[البقرة : 272] لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاء وَجْهِ اللّهِ وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ
ولما منع صلى الله عليه وسلم من التصدق على المشركين ليسلموا نزل: (ليس عليك هداهم) أي الناس إلى الدخول في الإسلام إنما عليك البلاغ (ولكن الله يهدي من يشاء) هدايته إلى الدخول فيه (وما تنفقوا من خير) مال (فلأنفسكم) لأن ثوابه لها (وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله) أي ثوابه لا غيره من أعراض الدنيا خبر بمعنى النهي (وما تنفقوا من خير يوف إليكم) جزاؤه (وأنتم لا تظلمون) تنقصون منه شيئا والجملتان تأكيد للأولى
قوله تعالى ليس عليك هداهم روى النسائي والحاكم والبزار والطبراني وغيرهم عن ابن عباس قال كانوا يكرهون أن يرضخوا لأنسابهم من المشركين فسألوا فرخص لهم فنزلت هذه الآية ليس عليك هداهم إلى قوله وأنتم لا تظلمون وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر أن لا يتصدق إلا على أهل الإسلام فنزلت ليس عليك هداهم الآية فأمر بالتصدق على كل من سأل من كل دين
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: ليس عليك، يا محمد، هدى المشركين إلى الإسلام، فتمنعهم صدقة التطوع ولا تعطيهم منها، ليدخلوا في الإسلام حاجةً منهم إليها، ولكن الله هو يهدي من يشاء من خلقه إلى الإسلام فيوفقهم له، فلا تمنعهم الصدقة، كما:-
حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن يمان، عن أشعث، عن جعفر، عن شعبة قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يتصدق على المشركين، فنزلت: "وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله"، فتصدق عليهم".
حدثنا أبو كريب قال، حدثنا أبو داود، عن سفيان، عن الأعمش، عن جعفر بن إياس، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: كانوا لا يرضخون لقراباتهم من المشركين، فنزلت: "ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء".
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن رجل، عن سعيد بن جبير قال: كانوا يتقون أن يرضخوا لقراباتهم من المشركين، حتى نزلت: "ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء".
حدثنا محمد بن بشار وأحمد بن إسحاق قالا، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن جعفر بن إياس، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: كانوا لا يرضخون لأنسبائهم من المشركين، فنزلت: "ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء"، فرخص لهم.
حدثنا المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن سفيان، عن الأعمش، عن جعفر بن إياس، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: كان أناس من الأنصار لهم أنسباء وقرابة من قريظة والنضير، وكانوا يتقون أن يتصدقوا عليهم، ويريدونهم أن يسلموا، فنزلت: "ليس عليك هداهم" الآية.
حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: وذكر لنا أن رجالاً من أصحاب نبي الله صلى الله عليه وسلم قالوا: أنتصدق على من ليس من أهل ديننا؟! فأنزل الله في ذلك القرآن: "ليس عليك هداهم".
حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: "ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء"، قال: كان الرجل من المسلمين إذا كان بينه وبين الرجل من المشركين قرابة وهو محتاج، فلا يتصدق عليه، يقول: ليس من أهل ديني!! فأنزل الله عز وجل: "ليس عليك هداهم"، الآية.
حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي قوله: "ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء وما تنفقوا من خير فلأنفسكم"، أما: "ليس عليك هداهم"، فيعني المشركين، وأما النفقة فبين أهلها.
حدثني المثنى قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا يعقوب القمي، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبير قال: "كانوا يتصدقون [على فقراء أهل الذمة، فلما كثر فقراء المسلمين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تتصدقوا إلا على أهل دينكم. فنزلت: هذه الآية"، مبيحةً للصدقة على من ليس من دين الإسلام...].
كما:-
حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "يوف إليكم وأنتم لا تظلمون"، قال: هو مردود عليك، فمالك ولهذا تؤذيه وتمن عليه؟ إنما نفقتك لنفسك وابتغاء وجه الله، والله يجزيك.
قوله تعالى : "ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء" فيه ثلاث مسائل :
الأولى : قوله تعالى :"ليس عليك هداهم" هذا الكلام متصل بذكر الصدقات ، فكأنه بين فيه جواز الصدقة على المشركين . روى سعيد بن جبير مرسلاً عن النبي صلى الله عليه وسلم في سبب هذه الآية أن المسلمين كانوا يتصدقون على فقراء أهل الذمة ، فلما كثر فقراء المسلمين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"لا تتصدقوا إلا على أهل دينكم" . فنزلت هذه الآية مبيحة للصدقة على من ليس من دين الإسلام . وذكر النقاش :
"أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بصدقات فجاءه يهودي فقال : أعطني . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ليس لك من صدقة المسلمين شيء . فذهب اليهودي غير بعيد فنزلت : "ليس عليك هداهم" فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاه" ، ثم نسخ الله ذلك بآية الصدقات . وروى ابن عباس أنه قال :كان ناس من الأنصار لهم قرابات من بني قريظة والنضير ، وكانوا لا يتصدقون عليهم رغبة منهم في أن يسلموا إذا احتاجوا ، فنزلت الآية بسبب أولئك . وحكى بعض المفسرين أن أسماء ابنة أبي بكر الصديق أرادت أن تصل جدها أبا قحافة ثم امتنعت من ذلك لكونه كافراً فنزلت الآية في ذلك . وحكى الطبري أن مقصد النبي صلى الله عليه وسلم بمنع الصدقة إنما كان ليسلموا ويدخلوا في الدين ، فقال الله تعالى : "ليس عليك هداهم" . وقيل :"ليس عليك هداهم" ليس متصلاً بما قبل ، فيكون ظاهراً في الصدقات وصرفها إلى الكفار ، بل يحتمل أن يكون معناه ابتداء كلام .
الثانية : قال علماؤنا : هذه الصدقة التي أبيحت لهم حسب ما تضمنته هذه الآثار هي صدقة التطوع ، وأما المفروضة فلا يجزىء دفعها لكافر ، لقوله عليه السلام :
"أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم وأردها في فقرائكم" . قال ابن المنذر : أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم أن الذمي لا يعطى من زكاة الأموال شيئاً ، ثم ذكر جماعة ممن نص على ذلك ولم يذكر خلافاً . وقال المهدوي : رخص للمسلمين أن يعطوا المشركين من قراباتهم من صدقة الفريضة لهذه الآية . قال ابن عطية ، وهذا مردود بالإجماع . والله أعلم . وقال أبو حنيفة : تصرف إليهم زكاة الفطر . ابن العربي : وهذا ضعيف لا أصل له . ودليلنا أنها صدقة طهرة واجبة فلا تصرف إلى الكافر كصدقة الماشية والعين ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :
"أغنوهم عن سؤال هذا اليوم" يعني يوم الفطر .
قلت : وذلك لتشاغلهم بالعيد وصلاة العيد وهذا لا يتحقق في المشركين . وقد يجوز صرفها إلى غير المسلم في قول من جعلها سنة ، وهو أحد القولين عندنا ، وهو قول أبي حنيفة على ما ذكرنا ، نظراً إلى عموم الآية في البر وإطعام الطعام وإطلاق الصدقات . قال ابن عطية ، وهذا الحكم متصور للمسلمين مع أهل ذمتهم ومع المسترقين من الحربيين .
قلت : وفي التنزيل : "ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا" والأسير في دار الإسلام لا يكون إلا مشركاً . وقال تعالى : "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم" . فظواهر هذه الآيات تقتضي جواز صرف الصدقات إليهم جملة ، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم خص منها الزكاة المفروضة ، " لقوله عليه السلام لمعاذ : خذ الصدقة من أغنيائهم وردها على فقرائهم" واتفق العلماء على ذلك ما تقدم . فيدفع اليهم من صدقة التطوع إذا احتاجوا ، والله أعلم . قال ابن العربي : فأما المسلم العاصي فلا خلاف أن صدقة الفطر تصرف إليه إلا إذا كان يترك أركان الإسلام من الصلاة والصيام فلا تدفع إليه الصدقة حتى يتوب . وسائر أهل المعاصي تصرف الصدقة إلى مرتكبيها لدخولهم في اسم المسلمين . وفي صحيح مسلم :
"أن رجلاً تصدق على غني وسارق وزانية وتقبلت صدقته" على ما يأتي بيانه في آية الصدقات .
الثالثة : قوله تعالى :"ولكن الله يهدي من يشاء" أي يرشد من يشاء . وفي هذا رد على القدرية وطوائف من المعتزلة ، كما تقدم .
قوله تعالى : "وما تنفقوا من خير فلأنفسكم وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله" شرط وجوابه . والخير في هذه الآية المال ، لأته قد اقترن بذكر الإنفاق ، فهذه القرينة تدل على أنه المال ، متى لم تقترن بما يدل على أنه المال فلا يلزم أن يكون بمعنى المال ، نحو قوله تعالى :"خير مستقرا" وقوله : "مثقال ذرة خيرا يره" . إلى غير ذلك . وهذا تحرز من قول عكرمة : كل خير في كتاب الله تعالى فهو المال . وحكي أن بعض العلماء كان يصنع كثيراً من المعروف ثم يحلف أنه ما فعل مع أحد خيراً ، فقيل له في ذلك فيقول : إنما فعلت مع نفسي ، ويتلو "وما تنفقوا من خير فلأنفسكم" . ثم بين تعالى أن النفقة المعتد بقبولها إنما هي ما كان ابتغاء وجهه . و ابتغاء هو على المفعول له . وقيل : إنه شهادة من الله تعالى للصحابة رضي الله عنهم أنهم إنما ينفقون ابتغاء وجهه ، فهذا خرج مخرج التفضيل والثناء عليهم . وعلى التأويل الأول هو اشتراط عليهم ، ويتناول الاشتراط غيرهم من الأمة . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد بن ابي وقاص :
"إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله تعالى إلا أجرت بها حتى ما تجعل في في امرأتك" .
قوله تعالى : "وما تنفقوا من خير يوف إليكم وأنتم لا تظلمون" "يوف إليكم" تأكيد وبيان لقوله : "وما تنفقوا من خير فلأنفسكم" وإن ثواب الإنفاق يوفى إلى المنفقين ولا يبخسون منه شيئاً فيكون ذلك البخس ظلماً لهم .
قال أبو عبد الرحمن النسائي: أنبأنا محمد بن عبد السلام بن عبد الرحيم, أنبأنا الفريابي حدثنا سفيان عن الأعمش, عن جعفر بن إياس, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس, قال: كانوا يكرهون أن يرضخوا لأنسابهم من المشركين, فسألوا فرخص لهم, فنزلت هذه الاية " ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء وما تنفقوا من خير فلأنفسكم وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله وما تنفقوا من خير يوف إليكم وأنتم لا تظلمون ". وكذا رواه أبو حذيقة وابن المبارك وأبو أحمد الزبيدي وأبو داود الحضرمي عن سفيان, وهو الثوري به, وقال ابن أبي حاتم: أنبأنا أحمد بن القاسم بن عطية, حدثنا أحمد بن عبد الرحمن يعني الدشتكي, حدثني أبي عن أبيه, حدثنا أشعث بن إسحاق عن جعفر بن أبي المغيرة, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس, عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يأمر بأن لا يتصدق إلا على أهل الاسلام, حتى نزلت هذه الاية "ليس عليك هداهم" إلى آخرها, فأمر بالصدقة بعدها على كل من سألك من كل دين, وسيأتي عند قوله تعالى: "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم" الاية, حديث أسماء بنت الصديق في ذلك.
وقوله: "وما تنفقوا من خير فلأنفسكم" كقوله "من عمل صالحاً فلنفسه" ونظائرها في القرآن كثيرة.
وقوله "وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله" قال الحسن البصري: نفقة المؤمن لنفسه ولا ينفق المؤمن إذا أنفق إلا ابتغاء وجه الله, وقال عطاء الخراساني: يعني إذا عطيت لوجه الله فلا عليك ما كان عمله. وهذا معنى حسن وحاصله أن المتصدق إذا تصدق ابتغاء وجه الله, فقد وقع أجره على الله, ولا عليه في نفس الأمر لمن أصاب البر أو فاجر أو مستحق أو غيره, وهو مثاب على قصده, ومستند هذا تمام الاية " وما تنفقوا من خير يوف إليكم وأنتم لا تظلمون " والحديث المخرج في الصحيحين من طريق أبي الزناد, عن الأعرج, عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "قال رجل لأتصدقن الليلة بصدقة, فخرج بصدقته فوضعها في يد زانية, فأصبح الناس يتحدثون: تصدق على زانية, فقال: اللهم لك الحمد على زانية, لأتصدقن الليلة بصدقة فوضعها في يد غني, فأصبحوا يتحدثون: تصدق الليلة على غني, قال: اللهم لك الحمد على غني, لأتصدقن الليلة بصدقة, فخرج فوضعها في يد سارق فأصبحوا يتحدثون: تصدق الليلة على سارق, فقال: اللهم لك الحمد على زانية وعلى غني وعلى سارق, فأتي فقيل له: أما صدقتك فقد قبلت, وأما الزانية فلعلها أن تستعفف بها عن زنا, ولعل الغني يعتبر فينفق مما أعطاه الله, ولعل السارق أن يستعف بها عن سرقته".
وقوله "للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله" يعني المهاجرين الذين انقطعوا إلى الله وإلى رسوله وسكنوا المدينة, وليس لهم سبب يردون به على أنفسهم ما يغنيهم و "لا يستطيعون ضرباً في الأرض" يعني سفراً للتسبب في طلب المعاش والضرب في الأرض هو السفر, قال الله تعالى: "وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة" وقال تعالى: "علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله" الاية.
وقوله "يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف" أي الجاهل بأمرهم وحالهم يحسبهم أغنياء من تعففهم في لباسهم وحالهم ومقالهم, وفي هذا المعنى الحديث المتفق على صحته عن أبي هريرة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ليس المسكين بهذا الطواف الذي ترده التمرة والتمرتان, واللقمة واللقمتان, والأكلة والأكلتان, ولكن المسكين الذي لا يجد غنىً يغنيه ولا يفطن له فيتصدق عليه, ولا يسأل الناس شيئاً". رواه أحمد من حديث ابن مسعود أيضاً.
وقوله "تعرفهم بسيماهم" أي بما يظهر لذوي الألباب من صفاتهم, كما قال تعالى: "سيماهم في وجوههم" وقال "ولتعرفنهم في لحن القول" وفي الحديث الذي في السنن "اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله" ثم قرأ " إن في ذلك لآيات للمتوسمين ".
وقوله: " لا يسألون الناس إلحافا " أي لا يلحون في المسألة ويكلفون الناس ما لا يحتاجون إليه, فإن سأل وله ما يغنيه عن المسألة, فقد ألحق في المسألة, قال البخاري: حدثنا ابن أبي مريم, حدثنا محمد بن جعفر, حدثنا شريك بن أبي نمر أن عطاء بن يسار وعبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري, قالا: سمعنا أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان, ولا اللقمة واللقمتان, إنما المسكين الذي يتعفف", اقرؤا إن شئتم يعني قوله "لا يسألون الناس إلحافاً" وقد رواه مسلم من حديث إسماعيل بن جعفر المديني, عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر, عن عطاء بن يسار وحده, عن أبي هريرة به, وقال أبو عبد الرحمن النسائي: أخبرنا علي بن حجر, حدثنا إسماعيل, أخبرنا شريك وهو ابن أبي نمر عن عطاء بن يسار, عن أبي هريرة به, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان, واللقمة واللقمتان, إنما المسكين المتعفف, اقرؤوا إن شئتم "لا يسألون الناس إلحافًا" " وروى البخاري من حديث شعبة, عن محمد بن أبي زياد, عن أبي هريرة, عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه, وقال ابن أبي حاتم: أخبرنا يونس بن عبد الأعلى, أخبرنا ابن وهب, أخبرني ابن أبي ذئب, عن أبي الوليد, عن أبي هريرة, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "ليس المسكين بالطواف عليكم فتطعمونه لقمة لقمة, إنما المسكين المتعفف الذي لا يسأل الناس إلحافاً" وقال ابن جرير: حدثني معتمر عن الحسن بن مالك, عن صالح بن سويد, عن أبي هريرة, قال: ليس المسكين بالطواف الذي ترده الأكلة والأكلتان, ولكن المسكين المتعفف في بيته لا يسأل الناس شيئاً تصيبه الحاجة, اقرؤوا إن شئتم "لا يسألون الناس إلحافاً" وقال الإمام أحمد أيضاً: حدثنا أبو بكر الحنفي, حدثنا عبد الحميد بن جعفر عن أبيه, عن رجل من مزينة أنه قالت له أمه: ألا تنطلق فتسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يسأله الناس ؟ فانطلقت أسأله فوجدته قائماً يخطب, وهو يقول "ومن استعف أعفه الله, ومن استغنى أغناه الله, ومن يسأل الناس وله عدل خمس أواق, فقد سأل الناس إلحافاً" فقلت بيني وبين نفسي: لناقة لهي خير من خمس أواق, ولغلامه ناقة أخرى فهي خير من خمس أواق, فرجعت ولم أسأل, وقال الإمام أحمد: حدثنا قتيبة, حدثنا عبد الرحمن بن أبي الرجال عن عمارة بن غزية, عن عبد الرحمن بن أبي سعيد, عن أبيه, قال: سرحتني أمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أسأله, فأتيته فقعدت, قال: فاستقبلني فقال "من استغنى أغناه الله, ومن استعف أعفه الله, ومن استكف كفاه الله, ومن سأل وله قيمة أوقية فقد ألحف, قال: فقلت ناقتي الياقوتة خير من أوقية, فرجعت فلم أسأله", وهكذا رواه أبو داود والنسائي عن قتيبة, زاد أبو داود وهشام بن عمار كلاهما عن عبد الرحمن بن أبي الرجال بإسناده نحوه, وقال ابن أبي حاتم, حدثنا أبي, حدثنا أبو الجماهر, حدثنا عبد الرحمن بن أبي الرجال, عن عمارة بن غزية, عن عبد الرحمن بن أبي سعيد, قال: قال أبو سعيد الخدري, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من سأل وله قيمة أوقية فهو ملحف". والأوقية أربعون درهماً, وقال أحمد: حدثنا وكيع, حدثنا سفيان عن زيد بن أسلم, عن عطاء بن يسار, عن رجل من بني أسد, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن سأل أوقية أو عدلها فقد سأل إلحافاً, وقال الإمام أحمد أيضاً: حدثنا وكيع, حدثنا سفيان عن حكيم بن جبير, عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد, عن أبيه, عن عبد الله بن مسعود, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من سأل وله ما يغنيه, جاءت مسألته يوم القيامة خدوشاً أو كدوحاً في وجهه" قالوا: يا رسول الله وما غناه ؟ قال "خمسون درهماً أو حسابها من الذهب". وقد رواه أهل السنن الأربعة من حديث حكيم بن جبير الأسدي الكوفي, وقد تركه شعبة بن الحجاج, وضعفه غير واحد من الأئمة من جراء هذا الحديث, وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني: حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي, حدثنا أبو حسين عبد الله بن أحمد بن يونس, حدثني أبي, حدثنا أبو بكر بن عياش عن هشام بن حسان, عن محمد بن سيرين, قال: بلغ الحارث رجلاً كان بالشام من قريش, أن أبا ذر كان به عوز فبعث إليه ثلاثمائة دينار, فقال: ما وجد عبد الله رجلاً أهون عليه مني, سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "من سأل وله أربعون فقد ألحف" ولال أبي ذر أربعون درهماً وأربعون شاة وماهنان, قال أبو بكر بن عياش, يعني خادمين, وقال ابن مردويه: حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم, أخبرنا إبراهيم بن محمد, أنبأنا عبد الجبار, أخبرنا سفيان عن داود بن سابور, عن عمرو بن شعيب, عن أبيه, عن جده, عن النبي صلى الله عليه وسلم, قال "من سأل وله أربعون درهماً فهو ملحف وهو مثل سف الملة" يعني الرمل, ورواه النسائي عن أحمد بن سليمان, عن أحمد بن آدم, عن سفيان وهو ابن عيينة بإسناده نحوه قوله "وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم" أي لا يخفى عليه شيء منه وسيجزي عليه أوفر الجزاء وأتمه يوم القيامة أحوج ما يكون إليه.
وقوله "الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون" هذا مدح منه تعالى للمنفقين في سبيله وابتغاء مرضاته في جميع الأوقات من ليل ونهار, والأحوال من سر وجهر, حتى أن النفقة على الأهل تدخل في ذلك أيضاً, كما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لسعد بن أبي وقاص حين عاده مريضاً عام الفتح, وفي رواية عام حجة الوداع "وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا ازددت بها درجة ورفعة حتى ما تجعل في في أمرأتك". وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر وبهز, قال: حدثنا شعبة عن عدي بن ثابت, قال: سمعت عبد الله بن يزيد الأنصاري يحدث عن أبي مسعود رضي الله عنهما, عن النبي صلى الله عليه وسلم, أنه قال "إن المسلم إذا أنفق على أهله نفقة يحتسبها كانت له صدقة", أخرجاه من حديث شعبة به, وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة, حدثنا سليمان بن عبد الرحمن, حدثنا محمد بن شعيب, قال: سمعت سعيد بن يسار عن يزيد بن عبد الله بن عريب المليكي, عن أبيه, عن جده, عن النبي صلى الله عليه وسلم, قال: نزلت هذه الاية " الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم " في أصحاب الخيل. وقال حبش الصنعاني عن ابن شهاب, عن ابن عباس في هذه الاية, قال: هم الذين يعلفون الخيل في سبيل الله, رواه ابن أبي حاتم ثم قال: وكذا روي عن أبي أمامة وسعيد بن المسيب ومكحول, وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج, أخبرنا يحيى بن يمان عن عبد الوهاب بن مجاهد, عن ابن جبير, عن أبيه, قال: كان لعلي أربعة دراهم, فأنفق درهماً ليلاً ودرهماً نهاراً ودرهماً سراً ودرهماً علانية, فنزلت "الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانية", وكذا رواه ابن جرير من طريق عبد الوهاب بن مجاهد, وهو ضعيف, ولكن رواه ابن مردويه من وجه آخر عن ابن عباس, أنها نزلت في علي بن أبي طالب, وقوله "فلهم أجرهم عند ربهم" أي يوم القيامة على ما فعلوا من الإنفاق في الطاعات "ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون" تقدم تفسيره.
قوله: 272- "ليس عليك هداهم" أي ليس بواجب عليك أن تجعلهم مهديين قابلين لما أمروا به ونهوا عنه "ولكن الله يهدي من يشاء" هداية توصله إلى المطلوب، وهذه الجملة معترضة وفيها الإلتفات، وسيأتي بيان السبب الذي نزلت لأجله، والمراد بقوله: "من خير" كل ما يصدق عليه اسم الخير كائناً ما كان، وهو متعلق بمحذوف: أي أي شيء تنفقون كائناً من خير، ثم بين أن النفقة المعتد بها المقبولة إنما هي ما كان ابتغاء وجه الله سبحانه: أي لابتغاء وجه الله. وقوله: "يوف إليكم" أي: أجره وثوابه على الوجه الذي تقدم ذكره من التضعيف.
272. " ليس عليك هداهم " قال الكلبي سبب نزول هذه الآيه أن ناساً من المسلمين كانت لهم قرابة وأصهار في اليهود وكانو ينفقون عليهم قبل أن يسلموا فلما أسلموا كرهوا أن ينفقوا عليهم وأردوهم على أن يسلموا ،وقال سعيد بن جبير : كانوا يتصدقون على فقراء أهل الذمة ، فلما كثر فقرلء المسلمين ، نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التصدق على المشركين كي تحملهم الحاجة على الدخول في الأسلام فنزل قوله " ليس عليك هداهم " فتمنعهم الصدقة ليدخلوا الأسلام حاجة منهم إليها، " ولكن الله يهدي من يشاء" وأراد به هداية التوفيق، أما هدىالبيان والدعوة فكان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطوهم بعد نزول الآية .
" وما تنفقوا من خير " أي مال " فلأنفسكم " أي تعملونه لأنفسكم " وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله " وماجحد، لفظه نفي ومعناه نهي ، أي لاتنفقوا إلا ابتغاء وجه الله " وما تنفقوا من خير " شرط كألاول ولذلك حذف النون منهما " يوف إليكم " أي يوفر لكم جزاؤه ، ومعناه : يؤدي إليكم ، ولذلك أدخل فيه إلا " وأنتم لا تظلمون " لاتنقصون من ثواب شيئاً، وهذا في صدقة التطوع، أباح الله تعالى أن توضع في أهل الإسلام وأهل الذمة، فإما الصدقة المفروضة فلا يجوز وضعها إلا في المسلمين وهم أهل السهمان المذكورون في سورة التوبة.
272-" ليس عليك هداهم " لا يجب عليك أن تجعل الناس مهديين ، وإنما عليك الإرشاد والحث على المحاسن ، والنهي عن المقابح كالمن والأذى وإنفاق الخبيث . " ولكن الله يهدي من يشاء " صريح بأن الهداية من الله تعالى وبمشيئته ،وإنها تخص بقوم دون قوم . " وما تنفقوا من خير " من نفقة معروفة ز " فلأنفسكم " فهو لأنفسكم لا ينتفع به غيركم فلا تمنوا عليه ولا تنفقوا الخبيث . " وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله " حال ، وكأنه قال وما تنفقون من خير فلأنفسكم غير منفقين إلا لابتغاء وجه الله وطلب ثوابه . أو عطف على ما قبله أي وليست نفقتكم إلا لابتغاء وجهه فما بالكم تمنون بها وتنفقون الخبيث . وقيل : نفي في معنى النهي . " وما تنفقوا من خير يوف إليكم " ثوابه أضعافاً مضاعفة ، فهو تأكيد للشرطية السابقة ، أو ما يخلف للمنفق استجابة لقوله عليه الصلاة والسلام " اللهم اجعل لمنفق خلفاً ، ولممسك تلفاً " روي : أن ناساً من المسلمين كانت لهم أصهار ورضاع في اليهود ، وكانوا ينفقون عليهم ، فكرهوا لما أسلموا أن ينفعوهم فنزلت . وهذا في غير الواجب أما الواجب فلا يجوز صرفه إلى الكفار . " وأنتم لا تظلمون " أي لا تنقصون ثواب نفقاتكم .
272. The guiding of them is not thy duty (O Muhammad), but Allah guideth whom He will. And whatsoever good thing ye spend, it is for yourselves, when ye spend not save in search of Allah's countenance; and whatsoever good thing ye spend, it will be repaid to you in full, and ye will not be wronged.
272 - It is not required of thee (o apostle), to set them on the right path, but God sets on the right path whom he pleaseth. whatever of good ye give benefits your own souls, and ye shall only do so seeking the face of God. whatever good ye give, shall be rendered back to you, and ye shall not be dealt with unjustly.