[الحج : 2] يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ
2 - (يوم ترونها تذهل) بسببها (كل مرضعة) بالفعل (عما أرضعت) أي تنساه (وتضع كل ذات حمل) أي حبلى (حملها وترى الناس سكارى) من شدة الخوف (وما هم بسكارى) من الشراب (ولكن عذاب الله شديد) فهم يخافونه
القول في تأويل قوله تعالى : " يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد " .
قوله تعالى: " يوم ترونها " الهاء في " ترونها " عائدة عند الجمهور على الزلزلة، ويقوي هذه قوله عز وجل: " تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها ". والرضاع والحمل إنما هو في الدنيا. وقالت فرقة: الزلزلة في يوم القيامة، واحتجوا بحديث عمران بن حصين الذي ذكرناه، وفيه: " أتدرون أي يوم ذلك... " الحديث. وهو الذي يقتضيه سياق مسلم في حديث أبي سعيد الخدري.
قوله: " تذهل " أي تشتغل، قاله قطرب. وأنشد:
ضرباً يزيل الهام عن مقيله ويذهب الخليل عن خليله
وقيل: تنسى. وقيل تلهو. وقيل تسلو، والمعنى متقارب. " عما أرضعت " قال المبرد: " ما " بمعنى المصدر، أي تذهل عن الإرضاع. قال: وهذا يدل على أن هذه الزلزلة في الدنيا، إذ ليس بعد البعث حمل وإرضاع. إلا أن يقال: من ماتت حاملاً تبعث حاملاً فتضع حملها من هول ومن ماتت مرضعة بعثت كذلك. ويقال: هذا كما قال الله عز وجل: " يوما يجعل الولدان شيبا " [المزمل: 17]. وقيل: تكون مع النفخة الأولى. وقيل: تكون مع قيام الساعة، حتى يتحرك الناس من قبورهم في النفخة الثانية. ويحتمل أن تكون الزلزلة في الآية عبارةً عن أهوال يوم القيامة، كما قال تعالى: " مستهم البأساء والضراء وزلزلوا " [البقرة: 214] وكما قال عليه السلام:
"اللهم اهزمهم وزلزلهم ". وفائدة ذكر هول ذلك اليوم التحريض على التأهب له والاستعداد بالعمل الصالح. وتسمية الزلزلة بـ" شيء " إما لأنها حاصلة متيقن وقوعها، فيستسهل لذلك أن تسمى شيئاً وهي معدومة، إذ اليقين يشبه الموجودات. وإما على المآل، أي هي إذا وقعت شيء عظيم. وكأنه لم يطلق الاسم الآن، بل المعنى أنها إذا كانت فهي إذاً شيء عظيم، ولذلك تذهل المراضع وتسكر الناس، كما قال: " وترى الناس سكارى " أي من هولها ومما يدركهم من الخوف والفزع. " وما هم بسكارى " من الخمر. وقال أهل المعاني: وترى الناس كأنهم سكارى. يدل عليه قراءة أبي زرعة هرم بن عمرو بن جرير بن عبد الله " وترى الناس " بضم التاء، أي تظن ويخيل إليك. وقرأ حمزة و الكسائي سكرى بغير ألف. الباقون " سكارى " وهما لغتان لجمع سكران، مثل كسلى وكسالى. والزلزلة: التحريك العنيف. والذهول: الغفلة عن الشيء بطروء ما يشغل عنه من هم أو وجع أو غيره. قال ابن زيد: المعنى تترك ولدها للكرب الذي نزل بها.
يقول تعالى آمراً عباده بتقواه ومخبراً لهم بما يستقبلون من أهوال يوم القيامة وزلازلها وأحوالها, وقد اختلف المفسرون في زلزلة الساعة: هل هي بعد قيام الناس من قبورهم يوم نشورهم إلى عرصات القيامة, أو ذلك عبارةعن زلزلة الأرض قبل قيام الناس من أجداثهم ؟ كما قال تعالى: " إذا زلزلت الأرض زلزالها * وأخرجت الأرض أثقالها " وقال تعالى: " وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة * فيومئذ وقعت الواقعة " الاية, وقال تعالى: " إذا رجت الأرض رجا * وبست الجبال بسا " الاية, فقال قائلون: هذه الزلزلة كائنة في آخر عمر الدنيا وأول أحوال الساعة. وقال ابن جرير : حدثنا ابن بشار , حدثنا يحيى , حدثنا سفيان عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة في قوله: "إن زلزلة الساعة شيء عظيم" قال: قبل الساعة, ورواه ابن أبي حاتم من حديث الثوري عن منصور والأعمش عن إبراهيم عن علقمة فذكره, قال: وروي عن الشعبي وإبراهيم وعبيد بن عمير نحو ذلك. وقال أبو كدينة عن عطاء بن عامر الشعبي " يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم " قال: هذا في الدنيا قبل يوم القيامة. وقد أورد الإمام أبو جعفر بن جرير مستند من قال ذلك في حديث الصور من رواية إسماعيل بن رافع قاضي أهل المدينة عن يزيد بن أبي زياد , عن رجل من الأنصار عن محمد بن كعب القرظي , عن رجل عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله لما فرغ من خلق السموات والأرض خلق الصور فأعطاه إسرافيل, فهو واضعه على فيه شاخص ببصره إلى العرش ينتظر متى يؤمر" قال أبو هريرة : يا رسول الله وما الصور ؟ قال: قرن. قال: فكيف هو ؟ قال: "قرن عظيم ينفخ فيه ثلاث نفخات: الأولى نفخة الفزع, والثانية نفخة الصعق, والثالثة نفخة القيام لرب العالمين, يأمر الله إسرافيل بالنفخة الأولى. فيقول: انفخ نفخة الفزع, فيفزع أهل السموات وأهل الأرض إلا من شاء الله, ويأمره فيمدها ويطولها ولا يفتر, وهي التي يقول الله تعالى: " وما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة ما لها من فواق " فيستر الجبال فتكون سراباً, وترج الأرض بأهلها رجاً, وهي التي يقول الله تعالى: " يوم ترجف الراجفة * تتبعها الرادفة * قلوب يومئذ واجفة " فتكون الأرض كالسفينة الموبقة في البحر تضربها الأمواج تكفؤها بأهلها, وكالقنديل المعلق بالعرش ترجحه الأرواح فيمتد الناس على ظهرها, فتذهل المراضع وتضع الحوامل, ويشيب الولدان, وتطير الشياطين هاربة حتى تأتي الأقطار فتلقاها الملائكة فتضرب في وجوهها فترجع, ويولي الناس مدبرين ينادي بعضهم بعضاً, وهي التي يقول الله تعالى: " يوم التناد * يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم ومن يضلل الله فما له من هاد " فبينما هم على ذلك إذ انصدعت الأرض من قطر إلى قطر, ورأوا أمراً عظيماً, فأخذهم لذلك من الكرب ما الله أعلم به. ثم نظروا إلى السماء فإذا هي كالمهل, ثم خسف شمسها وقمرها, وانتثرت نجومها ثم كشطت عنهم ـ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والأموات لا يعلمون بشيء من ذلك" قال أبو هريرة : فمن استثنى الله حين يقول "ففزع من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله" قال "أولئك الشهداء, وإنما يصل الفزع إلى الأحياء, أولئك أحياء عند ربهم يرزقون, وقاهم الله شر ذلك اليوم وآمنهم, وهو عذاب الله يبعثه على شرار خلقه, وهو الذي يقول الله: " يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم * يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد "" وهذا الحديث قد رواه الطبراني وابن جرير وابن أبي حاتم وغير واحد مطولاً جداً, والغرض منه أنه دل على أن هذه الزلزلة كائنة قبل يوم الساعة أضيفت إلى الساعة لقربها منها, كما يقال أشراط الساعة ونحو ذلك, والله أعلم, وقال آخرون بل ذلك هول وفزع وزلزال وبلبال كائن يوم القيامة في العرصات بعد القيام من القبور, واختار ذلك ابن جرير , واحتجوا بأحاديث:
(الأول) قال الإمام أحمد : حدثنا يحيى عن هشام , حدثنا قتادة عن الحسن عن عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو في بعض أسفاره, وقد تفاوت بين أصحابه السير رفع بهاتين الايتين صوته. " يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم * يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد " فلما سمع أصحابه بذلك حثوا المطي, وعرفوا أنه عند قول يقوله, فلما دنوا حوله قال: "أتدرون أي يوم ذاك, ذاك يوم ينادى آدم عليه السلام فيناديه ربه عز وجل, فيقول: يا آدم ابعث بعثك إلى النار, فيقول: يا رب وما بعث النار ؟ فيقول من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون في النار وواحد في الجنة قال: فأبلس أصحابه حتى ما أوضحوا بضاحكة, فلما رأى ذلك قال: أبشروا واعملوا, فو الذي نفس محمد بيده إنكم لمع خليقتين ما كانتا مع شيء قط إلا كثرتاه يأجوج ومأجوج, ومن هلك من بني آدم وبني إبليس قال: فسري عنهم, ثم قال: اعملوا وأبشروا, فوالذي نفس محمد بيده ما أنتم في الناس إلا كالشامة في جنب البعير أو الرقمة في ذراع الدابة" وهكذا رواه الترمذي والنسائي في كتاب التفسير من سننيهما عن محمد بن بشار عن يحيى وهو القطان , عن هشام وهو الدستوائي عن قتادة به بنحوه, وقال الترمذي : حسن صحيح.
(طريق آخر) لهذا الحديث. قال الترمذي : حدثنا ابن أبي عمر , حدثنا سفيان بن عيينة , حدثنا ابن جدعان عن الحسن عن عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لما نزلت: " يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم * يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد " قال: نزلت عليه هذه الاية وهو في سفر, فقال: "أتدرون أي يوم ذلك ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال ـ ذلك يوم يقول الله لادم: ابعث بعث النار, قال: يا رب وما بعث النار ؟ قال: تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار وواحد إلى الجنة فأنشأ المسلمون يبكون, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قاربوا وسددوا, فإنها لم تكن نبوة قط إلا كان بين يديها جاهلية, قال: فيؤخذ العدد من الجاهلية, فإن تمت, وإلا كملت من المنافقين, وما مثلكم ومثل الأمم الا كمثل الرقمة في ذراع الدابة أو كالشامة في جنب البعير ثم قال: إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة ـ فكبروا ثم قال :إني لأرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة ـ فكبروا ثم قال ـ: إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة فكبروا ثم قال: ولا أدري قال الثلثين أم لا ", وكذا رواه الإمام أحمد عن سفيان بن عيينة به. ثم قال الترمذي أيضاً: هذا حديث حسن صحيح. وقد روي عن سعيد بن أبي عروبة عن الحسن عن عمران بن الحصين وقد رواه ابن أبي حاتم من حديث سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن والعلاء بن زياد العدوي عن عمران بن الحصين فذكره, وهكذا روى ابن جرير عن بندار عن غندر عن عوف عن الحسن قال: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قفل من غزوة العسرة ومعه أصحابه بعد ما شارف المدينة قرأ "يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم" وذكر الحديث فذكر نحو سياق ابن جدعان , والله أعلم.
(الحديث الثاني) قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا ابن الطباع , حدثنا أبو سفيان المعمري , عن معمر عن قتادة عن أنس قال: نزلت "إن زلزلة الساعة شيء عظيم" وذكر, يعني نحو سياق الحسن عن عمران غير أنه قال: ومن هلك من كثرة الجن والإنس. ورواه ابن جرير بطوله من حديث معمر .
(الحديث الثالث) قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا سعيد بن سلمان حدثنا عباد يعني ابن العوام , حدثنا هلال بن خباب عن عكرمة عن ابن عباس قال: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الاية فذكر نحوه, وقال فيه "إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة ـ ثم قال ـ إني لأرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة ـ ثم قال ـ إني لأرجو أن تكونوا شطر أهل الجنة ففرحوا " , وزاد أيضاً "وإنما أنتم جزء من ألف جزء".
(الحديث الرابع) قال البخاري عند تفسير هذه الاية: حدثنا عمر بن حفص , حدثنا أبي , حدثنا الأعمش , حدثنا أبو صالح عن أبي سعيد قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يقول الله تعالى يوم القيامة: يا آدم, فيقول: لبيك ربنا وسعديك, فينادي بصوت: إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثاً إلى النار, قال: يا رب وما بعث النار ؟ قال: من كل ألف ـ أراه قال ـ تسعمائة وتسعة وتسعون, فحينئذ تضع الحامل حملها ويشيب الوليد "وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد" فشق ذلك على الناس حتى تغيرت وجوههم. قال النبي صلى الله عليه وسلم من يأجوج ومأجوج تسعمائة وتسعة وتسعون ومنكم واحد, أنتم في الناس كالشعرة السوداء في جنب الثور الأبيض, أو كالشعرة البيضاء في جنب الثور الأسود, وإني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة ـ فكبرنا ثم قال ـ ثلث أهل الجنة ـ فكبرنا ثم قال ـ شطر أهل الجنة" فبكرنا, وقد وراه البخاري أيضاً في غير هذا الموضع, و مسلم والنسائي في تفسيره من طرق عن الأعمش به.
(الحديث الخامس) قال الإمام أحمد : حدثنا عمارة بن محمد ابن أخت سفيان الثوري وعبيدة المعني , كلاهما عن إبراهيم بن مسلم عن أبي الأحوص عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يبعث يوم القيامة منادياً ينادي: يا آدم إن الله يأمرك أن تبعث بعثاً من ذريتك إلى النار, فيقول آدم: يا رب من هم ؟ فيقال له: من كل مائة تسعة وتسعون فقال رجل من القوم: من هذا الناجي منا بعد هذا يا رسول الله ؟ قال: هل تدرون ما أنتم في الناس إلا كالشامة في صدر البعير" انفرد بهذا السند وهذا السياق الإمام أحمد .
(الحديث السادس) قال الإمام أحمد : حدثنا يحيى عن حاتم بن أبي صفيرة , حدثنا ابن أبي مليكة أن القاسم بن محمد أخبره عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنكم تحشرون إلى الله يوم القيامة حفاة عراة غرلاً قالت عائشة: يا رسول لله الرجال والنساء ينظر بعضهم إلى بعض, قال يا عائشة إن الأمر أشد من أن يهمهم ذاك أخرجاه في الصحيحين .
(الحديث السابع) قال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن إسحاق , حدثنا ابن لهيعة عن خالد بن أبي عمران عن القاسم بن محمد عن عائشة قالت:" قلت يا رسول الله, هل يذكر الحبيب حبيبه, يوم القيامة ؟ قال: يا عائشة أما عند ثلاث فلا, أما عند الميزان حتى يثقل أو يخف فلا, وأما عند تطاير الكتب إما يعطى بيمينه وإما يعطى بشماله فلا, وحين يخرج عنق من النار فينطوي عليهم ويتغيظ عليهم ويقول ذلك العنق: وكلت بثلاثة, وكلت بثلاثة, وكلت بثلاثة, وكلت بمن ادعى مع الله إلهاً آخر, ووكلت بمن لا يؤمن بيوم الحساب, ووكلت بكل جبار عنيد ـ قال ـ فينطوي عليهم. ويرميهم في غمرات جهنم, ولجهنم جسر أرق من الشعر وأحد من السيف, عليه كلاليب وحسك يأخذن من شاء الله, والناس عليه كالبرق وكالطرف وكالريح وكأجاويد الخيل والركاب, والملائكة يقولون: رب سلم, سلم. فناج مسلم, ومخدوش مسلم, مكور في النار على وجهه".
والأحاديث في أهوال يوم القيامة والاثار كثيرة جداً لها موضع آخر, ولهذا قال تعالى: "إن زلزلة الساعة شيء عظيم" أي أمر عظيم, وخطب جليل, وطارق مفظع, وحادث هائل, وكائن عجيب, والزلزال هو ما يحصل للنفوس من الرعب والفزع, كما قال تعالى: "هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديداً" ثم قال تعال: "يوم ترونها" هذا من باب ضمير الشأن, ولهذا قال مفسراً له: "تذهل كل مرضعة عما أرضعت" أي فتشتغل لهول ما ترى عن أحب الناس إليها, والتي هي أشفق الناس عليه تدهش عنه في حال إرضاعها له, ولهذا قال: "كل مرضعة" ولم يقل مرضع, وقال: "عما أرضعت" أي عن رضيعها قبل فطامه. وقوله: "وتضع كل ذات حمل حملها" أي قبل تمامه لشدة الهول "وترى الناس سكارى" وقرىء " سكارى " أي من شدة الأمر الذي قد صاروا فيه قد دهشت عقولهم, وغابت أذهانهم, فمن رآهم حسب أنهم سكارى "وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد".
2- "يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت" انتصاب الظرف بما بعده، والضمير يرجع إلى الزلزلة: أي وقت رؤيتكم لها تذهل كل ذات رضاع عن رضيعها وتغفل عنه. قال قطرب: تذهل تشتغل، وأنشد قول الشاعر:
ضرب يزيل الهام عن مقيله ويذهل الخليل عن خليله
وقيل تنسى، وقيل تلهو، وقيل تسلو، وهذه معانيها متقاربة. قال المبرد: إن ما فيما أرضعت بمعنى المصدر: أي تذهل عن الإرضاع، قال: وهذا يدل على أن هذه الزلزلة في الدنيا، إذ ليس بعد القيامة حمل وإرضاع، إلا أن يقال: من ماتت حاملاً فتضع حملها للهول، ومن ماتت مرضعة بعثت كذلك، ويقال هذا مثل كما يقال: "يوماً يجعل الولدان شيباً" وقيل يكون من النفخة الأولى، قال: ويحتمل أن تكون الساعة عبارة عن أهوال يوم القيامة، كما في قوله "مستهم البأساء والضراء وزلزلوا" ومعنى "وتضع كل ذات حمل حملها" أنها تلقي جنينها لغير تمام من شدة الهول، كما أن المرضعة تترك ولدها بغير رضاع لذلك "وترى الناس سكارى" قرأ الجمهور بفتح التاء والراء خطاب لكل واحد: أي يراهم الرائي كأنهم سكارى "وما هم بسكارى" حقيقة، قرأ حمزة والكسائي " سكارى " بغير ألف، وقرأ الباقون بإثباتها وهما لغتان يجمع بهما سكران، مثل كسلى وكسالى، ولما نفى سبحانه عنهم السكر أوضح السبب الذي لأجله شابهوا السكارى فقال: "ولكن عذاب الله شديد" فبسبب هذه الشدة والهول العظيم طاشت عقولهم، واضطربت أفهامهم فصاروا كالسكارى، بجامع سلب كمال التمييز وصحة الإدراك وقرئ وترى بضم التاء وفتح الراء مسنداً إلى المخاطب من أرأيتك: أي تظنهم سكارى. قال الفراء ولهذه القراءة وجه جيد في العربية.
2. " يوم ترونها "، يعني الساعة، وقيل: الزلزلة، " تذهل " قال ابن عباس: تشغل، وقيل: تنسى، يقال: ذهلت عن كذا أي تركته واشتغلت بغيره. " كل مرضعة عما أرضعت "، أي: كل امرأة معها ولد ترضعه، يقال: امرأة مرضع، بلا هاء، إذا أريد به الصفة، مثل حائض وحامل، فإذا أرادوا الفعل أدخلوا الهاء. " وتضع كل ذات حمل حملها "، أي: تسقط ولدها من هول ذلك اليوم.
قال الحسن : تذهل المرضعة عن ولدها بغير فطام وتضع الحامل ما في بطنها بغير تمام، وهذا يدل على أن هذه الزلزلة تكون في الدنيا لأن بعد البعث لا يكون حمل.
ومن قال: تكون في القيامة، قال هذا على وجه تعظيم الأمر لا على حقيقته، كقولهم: أصابنا أمر يشيب فيه الوليد، يريد شدته.
" وترى الناس سكارى وما هم بسكارى "، قرأ حمزة و الكسائي : ((سكرى وما هم بسكرى)) بلا ألف وهما لغتان في جمع السكران، مثل كسلى وكسالى.
قال الحسن : معناه: وترى الناس سكارى من الخوف، وما هم بسكارى من الشراب.
وقيل: معناه: وترى الناس كأنهم سكارى، " ولكن عذاب الله شديد ".
أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي ، أخبرنا أبو طاهر محمد بن محمش الزيادي ، أخبرنا أبو بكر محمد بن عمر بن حفص التاجر ، أخبرنا إبراهيم بن عبد الله بن عمر بن بكير الكزفي العبسي ، أخبرنا وكيع عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يقول الله عز وجل يوم القيامة: يا آدم قم فابعث بعث النار، قال فيقول: لبيك وسعديك والخير كله في يديك، يارب وما بعث النار؟ قال فيقول: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين، قال: فحينئذ يشيب المولود، وتضع كل ذات حمل حملها وترى [الناس] سكارى وماهم بسكارى ولكن عذاب الله شديد، قال: فيقولون: وأينا ذلك الواحد؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تسعمائة وتسعة وتسعون من يأجوج ومأجوج ومنكم واحد ، فقال الناس: الله أكبر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والله إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة، والله إني لأرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة، والله إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة ، قال فكبر الناس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:ما أنتم يومئذ في الناس إلا كالشعرة البيضاء في الثور الأسود، أو الشعرة السوداء في الثور الأبيض ".
وروي عن عمران بن حصين، وأبي سعيد الخدري، وغيرهما: أن هاتين الآيتين نزلتا في غزوة بني المصطلق ليلاً فنادى [منادي] رسول الله صلى الله عليه وسلم فحثوا المطي حتى كانوا حول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقرأها عليهم فلم ير أكثر باكياً من تلك الليلة، فلما أصبحوا لم يحطوا السروج عن الدواب، ولم يضربوا الخيام ولم يطبخوا قدراً، والناس ما بين باك أو جالس حزين متفكر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أتدرون أي يوم ذلك؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ذلك يوم يقول الله عز وجل لآدم قم فابعث بعث النار من ولدك، فيقول آدم: من كل كم؟ فيقول الله عز وجل: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين إلى النار وواحد في الجنة ، قال: فكبر ذلك على المسلمين وبكوا وقالوا: فمن ينجو إذاً يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:أبشروا وسددوا وقاربوا فإن معكم خليقتين ما كانتا في قوم إلا كثرتاه: يأجوج ومأجوج ، ثم قال: إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة، فكبروا وحمدوا الله، ثم قال: إني لأرجو أن تكونوا ثلثي أهل الجنة وإن أهل الجنة مائة وعشرون صفاً، ثمانون منها أمتي، وما المسلمون في الكفار إلا كالشامة في جنب البعير أو كالرقمة في ذراع الدابة، بل
كالشعرة السوداء في الثور الأبيض أو كالشعرة البيضاء في الثور الأسود . ثم قال: ويدخل من أمتي سبعون ألفاً الجنة بغير حساب ، فقال عمر: سبعون ألفاً؟ قال: نعم ومع كل واحد سبعون ألفاً ، فقام عكاشة بن محصن فقال: يارسول الله ادع الله أن يجعلني منهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنت منهم، فقام رجل من الأنصار فقال: ادع الله أن يجعلني منهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سبقك بها عكاشة ".
2ـ " يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت " تصوير لهولها والضمير للـ " زلزلة " ، و " يوم " منصوب بـ " تذهل " ، وقرئ " تذهل " مجهولاً ومعروفاً أي تذهلها الزلزلة ، والذهول الذهاب عن الأمر بدهشة ، والمقصود الدلالة على أن هولها بحيث إذا دهشت التي ألقمت الرضيع ثديها نزعنه من فيه وذهلت عنه ، و " ما " موصولة أو مصدرية . " وتضع كل ذات حمل حملها " جنينها . " وترى الناس سكارى " كأنهم سكارى . " وما هم بسكارى " على الحقيقة . " ولكن عذاب الله شديد " فأرهقهم هوله بحيث طير عقولهم وأذهب تمييزهم ، وقرئ " ترى " من أريتك قائماً أو رؤيت قائماً بنصب الناس ورفعه على أنه نائب مناب الفاعل ، وتأنيثه على تأويل الجماعة وإفراده بعد جمعه لأن الزلزلة يراها الجميع ، وأثر السكر إنما يراه كل أحد على غيره وقرأ حمزة و الكسائي (( سكرى )) كعطش إجراء للسكر مجرى العلل .
2. On the day when ye behold it, every nursing mother will forget her nursling and every pregnant one will be delivered of her burden, and thou (Muhammad) wilt see mankind a drunken, yet they will not be drunken, but the Doom of Allah will be strong (upon them).
2 - The day ye shall see it, every mother giving suck shall forget her suckling babe, and every pregnant female shall drop her load (unformed): thou shalt see mankind as in a drunken riot, yet not drunk: but dreadful will be the wrath of God.