[الأنبياء : 18] بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ
18 - (بل نقذف) نرمي (بالحق) الإيمان (على الباطل) الكفر (فيدمغه) يذهبه (فإذا هو زاهق) ذاهب ودمغه في الأصل أصاب دماغه بالضرب وهو مقتل (ولكم) يا كفار مكة (الويل) العذاب الشديد (مما تصفون) الله به من الزوجة أو الولد
يقول تعالى ذكره : و لكن ننزل الحق من عندنا ، و هو كتاب الله و تنزيله على الكفر به و أهله ، فيدمغه : يقول : فيهلكه كما يدمغ الرجل الرجل بأن يشجه على رأسه شجة تبلغ الدماغ ، و إذا بلغت الشجة ذلك من المشجوج لم يكن له بعدها حياة .
و قوله : " فإذا هو زاهق " يقول : فإذا هو هالك مضمحل .
كما حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال ثنا ابن ثور ، عن معمر عن قتادة : " فإذا هو زاهق " قال : هالك .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق " و الحق كتاب الله القرآن ، و الباطل : إبليس ، فيدمغه فإذا هو زاهق : أي ذاهب .
و قوله : " و لكم الويل مما تصفون " يقول : و لكم الويل من وصفكم ربكم بغير صفته ، و قيلكم : إنه اتخذ زوجة وولدا ، و فريتكم عليه .
و بنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل ، إلا أن بعضهم قال : معنى تصفون : تكذبون .
و قال آخرون : معنى ذلك : تشركون ، و ذلك و إن اختلفت به الألفاظ فمتفقة معانيه ، لأن من وصف الله بأن له صاحبة فقد كذب في وصفه إياه بذلك ، و أشرك به ، ووصفه بغير صفته ، غير أن أولى العبارات أن يعبر بها عن معاني القرآن أقربها إلى فهم سامعيه .
ذكر من قال ما قلنا في ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " و لكم الويل مما تصفون " أي تكذبون .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج : " و لكم الويل مما تصفون " قال : تشركون ، و قوله : ( عما يصفون ) قال : يشركون ، قال : و قال مجاهد : (سيجزيهم وصفهم ) الأنعام : 139. قال قولهم الكذب في ذلك .
قوله تعالى: " بل نقذف بالحق على الباطل " القذف الرمي، أي نرمي بالحق على الباطل. " فيدمغه " أي يقهره ويهلكه. وأصل الدمغ شج الرأي حتى يبلغ الدماع، ومنه الدامغة. والحق هنا القرآن، والباطل الشيطان في قول مجاهد ، قال: وكل ما في القرآن من الباطل فهو الشيطان. وقيل: الباطل كذبهم ووصفهم الله عز وجل بغير صفاته من الولد وغيره. وقيل: أراد بالحق الحجة، وبالباطل شبههم. وقيل: الحق المواعظ، والباطل المعاصي، والمعنى متقارب. والقرآن يتضمن الحجة والموعظة. " فإذا هو زاهق " أي هالك وتالف، قاله قتادة . " ولكم الويل " أي العذاب في الآخرة بسبب وصفكم الله بما لا يجوز وصفه. وقال ابن عباس: الويل واد في جهنم، وقد تقدم. " مما تصفون " أي مما تكذبون، عن قتادة و مجاهد ، نظيره " سيجزيهم وصفهم " [الأنعام: 139] أي بكذبهم. وقيل: مما تصفون الله به من المحال وهو اتخاذه سبحانه الولد.
يخبر تعالى أنه خلق السموات والأرض بالحق, أي بالعدل والقسط, " ليجزي الذين أساؤوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى ", وأنه لم يخلق ذلك عبثاً ولا لعباً كما قال: "وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار" وقوله تعالى: " لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين " قال ابن أبي نجيح عن مجاهد " لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا " يعني من عندنا, يقول: وما خلقنا جنة ولا ناراً ولا موتاً ولا بعثاً ولا حساباً. وقال الحسن وقتادة وغيرهما "لو أردنا أن نتخذ لهواً" اللهو المرأة بلسان أهل اليمن. وقال إبراهيم النخعي " لاتخذناه " من الحور العين. وقال عكرمة والسدي : والمراد باللهو ههنا الولد, وهذا والذي قبله متلازمان, وهو كقوله تعالى: " لو أراد الله أن يتخذ ولدا لاصطفى مما يخلق ما يشاء سبحانه هو الله الواحد القهار " فنزه نفسه عن اتخاذ الولد مطلقاً ولا سيما عما يقولون من الإفك والباطل من اتخاذ عيسى أو العزير أو الملائكة سبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيراً.
وقوله: "إن كنا فاعلين" قال قتادة والسدي وإبراهيم النخعي ومغيرة بن مقسم : أي ما كنا فاعلين. وقال مجاهد كل شيء في القرآن "إن" فهو إنكار. وقوله: "بل نقذف بالحق على الباطل" أي نبين الحق فيدحض الباطل, ولهذا قال: "فيدمغه فإذا هو زاهق" أي ذاهب مضمحل "ولكم الويل" أي أيها القائلون لله ولد "مما تصفون" أي تقولون وتفترون. ثم أخبر تعالى عن عبودية الملائكة له ودأبهم في طاعته ليلاً ونهاراً, فقال: "وله من في السموات والأرض ومن عنده" يعني الملائكة "لا يستكبرون عن عبادته" أي لا يستنكفون عنها, كما قال: " لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعا ".
وقوله: " ولا يستحسرون " أي لا يتعبون ولا يملون "يسبحون الليل والنهار لا يفترون" فهم دائبون في العمل ليلاً ونهاراً, مطيعون قصداً وعملاً, قادرون عليه, كما قال تعالى: "لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون" وقال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن أبي دلامة البغدادي , أنبأنا عبد الوهاب بن عطاء حدثنا سعيد عن قتادة عن صفوان بن محرز عن حكيم بن حزام قال: " بينا رسول الله رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه إذ قال لهم هل تسمعون ما أسمع ؟ قالوا: ما نسمع من شيء, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني لأسمع أطيط السماء, وما تلام أن تئط وما فيها موضع شبر إلا وعليه ملك ساجد أو قائم" غريب, ولم يخرجوه, ثم رواه ـ أعني ابن أبي حاتم ـ من طريق يزيد بن أبي زريع عن سعيد عن قتادة مرسلاً. وقال أبو إسحاق عن حسان بن مخارق عن عبد الله بن الحارث بن نوفل قال: جلست إلى كعب الأحبار وأنا غلام, فقلت له: أرأيت قول الله تعالى للملائكة: "يسبحون الليل والنهار لا يفترون" أما يشغلهم عن التسبيح الكلام والرسالة والعمل. فقال: من هذا الغلام ؟ فقالوا من بني عبد المطلب, قال فقبل رأسي ثم قال: يا بني إنه جعل لهم التسبيح كما جعل لكم النفس أليس تتكلم وأنت تتنفس وتمشي وأنت تتنفس ؟
18- "بل نقذف بالحق على الباطل" هذا إضراب عن اتخاذ اللهو: أي دع ذلك الذي قالوا فإنه كذب وباطل، بل شأننا أن نرمي بالحق على الباطل "فيدمغه" أي يقهره، وأصل الدمغ شج الرأس حتى يبلغ الدماغ، ومنه الدامغة. قال الزجاج: المعنى نذهبه ذهاب الصغار والإذلال، وذلك أن أصله إصابة الدماغ بالضرب. قيل أراد بالحق الحجة اهـ وبالباطل شبههم. وقيل الحق المواعظ، والباطل المعاصي وقيل الباطل الشيطان. وقيل كذبهم، ووصفهم الله سبحانه بغير صفاته "فإذا هو زاهق" أي زائل ذاهب، وقيل هالك تالف، والمعنى متقارب، وإذا هي الفجائية "ولكم الويل مما تصفون" أي العذاب في الآخرة بسبب وصفكم له بما لا يجوز عليه. وقيل الويل واد في جهنم، وهو وعيد لقريش بأن لهم من العذاب مثل الذي لأولئك، ومن هي التعليلية.
18. " بل "، أي دع ذلك الذي قالوا فإنه كذب وباطل، " نقذف "، نرمي ونسلط، " بالحق "، بالإيمان، " على الباطل "، على الكفر، وقيل: الحق قول الله، أنه لا ولد له، والباطل قولهم اتخذ الله ولداً، " فيدمغه "، فيهلكه، وأصل الدمغ: شج الرأس حتى يبلغ الدماغ، " فإذا هو زاهق "، ذاهب، والمعنى: أنا نبطل كذبهم بما نبين من الحق حتى يضمحل ويذهب، ثم أوعدهم على كذبهم فقال: " ولكم الويل "، يا معشر الكفار، " مما تصفون "، الله بما لا يليق به من الصاحبة والولد. وقال مجاهد : مما تكذبون.
18ـ " بل نقذف بالحق على الباطل " إضراب عن اتخاذ اللهو وتنزيه لذاته عن اللعب أي بل من شأننا أن تغلب الحق الذي من جملته الجد على الباطل الذي من عداده اللهو . " فيدمغه " فيمحقه ، وإنما استعار لذلك القذف وهو الرمي البعيد المستلزم لصلابة المرمى ، والدمغ الذي هو كسر الدماغ بحيث يشق غشاؤه المؤدي إلى زهوق الروح تصويراً لإبطاله ومبالغة فيه ، وقرئ " فيدمغه " بالنصب كقوله :
سأترك منزلي لبني تميم وألحق بالحجاز فأستريحا
وجهه مع الحمل على المعنى والعطف على (( الحق )) . " فإذا هو زاهق " هالك والزهوق ذهاب الروح وذكره لترشيح المجاز . " ولكم الويل مما تصفون " مما تصفونه به مما لا يجوز عليه وهو في موضع الحال وما مصدرية أو موصولة أو موصوفة .
18. Nay, but We hurl the true against the false, and it doth break its head and lo! it vanisheth. And yours will be woe for that which ye ascribe (unto Him).
18 - Nay, We hurl the truth Against falsehood, and it knocks out its brain, and behold, Falsehood doth perish! ah! woe be to you for the (false) things ye ascribe (to us).