[البقرة : 68] قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لّنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُواْ مَا تُؤْمَرونَ
فلما علموا أنه عزم (قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي) أي ما سنُّها ؟ (قال) موسى (إنه) أي الله (يقول إنها بقرة لا فارض) مسنة (ولا بكر) صغيرة (عوان) نصف (بين ذلك) المذكور من السنين (فافعلوا ما تؤمرون) به من ذبحها
قال أبو جعفر: فقال الذين قيل لهم: "إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة" بعد أن علموا واستقر عندهم، أن الذي أمرهم به موسى عليه السلام من ذلك عن أمر الله من ذبح بقرة جد وحق، "ادع لنا ربك يبين لنا ما هي "، فسألوا موسى أن يسأل ربه لهم ما كان الله قد كفاهم بقوله لهم: " تذبحوا بقرة". لأنه جل ثناؤه إنما أمرهم بذبح بقرة من البقرأي بقرة شاءوا ذبحها من غير أن يحصر لهم ذلك على نوع منها دون نوع أو صنف دون صنف فقالوا بجفاء أخلاقهم وغلظ طبائعهم، وسوء أفهامهم، وتكلف ما قد وضع الله عنهم مؤونته، تعنتاً منهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، كما: حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قال: لما قال لهم موسى: "أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين ". قالوا له يتعنتونه: "ادع لنا ربك يبين لنا ما هي ".
فلما تكلفوا جهلاً منهم ما تكففوا من البحث عما كانوا قدكفوه من صفة البقرة التي أمروا بذبحها، تعنتاً منهم نبيهم موسى صلوات الله عليه، بعد الذي كانوا أظهروا له من سوء الظن به فيما أخبرهم عن الله جل ثناؤه، بقولهم: "أتتخذنا هزوا" عاقبهم عز وجل بأن حصر ذبح ما كان أمرهم بذبحه من البقر، على نوع منها دون نوع، فقال لهم جل ثناؤه إذ سألوه فقالوا: ما هي؟ ما صفتها؟ وما حليتها؟ صفها لنا لنعرفها قال: "إنها بقرة لا فارض ولا بكر".
يعني بقوله جل ثناؤه: "لا فارض "، لا مسنة هرمة. يقال منه: فرضت البقرة تفرض فروضاً، يعني بذلك: أسنت. ومن ذلك قول الشاعر:
يارب ذي ضغن علي فارض له قروء كقروء الحائض
يعني بقوله: فارض ، قديم. يصف ضغناً قديمًا. ومنه قول الآخر:
لها زجاج ولهاة فارض حدلاء كالوطب نحاه الماخض
وبمثل الذي قلنا في تأويل "فارض " قال المتأولون. ذكر من قال ذلك:حدثني علي بن سعيد الكندي قال، حدثنا عبد السلام بن حرب، عن خصيف، عن مجاهد: "لا فارض "، قال: لا كبيرة.
حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن عطية قال، حدثنا شريك ، عن خصيف، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس أو عن عكرمة، شك شريك: "لا فارض "، قال: الكبيرة.
حدثني محمد بن سعد قال، أخبرني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: "لا فارض "، الفارض: الهرمة.
حدثت عن المنجاب قال، حدثنا بشر، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس: "لا فارض "، يقول: ليست بكبيرة هرمة.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، قال قال ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس: "لا فارض "، الهرمة.
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:الفارض الكبيرة.
حدثنا أحمد بن إسحق الأهوازي قال، حدثنا أبو أحمد الزبيري قال، حدثنا شريك، عن خصيف، عن مجاهد قوله: "لا فارض "، قال: الكبيرة.
حدثنا المثنى قال، حدثنا آدم قال، حدثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية: "لا فارض "، يعني: لا هرمة.
حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع مثله.
حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد، قال حدثنا سعيد، عن قتادة: الفارض، الهرمة.
حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، قال معمر، قال قتادة: الفارض الهرمة. يقول: ليست بالهرمة ولا البكر، عوان بين ذلك.
حدثني موسى بن هرون قال، حدثنا عمروبن حماد قال، حدثنا أسباط، عن السدي: الفارض، الهرمة التي لا تلد.
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: الفارض، الكبيرة.
القول في تأويل قوله تعالى: " ولا بكر".
قال أبو جعفر: و البكرمن إناث البهائم وبني آدم، ما لم يفتحله الفحل، وهي مكسورة الباء. لم يسمع منه فعل ولا يفعل . وأما البكر بفتح الباء، فهو الفتي من الإبل.
وإنما عنى جل ثناؤه بقوله "ولا بكر" ولا صغيرة لم تلد، كما: حدثني علي بن سعيد الكندي قال، حدثنا عبد السلام بن حرب، عن خصيف، عن مجاهد: "ولا بكر"، صغيرة.
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: البكر،الصغيرة.
حدثنا أبو كريب قال، حدثنا الحسن بن عطية قال، حدثنا شريك، عن خصيف، عن سعيد، عن ابن عباس أو عكرمة، شك: "ولا بكر"، قال: الصغيرة.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسن قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس: "ولا بكر"، الصغيرة.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني أبو سفيان ، عن معمر، عن قتادة: " ولا بكر"، ولا صغيرة.
حدثت عن المنجاب قال، حدثنا بشر، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس: "ولا بكر"، ولا صغيرة ضعيفة.
حدثني المثنى قال، حدثنا آدم قال، حدثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية: "ولا بكر"، يعني: ولا صغيرة.
حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع مثله.
وحدثني موسى بن هرون قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: في البكر، لم تلد إلا ولدًا واحدًا.
القول في تأويل قوله تعالى: "عوان ".
قال أبو جعفر:العوان النصف التي قد ولدت بطناً بعد بطن، وليست بنعت للبكر. يقال منه: قد عونت ، إذا صارت كذلك.
وإنما معنى الكلام أنه يقول: إنها بقرة لا فارض ولا بكر بل عوان بين ذلك. ولا يجوز أن يكون عوان إلا مبتدأ. لأن قوله بين ذلك، كناية عن الفارض والبكر، فلا يجوز أن يكون متقدمًا عليهما، ومنه قول الأخطل:
وما بمكة من شمط محفلة وما بيثرب من عون وأبكار
وجمعها عون . يقال: امرأة عوان، من نسوة عون . ومنه قول تميم بن مقبل:
ومأتم كالدمى حور مدامعها لم تبأس العيش أبكارًا ولا عونا
وبقرة عوان وبقر عون . قال: وربما قالت العرب: بقرعون مثل رسل ، يطلبون بذلك الفرق بين جمع عوان من البقر، وجمع عانة من الحمر. ويقال: هذه حرب عوان ، إذا كانت حربًا قد قوتل فيها مرة بعد مرة. يمئل ذلك بالمرأة التي ولدت بطناً بعد بطن. وكذلك يقال: حاجة عوان ، إذا كانت قد قضيت مرة بعد مرة.
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب، أن ابن زيد أنشده:
قعود لدى الأبواب طلاب حاجة عوان من الحاجات أو حاجة بكرا
قال أبو جعفر: والبيت للفرزدق.
وبنحو الذي قلنا في ذلك تأوله أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا علي بن سعيد الكندي، حدثنا عبدالسلام بن حرب، عن خصيف، عن مجاهد: "عوان بين ذلك "، وسط، قد ولدت بطنا أًو بطنين.
حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "عوان "، قال: العوان، العانس النصف.
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: العوان، النصف.
حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن عطية قال، حدثنا شريك ، عن خصيف، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس أو عكرمة، شك شريك "عوان "، قال: بين ذلك.
حدثت عن المنجاب قال، حدثنا بشر، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس: "عوان "، قال: بين الصغيرة والكبيرة، وهي أقوى ما تكون من البقر والدواب، وأحسن ما تكون.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسن قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس: "عوان "، قال: النصف.
حدثني المثنى قال، حدثنا آدم قال، حدثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية: "عوان "، نصف.
وحدثت عن عمار، عن ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، مثله.
حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع، عن سعيد ، عن قتادة: العوان، نصف بين ذلك.
حدثنا أحمد بن إسحق قال، حدثنا أبو أحمد الزبيري قال، حدثنا شريك، عن خصيف، عن مجاهد: عوان، التي تنتج شيئًا بشرط أن تكون التي قد نتجت بكرة أو بكرتين.
حدثنا موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: العوان، النصف التي بين ذلك، التي قد ولدت وولد ولدها.
حدثني يونس، قال أخبرنا ابن وهب، قال قال ابن زيد: العوان، بين ذلك، ليست ببكرولاكبيرة.
القول في تأويل قوله تعالى: " بين ذلك ".
قال أبو جعفر: يعني بقوله "بين ذلك " بين البكر والهرمة، كما:
حدثني المثنى قال، حدثنا آدم قال، حدثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية: "بين ذلك "، أي بين البكر والهرمة.
فإن قال قائل: قد علمت أن بين، لا تصلح إلا أن تكون مع شيئين فصاعدًا، فكيف قيل: "بين ذلك "، و ذلك واحد في اللفظ؟
قيل: إنما صلحت مع كونها واحدة، لأن ذلك بمعنى اثنين، والعرب تجمع في ذلك و ذاك شيئين ومعنيين من الأفعال، كما يقول القائل:أظن أخاك قائمًا، وكان عمروأباك ، ثم يقول: قد كان ذاك، وأظن ذلك . فيجمع بـ ذلك و ذاك الاسم والخبر، الذي كان لا بد لـ ظن و كان منهما.
فمعنى الكلام: قال إنه يقول إنها بقرة لا مسنة هرمة، ولا صغيرة لم تلد، ولكنها بقره نصف قد ولدت بطناً بعد بطن، بين الهرم والشباب. فجمع ذلك معنى الهرم والشباب لما وصفنا. ولو كان مكان الفارض والبكر اسما شخصين، لم يجمع مع بين ذلك . وذلك أن، ذلك لا يؤدي عن اسم شخصين. وغير جائز لمن قال: كنت بين زيد وعمرو، أن يقول: كنت بين ذلك ، وإنما يكون ذلك مع أسماء الأفعال دون أسماء الأشخاص.
القول في تأويل قوله تعالى: "فافعلوا ما تؤمرون ".
قال أبو جعفر: يقول الله لهم جل ثناؤه: افعلوا ما آمركم به، تدركوا حاجاتكم وطلباتكم عندي؟ واذبحوا البقرة التي أمرتكم بذبحها، تصلوا بانتهائكم إلى طاعتي بذبحها إلى العلم بقاتل قتيلكم.
قوله تعالى : "قالوا ادع لنا ربك" هذا تعنيت منهم وقلة طواعية ، ولو امتثلوا الأمر وذبحوا أي بقرة كانت لحصل المقصود ، لكنهم شدودا على أنفسهم فشدد الله عليهم ، قاله ابن عباس وابو العالية وغيرهما . ونحو ذلك روى الحسن البصري عن النبي صلى الله عليه وسلم . ولغة بني عامر ادع وقد تقدم . و"يبين" مجزوم على جواب الأمر . "ما هي" ابتداء وخبر . وماهية الشيء : حقيقتة وذاته التي هو عليها .
قوله تعالى : "قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك" في هذا دليل على جواز النسخ قبل وقت الفعل ، نه لما أمر ببقرة اقتضى أي بقرة كانت ، فلما زاد في الصفة نسخ الحكم الأول بغيره ، كما لو قال : في ثلاثين من الإبل بنت مخاض ، ثم نسخه بابنة لبون أو حقة . وكذلك ها هنا لما عين الصفة صار ذلك نسخاً للحكم المتقدم . والفارض : المسنة . وقد فرضت تفرض فروضاً ، أي أسنت . ويقال للشيء القديم فراض ، قال الراجز :
شيب أصداغي فرأسي أبيض محامل فيها رجال فرض
يعني هرمى ، وقال آخر :
لعمرك قد أعطيت جارك فارضا تساق إليه ما تقوم على رجل
أي قديماً ، وقال آخر :
يا رب ذي ضغن علي فارض له قروء كقروء الحائض
أي قديم . و "لا فارض" رفع على الصفة لبقرة . "ولا بكر" عطف . وقيل : "لا فارض" خبر مبتدأ مضمر ، أي لا هي فارض وكذا لا ذلول ، وكذلك لا تسقي الحرث وكذلك مسلمة فأعلمه . وقيل : الفارض التي قد ولدت بطوناً كثيرة قيتسع جوفها لذلك ، لأن معنى الفارض في اللغة الواسع ، قاله بعض المتأخرين . والبكر : الصغيرة التي لم تحمل . وحكى القتبي أنها التي ولدت . والبكر : الأول من الأولاد ، قال :
يا بكر بكرين ويا خلب الكبد أصبحت مني كذراع من عضد
والبكر أيضاً في إناث البهائم وبني آدم : ما لم يفتحله الفحل ، وهي مكسورة الباء . وبفتحها الفتي من الإبل . والعوان : النصف التي قد ولدت بطناً أو بطنين ، وهي أقوى ما تكون من البقر وأحسنه ، بخلاف الخيل ، قال الشاعر يصف فرساً :
كميت بهيم اللون ليس بفارض ولا بعوان ذات لون مخصف
فرس أخصف : إذا ارتفع البلق من بطنه إلى جنبه . وقال مجاهد : العوان من البقر هي التي قد ولدت مرة بعد مرة . وحكاه أهل اللغة . ويقال : إن العوان النخلة الطويلة وهي فيما زعموا لغة يمانية . وحرب عوان : إذا كان قبلها حرب بكر ، قال زهير :
إذا لقحت حرب عوان مضرة ضروس تهر الناس أنيابها عصل
أي لا هي صغيرة ولا هي مسنة ، أي هي عوان ، وجمعها عون بضم العيم وسكون الواو ، وسمع عون بضم الواو كرسل . وقد تقدم . وحكى الفراء من العوان عونت تعويناً .
قوله تعالى : "فافعلوا ما تؤمرون" تجديد للأمر وتأكيد وتنبيه على ترك التعنت فما تركوه . وهذا يدل على أن مقتضى الأمر الوجوب كما تقوله الفقهاء ، وهو الصحيح على ما هو مذكور في أصول الفقه ، وعلى أن الأمر على الفور ، وهو مذهب أكثر الفقهاء ايضاً . ويدل على صحة ذلك أنه تعالى استقصرهم حين لم يبادروا إلى فعل ما أمروا به فقال : "فذبحوها وما كادوا يفعلون" . وقيل : لا ، بل على التراخي ، لأنه لم يعنفهم على التأخير والمراجعة في الخطاب . قاله ابن خويز منداد .
أخبر تعالى عن تعنت بني إسرائيل وكثرة سؤالهم لرسولهم، لهذا لما ضيقوا على أنفسهم ضيق الله عليهم، ولو أنهم ذبحوا أي بقرة كانت لوقعت الموقع عنهم، كما قال ابن عباس وعبيدة وغير واحد، ولكنهم شددوا فشدد عليهم فقالوا: "ادع لنا ربك يبين لنا ما هي" أي ما هذه البقرة وأي شيء صفتها، قال ابن جرير، حدثنا أبو كريب، حدثنا ثمام بن علي، عن الأعمش، عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: لو أخذوا أدنى بقرة لاكتفوا بها، ولكنهم شددوا فشدد عليهم ـ اسناد صحيح ـ وقد رواه غير واحد عن ابن عباس، وكذا قال عبيدة والسدي ومجاهد وعكرمة وأبو العالية وغير واحد ، وقال ابن جريج : قال لي عطاء: لو أخذوا أدنى بقرة لكفتهم، قال ابن جريج: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما أمروا بأدنى بقرة ولكنهم لما شددوا شدد الله عليهم وايم الله لو أنهم لم يستثنوا لما بينت لهم آخر الأبد" قال: "إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر" أي لا كبيرة هرمة ولا صغيرة لم يلحقها الفحل، كما قاله أبو العالية والسدي ومجاهد وعكرمة وعطية العوفي وعطاء الخراساني ووهب بن منبه والضحاك والحسن وقتادة، وقاله ابن عباس أيضاً، وقال الضحاك عن ابن عباس: عوان بين ذلك، يقول نصف بين الكبير والصغيرة، وهي أقوى ما يكون من الدواب والبقر ، وأحسن ما تكون، وروي عن عكرمة ومجاهد وأبي العالية والربيع بن أنس وعطاء الخراساني والضحاك نحو ذلك، وقال السدي: العوان: النصف التي بين ذلك التي قد ولدت وولد ولدها، وقال هشيم، عن جويبر ، عن كثير بن زياد، عن الحسن في البقرة: كانت بقرة وحشية، وقال ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس: من لبس نعلاً صفراء لم يزل في سرور ما دام لا بسها، وذلك قوله تعالى: "تسر الناظرين" وكذا قال مجاهد ووهب ابن منبه: كانت صفراء، وعن ابن عمر: كانت صفراء الظلف، وعن سعيد بن جبير : كانت صفراء القرن والظلف، وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا نصر بن علي، حدثنا نوح بن قيس، أنبأنا أبو رجاء عن الحسن في قوله تعالى: "بقرة صفراء فاقع لونها" قال سوداء شديدة السواد، وهذا غريب، والصحيح الأول ولهذا أكد صفرتها بأنه "فاقع لونها" وقال عطية العوفي "فاقع لونها" تكاد تسود من صفرتها، وقال سعيد بن جبير "فاقع لونها" قال: صافية اللون. وروي عن أبي العالية والربيع بن أنس والسدي والحسن وقتادة نحوه، وقال شريك عن معمر عن ابن عمر "فاقع لونها" قال: صاف، وقال العوفي في تفسيره عن ابن عباس "فاقع لونها" تكاد تسود من صفرتها، وقال سعيد بن جبير "فاقع لونها" صافية اللون، وروي عن أبي العالية والربيع بن أنس والسدي والحسن وقتادة نحوه، وقال شريك عن معمر عن ابن عمر "فاقع لونها" شديدة الصفرة، تكاد من صفرتها تبيض، وقال السدي "تسر الناظرين" أي تعجب الناظرين، وكذا قال أبو العالية وقتادة والربيع بن أنس. وقال وهب بن منبه: إذا نظرت إلى جلدها تخيلت أن شعاع الشمس يخرج من جلدها. وفي التوارة: أنها كانت حمراء ، فلعل هذا خطأ في التعريب، أو كما قال الأول: إنها كانت شديدة الصفرة تضرب إلى حمرة وسواد، والله أعلم. وقوله تعالى: "إن البقر تشابه علينا" أي لكثرتها، فميز لنا هذه البقرة وصفها وحلها لنا "وإنا إن شاء الله" إذا بينتها لنا "لمهتدون" إليها، وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن يحيى الأودي الصوفي، حدثنا أبو سعيد أحمد بن داود الحداد، حدثنا سرور بن المغيرة الواسطي بن أخي منصور بن زاذان، عن عباد بن منصور، عن الحسن، عن أبي رافع، عن أبي هريرة: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لولا أن بني إسرائيل قالوا "وإنا إن شاء الله لمهتدون" ما أعطوا أبداً، ولو أنهم اعترضوا بقرة من البقر فذبحوها لأجزأت عنهم، ولكن شددوا، فشدد الله عليهم" وهذا حديث غريب من هذا الوجه، وأحسن أحواله أن يكون من كلام أبي هريرة كما تقدم مثله على السدي، والله أعلم، "قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث" أي إنها ليست مذللة بالحراثة ولا معدة للسقي في الساقية، بل هي مكرمة، حسنة، وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة مسلمة يقول لا عيب فيها، وكذا قال أبو العالية والربيع، وقال مجاهد: مسلمة من الشية، وقال عطاء الخراساني مسلمة القوائم والخلق لا شية فيها، قال مجاهد: لا بياض ولا سواد ، وقال أبو العالية والربيع والحسن وقتادة ليس فيها بياض، وقال عطاء الخراساني: لا شية فيها، قال لونها واحد بهيم، وروي عن عطية العوفي ووهب بن منبه وإسماعيل بن أبي خالد نحو ذلك، وقال السدي: لا شية فيها من بياض ولا سواد ولا حمرة، وكل هذه الأقوال متقاربة في المعنى، وقد زعم بعضهم أن المعنى في ذلك قوله تعالى: "إنها بقرة لا ذلول" ليست بمذللة بالعمل، ثم استأنف فقال: "تثير الأرض" أي يعمل عليها بالحراثة، لكنها لا تسقي الحرث، وهذا ضعيف لأنه فسر الذلول التي لم تذلل بالعمل بأنها لا تثير الأرض ولا تسقي الحرث، كذا قرره القرطبي وغيره: " قالوا الآن جئت بالحق " قال قتادة: الان بينت لنا، وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وقبل ذلك والله قد جاءهم الحق "فذبحوها وما كادوا يفعلون" قال الضحاك، عن ابن عباس: كادوا أن لا يفعلوا ولم يكن ذلك الذي أرادوا، لأنهم أرادوا أن لا يذبحوها، يعني أنهم مع هذا البيان وهذه الأسئلة والأجوبة والإيضاح ما ذبحوها إلا بعد الجهد، وفي هذا ذم لهم، وذلك أنه لم يكن غرضهم إلا التعنت، فلهذا ما كادوا يذبحونها. وقال محمد بن كعب ومحمد بن قيس: فذبحوها وما كادوا يفعلون لكثرة ثمنها، وفي هذا نظر ، لأن كثرة الثمن لم يثبت إلا من نقل بني إسرائيل كما تقدم من حكاية أبي العالية والسدي، ورواه العوفي عن ابن عباس، وقال عبيدة ومجاهد وهب بن منبه وأبو العالية وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم: أنهم اشتروها بمال كثير ، وفيه اختلاف، ثم قد قيل في ثمنها غير ذلك، وقال عبد الرزاق: أنبأنا ابن عيينة، أخبرني محمد بن سوقة عن عكرمة، قال: ما كان ثمنها إلا ثلاثة دنانير ، وهذا إسناد جيد عن عكرمة والظاهر أنه نقله عن أهل الكتاب أيضاً، وقال ابن جرير ، وقال آخرون: لم يكادوا أن يفعلوا ذلك خوف الفضيحة إن اطلع الله على قاتل القتيل الذي اختصموا فيه ولم يسنده عن أحد ، ثم اختار أن الصواب في ذلك أنهم لم يكادوا يفعلوا ذلك لغلاء ثمنها وللفضيحة، وفي هذا نظر بل الصواب، والله أعلم، ما تقدم من رواية الضحاك عن ابن عباس على ما وجهناه، وبالله التوفيق.
(مسألة) استدل بهذه الاية في حصر صفات هذه البقرة حتى تعينت أو تم تقييدها بعد الإطلاق على صحة السلم في الحيوان، كما هو مذهب مالك والأوزاعي والليث والشافعي وأحمد وجمهور من العلماء سلفاً وخلفاً بدليل ما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تنعت المرأة المرأة لزوجها كأنه ينظر إليها" وكما وصف النبي صلى الله عليه وسلم، إبل الدية في قتل الخطأ، وشبه العمد بالصفات المذكورة بالحديث، وقال أبو حنيفة والثوري والكوفيون: لا يصح السلم في الحيوان لأنه لا تنضبط أحواله، وحكي مثله عن ابن مسعود وحذيفة بن اليمان وعبد الرحمن بن سمرة وغيرهم.
وقوله: 68- "قالوا ادع لنا ربك" هذا نوع من أنواع تعنتهم المألوفة، فقد كانوا يسلكون هذه المسالك في غالب ما أمرهم الله به ولو تركوا العنت والأسئلة المتكلفة لأجزأهم ذبح بقرة من عرض البقر، ولكنهم شددوا فشدد الله عليهم كما سيأتي بيانه. والفارض: المسنة، ومعناه في اللغة الواسع. قال في الكشاف: وكأنها سميت فارضاً لأنها فرضت سنها: أي قطعتها وبلغت آخرها انتهى. ويقال للشيء القديم فارض، ومنه قول الراجز:
يا رب ذي ضغن علي فارض له قرو كقرو الحائض
أي قديم، وقيل الفارض: التي قد ولدت بطوناً كثيرة فيتسع جوفها. والبكر: الصغيرة التي لم تحمل، وتطلق في إناث البهائم وبني آدم على ما لم يفتحله الفحل، وتطلق أيضاً على الأول من الأولاد، ومنه قول الراجز:
يا بكر بكرين ويا صلب الكبد أصبحت مني كذارع من عضد
والعوان: المتوسطة بين سني الفارض والبكر، وهي التي قد ولدت بطناً أو بطنين، ويقال: هي التي قد ولدت مرة بعد مرة، والإشارة بقوله: "بين ذلك" إلى الفارض والبكر، وهما وإن كانتا مؤنثتين فقد أشير إليهما بما هو للمذكر على تأويل المذكور، كأنه قال: بين ذلك المذكور، وجاز دخول المقتضية لشيئين لأن المذكور متعدد. وقوله: "فافعلوا" تجديد للأمر، وتأكيد له، وزجر لهم عن التعنت، فلم ينفعهم ذلك ولا نجع فيهم، بل رجعوا إلى طبيعتهم، وعادوا إلى مكرهم واستمروا على عادتهم المألوفة.
68. قوله تعالى " قالوا: ادع لنا ربك يبين لنا ما هي " أي (ما صفاتها) " قال " موسى " إنه يقول " يعني أن الله تعالى يقول " إنها بقرة لا فارض ولا بكر " أي لا كبيرة ولا صغيرة، والفارض المسنة التي لا تلد، يقال منه: فرضت تفرض فروضاً، والبكر الفتاة الصغيرة التي لم تلد قط، وحذفت (الهاء) منهما للاختصاص بالإناث كالحائض " عوان " وسط نصف " بين ذلك " أي بين السنين يقال عونت المرأة تعويناً: إذا زادت على الثلاثين، قال الأخفش (العوان: التي لم تلد قط، وقيل: ) العوان التي نتجت مراراً وجمعها عون " فافعلوا ما تؤمرون " من ذبح البقرة ولا تكثروا السؤال.
68-" قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي " أي حالها وصفتها ، وكان حقهم أن يقولوا : أي بقرة هي ؟ أو كيف هي ؟ لأن " ما " يسأل به عن الجنس غالباً ، لكنهم لما رأوا ما أمروا به على حال لم يوجد بها شئ من جنسه ، أجروه مجرى ما لم يعرفوا حقيقته ولم يروا مثله . " قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر " لا مسنة ولا فتية ، يقال فرضت البقرة فروضاً من الفرض وهو القطع ، كأنها فرضت سنها ، وتركيب البكر للأولية ومن البكرة والباكورة .
" عوان " نصف . قال : نواعم بين أبكار وعون .
" بين ذلك " أي بين ما ذكر من الفارض والبكر ولذلك أضيف إليه بين ، فإنه لا يضاف إلا إلى متعدد ، وعود هذه الكنايات وإجراء تلك الصفات على بقرة يدل على أن المراد بها معينة ، ويلزمه تأخير البيان عن وقت الخطاب ، ومن أنكر ذلك زعم أن المراد بها بقرة من شق البقر غير مخصوصة ثم انقلبت مخصوصة بسؤلهم ، ويلزمه النسخ قبل الفعل ، فإن التخصيص أبطال للتخيير الثابت بالنص والحق جوازهما ، ويؤيد الرأي الثاني ظاهر اللفظ والمروي عنه عليه الصلاة والسلام " لو ذبحوا أي بقرة أرادوا لأجزأتهم ،ولكن شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم " . وتقريعهم بالتمادي وزجرهم على المراجعة بقوله : " فافعلوا ما تؤمرون " أي ما تؤمرونه بمعنى به من قولهم : أمرتك الخير فافعل ما أمرت به ، أو بمعنى مأموركم .
68. They said: Pray for us unto thy Lord that He make clear to us what (cow) she is. (Moses) answered: Lo! He saith, Verily she is a cow neither with calf nor immature; (she is) between the two conditions; so do that which ye are commanded.
68 - They said: beseech on our behalf thy Lord to make plain to us what (heifer) it is! he said: he says: the heifer should be neither too old nor too young, but of middling age: now do what ye are commanded!