[الأنبياء : 8] وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَّا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ
8 - (وما جعلناهم) الرسل (جسدا) بمعنى أجسادا (لا يأكلون الطعام) بل يأكلونه (وما كانوا خالدين) في الدنيا
يقول تعالى ذكره : وما جعلنا الرسل الذين أرسلناهم من قبلك يا محمد إلى الأمم الماضية قبل أمتك " جسدا لا يأكلون الطعام " يقول : لم نجعلهم ملائكة لا يأكلون الطعام ، ولكن جعلناهم أجسادا مثلك يأكلون الطعام .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله " وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام " يقول : لم أجعلهم جسدا ليس فيهم أرواح لا يأكلون الطعام ، ولكن جعلناهم جسدا فيها أرواح يأكلون الطعام .
قال أبو جعفر : وقال : وما جعلناهم جسدا ، فوحد الجسد وجعله موحدا ، وهو من صفة الجماعة ، وإنما جاز ذلك ، لأن الجسد بمعنى المصدر ، كما يقال في الكلام : وما جعلناهم خلقا لا يأكلون .
وقوله : " وما كانوا خالدين " يقول : ولا كانوا أربابا لا يموتون لا يفنون ، ولكنهم كانوا بشرا أجسادا فماتوا ، وذلك أنهم قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما أخبر الله عنهم " لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا " ... إلى قوله " أو تأتي بالله والملائكة قبيلا " . قال الله تبارك وتعالى لهم : ما فعلنا ذلك بأحد قبلكم فنفعل بكم ، وإنما كنا نرسل إليهم رجالا نوحي إليهم كما أرسلنا إليكم رسولا نوحي إليه أمرنا ونهينا .
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل :
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله " وما كانوا خالدين " : أي لا بد لهم من الموت أن يموتوا .
قوله تعالى: " وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام " الضمير في " جعلناهم " للأنبياء، أي لم نجعل الرسل قبلك خارجين عن طباع البشر لا يحتاجون إلى طعام وشراب. " وما كانوا خالدين " يريد لا يموتون. وهذا جواب لقولهم: " ما هذا إلا بشر مثلكم " [المؤمنون: 33] وقولهم: " مال هذا الرسول يأكل الطعام " [الفرقان: 7]. و " جسدا " اسم جنس، ولهذا لم يقل أجساداً. وقيل: لم يقل أجساداً، لأنه أراد وما جلعنا كل واحد منهم جسداً. والجسد البدن، تقول منه: تجسد كما تقول من الجسم تجسم. والجسد أيضاً الزعفران أو نحوه من الصبغ، وهو الدم أيضاً، قال النابغة:
وما هريق على الأنصاب من جسد
وقال الكلبي : والجسد هو المتجسد الذي فيه الروح يأكل ويشرب، فعلى مقتضى هذا القول يكون ما لا يأكل ولا يشرب جسماً. وقال مجاهد : الجسد ما لا يأكل ولا يشرب، فعلى مقتضى هذا القول يكون ما يأكل ويشرب نفساً، ذكره الماوردي .
يقول تعالى راداً على من أنكر بعثة الرسل من البشر: "وما أرسلنا قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم" أي جميع الرسل الذين تقدموا كانوا رجالاً من البشر لم يكن فيهم أحد من الملائكة, كما قال في الاية الأخرى " وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر " وقال تعالى: "قل ما كنت بدعاً من الرسل" وقال تعالى حكاية عمن تقدم من الأمم, لأنهم أنكروا ذلك فقالوا "أبشر يهدوننا" ولهذا قال تعالى: " فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون " أي اسألواأهل العلم من الأمم كاليهود والنصارى وسائر الطوائف: هل كان الرسل الذين أتوهم بشراً أو ملائكة ؟ وإنما كانوا بشراً, وذلك من تمام نعمة الله على خلقه إذ بعث فيهم رسلاً منهم يتمكنون من تناول البلاغ منهم والأخذ عنهم.
وقوله: "وما جعلناهم جسداً لا يأكلون الطعام" أي بل قد كانوا أجساداً يأكلون الطعام كما قال تعالى: "وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق" أي قد كانوا بشراً من البشر يأكلون ويشربون مثل الناس, ويدخلون الأسواق للتكسب والتجارة, وليس ذلك بضار لهم ولا ناقص منهم شيئاً, كما توهمه المشركون في قولهم " مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا * أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها " الاية.
وقوله: "وما كانوا خالدين" أي في الدنيا, بل كانوا يعيشون ثم يموتون "وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد" وخاصتهم أنهم يوحى إليهم من الله عز وجل, تنزل عليهم الملائكة عن الله بما يحكمه في خلقه مما يأمر به وينهى عنه, وقوله: "ثم صدقناهم الوعد" أي الذي وعدهم ربهم ليهلكن الظالمين صدقهم الله وعده وفعل ذلك, ولهذا قال "فأنجيناهم ومن نشاء" أي أتباعهم من المؤمنين "وأهلكنا المسرفين" أي المكذبين بما جاءت به الرسل.
ثم لما فرغ سبحانه من الجواب عن شبهتهم أكد كون الرسل من جنس البشر فقال: 8- "وما جعلناهم جسداً لا يأكلون الطعام" أي أن الرسل أسوة لسائر أفراد بني آدم في حكم الطبيعة يأكلون كما يأكلون ويشربون، والجسد جسم الإنسان. قال الزجاج: هو واحد، يعني الجسد ينبئ عن جماعة: أي وما جعلناهم ذوي أجساد لا يأكلون الطعام فجملة لا يأكلون الطعام صفة لجسداً: أي وما جعلناهم جسداً مستغنياً عن الأكل، بل هو محتاج إلى ذلك "وما كانوا خالدين" بل يموتون كما يموت غيرهم من البشر، وقد كانوا يعتقدون أن الرسل لا يموتون، فأجاب الله عليهم بهذا.
8. " وما جعلناهم "، أي الرسل، " جسداً "، ولم يقل أجساداً لأنه اسم الجنس، " لا يأكلون الطعام "، هذا رد لقولهم " مال هذا الرسول يأكل الطعام " (الفرقان: 7)، يقول لم نجعل الرسل ملائكةً بل جعلناهم بشراً يأكلون الطعام، " وما كانوا خالدين "، في الدنيا.
8ـ " وما جعلناهم جسداً لا يأكلون الطعام وما كانوا خالدين " نفي لما اعتقدوا أنها من خواص الملك عن الرسل تحقيقاً لأنهم كانوا أبشاراً مثلهم . وقيل جواب لقولهم " مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق ""وما كانوا خالدين " تأكيد وتقرير له فإن التعيش بالطعام من توابع التحليل المؤدي إلى الفناء وتوحيد الجسد لإرادة الجنس ، أو لأنه مصدر في الأصل أو على حذف المضاف أو تأويل الضمير بكل واحد وهو جسم ذو لون فلذلك لا يطلق على الماء والهواء ومنه الجساد للزعفران . وقيل جسم ذو تركيب لأن أصله لجمع الشيء واشتداده .
8. We gave them not bodies that would not eat food, nor were they immortals.
8 - Nor did We give them Bodies that ate no food, nor were they exempt from, death.