[البقرة : 70] قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ إِنَّ البَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِن شَاء اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ
(قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي) أسائمة أم عاملة (إن البقر) أي جنسه المنعوت بما ذكر (تشابه علينا) لكثرته فلم نهتد إلى المقصودة (وإنا إن شاء الله لمهتدون) إليها ، وفي الحديث" لو لم يستثنوا لما بُيِّنَت لهم لآخر الأبد"
قال أبو جعفر: يعني بقوله: "قالوا"، قال قوم موسى الذين أمروا بذبح البقرة لموسى.
فترك ذكر موسى، وذكر عائد ذكره، اكتفاء بما دل عليه ظاهر الكلام. وذلك أن معنى الكلام قالوا له: ادع ربك. فلم يذكر له لما وصفنا.
وقول: "يبين لنا ما هي "، خبر من الله عن القوم بجهلة منهم ثالثة. وذلك أنهم لو كانوا، إذ أمروا بذبح البقرة، ذبحوا أيها تيسرت مما يقع عليه اسم بقرة، كانت عنهم مجزئة، ولم يكن عليهم غيرها، لأنهم لم يكونوا كلفوها بصفة دون صفة. فلما سألوا بيانها بأي صفة هي، بين لهم أنها بسن من الأسنان دون سن سائر الأسنان، فقيل لهم: هي عوان بين الفارض والبكر والضرع. فكانوا إذ بينت لهم سنها لو ذبحوا أدنى بقرة بالسن التي بينت لهم، كانت عنهم مجزئة، لأنهم لم يكونوا كففوها بغير السن التي حدت لهم، ولا كانوا حصروا على لون منها دون لون. فلما أبوا إلا أن تكون معرفة لهم بنعوتها، مبينة بحدودها التي تفرق بينها وبين سائر بهائم الأرض، فشددوا على أنفسهم شدد الله عليه بكثرة سؤالهم نبيهم واختلاقهم عليه.
ولذلك قال نبينا صلى الله عليه وسلم لأمته: " ذروني ما تركتكم، فإنما اهلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم. فإذا أمرتكم بشيء فأتوه، واذا نهيتكم عن شيء فانتهوا عنه ما استطعتم ".
قال أبو جعفر: ولكن القوم لما زادوا نبيهم موسى صلى الله عليه وسلم أذىً وتعنتاً، زادهم الله عقوبة وتشديدًا، كما: حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عثام بن علي، عن الأعمش، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: لو أخذوا أدنى بقرة اكتفوا بها، لكنهم شددوا فشدد الله عليهم.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا المعتمر قال، سمعت أيوب، عن محمد بن سيرين، عن عبيدة قال: لو أنهم أخذوا أدنى بقرة لأجزأت عنهم.
حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن أيوب.
وحدثني المثنى قال، حدثنا آدم قال، حدثنا أبو جعفر، عن هشام بن حسان جميعاً، عن ابن سيرين، عن عبيدة السلماني قال: سألوا وشددوا فشدد عليهم.
حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة قال: لو أخذ بنو إسرائيل بقرة لأجزأت عنهم. ولولا قولهم: "وإنا إن شاء الله لمهتدون "، لما وجدوها.
حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبوعاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: " وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة"، لو أخذوا بقرة ما كانت، لأجزأت عنهم. "قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر"، قال: لو أخذوا بقرة من هذا الوصف لأجزأت عنهم. "قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين "، قال: لو أخذوا بقرة صفراء لأجزأت عنهم. "قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي "، "قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث " الآية.
حدثني المثنى بن إبراهيم قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد بنحوه وزاد فيه: ولكنهم شددوا فشدد عليهم.
حدثني القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج، قال مجاهد: لو أخذوا بقرة ما، كانت أجزأت عنهم . قال ابن جريج، قال لي عطاء: لو أخذوا أدنى بقرة كفتهم. قال ابن جريج، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم": إنما امروا بأدنى بقرة، ولكنهم لما شددوا على أنفسهم شدد الله عليهم؟ وايم الله لو أنهم لم يستثنوا لما بينت لهم آخر الأبد".
حدثني المثنى قال، حدثنا آدم قال، حدثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية قال: لو أن القوم حين أمروا أن يذبحوا بقرة، استعرضوا بقرة فذبحوها، لكانت إياها، ولكنهم شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم. ولولا أن القوم استثنوا فقالوا: "وإنا إن شاء الله لمهتدون "، لما هدوا إليها أبداً.
حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قال: ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "إنما أمر القوم بأدنى بقرة، ولكنهم لما شددوا على أنفسهم شدد عليهم. والذي نفس محمد بيده، لو لم يستثنوا لما بينت لهم آخر الأبد".
حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: في خبر ذكره، عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس قال: لو اعترضوا بقرة فذبحوها لأجزأت عنهم، ولكنهم شددوا وتعنتوا موسى فشدد الله عليهم.
حدثنا أبو كريب قال، قال أبو بكر بن عياش، قال ابن عباس: لو أن القوم نظروا أدنى بقرة يعني بني إسرائيل لأجزأت عنهم، ولكن شددوا فشدد عليهم، فاشتروها بملء جلدها دنانير.
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: لو أخذوا بقرة كما أمرهم الله كفاهم ذلك، ولكن البلاء في هذه المسائل، فقالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي، فشدد عليهم، فقال: "إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك "، فقالوا: "ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين "، قال: وشدد عليهم أشد من الأول، فقرأ حتى بلغ: "مسلمة لا شية فيها"، فأبوا أيضاً فقالوا: "ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علينا وإنا إن شاء الله لمهتدون " فشدد عليهم، فقال: "إنه يقول إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث مسلمة لا شية فيها"، قال: فاضطروا إلى بقرة لا يعلم على صفتها غيرها، وهي صفراء ليس فيها سواد ولا بياض.
قال أبو جعفر: وهذه الأقوال التي ذكرناها عمن ذكرناها عنه من الصحابة والتابعين والخالفين بعدهم، من قولهم إن بني إسرائيل لو كانوا أخذوا أدنى بقرة فذبحوها أجزأت عنهم، ولكنهم شددوا فشدد الله عليهم من أوضح الدلالة على أن القوم كانوا يرون أن حكم الله، فيما أمر ونهى في كتابه وعلى لسانه رسوله صلى الله عليه وسلم، على العموم الظاهر، دون الخصوص الباطن، إلا أن يخص بعض ما عمه ظاهر التنزيل، كتاب من الله أو رسول الله؟ وأن التنزيل أو الرسول، إن خص بعض ما عمه ظاهر التنزيل بحكم خلاف ما دل عليه الظاهر، فالمخصوص من ذلك خارج من حكم الآية التي عمت ذلك الجنس خاصة، وسائر خكم الاية على العموم؟ على نحو ما قد بيناه في كتابنا كتاب الرسالة من لطيف القول في البيان عن أصول الأحكام في قولنا في العموم والخصوص، وموافقة قولهم في ذلك قولنا ومذهبهم مذهبنا، وتخطئتهم قول القائلين بالخصوص في الأحكام، وشهادتهم على فساد قول من قال: حكم الآية الجائية مجيء العموم على العموم، ما لم يختص منها بعض ما عمته الآية. فإن خص منها بعض، فحكم الآية حينئذ على الخصوص فيما خص منها، وسائر ذلك على العموم.
وذلك أن جميع من ذكرنا قوله آنفاً ممن عاب على بني إسرائيل مسألتهم نبيهم صلى الله عليه وسلم عن صفة البقرة التي أمروا بذبحها وسنها وحليتها رأوا أنهم كانوا في مسألتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم موسى ذلك مخطئين، وأنهم لو كانوا استعرضوا أدنى بقرة من البقر إذ أمروا بذبحها بقوله: "إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة"، فذبحوها كانوا للواجب عليهم من أمر الله في ذلك مؤدين، وللحق مطيعين، إذ لم يكن القوم حصروا على نوع من البقر دون نوع، وسن دون سن.
ورأوا مع ذلك أنهم إذ سألوا موسى عن سنها فأخبرهم عنها، وحصرهم منها على سن دون سن ونوع دون نوع، وخص من جميع أنواع البقر نوعاً منها كانوا في مسألتهم إياه في المسألة الثانية، بعد الذي خص لهم من أنواع البقر، من الخطأ على مثل الذي كانوا عليه من الخطأ في مسألتهم إياه المسألة الأولى.
وكذلك رأوا أنهم في المسألة الثالثة على مثل الذي كانوا عليه من ذلك في الأولى والثانية،وأن اللازم كان لهم في الحالة الأولى، استعمال ظاهر الأمر، وذبح أي بهيمة شاؤوا مما وقع عليها اسم بقرة.
وكذلك رأوا أن اللازم كان لهم في الحال الثانية، استعمال ظاهر الأمر وذبح أي بهيمة شاؤوا مما وقع عليها اسم بقرة عوان لا فارض ولا بكر، ولم يروا أن حكمهم إذ خص لهم بعض البقر دون البعض في الحالة الثانية انتقل عن اللازم الذي كان لهم في الحالة الأولى، من استعمال ظاهر الأمر إلى الخصوص.
ففي إجماع جميعهم على ما روينا عنهم من ذلك مع الرواية التي رويناها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالموافقة لقولهم دليل واضح على صحة قولنا في العموم والخصوص، وأن أحكام الله جل ثناؤه في آي كتابه فيما أمر ونهى على العموم، ما لم يخص ذلك ما يجب التسليم. له. وأنه إذا خص منه شيء، فالمخصوص منه خارج حكمه من حكم الآية العامة الظاهر، وسائر حكم الآية على ظاهرها العام ومؤيد حقيقة ما قلنا في ذلك، وشاهد عدل على فساد قول من خالف قولنا فيه.
وقد زعم بعض من عظمت جهالته، واشتدت حيرته، أن القوم إنما سألوا موسى ما سألوا بعد أمر الله إياهم بذبح بقرة من البقر، لأنهم ظنوا أنهم أمروا بذبح بقرة بعينها خصت بذلك، كما خصت عصا موسى في معناها، فسألوه أن يحليها لهم ليعرفوها.
ولو كان الجاهل تدبر قوله هذا، لسهل عليه ما استصعب من القول. وذلك أنه استعظم من القوم مسألتهم نبيهم ما سألوه تشددًا منهم في دينهم، ثم أضاف إليهم من الأمر ما هو أعظم مما استنكره أن يكون كان منهم. فزعم أنهم كانوا يرون أنه جائز أن يفرض الله عليهم فرضاً، ويتعبدهم بعبادة، ثم لا يبين لهم ما يفرض عليهم ويتعبدهم به، حتى يسألوا بيان ذلك لهم! فأضاف إلى الله تعالى ذكره ما لا يجوز إضافته إليه، ونسب القوم من الجهل إلى ما لا ينسب المجانين إليه! فزعم أنهم كانوا يسألون ربهم أن يفرض عليهم الفرائض، فنعوذ بالله من الحيرة، ونسأله التوفيق والهداية. وأما قوله: "إن البقر تشابه علينا"، فإن "البقر" جماع بقرة.
وقد قرأ بعضهم: إن الباقر، وذلك وإن كان في الكلام جائزاً، لمجيئه في كلام العرب وأشعارها، كما قال ميمون بن قيس:
وما ذنبه أن عافت الماء باقر وما إن تعاف الماء إلا ليضربا
وكما قال أمية:
ويسوقون باقر السهل للطـ ـود مهازيل خشية أن تبورا
فغير جائزة القراءة به، لمخالفته القراءة الجائية مجيء الحجة، بنقل من لا يجوز عليه فيما نقلوه مجمعين عليه الخطأ والسهو والكذب.
وأما تأويل قوله: "تشابه علينا"، فإنه يعني به: التبس علينا. والقرأة مختلفة في تلاوته. فبعضهم كانوا يتلونه: "تشابه علينا"، بتخفيف الشين ونصب الهاء، على مثال تفاعل ، ويذكر الفعل، وإن كان البقر جماعًا. لأن من شأن العرب تذكير كل فعل جمع كانت وحدانه بالهاء، وجمعه بطرح الهاء وتأنيثه، كما قال الله تعالى في نظيره في التذكير: "كأنهم أعجاز نخل منقعر"
(القمر: 20) فذكر المنقعر وهو من صفة النخل، لتذكير لفظ النخل وقال في موضع آخر: "كأنهم أعجاز نخل خاوية" (الحاقة: 7)، فأنث الخاوية وهي من صفة النخل بمعنى النخل. لأنها وإن كانت في لفظ الواحد المذكر على ما وصفنا قبل فهي جماع نخلة.
وكان بعضهم يتلوه: "إن البقر تشابه علينا"، بتشديد الشين وضم الهاء، فيؤنث الفعل بمعنى تأنيث البقر، كما قال: أعجاز نخل خاوية، ويدخل في أول تشابه تاء تدل على تأنيثها، ثم تدغم التاء الثانية في، شين تشابه لتقارب مخرجها ومخرج الشين فتصير شينا مشددة وترفع الهاء بالاستقبال والسلامة من الجوازم والنواصب.
وكان بعضهم يتلوه: "إن البقر تشابه علينا "، فيخرج يشابه مخرج الخبر عن الذكر، لما ذكرنا من العلة في قراءة من قرأ ذلك تشابه بالتخفيف ونصب الهاء، غير أنه كان يرفعه بـ الياء التي يحدثها في أول تشابه التي تأتي بمعنى الاستقبال، وتدغم التاء في الشين كما فعله القارىء في تشابه بـ التاء والتشديد.
قال أبو جعفر: والصواب في ذلك من القراءة عندنا: "إن البقر تشابه علينا"، بتخفيف شين ، تشابه ونصب هائه ، بمعنى أتفاعل ، لإجماع الحجة من القراء على تصويب ذلك، ودفعهم ما سواه من القراآت. ولا يعترض على الحجة بقول من يجوز عليه فيما نقل السهو والغفلة والخطأ.
وأما قوله "وإنا إن شاء الله لمهتدون "، فإنهم عنوا: وإنا إن شاء الله لمبين لنا ما التبس علينا وتشابه من أمر البقرة التي أمرنا بذبحها. ومعنى اهتدائهم في هذا الموضع معنى: تبينهم أي ذلك الذي لزمهم ذبحه مما سواه من أجناس البقر.
قوله تعالى : "إن البقر تشابه علينا" سألوا سؤالاً رابعاً ، ولم يمتثلوا الأمر بعد البيان . وذكر البقر لأنه بمعنى الجمع ، ولذلك قال : "إن البقر تشابه علينا" فذكره للفظ تذكير البقر . قال قطرب : جمع البقرة باقر وباقور وبقر . وقال الأصمعي : الباقر جمع باقرة ، قال : ويجمع بقر على باقورة ، حكاه النحاس . وقال الزجاج : المعنى إن جنس البقر . وقرأ الحسن فيما ذكر النحاس ، والأعرج فيما ذكر الثعلبي ( إن البقر تشابه ) بالتاء وشد الشين ، جعله فعلاً مستقبلاً وأنثه . والأصل تتشابه ، ثم أدغم التاء في الشين . وقرأ مجاهد تشبه كقراءتهما ، إلا أنه بغير ألف .وفي مصحف أبي تشابهت بتشديد الشين . قال أبو حاتم : وهو غلظ ، لأن التاء في هذا الباب لا تدغم إلا في المضارعة . وقرأ يحيى بن يعمر إن الباقر يشابه جعله فعلاً مستقبلاً ، وذكر البقر وأدغم . ويجوز أن البقر تشابه بتخفيف الشين وضم الهاء ، وحكاها الثعلبي عن الحسن . النحاس : ولا يجوز يشابه بتخفيف الشين والياء ، وإنما جاز في التاء لأن الأصل تتشابه فحذفت لاجتماع التائين . والبقر والباقر والبيقور والبقير لغات بمعنى ، والعرب تذكره وتؤنثه ، وإلى ذلك ترجع معاني القراءات في تشابه . وقيل :إنما قالوا : "إن البقر تشابه علينا" لأن وجوه البقر تتشابه ، ومنه حديث حذيفة بن اليمان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر .
"فتنا كقطع الليل تأتي كوجوه البقر" . يريد أنها يشبه بعضها بعضاً . ووجوه البقر تتشابه ، ولذلك قالت بنو إسرائيل : إن البقر تشابه علينا .
قوله تعالى : "وإنا إن شاء الله لمهتدون" استثناء منهم ، وفي استنثائهم في هذا السؤال الأخير إنابة ـ ما ـ وانقياد ، ودليل ندم على موافقة الأمر . وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
"لو ما استثنوا ما اهتدوا إليها أبدا" . وتقدير الكلام وإنا لمهتدون إن شاء الله . فقدم على ذكر الاهتداء اهتماماً به . و "شاء" في موضع جزم بالشرط ، وجوابه عند سيبويه الجملة "إن" وما عملت فيه . وعند أبي العباس المبرد محذوف .
أخبر تعالى عن تعنت بني إسرائيل وكثرة سؤالهم لرسولهم، لهذا لما ضيقوا على أنفسهم ضيق الله عليهم، ولو أنهم ذبحوا أي بقرة كانت لوقعت الموقع عنهم، كما قال ابن عباس وعبيدة وغير واحد، ولكنهم شددوا فشدد عليهم فقالوا: "ادع لنا ربك يبين لنا ما هي" أي ما هذه البقرة وأي شيء صفتها، قال ابن جرير، حدثنا أبو كريب، حدثنا ثمام بن علي، عن الأعمش، عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: لو أخذوا أدنى بقرة لاكتفوا بها، ولكنهم شددوا فشدد عليهم ـ اسناد صحيح ـ وقد رواه غير واحد عن ابن عباس، وكذا قال عبيدة والسدي ومجاهد وعكرمة وأبو العالية وغير واحد ، وقال ابن جريج : قال لي عطاء: لو أخذوا أدنى بقرة لكفتهم، قال ابن جريج: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما أمروا بأدنى بقرة ولكنهم لما شددوا شدد الله عليهم وايم الله لو أنهم لم يستثنوا لما بينت لهم آخر الأبد" قال: "إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر" أي لا كبيرة هرمة ولا صغيرة لم يلحقها الفحل، كما قاله أبو العالية والسدي ومجاهد وعكرمة وعطية العوفي وعطاء الخراساني ووهب بن منبه والضحاك والحسن وقتادة، وقاله ابن عباس أيضاً، وقال الضحاك عن ابن عباس: عوان بين ذلك، يقول نصف بين الكبير والصغيرة، وهي أقوى ما يكون من الدواب والبقر ، وأحسن ما تكون، وروي عن عكرمة ومجاهد وأبي العالية والربيع بن أنس وعطاء الخراساني والضحاك نحو ذلك، وقال السدي: العوان: النصف التي بين ذلك التي قد ولدت وولد ولدها، وقال هشيم، عن جويبر ، عن كثير بن زياد، عن الحسن في البقرة: كانت بقرة وحشية، وقال ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس: من لبس نعلاً صفراء لم يزل في سرور ما دام لا بسها، وذلك قوله تعالى: "تسر الناظرين" وكذا قال مجاهد ووهب ابن منبه: كانت صفراء، وعن ابن عمر: كانت صفراء الظلف، وعن سعيد بن جبير : كانت صفراء القرن والظلف، وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا نصر بن علي، حدثنا نوح بن قيس، أنبأنا أبو رجاء عن الحسن في قوله تعالى: "بقرة صفراء فاقع لونها" قال سوداء شديدة السواد، وهذا غريب، والصحيح الأول ولهذا أكد صفرتها بأنه "فاقع لونها" وقال عطية العوفي "فاقع لونها" تكاد تسود من صفرتها، وقال سعيد بن جبير "فاقع لونها" قال: صافية اللون. وروي عن أبي العالية والربيع بن أنس والسدي والحسن وقتادة نحوه، وقال شريك عن معمر عن ابن عمر "فاقع لونها" قال: صاف، وقال العوفي في تفسيره عن ابن عباس "فاقع لونها" تكاد تسود من صفرتها، وقال سعيد بن جبير "فاقع لونها" صافية اللون، وروي عن أبي العالية والربيع بن أنس والسدي والحسن وقتادة نحوه، وقال شريك عن معمر عن ابن عمر "فاقع لونها" شديدة الصفرة، تكاد من صفرتها تبيض، وقال السدي "تسر الناظرين" أي تعجب الناظرين، وكذا قال أبو العالية وقتادة والربيع بن أنس. وقال وهب بن منبه: إذا نظرت إلى جلدها تخيلت أن شعاع الشمس يخرج من جلدها. وفي التوارة: أنها كانت حمراء ، فلعل هذا خطأ في التعريب، أو كما قال الأول: إنها كانت شديدة الصفرة تضرب إلى حمرة وسواد، والله أعلم. وقوله تعالى: "إن البقر تشابه علينا" أي لكثرتها، فميز لنا هذه البقرة وصفها وحلها لنا "وإنا إن شاء الله" إذا بينتها لنا "لمهتدون" إليها، وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن يحيى الأودي الصوفي، حدثنا أبو سعيد أحمد بن داود الحداد، حدثنا سرور بن المغيرة الواسطي بن أخي منصور بن زاذان، عن عباد بن منصور، عن الحسن، عن أبي رافع، عن أبي هريرة: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لولا أن بني إسرائيل قالوا "وإنا إن شاء الله لمهتدون" ما أعطوا أبداً، ولو أنهم اعترضوا بقرة من البقر فذبحوها لأجزأت عنهم، ولكن شددوا، فشدد الله عليهم" وهذا حديث غريب من هذا الوجه، وأحسن أحواله أن يكون من كلام أبي هريرة كما تقدم مثله على السدي، والله أعلم، "قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث" أي إنها ليست مذللة بالحراثة ولا معدة للسقي في الساقية، بل هي مكرمة، حسنة، وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة مسلمة يقول لا عيب فيها، وكذا قال أبو العالية والربيع، وقال مجاهد: مسلمة من الشية، وقال عطاء الخراساني مسلمة القوائم والخلق لا شية فيها، قال مجاهد: لا بياض ولا سواد ، وقال أبو العالية والربيع والحسن وقتادة ليس فيها بياض، وقال عطاء الخراساني: لا شية فيها، قال لونها واحد بهيم، وروي عن عطية العوفي ووهب بن منبه وإسماعيل بن أبي خالد نحو ذلك، وقال السدي: لا شية فيها من بياض ولا سواد ولا حمرة، وكل هذه الأقوال متقاربة في المعنى، وقد زعم بعضهم أن المعنى في ذلك قوله تعالى: "إنها بقرة لا ذلول" ليست بمذللة بالعمل، ثم استأنف فقال: "تثير الأرض" أي يعمل عليها بالحراثة، لكنها لا تسقي الحرث، وهذا ضعيف لأنه فسر الذلول التي لم تذلل بالعمل بأنها لا تثير الأرض ولا تسقي الحرث، كذا قرره القرطبي وغيره: " قالوا الآن جئت بالحق " قال قتادة: الان بينت لنا، وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وقبل ذلك والله قد جاءهم الحق "فذبحوها وما كادوا يفعلون" قال الضحاك، عن ابن عباس: كادوا أن لا يفعلوا ولم يكن ذلك الذي أرادوا، لأنهم أرادوا أن لا يذبحوها، يعني أنهم مع هذا البيان وهذه الأسئلة والأجوبة والإيضاح ما ذبحوها إلا بعد الجهد، وفي هذا ذم لهم، وذلك أنه لم يكن غرضهم إلا التعنت، فلهذا ما كادوا يذبحونها. وقال محمد بن كعب ومحمد بن قيس: فذبحوها وما كادوا يفعلون لكثرة ثمنها، وفي هذا نظر ، لأن كثرة الثمن لم يثبت إلا من نقل بني إسرائيل كما تقدم من حكاية أبي العالية والسدي، ورواه العوفي عن ابن عباس، وقال عبيدة ومجاهد وهب بن منبه وأبو العالية وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم: أنهم اشتروها بمال كثير ، وفيه اختلاف، ثم قد قيل في ثمنها غير ذلك، وقال عبد الرزاق: أنبأنا ابن عيينة، أخبرني محمد بن سوقة عن عكرمة، قال: ما كان ثمنها إلا ثلاثة دنانير ، وهذا إسناد جيد عن عكرمة والظاهر أنه نقله عن أهل الكتاب أيضاً، وقال ابن جرير ، وقال آخرون: لم يكادوا أن يفعلوا ذلك خوف الفضيحة إن اطلع الله على قاتل القتيل الذي اختصموا فيه ولم يسنده عن أحد ، ثم اختار أن الصواب في ذلك أنهم لم يكادوا يفعلوا ذلك لغلاء ثمنها وللفضيحة، وفي هذا نظر بل الصواب، والله أعلم، ما تقدم من رواية الضحاك عن ابن عباس على ما وجهناه، وبالله التوفيق.
(مسألة) استدل بهذه الاية في حصر صفات هذه البقرة حتى تعينت أو تم تقييدها بعد الإطلاق على صحة السلم في الحيوان، كما هو مذهب مالك والأوزاعي والليث والشافعي وأحمد وجمهور من العلماء سلفاً وخلفاً بدليل ما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تنعت المرأة المرأة لزوجها كأنه ينظر إليها" وكما وصف النبي صلى الله عليه وسلم، إبل الدية في قتل الخطأ، وشبه العمد بالصفات المذكورة بالحديث، وقال أبو حنيفة والثوري والكوفيون: لا يصح السلم في الحيوان لأنه لا تنضبط أحواله، وحكي مثله عن ابن مسعود وحذيفة بن اليمان وعبد الرحمن بن سمرة وغيرهم.
ثم لم ينزعوا عن غوايتهم ولا ارعووا من سفههم وجهلهم، بل عادوا إلى تعنتهم فقال: 70- "ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علينا" أي إن جنس البقر يتشابه عليهم لكثرة ما يتصف منها بالعوان الصفراء الفاقعة، ووعدوا من أنفسهم بالاهتداء إلى ما دلهم عليه، والامتثال لما أمروا به.
70. " قالوا: ادع لنا ربك يبين لنا ما هي " أسائمة أم عاملة " إن البقر تشابه علينا " ولم يقل تشابهت لتذكير لفظ البقر كقوله تعالى: " أعجاز نخل منقعر " (20-القمر) وقال الزجاج : أي جنس البقر تشابه، أي التبس واشتبه أمره علينا فلا نهتدي إليه " وإنا إن شاء الله لمهتدون " إلى وصفها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " (والله) لو لم يستثنوا لما بينت لهم إلى آخر الأبد ".
70-" قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي " تكرير للسؤال الأول واستكشاف زائد . وقوله : " إن البقر تشابه علينا " اعتذار عنه ، أي إن البقر الموصوف بالتعوين والصفرة كثير فاشتبه علينا ، وقرئ إن الباقر وهو اسم لجماعة البقر والأباقر والبواقر ، ويتشابه وتتشابه بالياء والتاء ، وتشابه ويشابه ويتشابه بطرح التاء وإدغامها في الشين على التذكير والتأنيث ، وتشابهت وتشابهت مخففاً ومشدداً ، وتشبه بمعنى تتشبه وتشبه بالتذكير ومتشابه ومتشابهة ومتشبه ومتشبهة . " وإنا إن شاء الله لمهتدون " إلى المراد ذبحها ، أو إلى القاتل ، وفي الحديث " لو لم يستثنوا لما بينت لهم آخر الأبد " . واحتج به أصحابنا على أن الحوادث بإرادة الله سبحانه وتعالى ، وأن الأمر قد ينفك عن الإرادة وإلا لم يكن للشرط بعد الأمر معنى . والمعتزلة و الكرامية على حدوث الإرادة ، وأجيب بأن التعليق باعتبار التعلق .
70. They said: Pray for us unto thy Lord that He make clear to us what (cow) she is. Lo! cows are much alike to us; and lo! if Allah wills, we may be led aright.
70 - They said: beseech on our behalf thy Lord to make plain to us what she is: to us are. all heifers alike: we wish indeed for guidance, if God wills.