[طه : 22] وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى
22 - (واضمم يدك) اليمنى بمعنى الكف (إلى جناحك) أي جنبك الأيسر تحت العضد إلى الإبط وأخرجها (تخرج) خلاف ما كانت عليه من الأدمة (بيضاء من غير سوء) أي برص تضيء كشعاع الشمس تغشي البصر (آية أخرى) وهي وبيضاء حالان من ضمير تخرج
يقول تعالى ذكره : واضمم يا موسى يدك ، فضعها تحت عضدك ، والجناحان هما اليدان ، كذلك روي الخبر عن أبي هريرة وكعب الأحبار. وأما أهل العربية، فإنهم يقولون : هما الجنبان. وكان بعضهم يستشهد لقوله ذلك بقول الراجز:
أضمه للصدر والجناح
وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك ، قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن عمرو، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد، قوله "إلى جناحك" قال : كفه تحت عضده.
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد، مثله.وقوله "تخرج بيضاء من غير سوء" ذكر أن موسى عليه السلام كان رجلاً آدم ، فأدخل يده في جيبه ، ثم أخرجها بيضاء من غير سوء، من غير برص ، مثل الثلج ، ثم ردها، فخرجت كما كانت على لونه.
حدثنا بذلك ابن حميد، قال : ثنا سلمة، عن ابن إسحاق ، عن وهب بن منبه.
حدثنا إسماعيل بن موسى الفزاري ، قال : ثنا شريك ، عن يزيد بن أبي زياد، عن مقسم ، عن ابن عباس ، في قوله "تخرج بيضاء من غير سوء" قال : من غير برص.
حدثنا محمد بن عمرو، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد "من غير سوء" قال : من غير برص.
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، عن معمر، عن قتادة، في قوله "بيضاء من غير سوء" قال : من غير برص.
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد، مثله.
حدثنا بشر، قال : ثنا يزيد، قال : ثنا سعيد، عن قتادة "من غير سوء" قال : من غير برص.
حدثنا موسى، قال : ثنا عمرو، قال : ثنا أسباط ، عن السدي "تخرج بيضاء من غير سوء" قال : من غير برص.
حدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله "من غير سوء" قال : من غير برص.
حدثنا ابن بشار، قال : ثنا حماد بن مسعدة، قال : ثنا قرة، عن الحسن في قول الله "بيضاء من غير سوء" قال : أخرجها الله من غير سوء، من غير برص ، فعلم موسى أنه لقي ربه. وقوله "آية أخرى" يقول : وهذه علامة ودلالة أخرى غير الآية التي أريناك قبلها من تحويل العصا حية تسعى على حقيقة ما بعثناك به من الرسالة لمن بعثناك إليه ، ونصب آية على اتصالها بالفعل ، إذ لم يظهر لها ما يرفعها من هذه أو هي.
قوله تعالى: " واضمم يدك إلى جناحك " يجوز في غير القرآن ضم بفتح الميم وكسرها لالتقاء الساكنين، والفتح أجود لخفته، والكسر على الأصل. ويجوز الضم على الإتباع. ويد أصلها يدي على فعل، يدل على ذلك أيد. وتصغيرها يدية. والجناح العضد، قاله مجاهد . وقال: " إلى " بمعنى تحت. قطرب: " إلى جناحك " إلى جيبك، ومنه قول الراجز:
أضمه للصدر والجناح
وقيل: إلى جنبك فعبر عن الجنب بالجناح لأنه مائل في محل الجناح. وقيل: إلى عندك. وقال مقاتل : " إلى " بمعنى مع أي مع جناحك. و " تخرج بيضاء من غير سوء " من غير برص نوراً ساطعاً يضيء بالليل والنهار كضوء الشمس والقمر وأشد ضوءاً. عن ابن عباس وغيره: فخرجت نوراً مخالفة للونه. و " بيضاء " نصب على الحال، ولا ينصرف لأن فيها ألفي التأنيث لا يزايلانها فكأن لزومها علة ثانية، فلم ينصرف في النكرة، وخالفتا الهاء لأن الهاء تفارق الاسم. و " من غير سوء " " من " صلة " بيضاء " كما تقول: ابيضت من غير سوء. " آية أخرى " سوى العصا. فأخرج يده من مدرعة له مصرية لها شعاع مثل شعاع الشمس يعشي البصر. و " آية " منصوبة على البدل من بيضاء، قاله الأخفش . النحاس : وهو قول حسن . وقال الزجاج : المعنى آتيناك آية أخرى أو نؤتيك، لأنه لما قال: " تخرج بيضاء من غير سوء " دل على أنه قد آتاه آية أخرى.
وهذا برهان ثان لموسى عليه السلام, وهو أن الله أمره أن يدخل يده في جيبه كما صرح به في الاية الأخرى, وههنا عبر عن ذلك بقوله: "واضمم يدك إلى جناحك" وقال في مكان آخر "واضمم إليك جناحك من الرهب فذانك برهانان من ربك إلى فرعون وملئه" وقال مجاهد : "واضمم يدك إلى جناحك" كفك تحت عضدك, وذلك أن موسى عليه السلام كان إذا أدخل يده في جيبه ثم أخرجها, تخرج تتلألأ كأنها فلقة قمر. وقوله: "تخرج بيضاء من غير سوء" أي من غير برص ولا أذى ومن غير شين, قاله ابن عباس ومجاهد وعكرمة وقتادة والضحاك والسدي وغيرهم, وقال الحسن البصري : أخرجها والله كأنها مصباح, فعلم موسى أنه قد لقي ربه عز وجل, ولهذا قال تعالى: "لنريك من آياتنا الكبرى" وقال وهب : قال له ربه: ادنه فلم يزل يدنيه حتى أسند ظهره بجذع الشجرة, فاستقر وذهبت عنه الرعدة, وجمع يده في العصا وخضع برأسه وعنقه.
وقوله: "اذهب إلى فرعون إنه طغى" أي اذهب إلى فرعون ملك مصر الذي خرجت فاراً منه وهارباً فادعه إلى عبادة الله وحده لا شريك له, ومره فليحسن إلى بني إسرائيل ولا يعذبهم, فإنه قد طغى وبغى وآثر الحياة الدنيا ونسي الرب الأعلى. قال وهب بن منبه : قال الله لموسى: انطلق برسالتي فإنك بسمعي وعيني, وإن معك أيدي ونصري, وإني قد ألبستك جنة من سلطاني لتستكمل بها القوة في أمري, فأنت جند عظيم من جندي بعثتك إلى خلق ضعيف من خلقي بطر نعمتي, وأمن مكري, وغرته الدنيا عني حتى جحد حقي, وأنكر ربوبيتي وزعم أنه لا يعرفني, فإني أقسم بعزتي لولا القدر الذي وضعت بيني وبين خلقي لبطشت به بطشة جبار يغضب لغضبه السموات والأرض والجبال والبحار, فإن أمرت السماء حصبته, وإن أمرت الأرض ابتلعته, وإن أمرت الجبال دمرته, وإن أمرت البحار غرقته, ولكنه هان علي وسقط من عيني ووسعه حلمي واستغنيت بما عندي وحقي إني أنا الغني لاغني غيري, فبلغه رسالتي, وادعه إلى عبادتي, وتوحيدي وإخلاصي وذكره أيامي, وحذره نقمتي وبأسي, وأخبره أنه لا يقوم شيء لغضبي, وقل له فيما بين ذلك قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى, وأخبره أني إلى العفو والمغفرة أسرع مني إلى الغضب والعقوبة, ولا يروعنك ما ألبسته من لباس الدنيا, فإن ناصيته بيدي ليس ينطق ولا يطرف ولا يتنفس إلا بإذني, وقل له أجب ربك فإنه واسع المغفرة وقد أمهلك أربعمائة سنة في كلها أنت مبارزه بالمحاربة, تسبه وتتمثل به, وتصد عباده عن سبيله, وهو يمطر عليك السماء, وينبت لك الأرض لم تسقم ولم تهرم ولم تفتقر ولم تغلب, ولو شاء الله أن يعجل لك العقوبة لفعل, ولكنه ذو أناة وحلم عظيم, وجاهده بنفسك وأخيك وأنتما تحتسبان بجهاده, فإني لو شئت أن آتيه بجنود لا قبل له بها لفعلت, ولكن ليعلم هذا العبد الضعيف الذي قد أعجبته نفسه وجموعه أن الفئة القليلة, ولا قليل مني, تغلب الفئة الكثيرة بإذني, ولا تعجبنكما زينته ولا ما متع به, ولا تمدا إلى ذلك أعينكما فإنها زهرة الحياة الدنيا وزينة المترفين, ولو شئت أن أزينكما من الدنيا بزينة ليعلم فرعون حين نظر إليها أن مقدرته تعجز عن مثل ما أوتيتما فعلت, ولكني أرغب بكما عن ذلك وأزويه عنكما, وكذلك أفعل بأوليائي وقديماً ما جرت عادتي في ذلك, فإني لأذودهم عن نعيمها وزخارفها كما يذود الراعي الشفيق إبله عن مبارك العناء, وما ذاك لهوانهم علي ولكن لسيتكملوا نصيبهم في دار كرامتي سالماً موفراً لم تكلمه الدنيا, واعلم أنه لا يتزين لي العباد بزينة هي أبلغ فيما عندي من الزهد في الدنيا, فإنها زينة المتقين عليهم منها لباس يعرفون به من السكينة والخشوع, وسيماهم في وجوههم من أثر السجود, أولئك أوليائي حقاً حقاً, فإذا لقيتهم فاخفض لهم جناحك وذلل قلبك ولسانك, واعلم أنه من أهان لي ولياً أو أخافه فقد بارزني بالمحاربة وبادأني وعرض لي نفسه ودعاني إليها, وأنا أسرع شيء إلى نصرة أوليائي, أفيظن الذي يحاربني أن يقوم لي, أم يظن الذي يعاديني أن يعجزني, أم يظن الذي يبارزني أن يسبقني أو يفوتني, وكيف وأنا الثائر لهم في الدنيا والاخرة لا أكل نصرتهم إلى غيري, رواه ابن أبي حاتم " قال رب اشرح لي صدري * ويسر لي أمري " هذا سؤال من موسى عليه السلام لربه عز وجل أن يشرح له صدره فيما بعثه به, فإنه قد أمره بأمر عظيم وخطب جسيم, بعثه إلى أعظم ملك على وجه الأرض إذ ذاك وأجبرهم وأشدهم كفراً, وأكثرهم جنوداً, وأعمرهم ملكاً, وأطغاهم وأبلغهم تمرداً, بلغ من أمره أن ادعى أنه لا يعرف الله, ولا يعلم لرعاياه إلهاً غيره, هذا وقد مكث موسى في داره مدة وليداً عندهم في حجر فرعون على فراشه, ثم قتل منهم نفساً فخافهم أن يقتلوه, فهرب منهم هذه المدة بكمالها, ثم بعد هذا بعثه ربه عز وجل إليهم نذيراً يدعوهم إلى الله عز وجل أن يعبدوه وحده لا شريك له, ولهذا قال: " رب اشرح لي صدري* ويسر لي أمري " أي إن لم تكن أنت عوني ونصيري وعضدي وظهيري, وإلا فلا طاقة لي بذلك " واحلل عقدة من لساني * يفقهوا قولي " وذلك لما كان أصابه, من اللثغ حين عرض عليه التمرة والجمرة, فأخذ الجمرة فوضعها على لسانه, كما سيأتي بيانه, وما سأل أن يزول ذلك بالكلية, بل بحيث يزول العي, ويحصل لهم فهم ما يريد منه وهو قدر الحاجة, ولو سأل الجميع لزال, ولكن الأنبياء لا يسألون إلا بحسب الحاجة, ولهذا بقيت بقية, قال الله تعالى إخباراً عن فرعون أنه قال: "أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين" أي يفصح بالكلام.
وقال الحسن البصري "واحلل عقدة من لساني" قال: حل عقدة واحدة. ولو سأل أكثر من ذلك أعطي. وقال ابن عباس : شكا موسى إلى ربه ما يتخوف من آل فرعون في القتيل وعقدة لسانه, فإنه كان في لسانه عقدة تمنعه من كثير من الكلام, وسأل ربه أن يعينه بأخيه هارون يكون له ردءاً ويتكلم عنه بكثير مما لا يفصح به لسانه, فآتاه سؤله فحل عقدة من لسانه, وقال ابن أبي حاتم : ذكر عن عمرو بن عثمان , حدثنا بقية عن أرطأة بن المنذر , حدثني بعض أصحاب محمد بن كعب عنه قال: أتاه ذو قرابة له: فقال له: ما بك بأس لولا أنك تلحن في كلامك, ولست تعرب في قراءتك, فقال القرظي : يا ابن أخي ألست أفهمك إذا حدثتك ؟ قال: نعم. قال: فإن موسى عليه السلام إنما سأل ربه أن يحل عقدة من لسانه كي يفقه بنو إسرائيل كلامه, ولم يزد عليها, هذا لفظه.
وقوله: " واجعل لي وزيرا من أهلي * هارون أخي " وهذا أيضاً سؤال من موسى عليه السلام في أمر خارجي عنه, وهو مساعدة أخيه هارون له. قال الثوري عن أبي سعيد عن عكرمة عن ابن عباس أنه قال فنبىء هارون ساعتئذ حين نبىء موسى عليهما السلام. وقال ابن أبي حاتم : ذكر عن ابن نمير , حدثنا أبو أسامة عن هشام بن عروة عن أبيه , عن عائشة أنها خرجت فيما كانت تعتمر, فنزلت ببعض الأعراب, فسمعت رجلاً يقول: أي أخ كان في الدنيا أنفع لأخيه ؟ قالوا: لا ندري. قال: أنا والله أدري. قالت: فقلت في نفسي في حلفه لا يستثني إنه ليعلم أي أخ كان في الدنيا أنفع لأخيه, قال: موسى حين سأل لأخيه النبوة, فقلت: صدق والله. قلت: وفي هذا قال الله تعالى في الثناء على موسى عليه السلام: "وكان عند الله وجيهاً".
وقوله: "اشدد به أزري" قال مجاهد : ظهري, " وأشركه في أمري " أي في مشاورتي " كي نسبحك كثيرا * ونذكرك كثيرا " قال مجاهد : لا يكون العبد من الذاكرين الله كثيراً حتى يذكر الله قائماً وقاعداً ومضطجعاً. وقوله: "إنك كنت بنا بصيراً" أي في اصطفائك لنا وإعطائك إيانا النبوة, وبعثتك لنا إلى عدوك فرعون فلك الحمد على ذلك.
22- "واضمم يدك إلى جناحك" قال الفراء والزجاج: جناح الإنسان عضده، وقال قطرب: جناح الإنسان جنبه، وعبر عن الجنب بالجناح لأنه في محل الجناح، وقيل إلى بمعنى مع. أي مع جناحك، وجواب الأمر "تخرج بيضاء" أي تخرج يدك حال كونها بيضاء، ومحل "من غير سوء" النصب على الحال: أي كائنة من غير سوء، والسوء العيب، كنى به عن البرص: أي تخرج بيضاء ساطعاً نورها تضيء بالليل والنهار كضوء الشمس من غير برص، وانتصاب "آية أخرى" على الحال أيضاً: أي معجزة أخرى غير العصا. وقال الأخفش: إن آية منتصبة على أنها بدل من بيضاء. قال النحاس وهو قول حسن. وقال الزجاج: المعنى آتيناك أو نؤتيك آية أخرى لأنه لما قال "تخرج بيضاء" دل على أنه قد آتاه آية أخرى.
22. قوله تعالى: " واضمم يدك إلى جناحك " أي: إبطك، قال مجاهد : تحت عضدك، وجناح الإنسان عضده إلى أصل إبطه. " تخرج بيضاء "، نيرة مشرقة، " من غير سوء "، من غير عيب والسوء هاهنا بمعنى البرص. قال ابن عباس: كان ليده نور ساطع يضيء بالليل والنهار كضوء الشمس والقمر، " آيةً أخرى "، أي: دلالة أخرى على صدقك سوى العصا.
22ـ " واضمم يدك إلى جناحك " إلى جنبك تحت العضد يقال لكل ناحيتين جناحان كجناحي العسكر ، استعارة من جناحي الطائر سيما بذلك لأنه يجنحهما عند الطيران . " تخرج بيضاء " كأنها مشعة . " من غير سوء " من غير عاهة وقبح ، كنى به عن البرص كما كنى بالسوأة عن العورة لأن الطباع تعافه وتنفر عنه . " آية أخرى " معجزة ثانية وهي حال من ضمير " تخرج بيضاء " أو من ضميرها ، أو مفعول بإضمار خذ أو دونك .
22. And thrust thy hand within thine armpit, it will come forth white without hurt. (That will be) another token.
22 - Now draw thy hand close to thy side: It shall come forth white (and shining), without harm (or stain), as another sign,