[البقرة : 97] قُل مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللّهِ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ
(قل) لهم (من كان عدوا لجبريل) فليمت غيظا (فإنه نزله) أي القرآن (على قلبك بإذن) بأمر (الله مصدقا لما بين يديه) قبله من الكتب (وهدى) من الضلالة (وبشرى) بالجنة (للمؤمنين)
قوله تعالى قل من كان عدوا لجبريل الآية ك روى البخاري عن أنس قال سمع عبد الله بن سلام مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في أرض يخترف فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي ما أول أشراط الساعة وما أول طعام أهل الجنة وما ينزع الولد إلى أبيه أو إلى أمه قال أخبرني بهن جبريل آنفا قال جبريل قال نعم قال ذاك عدو اليهود من الملائكة فقرأ هذه الآية قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك قال شيخ الإسلام ابن حجر في فتح الباري ظاهر السياق إن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ الآية ردا على اليهود ولا يستلزم ذلك نزولها حينئذ قال وهذا هو المعتمد فقد صح في سبب نزول الآية قصة غير قصة عبد الله بن سلام فأخرج أحمد والترمذي والنسائي من طريق بكر بن شهاب عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس قال أقبلت يهود إلى رسول الله فقالوا يا أبا القاسم إنا نسألك عن خمسة أشياء فإن أنبأتنا بهن عرفنا أنك نبي فذكر الحديث وفيه أنهم سألوه عما حرم اسرائيل على نفسه وعن علامة النبي وعن الرعد وصوته وكيف تذكر المرأة وتؤنث وعمن يأتيه بخبر السماء إلى أن قالوا فأخبرنا من صاحبك قال جبريل قالوا جبريل ذاك ينزل بالحرب والقتال والعذاب عدونا لو قلت ميكائيل الذي ينزل بالرحمة والنبات والقطر لكان خيرا فنزلت
وأخرج إسحق بن راهوية في مسنده وابن جرير من طريق الشعبي أن عمر كان يأتي اليهود فيسمع من التوارة فيتعجب كيف تصدق ما في القرآن قال فمر بهم النبي صلى الله عليه وسلم فقلت نشدتكم بالله أتعلمون أنه رسول الله فقال عالمهم نعم نعلم أنه رسول الله قلت فلم لا تتبعونه قالوا سألناه من يأتيه بنبوته فقال عدونا جبريل لأنه ينزل بالغلظة والشدة والحرب وإلهلاك قلت فمن رسولكم من الملائكة قالوا ميكائيل ينزل بالقطر والرحمة قلت وكيف منزلتهما من ربهما قالوا أحدهما عن يمينه والآخر عن الجانب الآخر قلت فإنه لا يحل لجبريل أن يعادي ميكائيل ولا يحل لميكائيل أن يسالم عدو جبريل وأنني أشهد أنهما وربهما سلم لمن
سالموا وحرب لمن حاربوا ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أريد إن اخبره فلما لقيته قال ألا أخبرك بآيات أنزلت علي فقلت بلى يا رسول الله فقرأ من كان عدوا لجبريل حتى بلغ للكافرين قلت يا رسول الله والله ما قمت من عند اليهود إلا إليك لأخبرك بما قالوا لي وقلت لهم فوجدت الله قد سبقني وإسناده صحيح إلى الشعبي لكنه لم يدرك عمر وقد أخرجه ابن أبي شبيه وابن أبي حاتم من طريق آخر عن الشعبي وأخرجه ابن جرير من طريق السدي عن عمر ومن طريق قتادة عن عمر وهما أيضا منقطعان
ك وأخرج ابن أبى حاتم من طريق آخر عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن يهوديا لقي عمر بن الخطاب فقال إن جبريل الذي يذكر صاحبكم عدو لنا فقال عمر من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدوه قال فنزلت على لسان عمر فهذه طرق يقوي بعضها بعضا وقد نقل ابن جرير الإجماع على أن سبب نزول الآية ذلك
قال أبو جعفر: أجمع أهل العلم بالتأويل جميعًا على أن هذه الآية نزلت جوابًا لليهود من بني إسرائيل، إذ زعموا أن جبريل عدو لهم، وأن ميكائيل ولي لهم. ثم اختلفوا في السبب الذي من أجله قالوا ذلك، فقال بعضهم: إنما كان سبب قيلهم ذلك، من أجل مناظرة جرت بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر نبوته. ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كريب قال، حدثنا يونس بن بكير، عن عبد الحميد بن بهرام، عن شهر بن حوشب، عن ابن عباس أنه قال: "حضرت عصابة من اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا أبا القاسم، حدثنا عن خلال نسألك عنهن، لا يعلمهن إلا نبي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سلوا عما شئتم، ولكن اجعلوا لي ذمة الله، وما أخذ يعقوب على بنيه، لئن أنا حدثتكم شيئًا فعرفتموه، لتتابعني على الإسلام. فقالوا: ذلك لك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سلوني عما شئتم. فقالوا: أخبرنا عن أربع خلال نسألك عنهن: أخبرنا، أي الطعام حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة؟ وأخبرنا كيف ماء المرأة وماء الرجل؟ وكيف يكون الذكر منه والأنثى؟ وأخبرنا بهذا النبي الأمي في النوم ومن وليه من الملائكة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :عليكم عهد الله لئن أنا أنبأتكم لتتابعني فأعطوه ما شاء من عهد وميثاق. فقال: نشدتكم بالذي أنزل التوراة على موسى، هل تعلمون أن اسرائيل مرض مرضًا شديدًا فطال سقمه منه، فنذر نذرًا لئن عافاه الله من سقمه ليحرمن أحب الطعام والشراب إليه، وكان أحب الطعام إليه" لحم الإبل قال: أبو جعفر فيما أروي وأحب الشراب إليه ألبانها؟ فقالوا: اللهم نعم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:أشهد الله عليكم وأنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو، الذي أنزل التوراة على موسى، هل تعلمون أن ماء الرجل أبيض غليط، وأن ماء المرأة أصفر رقيق، فأيهما علا كان له الولد والشبه بإذن الله، فإذا علا ماء الرجل ماء المرأة كان الولد ذكرًا بإذن الله، وإذا علا ماء المرأة ماء الرجل كان الولد أنثى بإذن الله؟ قالوا: اللهم نعم. قال: اللهئم أشهد قال: وأنشدكم بالذي أنزل التوراة على موسى، هل تعلمون أن هذا النبي الأمي تنام عيناه ولا ينام قلبه؟ قالوا: اللهم نعم قال: اللهم اشهد قالوا: أنت الآن تحدثنا من وليك من الملائكة، فعندها نتابعك أو نفارقك. قال: فإن وليي جبريل، ولم يبعث الله نبيًا قط إلا وهو وليه . قالوا: فعندها نفارقك، لو كان وليك سواه من الملائكة، تابعناك وصدقناك. قال:فما يمنعكم أن تصدقوه؟ قالوا: إنه عدونا فأنزل الله عز وجل: "من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله" إلى قوله "كأنهم لا يعلمون"، فعندها باؤوا بغضب على غضب.
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة قال، حدثني محمد بن إسحق قال، حدثني عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي الحسين يعني المكي، عن شهر بن حوشب الأشعري: "أن نفرًا من اليهود جاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد، أخبرنا عن أربع نسألك عنهن، فإن فعلت اتبعناك وصدقناك وآمنا بك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:، عليكم بذلك عهد الله وميثاقه، لئن أنا أخبرتكم بذلك لتصدقني؟ قالوا: نعم. قال: فاسألوا عما بدا لكم . فقالوا: أخبرنا كيف يشبه الولد أمه، وإنما النطفة من الرجل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنشدكم بالله وبأيامه عند بني إسرائيل، هل تعلمون أن نطفة الرجل بيضاء غليظة، ونطفة المرأة صفراء رقيقة، فأيتهما علت صاحبتها كان لها الشبه؟ قالوا: نعم. قالوا: فأخبرنا كيف نومك؟ قال: أنشدكم بالله وبأيامه عند بني إسرائيل، هل تعلمون أن هذا النبي الأمي تنام عيناه ولا ينام قلبه؟ قالوا: اللهم نعم. قال: اللهم اشهد قالوا أخبرنا أي الطعام حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة؟ قال: هل تعلمون أنه كان أحب الطعام والشراب إليه ألبان الإبل ولحومها، وأنه اشتكى شكوى فعافاه الله منها، فحرم أحب الطعام والشراب إليه شكرًا لله، فحرم على نفسه لحوم الإبل وألبانها؟ قالوا: اللهم نعم. قالوا: فأخبرنا عن الروح قال: أنشدكم بالله وبأيامه عند بني إسرائيل، هل تعلمون أنه جبريل، وهو الذي يأتيني؟ قالوا: نعم، ولكنه عدو، وهو ملك إنما يأتي بالشدة وسفك الدماء، فلولا ذلك اتبعناك". قأنزل الله فيهم:"قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك" إلى قوله "كأنهم لا يعلمون".
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، حدثني القاسم بن أبي بزة: "أن يهود سألوا النبي صلى الله عليه وسلم: من صاحبه الذى ينزل عليه بالوحي؟ فقال: جبريل. قالوا: فإنه لنا عدو، ولا يأتي الا بالحرب والشدة والقتال" فنزل:"من كان عدوا لجبريل" الآية. قال ابن جريج: وقال مجاهد: قالت يهود: يا محمد، ما ينزل جبريل إلا بشدة وحرب وقالوا: إنه لنا عدو فنزل."من كان عدوا لجبريل" الآية.
وقال آخرون: بل كان سبب قيلهم ذلك، من أجل مناظرة جرت بين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وبينهم، في أمر النبي صلى الله عليه وسلم. ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن المثنى قال، حدثنا ربعي بن علية، عن داود بن أبي هند، عن الشعبي، قال: نزل عمر الروحاء، فرأى رجالاً يبتدرون أحجارًا يصلون إليها، فقال: ما هؤلاء؟ قالوا: يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى ههنا. فكره ذلك وقال: أيما؟ رسول الله صلى الله عليه وسلم أدركته الصلاة بواد، فصلى، ثم ارتحل فتركه ثم أنشأ يحدثهم فقال: كنت أشهد اليهود يوم مدراسهم فأعجب من التوراة كيف تصدق الفرقان، ومن الفرقان كيف يصدق التوراة فبينما أنا عندهم ذات يوم قالوا: يا ابن الخطاب، ما من أصحابك أحد أحب إلينا منك. قلت: ولم ذلك؟ قالوا إنك تغشانا وتأتينا. قال قلت: إني آتيكم فأعجب من الفرقان كيف يصدق التوراة، ومن التوراة كيف تصدق الفرقان قال: ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا ابن الخطاب، ذاك صاحبكم فالحق به. قال: فقلت لهم عند ذلك: أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو، وما استرعاكم من حقه واستودعكم من كتابه، أتعلمون أنه رسول الله؟ قال: فسكتوا، قال: فقال عالمهم وكبيرهم: إنه قد عظم عليكم فأجيبوه. قالوا: أنت عالمنا وسيدنا، فأجبه أنت. قال: أما إذ نشدتنا به، فإنا نعلم أنه رسول الله. قال: قلت ويحكم إذا هلكتم قالوا: إنا لم نهلك. قال: قلت: كيف ذاك، وانتم تعلمون أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم لا تتبعونه ولا تصدقونه؟ قالوا: إن لنا عدوًا من الملائكة وسلمًا من الملائكة، وإنه قرن به عدونا من الملائكة. قال: قلت: ومن عدوكم؟ ومن سلمكم؟ قالوا: عدونا جبريل، وسلمنا ميكائيل. قال: قلت: وفيم عاديتم جبريل؟ وفيم سالمتم ميكائيل؟ قالوا: إن جبريل ملك الفظاظة والغلظة والإعسار والتشديد والعذاب ونحو هذا، وان ميكائيل ملك الرأفة والرحمة والتخفيف ونحو هذا. قال: قلت: وما منزلتهما من ربهما؟ قالوا: أحدهما عن يمينه، والآخر عن يساره. قال: قلت: فوالله الذي لا إله إلا هو، إنهما والذي بينهما لعدو لمن عاداهما، وسلم لمن سالمهما، ما ينبغي لجبريل أن يسالم عدو ميكائيل، ولا لميكائيل أن يسالم عدو جبريل قال: ثم قمت فاتبعت النبي //، فلحقته وهو خارج من مخرفة لبني فلان، فقال لي: يا ابن الخطاب، ألا أقرئك آيات نزلن؟ فقرأ علي:"قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه" حتى قرأ الآيات. قال: قلت: بأبي وأمي أنت يا رسول الله، والذي بعثك بالحق لقد جئت وأنا أريد أن أخبرك الخبر، فأسمع اللطيف الخبير قد سبقني إليك بالخبر.
حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن داود، عن الشعبي قال، قال عمر: كنت رجلاً أغشى اليهود في يوم مدراسهم، ثم ذكر نحو حديث ربعي.
حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قال: ذكر لنا أن عمربن الخطاب انطلق ذات يوم إلى اليهود، فلما أبصروه رحبوا به. فقال لهم عمر: أما والله ما جئت لحبكم ولا للرغبة فيكم، ولكن جئت لأسمع منكم. فسألهم وسألوه، فقالوا: من صاحب صاحبكم؟ فقال لهم: جبريل. فقالوا: ذاك عدونا من أهل السماء، يطلع محمدًا على سرنا، وإذا جاء جاء بالحرب والسنة، ولكن صاحب صاحبنا ميكائيل، وكان إذا جاء جاء بالخصب وبالسلم. فقال لهم عمر: أفتعرفون جبريل وتنكرون محمدًا؟ ففارقهم عمر عند ذلك، وتوجه نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحدثه حديثهم، فوجده قد أنزل عليه هذه الآية:"قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله"
حدثني المثنى قال، حدثنا آدم قال، حدثنا أبو جعفر، عن قتادة قال: بلغنا أن عمربن الخطاب أقبل على اليهود يومًا، فذكر نحوه.
حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله:"من كان عدوا لجبريل"، قال: قالت اليهود: إن جبريل هو عدونا، لأنه ينزل بالشدة والحرب والسنة، وإن ميكائيل ينزل بالرخاء والعافية والخصب، فجبريل عدونا. فقال الله جل ثناؤه:"من كان عدوا لجبريل".
حدثني موسى بن هرون، قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه"، قال: كان لعمر بن الخطاب أرض بأعلى المدينة، فكان يأتيها، وكان ممره على طريق مدراس اليهود، وكان كلما دخل عليهم سمع منهم. وإنه دخل عليهم ذات يوم فقالوا: يا عمر، ما في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أحد أحب إلينا منك، إنهم يمرون بنا فيوذوننا، وتمر بنا فلا تؤذينا، وإنا لنطمع فيك. فقال لهم عمر: أي يمين فيكم أعظم؟ قالوا: الرحمن الذي أنزل التوراة على موسى بطورسيناء. فقال لهم عمر: فأنشدكم بالرحمن الذي أنزل التوراة على موسى بطورسيناء، أتجدون محمدًا صلى الله عليه وسلم عندكم؟ فأسكتوا. فقال: تكلموا، ما شأنكم؟ فوالله ما سألتكم وأنا شاك في شيء من ديني. فنظر بعضهم إلى بعض، فقام رجل منهم فقال: أخبروا الرجل، لتخبرنه أو لأخبرنه. قالوا: نعم، إنا نجده مكتوبًا عندنا، ولكن صاحبه من الملائكة الذي يأتيه بالوحي هو جبريل، وجبريل عدونا، وهو صاحب كل عذاب أو قتال أو خسف، ولو أنه كان وليه ميكائيل، إذًا لآمنا به، فإن ميكائيل صاحب كل رحمة وكل غيث. فقال لهم عمر: فأنشدكم بالرحمن الذي أنزل التوراة على موسى بطور سيناء، أين مكان جبريل من الله؟ قالوا: جبريل عن يمينه، وميكائيل عن يساره. قال عمر: فأشهدكم أن الذي هو عدو للذي عن يمينه، عدو للذي عن يساره؟ والذي هو عدو للذي هو عن يساره، عدو للذي هو عن يمينه، وأنه من كان عدوهما، فإنه عدو لله. ثم رجع عمر ليخبر النبي صلى الله عليه وسلم، فوجد جبريل قد سبقه بالوحي، فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم فقرأه عليه، فقال عمر: والذي بعثك بالحق، لقد جئتك وما أريد إلا أن أخبرك.
حدثني المثنى قال، حدثنا إسحق بن الحجاج الرازي قال، حدثنا عبد الرحمن بن مغراء أبو زهير، عن مجالد، عن الشعبي قال: انطلق عمر إلى يهود فقال: إني أنشدكم بالذي أنزل التوراة على موسى، هل تجدون محمدًا في كتابكم؟ قالوا نعم. قال: فما يمنعكم أن تتبعوه؟ قالوا: إن الله لم يبعث رسولاً إلا كان له كفل من الملائكة، وإن جبريل هو الذي يتكفل لمحمد، وهو عدونا من الملائكة، وميكائيل سلمنا، فلو كان هو الذي يأتيه اتبعناه. قال: فإني أنشدكم بالذي أنزل التوراة على موسى، ما منزلتهما من رب العالمين؟ قالوا جبريل عن يمينه، وميكائيل عن جانبه الآخر. فقال: إني أشهد ما يقولان إلا بإذن الله، وما كان لميكائيل أن يعادي سلم جبريل، وما كان جبريل ليسالم عدو ميكائيل. فبينما هو عندهم، إذ مر نبي الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: هذا صاحبك يا ابن الخطاب. فقام إليه، فأتاه وقد أنزل عليه:"من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله"، إلى قوله"فإن الله عدو للكافرين".
حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا حصين بن عبد الرحمن، عن ابن أبي ليلى في قوله:"من كان عدوا لجبريل"، قال: قالت اليهود للمسلمين: لو أن ميكائيل كان الذي ينزل عليكم لتبعناكم، فإنه ينزل بالرحمة والغيث، وإن جبريل ينزل بالعذاب والنقمة، وهو لنا عدو. قال: فنزلت هذه الآية:"من كان عدوا لجبريل".
حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا عبد الملك، عن عطاء بنحو ذلك.
قال أبو جعفر: وأما تأويل الآية أعني قوله:"قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله" فهو: أن الله يقول لنبيه: قل يا محمد لمعاشر اليهود من بني إسرائيل، الذين زعموا أن جبريل لهم عدو، من أجل أنه صاحب سطوات وعذاب وعقوبات، لا صاحب وحي وتنزيل ورحمة، فأبوا اتباعك، وجحدوا نبوتك، وأنكروا ما جئتهم به من آياتي وبينات حكمي، من أجل أن جبريل وليك وصاحب وحيي إليك، وزعموا أنه عدو لهم: من يكن من الناس لجبريل عدوًا، ومنكرًا أن يكون صاحب وحي الله إلى أنبيائه، وصاحب رحمته، فإني له ولي وخليل، ومقر بأنه صاحب وحي إلى أنبيائه ورسله، وأنه هو الذي ينزل وحي الله على قلبي من عند ربي، بإذن ربي له بذلك، يربط به على قلبي، ويشد فؤادي، كما:
حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عثمان بن سعيد قال، حدثنا بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس في قوله:"قل من كان عدوا لجبريل"، قال: وذلك أن اليهود قالت حين سألت محمدًا صلى الله عليه وسلم عن أشياء كثيرة فأخبرهم بها على ما هي عندهم: إلا جبريل، فإن جبريل كان عند اليهود صاحب عذاب وسطوة، ولم يكن عندهم صاحب وحي يعني: تنزيل من الله على رسله ولا صاحب رحمة، فأخبرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما سألوه عنه: أن جبريل صاحب وحي الله، وصاحب نقمته، وصاحب رحمته، فقالوا: ليس بصاحب وحي ولا رحمة، هو لنا عدو فأنزل الله عز وجل إكذابًا لهم: "قل" يا محمد:"من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك"، يقول فإن جبريل نزله يقول: نزل القرآن بأمر الله يشد به فؤادك، ويربط به على قلبك يعني: بوحينا الذي نزل به جبريل عليك من عند الله وكذلك يفعل بالمرسلين والأنبياء من قبلك.
حدثنا بشربن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله "، يقول: أنزل الكتاب على قلبك بإذن الله.
وحدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: "فإنه نزله على قلبك "، يقول: نزل الكتاب على قلبك جبريل.
قال أبو جعفر: وإنما قال جل ثناؤه: "فإنه نزله على قلبك " وهو يعني بذلك قلب محمد صلى الله عليه وسلم، وقد أمر محمدًا في أول الآية أن يخبر اليهود بذلك عن نفسه ولم يقل: فإنه نزله على قلبي، ولو قيل:على قلبي كان صواباً من القول، لأن من شأن العرب إذا أمرت رجلاً أن يحكي ما قيل له عن نفسه، أن تخرت فعل المأمور مرة مضافاً إلى كناية نفس المخبر عن نفسه، إذ كان المخبر عن نفسه؟ ومرة مضافاً إلى اسمه، كهيئة كناية اسم المخاطب، لأنه به مخاطب. فتقول في نظير ذلك: قل للقوم إن الخير عندي كثير فتخرج كناية اسم المخبر عن نفسه، لأنه المأمور أن يخبر بذلك عن نفسه: وقل للقوم إن الخير عندك كثير فتخرج كناية اسمه كهيئة كناية اسم المخاطب، لأنه وإن كان مأمورًا بقيل ذلك، فهو مخاطب مأمور بحكاية ما قيل له. وكذلك لا تقل للقوم إني قائم و لا تقل لهم إنك قائم ، والياء من إني اسم المأمور بقول ذلك، على ما وصفنا. ومن ذلك قول الله عز وجل: "قل للذين كفروا ستغلبون" و "تغلبون" (آل عمران: 12) بالياء والتاء.
وأما جبريل فإن للعرب فيه لغات: فأما أهل الحجاز فإنهم يقولون: جبريل، وميكال بغير همز، بكسر الجيم والراء من جبريل وبالتخفيف. وعلى القراءة بذلك عامة قرأة أهل المدينة والبصرة.
أما تميم وقيس وبعض نجد فيقولون: جبرئيل وميكائيل على مثال جبرعيل وميكاعيل ، بفتح الجيم والراء، وبهمز، وزيادة ياء بعد الهمزة. وعلى القراءة بذلك عامة قرأة أهل الكوفة، كما قال جريربن عطية:
عبدوا الصليب وكذبوا بمحمد وبجبرئيل وكذبوا ميكالا
وقد ذكر عن الحسن البصري وعبدالله بن كثير أنهما كانا يقران: جبريل بفتح الجيم وترك الهمز.
قال أبو جعفر: وهي قراءة غير جائزة القراءة بها، لأن فعليل في كلام العرب غير موجود.
وقد اختار ذلك بعضهم، وزعم أنه اسم أعجمي، كما يقال: سمويل، وأنشد في ذلك
بحيث لو وزنت لخم بأجمعها ما وزنت ريشة من ريش سمويلا
وأما بنو أسد فإنها تقول: جبرين بالنون. وقد حكي عن بعض العرب أنها تزيد في جبريل ألفاً فتقول: جبراييل وميكاييل.
وقد حكي عن يحيى بن يعمر أنه كان يقرأ: جبرئل بفتح الجيم، والهمز، وترك المد، وتشديد اللام.
فأما جبر و ميك ، فإنهما الاسمان اللذان أحدهما بمعنى: عبد، والآخر بمعنى: عبيد.
وأما إيل فهو الله تعالى ذكره، كما:حدثنا أبو كريب قال، حدثنا جابر بن نوح الحماني، عن الأعمش، عن المنهال، عن
سعيد بن جبير قال، قال ابن عباس: جبريل و ميكائيل ، كقولك: عبدالله.
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا الحسين بن واقد، عن يزيد النحوي، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: جبريل عبدالله، و ميكائيل ، عبيدالله. وكل اسم إيل ، فهو: الله.
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن الأعمش، عن إسمعيل بن رجاء، عن عمير مولى ابن عباس: أن إسرائيل، وميكائيل وجبريل، وإسرافيل كقولك: عبدالله.
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن الأعمش، عن المنهال بن عمرو، عن عبدالله بن الحارث قال: إيل ، الله، بالعبرانية.
حدثنا الحسين بن يزيد الضحاك قال، حدثنا إسحق بن منصور قال، حدثنا قيس، عن عاصم، عن عكرمة، قال: جبريل اسمه: عبدالله، وميكائيل اسمه: عبيدالله. إيل : الله.
حدثني الحسين بن عمروبن محمد العنقزي قال، حدثنا أبو أحمد الزبيري قال، حدثنا سفيان، عن محمد بن عمروبن عطاء، عن علي بن حسين قال: اسم جبريل عبدالله، واسم ميكائيل عبيدالله، واسم إسرافيل : عبد الرحمن. وكل معبد إيل ، فهو: عبدالله.
حدثنا المثنى قال، حدثنا قبيصة بن عقبة قال، حدثنا سفيان ، عن محمد المدني قال المثنى: قال قبيصة: أراه محمد بن إسحق عن محمد بن عمروبن عطاء، عن علي بن حسين قال: ما تعدون جبريل في أسمائكم؟ قال: جبريل عبدالله، و ميكائيل عبيدالله. وكل اسم فيه إيل ، فهو معبد لله.
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحق، عن محمد بن عمروبن عطاء،عن علي بن حسين قال: قال لي: هل تدري ما اسم جبريل من أسمائكم؟ قال: قلت: لا. قال: عبدالله. قال: فهل تدري ما اسم ميكائيل من أسمائكم؟ قلت: لا. قال: عبيدالله. وقد سمي لي إسرائيل باسم نحو ذلك فنسيته، إلا أنه قال لي: أرأيت، كل اسم يرجع إلى إيل فهو معبد له.
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن خصيف، عن عكرمة في قوله: جبريل قال: جبر عبد، إيل الله، و ميكا قال: عبد،إيل: الله.
قال أبو جعفر: فهذا تأويل من قرأ جبرئيل بالفتح، والهمز، والمد. وهو إن شاء الله معنى من قرأ بالكسر، وترك الهمز.
وأما تأويل من قرأ ذلك بالهمز، وترك المد، وتشديد اللام، فإنه قصد بقوله ذلك كذلك، إلى إضافة جبر و ميكا إلى اسم الله الذي يسمى به بلسان العرب دون السرياني والعبراني. وذلك أن الإل بلسان العرب: الله، كما قال: "لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة" (التوبة:10). فقال جماعة من أهل العلم: الإل هو: الله. ومنه قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه لوفد بني حنيفة، حين سألهم عما كان مسيلمة يقول، فأخبروه فقال لهم: ويحكم أين ذهب بكم؟ والله إن هذا الكلام ما خرج من إل ولا بر. يعني من إل: من الله، وقد:حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن سليمان التيمي، عن أبي مجلز في قوله: "لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة" قال: قول جبريل و ميكائيل و إسرافيل .
كأنه يقول: حين يضيف جبر و ميكا و إسرا إلى إيل يقول: عبدالله. "لا يرقبون في مؤمن إلا"، كأنه يقول لا يرقبون الله عز وجل.
القول في تأويل قوله تعالى: "مصدقا لما بين يديه ".
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: "مصدقا لما بين يديه "، القرآن. ونصب "مصدقا" على القطع من الهاء التي في قوله: " نزله على قلبك ".
فمعنى الكلام: فإن جبريل نزل القران على قلبك، يا محمد، مصدقاً لما بين يدي القرآن.
يعني بذلك: مصدقاً لما سلف من كتب الله أمامه، ونزلت على رسله الذين كانوا قبل محمد صلى الله عليه وسلم. وتصديقه إياها، موافقة معانيه معانيها في الأمر باتباع محمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به من عند الله، وهي تصدقه، كما: حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عثمان بن سعيد قال، حدثنا بشربن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس: "مصدقا لما بين يديه"، يقول لما قبله من الكتب التي أنزلها الله، والايات، والرسل الذين بعثهم الله بالآيات، نحو موسى ونوح وهود وشعيب وصالح، وأشباههم من الرسل صلى الله عليهم.
حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: "مصدقا لما بين يديه "، من التوراة والإنجيل.
حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع مثله.
القول في تأويل قوله تعالى: "وهدى وبشرى للمؤمنين ".
قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: "وهدى" ودليل وبرهان. وإنما سماه الله جل ثناؤه " هدى"، لاهتداء المؤمن به. واهتداؤه به إتخاذه إياه هادياً يتبعه، وقائدًا ينقاد لأمره ونهيه وحلاله وحرامه، والهادي من كل شيء: ما تقدم أمامه. ومن ذلك قيل لأوائل الخيل: هواديها وهو ما تقدم أمامها. وكذلك قيل للعنق: الهادي ، لتقدمها أمام سائر الجسد.
وأما البشرى فإنها البشارة. أخبر الله عباده المؤمنين جل ثناؤه، أن القرآن لهم بشرى منه، لأنه أعلمهم بما أعد لهم من الكرامة عنده في جناته، وما هم إليه صائرون في معادهم من ثوابه، وذلك هو البشرىالتي بشر الله بها المؤمنين في كتابه.
لأن البشارة في كلام العرب، هي: إعلام الرجل بما لم يكن به عالمًا مما يسره من الخبر، قبل أن يسمعه من غيره، أو يعلمه من قبل غيره. وقد روي في ذلك عن قتادة قول قريب المعنى مما قلنا:
حدثنا بشربن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "هدى وبشرى للمؤمنين "، لأن المؤمن إذا سمع القرآن حفظه ووعاه، وانتفع به واطمأن إليه، وصدق بموعود الله الذي وعد فيه، وكان على يقين من ذلك.
قوله تعالى : "قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين" .
سبب نزولها " أن اليهود قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : إنه ليس نبي من الأنبياء إلا يأتيه ملك من الملائكة من عند ربه بالرسالة وبالوحي ، فمن صاحبك حتى نتابعك ؟ قال : جبريل قالوا ذاك الذي ينزل بالحرب وبالقتال ، ذاك عدونا ! لو قلت : ميكائيل الذي ينزل بالقطر وبالرحمة تابعناك ، فأنزل الله الآية إلى قوله : للكافرين " أخرجه الترمذي . وقوله تعالى : "فإنه نزله على قلبك" الضمير في إنه يحتمل معنيين ، الأول فإن الله نزل جبريل على قلبك . الثاني : فإن جبريل نزل بالقرآن على قلبك . وخص القلب بالذكر لأنه موضع العقل والعلم وتلقي المعارف . ودلت الآية على شرف جبريل عليه السلام وذم معادية . وقوله تعالى : "بإذن الله" أي بإرادته وعلمه . "مصدقا لما بين يديه" يعني التوارة . "هدى وبشرى للمؤمنين" تقدم معناه ، والحمد لله .
قال الإمام أبو جعفر بن جرير الطبري رحمه الله: أجمع أهل العلم بالتأويل جميعاً أن هذه الاية نزلت جواباً لليهود من بني إسرائيل، إذ زعموا أن جبريل عدو لهم، وأن ميكائيل ولي لهم، ثم اختلفوا في السبب الذي من أجله قالوا ذلك، فقال بعضهم: إنما كان سبب قيلهم ذلك، من أجل مناظرة جرت بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر نبوته (ذكر من قال ذلك) حدثنا أبو كريب، حدثنا يونس بن بكير عن عبد الحميد بن بهرام، عن شهر بن حوشب، "عن ابن عباس، أنه قال: حضرت عصابة من اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا أبا القاسم، حدثنا عن خلال نسألك عنهن لا يعلمهن إلا نبي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سلوا عما شئتم، ولكن اجعلوا لي ذمة الله وما أخذ يعقوب على بنيه لئن أنا حدثتكم عن شيء فعرفتموه لتتابعنني على الإسلام فقالوا: ذلك لك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سلوا عما شئتم قالوا: أخبرنا عن أربع خلال نسألك عنهن، أخبرنا أي الطعام حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة ؟ وأخبرنا كيف ماء المرأة وماء الرجل، وكيف يكون الذكر منه والأنثى ؟ وأخبرنا بهذا النبي الأمي في التوراة، ومن وليه من الملائكة ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم، عليكم عهد الله لئن أنا أنبأتكم لتتابعنني ؟ فأعطوه ما شاء الله من عهد وميثاق، فقال: نشدتكم بالذي أنزل التوراة على موسى هل تعلمون أن إسرائيل يعقوب مرض مرضاً شديداً، فطال سقمه منه، فنذر لله نذراً لئن عافاه الله من مرضه ليحرمن أحب الطعام والشراب إليه، وكان أحب الطعام إليه: لحوم الإبل، وأحب الشراب إليه ألبانها فقالوا: اللهم نعم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم اشهد عليهم، وأنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو الذي أنزل التوراة على موسى هل تعلمون أن ماء الرجل غليظ أبيض، وأن ماء المرأة رقيق أصفر ، فأيهما علا كان له الولد والشبه بإذن الله عز وجل، وإذا علا ماء الرجل ماء المرأة كان الولد ذكراً بإذن الله، وإذا علا ماء المرأة ماء الرجل كان الولد أنثى بإذن الله عز وجل قالوا: اللهم نعم، قال اللهم أشهد، وأنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى هل تعلمون أن هذا النبي الأمي تنام عيناه ولا ينام قلبه ؟ قالوا: اللهم نعم، قال: اللهم اشهد، قالوا: أنت الان فحدثنا من وليك من الملائكة، فعندها نجامعك أو نفارقك، قال: فإن وليي جبريل، ولم يبعث الله نبياً قط إلا وهو وليه قالوا: فعندها نفارقك، ولو كان وليك سواه من الملائكة تابعناك وصدقناك، قال: فما يمنعكم أن تصدقوه؟ قالوا: إنه عدونا، فأنزل الله عز وجل: " قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه " إلى قوله " لو كانوا يعلمون " فعندها باؤوا بغضب على غضب"، وقد رواه الإمام أحمد في مسنده عن أبي النضر هاشم بن القاسم وعبد الرحمن بن حميد في تفسيره عن أحمد بن يونس كلاهما عن عبد الحميد بن بهرام به، ورواه أحمد أيضاً عن الحسين بن محمد المروزي عن عبد الحميد بنحوه وقد رواه محمد بن إسحاق بن يسار، حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين، عن شهر بن حوشب، فذكره مرسلاً وزاد فيه، "قالوا فأخبرنا عن الروح، قال: فأنشدكم بالله وبأيامه عند بني إسرائيل هل تعلمون أنه جبريل وهو الذي يأتيني قالوا: اللهم نعم، ولكنه عدو لنا، وهو ملك إنما يأتي بالشدة وسفك الدماء ، فلولا ذلك اتبعناك، فأنزل الله تعالى فيهم: " قل من كان عدوا لجبريل " إلى قوله " لا يعلمون "" وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو أحمد، حدثنا عبد الله بن الوليد العجلي عن بكير بن شهاب، عن سعيد بن جبير ، "عن ابن عباس، قال: أقبلت يهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا أبا القاسم، أخبرنا عن خمسة أشياء، فإن أنبأتنا بهن عرفنا أنك نبي واتبعناك، فأخذ عليهم ما أخذ إسرائيل على بنيه إذ قال: والله على ما نقول وكيل، قال هاتوا قالوا: فأخبرنا عن علامة النبي ؟ قال: تنام عيناه ولا ينام قلبه قالوا: أخبرنا كيف تؤنث المرأة ؟ وكيف يذكر الرجل ؟ قال: يلتقي الماءان، فإذا علا ماء الرجل ماء المرأة أذكرت، وإذا علا ماء المرأة ماء الرجل أنثت قالوا: أخبرنا ما حرم إسرائيل على نفسه ؟ قال: وكان يشتكي عرق النسا، فلم يجد شيئاً يلائمه إلا ألبان كذا وكذا قال أحمد: قال بعضهم: يعني الإبل فحرم لحومها، قالوا: صدقت، قالوا: أخبرنا ما هذا الرعد ؟ قال: ملك من ملائكة الله عز وجل موكل بالسحاب بيديه أو في يديه مخراق من نار يزجر به السحاب يسوقه حيث أمره الله تعالى قالوا: فما هذا الصوت الذي نسمع ؟ قال: صوته قالوا: صدقت، قالوا: إنما بقيت واحدة، وهي التي نتابعك إن أخبرتنا بها، أنه ليس من نبي إلا وله ملك يأيته بالخبر، فأخبرنا من صاحبك ؟ قال: جبريل عليه السلام قالوا: جبريل ذاك الذي ينزل بالحرب والقتال والعذاب عدونا لو قلت ميكائيل الذي ينزل بالرحمة والقطر والنبات لكان، فأنزل الله تعالى: "قل من كان عدواً لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله" إلى آخر الاية، ورواه الترمذي والنسائي من حديث عبد الله بن الوليد به، وقال الترمذي: حسن غريب وقال سنيد في تفسيره عن حجاج بن محمد عن ابن جريج: أخبرني القاسم بن أبي بزة أن يهوداً سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن صاحبه الذي ينزل عليه بالوحي، قال: جبريل قالوا: فإنه عدو لنا ولا يأتي إلا بالحرب والشدة والقتال، فنزلت: "قل من كان عدواً لجبريل" الاية، قال ابن جرير: قال مجاهد: قالت يهود: يا محمد ما نزل جبريل إلا بشدة وحرب وقتال فإنه لنا عدو ، فنزل: "قل من كان عدواً لجبريل" الاية، قال البخاري: قوله تعالى: "من كان عدواً لجبريل" قال عكرمة جبر وميك وإسراف: عبد. إيل: الله، حدثنا عبد الله بن منير سمع عبد الله بن بكر، حدثنا حميد عن أنس بن مالك، قال: سمع عبد الله بن سلام بمقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في أرض يخترف فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي: ما أول أشراط الساعة، وما أول طعام أهل الجنة، وما ينزع الوالد إلى أبيه أو إلى أمه ؟ قال: أخبرني بهذه جبرائيل آنفاً قال: جبريل ؟ قال: نعم قال: ذاك عدو اليهود من الملائكة، فقرأ هذه الاية: "من كان عدواً لجبريل فإنه نزله على قلبك" "وأما أول أشراط الساعة، فنار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب. وأما أول طعام يأكله أهل الجنة، فزيادة كبد الحوت، وإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة، نزع الولد، وإذا سبق ماء المرأة نزعت" قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله. يا رسول الله، إن اليهود قوم بهت، وإنهم إن يعلموا بإسلامي قبل أن تسألهم يبهتوني، فجاءت اليهود ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي رجل عبد الله بن سلام فيكم ؟ قالوا: خيرنا وابن خيرنا وسيدنا وابن سيدنا، قال: أرأيتم إن أسلم قالوا: أعاذه الله من ذلك، فخرج عبد الله فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله. قالوا: هو شرنا وابن شرنا وانتقضوه، فقال: هذا الذي كنت أخاف يا رسول الله ـ انفرد به البخاري من هذا الوجه، وقد أخرجاه من وجه آخر عن أنس بنحوه، وفي صحيح مسلم عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قريب من هذا السياق كما سيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى، وحكاية البخاري كما تقدم عن عكرمة هو المشهور أن إيل هو الله، وقد رواه سفيان الثوري عن خصيف، عن عكرمة، ورواه عبد بن حميد عن إبراهيم بن الحكم، عن أبيه، عن عكرمة، ورواه ابن جرير عن الحسين بن يزيد الطحان عن إسحاق بن منصور عن قيس بن عاصم عن عكرمة أنه قال: إن جبريل اسمه عبد الله، وميكائيل اسمه عبد الله، إيل: الله، ورواه يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس مثله سواء، وكذا قال غير واحد من السلف كما سيأتي قريباً، ومن الناس من يقول: إيل عبارة عن عبد، والكلمة الأخرى هي اسم الله، لأن كلمة إيل لا تتغير في الجميع فوزانه عبد الله عبد الرحمن عبد الملك عبد القدوس عبد السلام عبد الكافي عبد الجليل، فعبد موجودة في هذا كله، واختلفت الأسماء المضاف إليها، وكذلك جبرائيل وميكائيل وعزرائيل وإسرافيل ونحو ذلك، وفي كلام غير العرب يقدمون المضاف إليه على المضاف، والله أعلم.
ثم قال ابن جرير ، وقال آخرون: بل كان سبب قيلهم ذلك من أجل مناظرة جرت بينهم وبين عمر بن الخطاب في أمر النبي صلى الله عليه وسلم (ذكر من قال ذلك) حدثني محمد بن المثنى، حدثني ربعي بن علية، عن داود بن أبي هند، عن الشعبي، قال: نزل عمر الروحاء ، فرأى رجالاً يبتدرون أحجاراً يصلون إليها، فقال: ما بال هؤلاء ؟ قالوا يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى ههنا، قال: فكره ذلك، وقال إنما رسول الله صلى الله عليه وسلم أدركته الصلاة بواد صلاها، ثم ارتحل فتركه، ثم أنشأ يحدثهم، فقال: كنت أشهد اليهود يوم مدارسهم فأعجب من التوراة كيف تصدق القرآن ومن القرآن كيف يصدق التوراة، فبينما أنا عندهم ذات يوم قالوا: يا ابن الخطاب ما من أصحابك أحد أحب إلينا منك (قلت) ولم ذلك ؟ قالوا: لأنك تغشانا وتأتينا، فقلت : إني آتيكم فأعجب من القرآن كيف يصدق التوراة ومن التوراة كيف تصدق القرآن، قالوا: ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا ابن الخطاب، ذاك صاحبكم فالحق به، قال: فقلت لهم: عند ذلك نشدتكم بالله الذي لا إله إلا هو، وما استرعاكم من حقه، وما استودعكم من كتابه، هل تعلمون أنه رسول الله ؟ قال: فسكتوا، فقال له عالمهم وكبيرهم: أنه قد غلظ عليكم فأجيبوه، قالوا: فأنت عالمنا وكبيرنا فأجبه أنت، قال: أما إذا نشدتنا بما نشدتنا، فإنا نعلم أنه رسول الله، قلت: ويحكم إذاً هلكتم، قالوا: إنا لم نهلك، قلت: كيف ذلك وأنتم تعلمون أنه رسول الله ولا تتبعونه ولا تصدقونه ؟ قالوا: إن لنا عدواً من الملائكة وسلماً من الملائكة، وأنه قرن بنبوته عدونا من الملائكة، قلت: ومن عدوكم، ومن سلمكم ؟ قالوا: عدونا جبريل، وسلمنا ميكائيل، قالوا: إن جبرائيل ملك الفظاظة والغلظة والإعسار والتشديد والعذاب ونحو هذا، وإن ميكائيل ملك الرحمة والرأفة والتخفيف ونحو هذا، قال: قلت: وما منزلتهما من ربهما عز وجل ؟ قالوا: أحدهما عن يمينه والاخر عن يساره، قال: فقلت: فو الذي لا إله إلا هو إنهما والذي بينهما لعدو لمن عاداهما، وسلم لمن سالمهما، وما ينبغي لجبرائيل أن يسالم عدو ميكائيل، وما ينبغي لميكائيل أن يسالم عدو جبرائيل، قال: ثم قمت فأتبعت النبي صلى الله عليه وسلم، فلحقته وهو خارج من خوخة لبني فلان، فقال: "يا ابن الخطاب ألا أقرئك آيات نزلن قبل" فقرأ علي " من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله " حتى قرأ الايات، قال: قلت: بأبي وأمي أنت يا رسول الله، والذي بعثك بالحق لقد جئت أنا أريد أن أخبرك وأنا أسمع اللطيف الخبير قد سبقني إليك بالخبر، وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا أبو أسامة عن مجالد، أنبأنا عامر ، قال: انطلق عمر بن الخطاب إلى اليهود ، فقال: أنشدكم بالذي أنزل التوراة على موسى هل تجدون محمداً في كتبكم ؟ قالوا: نعم، قال: فما يمنعكم أن تتبعوه ؟ قال: إن الله لم يبعث رسولاً إلا جعل له من الملائكة كفلاً وإن جبرائيل كفل محمداً وهو الذي يأتيه، وهو عدونا من الملائكة، وميكائيل سلمنا لو كان ميكائيل الذي يأتيه أسلمنا، قال: فإني أنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى ما منزلتهما عند الله تعالى ؟ قالوا: جبريل عن يمينه، وميكائيل عن شماله، قال عمر : وإني أشهد ما ينزلان إلا بإذن الله، وما كان ميكائيل ليسالم عدو جبرائيل، وما كان جبرائيل ليسالم عدو ميكائيل، فبينما هو عندهم إذ مر النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: هذا صاحبك يا ابن الخطاب، فقام إليه عمر فأتاه، وقد أنزل الله عز وجل: " من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين " وهذان الإسنادان يدلان على أن الشعبي حدث به عن عمر ، ولكن فيه انقطاع بينه وبين عمر فإنه لم يدرك زمانه، والله أعلم، وقال ابن جبير : حدثنا بشير ، حدثنا يزيد بن زريع، عن سعيد عن قتادة، قال: ذكر لنا أن عمر بن الخطاب انظلق ذات يوم إلى اليهود ، فلما انصرف ورحبوا به، فقال لهم عمر: وأما والله ما جئتكم لحبكم ولا لرغبة فيكم، ولكن جئت لأسمع منكم، فسألهم وسألوه، فقالوا: من صاحب صاحبكم ؟ فقال لهم: جبرائيل، فقالوا: ذاك عدونا من أهل السماء يطلع محمداً على سرنا، وإذا جاء جاء بالحرب والسنة، ولكن صاحب صاحبنا ميكائيل، وكان إذا جاء جاء بالخصب والسلم، فقال لهم عمر : هل تعرفون جبرائيل، وتنكرون محمداً صلى الله عليه وسلم ؟ ففارقهم عمر عند ذلك وتوجه نحو النبي صلى الله عليه وسلم ليحدثه حديثهم، فوجده قد أنزلت عليه هذه الاية: "قل من كان عدواً لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله" الايات.
ثم قال: حدثني المثنى، حدثنا آدم، حدثنا أبو جعفر ، حدثنا قتادة، قال: بلغنا أن عمر أقبل إلى اليهود يوماً فذكر نحوه، وهذا في تفسير آدم وهو أيضاً منقطع، وكذلك رواه أسباط عن السدي عن عمر مثل هذا أو نحوه، وهو منقطع أيضاً: وقال ابن أبن حاتم: حدثنا محمد بن عمار ، حدثنا عبد الرحمن يعني الدشتكي، حدثنا أبو جعفر عن حصين بن عبد الرحمن، عن عبد الرحمن وهو عبد الرحمن بن أبي ليلى: أن يهودياً لقي عمر بن الخطاب، فقال: إن جبرائيل الذي يذكر صاحبكم عدو لنا، فقال عمر " من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين " قال: فنزلت على لسان عمر رضي الله عنه، ورواه عبد بن حميد عن أبي النضر هاشم بن القاسم، عن أبي جعفر هو الرازي، وقال ابن جرير : حدثني يعقوب بن إبراهيم، حدثني هشيم، أخبرنا حصين بن عبد الرحمن، عن ابن أبي ليلى في قوله تعالى: "من كان عدواً لجبريل" قال: قالت اليهود للمسلمين: لو أن ميكائيل كان هو الذي ينزل عليكم اتبعناكم، فإنه ينزل بالرحمة والغيث، وإن جبرائيل ينزل بالعذاب والنقمة، فإنه عدو لنا، قال: فنزلت هذه الاية، حدثنا يعقوب، أخبرنا هشيم، أخبرنا عبد الملك عن عطاء بنحوه، وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن قتادة في قوله: "قل من كان عدواً لجبريل" قال: قالت اليهود: إن جبرائيل عدو لنا، لأنه ينزل بالشدة والسنة، وإن ميكائيل ينزل بالرخاء والعافية والخصب، فجبرائيل عدو لنا. فقال الله تعالى: "من كان عدواً لجبريل" الاية.
وأما تفسير الاية فقوله تعالى: "قل من كان عدواً لجبريل" فإنه نزله على قلبك بإذن الله، أي من عادى جبرائيل فليعلم أنه الروح الأمين الذي نزل بالذكر الحكيم على قلبك من الله بإذنه له في ذلك، فهو رسول من رسل الله ملكي، ومن عادى رسولاً فقد عادى جميع الرسل، كما أن من آمن برسول يلزمه الإيمان بجيمع الرسل، وكما أن من كفر برسول فإنه يلزمه الكفر بجميع الرسل، كما قال تعالى: "إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض" الايتين، فحكم عليهم بالكفر المحقق إذا آمنوا ببعض الرسل وكفروا ببعضهم، وكذلك من عادى جبرائيل فإنه عدو لله، لأن جبرائيل لا ينزل بالأمر من تلقاء نفسه وإنما ينزل بأمر ربه، كما قال: "وما نتنزل إلا بأمر ربك" الاية، وقال تعالى: "وإنه لتنزيل رب العالمين * نزل به الروح الأمين * على قلبك لتكون من المنذرين"، وقد روى البخاري في صحيحه "عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من عادى لي ولياً فقد بارزني بالحرب" ولهذا غضب الله لجبرائيل على من عاده، فقال تعالى: "من كان عدواً لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقاً لما بين يديه" أي من الكتب المتقدمة: "وهدى وبشرى للمؤمنين" أي هدى لقلوبهم وبشرى لهم بالجنة، وليس ذلك إلا للمؤمنين، كما قال تعالى: "قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء" الآية: وقال تعالى: "وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين" الاية، ثم قال تعالى: " من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين " يقول تعالى من عاداني وملائكتي ورسلي، ورسله تشمل رسله من الملائكة والبشر ، كما قال تعالى " الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس ". "وجبريل وميكال" وهذا من باب عطف الخاص على العام، فإنهما دخلا في الملائكة في عموم الرسل، ثم خصصا بالذكر لأن السياق في الانتصار لجبرائيل، وهو السفير بين الله وأنبيائه، وقرن معه ميكائيل في اللفظ ، لأن اليهود زعموا أن جبرائيل عدوهم، وميكائيل، وليهم، فأعلمهم الله تعالى أن من عادى واحداً منهما فقد عادى الاخر وعادى الله أيضاً، ولأنه أيضاً ينزل على أنبياء الله بعض الأحيان، كما قرن برسول الله صلى الله عليه وسلم في ابتداء الأمر ، ولكن جبرائيل أكثر وهي وظيفته وميكائيل موكل بالنبات والقطر هذا بالهدى وهذا بالرزق كما أن إسرافيل موكل بالنفخ في الصور للبعث يوم القيامة، ولهذا جاء في الصحيح "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قام من الليل يقول: اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم" وقد تقدم ما حكاه البخاري، ورواه ابن جرير عن عكرمة وغيره أنه قال، جبر ، وميك، وإسراف: عبيد، وإيل: الله، وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سنان، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان، عن الأعمش، عن إسماعيل بن أبي رجاء ، عن عمير مولى ابن عباس، عن ابن عباس، قال: إنما كان قوله جبرائيل كقوله عبد الله وعبد الرحمن وقيل جبر : عبد، وإيل: الله. وقال محمد بن إسحاق عن الزهري، عن علي بن الحسين، قال: أتدرون ما اسم جبرائيل من أسمائكم ؟ قلنا: لا، قال: اسمه عبد الله، وكل اسم مرجعه إلى إيل فهو إلى الله عز وجل. قال ابن أبي حاتم: وروي عن عكرمة ومجاهد والضحاك ويحيى بن يعمر ، نحو ذلك. ثم قال: حدثني أبي حدثنا أحمد بن أبي الحواري حدثني عبد العزيز بن عمير قال: اسم جبرائيل في الملائكة خادم الله، قال فحدثت به أبا سليمان الداراني فانتفض، وقال: لهذا الحديث أحب إلى من كل شيء في دفتر كان بين يديه. وفي جبرائيل وميكائيل لغات وقراءات تذكر في كتب اللغة والقراءات، ولم نطول كتابنا هذا بسرد ذلك إلا أن يدور فهم المعنى عليه، أو يرجع الحكم في ذلك إليه، وبالله الثقة وهو المستعان، وقوله تعالى: "فإن الله عدو للكافرين" فيه إيقاع المظهر مكان المضمر حيث لم يقل: فإنه عدو ، بل قال: "فإن الله عدو للكافرين" كما قال الشاعر :
لا أرى الموت يسبق الموت شيء نغص الموت ذا الغنى والفقيرا
وقال الاخر:
ليت الغراب غداة ينعب دائباً كان الغراب مقطع الأوداج
وإنما أظهر لله هذا الاسم ههنا لتقرير هذا المعنى وإظهاره، وإعلامهم أن من عادى ولياً لله فقد عادى الله، ومن عادى الله فإن الله عدو له، ومن كان الله عدوه فقد خسر الدنيا والاخرة، كما تقدم الحديث "من عادى لي ولياً فقد آذنته بالمحاربة" وفي الحديث الأخر "إني لأثأر لأوليائي كما يثأر الليث الحرب" وفي الحديث الصحيح "من كنت خصمه خصمته".
هذه الآية قد أجمع المفسرون على أنها نزلت في اليهود. قال ابن جرير الطبري: وأجمع أهل التأويل جميعاً أن هذه الآية نزلت جواباً على اليهود إذ زعموا أن جبريل عدو لهم، وأن ميكائيل ولي لهم. ثم اختلفوا ما كان سبب قولهم ذلك؟ فقال بعضهم: إنما كان سبب ذلك من أجل مناظرة جرت بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمر نبوته، ثم ذكر روايات في ذلك ستأتي آخر البحث إن شاء الله. والضمير في قوله: 97- "فإنه" يحتمل وجهين: الأول أن يكون لله ويكون الضمير في قوله: "نزله" لجبريل: أي فإن الله سبحانه نزل جبريل على قلبك، وفيه ضعف كما يفيده قوله: "مصدقاً لما بين يديه". الثاني أنه لجبريل، والضمير في نزله للقرآن: أي فإن جبريل نزل القرآن على قلبك، وخص القلب بالذكر لأنه موضع العقل والعلم. وقوله: "بإذن الله" أي بعلمه وإرادته وتيسيره وتسهيله، و"ما بين يديه" هو التوراة كما سلف أو جميع الكتب المنزلة وفي هذا دليل على شرف جبريل وارتفاع منزلته، وأنه لا وجه لمعاداة اليهود له حيث كان منه ما ذكر من تنزيل الكتاب على قلبك، أو من تنزيل الله له على قلبك، وهذا هو وجه الربط بين الشرط والجواب، أي من كان معادياً لجبريل منهم فلا وجه لمعاداته له، فإنه لم يصدر منه إلا ما يوجب المحبة دون العداوة، أو من كان معادياً له، فإن سبب معاداته أنه وقع منه ما يكرهونه من التنزيل، وليس ذلك بذنب له وإن نزهوه، فإن هذه الكراهة منهم له بهذا السبب ظلم وعدوان، لأن هذا الكتاب الذي نزل به هو مصدق لكتابهم وهدى وبشرى للمؤمنين.
97. قوله عز وجل: " قل من كان عدواً لجبريل " قال ابن عباس رضي الله عنهما: إن حبراً من أحبار اليهود يقال له عبد الله بن صوريا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أي ملك (نزل) من السماء؟ قال (جبريل) قال: ذلك عدونا من الملائكة ولو كان ميكائيل لآمنا بك، إن جبريل ينزل بالعذاب والقتال والشدة وإنه عادانا مراراً وكان من أشد ذلك علينا، [أن الله تعالى أنزل على نبينا] أن بيت المقدس سيخرب على يد رجل يقال له بختنصر، وأخبرنا بالحين الذي يخرب فيه، فلما كان وقته بعثنا رجلاً من أقوياء بني إسرائيل في طلبه لقتله فانطلق حتى لقيه ببابل غلاماً مسكيناً فأخذه ليقتله فدفع عنه جبريل وكبر بختنصر وقوي وغزانا وخرب بيت المقدس فلهذا نتخذه عدواً فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال مقاتل : قالت اليهود: إن جبريل عدونا لأنه أمر بجعل النبوة فينا فجعلها في غيرنا، وقال قتادة و عكرمة و السدي : كان لعمر بن الخطاب أرض بأعلى المدينة وممرها على مدارس اليهود فكان إذا أتى أرضه يأتيهم ويسمع منهم (كلاماً) فقالوا له: ما في أصحاب محمد أحب إلينا منك، إنهم يمرون علينا فيؤذوننا وأنت لا تؤذينا وإنا لنطمع فيك فقال عمر: والله ما آتيكم لحبكم ولا أسألكم لأني شاك في ديني وإنما أدخل عليكم لأزداد بصيرة في أمر محمد صلى الله عليه وسلم وأرى آثاره في كتابكم [وأنتم تكتمونها] فقالوا: من صاحب ممحمد الذي يأتيه من الملائكة؟ قال: جبريل فقالوا: ذلك عدونا يطلع محمداً على أسرارنا وهو صاحب كل عذاب وخسف وسنة وشدة، وإن ميكائيل إذا جاء جاء بالخصب والمغنم فقال لهم عمر: تعرفون جبريل وتنكرون محمداً؟ قالوا: نعم قال: فأخبروني عن منزلة جبريل ووميكائيل من الله عز وجل؟ قالوا: جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره قال عمر: فإني أشهد أن من كان عدواً لجبريل فهو عدو لميكائيل، ومن كان عدواً لميكائيل فإنه لجبريل، ومن كان عدواً له، ثم رجع عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد جبريل قد سبقه بالوحي فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية فقال (( لقد وافقك ربك يا عمر )) فقال عمر: لقد رأيتني بعد ذلك، في دين الله أصلب من الحجر.
قال الله تعالى " قل من كان عدواً لجبريل فإنه " يعني: جبريل " نزله "، يعنى: القرآن، كناية عن غير مذكور " على قلبك " يا محمد " بإذن الله " بأمر الله " مصدقاً " موافقاً " لما بين يديه " لما قبله من الكتب، " وهدىً وبشرى للمؤمنين ".
97-" قل من كان عدواً لجبريل " "نزل في عبد الله بن صوريا ، سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عمن ينزل عليه الوحي ؟ فقال : جبريل ، فقال : ذاك عدونا عادانا مراراً ، وأشدها أنه أنزل على نبينا أن بيت المقدس سيخربه بختنصر ، فبعثنا من يقتله فرآه ببابل فدفع عنه جبريل . وقال : إن كان ربكم أمره بهلاككم فلا يسلطكم عليه وإلا فيم تقتلونه ؟" . وقيل :" دخل عمر رضي الله تعالى عنه مدارس اليهود يوماً ، فسألهم عن جبريل فقالوا : ذاك عدونا يطلع محمداً على أسرارنا وإنه صاحب كل خسف وعذاب ، وميكائيل صاحب الخصب والسلام ،فقال : وما منزلتهما من الله ؟ قالوا : جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره وبينهما عداوة ، فقال ، لئن كانا كما تقولون فليسا بعدوين ولأنتم أكفر من الحمير ، ومن كان عدو أحدهما فهو عدو الله . ثم رجع عمر فوجد جبريل قد سبقه بالوحي فقال عليه الصلاة والسلام لقد وافقك ربك يا عمر " . وفي جبريل ثمان لغات قرئ بهن أربع في : المشهور جبرئيل كسلسبيل قراءة حمزة و الكسائي / و " جبريل " بكسر الراء وحذف الهمزة قراءة ابن كثير ، و جبرئيل كجحموش قراءة عاصم برواية أبي بكر ، و " جبريل " كقنديل قراءة الباقين . وأربع في الشواذ : جبرائيل كجبراعيل ، و جبريل وجبرين ومنع صرفه للعجمة ، والتعريف ، ومهناه عبد الله . " فإنه نزله " البارز الأول لجبريل ، والثاني للقرآن ، وإضماره غير مذكور يدل على فخامة شأنه كأنه لتعينه وفرط شهرته لم يحتج إلى سبق ذكره . " على قلبك " فإنه القابل الأول للوحي ، ومحل الفهم والحفظ ، وكان حقه على قلبي لكنه جاء على حكاية كلام الله تعالى كأنه قال : قل ما تكلمت به " بإذن الله " بأمره ، أو تيسيره حال من فاعله نزله . " مصدقاً لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين " أحوال من مفعوله ، والظاهر أن جواب الشرط " فإنه نزله " ، والمعنى من عادى منهم جبريل فقد خلع ربقه الإنصاف ، أو كفر بما معه من الكتاب بمعاداته إياه لنزوله عليك بالوحي ، لأنه نزول كتاباً مصدقاً للكتب المتقدمة ، فحذف الجواب وأقيم علته مقامه ، أو من عاداه فالسبب في عداوته أنه نزله عليك . وقيل محذوف مثل : فليمت غيظاً ، أو فهو عدو لي وأنا عدو له . كما قال :
97. Say (O Muhammad, to mankind): Who is an enemy to Gabriel! For he it is who bath revealed (this Scripture) to thy heart by Allah's leave, confirming that which was (re- vealed) before it, and a guidance and glad tidings to believers;
97 - Say: whoever is an enemy to Gabriel for he brings down the (revelation) to they heart by God's will, a confirmation of what went before, and guidance and glad tidings for those who believe,