[الأنبياء : 46] وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِّنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ
46 - (ولئن مستهم نفحة) وقعة خفيفة (من عذاب ربك ليقولن يا) للتنبيه (ويلنا) هلاكنا (إنا كنا ظالمين) بالإشراك وتكذيب محمد
يقول تعالى ذكره : ولئن مست هؤلاء المستعجلين بالعذاب يا محمد نفحة من عذاب ربك ، يعني بالنفحة النصيب والحظ ، من قولهم : نفح فلان لفلان من عطائه : إذا أعطاه قسما أو نصيبا من المال .
كما حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " ولئن مستهم نفحة من عذاب ربك " .... الآية ، يقول : لئن أصابتهم عقوبة .
وقوله : " ليقولن يا ويلنا إنا كنا ظالمين " يقول : لئن أصابتهم هذه النفحة من عقوبة ربك يا محمد بتكذيبهم بك وكفرهم ، ليعلمن حينئذ غب تكذيبهم بك ، وليعترفن على أنفسهم بنعمة الله وإحسانه إليهم ، وكفرانهم أياديه عندهم ، وليقولن يا ويلنا إنا كنا ظالمين في عبادتنا الآلهة والأنداد ، وتركنا عبادة الله الذي خلقنا وأنعم علينا ، ووضعنا العبادة غير موضعها .
قوله تعالى: " ولئن مستهم نفحة من عذاب ربك " قال ابن عباس: طرف. قال قتادة : عقوبة. ابن كيسان: قليل وأدنى شيء، مأخوذة من نفح المسك. قال:
وعمرة من سروات النساء تنفح بالمسك أردانها
ابن جريج : نصيب، كما يقال: نفح فلان لفلان من عطائه، إذا أعطاه نصيباً من المال. قال الشاعر:
لما أتيتك أرجو فضل نائلكم نفحتني نفحةً طابت لها العرب
أي طابت لها النفس. والنفحة في اللغة الدفعة اليسيرة، فالمعنى ولئن مسهم أقل شيء من العذاب. " ليقولن يا ويلنا إنا كنا ظالمين " أي متعدين فيعترفون حين لا ينفعهم الاعتراف.
يقول تعالى مخبراً عن المشركين: إنما غرهم وحملهم على ما هم فيه من الضلال أنهم متعوا في الحياة الدنيا ونعموا وطال عليهم العمر فيما هم فيه, فاعتقدوا أنهم على شيء, ثم قال واعظاً لهم "أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها" اختلف المفسرون في معناه, وقد أسلفنا في سورة الرعد وأحسن ما فسر بقوله تعالى: " ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى وصرفنا الآيات لعلهم يرجعون " وقال الحسن البصري : يعني بذلك ظهور الإسلام على الكفر, والمعنى أفلا يعتبرون بنصر الله لأوليائه على أعدائه وإهلاكه الأمم المكذبة والقرى الظالمة وإنجائه لعباده المؤمنين, ولهذا قال: "أفهم الغالبون" يعني بل هم المغلوبون الأسفلون الأخسرون والأرذلون.
وقوله: "قل إنما أنذركم بالوحي" أي إنما أنا مبلغ عن الله ما أنذرتكم به من العذاب والنكال, ليس ذلك إلا عما أوحاه الله إلي, ولكن لا يجدي هذا عمن أعمى الله بصيرته وختم على سمعه وقلبه, ولهذا قال: "ولا يسمع الصم الدعاء إذا ما ينذرون" وقوله: "ولئن مستهم نفحة من عذاب ربك ليقولن يا ويلنا إنا كنا ظالمين" أي ولئن مس هؤلاء المكذبين أدنى شيء من عذاب الله ليعترفن بذنوبهم وأنهم كانوا ظالمين لأنفسهم في الدنيا. وقوله: "ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً" أي ونضع الموازين العدل ليوم القيامة, الأكثر على أنه إنما هو ميزان واحد, وإنما جمع باعتبار تعدد الأعمال الموزونة فيه.
وقوله: "فلا تظلم نفس شيئاً وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين" كما قال تعالى: "ولا يظلم ربك أحداً" وقال: "إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجراً عظيماً" وقال لقمان "يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السموات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير" وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "كلمتان خفيفتان على اللسان, ثقيلتان في الميزان, حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده, سبحان الله العظيم".
وقال الإمام أحمد : حدثنا إبراهيم بن إسحاق الطالقاني , حدثنا ابن المبارك عن ليث بن سعد عن عامر بن يحيى عن أبي عبد الرحمن الحبلي قال: سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله عز وجل يستخلص رجلاً من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة, فينشر عليه تسعة وتسعين سجلاً, كل سجل مد البصر, ثم يقول: أتنكر من هذا شئياً ؟ أظلمتك كتبتي الحافظون ؟ قال: لا يارب. قال: أفلك عذر أو حسنة ؟ قال: فيبهت الرجل فيقول: لا يا رب, فيقول: بلى إن لك عندنا حسنة واحدة لا ظلم عليك اليوم, فتخرج له بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله فيقول أحضروه, فيقول يا رب في هذه البطاقة مع هذه السجلات ؟ فيقول: إنك لا تظلم, قال: فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة, قال: فطاشت السجلات وثقلت البطاقة, قال: ولا يثقل شيء مع بسم الله الرحمن الرحيم" ورواه الترمذي وابن ماجه من حديث الليث بن سعد , وقال الترمذي : حسن غريب.
وقال الإمام أحمد : حدثنا قتيبة , حدثنا ابن لهيعة عن عمرو بن يحيى عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبدالله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "توضع الموازين يوم القيامة, فيؤتى بالرجل فيوضع في كفة, ويوضع ما أحصي عليه فيمايل به الميزان, قال: فيبعث به إلى النار, قال: فإذا أدبر به إذا صائح من عند الرحمن عز وجل يقول: لا تعجلوا, فإنه قد بقي له, فيؤتى ببطاقة فيها لا إله إلا الله فتوضع مع الرجل في كفة حتى يميل به الميزان" وقال الإمام أحمد أيضاً: حدثنا أبو نوح مراراً, أنبأنا ليث بن سعد عن مالك بن أنس عن الزهري عن عروة عن عائشة أن رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس بين يديه, " فقال يا رسول الله إن لي مملوكين يكذبونني ويخونونني ويعصونني, وأضربهم وأشتمهم, فكيف أنا منهم ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: يحسب ما خانوك وعصوك وكذبوك وعقابك إياهم, فإن كان عقابك إياهم بقدر ذنوبهم, كان كفافاً لا لك ولا عليك, وإن كان عقابك إياهم دون ذنوبهم, كان فضلاً لك, وإن كان عقابك إياهم فوق ذنوبهم, اقتص لهم منك الفضل الذي بقي قبلك, فجعل الرجل يبكي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويهتف, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ماله لا يقرأ كتاب الله "ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين" فقال الرجل: يا رسول الله ما أجد شيئاً خير من فراق هؤلاء ـ يعني عبيده ـ إني أشهدك أنهم أحرار كلهم " .
46- "ولئن مستهم نفحة من عذاب ربك" المراد بالنفحة القليل، مأخوذ من نفح المسك قاله ابن كيسان، ومنه قول الشاعر:
وعمرة من سروات النسا ء تنفح بالمسك أردانها
وقال المبرد: النفحة الدفعة من الشيء التي دون معظمه، يقال نفحه نفحة بالسيف إذا ضربه ضربة خفيفة، وقيل هي النصب، وقيل هي الطرف. والمعنى متقارب: أي ولئن مسهم أقل شيء من العذاب "ليقولن يا ويلنا إنا كنا ظالمين" أي ليدعون على أنفسهم بالويل والهلاك ويعترفون عليها بالظلم.
46. " ولئن مستهم "، أصابتهم، " نفحة "، قال ابن عباس رضي الله عنهما طرف. وقيل: قليل. قال ابن جريج : نصيب، من قولهم نفح فلان لفلان من ماله أي أعطاه حظاً منه. وقيل: ضربة من قولهم نفحت الدابة برجلها أي ضربت، " من عذاب ربك ليقولن يا ويلنا إنا كنا ظالمين "، أي بإهلاكنا إنا كنا مشركين، دعوا على أنفسهم بالويل بعدما أقروا بالشرك.
46ـ " ولئن مستهم نفحة " أدنى شيء ، وفيه مبالغات ذكر المس وما فيه النفحة من معنى القلة ، فإن أصل النفح هبوب رائحة الشيء والبناء الدال على المرة . " من عذاب ربك " من الذي ينذرون به . " ليقولن يا ويلنا إنا كنا ظالمين " لدعوا على أنفسهم بالويل واعترفوا عليها بالظلم .
46. And if a breath of thy Lord's punishment were to touch them, they assuredly would say: Alas for us! Lo! we were wrong doers.
46 - If but a breath of the wrath of thy Lord do touch them, they will then say, Woe To us! we did wrong indeed!