[الحج : 1] يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ
1 - (يا أيها الناس) أي أهل مكة وغيرهم (اتقوا ربكم) أي عقابه بأن تطيعوه (إن زلزلة الساعة) أي الحركة الشديدة للأرض التي يكون بعدها طلوع الشمس من مغربها الذي هو قرب الساعة (شيء عظيم) في إزعاج الناس الذي هو نوع من العقاب
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : يا أيها الناس احذروا عقاب ربكم بطاعته ، فأطيعوه ، ولا تعصوه ، فإن عقابه لمن عاقبه يوم القيامة شديد ، ثم وصف جل ثناؤه هول أشراط ذلك اليوم وبدوه فقال " إن زلزلة الساعة شيء عظيم " .
واختلف أهل العلم وفي وقت كون الزلزلة التي وصفها جل ثناؤه بالشدة ، فقال بعضهم : هي كائنة في الدنيا قبل يوم القيامة .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا يحيى ، قال : ثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، في قوله " إن زلزلة الساعة شيء عظيم " قال : قبل الساعة .
حدثني سليمان بن عبد الجبار ، قال : ثنا محمد بن الصلت ، قال : ثنا أبو كدينة ، عن عطاء ، عن عامر " يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم " قال : هذا في الدنيا قبل يوم القيامة .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا حجاج ، عن ابن جريج ، في قوله " إن زلزلة الساعة " فقال : زلزلتها : أشراطها ... الآيات " يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى " .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن عطاء ، عن عامر " يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم " قال : هذا في الدنيا من آيات الساعة .
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحو ما قال هؤلاء خبر في إسناده نظر وذلك ما :
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي ، عن إسماعيل بن رافع المدني ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن رجل من الأنصار ، عن محمد بن كعب القرظي ، عن رجل من الأنصار ، " عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لما فرغ الله من خلق السماوات والأرض ، خلق الصور ، فأعطاه إسرافيل ، فهو واضعه على فيه ، شاخص ببصره إلى العرش ، ينتظر متى يؤمر .
قال أبو هريرة : يا رسول الله ، وما الصور ؟ قال : قرن ، قال : وكيف هو ؟ قال : قرن عظيم ينفخ فيه ثلاث نفخات : الأولى : نفخة الفزع ، والثانية : نفخة الصعق ، والثالثة : نفخة القيام لرب العالمين يأمر الله عز وجل إسرافيل بالنفخة الأولى ، فيقول : انفخ نفخة الفزع ، فيفزع أهل السماوات والأرض إلا من شاء الله ، ويأمره اله فيديمها ويطولها ، فلا يفتر ، وهي التي يقول الله " ما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة ما لها من فواق " ص : 15 ، فيسير الله الجبال ، فتكون سرابا ، وترج الأرض بأهلها رجا ، وهي التي يقول الله " يوم ترجف الراجفة * تتبعها الرادفة * قلوب يومئذ واجفة " النازعات : 6-8 فتكون الأرض كالسفينة الموبقة في البحر ، تضربها الأمواج ، تكفأ بأهلها ، أو كالقنديل المعلق بالعرش ترجحه الأرواح ، فتميد الناس على ظهرها ، فتذهل المراضع ، وتضع الحوامل ، وتشيب الولدان ، وتطير الشياطين هاربة حتى تأتي الأقطار ، فتلقاها الملائكة ، فتضرب وجوهها ، فترجع ، ويولي الناس مدبرين ، ينادي بعضهم بعضا ، وهو الذي يقول " يوم التناد * يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم ومن يضلل الله فما له من هاد" غافر 32-33 فينما هم على ذلك ، إذ تصدعت الأرض من قطر إلى قطر ، فرأوا أمرا عظيما وأخذهم لذلك من الكرب ما الله أعلم به ، ثم نظروا إلى السماء ، فإذا هي كالمهل ، ثم خسف شمسها وخسف قمرها ، وانتثرت نجومها ، ثم كشطت عنهم . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : والأموات لا يعلمون بشيء من ذلك . فقال أبو هريرة : فمن استثنى الله حين يقول : " ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله " النمل : 87 قال : أولئك الشهداء ، وإنما يصل الفزع إلى الأحياء ، أولئك أحياء عند ربهم يرزقون ، وقاهم الله فزع ذلك اليوم وآمنهم ، هو عذاب الله يبعثه على شرار خلقه ، وهو الذي يقول " يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم " . ... إلى قوله " ولكن عذاب الله شديد " " .
وهذا القول الذي ذكرناه عن علقمة و الشعبي ومن ذكرنا ذلك عنه ، قول لولا مجيء الصحاح من الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بخلافه ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم يمعاني وحي الله وتنزيله .
والصواب من القول في ذلك : ما صح به الخبر عنه .
ذكر الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما ذكرنا .
حدثني أحمد بن المقدام ،قال : ثنا المعتمر بن سليمان ، قال : سمعت أبي يحدث عن قتادة ، عن صاحب له حدثه ، عن عمران بن حصين ، قال : " بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض مغازيه ، وقد فاوت السير بأصحابه ، إذا نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الآية " يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم " قال : فحثوا المطي ، حتى كانوا حول رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال هل تدرون أي يوم ذلك ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : ذلك يوم ينادي آدم ، يناديه ربه : ابعث بعث النار ، من كل ألف تسع مئة وتسعة وتسعين إلى النار قال : فأبلس القوم ، فما وضح منهم ضاحك ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ألا اعملوا وأبشروا ، فإن معكم خليقتين ما كانتا في قوم إلا كثرتاه ، فمن هلك من بني آدم ، ومن هلك من بني أبليس ويأجوج ومأجوج ، قال : أبشروا ، ما أنتم في الناس إلا كالشامة في جنب البعير ، أو كالرقمة في جناح الدابة " .
حدثنا محمد بن بشار ، قال : ثنا يحيى بن سعيد ، قال : ثنا هشام بن أبي عبدالله ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن عمران بن حصين ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا معاذ بن هشام ، قال : ثنا ابي ، وحدثنا ابن أبي عدي ، عن هشام جميعا ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا محمد بن بشر ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن العلاء بن زياد عن عمران ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بنحوه .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثنا عوف ، عن الحسن ، قال : " بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فقل عن عزوة العسرة ، ومعه أصحابه ، بعد ما شارف المدينة ، قرأ " يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم * يوم ترونها " .. الآية ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أتدرون أي يوم ذاكم ؟ قيل : الله ورسوله أعلم "، فذكر نحوه ، إلا أنه زاد : " وإنه لم يكن رسولان إلا كان بينهما فترة من الجاهلية ، فهم أهل النار ، وإنكم بين ظهراني خليقتين لا يعادهما أحد من أهل الأرض غلا كثروهم ، وهم يأجوج ومأجوج ، وهم أهل النار ، وتكمل العدة من المنافقين " .
حدثني يحيى بن إبراهيم المسعودي ، قال : ثنا ابي ، عن ابيه ، عن جده ، عن الأعمش ، عن أبي صالح عن أبي سعيد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يقال لآدم : أخرج بعث النار ، قال : فيقول : وما بعث النار ؟ فيقول : من كل ألف تسع مئة وتسعة وتسعين ، فعند ذلك يشيب الصغير ، وتضع الحامل حملها ، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد ، قال : قلنا فأين الناجي يا رسول الله قال : أبشروا : فإن واحدا منكم وألفا من يأجوج ومأجوج ثم قال : إني لأطمع أن تكونوا ربع أهل الجنة فكبرنا وحمدنا الله ، ثم قال إني لأطمع أن تكونوا ثلث أهل الجنة ، فكبرنا وحمدنا الله ، ثم قال : إني لأطمع أن تكونوا نصف أهل الجنة ، إنما مثلكم في الناس كمثل الشعرة البيضاء في الثور الأسود ، أو كمثل الشعرة السوداء في الثور الأبيض ".
حدثنا أبو السائب ، قال : ثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يقول الله لآدم يوم القيامة " ثم ذكر نحوه .
حدثني عيسى بن عثمان بن عيسى الرملي ، قال : ثنا يحيى بن عيسى ، عن الأعمش عن أبي صالح ، عن أبي سعيد ، قال : " ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الحشر ، قال : يقول الله يوم القيامة : يا آدم فيقول : لبيك وسعديك ، والخير بيديك ، فيقول : ابعث بعثا إلى النار " ثم ذكر نحوه .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ،" عن أنس قال : نزلت " يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم " ... حتى إلى " عذاب الله شديد " ... الآية على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في مسير ، فرجع بها صوته ، حتى ثاب إليه أصحابه ، فقال : أتدرون أي يوم هذا ؟ هذا يوم يقول الله لآدم : يا آدم قم فابعث بعث النار ، من كل ألف تسع مئة وتسعة وتسعين ، فكبر ذلك على المسلمين ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : سدوا وقاربوا وأبشروا ، فوالذي نفسي بيده ما أنتم في الناس إلا كالشامة في جنب البعير ، أو كالرقمة في ذراع الدابة ، وإن معكم لخليقتين ما كانتا في شيء قط إلا كثرتاه : يأجوج ومأجوج ومن هلك من كفرة الجن والإنس " .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن إسحاق ، " عن عمرو بن ميمون، قال : دخلت على ابن مسعود بيت المال ، فقال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة ؟ قلنا نعم ، قال : أترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة ؟ قلنا : نعم . قال : فوالذي نفسي بيده ، إني لأرجو أن تكونوا شطر أهل الجنة ، وسأخبركم عن ذلك ، إنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة ، وإن قلة المسلمين في الكفار يوم القيامة كالشعرة السوداء في الثور الأبيض ، أو كالشعرة البيضاء في الثور الأسود " .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله "إن زلزلة الساعة شيء عظيم " قال : هذا يوم القيامة ، والزلزلة : مصدر من قول القائل : زلزلت بفلان الأرض ، أزلزلها زلزلة وزلزالا ، بكسر الزاي من الزلزال ، كما قال الله : " إذا زلزلت الأرض زلزالها " الزلزلة : 1 وكذلك المصدر من كل سليم من الأفعال إذا جاءت على فغلال ، فبكسر أوله مثل وسوس وسوسة ووسواسا ، فإذا كان اسما كان بفتح أوله الزلزال والوسواس ، وهو ، وهو ما وسوس إلى الإنسان ، كما قال الشاعر :
يعرف الجاهل المضلل أن الد هر فيه النكراء والزلزال
وقوله تعالى : " يوم ترونها " يقول جل ثناؤه : يوم ترون أيها الناس زلزلة الساعة تذهل من عظمها كل مرضعة مولود عما أرضعت ، ويعني بقوله " تذهل " تنسى وتترك من شدة كربها ، يقال : ذهلت عن كذا أذهل عنه ذهولا وذهلت أيضا ، وهي قليلة والفصيح : الفتح في الهاء ، فأما في المستقبل فالهاء مفتوحة في اللغتين ، لم يسمع غير ذلك ، ومنه قول الشاعر :
‌‌‌‌‌صحا قلبه يا عز أو كاد يذهل
فأما إذا أريد أن الهول أنساه وسلاه ، قلت : أذهله هذا الأمر عن كذا يذهله إذهالا . وفي إثبات الهاء في قوله : " كل مرضعة " اختلاف بين أهل العربية . وكان بعض نحويي الكوفيين يقول : إذا أثبتت الهاء في المرضعة فإنما يراد أم الصبي المرضع ، وإذا سقطت ، فإنه يراد المرأة التي معها صبي ترضعه ، انه أريد الفعل بها ، قالوا : ولو أريد بها الصفة فيما يرى لقال مرضع . قال : وكذلك كل مفعل أو فاعل يكون للأنثى ، ولا يكون للذكر ، فهو بغير هاء ، نحو : مقرب ، وموقر ، ومشدن ، وحامل ، وحائض .
قال أبو جعفر : وهذا القول عندي أولى بالصواب في ذلك ، لأن العرب من شأنها إسقاط هاء التأنيث من كل فاعل ومفعل ، إذا وصفوا المؤنث به ، ولو لم يكن للمذكر فيه حظ . فإذا أرادوا الخبر عنها أنها ستفعله ، ولم تفعله ، أثبتوا هاء التأنيث ليفرقوا بين الصفة والفعل ، منه قول الأعشى فيما هو واقع ، ولم يكن وقع قبل :
‌ أيا جارتا بيني فإنك طالقه كذاك أمور الناس غاد وطارقه
وأما فيما هو صفة ، نحو قول امرئ القيس :
فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع فألهيتها عن ذي تمائم محول
وربما أثبتوا الهاء في الحالتين ، وربما أسقطوهما فيهما غير أن الفصيح من كلامهم ما وصفت .
فتأويل الكلام إذن : يوم ترون أيها الناس زلزلة الساعة ، تنسى وتترك كل والدة مولود ترضع ولدها عما أرضعت .
كما حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله " يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت " قال : تترك ولدها للكرب الذي نزل بها .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن أبي بكر ، عن الحسن : " تذهل كل مرضعة عما أرضعت " قال : ذهلت عن أولادها بغير فطام ، " وتضع كل ذات حمل حملها " قال ألقت الحوامل ما في بطونها لغير تمام ، " وتضع كل ذات حمل حملها " : يقول : وتسقط كل حامل من شدة كرب ذلك حملها .
وقوله : " وترى الناس سكارى " قرأت قراء الأمصار " وترى الناس سكارى " على وجه الخطاب للواحد ، كأنه قال : وترى يا محمد الناس حينئذ سكارى ، وما هم بسكارى ، وقد روي عن أبي ززعة بن عمرو بن جرير وترى الناس بضم التاء ونصب الناس ، من قول القائل : أريت ترى ، التي تطلب الاسم والفعل ، كظن وأخواتها .
والصواب من القراءة في ذلك عندنا ، ما عليه قراء الأمصار ، لإجماع الحجة من القراء عليه .
واختلف القراء في قراءة قوله : " سكارى " فقرأ ذلك عامة قراء المدينة والبصرة وبعض أهل الكوفة : " سكارى وما هم بسكارى " وقرأته عامة قراء أهل الكوفة وترى الناس سكرى وما هم بسكرى .
والصواب من القول في ذلك عندنا ، أنهما قراءتان مستفيضتان في قرأة الأمصار ، متقاربتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب الصواب ، ومعنى الكلام : وترى الناس يا محمد من عظيم ما نزل بهم من الكرب وشدته سكارى من الفزع ، وما هم بسكارى من شرب الخمر .
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن أبي بكر ، عن الحسن " وترى الناس سكارى " من الخوف " وما هم بسكارى " من الشراب .
قال ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قوله : " وما هم بسكارى " قال : ما هم بسكارى من الشراب " ولكن عذاب الله شديد " .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله " وترى الناس سكارى وما هم بسكارى "قال : ما شربوا خمرا " ولكن عذاب الله شديد " يقول تعالى ذكره : ولكنهم صاروا سكارى من خوف عذاب الله عند معاينتهم ما عاينوا من كرب ذلك وعظيم هوله ، مع علمهم بشدة عذاب الله .
وهي مكية، سوى ثلاث آيات: قوله تعالى: " هذان خصمان " إلى تمام ثلاث آيات، قاله ابن عباس و مجاهد . وعن ابن عباس أيضاً أنهن أربع آيات، إلى قوله: " عذاب الحريق ". وقال الضحاك وابن عباس أيضاً: هي مدنية - وقاله قتادة - إلا أربع آيات: " وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي " - إلى - " عذاب يوم عقيم " فهن مكيات. وعد النقاش ما نزل بالمدينة عشر آيات. وقال الجمهور: السورة مختلطة، منها مكي ومنها مدني. وهذا هو الأصح، لأن الآيات تقتضي ذلك، لأن " يا أيها الناس " مكي، و " يا أيها الذين آمنوا " مدني. الغزنوي : وهي من أعاجيب السور، نزلت ليلاً ونهاراً، سفراً وحضراً، مكياً ومدنياً، سلمياً وحربياً، ناسخاً ومنسوخاً، محكماً ومتشابهاً، مختلف العدد.
قلت: وجاء في فضلها ما رواه الترمذي و أبو داود و الدارقطني عن " عقبة بن عامر قال قلت:
يا رسول الله فضلت سورة الحج بأن فيها سجدتين؟ قال: نعم، ومن لم يسجدهما فلا يقرأهما " لفظ الترمذي . وقال: هذا حديث حسن ليس إسناده بالقوي.
واختلف أهل العلم في هذا، فروي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وابن عمر أنهما قالا: فضلت سورة الحج بأن فيها سجدتين. وبه يقول ابن مبارك و الشافعي و أحمد و إسحاق . ورأى بعضهم أن فيها سجدة واحدة، وهو قول سفيان الثوري. روى الدارقطني عن عبد الله بن ثعلبة قال: رأيت عمر بن الخطاب سجد في الحج سجدتين، قلت في الصبح؟ قال: في الصبح.
روى الترمذي " عن عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزلت:
" يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم " - إلى قوله: - " ولكن عذاب الله شديد " قال: أنزلت عليه هذه الآية وهو في سفر فقال: أتدرون أي يوم ذلك؟ فقالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ذاك يوم يقول الله لآدم ابعث بعث النار قال: يا رب وما بعث النار قال: تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار وواحد إلى الجنة. فأنشأ المسلمون يبكون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قاربوا وسددوا فإنه لم تكن نبوة قط إلا كان بين يديها جاهلية - قال - فيؤخذ العدد من الجاهلية فإن تمت وإلا كملت من المنافقين وما مثلكم والأمم إلا كمثل الرقمة في ذراع الدابة أو كالشامة في جنب البعير - ثم قال - إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة - فكبروا، ثم قال - إني لأرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة - فكبروا، ثم قال - إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة، فكبروا . قال: لا أدري قال الثلثين أم لا " . قال: هذا حديث حسن صحيح، قد روي من غير وجه عن الحسن عن عمران بن حصين. وفيه: "فيئس القوم حتى ما أبدوا بضاحكة، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اعملوا وأبشروا فوالذي نفسي بيده إنكم لمع خليقتين ما كانتا مع شيء إلا كثرتاه يأجوج ومأجوج ومن مات من بني آدم وبني إبليس، قال: فسري عن القوم بعض الذي يجدون، فقال: اعملوا وأبشروا فوالذي نفس محمد بيده ما أنتم في الناس إلا كالشامة في جنب البعير أو كالرقمة في ذراع الدابة " قال: حديث حسن صحيح. وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" يقول الله تعالى يا آدم فيقول لبيك وسعديك والخير في يديك - قال - يقول: أخرج بعث النار قال: وما بعث النار قال: من كل ألف تسعمائة وتسعةً وتسعين قال: فذاك حين يشيب الصغير وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد. قال: فاشتد ذلك عليهم، قالوا: يا رسول الله، أينا ذلك الرجل؟ فقال: أبشروا فإن من يأجوج ومأجوج ألفاً ومنكم رجل ". وذكر الحديث بنحو ما تقدم في حديث عمران بن حصين. وذكر أبو جعفر النحاس قال: حدثنا أحمد بن محمد بن نافع قال: حدثنا سلمة قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن قتادة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:" " يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم " - إلى - " ولكن عذاب الله شديد " قال:
نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في مسير له، فرفع بها صوته حتى ثاب إليه أصحابه فقال: أتدرون أي يوم هذا؟ هذا يوم يقول الله عز وجل لآدم صلى الله عليه وسلم يا آدم قم فابعث بعث أهل النار من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار وواحد إلى الجنة. فكبر ذلك على المسلمين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: سددوا وقاربوا وأبشروا فوالذي نفسي بيده ما أنتم في الناس إلا كالشامة في جنب البعير أو كالرقمة في ذراع الحمار وإن معكم خليقتين ما كانتا مع شيء إلا كثرتاه يأجوج ومأجوج ومن هلك من كفرة الجن والإنس ".
قوله تعالى: " يا أيها الناس اتقوا ربكم " المراد بهذا النداء المكلفون، أي اخشوه في أوامره أن تتركوها، ونواهيه أن تقدموا عليها. والاتقاء. الاحتراس من المكروه، وقد تقدم في أول ((البقرة)) القول فيه مستوفى، فلا معنى لإعادته. والمعنى احترسوا بطاعته عن عقوبته.
قوله تعالى: " إن زلزلة الساعة شيء عظيم " الزلزلة شدة الحركة، ومنه " وزلزلوا حتى يقول الرسول " [البقرة: 214]. وأصل الكلمة من زل عن الموضع، أي زال عنه وتحرك. وزلزل الله قدمه، أي حركها. وهذه اللفظة تستعمل في تهويل الشيء. وقيل: هي الزلزلة المعروفة التي هي إحدى شرائط الساعة، التي تكون في الدنيا قبل يوم القيامة، هذا قول الجمهور. وقد قيل: إن هذه الزلزلة تكون في النصف من شهر رمضان، ومن بعدها طلوع الشمس من مغربها، فالله أعلم.
سورة الحج
بسم الله الرحمـن الرحيم
يقول تعالى آمراً عباده بتقواه ومخبراً لهم بما يستقبلون من أهوال يوم القيامة وزلازلها وأحوالها, وقد اختلف المفسرون في زلزلة الساعة: هل هي بعد قيام الناس من قبورهم يوم نشورهم إلى عرصات القيامة, أو ذلك عبارةعن زلزلة الأرض قبل قيام الناس من أجداثهم ؟ كما قال تعالى: " إذا زلزلت الأرض زلزالها * وأخرجت الأرض أثقالها " وقال تعالى: " وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة * فيومئذ وقعت الواقعة " الاية, وقال تعالى: " إذا رجت الأرض رجا * وبست الجبال بسا " الاية, فقال قائلون: هذه الزلزلة كائنة في آخر عمر الدنيا وأول أحوال الساعة. وقال ابن جرير : حدثنا ابن بشار , حدثنا يحيى , حدثنا سفيان عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة في قوله: "إن زلزلة الساعة شيء عظيم" قال: قبل الساعة, ورواه ابن أبي حاتم من حديث الثوري عن منصور والأعمش عن إبراهيم عن علقمة فذكره, قال: وروي عن الشعبي وإبراهيم وعبيد بن عمير نحو ذلك. وقال أبو كدينة عن عطاء بن عامر الشعبي " يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم " قال: هذا في الدنيا قبل يوم القيامة. وقد أورد الإمام أبو جعفر بن جرير مستند من قال ذلك في حديث الصور من رواية إسماعيل بن رافع قاضي أهل المدينة عن يزيد بن أبي زياد , عن رجل من الأنصار عن محمد بن كعب القرظي , عن رجل عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله لما فرغ من خلق السموات والأرض خلق الصور فأعطاه إسرافيل, فهو واضعه على فيه شاخص ببصره إلى العرش ينتظر متى يؤمر" قال أبو هريرة : يا رسول الله وما الصور ؟ قال: قرن. قال: فكيف هو ؟ قال: "قرن عظيم ينفخ فيه ثلاث نفخات: الأولى نفخة الفزع, والثانية نفخة الصعق, والثالثة نفخة القيام لرب العالمين, يأمر الله إسرافيل بالنفخة الأولى. فيقول: انفخ نفخة الفزع, فيفزع أهل السموات وأهل الأرض إلا من شاء الله, ويأمره فيمدها ويطولها ولا يفتر, وهي التي يقول الله تعالى: " وما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة ما لها من فواق " فيستر الجبال فتكون سراباً, وترج الأرض بأهلها رجاً, وهي التي يقول الله تعالى: " يوم ترجف الراجفة * تتبعها الرادفة * قلوب يومئذ واجفة " فتكون الأرض كالسفينة الموبقة في البحر تضربها الأمواج تكفؤها بأهلها, وكالقنديل المعلق بالعرش ترجحه الأرواح فيمتد الناس على ظهرها, فتذهل المراضع وتضع الحوامل, ويشيب الولدان, وتطير الشياطين هاربة حتى تأتي الأقطار فتلقاها الملائكة فتضرب في وجوهها فترجع, ويولي الناس مدبرين ينادي بعضهم بعضاً, وهي التي يقول الله تعالى: " يوم التناد * يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم ومن يضلل الله فما له من هاد " فبينما هم على ذلك إذ انصدعت الأرض من قطر إلى قطر, ورأوا أمراً عظيماً, فأخذهم لذلك من الكرب ما الله أعلم به. ثم نظروا إلى السماء فإذا هي كالمهل, ثم خسف شمسها وقمرها, وانتثرت نجومها ثم كشطت عنهم ـ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والأموات لا يعلمون بشيء من ذلك" قال أبو هريرة : فمن استثنى الله حين يقول "ففزع من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله" قال "أولئك الشهداء, وإنما يصل الفزع إلى الأحياء, أولئك أحياء عند ربهم يرزقون, وقاهم الله شر ذلك اليوم وآمنهم, وهو عذاب الله يبعثه على شرار خلقه, وهو الذي يقول الله: " يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم * يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد "" وهذا الحديث قد رواه الطبراني وابن جرير وابن أبي حاتم وغير واحد مطولاً جداً, والغرض منه أنه دل على أن هذه الزلزلة كائنة قبل يوم الساعة أضيفت إلى الساعة لقربها منها, كما يقال أشراط الساعة ونحو ذلك, والله أعلم, وقال آخرون بل ذلك هول وفزع وزلزال وبلبال كائن يوم القيامة في العرصات بعد القيام من القبور, واختار ذلك ابن جرير , واحتجوا بأحاديث:
(الأول) قال الإمام أحمد : حدثنا يحيى عن هشام , حدثنا قتادة عن الحسن عن عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو في بعض أسفاره, وقد تفاوت بين أصحابه السير رفع بهاتين الايتين صوته. " يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم * يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد " فلما سمع أصحابه بذلك حثوا المطي, وعرفوا أنه عند قول يقوله, فلما دنوا حوله قال: "أتدرون أي يوم ذاك, ذاك يوم ينادى آدم عليه السلام فيناديه ربه عز وجل, فيقول: يا آدم ابعث بعثك إلى النار, فيقول: يا رب وما بعث النار ؟ فيقول من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون في النار وواحد في الجنة قال: فأبلس أصحابه حتى ما أوضحوا بضاحكة, فلما رأى ذلك قال: أبشروا واعملوا, فو الذي نفس محمد بيده إنكم لمع خليقتين ما كانتا مع شيء قط إلا كثرتاه يأجوج ومأجوج, ومن هلك من بني آدم وبني إبليس قال: فسري عنهم, ثم قال: اعملوا وأبشروا, فوالذي نفس محمد بيده ما أنتم في الناس إلا كالشامة في جنب البعير أو الرقمة في ذراع الدابة" وهكذا رواه الترمذي والنسائي في كتاب التفسير من سننيهما عن محمد بن بشار عن يحيى وهو القطان , عن هشام وهو الدستوائي عن قتادة به بنحوه, وقال الترمذي : حسن صحيح.
(طريق آخر) لهذا الحديث. قال الترمذي : حدثنا ابن أبي عمر , حدثنا سفيان بن عيينة , حدثنا ابن جدعان عن الحسن عن عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لما نزلت: " يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم * يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد " قال: نزلت عليه هذه الاية وهو في سفر, فقال: "أتدرون أي يوم ذلك ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال ـ ذلك يوم يقول الله لادم: ابعث بعث النار, قال: يا رب وما بعث النار ؟ قال: تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار وواحد إلى الجنة فأنشأ المسلمون يبكون, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قاربوا وسددوا, فإنها لم تكن نبوة قط إلا كان بين يديها جاهلية, قال: فيؤخذ العدد من الجاهلية, فإن تمت, وإلا كملت من المنافقين, وما مثلكم ومثل الأمم الا كمثل الرقمة في ذراع الدابة أو كالشامة في جنب البعير ثم قال: إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة ـ فكبروا ثم قال :إني لأرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة ـ فكبروا ثم قال ـ: إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة فكبروا ثم قال: ولا أدري قال الثلثين أم لا ", وكذا رواه الإمام أحمد عن سفيان بن عيينة به. ثم قال الترمذي أيضاً: هذا حديث حسن صحيح. وقد روي عن سعيد بن أبي عروبة عن الحسن عن عمران بن الحصين وقد رواه ابن أبي حاتم من حديث سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن والعلاء بن زياد العدوي عن عمران بن الحصين فذكره, وهكذا روى ابن جرير عن بندار عن غندر عن عوف عن الحسن قال: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قفل من غزوة العسرة ومعه أصحابه بعد ما شارف المدينة قرأ "يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم" وذكر الحديث فذكر نحو سياق ابن جدعان , والله أعلم.
(الحديث الثاني) قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا ابن الطباع , حدثنا أبو سفيان المعمري , عن معمر عن قتادة عن أنس قال: نزلت "إن زلزلة الساعة شيء عظيم" وذكر, يعني نحو سياق الحسن عن عمران غير أنه قال: ومن هلك من كثرة الجن والإنس. ورواه ابن جرير بطوله من حديث معمر .
(الحديث الثالث) قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا سعيد بن سلمان حدثنا عباد يعني ابن العوام , حدثنا هلال بن خباب عن عكرمة عن ابن عباس قال: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الاية فذكر نحوه, وقال فيه "إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة ـ ثم قال ـ إني لأرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة ـ ثم قال ـ إني لأرجو أن تكونوا شطر أهل الجنة ففرحوا " , وزاد أيضاً "وإنما أنتم جزء من ألف جزء".
(الحديث الرابع) قال البخاري عند تفسير هذه الاية: حدثنا عمر بن حفص , حدثنا أبي , حدثنا الأعمش , حدثنا أبو صالح عن أبي سعيد قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يقول الله تعالى يوم القيامة: يا آدم, فيقول: لبيك ربنا وسعديك, فينادي بصوت: إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثاً إلى النار, قال: يا رب وما بعث النار ؟ قال: من كل ألف ـ أراه قال ـ تسعمائة وتسعة وتسعون, فحينئذ تضع الحامل حملها ويشيب الوليد "وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد" فشق ذلك على الناس حتى تغيرت وجوههم. قال النبي صلى الله عليه وسلم من يأجوج ومأجوج تسعمائة وتسعة وتسعون ومنكم واحد, أنتم في الناس كالشعرة السوداء في جنب الثور الأبيض, أو كالشعرة البيضاء في جنب الثور الأسود, وإني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة ـ فكبرنا ثم قال ـ ثلث أهل الجنة ـ فكبرنا ثم قال ـ شطر أهل الجنة" فبكرنا, وقد وراه البخاري أيضاً في غير هذا الموضع, و مسلم والنسائي في تفسيره من طرق عن الأعمش به.
(الحديث الخامس) قال الإمام أحمد : حدثنا عمارة بن محمد ابن أخت سفيان الثوري وعبيدة المعني , كلاهما عن إبراهيم بن مسلم عن أبي الأحوص عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يبعث يوم القيامة منادياً ينادي: يا آدم إن الله يأمرك أن تبعث بعثاً من ذريتك إلى النار, فيقول آدم: يا رب من هم ؟ فيقال له: من كل مائة تسعة وتسعون فقال رجل من القوم: من هذا الناجي منا بعد هذا يا رسول الله ؟ قال: هل تدرون ما أنتم في الناس إلا كالشامة في صدر البعير" انفرد بهذا السند وهذا السياق الإمام أحمد .
(الحديث السادس) قال الإمام أحمد : حدثنا يحيى عن حاتم بن أبي صفيرة , حدثنا ابن أبي مليكة أن القاسم بن محمد أخبره عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنكم تحشرون إلى الله يوم القيامة حفاة عراة غرلاً قالت عائشة: يا رسول لله الرجال والنساء ينظر بعضهم إلى بعض, قال يا عائشة إن الأمر أشد من أن يهمهم ذاك أخرجاه في الصحيحين .
(الحديث السابع) قال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن إسحاق , حدثنا ابن لهيعة عن خالد بن أبي عمران عن القاسم بن محمد عن عائشة قالت:" قلت يا رسول الله, هل يذكر الحبيب حبيبه, يوم القيامة ؟ قال: يا عائشة أما عند ثلاث فلا, أما عند الميزان حتى يثقل أو يخف فلا, وأما عند تطاير الكتب إما يعطى بيمينه وإما يعطى بشماله فلا, وحين يخرج عنق من النار فينطوي عليهم ويتغيظ عليهم ويقول ذلك العنق: وكلت بثلاثة, وكلت بثلاثة, وكلت بثلاثة, وكلت بمن ادعى مع الله إلهاً آخر, ووكلت بمن لا يؤمن بيوم الحساب, ووكلت بكل جبار عنيد ـ قال ـ فينطوي عليهم. ويرميهم في غمرات جهنم, ولجهنم جسر أرق من الشعر وأحد من السيف, عليه كلاليب وحسك يأخذن من شاء الله, والناس عليه كالبرق وكالطرف وكالريح وكأجاويد الخيل والركاب, والملائكة يقولون: رب سلم, سلم. فناج مسلم, ومخدوش مسلم, مكور في النار على وجهه".
والأحاديث في أهوال يوم القيامة والاثار كثيرة جداً لها موضع آخر, ولهذا قال تعالى: "إن زلزلة الساعة شيء عظيم" أي أمر عظيم, وخطب جليل, وطارق مفظع, وحادث هائل, وكائن عجيب, والزلزال هو ما يحصل للنفوس من الرعب والفزع, كما قال تعالى: "هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديداً" ثم قال تعال: "يوم ترونها" هذا من باب ضمير الشأن, ولهذا قال مفسراً له: "تذهل كل مرضعة عما أرضعت" أي فتشتغل لهول ما ترى عن أحب الناس إليها, والتي هي أشفق الناس عليه تدهش عنه في حال إرضاعها له, ولهذا قال: "كل مرضعة" ولم يقل مرضع, وقال: "عما أرضعت" أي عن رضيعها قبل فطامه. وقوله: "وتضع كل ذات حمل حملها" أي قبل تمامه لشدة الهول "وترى الناس سكارى" وقرىء " سكارى " أي من شدة الأمر الذي قد صاروا فيه قد دهشت عقولهم, وغابت أذهانهم, فمن رآهم حسب أنهم سكارى "وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد".
وهي ثمان وسبعون آية.
اختلف أهل العلم، هل هي مكية أو مدينة؟ فأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: نزلت سورة الحج بالمدينة. وأخرج ابن مردويه عن عبد الله بن الزبير مثله. وأخرج ابن المنذر عن قتادة قال: نزل بالمدينة من القرآن الحج غير أربع آيات مكيات " وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي " إلى "عذاب يوم عقيم" وحكى القرطبي عن ابن عباس أنها مكية سوى ثلاث آيات وقيل أربع آيات إلى قوله "عذاب الحريق". وحكي عن النقاش أنه نزل بالمدينة منها عشر آيات. قال القرطبي وقال الجمهور: إن السورة مختلطة، منها مكي، ومنها مدني. قال: وهذا هو الصحيح. قال العزيزي: وهي من أعاجيب السور نزلت ليلاً ونهاراً، سفراً وحضراً، مكياً ومدنياً، سلمياً وحربياً، ناسخاً ومنسوخاً، محكماً ومتشابهاً. وقد ورد في فضلها ما أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي والحاكم وابن مردويه والبيهقي في سننه عن عقبة بن عامر قال "قلت يا رسول الله أفضلت سورة الحج على سائر القرآن بسجدتين؟ قال: نعم، فمن لم يسجدهما فلا يقرأهما". قال الترمذي: هذا حديث ليس إسناده بالقوي. وأخرج أبو داود في المراسيل والبيهقي عن خالد بن معدان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "فضلت سورة الحج على القرآن بسجدتين". وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة والإسماعيلي وابن مردويه والبيهقي عن عمر أنه كان يسجد سجدتين في الحج وقال: إن هذه السورة فضلت على سائر القرآن بسجدتين. وقد روي عن كثير من الصحابة أن فيها سجدتين، وبه يقول ابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق. وقال بعضهم: إن فيها سجدة واحدة، وهو قول سفيان الثوري، وأخرجه ابن أبي شيبة عن ابن عباس وإبراهيم النخعي.
لما انجر الكلام في خاتمة السورة المتقدمة إلى ذكر الإعادة وما قبلها وما بعدها، بدأ سبحانه في هذه السورة بذكر القيامة وأهوالها حثاً على التقوى التي هي أنفع زاد فقال: 1- "يا أيها الناس اتقوا ربكم" أي احذروا عقابه بفعل ما أمركم به من الواجبات وترك ما نهاكم عنه من المحرمات، ولفظ الناس يشمل جميع المكلفين من الموجودين ومن سيوجد على ما تقرر في موضعه، وقد قدمنا طرفاً من تحقيق ذلك في سورة البقرة، وجملة "إن زلزلة الساعة شيء عظيم" تعليل لما قبلها من الأمر بالتقوى، والزلزلة شدة الحركة، وأصلها من زل عن الموضع: أي زال عنه وتحرك، وزلزل الله قدمه: أي حركها، وتكرير الحرف يدل على تأكيد المعنى، وهو من إضافة المصدر إلى فاعله، وهي على هذا: الزلزلة التي هي أحد أشراط الساعة التي تكون في الدنيا قبل يوم القيامة، هذا قول الجمهور، وقيل إنها تكون في النصف من شهر رمضان، ومن بعدها طلوع الشمس من مغربها، وقيل إن المصدر هنا مضاف إلى الظرف، وهو الساعة إجراءً له مجرى المفعول، أو بتقدير في كما في قوله: "بل مكر الليل والنهار" وهي المذكورة في قوله: "إذا زلزلت الأرض زلزالها" قيل وفي التعبير عنها بالشيء إيذان بأن العقول قاصرة عن إدراك كنهها.
1. مكية غير آيات من قوله عز وجل " هذان خصمان " إلىقوله" وهدوا إلى صراط الحميد ".
" يا أيها الناس اتقوا ربكم "، أي: احذروا عقابه بطاعته، " إن زلزلة الساعة شيء عظيم "، والزلزلة والزلزال شدة الحركة على الحال الهائلة، واختلفوا في هذه الزلزلة:
فقال علقمة و الشعبي : هي من أشراط الساعة. [وقيل: قيام الساعة].
وقال الحسن و السدي : هذه الزلزلة تكون يوم القيامة.
وقال ابن عباس: زلزلة الساعة قيامها فتكون معها.
1ـ " يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة " تحريكها للأشياء على الإسناد المجازي ، أو تحريك الأشياء فيها فأضيفت إليها إضافة معنوية بتقدير في أو إضافة المصدر إلى الظرف على إجرائه مجرى المفعول به . وقيل هي زلزلة تكون قبيل طلوع الشمس من مغربها وإضافتها إلى الساعة لأنها من أشراطها . " شيء عظيم " هائل علل أمرهم بالتقوى بفظاعة الساعة ليتصوروها بعقولهم ويعلموا أنه لا يؤمنهم منها سوى التدرع بلباس التقوى فيبقوا على أنفسهم ويتقوها بملازمة التقوى .
Surah 22. Al-Hajj
1. O mankind! Fear your Lord. Lo! the earthquake of the Hour (of Doom) is a tremendous thing.
SURA 22: HAJJ
1 - O mankind! fear your Lord! for the convulsion of the hour (of Judgement) will be a thing terrible!