[البقرة : 286] لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ
(لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) أي ما تسعه قدرتها (لها ما كسبت) من الخير أي ثوابه (وعليها ما اكتسبت) من الشر أي وزره ولا يؤاخذ أحد بذنب أحد ولا بما لم يكسبه مما وسوست به نفسه ، قولوا (ربنا لا تؤاخذنا) بالعقاب (إن نسينا أو أخطأنا) تركنا الصواب لا عن عمد كما آخذت به من قبلنا وقد رفع الله ذلك عن هذه الأمة كما ورد في الحديث فسؤاله اعتراف بنعمة الله (ربنا ولا تحمل علينا إصرا) أمرا يثقل علينا حمله (كما حملته على الذين من قبلنا) أي بني إسرائيل من قتل النفس في التوبة وإخراج ربع المال في الزكاة وقرض موضع النجاسة (ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة) قوة (لنا به) من التكاليف والبلاء (واعف عنا) امح ذنوبنا (واغفر لنا وارحمنا) في الرحمة زيادة على المغفرة (أنت مولانا) سيدنا ومتولي أمورنا (فانصرنا على القوم الكافرين) بإقامة الحجة والغلبة في قتالهم فإن من شأن المولى أن ينصر مواليه على الأعداء ، وفي الحديث "لما نزلت هذا الآية فقرأها صلى الله عليه وسلم قيل له عقب كل كلمة قد فعلت".
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: لا يكلف الله نفساً فيتعبدها إلا بما يسعها، فلا يضيق عليها ولا يجهدها.
وقد بينا فيما مضى قبل أن الوسع اسم من قول القائل: وسعني هذا الأمر، مثل، الجهد والوجد من: جهدني هذا الأمر ووجدت منه، كما:
حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها" قال: هم المؤمنون، وسمع الله عليهم أمر دينهم، فقال الله جل ثناؤه: "وما جعل عليكم في الدين من حرج" [الحج: 78]، وقال: "يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر" [البقرة: 85]، وقال "فاتقوا الله ما استطعتم"، [التغابن: 116].
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن الزهري، عن عبد الله بن عباس قال: لما نزلت، ضج المؤمنون منها ضجة وقالوا: يا رسول الله، هذا نتوب من عمل اليد والرجل واللسان! كيف نتوب من الوسوسة؟ كيف نمتنع منها؟ فجاء جبريل صلى الله عليه وسلم بهذه الآية، "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها"، إنكم لا تستطيعون أن تمتنعوا من الوسوسة.
حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها"، وسعها، طاقتها. وكان حديث النفس مما لم يطيقوا.
قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: "لها" للنفس التي أخبر أنه لا يكلفها إلا وسعها. يقول : لكل نفس ما اجترحت وعملت من خير، "وعليها"، يعني: وعلى كل نفس، "ما اكتسبت"، ما عملت من شر، كما:
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت"، أي: من خير، "وعليها ما اكتسبت"، أي : من شر- أو قال : من سوء.
حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "لها ما كسبت"، يقول: ما عملت من خير، "وعليها ما اكتسبت"، يقول: وعليها ما عملت من شر.
حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن قتادة، مثله.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن الزهري، عن عبد الله بن عباس: "لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت"، عمل اليد والرجل واللسان.
قال أبو جعفر: فتأويل الآية إذا: لا يكلف الله نفساً إلا ما يسعها فلا يجهدها ولا يضيق عليها في أمر دينها، فيؤاخذها بهمة إن همت، ولا بوسوسة إن عرضت لها، ولا بخطرة إن خطرت بقلبها.
قال أبو جعفر: وهذا تعليم من الله عز وجل عباده المؤمنين دعاءه كيف يدعونه، وما يقولونه في دعائهم إياه. ومعناه: قولوا: "ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا" شيئاً فرضت علينا عمله فلم نعمله، "أو أخطأنا" في فعل شيء نهيتنا عن فعله ففعلناه، على غير قصد منا إلى معصيتك، ولكن على جهالة منا به وخطأ، كما:
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا"، إن نسينا شيئاً مما افترضته علينا، أو أخطأنا، [فأصبنا] شيئاً مما حرمته علينا.
حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: "ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا"، قال: بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله عز وجل تجاوز لهذه الأمة عن نسيانها وما حدثت به أنفسها".
حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط قال، زعم السدي أن هذه الآية حين نزلت: "ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا"، قال قال له جبريل صلى الله عليه وسلم: فقل ذلك يا محمد.
قال أبو جعفر: إن قال لنا قائل: وهل يجوز أن يؤاخذ الله عز وجل عباده بما نسوا أو أخطأوا، فيسألوه أن لا يؤاخذهم بذلك؟.
قيل: إن النسيان على وجهين: أحدهما على وجه التضييع من العبد والتفريط، والآخر على وجه عجز الناسي عن حفظ ما استحفظ ووكل به، وضعف عقله عن احتماله.
فأما الذي يكون من العبد على وجه التضييع منه والتفريط، فهو ترك منه لما أمر بفعله. فذلك الذي يرغب العبد إلى الله عز وجل في تركه مؤاخذته به، وهو النسيان. الذي عاقب الله عز وجل به آدم صلوات الله عليه فأخرجه من الجنة، فقال في ذلك: "ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما" [طه: 115]، وهو النسيان الذي قال جل ثناؤه: "فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا" [الأعراف: 51]. فرغبة العبد إلى الله عز وجل بقوله : "ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا"، فيما كان من نسيان منه لما أمر بفعله على هذا الوجه الذي وصفنا، ما لم يكن تركه ما ترك من ذلك تفريطاً منه فيه ، وتضييعاً، كفراً بالله عز وجل. فإن ذلك إذا كان كفراً بالله، فإن الرغبة إلى الله في تركه المؤاخذة له غير جائزة، لأن الله عز وجل قد أخبر عباده أنه لا يغفر لهم الشرك به، فمسألته فعل ما قد أعلمهم أنه لا يفعله، خطأ. وإنما تكون مسألته المغفرة، فيما كان من مثل نسيانه القرآن بعد حفظه بتشاغله عنه وعن قراءته، ومثل نسيانه صلاةً أو صياماً باشتغاله عنهما بغيرهما حتى ضيعهما.
وأما الذي العبد به غير مؤاخذ، لعجز بنيته عن حفظه، وقلة احتمال عقله ما وكل بمراعاته، فإن ذلك من العبد غير معصية، وهو به غير آثم. فذلك الذي لا وجه لمسالة العبد ربه أن يغفره له، لأنه مسالة منه له أن يغفر له ما ليس له بذنب. وذلك مثل الأمر يغلب عليه وهو حريص على تذكره وحفظه، كالرجل يحرص على حفظ القرآن بجد منه فيقرأه، ثم ينساه بغير تشاغل منه بغيره عنه، ولكن بعجز بنيته عن حفظه، وقلة احتمال عقله ذكر ما أودع قلبه منه، وما أشبه ذلك من النسيان، فإن ذلك مما لا تجوز مسألة الرب مغفرته، لأنه لا ذنب للعبد فيه فيغفر له باكتسابه.
وكذلك لـ الخطأ وجهان:
أحدهما: من وجه ما نهي عنه العبد فيأتيه بقصد منه وإرادة، فذلك خطأ منه، وهو به مأخوذ. يقال منه: خطئ فلان وأخطأ فيما أتى من الفعل، وأثم، إذا أتى ما يأثم فيه وركبه، ومنه قول الشاعر:
الناس يلحون الأمير إذا هم خطئوا الصواب ولا يلام المرشد
يعني أخطأوا الصواب، وهذا الوجه الذي يرغب العبد إلى ربه في صفح ما كان منه من إثم عنه، إلا ما كان من ذلك كفراً.
والآخر منهما: ما كان منه على وجه الجهل به، والظن منه بأن له فعله، كالذي يأكل في شهر رمضان ليلاً وهو يحسب أن الفجر لم يطلع، أو يؤخر صلاة في يوم غيم وهو ينتظر بتأخيره إياها دخول وقتها، فيخرج وقتها وهو يرى أن وقتها لم يدخل. فإن ذلك من الخطأ الموضوع عن العبد، الذي وضع الله عز وجل عن عباده الإثم فيه، فلا وجه لمسألة العبد ربه أن لا يؤاخذه به.
وقد زعم قوم أن مسألة العبد ربه أن لا يؤاخذه بما نسي أو أخطأ، إنما هو فعل منه لما أمره به ربه تبارك وتعالى، أو لما ندبه إليه من التذلل له والخضوع بالمسألة، فأما على وجه مسألته الصفح، فما لا وجه له عندهم.
وللبيان عن هؤلاء كتاب سنأتي فيه إن شاء الله على ما فيه الكفاية، لمن وفق لفهمه.
قال أبو جعفر: ويعني بذلك جل ثناؤه: قولوا: "ربنا ولا تحمل علينا إصرا"، يعني بـ الإصر العهد، كما قال جل ثناؤه: "قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري" [آل عمران:81]. وإنما عنى بقوله: "ولا تحمل علينا إصرا" ولا تحمل علينا عهداً فنعجز عن القيام به ولا نستطيعه، "كما حملته على الذين من قبلنا"، يعني: على اليهود والنصارى الذين كلفوا أعمالاً، وأخذت عهودهم ومواثيقهم على القيام بها، فلم يقوموا بها فعوجلوا بالعقوبة. فعتم الله عز وجل أمة محمد صلى الله عليه وسلم الرغبة إليه بمسألته لا يحملهم من عهوده ومواثيقه على أعمال -إن ضيعوها أو أخطأوا فيها أو نسوها- مثل الذي حمل من قبلهم، فيحل بهم بخطئهم فيه وتضييعهم إياه، مثل الذي أحل بمن قبلهم.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: "لا تحمل علينا إصرا"، قال: لا تحمل علينا عهداً وميثاقاً، كما حملته على الذين من قبلنا، يقول: كما غلظ على من قبلنا.
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي ، عن موسى بن قيس الحضرمي، عن مجاهد في قوله: "ولا تحمل علينا إصرا"، قال: عهداً.
حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله : "إصرا"، قال: عهداً.
حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله قال، حدثنا معاوية، عن علي، عن ابن عباس في قوله: "إصرا"، يقول: عهداً.
حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا"، والإصر: العهد الذي كان على من قبلنا من اليهود.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قوله: "ولا تحمل علينا إصرا"، قال : عهداً لا نطيقه ولا نستطيع القيام به،"كما حملته على الذين من قبلنا"، اليهود والنصارى فلم يقوموا به، فأهلكتهم.
حدثني يحيى بن أبي طالب قال، أخبرنا يزيد قال، أخبرنا جويبر، عن الضحاك: "إصرا"، قال: المواثيق.
حدثني المثنى قال، حدثنا إسحق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: الإصر، العهد. "وأخذتم على ذلكم إصري" [آل عمران: 81]، قال: عهدي.
حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: "وأخذتم على ذلكم إصري" [آل عمران: 81]، قال: عهدي.
وقال آخرون: معنى ذلك: ولا تحمل علينا ذنوباً وإثماً، كما حملت ذلك على من قبلنا من الأمم، فتمسخنا قردةً وخنازير كما مسختهم.
ذكر من قال ذلك:
حدثني سعيد بن عمرو السكوني قال، حدثنا بقية بن الوليد، عن علي بن هرون، عن ابن جريج، عن عطاء بن أبي رباح في قوله: "ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا"، قال: لا تمسخنا قردة وخنازير.
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا"، لا تحمل علينا ذنباً ليس فيه توبة ولا كفارة.
وقال آخرون: معنى الإصر بكسر الألف: الثقل.
ذكر من قال ذلك:
حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قوله: "ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا"، يقول: التشديد الذي شددته على من قلنا من أهل ا لكتاب.
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، سألته -يعني مالكاً- عن قوله: "ولا تحمل علينا إصرا"، قال: الإصر، الأمر الغليظ.
قال أبو جعفر: فأما الأصر، بفتح الألف : فهو ما عطف الرجل على غيره من رحم أو قرابة، أصرتني رحم بيني وبين فلان عليه، بمعنى : عطفتني عليه. وما يأصرني عليه، أي: ما يعطفني عليه. وبيني وبينه آصرة رحم تأصرني عليه أصراً، يعني به: عاطفة رحم تعطفني عليه.
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: وقولوا أيضاً: ربنا لا تكلفنا من الأعمال ما لا نطيق القيام له، لثقل حمله علينا.
وكذلك كانت جماعة أهل التأويل يتأولونه.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: "ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به"، تشديد يشدد به، كما شدد على من كان قبلكم.
حدثني يحيى بن أبي طالب قال، أخبرنا يزيد قال، أخبرنا جويبر، عن الضحاك قوله: "ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به"، قال: لا تحملنا من الأعمال ما لا نطيق.
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به"، لا تفترض علينا من الدين ما لا طاقة لنا به فنعجز عنه.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج: "ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به"، مسخ القردة والخنازير.
حدثني سلام بن سالم الخزاعي قال، حدثنا أبو حفص عمر بن سعيد التنوخي قال، حدثنا محمد بن شعيب بن شابور، عن سالم بن شابور في قوله: "ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به"، قال: الغلمة.
حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به"، من التغليظ والأغلال التي كانت عليهم من التحريم.
قال أبو جعفر: وإنما قلنا إن تأويل ذلك: ولا تكلفنا من الأعمال ما لا نطيق القيام به، على نحو الذي قلنا في ذلك، لأنه عقيب مسألة المؤمنين ربهم أن لا يؤاخذهم إن نسوا أو أخطأوا، وأن لا يحمل عليهم إصراً كما حمله على الذين من قبلهم، فكان إلحاق ذلك بمعنى ما قبله من مسألتهم التيسير في الدين، أولى مما خالف ذلك المعنى.
قال أبو جعفر: وفي هذا أيضاً، من قول الله عز وجل، خبراً عن المؤمنين من مسألتهم إياه ذلك، الدلالة الواضحة أنهم سألوه فرائضه عليهم بقوله: "ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به"، لأنهم عقبوا ذلك بقولهم: "واعف عنا"، مسالةً منهم ربهم أن يعفو لهم عن تقصير إن كان منهم في بعض ما أمرهم به من فرائضه، فيصفح لهم عنه ولا يعاقبهم عليه، فإن خف ما كلفهم من فرائضه على أبدانهم.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال بعض أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "واعف عنا"، قال: اعف عنا إن قصرنا عن شيء من أمرك مما أمرتنا به.
وكذلك قوله: "واغفر لنا"، يعني: واستر علينا زلة إن أتيناها فيما بيننا وبينك ، فلا تكشفها ولا تفضحنا بإظهارها.
وقد دللنا على معنى المغفرة فيما مضى قبل.
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: "واغفر لنا" إن انتهكنا شيئاً مما نهيتنا عنه.
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: تغمدنا منك برحمة تنجينا بها من عقابك، فإنه ليس بناج من عقابك أحد إلا برحمتك إياه دون عمله، وليست أعمالنا منجيتنا إن أنت لم ترحمنا، فوفقنا لما يرضيك عنا،كما:
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد قوله: "وارحمنا"، قال يقول: لا ننال العمل بما أمرتنا به، ولا ترك ما نهيتنا عنه إلا برحمتك. قال: ولم ينج أحد إلا برحمتك.
قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: "أنت مولانا"، أنت ولينا بنصرك، دون من عاداك وكفر بك، لأنا مؤمنون بك، ومطيعوك فيما أمرتنا ونهيتنا، فأنت ولي من أطاعك، وعدو من كفر بك فعصاك، "فانصرنا"، لأنا حزبك، "على القوم الكافرين"، الذين جحدوا وحدانيتك، وعبدوا الآلهة والأنداد دونك، وأطاعوا في معصيتك الشيطان.
والمولى في هذا الموضع المفعل، من: ولي فلان أمر فلان، فهو يليه ولاية، وهو وليه ومولاه. وإنما صارت الياء من ولي ألفاً لانفتاح اللام قبلها، التي هي عين الاسم.
وقد ذكروا أن الله عز وجل لما أنزل هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم، استجاب الله له في ذلك كله.
ذكر الأخبار التي جاءت بذلك:
حدثني المثنى بن إبراهيم ومحمد بن خلف قالا، حدثنا آدم قال، حدثنا ورقاء، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الآية: "آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه"، قال: قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما انتهى إلى قوله: "غفرانك ربنا"، قال الله عز وجل: قد غفرت لكم. فلما قرأ: "ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا"، قال الله عز وجل: لا أحملكم. فلما قرأ: "واغفر لنا"، قال الله تبارك وتعالى: قد غفرت لكم. فلما قرأ: "وارحمنا"، قال الله عز وجل: قد رحمتكم. فلما قرأ: "وانصرنا على القوم الكافرين"، قال الله عز وجل: قد نصرتكم عليهم.
حدثني يحيى بن أبي طالب قال، أخبرنا يزيد قال، أخبرنا جويبر، عن الضحاك قال: أتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد، قل: "ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا"، فقالها، فقال جبريل: قد فعل. وقال له جبريل: قل: "ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا"، فقالها، فقال جبريل: قد فعل. فقال: قل: "ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به"، فقالها، فقال جبريل صلى الله عليه وسلم: قد فعل. فقال: قل: "واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين"، فقالها، فقال جبريل: قد فعل.
حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط قال: زعم السدي أن هذه الآية نزلت: "ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا"، فقال له جبريل: فعل ذلك يا محمد، "ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين"، فقال له جبريل في كل ذلك: فعل ذلك يا محمد.
حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع، وحدثنا سفيان قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن آدم بن سليمان مولى خالد قال، سمعت سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: أنزل الله عز وجل: "آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه" إلى قوله: "ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا"، فقرأ: "ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا"، قال فقال: قد فعلت، "ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا"، فقال: قد فعلت، "ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به"، قال: قد فعلت، "واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين"، قال: قد فعلت.
حدثنا أبو كريب قال، حدثنا إسحق بن سليمان، عن مصعب بن ثابت، عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال: أنزل الله عز وجل: "ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا"، قال أبي: قال أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله عز وجل: نعم.
حدثنا ابن بشار قال، حدثنا أبو أحمد، عن آدم بن سليمان، عن سعيد بن جبير: "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا"، قال ويقول: قد فعلت، "ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا"، قال ويقول: قد فعلت. فأعطيت هذه الأمة خواتيم سورة البقرة، ولم تعطها الأمم قبلها.
حدثنا علي بن حرب الموصلي قال، حدثنا ابن فضيل قال، حدثنا عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قول الله عز وجل: "آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه" إلى قوله: "غفرانك ربنا"، قال: قد غفرت لكم، "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها"، إلى قوله: "لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا"، قال: لا أؤاخذكم، "ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا"، قال: لا أحمل عليكم، إلى قوله: "واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا"، إلى آخر السورة، قال: قد عفوت عنكم وغفرت لكم، ورحمتكم، ونصرتكم على القوم الكافرين.
وروي عن الضحاك بن مزاحم أن إجابة الله للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة.
حدثت عن الحسين قال ، سمعت أبا معاذ قال، أخبرنا عبيد قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: "ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا": كان جبريل عليه السلام يقول له: سلها! فسألها نبي الله ربه جل ثناؤه، فأعطاها إياها، فكانت للنبي صلى الله عليه وسلم خاصةً.
حدثني المثنى بن إبراهيم قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا سفيان، عن أبي إسحق: أن معاذاً كان إذا فرغ من هذه السورة: "وانصرنا على القوم الكافرين"، قال: آمين.
قوله تعالى : "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين" .
فيه إحدى عشرة مسألة :
الأولى : قوله تعالى : "آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه" . روي عن الحسن و مجاهد والضحاك : أن هذه الآية كانت في قصة المعراج ، وهكذا روي في بعض الروايات عن ابن عباس ، وقال بعضهم : جميع القرآن نزل به جبريل عليه السلام على محمد صلى الله عليه وسلم إلا هذه فإن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي سمع ليلة المعراج ، وقال بعضهم : لم يكن ذلك في قصة المعراج ، لأن ليلة المعراج كانت بمكة وهذه السورة كلها مدنية ، فأما من قال : إنها كانت ليلة المعراج قال :
"لما صعد النبي صلى الله عليه وسلم وبلغ في السموات في مكان مرتفع ومعه جبريل حتى جاوز سدرة المنتهى فقال له جبريل : إني لم أجاوز هذا الموضع ولم يؤمر بالمجاوزة أحد هذا الموضع غيرك فجاوز النبي صلى الله عليه وسلم حتى بلغ الموضع الذي شاء الله ، فاشار إليه جبريل بأن سلم على ربك ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : التحيات لله والصلوات والطيبات . قال الله تعالى : السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون لأمته حظ في السلام فقال : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، فقال جبريل وأهل السموات كلهم : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله . قال الله تعالى : "آمن الرسول" على معنى الشكر أي صدق الرسول "بما أنزل إليه من ربه" فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يشارك أمته في الكرامة والفضيلة فقال : "والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله" يعني يقولون آمنا بجميع الرسل ولا نكفر بأحد منهم ولا نفرق بينهم كما فرقت اليهود والنصارى ، فقال له ربه : كيف قبولهم بآي الذي أنزلتها ؟ وهو قوله :"وإن تبدوا ما في أنفسكم" فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "قالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير" يعني المرجع . فقال الله تعالى عند ذلك "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها" يعني طاقتها ويقال : إلا دون طاقتها . "لها ما كسبت" من الخير "وعليها ما اكتسبت" من الشر ، فقال جبريل عند ذلك : سل تعطه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا" يعني إن جهلنا "أو أخطأنا" يعني إن تعمدنا ، ويقال : إن علمنا بالنسيان والخطأ . فقال له جبريل : قد أعطيت ذلك قد رفع عن أمتك الخطأ والنسيان . فسل شيئاً آخر فقال : "ربنا ولا تحمل علينا إصرا" يعني ثقلاً "كما حملته على الذين من قبلنا" وهو أنه حرم عليهم الطيبات بظلمهم ، وكانوا إذا أذنبوا بالليل وجدوا ذلك مكتوباً على بابهم ، وكانت الصلوات عليهم خمسين ، فخفف الله عن هذه الأمة وحط عنهم بعد ما فرض خمسين صلاة . ثم قال : "ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به" يقول : لا تثقلنا من العمل ما لا نطيق فتعذبنا ، ويقال : ما تشق علينا ، لأنهم لو أمروا بخمسين صلاة لكانوا يطيقون ذلك ولكنه يشق عليهم ولا يطيقون الإدامة عليه "واعف عنا" من ذلك كله "واغفر لنا" وتجاوز عنا ، ويقال : "واعف عنا" من المسخ "واغفر لنا" من الخسف "وارحمنا" من القذف ، لأن الأمم الماضية بعضهم أصابهم المسخ وبعضهم أصابهم الخسف وبعضهم القذف ثم قال : "أنت مولانا" يعني ولينا وحافظنا "فانصرنا على القوم الكافرين" فاستجيبت دعوته" . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
"نصرت بالرعب مسيرة شهر" ويقال : إن الغزاة إذا خرجوا من ديارهم بالنية الخالصة وضربوا بالطبل وقع الرعب والهيبة في قلوب الكفار مسيرة شهر في ، علموا بخروجهم أو لم يعلموا ، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم لما رجع أوحى الله هذه الآيات ، وليعلم أمته بذلك . ولهذه الآية تفسير آخر ، قال الزجاج : لما ذكر الله تعالى في هذه السورة فرض الصلاة والزكاة وبين أحكام الحج وحكم الحيض والطلاق والإيلاء وأقاصيص الأنبياء وبين حكم الربا ، ذكر تعظيمه سبحانه بقوله سبحانه وتعالى : "لله ما في السماوات وما في الأرض" ثم ذكر تصديق نبيه صلى الله عليه وسلم ثم ذكر تصديق المؤمنين بجميع ذلك فقال : "آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه" أي صدق الرسول بجميع هذه الأشياء التي جرى ذكرها وكذلك المؤمنون كلهم صدقوا بالله وملائكته وكتبه ورسله .
وقيل سبب نزولها الآية التي قبلها وهي "لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير" . فإنه :
"لما أنزل هذا على النبي صلى الله عليه وسلم اشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم بركوا على الركب فقالوا : أي رسول الله ، كلفنا من الأعمال ما نطيق : الصلاة والصيام والجهاد والصدقة ، وقد أنزل الله عليك هذه الآية ولا نطيقها . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم سمعنا وعصينا بل قولوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير ، فقالوا : سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير ". فلما اقترأها القوم ذلت بها ألسنتهم فأنزل الله في إثرها : "آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير" . فلما فعلوا ذلك نسخها الله ، فأنزل الله عز وجل : "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت" . "ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا" قال : نعم "ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا" قال : نعم "ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به" قال : نعم "واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين" قال : نعم . أخرجه مسلم عن ابي هريرة .
قال علماؤنا : قوله في الرواية الأولى قد فعلت وهنا قال : نعم دليل على نقل الحديث بالمعنى ، وقد تقدم . ولما تقرر الأمر على أن قالوا : سمعنا وأطعنا ، مدحهم الله وأثنى عليهم في هذه الآية ، ورفع المشقة في أمر الخواطر عنهم ، وهذه ثمرة الطاعة والانقطاع إلى الله تعالى ، كما جرى لبني إسرائيل ضد ذلك من ذمهم وتحميلهم المشقات من الذلة والمسكنة والانجلاء إذ قالوا : سمعنا وعصينا ، وهذه ثمرة العصيان والتمرد على الله تعالى ، أعاذنا الله من نقمه بمنه وكرمه . وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له :
"إن بيت ثابت بن قيس بن شماس يزهر كل ليلة بمصابيح . قال : فلعله يقرأ سورة البقرة ، فسئل ثابت قال : قرأت من سورة البقرة "آمن الرسول" نزلت حين شق على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ما توعدهم الله تعالى به من محاسبتهم على ما أخفته نفوسهم ، فشكوا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : فلعلكم تقولون سمعنا وعصينا كما قالت بنو إسرائيل قالو : بل سمعنا وأطعنا ، فأنزل الله تعالى ثناء عليهم "آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه" فقال صلى الله عليه وسلم : وحق لهم أن يؤمنوا" .
الثانية : قوله تعالى : "آمن" أي صدق وقد تقدم . والذي أنزل هو القرآن . وقرأ ابن مسعود وآمن المؤمنون كل آمن بالله على اللفظ ، ويجوز في غير القرآن آمنوا على المعنى . وقرأ نافع و ابن كثير وعاصم في رواية أبي بكر وابن عامر "وكتبه" على الجمع . وقرؤوا في التحريم كتابه ، على التوحيد . وقرأ أبو عمرو هنا وفي التحريم وكتبه على الجمع . وقرأ حمزة و الكسائي وكتابه على التوحيد فيهما . فمن جمع أراد جمع كتاب ، ومن أفرد أراد المصدر الذي يجمع كل مكتوب كان نزوله من عند الله ، ويجوز في قراءة من وحد أن يراد به الجمع ، يكون الكتاب اسماً للجنس فتستوي القراءتان ، قال الله تعالى : "فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب" . قرأت الجماعة ورسله بضم السين ، وكذلك رسلنا ورسلكم ورسلك ، إلا أبا عمرو فروي عنه تخفيف رسلنا ورسلكم ، وروي عنه في رسلك التثقيل والتخفيف . قال أبو علي : من قرأ رسلك بالتثقيل فذلك أصل الكلمة ، ومن خفف فكما يخفف في الآحاد ، مثل عنق وطنب . وإذا خفف في الآحاد فذلك أحرى في الجمع الذي هو أثقل ، وقال معناه مكي . وقرأ جمهور الناس لا نفرق بالنون ، والمعنى يقولون لا نفرق ، فحذف القول كثير ، قال الله تعالى : ‌"والملائكة يدخلون عليهم من كل باب * سلام عليكم" : أي يقولون سلام عليكم . وقال : "ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا" أي يقولون ربنا ،وما كان مثله . وقرأ سعيد بن جبير ويحيى بن يعمر وأبو زرعة بن عمرو ابن جرير ويعقوب لا يفرق بالياء ، وهذا على لفظ كل . قال هارون : وهي في حرف ابن مسعود لا يفرقون . وقال بين أحد على الإفراد ولم يقل آحاد ، لأن الأحد يتناول الواحد والجميع ، كما قال تعالى : "فما منكم من أحد عنه حاجزين" فـ حاجزين صفة لأحد ، لأن معناه الجمع . وقال صلى الله عليه وسلم :
‌"ما أحلت الغنائم لأحد سود الرؤوس غيركم" وقال رؤبة :
إذا أمور الناس دينت دينكا لا يرهبون أحدا من دونكا
ومعنى هذه الآية أن المؤمنين ليسوا كاليهود والنصارى في أنهم يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض .
الثالثة : قوله تعالى : "وقالوا سمعنا وأطعنا" فيه حذف ، أي سمعنا سماع قابلين . وقيل : سمع بمعنى قبل ، كما يقال : سمع الله لمن حمده ، فلا يكون فيه حذف . وعلى الجملة فهذا القول يقتضي المدح لقائله . والطاعة قبول الأمر . وقوله "غفرانك" مصدر كالكفران والخسران ، والعامل فيه فعل مقدر ، تقديره : اغفر غفرانك ، قاله الزجاج . وغيره : نطلب أو أسأل غفرانك . "وإليك المصير" إقرار بالبعث والوقوف بين يدي الله تعالى . وروي :
"أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزلت عليه هذه الآية قال له جبريل : إن الله قد أحل الثناء عليك وعلى أمتك فسل تعطه فسأل إلى آخر السورة" .
الرابعة : قوله تعالى : "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها" التكليف هو الأمر بما يشق عليه . وتكلفت الأمر تجشمته ، حكاه الجوهري . والوسع : الطاقة والجدة . وهذا خبر جزم . نص الله تعالى على أنه لا يكلف العباد من وقت نزول الآية عبادة من أعمال القلب أو الجوارح إلاوهي في وسع المكلف وفي مقتضى إدراكه وبنيته ، وبهذا انكشفت الكربة عن المسلمين في تأولهم أمر الخواطر . وفي معنى هذه الآية ما حكاه أبو هريرة رضي الله عنه قال : ما وددت أن أحداً ولدتني أمه إلا جعفر بن ابي طالب ، فإني تبعته يوماً وأنا جائع فلما بلغ منزله لم يجد فيه سوى نحي سمن قد بقي فيه أثاره فشقه بين ايدينا ، فجعلنا نلعق ما فيه من السمن والرب وهو يقول :
ما كلف الله نفسا فوق طاقتها ولا تجود يد إلا بما تجد
الخامسة : اختلف الناس في جواز تكليف ما لا يطاق في الأحكام التي هي في الدنيا ، بعد اتفاقهم على أنه ليس واقعاً في الشرع ، وأن هذه الآية آذنت بعدمه ، قال أبو الحسن الأشعري وجماعة من المتكلمين : تكليف ما لا يطاق جائز عقلاً ، ولا يخرم ذلك شيئاً من عقائد الشرع ، ويكون ذلك أمارة على تعذيب المكلف وقطعاً به ، وينظر إلى هذا تكليف المصور أن يعقد شعيرة . واختلف القائلون بجوازه هل وقع في رساله محمد صلى الله عليه وسلم أو لا ؟ فقالت فرقة : وقع في نازلة أبي لهب ، لأنه كلفه بالإيمان بجملة الشريعة ، ومن جملتها أنه لايؤمن ، لأنه حكم عليه بتب اليدين وصلي النار ، وذلك مؤذن بأنه لا يؤمن ، فقد كلفه بأن يؤمن بأنه لا يؤمن . وقالت فرقة : لم يقع قط . وقد حكي الإجماع على ذلك . وقوله تعالى : " سيصلى نارا" معناه إن وافى ، حكاه ابن عطية . ويكلف يتعدى إلى مفعولين أحدهما محذوف ، تقديره عبادة أو شيئاً . فالله سبحانه بلطفه وإنعامه علينا وإن كان قد كلفنا بما يشق ويثقل كثبوت الواحد للعشرة ، وهجرة الإنسان وخروجه من وطنه ومفارقة أهله ووطنه وعادته ، لكنه لم يكلفنا بالمشقات المثقلة ولا بالأمور المؤلمة ، كما كلف من قبلنا بقتل أنفسهم وقرض موضع البول من ثيابهم وجلودهم ، بل سهل ورفق ووضع عنا الإصر والأغلال التي وضعها على من كان قبلنا . فلله الحمد والمنة ، والفضل والنعمة .
السادسة : قوله تعالى : "لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت" يريد من الحسنات والسيئات . قاله السدي . وجماعة المفسرين لا خلاف بينهم في ذلك ، قاله ابن عطية . وهو مثل قوله : "ولا تزر وازرة وزر أخرى" . "ولا تكسب كل نفس إلا عليها" . والخواطر ونحوها ليست من كسب الإنسان . وجاءت العبارة في الحسنات بـ لها من حيث هي مما يفرح المرء بكسبه ويسر بها ، فتضاف إلى ملكه . وجاءت في السيئات بـ عليها من حيث هي أثقال وأوزار ومتحملات صعبة ، وهذا كما تقول :لي مال وعلي دين . وكرر فعل الكسب فخالف بين التصريف حسناً لنمط الكلام ، كما قال : "فمهل الكافرين أمهلهم رويدا" . قال ابن عطية : ويظهر لي في هذا أن الحسنات هي مما تكتسب دون تكلف ، إذ كاسبها على جادة أمر الله تعالى ورسم شرعه ، والسيئات تكستب ببناء المبالغة ، إذ كاسبها يتكلف في أمرها خرق حجاب نهي الله تعالى ويتخطاه إليها ، فيحسن في الآية مجيء التصريفين إحرازاً ، لهذا المعنى .
السابعة : في هذه الآية دليل على صحة إطلاق أئتمتنا على أفعال العباد كسباً واكتساباً ، ولذلك لم يطلقوا على ذلك لا خلق ولا خالق ، خلافاً لمن أطلق ذلك من مجترئة المبتدعة . ومن أطلق من أئتمتنا ذلك على العبد ، وأنه فاعل فبالمجاز المحض .
وقال المهدوي وغيره : وقيل معنى الآية : لا يؤاخذ أحد بذنب أحد . قال ابن عطية : وهذا صحيح في نفسه ولكن من غير هذه الآية .
الثامنة : قال الكيا الطبري : قوله تعالى : "لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت" يستدل به على أن من قتل غيره بمثقل أو بخنق أو تغريق فعليه ضمانه قصاصاً أو يدة ، خلافاً لمن جعل ديته على العاقلة ، وذلك يخالف الظاهر ، ويدل على أن سقوط القصاص عن الأب لا يقتضي سقوطه عن شريكه . ويدل على وجوب الحد على العاقلة إذا مكنت مجنوناً من نفسها . وقال القاضي أبو بكر بن العربي : ذكر علماؤنا هذه الاية في أن القود واجب على شريك الأب خلافاً لـ أبي حنيفة ، وعلى شريك الخاطىء خلافاً لـ لشافعي وأبي حنيفة ، لأن كل واحد منهما قد اكتسب القتل . وقالوا : إن اشتراك من لا يجب عليه القصاص مع من يجب عليه القصاص لا يكون شبهة في درء يدرأ بالشبهة .
التاسعة : قوله تعالى : "ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا" المعنى :اعف عن إثم ما يقع منا على هذين الوجهين أو أحدهما ، كقوله عليه السلام :
"رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" أي إثم ذلك . وهذا لم يختلف فيه أن الإثم مرفوع ، وإنما اختلف فيما يتعلق على ذلك من الأحكام ، هل ذلك مرفوع لا يلزم منه شيء أو يلزم أحكام ذلك كله ؟ اختلف فيه . والصحيح أن ذلك يختلف بحسب الوقائع ، فقسم لا يسقط باتفاق كالغرامات والديات والصلوات المفروضات . وقسم يسقط باتفاق كالقصاص والنطق بكلمة الكفر وقسم ثالث يختلف فيه كمن أكل ناسياً في رمضان أو حنث ساهياً ، وما كان مثله مما يقع خطأ ونسياناً ، ويعرف ذلك في الفروع .
العاشرة : قوله تعال : "ربنا ولا تحمل علينا إصرا" أي ثقلاً . قال مالك و الربيع : الإصر الأمر الغليظ الصعب . وقال سعيد بن جبير : الإصر شدة العمل ،وما غلظ على بني إسرائيل من البول ونحوه . قال الضحاك : كانوا يحملون أموراً شداداً ، وهذا نحو قول مالك و الربيع ، ومنه قول النابغة :
‌يا مانع الضيم أن يغشى سراتهم والحامل الإصر عنهم بعدما عرفوا
عطاء : الإصر المسخ قردة وخنازير ، وقاله ابن زيد أيضاً . وعنه أيضاً أنه الذنب الذي ليس فيه توبة ولا كفارة . والإصر في اللغة العهد ، ومنه قوله تعالى : "وأخذتم على ذلكم إصري" . والإصر : الضيق والذنب والثقل . والإصار : الحبل الذي تربط به الأحمال ونحوها ، يقال : أصر يأصر أصراً حبسه . والإصر ( بكسر الهمزة ) من ذلك قال الجوهري : والموضع مأصر ومأصر والجمع مآصر ، والعامة تقول معاصر . قال ابن خويز منداد : وتمكن أن يستدل بهذا الظاهر في كل عبادة ادعى الخصم تثقيلها ، فهو نحو قوله تعالى : "وما جعل عليكم في الدين من حرج" ، وكقول النبي صلى الله عليه وسلم :
"الدين يسر فيسروا ولا تعسروا" . اللهم شق على من شق على أمة محمد صلى الله عليه وسلم .
قلت : ونحوه الكيا الطبري قال : يحتج به في نفي الحرج والضيق المنافي ظاهره للحنفية السمحة ، وهذا بين .
الحادية عشرة : قوله تعالى : "ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به" قال قتادة : معناه لا تشدد علينا كما شددت على من كان قبلنا . والضحاك : لا تحملنا من الأعمال ما لا نطيق ، وقال نحوه ابن زيد . ابن جريج : لا تمسخنا قردة ولا خنازير . وقال سلام بن سابور : الذي لا طاقة لنا به : الغلمة ، وحكاه النقاش عن مجاهد و عطاء . وروي أن أبا الدرداء كان يقول في دعائه : وأعوذ بك من غلمة ليس لها عدة .وقال السدي : هو التغليظ والأغلال التي كانت على بني إسرائيل .
قوله تعالى : "واعف عنا" أي عن ذنوبنا . عفوت عن ذنبه إذا تركته ولم تعاقبه . "واغفر لنا" أي استر على ذنوبنا . والغفر : الستر . "وارحمنا" أي تفضل برحمة مبتدئاً منك علينا . "أنت مولانا" أي ولينا وناصرنا . وخرج هذا مخرج التعليم للخلق كيف يدعون . روي عن معاذ بن جبل أنه كان إذا فرغ من قراءة هذه السورة قال آمين . قال ابن عطية : هذا يظن به أنه رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فإن كان ذلك فكمال ، وإن كان بقياس على سورة الحمد من حيث هنالك دعاء وهنا دعاء فحسن . وقال علي بن ابي طالب : ما أظن أن أحداً عقل وأدرك الإسلام ينام حتى يقرأهما .
قلت : قد روى مسلم في هذا المعنى عن ابي مسعود الأنصاري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"من قرأ هاتين الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه" . قيل : من قيام الليل ، كما روي عن ابن عمر قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول :
أنزل الله علي آيتين من كنوز الجنة ختم بهما سورة البقرة كتبهما الرحمن بيده قبل أن يخلق الخلق بألف عام من قرأهما بعد العشاء مرتين أجزأتاه من قيام الليل "آمن الرسول" إلى آخر البقرة . وقيل :كفتاه من شر الشيطان فلا يكون له عليه سلطان . واسند أبو عمرو الداني عن حذيفة بن اليمان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"إن الله جل وعز كتب كتاباً قبل أن يخلق السموات والأرض بألفي عام فأنزل منه هذه الثلاث آيات التي ختم بهن البقرة من قرأهن في بيته لم يقرب الشيطان بيته ثلاث ليال" . وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
"أوتيت هذه الآيات من آخر سورة البقرة من كنز تحت العرش لم يؤتهن نبي قبلي" . وهذا صحيح . وقد تقدم في الفاتحة نزول الملك بها مع الفاتحة . والحمد لله .

ذكر الأحاديث الواردة في فضل هاتين الايتين الكريمتين نفعنا الله بهما
(الحديث الأول) ـ قال البخاري: حدثنا محمد بن كثير, أخبرنا شعبة عن سليمان, عن إبراهيم, عن عبد الرحمن, عن ابن مسعود, عن النبي صلى الله عليه وسلم, قال من قرأ الايتين وحدثنا أبو نعيم: حدثنا سفيان, عن منصور, عن إبراهيم عن عبد الرحمن بن يزيد, عن أبي مسعود, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من قرأ بالايتين ـ من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه" وقد أخرجه بقية الجماعة عن طريق سليمان بن مهران الأعمش بإسناده مثله وهو في الصحيحين من طريق الثوري, عن منصور , عن إبراهيم, عن عبد الرحمن عنه به, وهو في الصحيحين أيضاً عن عبد الرحمن, عن علقمة, عن ابن مسعود, قال عبد الرحمن: ثم لقيت أبا مسعود فحدثني به, وهكذا رواه أحمد بن حنبل, حدثنا يحيى بن آدم, حدثنا شريك, عن عاصم, عن المسيب بن رافع, عن علقمة, عن ابن مسعود, عن النبي صلى الله عليه وسلم, قال "من قرأ الايتين من آخر سورة البقرة في ليلته كفتاه".
(الحديث الثاني) ـ قال الإمام أحمد: حدثنا حسين, حدثنا شيبان, عن منصور, عن ربعي, عن خرشة بن الحر , عن المعرور بن سويد, عن أبي ذر , قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أعطيت خواتيم سورة البقرة من كنز تحت العرش لم يعطهن نبي قبلي" قد رواه ابن مردويه من حديث الأشجعي, عن الثوري, عن منصور, عن ربعي, عن زيد بن ظبيان, عن أبي ذر, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أعطيت خواتيم سورة البقرة من كنز تحت العرش".
(الحديث الثالث) ـ قال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة, حدثنا أبو أسامة, حدثنا مالك بن مغول (ح) وحدثنا ابن نمير وزهير بن حرب, جميعاً عن عبد الله بن نمير , وألفاظهم متقاربة, قال ابن نمير: حدثنا أبي, حدثنا مالك ابن مغول عن الزبير بن عدي, عن طلحة, عن مرة, عن عبد الله, قال: لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم, انتهى به إلى سدرة المنتهى, وهي في السماء السابعة, إليها ينتهي ما يعرج من الأرض فيقبض منها, وإليها ينتهي ما يهبط من فوقها فيقبض منها, قال "إذ يغشى السدرة ما يغشى" قال: فراش من ذهب, قال: أعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثاً: أعطي الصلوات الخمس, وأعطي خواتيم سورة البقرة, وغفر لمن لم يشرك بالله من أمته شيئاً المقحمات.
(الحديث الرابع) قال أحمد حدثنا إسحاق بن إبراهيم الرازي حدثنا سلمة بن الفضل حدثني محمد بن إسحاق عن يزيد أبي حبيب عن مرثد بن عبد الله اليزني عن عقبة بن عامر الجهني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اقرأ الايتين من آخر سورة البقرة فإني أعطيتهما من كنز تحت العرش" هذا إسناد حسن ولم يخرجوه في كتبهم.
(الحديث الخامس) ـ قال ابن مردويه: حدثنا أحمد بن كامل, حدثنا إبراهيم بن إسحاق الحربي, أخبرنا مروان, أنبأنا ابن عوانة عن أبي مالك, عن ربعي, عن حذيفة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فضلنا على الناس بثلاث أوتيت هذه الايات من آخر سورة البقرة من بيت كنز تحت العرش, لم يعطها أحد قبلي, ولا يعطاها أحد بعدي" ثم رواه من حديث نعيم بن أبي هند عن ربعي عن حذيفة بنحوه.
(الحديث السادس) ـ قال ابن مردويه: حدثنا عبد الباقي بن نافع, أنبأنا إسماعيل بن الفضل, أخبرنا محمد بن بزيع, أخبرنا جعفر بن عون عن مالك بن مغول, عن أبي إسحاق, عن الحارث, عن علي, قال: لا أرى أحداً عقل الإسلام ينام حتى يقرأ خواتيم سورة البقرة, فإنها من كنز أعطيه نبيكم صلى الله عليه وسلم من تحت العرش, ورواه وكيع في تفسيره عن إسرائيل, عن أبي إسحاق, عن عمير بن عمرو المخارقي, عن علي, قال: ما أرى أحداً يعقل, بلغه الإسلام, ينام حتى يقرأ آية الكرسي وخواتيم سورة البقرة, فإنها من كنز تحت العرش.
(الحديث السابع) ـ قال أبو عيسى الترمذي: حدثنا بندار حدثنا عبد الرحمن بن مهدي, حدثنا حماد بن سلمة عن أشعث بن عبد الرحمن الجرمي, عن أبي قلابة, عن أبي الأشعث الصنعاني, عن النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم, قال: "إن الله كتب كتاباً قبل أن يخلق السموات والأرض بألفي عام, أنزل منه آيتين ختم بهما سورة البقرة, ولا يقرأ بهن في دار ثلاث ليال فيقر بها شيطان" ثم قال: هذا حديث غريب, وهكذا رواه الحاكم في مستدركه من حديث حماد بن سلمة به وقال: صحيح على شرط مسلم, ولم يخرجاه.
(الحديث الثامن) قال ابن مردويه: حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن مدين, أخبرنا الحسن بن الجهم, أخبرنا إسماعيل بن عمرو , أخبرنا ابن مريم, حدثني يوسف بن أبي الحجاج, عن سعيد, عن ابن عباس, قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ سورة البقرة وآية الكرسي ضحك وقال: "إنهما من كنز الرحمن تحت العرش" وإذا قرأ " من يعمل سوءا يجز به " " وأن ليس للإنسان إلا ما سعى * وأن سعيه سوف يرى * ثم يجزاه الجزاء الأوفى " استرجع واستكان.
(الحديث التاسع) قال ابن مردويه: حدثنا عبد الله بن محمد بن كوفي, حدثنا أحمد بن يحيى بن حمزة, حدثنا محمد بن بكر, حدثنا مكي بن إبراهيم, حدثنا عبد الله بن أبي حميد, عن أبي مليح, عن معقل بن يسار , قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أعطيت فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة من تحت العرش والمفصل نافلة".
(الحديث العاشر) ـ قد تقدم في فضائل الفاتحة من رواية عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن سعيد بن جبير , "عن ابن عباس, قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده جبريل إذ سمع نقيضاً فوقه, فرفع جبريل بصره إلى السماء, فقال له: أبشر بنورين قد أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك: فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة, لن تقرأ حرفاً منهما إلا أوتيته" رواه مسلم والنسائي وهذا لفظه.
فقوله تعالى: "آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه" إخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك, قال ابن جرير: حدثنا بشر, حدثنا يزيد, حدثنا سعيد عن قتادة, قال: ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال لما نزلت عليه هذه الاية "ويحق له أن يؤمن" وقد روى الحاكم في مستدركه: حدثنا أبو النضر الفقيه, حدثنا معاذ بن نجدة القرشي, حدثنا خلاد بن يحيى, حدثنا أبو عقيل عن يحيى بن أبي كثير, عن أنس بن مالك, قال: لما نزلت هذه الاية على النبي صلى الله عليه وسلم "آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه" قال النبي صلى الله عليه وسلم: "حق له أن يؤمن", ثم قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
وقوله "والمؤمنون" عطف على الرسول, ثم أخبر عن الجميع فقال "كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله" فالمؤمنون يؤمنون بأن الله واحد أحد , فرد صمد , لا إله غيره, ولا رب سواه. ويصدقون بجميع الأنبياء والرسل والكتب المنزلة من السماء على عباد الله المرسلين والأنبياء, لا يفرقون بين أحد منهم, فيؤمنون ببعض ويكفرون ببعض, بل الجميع عندهم صادقون بارون راشدون مهديون هادون إلى سبيل الخير , وإن كان بعضهم ينسخ شريعة بعض بإذن الله حتى نسخ الجميع بشرع محمد صلى الله عليه وسلم, خاتم الأنبياء والمرسلين, الذين تقوم الساعة على شريعته, ولا تزال طائفة من أمته على الحق ظاهرين, وقوله "وقالوا سمعنا وأطعنا" أي سمعنا قولك يا ربنا وفهمناه, وقمنا به وامتثلنا العمل بمقتضاه, "غفرانك ربنا" سؤال للمغفرة والرحمة واللطف, قال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن حرب الموصلي, حدثنا ابن فضل عن عطاء بن السائب, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس في قول الله " آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا " قال: قد غفرت لكم "وإليه المصير" أي المرجع والمآب يوم الحساب. قال ابن جرير: حدثنا ابن حميد, حدثنا جرير عن بيان, عن حكيم, عن جابر, قال: لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم "آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير" قال جبريل: إن الله قد أحسن الثناء عليك وعلى أمتك فسل تعطه, فسأل "لا يكلف الله نفساً إلا وسعها" إلى آخر هذه الأية, وقوله "لا يكلف الله نفساً إلا وسعها" أي لا يكلف أحداً فوق طاقته, وهذا من لطفه تعالى بخلقه ورأفته بهم وإحسانه إليهم, وهذه هي الناسخة الرافعة لما كان أشفق منه الصحابة في قوله "وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله" أي هو وإن حاسب وسأل, لكن لا يعذب إلا بما يملك الشخص دفعه, فأما مالا يملك دفعه من وسوسة النفس وحديثها, فهذا لا يكلف به الإنسان, وكراهية الوسوسة السيئة من الإيمان, وقوله "لها ما كسبت" أي من خير "وعليها ما اكتسبت" أي من شر وذلك في الأعمال التي تدخل تحت التكليف. ثم قال تعالى مرشداً عباده إلى سؤاله, وقد تكفل لهم بالإجابة كما أرشدهم وعلمهم أن يقولوا "ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا" أي إن تركنا فرضاً على جهة النسيان, أو فعلنا حراماً كذلك, أو أخطأنا أي الصواب في العمل جهلاً منا بوجهه الشرعي. وقد تقدم في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة, قال قال الله: نعم ولحديث ابن عباس, قال الله قد فعلت. وروى ابن ماجه في سننه وابن حبان في صحيحه من حديث أبي عمرو الأوزاعي, عن عطاء، قال ابن ماجه في روايته عن ابن عباس, وقال الطبراني وابن حبان, عن عطاء, عن عبيد بن عمير, عن ابن عباس, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" وقد روي من طريق آخر وأعله أحمد وأبو حاتم, والله أعلم. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا مسلم بن إبراهيم, حدثنا أبو بكر الهذلي, عن شهر, عن أم الدرداء, عن النبي صلى الله عليه وسلم, قال "إن الله تجاوز لأمتي عن ثلاث: عن الخطأ والنسيان, والاستكراه" قال أبو بكر: فذكرت ذلك للحسن, فقال: أجل, أما تقرأ بذلك قرآناً "ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا".
وقوله "ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا" أي لا تكلفنا من الأعمال الشاقة وإن أطقناها كما شرعته للأمم الماضية قبلنا من الأغلال والاصار التي كانت عليهم, التي بعثت نبيك محمداً صلى الله عليه وسلم, نبي الرحمة بوضعه في شرعه الذي أرسلته به من الدين الحنيفي السهل السمح, وقد ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال قال الله: نعم وعن ابن عباس, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال قال الله قد فعلت. وجاء في الحديث من طرق عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "بعثت بالحنيفية السمحة".
وقوله "ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به" أي من التكليف والمصائب والبلاء لا تبتلنا بما لا قبل لنا به, وقد قال مكحول في قوله "ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به" قال: العزبة والغلمة, رواه ابن أبي حاتم, قال الله: نعم, وفي الحديث الاخر: قال الله: قد فعلت.
وقوله "واعف عنا" أي فيما بيننا وبينك مما تعلمه من تقصيرنا وزللنا "واغفر لنا" أي فيما بيننا وبين عبادك فلا تظهرهم على مساوينا وأعمالنا القبيحة "وارحمنا" أي فيما يستقبل فلا توقعنا بتوفيقك في ذنب آخر , ولهذا قالوا: إن المذنب محتاج إلى ثلاثة أشياء: أن يعفو الله عنه فيما بينه وبينه, وأن يستره عن عباده فلا يفضحه به بينهم, وأن يعصمه فلا يوقعه في نظيره. وقد تقدم في الحديث أن الله قال: نعم, وفي الحديث الاخر : قال الله: قد فعلت.
وقوله "أنت مولانا" أي أنت ولينا وناصرنا, وعليك توكلنا, وأنت المستعان, وعليك التكلان, ولا حول لنا ولا قوة إلا بك, "فانصرنا على القوم الكافرين" أي الذين جحدوا دينك, وأنكروا وحدانيتك ورسالة نبيك, وعبدوا غيرك وأشركوا معك من عبادك, فانصرنا عليهم, واجعل لنا العاقبة عليهم في الدنيا والاخرة, قال الله: نعم. وفي الحديث الذي رواه مسلم عن ابن عباس, قال الله: قد فعلت. وقال ابن جرير: حدثني مثنى بن إبراهيم, حدثنا أبو نعيم, حدثنا سفيان عن أبي إسحاق أن معاذاً رضي الله عنه, كان إذا فرغ من هذه السورة "فانصرنا على القوم الكافرين" قال: آمين. ورواه وكيع عن سفيان, عن أبي إسحاق, عن رجل, عن معاذ بن جبل, أنه كان إذا ختم البقرة قال: آمين.
قوله: 286- "لا يكلف الله نفساً إلا وسعها" التكليف هو الأمر بما فيه مشقة وكلفة، والوسع: الطاقة، والوسع: ما يسع الإنسان ولا يضيق عليه، وهذه جملة مستقلة جاءت عقب قوله سبحانه: "وإن تبدوا ما في أنفسكم" الآية لكشف كربة المسلمين، ودفع المشقة عليهم في التكليف بما في الأنفس وهي كقوله سبحانه: "يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر". قوله: "لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت" فيه ترغيب وترهيب: أي لها ثواب ما كسبت من الخير، وعليها وزر ما اكتسبت من الشر، وتقدم لها وعليها على الفعلين ليفيد أن ذلك لها لا لغيرها، وعليها لا على غيرها، وهذا مبني على أن كسب للخير فقط، واكتسب للشر فقط، كما قاله صاحب الكشاف وغيره، وقيل: كل واحد من الفعلين يصدق على الأمرين، وإنما كرر الفعل وخالف بين التصريفين تحسيناً للنظم كما في قوله تعالى: "فمهل الكافرين أمهلهم رويداً". قوله: "ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا" أي: لا تؤاخذنا بإثم ما يصدر منا من هذين الأمرين. وقد استشكل هذا الدعاء جماعة من المفسرين وغيرهم قائلين إن الخطأ والنسيان مغفوران غير مؤاخذ بهما، فما معنى الدعاء بذلك، فإنه من تحصيل الحاصل. وأجيب عن ذلك أن المراد طلب المؤاخذة بما صدر عنهم من الأسباب المؤدية إلى النسيان والخطأ من التفريط وعدم المبالاة، لا من أجل النسيان والخطأ فإنه لا مؤاخذة بهما كما يفيد ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان" وسيأتي مخرجه، وقيل: إنه يجوز للإنسان أن يدعو بحصول ما هو حاصل له قبل الدعاء لقصد استدامته، وقيل: إنه وإن ثبت شرعاً أنه لا مؤاخذة بهما، فلا امتناع في المؤاخذة بهما عقلاً، وقيل: لأنهم كانوا على جانب عظيم من التقوى بحيث لا يصدر عنهم الذنب تعمداً، وإنما يصدر عنهم خطأ أو نسياناً، فكأنه وصفهم بالدعاء بذلك إيذاناً بنزاهة ساحتهم عما يؤاخذون به، كأنه قيل: إن كان النسيان والخطأ مما يؤاخذ به، فما منهم سبب مؤاخذة إلا الخطأ والنسيان. قال القرطبي: وهذا لم يختلف فيه أن الإثم مرفوع، وإنما اختلف فيما يتعلق على ذلك من الأحكام هل ذلك مرفوع ولا يلزم منه شيء، أو يلزم أحكام ذلك كله؟ اختلف فيه، والصحيح أن ذلك يختلف بحسب الوقائع، فقسم لا يسقط باتفاق كالغرامات والديانات والصلوات المفروضات. وقسم يسقط باتفاق كالقصاص والنطق بكلمة الكفر، وقسم ثالث مختلف فيه كمن أكل ناسياً في رمضان أو حنث ساهياً، وما كان مثله مما يقع خطأ ونسياناً، ويعرف ذلك في الفروع انتهى. قوله: "ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا" عطف على الجملة التي قبله، وتكرير النداء للإيذان بمزيد التضرع واللجوء إلى الله سبحانه. والإصر: العبء الثقيل الذي يأصر صاحبه: أي يحبسه مكانه لا يستقل به لثقله. والمراد به هنا التكليف الشاق، والأمر الغليظ الصعب، وقيل الإصر: شدة العمل وما غلظ على بني إسرائيل من قتل الأنفس وقطع موضع النجاسة، ومنه قول النابغة:
يا مانع الضيم أن تغشي سراتهم والحامل الإصر عنهم بعدما غرقوا
وقيل الإصر: المسخ قردة وخنازير، وقيل: العهد، ومنه قوله تعالى: "وأخذتم على ذلكم إصري" وهذا الخلاف يرجع إلى بيان ما هو الإصر الذي كان على من قبلنا، لا إلى معنى الإصر في لغة العرب، فإنه ما تقدم ذكره بلا نزاع، والإصار: الحبل الذي تربط به الأحمال ونحوها، يقال: أصر يأصر إصراً: حبس، والإصر بكسر الهمزة من ذلك. قال الجوهري: والموضع مأصر، والجمع مآصر، والعامة تقول معاصر. ومعنى الآية أنهم طلبوا من الله سبحانه أن لا يحملهم من ثقل التكاليف ما حمل الأمم قبلهم. وقوله: "كما حملته" صفة مصدر محذوف: أي حملاً مثل حملك إياه على من قبلنا، أو صفة لإصراً: أي إصراً مثل الإصر الذي حملته على من قبلنا. قوله: "ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به" هو أيضاً عطف على ما قبله، وتكرير النداء للنكتة المذكورة قبل هذا. والمعنى لا تحملنا من الأعمال ما لا نطيق، وقيل: هو عبارة عن إنزال العقوبات، كأنه قال: لا تنزل علينا العقوبات بتفريطنا في المحافظة على تلك التكاليف الشاقة التي كلفت بها من قبلنا، وقيل: المراد به الشاق الذي لا يكاد يستطاع من التكاليف. قال في الكشاف: وهذا تقرير لقوله: "ولا تحمل علينا إصراً". قوله: "واعف عنا" أي عن ذنوبنا، يقال عفوت من ذنبه: إذا تركته ولم تعاقبه عليه "واغفر لنا" أي استر على ذنوبنا، والغفر: الستر "وارحمنا" أي تفضل برحمة منك علينا "أنت مولانا" أي ولينا وناصرنا، وخرج هذا مخرج التعليم كيف يدعون، وقيل معناه: أنت سيدنا ونحن عبيدك "فانصرنا على القوم الكافرين" فإن من حق المولى أن ينصر عبيده، والمراد عامة الكفرة، وفيه إشارة إلى أعلاء كلمة الله في الجهاد في سبيله. وقد قدمنا في شرح الآية التي قبل هذه أعني قوله: "إن تبدوا ما في أنفسكم" إلخ، أنه ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى قال عقب كل دعوة من هذه الدعوات قد فعلت، فكان ذلك دليلاً على أنه سبحانه لم يؤاخذهم بشيء من الخطأ والنسيان ولا حمل عليهم شيئاً من الإصر الذي حمله على من قبلهم، ولا حملهم ما لا طاقة لهم به، وعفا عنهم وغفر لهم ورحمهم، ونصرهم على القوم الكافرين، والحمد لله رب العالمين.
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حبان "لا نفرق بين أحد من رسله" لا نكفر بما جاءت به الرسل، ولا نفرق بين أحد منهم، ولا نكذب به "وقالوا سمعنا" للقرآن الذي جاء من الله "وأطعنا"، أقروا لله أن يطيعوه في أمره ونهيه. وأخرج ابن أبي حاتم وابن المنذر عن ابن عباس في قوله: "غفرانك ربنا" قال: قد غفرت لكم "وإليك المصير" قال: إليك المرجع والمآب يوم يقوم الحساب. وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن أبي حاتم عن حكيم بن جابر قال: لما نزلت "آمن الرسول" الآية، قال جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم: إن الله قد أحسن الثناء عليك وعلى أمتك فسل تعطه، فقال: "لا يكلف الله نفساً إلا وسعها" حتى ختم السورة. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "لا يكلف الله نفساً إلا وسعها" قال: هم المؤمنون وسع الله عليهم أمر دينهم فقال: "ما جعل عليكم في الدين من حرج". وقال: "يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر". وقال: "فاتقوا الله ما استطعتم". وأخرج ابن أبي حاتم عنه في قوله: "لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت" قال: من العمل. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: "إلا وسعها" قال: إلا طاقتها. وأخرج ابن المنذر عن الضحاك نحوه. وقد أخرج ابن ماجه وابن المنذر وابن حبان في صحيحه والطبراني والدارقطني والحاكم والبيهقي في سننه عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه". وأخرج ابن ماجه من حديث أبي ذر مرفوعاً، والطبراني من حديث ثوبان ومن حديث ابن عمر ومن حديث عقبة بن عامر. وأخرجه البيهقي أيضاً من حديثه. وأخرجه ابن عدي في الكامل وأبو نعيم من حديث أبي بكرة. وأخرجه ابن أبي حاتم من حديث أم الدرداء. وأخرجه سعيد بن منصور وعبد بن حميد عن حديث الحسن مرسلاً، وأخرجه عبد بن حميد من حديث الشعبي مرسلاً. وفي أسانيد هذه الأحاديث مقال ولكنها يقوي بعضها بعضاً فلا تقصر عن رتبة الحسن لغيره. وقد تقدم حديث "إن الله قال قد فعلت" وهو في الصحيح وهو يشهد لهذه الأحاديث. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "إصراً" قال: عهداً. وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد مثله. وأخرج ابن جرير عن ابن جريج مثله. وأخرج أيضاً عن عطاء بن أبي رباح في قوله: "ولا تحمل علينا إصراً" قال: لا تمسخنا قردة وخنازير. وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في الآية أن الإصر: الذنب الذي ليس فيه توبة ولا كفارة. وأخرج ابن أبي حاتم عن الفضيل في الآية قال: كان الرجل من بني إسرائيل إذا أذنب قيل له: توبتك أن تقتل نفسك فيقتل نفسه، فوضعت الآصار عن هذه الأمة. وأخرج عبد بن حميد عن عطاء قال: لما نزلت هذه الآيات "ربنا لا تؤاخذنا" إلخ، كلما قالها جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم قال النبي: آمين رب العالمين. وأخرج أبو عبيد عن ميسرة أن جبريل لقن النبي صلى الله عليه وسلم خاتمة البقرة آمين. وأخرج أبو عبيد وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عن معاذ بن جبل أنه كان إذا فرغ من قراءة هذه السورة قال: آمين. وأخرج أبو عبيد عن جبير بن نفير أنه كان يقول: آمين آمين. وأخرج عبد بن حميد عن أبي ذر قال: هي للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة. وأخرج ابن جرير عن الضحاك في هذه الآية قال: سألها نبي الله ربه فأعطاه إياها، فكانت للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة. وقد ثبت عند الشيخين وأهل السنن وغيرهم عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه". وأخرج أبو عبيد والدارمي والترمذي والنسائي وابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي عن النعمان بن بشير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله كتب كتاباً قبل أن يخلق السموات والأرض بألفي عام، فأنزل منه آيتين ختم بها سورة البقرة، ولا يقرآن في دار ثلاث ليال فيقر بهما شيطان". وأخرج أحمد والنسائي والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الشعب بسند صحيح عن حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: "أعطيت هذه الآيات من آخر سورة البقرة من كنز تحت العرش لم يعطها نبي قبلي". وأخرج أحمد والبيهقي عن أبي ذر مرفوعاً نحوه. وأخرج أبو عبيد وأحمد ومحمد بن نصر عن عقبة بن عامر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اقرأوا هاتين الآيتين من آخر سورة البقرة "آمن الرسول" إلى خاتمتها، فإن الله اصطفى بها محمداً" وإسناده حسن. وأخرج مسلم عن ابن مسعود قال: لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى إلى سدرة المنتهى وأعطي ثلاثاً، أعطي الصلوات الخمس، وأعطي خواتيم سورة البقرة، وغفر لمن لا يشرك بالله من أمته شيئاً المقحمات. وأخرج الحاكم وصححه البيهقي في الشعب عن أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله ختم سورة البقرة بآيتين أعطانيهما من كنزه الذي تحت العرش، فتعلموهما وعلموهما نساءكم وأبناءكم فإنهما صلاة وقرآن ودعاء". وأخرج الديلمي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اثنان هما قرآن وهما يشفيان، وهما مما يحبهما الله الآيتان من آخر البقرة". وأخرج الطبراني بسند جيد عن شداد بن أوس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله كتب كتاباً قبل ان يخلق السموات والأرض بألفي عام فأنزل منه آيتين ختم بهما سورة البقرة لا يقرآن في دار ثلاث ليال فيقربها شيطان". وأخرج ابن عدي عن ابن مسعود الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أنزل الله آيتين من كنوز الجنة، كتبهما الرحمن بيده قبل أن يخلق الخلق بألفي سنة، من قرأهما بعد العشاء الآخرة أجزأتاه عن قيام الليل". وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ آخر سورة البقرة أو آية الكرسي ضحك وقال: إنهما من كنز تحت العرش. وأخرج ابن مردويه عن معقل بن يسار قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أعطيت فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة من تحت العرش". وأخرج مسلم والنسائي واللفظ له عن ابن عباس قال:" بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده جبريل إذ سمع نقيضاً فرفع جبريل بصره فقال: هذا باب قد فتح من السماء ما فتح قط، قال: فنزل منع ملك فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أبشر بنورين قد أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك: فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة، لن تقرأ حرفاً منهما إلا أوتيته". فهذه ثلاثة عشر حديثاً في فضل هاتين الآيتين مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وقد روي في فضلهما من غير المرفوع عن عمر وعلي وابن مسعود وأبي مسعود وكعب الأحبار والحسن وأبي قلابة، وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم ما يغني عن غيره.
286.
وسئل سفيان بن عيينة عن قوله عز وجل " لا يكلف الله نفساً إلا وسعها " قال: إلا يسرها ولم يكلفها فوق طاقتها، وهذا قول حسن لأن الوسع ما دون الطاقة.
قوله تعالى: " لها ما كسبت " أي للنفس ما عملت من الخير، لها أجره وثوابه " وعليها ما اكتسبت " من الشر وعليها وزره " ربنا لا تؤاخذنا " أي لا تعاقبنا " إن نسينا " جعله بعضهم من النسيان الذي هو السهو، قال الكلبي كانت بنو إسرائيل إذا نسوا شيئاً مما أمروا به أو أخطؤوا عجلت لهم العقوبة، فحرم عليهم من شيء من مطعم أو مشرب على حسب ذلك الذنب، فأمر الله المؤمنين أن يسألوه ترك مؤاخذتهم بذلك، وقيل هو من النسيان الذي هو الترك كقوله تعالى: " نسوا الله فنسيهم " (67-التوبة).
قوله تعالى: " أو أخطأنا " قيل معناه القصد والعمد يقال: أخطأ فلان إذا تعمد، قال الله تعالى " إن قتلهم كان خطأً كبيراً " (31-الإسراء) قال عطاء : إن نسينا أو أخطأنا يعني: أن جهلنا أو تعمدنا، وجعله الأكثرون من الخطأ الذي هو الجهل والسهو، لأن ما كان عمداً من الذنب فغير معفو عنه بل هو في مشيئة الله، والخطأ معفو عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم: " رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ".
قوله تعالى: " ربنا ولا تحمل علينا إصراً " أي عهداً ثقيلاً لا نستطيع القيام به فتعذبنا بنقضه وتركه " كما حملته على الذين من قبلنا " يعني اليهود، فلم يقوموا به فعذبتهم، هذا قول مجاهد و عطاء و قتادة و السدي و الكلبي وجماعة يدل عليه قوله تعالى " وأخذتم على ذلكم إصري " (81-آل عمران) أي عهدي، وقيل: معناه لا تشدد ولا تغلظ الأمر علينا كما شددت على من قبلنا من اليهود، وذلك أن الله فرض عليهم خمسين صلاة وأمرهم بأداء ربع أموالهم في الزكاة ومن أصاب ثوبه نجاسة قطعها ومن أصاب ذنباً أصبح وذنبه مكتوب على بابه ونحوها من الأثقال والأغلال، وهذا يعني قول عثمان و عطاء و مالك بن أنس و أبي عبيدة وجماعة يدل عليه قوله تعالى: " ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم " (157-الأعراف) وقيل: الإصر ذنب لا توب له، معناه أعصمنا من مثله، والأصل في العقل والإحكام. قوله تعالى: " ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به " أي لا تكلفنا من الأعمال مالا نطيقه وقيل هو حديث النفس والوسوسة حكي عن مكحول أنه قال: هو الغلمة، قيل: الغلمة: شدة الشهوة، وعن إبراهيم قال: هو الحب، وعن محمد بن عبد الوهاب قال: العشق وقال ابن جريج : هو مسخ القردة والخنازير وقيل هو شماتة الأعداء، وقيل: هو الفرقة والقطيعة نعوذ بالله منها.
قوله تعالى: " واعف عنا " أي تجاوز وامح عنا ذنوبنا " واغفر لنا " استر علينا ذنوبنا ولا تفضحنا " وارحمنا " فإننا لا ننال العمل إلا بطاعتك، ولا نترك معصيتك إلا برحمتك " أنت مولانا " ناصرنا وحافظنا وولينا " فانصرنا على القوم الكافرين ".
روى سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله عز وجل " غفرانك ربنا " قال الله تعالى (( قد غفرت لكم )) وفي قوله ل تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا قال: (( لا أوأخذكم )) " ربنا ولا تحمل علينا إصراً " قال: (( لا أحمل عليكم إصراً )) " ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به " قال: (( لا أحملكم )) " واعف عنا " إلى آخره قال (( قد عفوت عنكم، وغفرت لكم، ورحمتكم ونصرتكم على القوم الكافرين )) وكان معاذ بن جبل إذا ختم سورة البقرة قال: آمين.
أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ، أنا عبد الغافر بن محمد ، أخبرنا محمد بن عيسى الجلودي ، أنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، أنا مسلم بن الحجاج ، أنا أبو بكر بن أبي شيبة ، أنا أبو أسامة حدثني مالك بن مغول عن الزبير بن عدي عن طلحة بن علي بن مصرف عن مرة عن عبد الله قال: لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى به إلى سدرة المنتهى وهي في السماء السادسة، إليها ينتهي ما يعرج به من الأرض فيقبض منها، وإليها ينتهي ما يهبط به فوقها فيقبض منها قال: " إذ يغشى السدرة ما يغشى " (16-النجم) قال: فراش من ذهب قال: وأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثاً : الصلوات الخمس وأعطي خواتيم سورة البقرة، وغفر لمن لا يشرك بالله من أمته شيئاً من المقحمات )) كبائر الذنوب.
أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي أنا أبو نعيم عبد الملك بن الحسين الإسفراييني أنا أبو عوانة يعقوب بن اسحق الحافظ ، أنا يونس و أحمد بن شيبان قالا: ثنا سفيان بن عيينة عن منصور عن إبراهيم عن عبد الرحمن بن يزيد عن أبي مسعود رضي الله عنهم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الآيتان من آخر سورة البقرة من قرأ بهما في ليلة كفتاه ".
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أبو منصور السمعاني ، أنا أبو جعفر الرياني ، أخبرنا حميد بن زنجويه ، أنا العلاء بن عبد الجبار ، أنا جماد بن سلمة، أخبرنا الأشعث بن عبد الرحمن الجرمي ، عن أبي قلابة عن أبي الأشعث الصنعاني ، عن النعمان بن بشير رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله تعالى كتب كتاباً قبل أن يخلق السموات والأرض بألفي عام فأنزل منه آيتين ختم بهما سورة البقرة فلا تقرآن في دار ثلاث ليال فيقربها شيطان ".
286-" لا يكلف الله نفساً إلا وسعها " إلا ما تسعه قدرتها فضلاً ورحمةً ، أو ما دون مدى طاقتها بحيث يتسع فيه طوقهاويتيسر عليها كقوله تعالى : " يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر " وهو يدل على عدم وقوع التكليف بالمحال ولا يدل على امتناعه . " لها ما كسبت " من خير . " وعليها ما اكتسبت " من شر لا ينتفع بطاعتها ولا يتضرر بمعاصيها غيرها ، وتخصيص الكسب بالخير والاكتساب بالشر لأن الاكتساب فيه احتمال والشر تشتهيه النفس وتنجذب إليه فكانت أجد في تحصيله وأعمل بخلاف الخير . " ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا " أي لا تؤاخذنا بما أدى بنا إلى نسيان أو خطأ من تفريط وقلة مبالاة ، أو بأنفسهما إذ لا تمتنع المؤاخذة بهما عقلاً فإن الذنوب كالسموم فكما أن تناولها يؤدي إلى الهلاك ـ وإن كان خطأ ـ فتعاطي الذنوب لا يبعد أن يفضي إلى العقاب وإن لم تكن عزيمة ، لكنه تعالى وعد التجاوزعنه رحمةً وفضلاً فيجوز أن يدعو الإنسان به استدامة واعتداداً بالنعمة فيه . ويؤيد ذلك مفهوم قوله عليه الصلاة والسلام " رفع عن أمتي الخطأ والنسيان " . " ربنا ولا تحمل علينا إصراً " عبأ ثقيلاً يأصر صاحبه ، أي يحبسه في مكانه . يريد به التكاليف الشاقة . وقرئ " ولا تحمل " بالتشديد للمبالغة . " كما حملته على الذين من قبلنا " حملاً مثل حملك إياه على " من قبلنا " ، أو مثل الذي حملته إياهم فيكون صفة لإصراً ، والمراد به ما كلف به بنو إسرائيل من قتل الأنفس ، وقطع موضع النجاسة ، وخمسين صلاة في اليوم والليلة ، وصرف ربع المال للزكاة . أو ما أصابهم من الشدائد والمحن " ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به " من البلاء والعقوبة ، أو من التكاليف التي لا تفي بها الطاقة البشرية وهو يدل على جواز التكليف بما لا يطاق وإلا لما سئل التخلص منه ، والتشديد ههنا لتعدية الفعل إلى المفعول الثاني . " واعف عنا " وامح ذنوبنا . " واغفر لنا " واستر عيوبنا ولا تفضحنا بالمؤاخذة . " وارحمنا " وتعطف بنا وتفضل علينا . " أنت مولانا " سيدنا . " فانصرنا على القوم الكافرين " فإن من حق المولى أن ينصر مواليه على الأعداء ، أو المراد به عامة الكفرة .
روي أنه عليه الصلاة والسلام لما دعا بهذه الدعوات قيل له عند كل كلمة فعلت . وعنه عليه السلام " أنزل الله تعالى آيتين من كنوز الجنة . كتبها الرحمن بيده قبل أن يخلق الخلق بألفي سنة ، من قرأهما بعد العشاء الأخيرة أجزأتاه عن قيام الليل " . وعنه عليه الصلاة والسلام " من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه " . وهو يرد قول من استكره أن يقال سورة البقرة ،وقال : ينبغي أن يقال السورة التي تذكر فيها البقرة ، كما قال عليه الصلاة والسلام " السورة التي تذكر فيه البقرة فسطاط القرآن فتعلموها، فإن تعلمها بركة وتركها حسرة ، ولن يستطيعها البطلة قيل : يا رسول الله وما البطلة ؟ قال : السحرة " .
286. Allah tasketh not a soul beyond its scope. For it (is only) that which it hath earned, and against it (only) that which it hath deserved. Our Lord! Condemn us not if we forget, or miss the mark! Our Lord! Lay not on us such a burden as Thou didst lay on those before us! Our Lord! Impose not on us that which we have not the strength to bear! Pardon us, absolve us and have mercy on us, Thou, our Protector, and give us victory over the disbelieving folk.
286 - On no soul doth God place a burden greater than it can bear. it gets every good that it earns, and it suffers every ill that it earns. (pray:) our Lord! condemn us not if we forget or fall into error; our Lord! lay not on us a burden like that which thou didst lay on those before us; our Lord! lay not on us a burden greater than we have strength to bear. blot out our sins, and grant us forgiveness. have mercy on us. thou art our protector; help us against those who stand against faith.