[طه : 10] إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى
10 - (إذ رأى نارا فقال لأهله) لامرأته (امكثوا) هنا وذلك في مسيره من مدين طالبا مصر (إني آنست) أبصرت (نارا لعلي آتيكم منها بقبس) بشعلة في رأس فتيلة أو عود (أو أجد على النار هدى) أي هاديا يدلني على الطريق وكان أخطأها لظلمة الليل وقال لعل لعدم الجزم بوفاء الوعد
ذكر من قال ذلك:
حدثنا موسى بن هارون ، قال : ثنا عمرو، قال : ثنا أسباط ، عن السدي ، عن أبي مالك ، وعن أبي صالح ، عن ابن عباس ، قال : لما قضى موسى الأجل ، سار بأهله فضل الطريق. قال عبد الله بن عباس : كان في الشتاء، ورفعت لهم نار، فلما رآها ظن أنها نار، وكانت من نور الله "فقال لأهله امكثوا إني آنست نارا".
حدثنا ابن حميد، قال : ثنا سلمة، عن ابن إسحاق ، عن وهب بن منبه اليماني ، قال : لما قضى موسى الأجل ، خرج ومعه غنم له ، ومعه زند له ، وعصاه في يده يهش بها على غنمه نهاراً، فاذا أمسى اقتدح بزنده ناراً، فبات عليها هو وأهله وغنمه ، فإذا أصبح غدا بأهله وبغنمه ، فتوكأ على عصاه ، فلما كانت الليلة التي أراد الله بموسى كرامته ، وابتداءه فيها بنبوته وكلامه ، أخطأ فيها الطريق حتى لا يدري أين يتوجه ، فأخرج زنده ليقتدح ناراً لأهله ليبيتوا عليها حتى يصبح ، ويعلم وجه سبيله ، فأصلد زنده فلا يوري له ناراً فقدح حتى أعياه ، لاحت النار فرآها، "فقال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى". وعنى بقوله : "آنست نارا" وجدت ، ومن أمثال العرب بعد إطلاع إيناس ، ويقال أيضاً : بعد طلوع إيناس ، وهو مأخوذ من الأنس.
وقوله "لعلي آتيكم منها بقبس" يقول : لعلي أجيئكم من النار التي آنست بشعلة والقبس : هو النار في طرف العود أو القصبة، يقول القائل لصاحبه : أقبسني ناراً، فيعطيه إياها في طرف عود أو قصبة . وإنما أراد موسى بقوله لأهله "لعلي آتيكم منها بقبس" لعلي آتيكم بذلك لتصطلوا به.
كما حدثنا ابن حميد، قال : ثنا سلمة، عن ابن إسحاق ، عن وهب بن منبه "لعلي آتيكم منها بقبس" قال : بقبس تصطلون.
وقوله "أو أجد على النار هدى" دلالة تدل على الطريق الذي أضللناه ، إما من خبر هاد يهدينا إليه ، وإما من بيان وعلم نتبينه به ونعرفه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني علي ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله "أو أجد على النار هدى" يقول : من يدل على الطريق.
حدثني محمد بن عمرو، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال؟ ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد، في قول الله "أو أجد على النار هدى" قال : هادياً يهديه الطريق.
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد، مثله.
حدثنا بشر، قال : ثنا يزيد، قال : ثنا سعيد عن قتادة قوله "أو أجد على النار هدى": أي هداة يهدونه الطريق.
حدثني أحمد بن المقدام ، قال : ثنا المعتمر، قال : سمعت أبي يحدث ، عن قتادة، عن صاحب له ، عن حديث ابن عباس ، أنه زعم أنها أيلة "أو أجد على النار هدى" وقال أبي : وزعم قتادة أنه هدى الطريق.
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر، عن قتادة ، في قوله "أو أجد على النار هدى" قال : من يهديني إلى الطريق.
حدثنا ابن حميد، قال : ثنا سلمة، عن ابن إسحاق ، عن وهب بن منبه "أو أجد على النار هدى" قال : هدى عن علم الطريق الذي أضللنا بنعت من خبر.
حدثني يونس ، قال : أخبرنا سفيان ، عن أبي سعيد، عن عكرمة، قال: قال ابن عباس "لعلي آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى" قال : كانوا أضلوا عن الطريق ، فقال : لعلي أجد من يدلني على الطريق ، أو آتيكم بقبس لعلكم تصطلون.
"إذ رأى نارا فقال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى " قال ابن عباس وغيره: هذا حين قضى الأجل وسار بأهله وهو مقبل من مدين يريد مصر، وكان قد أخطأ الطريق، وكان موسى عليه السلام رجلاً غيوراً، يصحب الناس بالليل ويفارقهم بالنهار غيرة منه، لئلا يروا امرأته، فأخطأ الرفقة - لما سبق في علم الله تعالى - وكانت ليلة مظلمة. وقال مقاتل : وكانت ليلة الجمعة في الشتاء. وهب بن منبه: استأذن موسى شعيباً في الرجوع إلى والدته فأذن له فخرج بأهله بغنمه، وولد له في الطريق غلام في ليلة شاتية باردة مثلجة، وقد حاد عن الطريق وتفرقت ماشيته، فقدح موسى النار فلم تور المقدحة شيئاً، إذ بصر بنار من بعيد على يسار الطريق " فقال لأهله امكثوا " أي أقيموا بمكانكم " إني آنست نارا " أي أبصرت. قال ابن عباس: فلما توجه نحو النار فإذا النار في شجرة عناب، فوقف متعجباً من حسن ذلك الضوء، وشدة خضرة تلك الشجرة، فلا شدة حر النار تغير حسن خضرة الشجرة، ولا كثرة ماء الشجرة ولا نعمة الخضرة تغيران حسن ضوء النار. وذكر المهدوي : فرأى النار- فيما روي - وهي في شجرة من العليق، فقصدها فتأخرت عنه، فرجع وأوجس في نفسه خيفة، ثم دنت منه وكلمه الله عز وجل من الشجرة. الماوردي : كانت عند موسى ناراً، وكانت عند الله تعالى نوراً. وقرأ حمزة " لأهله امكثوا " بضم الهاء، وكذا في ((القصص)). قال النحاس وهذا على لغة من قال: مررت به يا رجل، فجاء به على الأصل، وهو جائز إلا أن حمزة خالف أصله في هذين الموضعين خاصة. وقال: " امكثوا " ولم يقل أقيموا، لأن الإقامة تقتضي الدوام، والمكث ليس كذلك. وآنست أبصرت، قاله ابن الأعرابي. ومنه قوله: " فإن آنستم منهم رشدا " [النساء: 6] أي علمتم. وآنست الصوت سمعته، والقبس شعلة من نار، وكذلك المقباس. يقال: قبست منه ناراً أقبس قبساً فأقبسني أي أعطاني منه قبساً، وكذلك اقتبست منه ناراً، واقتبست منه علماً أيضاً أي استفدته، قال اليزيدي: أقبست الرجل علماً وقبسته ناراً، فإن كنت طلبتها له قلت أقبسته. وقال الكسائي : أقبسته ناراً أو علماً سواء. وقال: وقبسته أيضاً فيهما. " هدى " أي هادياً.
من هنا شرع تبارك وتعالى في ذكر قصة موسى, وكيف كان ابتداء الوحي إليه وتكليمه إياه, وذلك بعد ما قضى موسى الأجل الذي كان بينه وبين صهره في رعاية الغنم, وسار بأهله قيل: قاصداً بلاد مصر بعد ما طالت الغيبة عنها أكثر من عشر سنين, ومعه زوجته, فأضل الطريق وكانت ليلة شاتية, ونزل منزلاً بين شعاب وجبال في برد وشتاء وسحاب وظلام وضباب, وجعل يقدح بزند معه ليوري ناراً كما جرت له العادة به, فجعل لا يقدح شيئاً ولا يخرج منه شرر ولا شيء, فينما هو كذلك إذ آنس من جانب الطور ناراً, أي ظهرت له نار من جانب الجبل الذي هناك عن يمينه, فقال لأهله يبشرهم: "إني آنست ناراً لعلي آتيكم منها بقبس" أي شهاب من نار. وفي الاية الأخرى "أو جذوة من النار" وهي الجمر الذي معه لهب "لعلكم تصطلون" دل على وجود البرد.
وقوله: "بقبس" دل على وجود الظلام, وقوله: "أو أجد على النار هدى" أي من يهديني الطريق, دل على أنه قد تاه عن الطريق, كما قال الثوري عن أبي سعيد الأعور عن عكرمة عن ابن عباس في قوله: "أو أجد على النار هدى" قال: من يهديني إلى الطريق, وكانوا شاتين وضلوا الطريق, فلما رأى النار قال: إن لم أجد أحداً يهديني إلى الطريق أتيتكم بنار توقدون بها.
و 10- "إذ رأى ناراً" ظرف للحديث، وقيل العامل فيه مقدر: أي اذكر، وقيل يقدر مؤخراً: أي حين رأى ناراً كان كيت وكيت، وكانت رؤيته للنار في ليلة مظلمة لما خرج مسافراً إلى أمه بعد استئذانه لشعيب فـ لما رآه "قال لأهله امكثوا" والمراد بالأهل هنا امرأته، والجمع لظاهر لفظ الأهل أو للتفخيم، وقيل المراد بهم المرأة والولد والخادم، ومعنى امكثوا أقيموا مكانكم، وعبر بالمكث دون الإقامة، لأن الإقامة تقتضي الدوام، والمكث ليس كذلك. وقرأ حمزة "لأهله" بضم الهاء، وكذا في القصص. قال النحاس وهذا على لغة من قال: مررت بهو يا رجل فجاء به على الأصل وهو جائز إلا أن حمزة خالف أصله في هذه الموضعين خاصة "إني آنست ناراً" أي أبصرت، يقال آنست الصوت سمعته، وآنست الرجل أبصرته. وقيل الإيناس الإبصار البين، وقيل الإيناس مختص بإبصار ما يؤنس، والجملة تعليل للأمر بالمكث، ولما كان الإتيان بالقبس، ووجود الهدى متوقعين بين الأمر على الرجاء فقال: "لعلي آتيكم منها بقبس" أي أجيئكم من النار بقبس، والقبس شعلة من النار، وكذا المقباس، يقال قبست منه ناراً أقبس قبساً فأقبسني: أي أعطاني وكذا اقتبست. قال اليزيدي: أقبست الرجل علماً وقبسته ناراً، فإن كنت طلبتها له قلت أقبسته. وقال الكسائي: أقبسته ناراً وعلماً سواء، قال: وقبسته أيضاً فيهما "أو أجد على النار هدىً" أي هادياً يهديني إلى الطريق ويدلني عليها. قال الفراء: أزاد هادياً، فذكره بلفظ المصدر، أو عبر بالمصدر لقصد المبالغة على حذف المضاف: أي ذا هدى، وكلمة: أو في الموضعين لمنع الخلو دون الجمع، وحرف الاستعلاء للدلالة على أن أهل النار مستعلون على أقرب مكان إليها.
10 - " إذ رأى ناراً " ، وذلك أن موسى استأذن شعيباً في الرجوع من مدين إلى مصر لزيارة والدته وأخته ، فأذن له فخرج بأهله وماله ، وكان أيام الشتاء ، وأخذ على غير الطريق مخافة ملوك الشام ، وامرأته في سقمها ، لا تدري أليلاً أم نهاراً . فسار في البرية غير عارف بطرقها ، فألجأه المسير إلى جانب الطور الغربي الأيمن في ليلة مظلمة مثلجة شديدة البرد ، وأخذ امرأته الطلق ، فقدح زنده فلم يوره .
وقيل : إن موسى كان رجلاً غيوراً فكان يصحب الرفقة بالليل ويفارقهم بالنهار ، لئلا ترى امرأته ، فأخطأ مرةً الطريق في ليلة مظلمة شاتية ، لما أراد الله عز وجل من كرامته ، فجعل يقدح الزند فلا يوري ، فأبصر ناراً من بعيد عن يسار الطريق من جانب الطور ، " فقال لأهله امكثوا " ، أقيموا ، قرأ حمزة بضم الهاء هاهنا وفي القصص ، " إني آنست " أي : أبصرت ، " ناراً ، لعلي آتيكم منها بقبس " شعلة من نار ، والقبس قطعة من النار تأخذها في طرف عمود من معظم النار ، " أو أجد على النار هدىً " ، أي : أجد عند النار من يدلني على الطريق .
10ـ " إذ رأى ناراً " ظرف للـ " حديث " لأنه حدث أو مفعول لا ذكر . قيل إنه اسأذن شعيباً عليهما الصلاة والسلام في الخرج إلى أمه ، وخرج بأهله فلما وافى وادي طوى وفيه الطور ولد له ابن في ليلة شاتية مظلمة مثلجة ، وكانت ليلة الجمعة وقد ضل الطريق وتفرقت ماشيته إذ رأى من جانب الطور ناراً . " فقال لأهله امكثوا " أقيموا مكانكم . وقرأ حمزة (( لأهله امكثوا ها هنا )) ، وفي (( القصص )) بضم الهاء في الوصل والباقون بكسرها . " إني آنست ناراً " أبصرتها إبصاراً لا شبهة فيه ، وقيل الإيناس إبصار ما يؤنس به . " لعلي آتيكم منها بقبس " بشعلة من النار وقيل جمرة . " أو أجد على النار هدى " هادياً يدلني على الطريق أو يهديني أبواب الدين ، فإن أفكار الأبرار مائلة إليها في كل ما يعن لهم . ولما كان حصولهما مترقباً بني الأمر فيهما على الرجاء بخلاف الإيناس ، فإنه كان محققاً ولذلك حققه لهم ليوطنوا أنفسهم عليه ، ومعنى الاستعلاء في " على النار " أن أهلها مشرفون عليها أو مستعلون المكان القريب منها كما قال سيبويه في : مررت بزيد إنه لصوق بمكان يقرب منه.
10. When he saw a fire and said unto his folk: Wait! I see a fire afar off. Peradventure I may bring you a brand therefrom or may find guidance at the fire.
10 - Behold, he saw a fire: so he said to his family, tarry ye; I perceive a fire; perhaps I can bring you some burning brand therefrom, or find some guidance at the fire.