[البقرة : 79] فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـذَا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ
(فويل) شدة عذاب (للذين يكتبون الكتاب بأيديهم) أي مختلقا من عندهم (ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا) من الدنيا وهم اليهود غيروا صفة النبي في التوراة وآية الرجم وغيرهما وكتبوها على خلاف ما أنزل (فويل لهم مما كتبت أيديهم) من المختلق (وويل لهم مما يكسبون) من الرُّشا جمع رشوة
قوله تعالى فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ك أخرج النسائي عن ابن عباس قال نزلت هذه الآية في أهل الكتاب ك وأخرج ابن أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس قال نزلت في أحبار اليهود وجدوا صفة النبي صلى الله عليه وسلم مكتوبة في التوراة أكحل أعين ربعة جعد الشعر حسن الوجه فمحوه حسدا وبغيا وقالوا نجده طويلا أزرق سبط الشعر
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: "فويل ". فقال بعضهم بما:حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عثمان بن سعيد، عن بشربن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس: "فويل"، يقول: فالعذاب عليهم.
وقال آخرون بما:حدثنا به ابن بشار قال، حدثنا ابن مهدي قال، حدثنا سفيان، عن زياد بن فياض، قال: سمعت أبا عياض يقول: الويل: ما يسيل من صديد في أصل جهنم.
حدثنا بشر بن أبان الحطاب قال، حدثنا وكيع، عن سفيان، عن زياد بن فياض، عن أبي عياض في قوله: "فويل "، قال: صهريج في أصل جهنم، يسيل فيه صديدهم.
حدثنا علي بن سهل الرملي قال، حدثنا زيد بن أبي الزرقاء قال، حدثنا سفيان، عن زياد بن فياض، عن أبي عياض قال: الويل، واد من صديد في جهنم.
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا مهران، عن شقيق قال: ويل، ما يسيل من صديد في أصل جهنم.
وقال آخرون بما:حدثنا به المثنى قال، حدثنا إبراهيم بن عبد السلام بن صالح التستري قال، حدثنا علي بن جرير، عن حماد بن سلمة، عن عبد الحميد بن جعفر، عن كنانة العدوي، عن عثمان بن عفان، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الويل جبل في النار".
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، حدثني عمرو بن الحارث، عن دراج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "ويل واد في جهنم، يهوي فيه الكافر أربعين خريفاً قبل أن يبلغ إلى قعره ".
قال أبو جعفر: فمعنى الآية على ما روي عمن ذكرت قوله في تأويل، ويل : فالعذاب، الذي هو شرب صديد أهل جهنم في أسفل الجحيم، لليهود الذين يكتبون الباطل بأيديهم، ثم يقولون: هذا من عند الله.
القول في تأويل قوله تعالى: " للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا".
قال أبو جعفر: يعني بذلك الذين حرفوا كتاب الله من يهود بني إسرائيل، وكتبوا كتاباً على ما تأولوه من تأويلاتهم، مخالفاً لما أنزل الله على نبيه موسى صلى الله عليه وسلم، ثم باعوه من قوم لا علم لهم بها، ولا بما في التوراة، جهال بما في كتب الله لطلب عرض من الدنيا خسيس، فقال الله لهم: "فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون "، كما:حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (‎"فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا"، قال: كان ناس من اليهود كتبوا كتاباً من عندهم، يبيعونه من العرب، ويحدثونهم أنه من عند الله، ليأخذوا به ثمناً قليلاً.
حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عثمان بن سعيد قال، حدثنا بشربن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس قال: الأميون قوم لم يصدقوا رسولاً أرسله الله، ولا كتابًا أنزله الله، فكتبوا كتاباً بأيديهم، ثم قالوا لقوم سفلة جهال: هذا من عند الله، "ليشتروا به ثمنا قليلا ". قال: عرضاً من عرض الدنيا.
حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبوعاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: "للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله "، قال: هؤلاء الذين عرفوا أنه من عند الله، يحرفونه.
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله إلا أنه قال: ثم يحرفونه.
حدثنا بشربن معاذ قال، حدثنا يزيد، عن قتادة: "فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم " الآية، وهم اليهود.
حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: "فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله "، قال: كان ناس من بني إسرائيل كتبوا كتاباً بأيديهم، ليتأكلوا الناس، فقالوا: هذا من عند الله، وما هو من عند الله.
حدثني المثنى قال، حدثنا آدم قال، حدثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية قوله: "فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا"، قال: عمدوا الى ما أنزل الله في كتابهم من نعت محمد صلى الله عليه وسلم فحرفوه عن مواضعه، يبتغون بذلك عرضاً من عرض الدنيا، فقال: "فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون ".
حدثني المثنى بن إبراهيم قال، حدثنا إبراهيم بن عبد السلام قال، حدثنا علي بن جرير، عن حماد بن سلمة، عن عبد الحميد بن جعفر، عن كنانة العدوي، عن عثمان بن عفان رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون "، الويل جبل في النار، وهو الذي أنزل في اليهود، لأنهم حرفوا التوراة، وزادوا فيها ما يحبون، ومحوا منها ما يكرهون، ومحوا اسم محمد صلى الله عليه وسلم من التوراة. فلذلك غضب الله عليهم، فرفع بعض التوراة، فقال: "فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون ".
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني سعيد بن أبي أيوب، عن محمد بن عجلان، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، قال: ويل، واد في جهنم، لو سيرت فيه الجبال لانماعت من شدة حره.
قال أبو جعفر: إن قال لنا قائل: وما وجه قوله: "فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم "؟ وهل تكون الكتابة بغير اليد، حتى احتاج المخاطبون بهذه المخاطبة، إلى أن يخبروا عن هؤلاء القوم الذين قص قصتهم أنهم كانوا يكتبون الكتاب بأيديهم؟
قيل له: إن الكتاب من بني آدم، وإن كان منهم باليد، فإنه قد يضاف الكتاب إلى غير كاتبه وغير المتولي رسم خطه فيقال: كتب فلان إلى فلان بكذا، وإن كان المتولي كتابته بيده، غير المضاف إليه الكتاب، إذا كان الكاتب كتبه بأمر المضاف إليه الكتاب. فأعلم ربنا بقوله: "فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم " عباده المؤمنين، أن أحبار اليهود تلي كتابة الكذب والفرية على الله بأيديهم، على علم منهم وعمد للكذب على الله، ثم تنحله إلى أنه من عند الله وفي كتاب الله، تكذبا على الله وافتراء عليه. فنفى جل ثناؤه بقوله: "يكتبون الكتاب بأيديهم "، أن يكون ولي كتابة ذلك بعض جهالهم بأمر علمائهم وأحبارهم. وذلك نظير قول القائل: باعني فلان عينه كذا وكذا، فاشترى فلان نفسه كذا، يراد بإدخال النفس والعين في ذلك، نفي اللبس عن سامعه، أن يكون المتولي بيع ذلك أو شراءه، غير الموصوف له أمره، ويوجب حقيقة الفعل للمخبر عنه. فكذلك قوله: "فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ".
القول في تأويل قوله تعالى: "فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون ".
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: "فويل لهم مما كتبت أيديهم "، أي: فالعذاب في الوادي السائل من صديد أهل النار في أسفل جهنم لهم، يعني: للذين يكتبون الكتاب، الذي وصفنا أمره من يهود بني إسرائيل محرفاً، ثم قالوا: هذا من عند الله، ابتغاء عرض من الدنيا به قليل ممن يبتاعه منهم.
وقوله: "مما كتبت أيديهم"، يقول: من الذي كتبت أيديهم من ذلك، وويل لهم أيضاً "مما يكسبون "، يعني: مما يعملون من الخطايا، ويجترحون من الآثام، ويكسبون من الحرام، بكتابهم الذي يكتبونه بأيديهم بخلاف ما أنزل الله، ثم يأكلون ثمنه، وقد باعوه ممن باعوه منهم على أنه من كتاب الله، كما:حدثني المثنى قال، حدثنا آدم قال، حدثنا أبو جعفر، عن الربيع ، عن أبي العالية: "وويل لهم مما يكسبون "، يعني: من الخطيئة.
حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عثمان بن سعيد، عن بشربن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس: "فويل لهم"، يقول: فالعذاب عليهم. قال: يقول: من الذي كتبوا بأيديهم من ذلك الكذب، "وويل لهم مما يكسبون "، يقول: مما يأكلون به من السفلة وغيرهم. قال أبو جعفر: وأصل الكسب : العمل. فكل عامل عملاً، بمباشرة منه لما عمل، ومعاناة باحتراف، فهوكاسب لما عمل، كما قال لبيد بن ربيعة:
لمعفر قهد تنازع شلوه غبس كواسب، لايمن طعامها
فيه خمس مسائل :
الأولى : قوله : "فويل" اختلف في الويل ما هو ، فروى عثمان بن عفان عن النبي صلى الله عليه وسلم :
"إنه جبل من نار" . وروى أبو سعيد الخدري .
"أن الويل واد في جهنم بين رجلين يهوي فيه الهاوي أربعين خريفا" وروي عن سفيان و عطاء بن يسار : أن الويل في هذه الآية واد يجري بفناء جهنم من صديد أهل النار . وقيل : صهريج في جهنم : وحكى الزهراوي عن آخرين : أنه باب من أبواب جهنم . وعن ابن عباس :الويل المشقة من العذاب . وقال الخليل : الويل شدة الشر . الأصمعي الويل تفجع ، والويح ترحم . سيبويه : ويل لمن وقع في الهلكة ، وويح زجر لمن أشرف على الهلكة . ابن عرفة : الويل الحزن ، يقال : تويل الرجل إذا دعا بالويل ، وإنما يقال ذلك عند الحزن والمكروه ، ومنه قوله : "فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم" . وقيل : أصله الهلكة ، وكل من وقع في هلكة دعا بالويل ، ومنه قوله تعالى : "يا ويلتنا مال هذا الكتاب" . وهي الويل الويلة ، وهما الهلكة ، والجمع الويلات ، قال :
له الويل إن أمسي ولا أم هاشم
وقال أيضاً :
فقالت لك الويلات إنك مرجلي
وارتفع ويل بالابتداء ، وجاز الابتداء به وإن كان نكرة لأن فيه معنى الدعاء . قال الأخفش : ويجوز النصب على إضمار فعل ، أي ألزمهم الله ويلاً . وقال الفراء :الأصل في الويل وي أي حزن ، كما تقول : وي لفلان ، أي حزن له ، فوصلته العرب باللام وقدروها منه فأعربوها . والأحسن فيه إذا فصل عن الإضافة الرفع ، لأنه يقتضي الوقوع . ويصح النصب على معنى الدعاء ، كما ذكرنا .
قال الخليل : ولم يسمع على بنائه إلا ويح وويس وويه وويك وويل وويب ، وكله يتقارب في المعنى . وقد فرق بينها قوم ، وهي مصادر لم تنطق العرب منها بفعل . قال الجرمي :ومما ينتصب انتصاب المصادر ويله وعوله وويحه وويسه ، فإذا أدخلت اللام رفعت فقتل : ويل له ، وويح له .
الثانية :قوله تعالى : "للذين يكتبون"الكتابة معروفة .
أول من كتب بالقلم وخط به إدريس عليه السلام ، وجاء ذلك في حديث أبي ذر ، خرجه الآجري وغيره . وقد قيل : إن آدم عليه السلام أعطي الخط فصار وراثة في ولده .
الثالثة : قوله تعالى "بأيديهم" تأكيد ، فإنه قد علم أن الكتاب لا يكون إلا باليد ، فهو مثل قوله : "ولا طائر يطير بجناحيه" ، وقوله : "يقولون بأفواههم" . وقيل : فائدة "بأيديهم" بيان لجرمهم وإثبات لمجاهرتهم ، فإن من تولى الفعل أشد مواقعة ممن لم يتوله وإن كان رأياً له . وقال ابن السراج : "بأيديهم" كناية عن أنهم من تلقائهم دون أن ينزل عليهم ، وإن لم تكن حقيقة في كتب أيديهم .
الرابعة : في هذه الاية والتي قبلها التحذير من التبديل والتغيير والزيادة في الشرع ، فكل من بدل وغير أو ابتدع في دين الله ما ليس منه ولا يجوز فيه فهو داخل تحت هذا الوعيد الشديد، والعذاب الأليم ، وقد حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته لما قد علم ما يكون في آخر الزمان فقال :
"ألا إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على اثنتين وسبعين ملة وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة" الحديث ، وسيأتي . فحذرهم أن يحدثوا من تلقاء أنفسهم في الدين خلاف كتاب الله أو سنته أو سنة أصحابه فيضلوا به الناس ، وقد وقع ما حذره وشاع ، وكثر وذاع ، فأنا لله وإنا إليه راجعون .
الخامسة : قوله تعالى : "ليشتروا به ثمنا قليلا" وصف الله تعالى ما يأخذونه بالقلة إما لفنائه وعدم ثباته ، وإما لكونه حراماً ، لأن الحرام لا بركة فيه ولا يربو عند الله . قال ابن إسحاق و الكلبي : كانت صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتابهم ربعة اسمر ، فجعلوه آدم سبطاً طويلاً ، وقالوا لأصحابهم وأتباعهم : انظروا إلى صفة النبي صلى الله عليه وسلم الذي يبعث في آخر الزمان ليس يشبهه نعت هذا . وكانت للأحبار والعلماء رياسة ومكاسب ، فخافوا إن بينوا أن تذهب مآكلهم ورياستهم ، فمن ثم غيروا .
ثم قال تعالى : "فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون" قيل من المآكل . وقيل من المعاصي . وكرر الويل تغليظاً لفعلهم .
يقول تعالى: " ومنهم أميون " أي ومن أهل الكتاب، قاله مجاهد، والأميون جمع أمي، وهو الرجل الذي لا يحسن الكتابة، قال أبو العالية والربيع وقتادة وإبراهيم النخعي وغير واحد وهو ظاهر في قوله تعالى "لا يعلمون الكتاب" أي لا يدرون ما فيه. ولهذا في صفات النبي صلى الله عليه وسلم: أنه الأمي لأنه لم يكن يحسن الكتابة، كما قال تعالى "وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذاً لارتاب المبطلون" وقال عليه الصلاة السلام "إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب الشهر هكذا وهكذا وهكذا" الحديث، أي لا نفتقر في عباداتنا ومواقيتها إلى كتاب ولا حساب، وقال تبارك وتعالى: "هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم" وقال ابن جرير: نسبت العرب من لا يكتب ولا يخط من الرجال إلى أمه من جهله بالكتاب دون أبيه. قال: وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما: قول خلاف هذا، وهو ما حدثنا به أبو كريب حدثنا عثمان بن سعيد ، عن بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس، في قوله تعالى: "ومنهم أميون" قال الأميون: قوم لم يصدقوا رسولاً أرسله الله، ولا كتاباً أنزله الله، فكتبوا كتاباً بأيديهم، ثم قالوا لقوم سفلة جهال هذا من عند الله، وقال: قد أخبر أنهم يكتبون بأيديهم ثم سماهم أميين لجحودهم كتب الله ورسله، ثم قال ابن جرير : وهذا التأويل تأويل على خلاف ما يعرف من كلام العرب المستفيض بينهم، وذلك أن الأمي عند العرب الذي لا يكتب. قلت: ثم في صحة هذا عن ابن عباس بهذا الإسناد نظر ، والله أعلم. وقوله تعالى: "إلا أماني" قال ابن أبي طلحة عن ابن عباس: إلا أماني الأحاديث، وقال الضحاك عن ابن عباس في قوله تعالى "إلا أماني" يقول إلا قولاً يقولون بأفواههم كذباً. وقال مجاهد إلا كذباً: وقال سنيد عن حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد "ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني" قال أناس من اليهود، لم يكونوا يعلمون من الكتاب شيئاً، وكانوا يتكلمون بالظن بغير ما في كتاب الله ويقولون هو من الكتاب، أماني يتمنونها، وعن الحسن البصري نحوه، وقال أبو العالية والربيع وقتادة: إلا أماني يتمنون على الله ما ليس لهم، وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: إلا أماني، قال: تمنوا فقالوا: نحن من أهل الكتاب وليسوا منهم، قال ابن جرير : والأشبه بالصواب قول الضحاك عن ابن عباس، وقال مجاهد: إن الأميين الذين وصفهم الله تعالى أنهم لا يفقهون من الكتاب الذي أنزله الله تعالى على موسى شيئاً ولكنهم يتخرصون الكذب ويتخرصون الأباطيل كذباً وزوراً، والتمني في هذا الموضع هو تخلق الكذب وتخرصه، ومنه الخبر المروي عن عثمان بن عفان رضي الله عنه: ما تغنيت ولا تمنيت، يعني ما تخرصت الباطل ولا اختلقت الكذب، وقيل المراد بقوله إلا أماني بالتشديد والتخفيف أيضاً: أي إلا تلاوة، فعلى هذا يكون استثناء منقطعاً، واستشهدوا على ذلك بقوله تعالى: " إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته " الاية، وقال كعب بن مالك الشاعر:
تمنى كتاب الله أول ليلة وآخره لاقى حمام المقادر
وقال آخر:
تمنى كتاب الله آخر ليلة تمنى داود الكتاب على رسل
وقال محمد بن إسحاق: حدثني محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير ، عن ابن عباس "لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون" أي ولا يدرون ما فيه، وهم يجدون نبوتك بالظن، وقال مجاهد: "وإن هم إلا يظنون" يكذبون وقال قتادة وأبو العالية والربيع: يظنون بالله الظنون بغير الحق. قوله تعالى: "فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً" الاية، هؤلاء صنف آخر من اليهود . وهم الدعاة إلى الضلال بالزور والكذب على الله وأكل أموال الناس بالباطل، والويل: الهلاك والدمار ، وهي كلمة مشهورة في اللغة، وقال سفيان الثوري عن زياد بن فياض: سمعت أبا عياض يقول: ويل صديد في أصل جهنم وقال عطاء بن يسار : الويل واد في جهنم لو سيرت فيه الجبال لماعت. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا يونس بن عبد الأعلى، أخبرنا ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث عن دراج، عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ويل واد في جهنم يهوي فيه الكافر أربعين خريفاً قبل أن يبلغ قعره" ورواه الترمذي عن عبد الرحمن بن حميد، عن الحسن بن موسى، عن ابن لهيعة، عن دارج به، وقال هذا الحديث غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة (قلت) لم ينفرد به ابن لهيعة كما ترى، ولكن الافة ممن بعده، وهذا الحديث بهذا الإسناد مرفوع منكر ، والله أعلم. وقال ابن جرير حدثنا المثنى، حدثنا إبراهيم بن عبد السلام، حدثنا صالح القشيري، حدثنا علي بن جرير عن حماد بن سلمة، عن عبد الحميد بن جعفر ، عن كنانة العدوي، عن عثمان بن عفان رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون" قال "الويل جبل في النار" وهو الذي أنزل في اليهود، لأنهم حرفوا التوراة، زادوا فيها ما أحبوا، ومحوا منها ما يكرهون، ومحوا اسم محمد صلى الله عليه وسلم من التوراة ولذلك غضب الله عليهم، فرفع بعض التوراة فقال تعالى: "فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون" وهذا غريب أيضاً جداً، وعن ابن عباس: الويل المشقة من العذاب، وقال الخليل بن أحمد: الويل شدة الشر ، وقال سيبويه: ويل لمن وقع في الهلكة، وويح لمن أشرف عليها، وقال الأصمعي: الويل تفجع، والويح ترحم، وقال غيره: الويل: الحزن، وقال الخليل: وفي معنى ويل: ويح وويش وويه وويك وويب، ومنهم من فرق بينها، وقال بعض النحاة: إنما جاز الابتداء بها وهي نكرة لأن فيها معنى الدعاء ، ومنهم من جوز نصبها بمعنى: ألزمهم ويلاً (قلت) لكن لم يقرأ بذلك أحد ، وعن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما "فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم" قال: هم أحبار اليهود ، وكذا قال سعيد عن قتادة: هم اليهود ، وقال سفيان الثوري عن عبد الرحمن بن علقمة: سألت ابن عباس رضي الله عنه، عن قوله تعالى: "فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم" قال: نزلت في المشركين وأهل الكتاب، وقال السدي: كان ناس من اليهود كتبوا كتاباً من عندهم يبيعونه من العرب ويحدثونهم أنه من عند الله فيأخذوا به ثمناً قليلاً، وقال الزهري: أخبرني عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس أنه قال: يا معشر المسلمين كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء، وكتاب الله الذي أنزله على نبيه أحدث أخبار الله تقرؤونه غضاً لم يشب وقد حدثكم الله تعالى أن أهل الكتاب قد بدلوا كتاب الله وغيروه، وكتبوا بأيديهم الكتاب وقالوا: هو من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً، أفلا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مساءلتهم، ولا والله ما رأينا منهم أحداً قط سألكم عن الذي أنزل عليكم، رواه البخاري من طرق عن الزهري، وقال الحسن بن أبي الحسن البصري: الثمن القليل الدنيا بحذافيرها. وقوله تعالى: "فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون" أي فويل لهم مما كتبوا بأيديهم من الكذب والبهتان والافتراء، وويل لهم مما أكلوا به من السحت، كما قال الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما "فويل لهم" يقول: فالعذاب عليهم من الذي كتبوا بأيديهم من ذلك الكذب، وويل لهم مما يكسبون يقول مما يأكلون به الناس السفلة وغيرهم.
والويل: الهلاك. وقال الفراء: الأصل في الويل وي: أي حزن كما تقول وي لفلان: أي حزن له، فوصلته العرب باللام، قال الخليل: ولم نسمع على بنائه إلا ويح، وويس، وويه، وويك، وويب، وكله متقارب في المعنى، وقد فرق بينها قوم وهي مصادر لم ينطق العرب بأفعالها، وجاز الابتداء به وإن كان نكرة لأنه فيه معنى الدعاء. والكتابة معروفة، والمراد: أنهم يكتبون الكتاب المحرف ولا يبينون ولا ينكرونه على فاعله. وقوله: 79- "بأيديهم" تأكيد لأن الكتابة لا تكون إلا باليد فهو مثل قوله: "ولا طائر يطير بجناحيه" وقوله: "يقولون بأفواههم" وقال ابن سراج: هو كناية عن أنه من تلقائهم دون أن ينزل عليهم. وفيه أنه قد دل على أنه من تلقائهم قوله: "يكتبون الكتاب" فإسناد الكتابة إليهم يفيد ذلك. والاشتراء: الاستبدال، وقد تقدم الكلام عليه، ووصفه بالقلة لكونه فانياً لا ثواب فيه، أو لكونه حراماً لا تحل به البركة، فهؤلاء الكتبة لم يكتفوا بالتحريف ولا بالكتابة لذلك المحرف حتى نادوا في المحافل بأنه من عند الله، لينالوا بهذه المعاصي المتكررة هذا الغرض النزير والعوض الحقير. وقوله: "مما يكسبون" قيل: من الرشا ونحوها، وقيل: من المعاصي، وكرر الويل تغليظاً عليهم وتعظيماً لفعلهم وهتكاً لأستارهم.
79. قوله تعالى: " فويل " قال الزجاج : ويل كلمة يقولها كل واقع في هلكة، وقيل: هو دعاء الكفار على أنفسهم بالويل والثبور، وقال ابن عباس: شدة العذاب، وقال سعيد بن المسيب: ويل واد في جهنم لو سيرت فيه جبال الدنيا لانماعت من شدة حره.
أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة أنا طاهر محمد بن أحمد بن الحارث أنا أبو الحسن محمد بن يعقوب الكسائي أنا عبد الله بن محمود أنا أبو اسحاق ابراهيم بن عبد الله الخلال أنا عبد الله بن المبارك عن رشدين بن سعد [ عن عمرو بن الحارث أنه حدث عن أبي السمح عن أبي الهيثم ] عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الويل واد في جهنم يهوي فيه الكافر أربعين خريفاً قبل أن يبلغ قعره، والصعود جبل من نار يتصعد فيه سبعين خريفاً ثم يهوي فهو كذلك ".
" للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً " وذلك أن أحبار اليهود خافوا ذهاب مأكلتهم وزوال رياستهم حين قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، فاحتالوا في تعويق اليهود عن الايمان به فعمدوا إلى صفته في التوراة، وكانت صفته فيها: حسن الوجه، حسن الشعر، أكحل العينين، ربعة، فغيروها وكتبوا مكانها طوال أزرق سبط الشعر فإذا سألهم سفلتهم عن صفته قرؤوا ما كتبوا فيجدونه مخالفاً لصفته فيكذبونه وينكرونه، قال الله تعالى " فويل لهم مما كتبت أيديهم " يعني ما كتبوا بأنفسهم اختراعاً من تغيير نعت محمد صلى الله عليه وسلم " وويل لهم مما يكسبون " من المآكل ويقال: من المعاصي.
79-" فويل " أي تحسر وهلك . ومن قال إنه واد أو جبل في جهنم فمعناه : أن فيها موضعاً يتبوأ فيه من جعل له الويل ، ولعله سماه بذلك مجازاً . وهو في الأصل مصدر لا فعل له وإنما ساغ الابتداء به نكرة لأنه دعاء . " للذين يكتبون الكتاب " يعني المحرفين ، ولعله أراد به ما كتبوه من التأويلات الزائغة . " بأيديهم " تأكيد كقولك : كتبته بيميني " ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً " كي يحصلوا به عرضاً من أعراض الدنيا ، فإنه وإن جعل قليل بالنسبة إلى ما استوجبوه من العقاب الدائم . " فويل لهم مما كتبت أيديهم " يعني المحرف . " وويل لهم مما يكسبون " يريد به الرشى .
79. Therefore woe be unto those who write the Scripture with their hands anthem say, "This is from Allah," that they may purchase a small gain therewith. Woe unto them for that their hands have written, and woe unto them for that they earn thereby.
79 - Then woe to those who write the book with their own hands, and then say: this is from God, to traffic with it for a miserable price! woe to them for what their hands do write, and for the gain they make thereby.