[البقرة : 80] وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللّهِ عَهْدًا فَلَن يُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ
(وقالوا) لما وعدهم النبي النار (لن تمسنا) تصيبنا (النار إلا أياما معدودة) قليلة أربعين يوما مدة عبادة آبائهم العجل [وقيل أربعة أيام] ثم تزول (قل) لهم يا محمد (أتخذتم) حذفت منه همزة الوصل استغناء بهمزة الاستفهام (عند الله عهدا) ميثاقا منه بذلك (فلن يخلف الله عهده) به ، لا (أم) بل (تقولون على الله ما لا تعلمون)
قوله تعالى وقالوا لن تمسنا النار الآية أخرج الطبراني في الكبير وابن جرير وابن أبي حاتم من طريق ابن إسحق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس قال قدم رسول الله المدينة ويهود تقول إنما مدة الدنيا سبعة آلاف سنة وإنما يعذب الناس بكل ألف سنة من أيام
الدنيا يوما واحدا في النار من أيام الآخرة فإنما هي سبعة أيام ثم ينقطع العذاب فأنزل الله في ذلك وقالوا لن تمسنا النار إلى قوله فيها خالدون
وأخرج ابن جرير من طريق الضحاك عن ابن عباس أن اليهود قالوا لن ندخل النار إلا تحلة لقسم الأيام التي عبدنا فيها العجل أربعين ليلة فإذا انقضت انقطع عنا العذاب فنزلت الآيه وأخرج عن عكرمة وغيره
قال أبو جعفر: يعني بقوله: "وقالوا"، اليهود. يقول: وقالت اليهود: "لن تمسنا النار"، يعني: لن تلاقي أجسامنا النار ولن ندخلها، "إلا أياما معدودة". وإنما قيل "معدودة"، وإن لم يكن مبيناً عددها في التنزيل، لأن الله جل ثناؤه أخبر عنهم بذلك، وهم عارفون عدد الأيام التي يوقتونها لمكثهم في النار. فلذلك ترك ذكر تسمية عدد تلك الأيام، وسماها "معدودة"، لما وصفنا.
ثم اختلف أهل التأويل في مبلغ الأيام المعدودة التي عينها اليهود، القائلون ما أخبر الله عنهم من ذلك، فقال بعضهم بما: حدثنا به أبو كريب قال، حدثنا عثمان بن سعيد، عن بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس: "وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة"، قال ذلك أعداء الله اليهود، قالوا: لن يدخلنا الله النار إلا تحلة القسم، الأيام التي أصبنا فيها العجل: أربعين يومًا، فإذا إنقضت عنا تلك الأيام، انقطع عنا العذاب والقسم.
حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: "لن تمسنا النار إلا أياما معدودة"، قالوا: أياماً معدودة بما أصبنا في العجل.
حدثنا موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة"، قال: قالت اليهود: إن الله يدخلنا النار فنمكث فيها أربعين ليلة، حتى إذا أكلت النار خطايانا واستنقتنا، نادى مناد: أخرجوا كل مختون من ولد بني إسرائيل. فنذلك أمرنا أن نختتن. قالوا: فلا يدعون منا في النار أحداً إلا أخرجوه.
حدثني المثنى قال، حدثنا آدم قال، حدثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية قال: قالت اليهود: إن ربنا عتب علينا في أمرنا، فأقسم ليعذبنا أربعين ليلة، ثم يخرجنا. فأكذبهم الله.
حدثني المثنى قال، حدثنا آدم قال، حدثنا أبو جعفر، عن قتادة قال: قالت اليهود: لن ندخل النار إلا تحلة القسم، عدد الأيام التي عبدنا فيها العجل.
حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: "لن تمسنا النار إلا أياما معدودة" الآية، قال ابن عباس: ذكر أن اليهود وجدوا في التوراة مكتوبًا، أن ما بين طرفي جهنم مسيرة أربعين سنة، إلى أن ينتهوا إلى شجرة الزقوم نابتة في أصل الجحيم وكان ابن عباس يقول: إن الجحيم سقر، وفيها شجرة الزقوم فزعم أعداء الله، أنه إذا خلا العدد الذي وجدوا في كتابهم أياماً معدودة وإنما يعني بذلك المسير الذي ينتهي إلى أصل الجحيم فقالوا: إذا خلا العدد انتهى الأجل، فلا عذاب، وتذهب جهنم وتهلك. فذلك قوله: "لن تمسنا النار إلا أياما معدودة"، يعنون بذلك الأجل. فقال ابن عباس: لما اقتحموا من باب جهنم، ساروا في العذاب حتى انتهوا إلى شجرة الزقوم آخر يوم من الأيام المعدودة، قال لهم خزان سقر: زعمتم أنكم لن تمسكم النار إلا أياما معدودة! فقد خلا العدد، وأنتم في الأبد! فأخذ بهم في الصعود في جهنم يرهقون.
حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: "وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة"، إلا أربعين ليلة.
حدثني المثنى قال، حدثنا إسحق قال، حدثنا حفص بن عمر، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة قال: "خاصمت اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: لن ندخل النار إلا أربعين ليلة، وسيخلفنا فيها قوم آخرون يعنون محمدًا وأصحابه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده على رؤوسهم: بل أنتم خالدون، لا يخلفكم فيها أحد". فأنزل الله جل ثناؤه: "وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة".
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا حجاج، عن ابن جريج قال: أخبرني الحكم بن أبان، عن عكرمة، قال: اجتمعت يهود يومًا تخاصم النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: "لن تمسنا النار إلا أياما معدودة"، وسموا أربعين يومًا ثم يخلفنا، أو يلحقنا، فيها أناس. فأشاروا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذبتم، بل أنتم فيها خالدون مخلدون، لا نلحقكم ولا نخلفكم فيها إن شاء الله أبدًا.
حدثني يونس بن عبد الأعلى قال، أخبرناعلي بن معبد، عن أبي معاوية، عن جويبر، عن الضحاك في قوله: "لن تمسنا النار إلا أياما معدودة"، قال: قالت اليهود: لا نعذب في النار يوم القيامة إلا أربعين يومًا، مقدار ما عبدنا العجل.
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد، حدثني أبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم: "أنشدكم بالله وبالتوراة التي أنزلها الله على موسى يوم طور سيناء، من أهل النار الذين أنزلهم الله في التوراة؟ قالوا: إن ربهم غضب عليهم غضبة، فنمكث في النار أربعين ليلة، ثم نخرج فتخلفوننا فيها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذبتم والله، لا نخلفكم فيها أبدًا". فنزل القرآن تصديقاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم وتكذيبًا لهم: "وقالوا لن تمسنا النار إلا أيامًا معدودة قل أتخذتم عند الله عهدا" إلى قوله: "هم فيها خالدون ".
وقال آخرون في ذلك بما:حدثنا أبو كريب قال، حدثنا يونس بن بكير قال، حدثنا ابن إسحق قال: حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت قال، حدثني سعيد بن جبير، أو عكرمة، عن ابن عباس قال: كانت يهود يقولون: إنما مدة الدنيا سبعة آلاف سنة، وإنما يعذب الله الناس يوم القيامة بكل ألف سنة من أيام الدنيا يومًا واحدًا من أيام الاخرة، وإنها سبعة أيام. فأنزل الله في ذلك من قولهم: "وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة" الآية.
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن محمدبن إسحق قال، حدثني محمد بن أبى محمد، عن سعيد بن جبير، أو عكرمة، عن ابن عباس قال: "قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، ويهود تقول: إنما مدة الدنيا سبعة آلاف سنة، وإنما يعذب الناس في النار بكل ألف سنة من أيام الدنيا، يومًا واحدًا في النار من أيام الآخرة، فإنما هي سبعة أيام، ثم ينقطع العذاب". فأنزل الله عز وجل في ذلك من قولهم: "لن تمسنا النار" الآية.
حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبوعاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: "قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة"، قال: كانت تقول: إنما الدنيا سبعة آلاف سنة، وإنما نعذب مكان كل ألف سنة يومًا.
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله إلا أنه قال: كانت اليهود تقول: إنما الدنيا، وسائر الحديث مثله.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج، قال مجاهد: وقالوا لن تمسنا النار إلا أيامًا معدودة من الدهر. وسموا عدة سبعة آلاف سنة، من كل ألف سنة يومًا. يهود تقوله.
القول في تأويل قوله تعالى: " قل أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون ".
قال أبو جعفر: لما قالت اليهود ما قالت من قولها: "لن تمسنا النار إلا أياما معدودة" على ما قد بينا من تأويل ذلك قال الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد، لمعشر اليهود: "أتخذتم عند الله عهدا": أأخذتم بما تقولون من ذلك من الله ميثاقاً، فالله لا ينقض ميثاقه، ولا يبدل وعده وعقده، أم تقولون على الله الباطل جهلاً وجراءة عليه؟ كما:حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "قل أتخذتم عند الله عهدا"، أي: موثقاً من الله بذلك أنه كما تقولون.
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهدمثله.
حدثني المثنى قال، حدثنا آدم قال، حدثنا أبو جعفر، عن قتادة قال: قالت اليهود: لن ندخل النار إلا تحلة القسم، عدة الأيام التي عبدنا فيها العجل، فقال الله:‎"أتخذتم عند الله عهدا"، بهذا الذي تقولونه؟ ألكم بهذا حجة وبرهان؟ فلن يخلف الله عهده، فهاتوا حجتكم وبرهانكم، أم تقولون على الله ما لا تعلمون؟
حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عثمان بن سعيد، عن بشربن عمارة، عن أبي روق،عن الضحاك، عن ابن عباس قال: لما قالت اليهود ما قالت، قال الله جل ثناؤه لمحمد، قل: "أتخذتم عند الله عهدا"، يقول: أدخرتم عند الله عهدًا؟ يقول: أقلتم لا إله إلا الله، لم تشركوا ولم تكفروا به؟ فإن كنتم قلتموها فارجوا بها، وإن كنتم لم تقولوها، فلم تقولون على الله ما لا تعلمون؟ يقولون: لو كنتم قلتم لا إله إلا الله ولم تشركوا به شيئًا، ثم متم على ذلك، لكان لكم ذخرًا عندي، ولم أخلف وعدي لكم: أني أجازيكم بها.
حدثنى موسى بن هرون قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: لما قالت اليهود ما قالت، قال الله عز وجل: "قل أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده " وقال في مكان آخر: "وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون" (آل عمران: 24)، ثم أخبر الخبر فقال: "بلى من كسب سيئة".
قال أبو جعفر: وهذه الأقوال التي رويناها عن ابن عباس و مجاهد وقتادة، بنحو ما قلنا في تأويل قوله: "قل أتخذتم عند الله عهدا". لأن مما أعطاه الله عباده من ميثاقه: أن من آمن به وأطاع أمره، نجاه من ناره يوم القيامة. ومن الإيمان به، الإقرار بأن لا إله إلا الله. وكذلك من ميثاقه الذي واثقهم به: أن من أتى الله يوم القيامة بحجة تكون له نجاة من النار، فينجيه منها. وكل ذلك، وإن اختلفت ألفاظ قائليه، فمتفق المعاني، على ما قلنا فيه. والله تعالى أعلم.
فيه ثلاث مسائل :
الأولى : قوله تعالى : "وقالوا" يعني اليهود . "لن تمسنا النار إلا أياما معدودة" اختلف في سبب نزولها ، فقيل :
"إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لليهود : من أهل النار ؟ . قالوا : نحن ، ثم تخلفونا أنتم . فقال :كذبتم ، لقد علمتم أنا لا نخلفكم" فنزلت هذه الآية ، قاله ابن زيد . وقال عكرمة عن ابن عباس : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة واليهود تقول : إنما هذه الدنيا سبعة آلاف ، وإنما يعذب الناس في النار لكل ألف سنة من أيام الدنيا يوم واحد في النار من أيام الآخرة ، وإنما هي سبعة أيام ، فأنزل الله الآية ، وهذا قول مجاهد . وقالت طائفة : قالت اليهود إن في التوارة أن جهنم مسيرة أربعين سنة ، وأنهم يقطعون في كل يوم سنة حتى يكملوها وتذهب جهنم . ورواه الضحاك عن ابن عباس . وعن ابن عباس : زعم اليهود أنهم وجدوا في التوارة مكتوباً أن ما بين طرفي جهنم مسيرة أربعين سنة إلى أن ينتهوا إلى شجرة الزقوم . وقالوا : إنما نعذب حتى ننتهي إلى شجرة الزقوم فتذهب جهنم وتهلك . وعن ابن عباس أيضاً و قتادة : :ان اليهود قالت إن الله أقسم أن يدخلهم النار أربعين يوماً عدد عبادتهم العجل ، فأكذبهم الله ، كما تقدم .
الثانية : في هذه الآية رد على أبي حنيفة وأصحابه حيث استدلوا بقوله عليه السلام :
"دعي الصلاة أيام أقرائك" في أن مدة الحيض ما يسمي أيام الحيض ، وأقلها ثلاثة فيه أحد عشر ، قالوا لأن ما دون الثلاثة يسمى يوماً ويومين ، وما زاد على العشرة يقال فيه أحد عشر يوماً ولا يقال فيه أيام ، وإنما يقال أيام من الثلاثة إلى العشرة ، قال الله تعالى : "فصيام ثلاثة أيام في الحج" ، "تمتعوا في داركم ثلاثة أيام" ، "سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما" .
فيقال لهم : فقد قال الله تعالى في الصوم : "أياما معدودات" ، يعني جميع الشهر ، وقال : "لن تمسنا النار إلا أياما معدودات" . يعني أربعين يوماً . وأيضاً فإذا أضيفت الأيام إلى عارض لم يرد به تحديد العدد ، بل يقال : ايام مشيك وسفرك وإقامتك ،وإن كان ثلاثين وعشرين وما شئت من العدد ، ولعله أراد ما كان معتاداً لها ، والعادة ست أو سبع ، فخرج الكلام عليه ، والله أعلم .
الثالثة : قوله تعالى : "قل أتخذتم" تقدم القول في اتخذ فلا معنى لإعادته . "عند الله عهدا" أي أسلفتم عملاً صالحاً فآمنتم وأطعتم فتستوجبون بذلك الخروج من النار ! أو هل عرفتم ذلك بوحيه الذي عهده إليكم "فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون" توبيخ وتقريع .
يقول تعالى إخباراً عن اليهود فيما نقلوه وادعوه لأنفسهم من أنهم لن تمسهم النار إلا أياماً معدودة، ثم ينجون منها، فرد الله عليهم ذلك بقوله تعالى "قل أتخذتم عند الله عهداً" أي بذلك، فإن كان قد وقع عهد فهو لا يخلف عهده، ولكن هذا ما جرى ولا كان، ولهذا أتى بأم التي بمعنى بل، أي بل تقولون على الله ما لا تعلمون من الكذب والافتراء عليه، قال محمد بن إسحاق عن سيف بن سليمان، عن مجاهد ، عن ابن عباس: أن اليهود كانوا يقولون أن هذه الدنيا سبعة آلاف سنة، وإنما نعذب بكل ألف سنة يوماً في النار وإنما هي سبعة أيام معدودة فأنزل الله تعالى "وقالوا لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة" إلى قوله "خالدون" ثم رواه عن محمد، عن سعيد أو عكرمة عن ابن عباس بنحوه، وقال العوفي عن ابن عباس "وقالوا لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة" اليهود قالوا: لن تمسنا النار إلا أربعين ليلة، زاد غيره وهي مدة عبادتهم العجل، وحكاه القرطبي عن ابن عباس وقتادة، وقال الضحاك وقال ابن عباس زعمت اليهود أنهم وجدوا في التوراة مكتوباً أن ما بين طرفي جهنم مسيرة أربعين سنة إلى أن ينتهوا إلى شجرة الزقوم التي هي نابتة في أصل الجحيم، وقال أعداء الله إنما نعذب حتى ننتهي إلى شجرة الزقوم فتذهب جهنم وتلك فذلك قوله تعالى: "وقالوا لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة" وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة "وقالوا لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة" يعني الأيام التي عبدنا فيها العجل وقال عكرمة خاصمت اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا لن ندخل النار إلا أربعين ليلة، وسيخلفنا فيها قوم آخرون، تعنون محمداً صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده على رؤوسهم "بل أنتم خالدون مخلدون لا يخلفكم فيها أحد" فأنزل الله عز وجل "وقالوا لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة" الاية، وقال الحافظ أبو بكر بن مردويه رحمه الله: حدثنا عبد الرحمن بن جعفر ، حدثنا محمد بن محمد بن صخر ، حدثنا أبو عبد الرحمن المقرئ, حدثنا ليث بن سعد، حدثني سعيد بن أبي سعيد، "عن أبي هريرة، قال: لما فتحت خيبر أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم، شاة فيها سم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اجمعوا لي من كان من اليهود ههنا فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبوكم ؟ قالوا فلان، قال كذبتم بل أبوكم فلان فقالوا: صدقت وبررت، ثم قال لهم هل أنتم صادقي عن شيء إن سألتكم عنه ؟ قالوا نعم يا أبا القاسم، وإن كذبناك عرفت كذبنا كما عرفته في أبينا، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل النار ؟ فقالوا: نكون فيها يسيراً ثم تخلفونا فيها، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم اخسئوا والله لا نخلفكم فيها أبداً ثم قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم هل أنتم صادقي عن شيء إن سألتكم عنه ؟ قالوا: نعم يا أبا القاسم، قال: هل جعلتم في هذه الشاة سماً ؟ فقالوا: نعم، قال فما حملكم على ذلك ؟ فقالوا: أردنا إن كنت كاذباً أن نستريح منك، وإن كنت نبياً لم يضر "، ورواه الإمام أحمد والبخاري والنسائي من حديث الليث بن سعد بنحوه.
80- "وقالوا" أي اليهود "لن تمسنا النار" الآية. وقد اختلف في سبب نزول الآية كما سيأتي بيانه. والمراد بقوله: "قل أتخذتم عند الله عهداً" الإنكار عليهم لما صدر منهم من هذه الدعوى الباطلة أنها لم تمسهم النار إلا أياماً معدودة: أي لم يتقدم لكم مع الله عهد بهذا، ولا أسلفتم من الأعمال الصالحة ما يصدق هذه الدعوى حتى يتعين الوفاء بذلك وعدم إخلاف العهد: أي إن اتخذتم عند الله عهداً فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون. قال في الكشاف، وأم إما أن تكون معادلة بمعنى أي الأمرين كائن على سبيل التقرير لأن العلم واقع بكون أحدهما، ويجوز أن تكون منقطعة انتهى، وهذا توبيخ لهم شديد. قال الرازي في تفسيره: العهد في هذا الموضع يجري مجرى الوعد، وإنما سمى خبره سبحانه عهداً لأن خبره أوكد من العهود المؤكدة.
80. " وقالوا " يعني اليهود " لن تمسنا النار " [لن يصيبنا النار] " إلا أياماً معدودة " قدراً مقدراً ثم يزول عنا العذاب ويعقبه النعيم واختلفوا في هذه الآية، قال ابن عباس و مجاهد : كانت اليهود يقولون: هذه الدنيا سبعة آلاف سنة، وإنما نعذب بكل ألف سنة يوماً واحداً ثم ينقطع العذاب بعد سبعة آيام. وقال قتادة و عطاء : يعنون أربعين يوماً التي عبد فيها آباؤهم العجل، وقال الحسن و أ[و العالية : قالت اليهود: إن ربنا عتب علينا في أمر، فأقسم ليعذبنا أربعين يوماً فلن تمسنا النار إلا أربعين يوماً تحلة القسم، فقال الله عز وجل تكذيباً لهم: " قل " يا محمد " أتخذتم عند الله " ألف استفهام دخلت على ألف الوصل، عند الله " عهداً "؟ موثقاً أن لايعذبكم إلا هذه المدة " فلن يخلف الله عهده " ووعده قال ابن مسعود: عهداً بالتوحيد، يدل عليه قوله تعالى: " إلا من اتخذ عند الرحمن عهداً " (87-مريم) يعني: قول لا إله إلا الله " أم تقولون على الله ما لا تعلمون " ثم قال
80-" وقالوا لن تمسنا النار " المس اتصال الشئ بالبشرة بحيث تتأثر الحاسة به ، واللمس كالطلب له ولذلك يقال ألمسه فلا أجده . " إلا أياماً معدودةً " محصورة قليلة ، روي أن بعضهم قالوا نعذب بعدد أيام عبادة العجل أربعين يوماً ، وبعضهم قالوا مدة الدنيا سبعة آلاف سنة وإنما نعذب مكان كل ألف سنة يوماً " قل أتخذتم عند الله عهداً " خبراً أو وعد بما تزعمون . وقرأ ابن كثير و حفص بإظهار الذال . والباقون بإدغامه " فلن يخلف الله عهده " جواب شرط مقدر أي : إن اتخذتم عند الله عهداً فلن يخلف الله عهده ، وفيه دليل على أن الخلف في خبره محال .
" أم تقولون على الله ما لا تعلمون " أم معادلة لهمزة الاستفهام بمعنى أي الأمرين كائن ، على سبيل التقرير للعلم بوقوع أحدهما ، أو منقطعة بمعنى : بل أتقولون ، على التقرير والتقريع .
80. And they say: The fire (of punishment) will not touch save for a certain number of days. Say: Have ye received a covenant from Allah truly Allah will not break His covenant or tell ye concerning Allah that which ye know not?
80 - And they say: the fire shall not touch us but for a few numbered days: say: have ye taken a promise from God, for he never breaks his ye say of God what ye do not know?