[الأنبياء : 4] قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاء وَالأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ
4 - (قال) لهم (ربي يعلم القول) كائنا (في السماء والأرض وهو السميع) لما أسروه (العليم) به
اختلفت القراء في قراءة قوله (( قل ربي )) فقرأ ذلك عامة قراء أهل المدينة والبصرة وبعض الكوفيين (( قل ربي )) على وجه الأمر ، وقرأه بعض قراء مكة ، وعامة قراء الكوفة " قال ربي " على وجه الخبر .
وكأن الذين قرءوه على وجه الأمر أرادوا من تأويله : قل يا محمد للقائلين "أفتأتون السحر وأنتم تبصرون " ربي يعلم قول كل قائل في السماء والأرض ، لا يخفى عليه من شيء وهو السميع لذلك كله ، ولما يقولون من الكذب ، العليم بصدقي وحقيقة ما أدعوكم إليه ، وباطل ما تقولون ، وغير ذلك من الأشياء كلها . وكأن الذين قرءوا ذلك قال على وجه الخبر أرادوا ، قال محمد : ربي يعلم القول خبرا من الله عن جواب نبيه إياهم .
والقول في ذلك أنهما قراءتان مشهورتان في قرأة الأمصار ، قد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القراء ، وجاءت بهما مصاحف المسلمين متفقتا المعنى ، وذلك أن الله إذا أراد محمدا بقيل ذلك قاله وإذا قاله فعن أمر الله قاله ، فبأيتهما قرا القارئ فمصيب الصواب في قراءته .
قوله تعالى: " قال ربي يعلم القول في السماء والأرض " أي لا يخفى عليه شيء مما يقال في السماء والأرض. وفي مصاحف أهل الكوفة قال ربي أي قال محمد ربي يعلم القول، أي هو عالم بما تناجيتم به. وقيل: إن القراءة الأولى أولى، لأنهم أسروا هذا القول فأظهر الله عز وجل عليه نبيه صلى الله عليه وسلم، وأمره أن يقول لهم هذا، قال النحاس : والقراءتان صحيحتان وهما بمنزلة الآيتين، وفيهما من الفائدة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر وأنه قال كما أمر.
هذا تنبيه من الله عز وجل على اقتراب الساعة ودنوها, وأن الناس في غفلة عنها, أي لا يعملون لها ولا يستعدون من أجلها. وقال النسائي : حدثنا أحمد بن نصر , حدثنا هشام بن عبد الملك أبو الوليد الطيالسي , حدثنا أبو معاوية , حدثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم "في غفلة معرضون" قال: "في الدنيا". وقال تعالى: " أتى أمر الله فلا تستعجلوه " وقال " اقتربت الساعة وانشق القمر * وإن يروا آية يعرضوا " الاية, وقد روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة الحسن بن هانىء أبي نواس الشاعر أنه قال: أشعر الناس الشيخ الطاهر أبو العتاهية حيث يقول:
الناس في غفلاتهم ورحا المنية تطحن
فقيل له: من أين أخذ هذا؟ قال من قول الله تعالى: "اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون" وروى في ترجمة عامر بن ربيعة من طريق موسى بن عبيد الامدي عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن عامر بن ربيعة أنه نزل به رجل من العرب, فأكرم عامر مثواه, وكلم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه الرجل فقال: إني استقطعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وادياً في العرب, وقد أردت أن اقطع لك منه قطعة تكون لك ولعقبك من بعدك, فقال عامر : لا حاجة لي في قطيعتك, نزلت اليوم سورة أذهلتنا عن الدنيا "اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون".
ثم أخبر تعالى أنهم لا يصغون إلى الوحي الذي أنزل الله على رسوله والخطاب مع قريش ومن شابههم من الكفار, فقال "ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث" أي جديد إنزاله "إلا استمعوه وهم يلعبون" كما قال ابن عباس : ما لكم تسألون أهل الكتاب عما بأيديهم وقد حرفوه وبدلوه وزادوا فيه ونقصوا منه, وكتابكم أحدث الكتب بالله تقرؤونه محضاً لم يشب, رواه البخاري بنحوه.
وقوله: "وأسروا النجوى الذين ظلموا" أي قائلين فيما بينهم خفية "هل هذا إلا بشر مثلكم" يعنون رسول الله صلى الله عليه وسلم يستبعدون كونه نبياً لأنه بشر مثلهم, فكيف اختص بالوحي دونهم, ولهذا قال: "أفتأتون السحر وأنتم تبصرون" أي أفتتبعونه فتكونون كمن يأتي السحر وهو يعلم أنه سحر, فقال تعالى مجيباً لهم عما افتروه واختلقوه من الكذب "قال ربي يعلم القول في السماء والأرض" أي الذي يعلم ذلك لا يخفى عليه خافية, وهو الذي أنزل هذا القرآن المشتمل على خبر الأولين والاخرين, الذي لا يستطيع أحد أن يأتي بمثله إلا الذي يعلم السر في السموات والأرض. وقوله: "وهو السميع العليم" أي السميع لأقوالكم والعليم بأحوالكم, وفي هذا تهديد لهم ووعيد. وقوله: "بل قالوا أضغاث أحلام بل افتراه" هذا إخبار عن تعنت الكفار وإلحادهم واختلافهم فيما يصفون به القرآن, وحيرتهم فيه وضلالهم عنه, فتارة يجعلونه سحراً, وتارة يجعلونه شعراً, وتارة يجعلونه أضغاث أحلام, وتارة يجعلونه مفترى, كما قال "انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلاً" وقوله "فليأتنا بآية كما أرسل الأولون" يعنون كناقة صالح وآيات موسى وعيسى وقد قال الله: " وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون " الاية, ولهذا قال تعالى: "ما آمنت قبلهم من قرية أهلكناها أفهم يؤمنون" أي ما آتينا قرية من القرى التي بعث فيهم الرسل آية على يدي نبيها فآمنوا بها بل كذبوا, فأهلكناهم بذلك أفهؤلاء يؤمنون بالايات لو رأوها دون أولئك؟ كلا, بل " إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون * ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم " هذا كله وقد شاهدوا من الايات الباهرات والحجج القاطعات والدلائل البينات على يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هو أظهر وأجلى وأبهر وأقطع وأقهر مما شوهد مع غيره من الأنبياء, صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
قال ابن أبي حاتم رحمه الله: ذكر عن زيد بن الحباب , حدثنا ابن لهيعة : حدثنا الحارث بن يزيد الحضرمي عن علي بن رباح اللخمي , حدثني من شهد عبادة بن الصامت يقول: كنا في المسجد ومعنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه يقرىء بعضنا بعضاً القرآن, فجاء عبد الله بن أبي ابن سلول ومعه نمرقة وزربية, فوضع واتكأ, وكان صبيحاً فصيحاً جدلاً, فقال: يا أبا بكر , قل محمد يأتينا بآية كما جاء الأولون, جاء موسى بالألواح, وجاء دواد بالزبور, وجاء صالح بالناقة, وجاء عيسى بالإنجيل وبالمائدة, فبكى أبو بكر رضي الله عنه, فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر : قوموا بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نستغيث به من هذا المنافق, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنه لا يقام لي إنما يقام لله عز وجل فقلنا: يا رسول الله إنا لقينا من هذا المنافق, فقال: إن جبريل قال لي اخرج فأخبر بنعم الله التي أنعم بها عليك, وفضيلته التي فضلت بها, فبشرني أني بعثت إلى الأحمر والأسود, وأمرني أن أنذر الجن, وآتاني كتابه وأنا أمي, وغفر ذنبي ما تقدم وما تأخر, وذكر اسمي في الأذان, وأمدني بالملائكة, وآتاني النصر, وجعل الرعب أمامي, وآتاني الكوثر, وجعل حوضي من أكثر الحياض يوم القيامة وروداً, ووعدني المقام المحمود والناس مهطعون مقنعون رؤوسهم, وجعلني في أول زمرة تخرج من الناس, وأدخل في شفاعتي سبعين ألفاً من أمتي الجنة بغير حساب, وآتاني السلطان والملك, وجعلني في أعلى غرفة في الجنة في جنات النعيم, فليس فوقي أحد إلا الملائكة الذين يحملون العرش, وأحل لي ولأمتي الغنائم ولم تحل لأحد كان قبلنا" وهذا الحديث غريب جداً.
وأمره الله سبحانه أن يجيب عليهم فقال: 4- " قال ربي يعلم القول في السماء والأرض " أي لا يخفى عليه شيء مما يقال فيهما، وفي مصاحف أهل الكوفة "قال ربي" أي قال محمد: ربي يعلم القول، فهو عالم بما تناجيتم به. قيل القراءة الأولى أولى، لأنهم أسروا هذا القول، فأطلع الله رسول صلى الله عليه وسلم على ذلك وأمره أن يقول لهم هذا. قال النحاس: والقراءتان صحيحتان، وهما بمنزلة آيتين "وهو السميع" لكل ما يسمع "العليم" بكل معلوم، فيدخل في ذلك ما أسروا دخولاً أولياً.
4. " قل "، لهم يا محمد، " ربي يعلم القول في السماء والأرض "، قرأ حمزةو و الكسائي وحفص: ((قال ربي))، على الخبر عن محمد صلى الله عليه وسلم، " يعلم القول في السماء والأرض " أي لا يخفى عليه شيء، " وهو السميع "، لأقوالهم، " العليم "، بأفعالهم.
4ـ " قال ربي يعلم القول في السماء والأرض " جهراً كان أو سراً عما أسروا به فهو آكد من قوله " قل أنزله الذي يعلم السر في السموات والأرض " ولذلك اختير ها هنا وليطابق قوله " وأسروا النجوى " في المبالغة . وقرأ حمزة و الكسائي و حفص " قال " بالإخبار عن الرسول صلى الله عليه وسلم . " وهو السميع العليم " فلا يخفى عليه ما يسرون ولا ما يضمرون .
4. He saith: My Lord knoweth what is spoken in the heaven and the earth. He is the Hearer, the Knower.
4 - Say: my Lord Knoweth (every) word (spoken) in the heavens and on earth: he is the one that heareth and knoweth (all things).