لي مالك بن أنس مثله. وكافة العلماء على استحباب ذلك، إلا أبا حنيفة و الثوري فإنهما أجازا أن تنحر باركة وقياماً. وشذ عطاء فخالف واستحب نحرها باركة. والصحيح ما عليه الجمهور، لقوله تعالى: " فإذا وجبت جنوبها " معناه سقطت بعد نحرها، ومنه وجبت الشمس. وفي صحيح مسلم عن زياد بن جبير " أن ابن عمر أتى على رجل وهو ينحر بدنته باركةً فقال:
ابعثها قائمة مقيدة سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم ". وروى أبو داود عن أبي الزبير عن جابر، بقي من قوائمها.
السادسة: قال مالك فإن ضعف إنسان أو تخوف أن تنفلت بدنته فلا أرى بأساً أن ينحرها معقولة. والاختيار أن تنحر الإبل قائمة غير معقولة، إلا أن يتعذر ذلك فتعقل ولا تعرقب إلا أن يخاف أن يضعف عنها ولا يقوى عليها. ونحرها باركة أفضل من أن تعرقب. وكان ابن عمر يأخذ الحربة بيده في عنفوان أيده فينحرها في صدرها ويخرجها على سنامها، فلما أسن كان ينحرها باركة لضعفه، ويمسك معه الحربة رجل آخر، وآخر بخطامها. وتضجع البقر والغنم.
السابعة: ولا يجوز النحر قبل الفجر من يوم النحر بإجماع. وكذلك الأضحية لا تجوز قبل الفجر. فإذا طلع الفجر حل النحر بمنى، وليس عليهم انتظار نحر إمامهم، بخلاف الأضحية في سائر البلاد. والمنحر منى لكل حاج، ومكة لكل معتمر. ولو نحر الحاج بمكة والمعتمر بمنىً لم يحرج واحد منهما، إن شاء الله تعالى.
الثامنة: قوله تعالى: " فإذا وجبت جنوبها " يقال: وجبت الشمس إذا سقطت، ووجب الحائط إذا سقط. قال قيس بن الخطيم:
أطاعت بنو عوف أميراً نهاهم عن السلم حتى كان أول واجب
وقال أوس بن حجر:
ألم تكسف الشمس والبدر والـ ـكواكب للجبل الواجب
فقوله تعالى: " فإذا وجبت جنوبها " يريد إذا سقطت على جنوبها ميتة. كنى عن الموت بالسقوط على الجنب كما كنى عن النحر والذبح بقوله تعالى: " فاذكروا اسم الله عليها ". والكنايات في أكثر المواضع أبلغ من التصريح. قال الشاعر:
فتركته جزر السباع ينشنه ما بين قلة رأسه و المعتصم
وقال عنترة:
وضربت قرني كبشها فتجدلا
أي سقط مقتولاً إلى الجدالة، وهي الأرض، ومثله كثير. والوجوب للجنب بعد النحر علامة نزف الدم وخروج الروح منها، وهو وقت الأكل، أي وقت قرب الأكل، لأنها إنما تبتدأ بالسلخ وقطع شيء من الذبيحة ثم يطبخ. ولا تسلخ حتى تبرد لأن ذلك من باب التعذيب، ولهذا قال عمر رضي الله عنه: لا تعجلوا الأنفس أن تزهق.
التاسعة: قوله تعالى: " فكلوا منها " أمر معناه الندب. وكل العلماء يستحب أن يأكل الإنسان من هديه، وفيه أجر وامتثال، إذ كان أهل الجاهلية لا يأكلون من هديهم كما تقدم. وقال أبو العباس بن شريح: الأكل والإطعام مستحبان، وله الاقتصار على أيهما شاء. وقال الشافعي : الأكل مستحب والإطعام واجب، فإن أطعم جميعها أجزاه وإن أكل جميعها لم يجزه، وهذا فيما كان تطوعاً، فأما واجبات الدماء فلا يجوز أن يأكل منها شيئاً حسبما تقدم بيانه.
العاشرة: قوله تعالى: " وأطعموا القانع والمعتر " قال مجاهد وإبراهيم و الطبري : قوله: " وأطعموا " أمر إباحة. و " القانع " السائل. يقال: قنع الرجل يقنع قنوعاً إذا سأل، بفتح النون في الماضي وكسرها في المستقبل، يقنع قناعة فهو قنع، إذا تعفف واستغنى ببلغته ولم يسأل، مثل حمد يحمد، قناعة وقنعا وقنعانا، قاله الخليل. ومن الأول قول الشماخ:
لمال المرء يصلحه فيغني مفاقره أعف من القنوع
وقال ابن السكيت: من العرب من ذكر القنوع بمعنى القناعة، وهي الرضا والتعفف وترك المسألة. وروي عن أبي رجاء أنه قرأ وأطعموا القنع ومعنى هذا مخالف للأول. يقال: قنع الرجل فهو قنع إذا رضي. وأما المعتر فهو الذي يطيف بك يطلب ما عندك، سائلاً كان أو ساكتاً. وقال محمد بن كعب القرظي و مجاهد وإبراهيم و الكلبي والحسن بن أبي الحسن: المعتر المعترض من غير سؤال. قال زهير:
على مكثريهم رزق من يعتريهم وعند المقلين السماحة والبذل
وقال مالك أحسن ما سمعت أن القانع الفقير، والمعتر الزائر. وروي عن الحسن أنه قرأ والمعتري ومعناه كمعنى المعتر. يقال: اعتره واعتراه وعره وعراه إذا تعرض لما عنده أو طلبه، ذكره النحاس .
يقول تعالى ممتناً على عباده فيما خلق لهم من البدن وجعلها من شعائره, وهو أنه جعلها تهدى إلى بيته الحرام, بل هي أفضل ما يهدى إليه, كما قال تعالى: "لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد ولا آمين البيت الحرام" الاية, قال ابن جريج , قال عطاء في قوله: "والبدن جعلناها لكم من شعائر الله" قال البقرة والبعير, وكذا روي عن ابن عمر وسعيد بن المسيب والحسن البصري , وقال مجاهد : وإنما البدن من الإبل "قلت" أما إطلاق البدنة على البعير فمتفق عليه, واختلفوا في صحة إطلاق البدنة على البقرة على قولين, أصحهما أنه يطلق عليها ذلك شرعاً كما صح الحديث, ثم جمهور العلماء على أنه تجزىء البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة, كما ثبت به الحديث عند مسلم من رواية جابر بن عبد الله قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نشترك في الأضاحي البدنة عن سبعة, والبقرة عن سبعة. وقال إسحاق بن راهويه وغيره: بل تجزىء البقرة والبعير عن عشرة, وقد ورد به حديث في مسند الإمام أحمد وسنن النسائي وغيرهما, فالله أعلم.
وقوله: "لكم فيها خير" أي ثواب في الدار الاخرة, وعن سليمان بن يزيد الكعبي عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما عمل ابن آدم يوم النحر عملاً أحب إلى الله من إهراق دم. وإنها لتأتي يوم القيامة بقرونها وأظلافها وأشعارها, وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع على الأرض, فطيبوا بها نفساً" رواه ابن ماجه والترمذي وحسنه, وقال سفيان الثوري : كان أبو حازم يستدين ويسوق البدن, فقيل له: تستدين وتسوق البدن ؟ فقال: إني سمعت الله يقول لكم: "لكم فيها خير". وعن ابن عباس : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أنفقت الورق في شيء أفضل من نحيرة في يوم عيد" رواه الدارقطني في سننه . وقال مجاهد : "لكم فيها خير" قال: أجر ومنافع, وقال إبراهيم النخعي : يركبها ويحلبها إذا احتاج إليها.
وقوله: "فاذكروا اسم الله عليها صواف" وعن المطلب بن عبد الله بن حنطب عن جابر بن عبد الله قال: " صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عيد الأضحى, فلما انصرف أتى بكبش فذبحه, فقال: باسم الله والله أكبر, اللهم هذا عني وعمن لم يضح من أمتي" رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال محمد بن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن ابن عباس عن جابر قال: " ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين في يوم عيد, فقال حين وجههما: وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً مسلماً وما أنا من المشركين, إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له, وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين, اللهم منك ولك عن محمد وأمته ثم سمى الله وكبر وذبح ". وعن علي بن الحسين عن أبي رافع " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا ضحى اشترى كبشين سمينين أقرنين أملحين فإذا صلى وخطب الناس, أتي بأحدهما وهو قائم في مصلاه, فذبحه بنفسه بالمدية, ثم يقول: اللهم هذا عن أمتي جميعها: من شهد لك بالتوحيد وشهد لي بالبلاغ ، ثم يؤتى بالاخر فيذبحه بنفسه, ثم يقول هذا عن محمد وآل محمد فيطعمهما جميعاً للمساكين ويأكل هو وأهله منهما " , رواه أحمد وابن ماجه .
وقال الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس في قوله: "فاذكروا اسم الله عليها صواف" قال: قياماً على ثلاث قوائم, معقولة يدها اليسرى, يقول: باسم الله والله أكبر لا إله إلا الله, اللهم منك ولك, وكذلك روي عن مجاهد وعلي بن أبي طلحة والعوفي عن ابن عباس نحو هذا. وقال ليث عن مجاهد : إذا عقلت رجلها اليسرى قامت على ثلاث, وروى ابن أبي نجيح عنه نحوه. وقال الضحاك : تعقل رجل واحدة فتكون على ثلاث. وفي الصحيحين عن ابن عمر أنه أتى على رجل قد أناخ بدنته وهو ينحرها فقال: ابعثها قياماً مقيدة, سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم, وعن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا ينحرون البدن معقولة اليسرى قائمة على ما بقي من قوائمها, رواه أبو داود . وقال ابن لهيعة : حدثني عطاء بن دينار أن سالم بن عبد الله قال لسليمان بن عبد الملك : قف من شقها الأيمن وانحر من شقها الأيسر. وفي صحيح مسلم عن جابر في صفة حجة الوداع قال فيه: فنحر رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده ثلاثاً وستين بدنة جعل يطعنها بحربة في يده.
وقال عبد الرزاق : أخبرنا معمر عن قتادة قال: في حرف ابن مسعود " صواف " أي معقلة قياماً. وقال سفيان الثوري عن منصور عن مجاهد من قرأها صوافن قال: معقولة, ومن قرأها صواف قال تصف بين يديها, وقال طاوس والحسن وغيرهما " فاذكروا اسم الله عليها صواف " يعني خالصة لله عز وجل, وكذا رواه مالك عن الزهري . وقال عبد الرحمن بن زيد : صوافي ليس فيها شرك كشرك الجاهلية لأصنامهم.
وقوله: "فإذا وجبت جنوبها" قال ابن أبي نجيح عن مجاهد : يعني سقطت إلى الأرض, وهو رواية عن ابن عباس , وكذا قال مقاتل بن حيان وقال العوفي عن ابن عباس : فإذا وجبت جنوبها يعني نحرت. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : فإذ وجبت جنوبها, يعني ماتت, وهذا القول هو مراد ابن عباس ومجاهد , فإنه لا يجوز الأكل من البدنة إذا نحرت حتى تموت وتبرد حركتها. وقد جاء في حديث مرفوع "لا تعجلوا النفوس أن تزهق" وقد رواه الثوري في جامعه عن أيوب عن يحيى بن أبي كثير عن قرافصة الحنفي , عن عمر بن الخطاب أنه قال ذلك, ويؤيده حديث شداد بن أوس في صحيح مسلم "إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة, وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة, وليحد أحدكم شفرته, وليرح ذبيحته" وعن أبي واقد الليثي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما قطع من البهيمة وهي حية فهو ميتة" رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه.
وقوله: "فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر" قال بعض السلف: قوله: "فكلوا منها" أمر إباحة. وقال مالك : يستحب ذلك, وقال غيره: يجب, وهو وجه لبعض الشافعية. واختلفوا في المراد بالقانع والمعتر, فقال العوفي عن ابن عباس : القانع المستغني بما أعطيته وهو في بيته, والمعتر الذي يتعرض لك ويلم بك أن تعطيه من اللحم ولا يسأل, وكذا قال مجاهد ومحمد بن كعب القرظي . وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : القانع المتعفف, والمعتر السائل, وهذا قول قتادة وإبراهيم النخعي ومجاهد في رواية عنه. وقال ابن عباس وعكرمة وزيد بن أسلم وابن الكلبي والحسن البصري ومقاتل بن حيان ومالك بن أنس : القانع هو الذي يقنع إليك ويسألك, والمعتر الذي يعتريك يتضرع ولا يسألك, وهذا لفظ الحسن. وقال سعيد بن جبير : القانع هو السائل, قال: أما سمعت قول الشماخ:
لمال المرء يصلحه فيغنى مفاقره أعف من القنوع
قال: يغنى من السؤال, وبه قال ابن زيد . وقال بن أسلم : القانع المسكين الذي يطوف, والمعتر الصديق والضعيف الذي يزور, وهو رواية عن ابنه عبد الله بن زيد أيضاً. وعن مجاهد أيضاً: القانع جارك الغني الذي يبصر ما يدخل بيتك, والمعتر الذي يعتريك من الناس, وعنه: أن القانع هو الطامع, والمعتر هو الذي يعتر بالبدن من غني أو فقير, وعن عكرمة نحوه, وعنه: القانع أهل مكة, واختار ابن جرير أن القانع هو السائل, لأنه من أقنع بيده إذا رفعها للسؤال, والمعتر من الاعتراء وهو الذي يتعرض لأكل اللحم. وقد احتج بهذه الاية الكريمة من ذهب من العلماء إلى أن الأضحية تجزأ ثلاثة أجزاء: فثلث لصاحبها يأكله, وثلث يهديه لأصحابه, وثلث يتصدق به على الفقراء, لأنه تعالى قال: "فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر".
وفي الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للناس: "إني كنت نهيتكم عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث, فكلوا وادخروا ما بدا لكم". وفي رواية "فكلوا وادخروا وتصدقوا". وفي رواية "فكلوا وأطعموا وتصدقوا". والقول الثاني: أن المضحي يأكل النصف ويتصدق بالنصف, لقوله في الاية المتقدمة: "فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير" ولقوله في الحديث: " فكلوا وادخروا وتصدقوا" فإن أكل الكل, فقيل: لا يضمن شيئاً, وبه قال ابن سريج من الشافعية. وقال بعضهم: يضمنها كلها بمثلها أو قيمتها. وقيل يضمن نصفها وقيل ثلثها. وقيل أدنى جزء منها, وهو المشهور من مذهب الشافعي . وأما الجلود ففي مسند أحمد عن قتادة بن النعمان في حديث الأضاحي "فكلوا وتصدقوا, واستمتعوا بجلودها ولا تبيعوها" ومن العلماء من رخص في بيعها, ومنهم من قال: يقاسم الفقراء ثمنها, والله أعلم.
(مسألة) عن البراء بن عازب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي, ثم نرجع فننحر, فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا, ومن ذبح قبل الصلاة فإنما هو لحم قدمه لأهله ليس هو من النسك في شيء" أخرجاه, فلهذا قال الشافعي وجماعة من العلماء: إن أول وقت ذبح الأضاحي إذا طلعت الشمس يوم النحر ومضى قدر صلاة العيد والخطبتين, زاد أحمد : وأن يذبح الإمام بعد ذلك لما جاء في صحيح مسلم : وأن لا تذبحوا حتى يذبح الإمام. وقال أبو حنيفة : أما أهل السواد من القرى ونحوهم فلهم أن يذبحوا بعد طلوع الفجر إذ لا صلاة عيد تشرع عنده لهم. وأما أهل الأمصار فلا يذبحوا حتى يصلي الإمام, والله أعلم. ثم قيل: لا يشرع بالذبح إلا يوم النحر وحده. وقيل: يوم النحر لأهل الأمصار لتيسر الأضاحي عندهم, وأما اهل القرى فيوم النحر وأيام التشريق بعده, وبه قال سعيد بن جبير . وقيل: يوم النحر ويوم بعده للجميع, وقيل: ويومان بعده, وبه قال الإمام أحمد . وقيل: يوم النحر وثلاثة أيام التشريق بعده, وبه قال الشافعي لحديث جبير بن مطعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أيام التشريق كلها ذبح" رواه أحمد وابن حبان . وقيل: إن وقت الذبح يمتد إلى آخر ذي الحجة, وبه قال إبراهيم النخعي وأبو سلمة بن عبد الرحمن , وهو قول غريب. وقوله: "كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون" يقول تعالى من أجل هذا "سخرناها لكم" أي ذللناها لكم, وجعلناها منقادة لكم خاضعة, إن شئتم ركبتم, وإن شئتم حلبتم, وإن شئتم ذبحتم, كما قال تعالى: " أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون * وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون * ولهم فيها منافع ومشارب أفلا يشكرون " وقال في هذه الاية الكريمة: "كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون".
قرأ ابن أبي إسحاق 36- "والبدن" بضم الباء والدال، وقرأ الباقون بإسكان الدال وهما لغتان، وهذا الاسم خاص بالإبل، وسميت بدنة لأنها تبدن والبدانة: السمن. وقال أبو حنيفة ومالك: إنه يطلق على غير الإبل، والأول أولى لما سيأتي من الأوصاف التي هي ظاهرة في الإبل، ولما تفيده كتب اللغة من اختصاص هذا الإسم بالإبل. وقال ابن كثير في تفسيره: واختلفوا في صحة إطلاق البدنة على البقرة على قولين: أصحهما أنه يطلق عليهما ذلك شرعاً كما صح في الحديث "جعلناها لكم" وهي ما تقدم بيانه قريباً "لكم فيها خير" أي منافع دينية ودنيوية كما تقدم "فاذكروا اسم الله عليها" أي على نحوها ومعنى "صواف" أنها قائمة قد صفت قوائمها، لأنها تنحر قائمة معقولة، وأصل هذا الوصف في الخيل يقال: صفن الفرس فهو صافن إذا قام على ثلاث قوائم وثنى الرابعة. وقرأ الحسن والأعرج ومجاهد وزيد بن أسلم وأبو موسى الأشعري صوافي أي خوالص لله لا تشركون به في التسمية على نحرها أحداً، وواحد صواف صافة، وهي قراءة الجمهور. وواحد صوافي صافية، وقرأ ابن مسعود وابن عمر وابن عباس وأبو جعفر ومحمد بن علي صوافن بالنون جمع صافنة، والصافنة هي التي قد رفعت إحدى يديها بالعقل لئلا تضطرب، ومنه قوله تعالى: "الصافنات الجياد" ومنه قول عمر بن كلثوم:
تركنا الخيل عاكفة عليه مقلدة أعنتها صفونا
وقال الآخر:
ألف الصفون فما يزال كأنه مما يقوم على الثلاث كسير
"فإذا وجبت جنوبها" الوجوب السقوط: أي سقطت بعد نحرها، وذلك عند خروج روحها "فكلوا منها" ذهب الجمهور أن هذا الأمر للندب "وأطعموا القانع والمعتر" هذا الأمر قيل هو للندب كالأول، وبه قال مجاهد والنخعي وابن جرير وابن سريج. وقال الشافعي وجماعة: هو الوجوب.
واختلف في القانع من هو؟ فقيل هو السائل، يقال قنع الرجل بفتح النون يقنع بكسرها إذا سأل، ومنه قول الشماخ:
لمال المرء يصلحه فيغني مفاقره أعف من القنوع
أي السؤال، وقيل هو المتعفف عن السؤال المستغني ببلغة، ذكر معناها الخليل. قال ابن السكيت:من العرب من ذكر القنوع بمعنى القناعة، وهي الرضا والتعفف وترك المسألة. وبلأول قال زيد بن أسلم وابنه سعيد بن جبير والحسن، وروي عن ابن عباس. وبالثاني قال عكرمة وقتادة. وأما المعتر، فقال محمد بن كعب القرظي ومجاهد وإبراهيم والكلبي والحسن أنه الذي يتعرض من غير سؤال. وقيل هو الذي يعتريك ويسألك. وقال مالك:أحسن ما سمعت أن القانع: الفقير، والمعتر: الزائر. وروي عن ابن عباس: أن كلاهما الذي لا يسأل، ولكن القانع الذي يرضى بما عنده ولا يسأل، والمعتر الذي يتعرض لك ولا يسألك. وقرأ الحسن والمعتري ومعناه كمعنى المعتر، ومنه قول زهير:
على مكثريهم رزق من يعتريهم وعند المقلين السماحة والبذل
يقال اعتره واعتراه وعره وعراه: إذا تعرض لما عنده أو طلبه، ذكره النحاس "كذلك سخرناها لكم" أي مثل ذلك التسخير البديع سخرناها لكم، فصارت تنقاد لكم إلى مواضع نحرها فتنحرونها وتنتفعون بها بعد أن كانت مسخرة للحمل عليها والركوب على ظهرها والحلب لها ونحو ذلك "لعلكم تشكرون" هذه النعمة التي أنعم الله بها عليكم .
36. قوله عز وجل: " والبدن "، جمع بدنة سميت بدنة لعظمها وضخامتها، يريد: الإبل العظام الصحاح الأجسام، يقال بدن الرجل بدناً وبدانةً إذا ضخم، فأما إذا أسن واسترخى يقال بدن تبديناً.
قال عطاء و السدي : البدن: الإبل والبقر أما الغنم فلا تسمى بدنة. " جعلناها لكم من شعائر الله "، من أعلام دينه، سميت شعائر لأنها تشعر، وهو أن تطعن بحديدة في سنامها فيعلم أنها هدي، " لكم فيها خير "، النفع في الدنيا والأجر في العقبى، " فاذكروا اسم الله عليها "، عند نحرها، " صواف "، أي: قياماً على ثلاث قوائم قد صفت رجليها وإحدى يديها، ويدها اليسرى معقولة فينحرها كذلك.
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، أخبرنا محمد بن إسماعيل ، أخبرنا عبد الله بن مسلمة ، أخبرنا يزيد بن زريع ، عن يونس ، عن زياد بن جبير قال: رأيت بن عمر أتى على رجل قد أناخ بدنةً ينحرها، قال: ابعثها قياماً مقيدةً سنة محمد صلى الله عليه وسلم.
وقال مجاهد : الصواف إذا عقلت رجلها اليسرى وقامت على ثلاث قوائم.
وقرأ ابن مسعود: ((صوافن)) وهى أن تعقل منها يد وتنحر على ثلاث، وهو مثل صواف. وقرأ أبي و الحسن و مجاهد : ((صوافي)) بالياء أي: صافية خالصة لله لا شريك له فيها.
" فإذا وجبت جنوبها "، أي: سقطت بعد النحر فوقعت جنوبها على الأرض. وأصل الوجوب: الوقوع. يقال: وجبت الشمس إذا سقطت للمغيب، " فكلوا منها "، أمر إباحة، " وأطعموا القانع والمعتر "، اختلفوا في معناها: فقال عكرمة و إبراهيم و قتادة : ((القانع)) الجالس في بيته المتعفف يقنع بما يعطى ولا يسأل، و ((المعتر)) الذي يسأل.
وروى العوفي عن ابن عباس: ((القانع)) الذي لا يتعرض ولا يسأل، و ((المعتر)) الذي يريك نفسه ويتعرض ولا يسأل، فعلى هذين التأويلين يكون ((القانع)): من القناعة، يقال: قنع قناعة إذا رضي بما قسم له.
وقال سعيد بن جبير و الحسن و الكلبي : ((القانع)): الذي يسأل، ((والمعتر)): الذي يتعرض ولا يسأل، فيكون ((القانع)) من قنع يقنع قنوعاً إذا سأل.
وقرأ الحسن : ((والمعتري)) وهو مثل المعتر، يقال: عره واعتره وعراه واعتراه إذا أتاه يطلب معروفه، إما سؤالاً أو تعرضاً.
وقال ابن زيد : ((القانع)): المسكين، ((والمعتر)): الذي ليس بمسكين، ولا يكون له ذبيحة يجيء إلى القوم فيتعرض لهم لأجل لحمهم.
" كذلك " أي: مثل ما وصفنا من نحرها قياماً، " سخرناها لكم "، نعمة منا لتتمكنوا من نحرها، " لعلكم تشكرون "، لكي تشكروا إنعام الله عليكم.

36ـ " والبدن " جمع بدنة كخشب وخشبة ، وأصله الضم وقد قرئ به وإنما سميت بها الإبل لعظم بدنها مأخوذة من بدن بدانة ، ولا يلزم من مشاركة البقرة لها في أجزائها عن سبعة " بقوله عليه الصلاة والسلام البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة " تناول اسم البدنة لها شرعاً . بل الحديث يمنع ذلك وانتصابه بفعل يفسره . " جعلناها لكم " ومن رفعه جعله مبتدأ . " من شعائر الله " من أعلام دينه التي شرعها الله تعالى . " لكم فيها خير " منافع دينية ودنيوية . " فاذكروا اسم الله عليها " بأن تقولوا عند ذبحها الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر اللهم منك وإليك . " صواف " قائمات قد صففن أيديهن وأرجلهن ، وقرىء (( صوافن )) من صفن الفرس إذ قام على ثلاث . وعلى طرف حافر الرابعة لأن البدنة تعقل إحدى يديها فتقوم على ثلاث ، وقرئ (( صوافنا )) بإبدال التنوين من حرف الإطلاق عند الوقف و (( صوافي )) أي خوالص لوجه الله ، و (( صوافي )) بسكون الياء على لغة من يسكن الياء مطلقاً كقولهم : أعط القوس باريها . " فإذا وجبت جنوبها " سقطت على الأرض وهو كناية عن الموت . " فكلوا منها وأطعموا القانع " الراضي بما عنده وبما يعطى من غير مسألة ويؤيده قراءة (( القنع )) ، أو السائل من قنعت إليه قنوعاً إذا خضعت له في السؤال . " والمعتر " والمعترض بالسؤال ، وقرى ء (( والمعتري )) يقال عره وعراه واعتره واعتراه . " كذلك " مثل ما وصفنا من نحرها قياماً . " سخرناها لكم " مع عظمهما وقوتها حتى تأخذوها منقادة فتعقلوها وتحبسوها صافة قوائمها ثم تطعنون في لباتها . " لعلكم تشكرون " إنعامنا عليكم بالتقرب والإخلاص .
36. And the camels! We have appointed them among the ceremonies of Allah. Therein ye have much good. So mention the name of Allah over them when they are drawn up in lines. Then when their flanks fall (dead), eat thereof and feed the beggar and the suppliant. Thus have We made them subject unto you, that haply ye may give thanks.
36 - The sacrificial camels We have made for you As among the Symbols from God: in them is (much) Good for you: then pronounce The name of God over them As they are down On their sides (after slaughter), Eat ye thereof, and feed Such as (beg not but) Live in contentment, And such as beg With due humility: thus have We made animals subject To you, that ye May be grateful.