[البقرة : 251] فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَـكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ
(فهزموهم) كسروهم (بإذن الله) بإرادته (وقتل داود) وكان في عسكر طالوت (جالوت وآتاه) أي داود (الله الملك) في بني إسرائيل (والحكمة) النبوة بعد موت شمويل وطالوت ولم يجتمعا لأحد قبله (وعلمه مما يشاء) كصنعة الدروع ومنطق الطير (ولولا دفع الله الناس بعضهم) بدل بعض من الناس (ببعض لفسدت الأرض) بغلبة المشركين وقتل المسلمين وتخريب المساجد (ولكن الله ذو فضل على العالمين) فدفع بعضهم ببعض
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: "فهزموهم"، فهزم طالوت وجنوده أصحاب جالوت، وقتل داود جالوت.
وفي هذا الكلام متروث، ترك ذكره اكتفاء بدلالة ما ضهر منه عليه. وذلك أن معنى الكلام: "ولما برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين"، فاستجاب لهم ربهم، فأفرغ عليهم صبره وثبت أقدامهم، ونصرهم على القوم الكافرين، "فهزموهم بإذن الله"، لكنه ترك ذكر ذلك اكتفاء بدلالة قوله: "فهزموهم بإذن الله"، على أن الله قد أجاب دعاءهم الذي دعوه ومعنى قوله: "فهزموهم بإذن الله"، فلوهم بقضاء الله وقدره. يقال منه: هزم القوم الجيش هزيمة وهزيمى .
" وقتل داود جالوت ". وداود هذا هو داود بن إيشي، نبي الله صلى الله عليه وسلم وكان سبب قتله إياه، كما:حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا بكاربن عبد الله قال، سمعت وهب بن منبه يحدث قال: لما خرج- أو قال: لما برز-، طالوس لجالوت، قال جالوت: أبرزوا إلي من يقاتلني، فإن قتلني فلكم ملكي، وإن قتلته فلي ملككم! فأتي بداود إلى طالوت، فقاضاة إن قتله أن ينكحه ابنته، وأن يحكمه في ماله. فألبسه طالوت سلاحا، فكره داود أن يقاتله بسلاح، وقال: إن الله لم ينصرني عليه، لم يغن السلاح! فخرج إليه بالمقلاع، وبمخلاة فيها أحجار، ثم برز له. قال له جالوت: أنت تقاتلني!! قال داود: نعم! قال: ويلك! ما خرجت إلا كما تخرج إلى الكلب بالمقلاع والحجارة! لأبددن لحمك، ولأطعمنه اليوم الطير والسباع! فقال له داود: بل أنت عدو الله شر من الكلب! فأخذ داود حجرا ورماه بالمقلاع، فأصابت بين عينيه حتى نفذ في دماغه، فصرع جالوت وانهزم من معه، واهتز داود رأسه. فلما رجعوا إلى طالوت، ادعى الناس قتل جالوت، فمنهم من يأتي بالسيف، بالشيء من سلاحه أو جسده، وخبأ داود رأسه. فقال طالوت: من جاء برأسه فهو الذي قتله! فجاء به داود، ثم قال لطالوت: أعطني ما وعدتني! فندم طالوت على ما كان شرط له، وقال: إن بنات الملوك لا بد لهن من صداق، وأنت رجل جريء شجاع، فاحتمل صداقها ثلثمئة غلفة من أعدائنا. وكان يرجو بذلك أن يقتل داود. فغزا داود وأسر منهم ثلثمئة وقطع غلفهم، وجاء بها. فلم يجد طالوت بدا من أن يزوجه. ثم أدركته الندامة، فأراد قتل داود حتى هرب منه إلى الجبل، فنهض إليه طالوت فحاصره. فلما كان ذات ليلة سفط النوم على طالوت وحرسه، فهبط إليهم داود فأخذ إبريق طالوت الذي كان يشرب منه ويتوضأ، وقطع شعرات من لحيته وشيئا من هدب ثيابه، ثم رجع داود إلى مكانه فناداه: أن قد نمت ونام، حرسك، فإني لو شت أقتلك البارحة فعلت، فإنه هذا إبريقك، وشيء من شعر لحيتك وهدب ثيابك! وبعث به، إليه، فعلم طالوت أنه لو شاء قتله، فعطفه ذلك عليه فأمنه، وعاهده بالله لا يرى منه بأسا. ثم انصرف. ثم كان في آخر أمر طالوت أنه كان يدس لقتله. وكان طالوت لا يقاتل عدوا إلا هزم، حتى مات. قال بكار:وسئل وهب وأنا أسمع: أنبيا كان طالوت يوحى إليه؟ فقال: لم يأته وحي، ولكن كان معه نبي يقال له أشمويل يوحى إليه، وهو الذي ملك طالوت. حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: كان داود النبي وإخوة له أربعة، معهم أبوهم شيخ كبير، فتخلف أبوهم، وتخلف معه داود من بين إخوته في غنم أبيه يرعاها له، وكان من أصغرهم. وخرج إخوته الأربعة مع طالوت، فدعاه أبوه وقد تقارب الناس ودنا بعضهم من بعض.قال ابن إسحاق: وكان داود، فيما ذكر لي بعض أهل العلم عن وهب بن منبه: رجلا قصيرا أزرق،
قليل شعر الرأس، وكان طاهر القلب نقيه، فقال له أبوه: يا بني، إنا قد صنعنا لإخوتك زادا يتقوون به على عدوهم، فاخرج به إليهم، فإذا دفعته إليهم فأقبل إلي سريعا. فقال: أفعل. فخرج وأخذ معه ما حمل لإخوته، ومعه مخلاته التي يحمل فيها الحجارة، ومقلاعه الذي كان يرمي به عن غنمه. حتى إذا فصل من عند أبيه، فمر بحجر فقال: يا داود! خذني فاجعلني في مخلاتك تقتل بي جالوت، فإني حجر يعقوب! فأخذه فجعله في مخلاته، ومشى. فبينا هو يمشي إذ مر بحجر آخر فقال: يا داود! خذني فاجعلني في مخلاتك تقتل بي جالوت، فإني حجر إسحاق! فأخذه فجعله في مخلاته، ثم مضى. فبينا هو يه شي إذ مر بحجر فقال: يا داود! خذني فاجعلني في مخلاتك تقتل بي جالوت، فإني حجر إبراهيم! فأخذه فجعله في مخلاته. ثم مضى بما معه حتى انتهى إلى القوم، فأعطى إخوته ما بعث إليهم معه. وسمع في العسكر خوض الناس بذكر جالوت وعظم شأنه فيهم، وبهيبة الناس إياه، وبما يعظمون من أمره، فقال لهم: والله إنكم لتعظمون من أمر هذا العدو شيئا ما أدري ما هو!! والله لو أراه لقتلته! فأدخلوني على الملك. فأدخل على الملك طالوت، فقال: أيها الملك، إني أراكم تعظمون شأن هذا العدو! والله إني لو أراه لقتلته! فقال: يا بني! ما عندك من القوة على ذلك؟ وما جربت من نفسك؟ قال: قد كان الأسد يعدو على الشاة من غنمي فأدركه، فآخذ برأسه، فأفك لحييه عنها، فآخذها من فيه، فادع لي بدرع حتى ألقيها علي. فأتي بدرع فقذفها في عنقه، ومثل فيها ملء عين طالوت ونفسه ومن حضره من بني إسرائيل، فقال طالوت: والله، لعسى الله أن يهلكه به! فلما أصبحوا رجعوا إلى جالوت، فلما التقى الناس قال داود: أروني جالوت! فأروه إياه على فرس عليه لأمته، فلما رآه جعلت الأحجار الثلاثة تواثب من مخلاته، فيقول هذا: خذني! ويقول هذا: خذني! ويقول هذا: خذني! فأخذ أحدها فجعله في مقذافه، ثم فتله به، ثم أرسله، فصك به بين عيني جالوت فدمغه، وتنكس عن دابته، فقتله. ثم انهزم جنده، وقال الناس: قتل داود جالوت! وخلع طالوت وأقبل الناس على داود مكانه، حتى لم يسمع لطالوت بذكر، إلا أن أهل الكتاب يزعمون أنه لما رأى انصراف بني إسرائيل عنه إلى داود، هم بأن يغتال داود وأراد قتله، فصرف الله ذلك عنه وعن داود، وعرف خطيئته، والتمس التوبة منها إلى الله.وقد روي عن وهب بن منبه في أمر طالوت وداود قول خلاف الروايتين اللتين ذكرنا قبل، وهو ما:- حدثني به المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم قال، حدثني عبد الصمد بن معقل: أنه سمع وهب بن منبه قال: لما سلمت بنو إسرائيل الملك لطالوت، أوحى الله إلى نبي بني إسرائيل: أن قل لطالوت فليغز أهل مدين، فلا يترك فيها حيا إلا قتله، فإني سأظهره عليهم. فخرج بالناس حتى أتى مدين، فقتل من كان فيها إلا ملكهم فإنه أسره، وساق مواشيهم. فأوحى الله الى أشمويل: ألا تعجب من طالوت إذ أمرته بأمري فاختل فيه، فجاء بملكهم أسيرا، وساق مواشيهم! فالقد، فقل له: لأنزعن الملك من بيته ثم لا يعود فيه إلى يوم القيامة، فإني إنما أكرم من أطاعني، وأهين من هان عليه أمري! فلقيه فقال له: ما صنعت!! لم جئت بملكهم أسيرا، ولم سقت مواشيهم؟ قال: إنما سقت المواشي لأقربها. قال له أشمويل: إن الله قد نزع من بيتك الملك، ثم لا يعود فيه إلى يوم القيامة! فأوحى الله إلى أشمويل: أن انطلق إلى إيشي، فيغرض عليك بنيه، فادهن الذي امرك بدهن القدس، يكن ملكا على بني إسرائيل. فانطلق حتى أتى إيشي فقال: اعرض علي بنيك. فدعا إيشي أكبر ولده، فأقبل رجل جسيم حسن المنظر، فلما نظر إليه أشمويل أعجبه فقال: الحمد لله، إن الله لبصير بالعباد! فأوحى الله إليه: إن عينيك يبصران ما ظهر، وإني أطلع على ما في القلوب، ليس بهذا! فقال: ليس بهذا، اعرض علي غيره. فعرض عليه ستة في كل ذلك يقول: ليس بهذا. فقال: هل لك من ولد غيرهم؟ فقال: بلى! لي غلام أمغر، وهو راع في الغنم. فقال: أرسل إليه. فلما أن جاء داود، جاء غلام أمغر، فدهنه بدهن القدس وقال لأبيه: اكتم هذا، فإن طالوت لو يطلع عليه قتله. فسار جالوت في قومه إلى بني اسرائيل، فعسكر، وسار طالوت ببني إسرائيل وعسكر، وتهيأ للقتال. فأرسك جالوت إلى طالوت: لم يقتل قومي وقومك؟ ابرز لي، أو أبرز لي من شئت، فإن قتلتك كان الملك لي، وإن قتلتني كان الملك لك. فأرسل طالوت في عسكره صائحا: من يبرز لجالوت، فإن قتله فإن الملك ينكحه ابنته، ويشركه في ملكه. فأرسل إيشي داود إلى إخوته- قال الطبري: هو ايشي، ولكن قال المحدث: إشي- وكانوا في العسكر فقال: اذهب فزود إخوتك، وأخبرني خبر الناس ماذا صنعوا! فجاء إلى إخوته وسمع صوتا: إن الملك يقول: من يبرز لجالوت، فإن قتله أنكحه الملك ابنته. فقال داود لإخوته: ما منكم رجل يبرز لجالوت فيقتله وينكح ابنة الملك؟ فقالوا: إنك غلام أحمق! ومن يطيق جالوت، وهو من بقية الجبارين!! فلما لم يرهم رغبوا في ذلك قال: فأنا أذهب فأقتله! فانتهروه وغضبوا عليه، فلما غفلوا عنه ذهب حتى جاء الصائح فقال: أنا أبرز لجالوت! فذهب به إلى الملك، فقال له: لم يجبني أحد إلا غلام من بني اسرائيل، هو هذا! قال: يا بني، أنت تبرز لجالوت فتقاتله! قال: نعم. قال: وهل آنست من نفسك شيئا؟ قال: نعم، كنت راعيا في الغنم فأغار علي الأسد، فأخذت بلحييه ففككتهما. فدعا له بقوس وأداة كاملة، فلبسهما وركب الفرس، ثم سار منهم قريبا، ثم صرف فرسه، فرجع إلى الملك، فقال الملك ومن حوله: جبن الغلام! فجاء فوقف على الملك، فقال: ما شأنك؟ قال داود: إن لم يقتله الله لي، لم يقتله هذا الفرس وهذا السلاح! فدعني فأقاتل كما أريد. فقال: نعم يا بني. فأخذ داود مخلاته فتقلدها، وألقى فيها أحجارا، وأخذ مقلاعه الذي كان يرعى به، ثم مضى نحو جالوت. فلما دنا من عسكره قال: أين جالوت يبرز لي؟ فبرز له على فرس عليه السلاح كله، فلما رآه جالوت قال: إليك أبرز؟! قال: نعم. ،: فأتيتني بالمقلاع والحجر كما يؤتى إلى الكلب! قال: هو ذاك. قال: لا جرم أني سوف أقسم لحمك بين طير السماء وسباع الأرض! قال داود: أو يقسم الله لحمك! فوضع داود حجرا في مقلاعه ثم دوره فأرسله نحو جالوت، فأصاب أنف البيضة التي على جالوت حتى. خالط دماغه، فوقع من فرسه. فمضى داود اليه فقطع رأسه بسيفه، فأقبل به في مخلاته، وبسلبه يجزه، حتى ألقاه بين يدي طالوت،ففرحوا فرحاً شديداً. وانصرف طالوت، فلما كان داخل المدينة سمع الناس يذكرون داود، فوجد في نفسه. فجاءه داود فقال: أعطني امرأتي! فقال: أتريد ابنة الملك بغير صداق؟ فقال داود: ما اشترطت علي صداقا، ومالي من شيء!! قال: لا أكلفك الا ما تطيق، أنت رجل جريء، وفي جبالنا هذه جراجمة يحتربون الناس، وهم غلف، فإذا قتلت منهم مئتي رجل فأتني بغلفهم. فجعل كلما قتل منهم رجلا نظم غلفته في خيط، حتى نظم مئتي غلفة. ثم جاء بها إلى طالوت فألقى بها إليه، فقال: ادفع إلي امرأتي، قد جئت بما اشترطت. فزوجه ابنته، وأكثر الناس ذكر داود، وزاده عند الناس عجبا. فقال طالوت لابنه: لتقتلن داود! قال: سبحان الله، ليس بأهل ذلك منك! قال: إنك غلام أحمق! ما أراه إاأ سوف يخرجك وأهل بيتك من الملك! فلما سمع ذلك من أبيه انطلق إلى أخته فقال لها: إني قد خفت أباك أن يقتل زوجك داود، فمريه أن يأخذ حذره ويتغيب منه. فقالت له امرأته ذلك، فتغيب. فلما أصبح أرسل طالوت من يدعو له داود، وقد صنعت امرأته على فراشه كهيئة النائم ولحفته. فلما جاء رسول طالوت قال: أين داود؟ ليجب المملك! فقالت له: بات شاكيا ونام الان، ترونه على الفراش. فرجعوا إلى طالوت فأخبروه ذلك، فمكث ساعة ثم أرسل إليه، فقالت: هو نائم لم يستيقظ بعد. فرجعوا إلى الملك فقال: ائتوني به وإن كان نائما. فجاؤوا إلى الفراش فلم يجدوا عليه أحدا، فجاؤوا الملك فأخبروه، فأرسل إلى ابنته فقال: ما حملك على أن تكذبين؟ قالت: هو أمرني بذلك، وخفت إن لم أفعل أمره أن يقتلني! وكان داود فارا في الجبل حتى قتل طالوت وملك داود بعده. حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: كان طالوت أميرا على الجيش، فبعث أبو داود مع داود بشيء إلى إخوته، فقال داود لطالوت: ماذا لي فأقتل جالوت؟ قال: لك ثلث ملكي، وأنكحك ابنتي. فأخذ مخلاته فجعل فيها ثلاث مروات، ثم سمى حجارته تلك: إبراهيم وإسحاق، ويعقوب ، ثم أدخل يده فقال: باسم إلهي وإله آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب! فخرج على إبراهيم ، فجعله في مرجمته، فخرقت ثلاثا وثلاثين بيضة عن رأسه، وقتلت ثلاثين ألفا من ورائه. حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: عبر يومئذ النهر مع طالوت أبو داود فيمن عبر، مع ثلاثة عشر ابنا له، وكان داود أصغر بنيه. فأتاه ذات يوم فقال: يا أبتاه، ما أرمي بقذافتي شيئا إلا صرعته! فقال: أبشر يا بني! فإن الله قد جعل رزقك في قذافتك. ثم أتاه مرة أخرى ، فقال: يا أبتاه، لقد دخلت بين الجبال فوجدت أسدا رابضا، فركبت عليه فأخذت بأذنيه، فلم يهجني! قال: أبشر يا بني! فإن هذا خير يعطيكه الله. ثم أتاه يوما آخر فقال: يا أبتاه إني لأمشي بين الجبال فأسبح، فما يبقى جبل إلا سبح معي! فقال: أبشر يا بني! فإن هذا خير أعطاكه الله. وكان داود راعيا، شان أبوه خلفه يأتي إليه وإلى إخوته بالطعام. فأتى النبي عليه السلام، بقرن فيه دهن، وسنور(1) من حديد، فبعث به إلى طالوت فقال: إن صاحبكم الذي يقتل جالوت يوضع هذا القرن على رأسه فيغلي حتى يدهن منه، ولا يسيل على وجهه، يكون على رأسه كهيئه الإكليل، ويدخل في هذا السنور فيملأه. فدعا طالوت بني إسرائيل فجربهم به، فلم يوافقه منهم أحد. فلما فرغوا، قال طالوت لأبي داود: هل بقي لك من ولد لم يشهدنا؟ قال: نعم! بقي ابني داود، وهو يأتينا بطعام. فلما أتاه داود، مر في الطريق بثلاثة أحجار فكلمنه وقلن له: خذنا يا داود تقتل بنا جالوت! قال: فأخذهن فجعلهن في مخلاته. وكان طالوت قال: من قتل جالوت زوجته ابنتي وأجريت خاتمه في ملكي. فلما جاء داوت، وضعوا القرن على رأسه فغلى حتى ادهن منه، ولبس السنور فملأه، وكان رجلا مسقاما مصفارا، ولم يلبسه أحد إلا تقلقل فيه. فلما لبسه داود تضايق الثوب عليه حتى تنقض. ثم مشى إلى جالوت، وكان جالوت من أجسم الناس وأشدهم، فلما نظر إلى داود قذف في قلبه الرعب منه، فقال له: يا فتى! ارجع، فإني أرحمك أن أقتلك! قال داود: لا، بل أنا أقتلك! فأخرج الحجارة فجعلها في القذافة، كلما رفع منها حجرا سماه، فقال: هذا باسم أبي إبراهيم، والثاني: باسم أبي إسحاق، والثالث: باسم أبي إسرائيل. ثم أدار القذافة فعادت الأحجار حجرا واحدا، ثم أرسله فصك به بين عيني جالوت، فنقبت رأسه فقتلته، ثم لم تزل تقتل كل إنسان تصيبه، تنفذ منه حتى لم يكن يحيى لها أحد. فهزموهم عند ذلك، وقتل داود جالوت، ورجع طالوت، فأنكح داود ابنته، وأجرى خاتمه في ملكه. فمال الناس إلى داود فأحبوه. فلما رأى ذلك طالوت وجد في نفسه وحسده، فأراد قتله. فعلم به داود أنه يريد به ذلك، فسجى له زق خمر في مضجعه، فدخل طالوت إلى منام داود وقد هرب داود، فضرب الزق ضربة فخرقه، فسالت الخمر منه، فوقعت قطرة من خمر في فيه، فقال: يرحم الله داود! ما كان أكثر شربه للخمر!! ثم إن داود أتاه من القابلة في بيته وهو نائم، فوضع سهمين عند رأسه، وعند رجليه، وعن يمينه وعن شماله سهمين سهمين، ثم نزل. فلما استيقظ طالوت بضر بالسهام فعرفها، فقال: يرحم الله داود! هو خير مني، ظفرت به فقتلته، وظفر بي فكف عني! ثم إنه ركب يوما فوجده يمشي في البرية وطالوت على فرس، فقال طالوت: اليوم أقتل داود!- وكان داود إذا فزع لا يدرك- فركض على أثره طالوت، ففؤع داود فاشتد فدخل غارا، وأوحى الله إلى العنكبوت فضربت عليه بيتا. فلما انتهى طالوت إلى الغار، نظر إلى بناء العنكبوت فقال: لو كان دخل ههنا لخرق بيت العنكبوت إ! فخيل إليه، فتركه. حدثت عن عمار بن الحسن قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قال: ذكر لنا أن داود حين أتاهم كان قد جعل معه مخلاة فيها ثلاثة أحجار، وأن جالوت برز لهم فنادى: ألا رجل لرجل! فقال طالوت: من يبرز له؟ وإلا برزت له. فقام داود فقال: أنا! فقام له طالوت فشد عليه درعه، فجعل يراه يشخص فيها ويرتفع، فعجب عن ذلك طالوت، فشد عليه أداته كلها. وأن داود رماهم بحجر من تلك الحجارة، فأصاب في القوم، ثم رمى الثانية بحجر، فأصاب فيهم، ثم رمى الثالثة فقتل جالوت. فآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء، وصار هو الرئيس عليهم، وأعطوه الطاعة. حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال!، حدثني ابن زيد في قول الله تعالى ذكره: "ألم تر إلى الملإ من بني إسرائيل"، فقرأ حتى بلغ ماله "فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلا منهم والله عليم بالظالمين"، قال: أوحى الله إلى نبيهم: أن في ولد فلان رجلا يقتل الله به جالوت، ومن علامته هذا القرن تضعه على رأسه فيفيض ماء. فأتاه فقال: إن الله أوحى إلي أن في ولدك رجلا يقتل الله به جالوت! فقال: نعم يا نبي الله! قال: فأخرج له اثني عشر رجلا أمثال السواري، وفيهم رجل بارع عليهم، فجعل يعرضهم على القرن فلا يرى شيئا، فيقول لذلك الجسيم: ارجع! فيردده عليه. فأوحى الله إليه: إنا لانأخذ الرجال على صورهم، ولكنا نأخذهم على صلاح قلوبهم. قال: يا رب، قد زعم أنه ليس له ولد غير5! فقال: كذب! فقال: إن ربي قد كذبك وقال: إن لك ولدا غيرهم! فقال: قد صدق يا نبي الله، لي ولد قصير استحييت أن يراه الناس، فجعلته في الغنم! قال: فأين هو؟ قال: في شعب كذا وكذا، من جبل كذا وكذا. فخرج إليه، فوجد الوادي !قد سال بينه وبين البقعة التي كان يريح إليها، قال: ووجده يحمل شاتين شاتين يجيز بهما السيل ولا يخوض بهما السيل. فلما رآه قال: هذا هو لا شك فيه! هذا يرحم البهائم، فهو بالناس أرحم! قال: فوضع القرن على رأسه ففاض. فقال له: ابن أخي! هل رأيت ههنا من شيء يعجبك؟ قال: نعم، إذا سبحت سبحت معي الجبال، وإذا أتى النمر أو الذئب أو السبع أخذ شاة، قمت إليه فأفتح لحييه عنها فلا يهيجني! قال: وألفى معه صفنه (1). قال فمر بثلائة أحجار ينتزي بعضها على بعض، كل واحد منها يقول: أنا الذي يأخذ! ويقول هذا: لا! بل إياي يأخذ! ويقول الآخر مثل ذلك. قال: فأخذهن جميعا فطرحهن في صفنه. فلما جاء مع النبي صلى الله عليه وسلم وخرجوا، قال لهم نبيهم:"إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا"، فكان من قصة نبيهم وقصتهم ما ذكر الله في كتابه، وقرأ حتى بلغ: " والله مع الصابرين " قال: واجتمع أمرهم وكانوا جميعا، وقرأ: "وانصرنا على القوم الكافرين". وبرز جالوت على برذون له أبلق، في يده قوس نشاب، فقال: من يبرز؟ أبرزوا إلي رأسكم! قال: ففظع به طالوت، قال: فالتفت إلى أصحابه فقال: من رجل يكفيني اليوم جالوت؟ فقال داود: أما. فقال: تعال! قال: فنزع درعا له فألبسه إياها. قال: ونفخ الله من روحه فيه حتى ملأه. قال: فرمى بنشابة فوضعها في الدرع. قال: فكسرها داود ولم تضره شيئا، ثلاث مرات، ثم قال له: خذ الان! فقال داود: اللهم اجعله حجرا واحدا. قال: وسمى واحدا إبراهيم، وآخر إسحاق، واخر يعقوب. قال: فجمعهن جميعا فكن - حجرا واحدا. قال: فأخذهن وأخذ مقلاعا، فأدارها ليرمي بها فقال: أترميني كما يرمى السبع والذئب ارمني بالقوس! فقال: لا أرميك اليوم إلا بها! فقال له مثل ذلك أيضا، فقال: نعم! وأنت أهون علي من الذئب! فأدارها وفيها أمر الله وسلطان الله. قال: فخفى سبيلها مأمورة. قال: فجاءت مظلة فضربت بين عيينه حتى خرجت من قفاه، ثم قتلت من أصحابه وراءه كذا وكذا، وهزمهم الله. حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال: لما قطعوا- يعني النهر الذي قال الله فيه مخبرا عن قيل طالوت لجنوده: "إن الله مبتليكم بنهر"- وجاء جالوت، وشق على طالوت قتاله، فقال طالوت للناس!: لو أن جالوت قتل، أعطيت الذي يقتله نصف ملكي، وناصفته كل شيء أملكه! فبعث الله داود، وداود يومئذ في الجبل راعي غنم، وقد غزا مع طالوت تسعة إخوة لداود، وهم أبد منه، وأغنى منه، وأعرف في الناس منه، وأوجه عند طالوت منه، فغزوا وتركوه في غنمهم، فقال داود حين ألقى الله في نفسه ما ألقى، وأكرمه: لأستودعن ربي غنمي اليوم، ولآتين الناس، فلأنظرن ما الذي بلغني من قول الملك لمن قتل جالوت! فأتى داود إخوته، فلاموه حين أتاهم، فقالوا: لم جئت؟ قال: لأقتل جالوت، فإن الله قادر أن أقتله. فسخروا منه- قال ابن جريج، قال مجاهد: كان بعث أبو داود مع داود بشيء إلى إخوته، فأخذ مخلاة فجعل فيها ثلاث مروات، ثم سماهن إبراهيم وإسحاق ويعقوب - قال ابن جريج، قالوا: وهو ضعيف رث الحال، فمر بثلاثة أحجار فقلن له: خذنا يا داود فقاتل بنا جالوت! فأخذهن داود وألقاهن في مخلاته. فلما ألقاهن سمع حجرا منهن يقول لصاحبه: أنا حجر هارون الذي قتل بي ملك كذا وكذا. قال الثاني: أنا حجر موسى الذي قتل بي ملك كذا وكذا. قال الثالث: أنا حجر داود الذي أقتل جالوت! فقال الحجران: يا حجر داود، نحن أعوان لك! فصرن حجرا واحدا. وقال الحجر: يا داود، اقذف بي، فإني سأستعين بالريح- وكانص بيضته، فيما يقولون والله أعلم، فيها ستمئة رطل- فأقع في رأس جالوت فأقتله!- قال ابن جريج، وقال مجاهد: سمى واحدا إبراهيم، والآخر إسحاق، والآخر يعقوب، وقال: باسم إلهي وإله آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب! وجعلهن في مرجمته- قال ابن جريج: فانطلق حتى نفذ إلى طالوت فقال: إنك قد جعلت لمن قتل جالوت نصف ملكك ونصف كل شيء تملكه! أفلي ذلك إن قتلته؟ قال: نعم! والناس يستهزئون بداود، وإخوة داود أشد من هنالك عليه. وكان طالوت لا ينتدب إليه أحد زعم أنه يقتل جالوت إلا ألبسه درعا عنده، فإذا لم تكن قدرا عليه نزعها عنه. وكانت درعا سابغة من دروع طالوت، فألبسها داود، فلما رأى قدرها عليه أمره أن يتقدم. فتقدم داود فقام مقاما لا يقوم فيه أحد، وعليه الدرع. فقال له جالوت: ويحك! من أنت؟ إني أرحمك! ليتقدم إلي غيرك من هذه الملوك! أنت إنسان ضعيف مسكين فارجع! فقال داود: أنا الذي أقتلك بإذن الله، ولن أرجع حتى أقتلك! فلما أبى داود إلا قتاله، تقدم جالوت إليه ليأخذه بيده مقتدرا عليه، فأخرج الحجر من المخلاة، فدعا ربه ورماه بالحجر، فألقت الريح بيضته عن رأسه، فوقع الحجر في رأس جالوت حتى دخل في جوفه فقتله.! قال ابن جريج، وقال مجاهد: لما رمى جالوت بالحجر خرق ثلاثا وثلاثين بيضة عن رأسه، وقتلت من ورائه ثلاثين ألفا، قال الله تعالى: "وقتل داود جالوت". فقال داود لطالوت: ف لي بما جعلت. فأبى طالوت أن يعطيه ذلك. فانطلق داود فسكن مدينة من مدائن بني إسرائيل حتى مات طالوت. فلما مات عمد بنو إسرائيل إلى داود فجاؤوا به فملكوه، وأعطوه خزائن طالوت، وقالوا: لم يقتل جالوت إلا نبي! قال الله: "وقتل داود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء".قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: وأعطى الله داود الملك والحكمة وعلمه مما يشاء.والهاء في قوله: " وآتاه الله "، عائدة على داود، "والملك" السلطان، "والحكمة"، النبوة. وقوله: "وعلمه مما يشاء"، يعني: علمه صنعة الدروع والتقدير في السرد، كما قال الله تعالى ذكره: "وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم" [الأنبياء: 80].وقد قيل إن معنى قوله: "وآتاه الله الملك والحكمة"، أن الله آتى داود ملك طالوت ونبوة أشمويل.ذكر من قال ذلك:حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: ملك داود بعد ما قتل طالوت، وجعله الله نبيا، وذلك قوله: "وآتاه الله الملك والحكمة"، قال: الحكمة هي النبوة، آتاه نبوة شمعون وملك طالوت.
قال أبو جعفر: يعنى تعالى ذكره بذلك: ولولا أن الله يدفع ببعض الناس، وهم أهل الطاعة له والإيمان به، بعضا، وهم أهل المعصية لله والشرك به- كما دفع عن المتخلفين عن طالوت يوم جالوت من اهل الكفر بالله والمعصية له، وقد أعطاهم ما سألوا ربهم ابتداء: من بعثة ملك عليهم ليجاهدوا معه في سبيله، بمن جاهد معه من أهل الإيمان بالله واليقين والصبر، جالوت وجنوده، "لفسدت الأرض"، يعني: لهلك أهلها بعقوبة الله إياهم، ففسدت بذلك الأرض، ولكن الله ذو من على خلقه وتطول عليهم، بدفعه بالبر من خلقه عن الفاجر، وبالمطيع عن العاصي منهم، وبالمؤمن عن الكافر.وهذه الآية إعلام من الله تعالى ذكره أهل النفاق الذين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم المتخلفين عن مشاهده والجهاد معه للشك الذي في نفوسهم ومرض قلوبهم، والمشركين وأهل الكفر منهم، وأنه إنما يدفع عنهم معاجلتهم العقوبة على كفرهم ونفاقهم بإيمان المؤمنين به وبرسوله، الذين هم أهل البصائر والجد في أمر الله، وذوو اليقين بإنجاز الله إياهم وعده على جهاد أعدائه وأعداء رسوله، من النصر في العاجل، والفوز بجنانه في الآجل.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: "ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض"، يقول: ولولا دفع الله بالبر عن الفاجر، ودفعه ببقية أخلاف الناس بعضهم عن بعض، "لفسدت الأرض"، بهلاك أهلها.حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض"، يقول: ولولا دفاع الله بالبر عن الفاجر، وببقية اخلاف الناس بعضهم عن بعض، لهلك أهلها. حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن حنظلة، عن أبي مسلم قال: سمعت عليا يقول: لولا بقية من المسلمين فيكم لهلكتم.
حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: "ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض"، يقول: لهلك من في الأرض.حدثنا أبو حميد الحمصي أحمد بن المغيرة قال، حدثنا يحيى بن سعيد قال، حدثنا حفص بن سليمان، عن محمدبن سوقة، عن وبرة بن عبدالرحمن، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله ليدفع بالمؤمن الصالح عن مئة أهل بيت من جيرانه البلاء" ثم قرأ ابن عمر: "ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض".حدثني أحمد أبو حميد الحمصي قال، حدثنا يحيى بن سعيد قال، حدثنا عثمان بن عبدالرحمن، عن محمد بن المنكدر، عن جابربن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله ليصلح بصلاح الرجل المسلم ولده وولد ولده، وأهل دويرته ودويرات حوله، ولا يزالون في حفظ الله ما دام فيهم ".قال أبو جعفر: وقد دللنا على قوله: "العالمين"، وذكرنا الرواية فيه.وأما القرأة، فإنها اختلفت في قراءة قوله: "ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض".فقرأته جماعة من القرأة: "ولولا دفع الله " على وجه المصدر، من قول القائل: دفع الله عن خلقه فهو يدفع دفعا. واحتجت لاختيارها ذلك، بأن الله تعالى ذكره هو المتفرد بالدفع عن خلقه، ولا أحد يدافعه فيغالبه.وقرأت ذلك جماعة أخر من القرأة: ولولا دفاع الله الناس على وجه المصدر، من قول القائل :دافع الله عن خلقه فهو يدافع مدافعة ودفاعا واحتجت لاختيارها ذلك بأن كثيرا من خلقه يعادون أهل دين الله وولايته والمؤمنين به، فهم بمحاربتهم إياهم ومعاداتهم لهم، لله مدافعون بظنونهم، ومغالبون بجهلهم، والله مدافعهم عن أوليائه وأهل طاعته والإيمان به.قال أبو جعفر: والقول في ذلك عندي أنهما قراءتان قد قرأت بهما القرأة، وجاءت بهما جماعة الأمة، وليس في القراءة بأحد الحرفين إحالة معنى الآخر. وذلك أن من دافع غيره عن شيء فمدافعه عنه بشيء دافع. ومتى امتنع المدفوع من الاندفاع، فهو لدافعه مدافع. ولا شك أن جالوت وجنوده كانوا بقتالهم طالوت وجنوده محاولين مغالبة حزب الله وجنده، وكان في محاولتهم ذلك محاولة مغالبة الله ودفاعه عما قد تضمن لهم من النصرة. وذلك هو معنى مدافعة الله عن الذين دافع الله عنهم بمن قاتل ، جالوت وجنوده من أوليائه. فبين إذا أن سواء قراءة من قرأ: "ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض"، وقراءة من قرأ: ولولا دفاع الله الناس بعضهم ببعض ، في التأويل والمعنى.
قوله تعالى : " فهزموهم بإذن الله " أي فأنزل الله عليهم النصر ، (( فهزموهم )) ، فكسروهم ، والهزم ، الكسر ، ومنه سقاء متهزم ، أي انثنى بعضه على بعض مع الجفاف ، ومنه ما قيل في زمزم : إنها هزمة جبريل أي هزمها جبريل برجله فخرج الماء ، والهزم ، ما تكسر من يابس الحطب .
قوله تعالى : " وقتل داود جالوت " وذلك أن طالوت الملك اختاره من بين قومه لقتال جالوت ، وكان رجلاً قصيراً مسقاماً مصفاراً أصغر أزرق ، وكان جالوت من أشد الناس وأقواهم وكان يهزم الجيوش وحده ، وكان قتل جالوت وهو رأس العمالقة على يده ، وهو داود بن إيشى ، بكسر الهمزة ، ويقال : داود بن زكريا بن رشوى ، وكان من سبط يهوذا بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام ، وكان من أهل بيت المقدس جمع له بين النبوة والملك بعد أن كان راعياً وكان أصغر إخوته وكان يرعى غنماً وكان له سبعة إخوة في أصحاب طالوت ، فلما حضرت الحرب قال في نفسه لأذهبن إلى رؤية هذه الحرب ، فلما نهض في طريقه من بحجر فناداه ، يا داود خذني فبي تقتل جالوت ، ثم ناداه حجر آخر ثم آخر فأخذها وجعلها في مخلاته وسار ، فخرج جالوت يطلب مبارزاً فكع الناس عنه حتى قال طالوت ، من يبرز إليه ويقتله فأنا أزوجه ابنتي وأحكمه في مالي ، فجاء داود عليه السلام فقال : أنأ أبرز إليه وأقتله ، فازدراه طالوت حين رآه لصغر سنة وقصره فرده ، وكان داود أزرق قصيراً ، ثم نادى ثانية وثالثة فخرج داود ، فقال طالوت له : هل جربت نفسك بشيء ؟ قال نعم ، قال بماذا ؟ قال : وقع ذئب في غنمي فضربته ثم أخذت رأسه ققطعته من جسده ، قال طالوت : الذئب ضعيف ، هلي جربت نفسك في غيره ؟ قال : نعم دخل الأسد في غنمي فضربته ثم أخذت بلحييه فشققتهما ، أفترى هذا اشد من الأسد ؟ قال لا ، وكان عند طالوت درع لا تستوي إلا على من يقتل جالوت ، فأخبره بها وألقاها عليه فاستوت ، فقال طالوت : فاركب فرسي وخذ سلاحي ففعل ، فلما مشى قليلاً رجع فقال الناس : جبن الفتى ! فقال داود : إن الله إن لم يقتله لي ويعني عليه لم ينفعني هذا الفرس ولا هذا السلاح ، ولكني أحب أن أقاتله على عادتي قال : وكان داود من أرمى الناس بالمقلاع ، فنزل وأخذ مخلاته فتقلدها وأخذ مقلاعه وخرج إلى جالوت ، وهو شاك في سلاحه على رأسه بيضة فيها ثلاثمائة رطل ، فيما ذكر الماوردي وغيره ، فقال له جالوت : أنت يا فتى تخرج إلي ! قال نعم ، قال : هكذا كما تخرج إلى الكلب ! قال نعم ، وأنت أهون ، قال : لأ طعمن لحمك اليوم للطير والسباع ، ثم تدانيا وقصد جالوت أن يأخذ داود بيده استخفافاً به ، فأدخل داود يده إلى الحجارة ، فروي أنها التأمت فصارت حجراً واحداً ، فأخذه فوضعه في المقلاع وسمى الله وأداره ورماه فأصاب به رأس جالوت فقتله ، وحز رأسه وجعله في مخلاته ، واختلط الناس وحمل أصحاب طالوت فكانت الهزيمة ،وقد قيل : إنما أصاب بالحجر من البيضة موضع أنفه ، وقيل : عينه وخرج من قفاه ، وأصاب جماعة من عسكره فقتلهم ، وقيل : إن الحجر تفتت حتى أصاب كل من في العسكر شيء منه ، وكان كالقبضة التي رمى بها النبي صلى الله عليه وسلم هوازن يوم حنين ، والله أعلم ، وقد أكثر الناس في قصص هذه الآي ، وقد ذكرت لك منها المقصود والله المحمود .
قلت : وفي قول طالوت : (( ومن يبرز له ويقتله فإني أزوجه ابنتي وأحكمه في مالي )) معناه ثابت في شرعنا ، وهو أن يقول الإمام من جاء برأس فله كذا ، أو أسير فله كذا على ما يأتي بيانه في (( الأنفال )) إن شاء الله تعالى ، وفيه دليل على أن المبارزة لا تكون إلا بإذن الإمام ، كما يقوله أحمد و إسحاق وغيرهما ، واختلف فيه عن الأوزاعي فحكي عنه أنه قال : لا يحمل أحد إلا بإذن إمامة ،وحكي عنه أنه قال : لا بأس به ، فإن نهى الإمام عن البراز فلا يبارز أحد إلا بإذنه ، وأباحت طائفة البراز ولم تذكر بإذن الإمام ولا بغير إذنه ، هذا قول مالك سئل مالك عن الرجل يقول بين الصفين : من يبارز ؟ فقال : ذلك إلى نيته إن كان يريد بذلك الله فأرجو ألا يكون به بأس ، قد يفعل ذلك فيما مضى وقال الشافعي : لا بأس بالمبارزة ، قال ابن المنذر : المبارزة بإذن الإمام حسن ، وليس على من بارز بغير إذن الإمام حرج ، وليس ذلك بمكروه لأني لا أعلم خبراً يمنع منه .
" وآتاه الله الملك والحكمة " قال السدي : آتاه الله ملك طالوت ونبوة شمعون ، والذي علمه هو صنعة الدروع ومنطق الطير وغير ذلك من أنواع ما علمه صلى الله عليه وسلم وقال ابن عباس : هو أن الله أعطاه سلسلة موصولة بالمجرة والفلك ورأسها عند صومعة داود ، فكان لا يحدث في الهواء حدث إلا صلصلت السلسلة فيعلم داود ما حدث ، ولا يمسها ذو عاهة إلا برئ ، وكانت علامة دخول قومه في الدين أن يمسوها بأيديهم ثم يمسحون أكفهم على صدورهم وكانوا يتحاكمون إليها بعد داود عليه السلام إلى أن رفعت .
قوله تعالى : " مما يشاء " أي مما شاء ، وقد يوضع المستقبل موضع الماضي ، وقد تقدم .
قوله تعالى : " ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين " فيه مسألتان :
الأولى : قوله تعالى : " ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض " كذا قراءة الجماعة ، إلا نافعاً قرأ (( دفاع )) ويجوز أن يكون مصدراً لفعل كما يقال : حسبت الشيء حساباً ، وآب إياباً ، ولقيته لقاء ، ومثله كتبه كتاباً ، ومنه " كتاب الله عليكم " [ النساء : 24 ] ، النحاس : وهذا حسن ، فيكون دفاع ودفع مصدرين لدفع وهو مذهب سيبويه ، وقال أبو حاتم : دافع ودفع بمعنى واحد ، مثل طرقت النعل وطارقت ، أي خصفت إحداهما فوق الأخرى ، والخصف : الخرز ، واختار أبو عبيدة قراءة الجمهور " ولولا دفع الله "، وأنكر أن يقرأ (( دفاع )) وقال : لأن الله عز وجل لا يغالبه أحد قال مكي : هذا وهم توهم فيه باب المفاعلة وليس به ، واسم (( الله )) في موضع رفع بالفعل ، أي لولا أن يدفع الله ، و(( دفاع )) مرفوع بالابتداء عند سيبويه (( الناس )) مفعول ، (( بعضهم )) بدل من الناس ، (( ببعض )) في موضع المفعول الثاني عند سيبويه ، وهو عنده مثل قولك ، ذهبت بزيد ، فزيد في موضع مفعول فاعلمه .
الثانية : واختلف العلماء في الناس المدفوع بهم الفساد من هم ؟ فقيل : هم الأبدال وهم أربعون رجلاً كلما مات واحد بدل الله آخر ، فإذا كان عند القيامة ماتوا كلهم ، اثنان وعشرون مهم بالشام وثمانية عشر بالعراق ، وروي " عن علي رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن الأبدال يكونون بالشام وهم أربعون رجلاً كلما مات منهم رجل أبدل الله مكانه رجلاً يسقي بهم الغيب وينصر بهم على الأعداء ويصرف بهم عن أهل الأرض البلاء "، ذكره الترمذي الحكيم في نوادر الأصول ، وخرج أيضاً عن أبي الدرداء قال : إن الأنبياء كانوا أوتاد الأرض ، فلما انقطعت النبوة أبدل الله مكانهم قوماً من أمة محمد صلى الله عليه وسلم يقال لهم الأبدال ، لم يفضلوا الناس بكثرة صوم ولا صلاة ولكن بحسن الخلق وصدق الورع وحسن النية وسلامة القلوب لجميع المسلمين والنصيحة لهم ابتغاء مرضاة الله بصبر وحلم ولب وتواضع في غير مذلة ، فهم خلفاء الأنبياء قوم اصطفاهم الله لنفسه واستخلصهم بعلمه لنفسه ، وهم أربعون صديقاً منهم ثلاثون رجلاً على مثل يقين إبراهيم خليل الرحمن ، يدفع الله بهم المكاره عن أهل الأرض والبلايا عن الناس ، وبهم يمطرون ويرزقون ، لا يموت الرجل منهم حتى يكون الله قد أنشأ من يخلفه ، وقال ابن عباس : ولولا دفع الله العدو بجنود المسلمين لغلب المشركون فقتلوا المؤمنين وخربوا البلاد والمساجد وقال سفيان الثوري : هم الشهود الذي تستخرج بهم الحقوق ، وحكى مكي أن أكثر المفسرين على أن المعنى : لولا أن الله يدفع بمن يصلي عمن لا يصلي وبمن يتقي عمن لا يتقي لأهلك الناس بذنوبهم ، وكذا ذكر النحاس و الثعلبي أيضاً ، قال الثعلبي وقال سائر المفسرين : ولولا دفاع الله المؤمنين الأبرار عن الفجار والكفار لفسدت الأرض ، أي هلكت ، وذكر حديثاً " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن الله يدفع العذاب بمن يصلي من أمتي عمن لا يصلي وبمن يزكي عمن لا يزكي وبمن يصوم عمن لا يصوم وبمن يحج عمن لا يحج وبمن يجاهد عمن لا يجاهد ، ولو اجتمعوا على ترك هذه الأشياء ما أنظرهم الله طرفة عين ، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض " " ، و " عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن لله ملائكة تنادي كل يوم لولا عباد ركع وأطفال رضع وبهائم رتع لصب عليكم العذاب صبا " ، خرجه أبو بكر الخطيب بمعناه من حديث الفضيل بن عياض حدثنا منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لولا فيكم رجال خشع وبهائم رتع وصبيان رضع لصب العذاب على المؤمنين صباً " ، أخذ بعضهم هذا المعنى فقال :
لولا عباد للإله ركع وصبية من اليتامى رضع
ومهملات في الفلاة رتع صب عليكم العذاب الأوجع
وروى جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله ليصلح بصلاح الرجل ولده وولد ولده وأهل دويرته ودويرات حوله ولا يزالون في حفظ الله ما دام فيهم " ، وقال قتادة : يبتلي الله المؤمن بالكافر ويعافي الكافر بالمؤمن ، وقال ابن عمر قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن الله ليدفع بالمؤمن الصالح عن مائة من أهل بيته وجيرانه البلاء " ، ثم قرأ ابن عمر " ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض " ، وقيل : هذا الدفع بما شرع على ألسنة الرسل من الشرائع ، ولولا ذلك لتسالب الناس وتناهبوا وهلكوا ، وهذا قول حسن فإنه عموم في الكف والدفع وغير ذلك فتأمله ، " ولكن الله ذو فضل على العالمين " ، بين سبحانه أن دفعه بالمؤمنين شر الكافرين فضل منه ونعمة .
أي لما واجه حزب الإيمان, وهم قليل من أصحاب طالوت, لعدوهم أصحاب جالوت, وهم عدد كثير "قالوا ربنا أفرغ علينا صبراً" أي أنزل علينا صبراً من عندك "وثبت أقدامنا" أي في لقاء الأعداء, وجنبنا الفرار والعجز "وانصرنا على القوم الكافرين".
قال الله تعالى: "فهزموهم بإذن الله" أي غلبوهم وقهروهم بنصر الله لهم "وقتل داود جالوت" ذكروا في الإسرائيليات أنه قتله بمقلاع كان في يده, رماه به فأصابه فقتله, وكان طالوت قد وعده إن قتل جالوت أن يزوجه ابنته, ويشاطره نعمته, ويشركه في أمره, فوفى له ثم آل الملك إلى دواد عليه السلام مع ما منحه الله به من النبوة العظيمة, ولهذا قال تعالى: "وآتاه الله الملك" الذي كان بيد طالوت "والحكمة" أي النبوة بعد شمويل "وعلمه مما يشاء" أي مما يشاء الله من العلم الذي اختص به صلى الله عليه وسلم ثم قال تعالى: "ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض" أي لولا الله يدفع عن قوم بآخرين كما دفع عن بني إسرائيل بمقاتلة طالوت وشجاعة داود لهلكوا كما قال تعالى: "ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً" الاية, وقال ابن جرير: حدثني أبو حميد الحمصي أحمد بن المغيرة, حدثنا يحيى بن سعيد, حدثنا حفص بن سليمان عن محمد بن سوقة, عن وبرة بن عبد الرحمن, عن ابن عمر , قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله ليدفع بالمسلم الصالح عن مائة أهل بيت من جيرانه البلاء" ثم قرأ ابن عمر "ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض" وهذا إسناد ضعيف, فإن يحيى بن سعيد هذا, هو ابن العطار الحمصي, وهو ضعيف جداً, ثم قال ابن جرير: حدثنا أبو حميد الحمصي, حدثنا يحيى بن سعيد, حدثنا عثمان بن عبد الرحمن, عن محمد بن المنكدر, عن جابر بن عبد الله, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله ليصلح بصلاح الرجل المسلم ولده, وولد ولده, وأهل دويرته, ودويرات حوله, ولا يزالون في حفظ الله عز وجل, ما دام فيهم" وهذا أيضاً غريب ضعيف لما تقدم أيضاً, وقال أبو بكر بن مردويه: حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم, حدثنا علي بن إسماعيل بن حماد, أخبرنا أحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد, أخبرنا زيد بن الحباب, حدثني حماد بن زيد, عن أيوب, عن أبي قلابة, عن أبي أسماء, عن ثوبان رفع الحديث, قال "لا يزال فيكم سبعة بهم تنصرون, وبهم تمطرون, وبهم ترزقون, حتى يأتي أمر الله". وقال ابن مردويه أيضاً: وحدثنا محمد بن أحمد, حدثنا محمد بن جرير بن يزيد, حدثنا أبو معاذ نهار بن معاذ بن عثمان الليثي, عن أبي قلابة عن أبي الأشعث الصنعاني, عن عبادة بن الصامت, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الأبدال في أمتي ثلاثون, بهم ترزقون, وبهم تمطرون, وبهم تنصرون" قال قتادة, إني لأرجو أن يكون الحسن منهم.
وقوله "ولكن الله ذو فضل على العالمين" أي ذو من عليهم ورحمة بهم, يدفع عنهم ببعضهم بعضاً, وله الحكم والحكمة والحجة على خلقه في جميع أفعاله وأقواله.
ثم قال تعالى: "تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق وإنك لمن المرسلين" أي هذه آيات الله التي قصصناها عليك من أمر الذين ذكرناهم بالحق, أي بالواقع الذي كان عليه الأمر المطابق لما بأيدي أهل الكتاب من الحق الذي يعلمه علماء بني إسرائيل, "وإنك" يا محمد "لمن المرسلين" وهذا توكيد وتوطئة للقسم.
قوله: 251- "فهزموهم بإذن الله" الهزم: بالكسر: ومنه سقاء منهزم: أي انثنى بعضه على بعض مع الجفاف، ومنه ما قيل في زمزم إنها هزمة جبريل: أي هزمتها برجله فخرج الماء، والهزم: ما يكسر من يابس الحطب، وتقدير الكلام فأنزل الله عليهم النصر: "فهزموهم بإذن الله" أي بأمره وإرادته. قوله: "وقتل داود جالوت" هو داود بن إيشا بكسر الهمزة ثم تحتية ساكنة بعدها معجمة، ويقال: داود بن زكريا بن بشوي من سبط يهوذا بن يعقوب جمع الله له بين النبوة والملك بعد أن كان راعياً، وكان أصغر إخوته، اختاره طالوت لمقاتلة جالوت فقتله. والمراد بالحكمة هنا النبوة، وقيل: هي تعليمه صنعة الدروع ومنطق الطير، وقيل: هي إعطاؤه السلسلة التي كانوا يتحاكمون إليها. قوله: "وعلمه مما يشاء" قيل: إن المضارع هنا موضوع موضع الماضي، وفاعل هذا الفعل هو الله تعالى، وقيل: داود. وظاهر هذا التركيب أن الله سبحانه علمه مما قضت به مشيئته وتعلقت به إرادته، وقد قيل إن من ذلك ما قدمنا من تعليمه صنعة الدروع وما بعده. قوله: " ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض " قرأه الجماعة "ولولا دفع الله" وقرأ نافع " دفع " وهما مصدران لدفع، كذا قال سيبويه. وقال أبو حاتم: دافع ودفع واحد مثل: طرقت نعلي وطارقته. واختار أبو عبيدة قراءة الجمهور وأنكر قراءة دفاع، قال: لأن الله عز وجل لا يغالبه أحد. قال مكي: يوهم أبو عبيدة أن هذا من باب المفاعلة وليس به، وعلى القراءتين فالمصدر مضاف إلى الفاعل: أي "ولولا دفع الله الناس" وبعضهم بدل من الناس وهم الذين يباشرون أسباب الشر والفساد ببعض آخر منهم، وهم الذين يكفونهم عن ذلك ويردونهم عنه "لفسدت الأرض" لتغلب أهل الفساد عليها وإحداثهم للشرور التي تهلك الحرث والنسل وتنكير فضل للتعظيم.
251. " فهزموهم بإذن الله " أي بعلم الله تعالى " وقتل داود جالوت " وصفة قتله: قال أهل التفسير: عبر النهر مع طالوت فيمن عبر إيشا أبو داود في ثلاثة عشر ابناً له وكان أصغرهم وكان يرمي بالقذافة فقال لأبيه يوماً يا أبتاه ما أرمي بقذافتي شيئاً إلا صرعته فقال: أبشر يا بني فإن الله جعل رزقك في قذافتك، ثم أتاه مرة أخرى فقال: يا أبتاه لقد دخلت بين الجبال فوجدت أسداً رابضاً فركبته فأخذت بأذنيه فلم يهجني، فقال: أبشر يا بني فإن هذا خير يريده الله بك ثم أتاه يوماً آخر فقال: يا أبتاه إني لأمشي بين الجبال فأسبح فما يبقى جبل إلا سبح معي، فقال: أبشر يا بني فإن هذا خير أعطاكه الله تعالى فأرسل جالوت إلى طالوت أن أبرز إلي أو أبرز إلي من يقاتلني فإن قتلني فلكم ملكي وإن قتلته فلي ملككم فشق ذلك على طالوت فنادى في عسكره من قتل جالوت زوجته ابنتي وناصفته ملكي فهاب الناس جالوت فلم يجبه أحد فسأل طالوت نبيهم أن يدعو الله تعالى فدعا الله في ذلك، فأتى بقرن فيه دهن القدس وتنور من حديد فقيل إن صاحبكم الذي يقتل جالوت هو الذيث يوضع هذا القرن على رأسه فيغلي الدهن حتى يدهن منه رأسه ولا يسيل على وجهه ويكون على رأسه كهيئة الإكليل ويدخل في هذا التنور فيملؤه ولا يتقلقل فيه، فدعا طالوت بني إسرائيل فجربهم فلم يوافقه منهم أحد فأوحى الله إلى نبيهم أن في ولد إيشا من يقتل الله به جالوت فدعا طالوت إيشا فقال: اعرض علي بنيك فأخرج له اثنى عشر رجلاً أمثال السواري فجعل يعرضهم على القرن فلا يرى شيئاً فقال: لإيشا هل بقي لك ولد غيرهم فقال لا، فقال النبي: يارب إنه زعم أن لا ولد له غيرهم، فقال كذب، فقال النبي: إن ربي كذبك فقال: صدق الله يا نبي الله إن لي ابناً صغيراً يقال له داود استحييت أن يراه الناس لقصر قامته وحقارته (فخلفته) في الغنم يرعاها وهو في شعب كذا وكذا، وكان داود رجلاً قصيراً مسقاماً مصفاراً أزرق أمعر، فدعاه طالوت، ويقال: بل خرج طالوت إليه فوجد الوادي قد سال بينه وبين الزريبة التي كان يريح إليها، فوجده يحمل شاتين يجيز بهما السيل ولا يخوض بهما الماء فلما رآه قال: هذا هو لا شك فيه، هذا يرحم البهائم فهو بالناس أرحم فدعاه ووضع القرن على رأسه ففاض فقال طالوت: هل لك أن تقتل جالوت وأزوجك ابنتي وأجري خاتمك في ملكي قال: نعم قال: وهل آنست من نفسك شيئاً تتقوى به على قتله؟ قال: نعم، أنا أرعى فيجئ الأسد أو النمر أو الذئب فيأخذ شاه فأقوم إليه فأفتح لحييه عنها وأضرقها إلى قفاه، فرده إلى عسكره، فمر داود عليه السلام في طريقه بحجر آخر فقال: احملني فإني حجر موسى الذي قتل بي ملك كذا، فحمله في مخلاته، ثم مر بحجر آخر فقال: احملني فإني حجرك الذي تقتل بي جالوت فوضعه في مخلاته، فلما تصافوا للقتال وبرز جالوت وسأل المبارزة انتدب له داود فأعطاه طالوت فرساً ودرعاً وسلاحاً فلبس السلاح وركب الفرس وسار قريباً ثم انصرف إلى الملك فقال: من حوله جبن الغلام فجاء فوقف على الملك فقال: ما شأنك؟ فقال: إن الله إن لم ينصرني لم يغن عني هذا السلاح شيئاً، فدعني أقاتل كما أريد، قال: فاقعل ما شئت قال: نعم، فأخذ داود مخلاته فتقلدها وأخذ المقلاع ومضى نحو جالوت وكان جالوت من أشد الرجال وأقواهم، وكان يهزم الجيوش وحده وكان له بيضة فيها ثلاثمائة رطل حديد فلما نظر إلى داود ألقي في قلبه الرعب فقال له: أنت تبرز إلي؟ قال: نعم.
وكان جالوت على فرس أبلق عليه السلاح التام، قال: فأتيني بالمقلاع والحجر كما يؤتى الكلب؟ قال: نعم أنت شر من الكلب، قال لاجرم لأقسمن لحمك بين سباع الأرض وطير السماء قال داود: أو يقسم الله لحمك، فقال داود: باسم إله إبراهيم وأخرج حجراً ثم أخرج الآخر وقال: باسم إله إسحاق ووضعه في مقلاعه ثم أخرج الثالث وقال: باسم إله يعقوب ووضعه في مقلاعه فصارت كلها حجراً واحداً ودور داود المقلاع ورمى به فسخر الله له الريح حتى أصاب الحجر أنف البيضة فخالط دماغه وخرج من قفاه وقتل من ورائه ثلاثين رجلاً، وهزم الله تعالى الجيش وخر جالوت قتيلاً فأخذه يجره حتى ألقاه بين يدي طالوت، ففرح المسلمون فرحاً شديداً، وانصرفوا إلى المدينة سالمين غانمين والناس يذكرون داود فجاء داود طالوت وقال أنجز لي ما وعدتني، فقال: أتريد ابنة الملك بغير صداق؟ فقال داود: ما شرطت على صداقاً وليس لي شيء فقال لا أكلفك إلا ما تطيق أنت رجل جريء وفي حيالنا أعداء لنا غلف فإذا قتلت منهم مائتي رجل وجئتني بغلفهم زوجتك ابنتي فأتاهم فجعل كلما قتل واحداً منهم نظم غلفته في خيط حتى نظم غلفهم فجاء بها إلى طالوت فألقى إليه وقال ادفع إلي امرأتي فزوجه ابنته وأجرى خاتمه في ملكه، فمال الناس إلى داود وأحبوه وأكثروا ذكره، فحسده طالوت وأراد قتله فأخبر بذلك ابنة طالوت رجل يقال له ذو العينين فقالت لداود إنك مقتول في هذه الليلة قال: ومن يقتلني؟ قالت أبي قال وهل أجرمت جرماً قالت: حدثني من لا يكذب ولا عليك أن تغيب الليلة حتى ننظر مصداق ذلك، فقال: لئن كان أراد الله ذلك لا أستطيع خروجاً ولكن ائتيني بزق خمر فأتت به فوضعه في مضجعه على السرير وسجاه ودخل تحت السرير فدخل طالوت نصف الليل فقال لها: أين بعلك؟ فقالت: هو نائم على السرير فضربه بالسيف ضربة فسال الخمر فلما وجد ريح الشراب قال: يرحم الله داود ما كان أكثر شربه للخمر، وخرج.
فلما أصبح علم أنه لم يفعل شيئاً فقال: إن رجلاً طلبت منه ما طلبت لخليق أن لا يدعني حتى يدرك مني ثأره فاشتد حجابه وحراسه وأغلق دونه أبوابه، ثم إن داود أتاه ليلة وقد هدأت العيون فأعمى الله سبحانه الحجبة وفتح له الأبواب فدخل عليه وهو نائم على فراشه، فوضع سهماً عند رأسه وسهماً عند رجليه سهماً عن يمينه وسهماً عن شماله ثم خرج، فلما استيقظ طالوت بصر بالسهام فعرفها فقال: يرحم الله تعالى داود هو خير مني ظفرت به فقصدت قتله وظفر بي فكف عني ولو شاء لوضع هذا السهم في حلقي وما أنا بالذي آمنه، فلما كانت القابلة أتاه ثانياً وأعمى الله الحجاب فدخل عليه وهو نائم فأخذ إبريق طالوت الذي يتوضأ منه وكوزه الذي كان يشرب منه وقطع شعرات من لحيته وشيئاً من هدب ثيابه، ثم خرج وهرب وتوارى، فلما أصبح طالوت ورأى ذلك سلط على داود العيون وطلبه أشد الطلب فلم يقدر عليه، ثم إن طالوت ركب يوماً فوجد داود يمشي في البرية فقال: اليوم أقتله فركض على أثره، فاشتد داود وكان إذا فزع لم يدرك، فدخل غاراً فأوحى الله تعالى إلى العنكبوت فنسج عليه بيتاً فلما انتهى طالوت إلى الغار ونظر إلى بناء العنكبوت قال: لو كان دخل هاهنا لخرق بناء العنكبوت فتركه ومضى، فانطلق داود وأتى الجبل مع المتعبدين فتعبد فيه فطعن العلماء والعباد على طالوت في شأن داود فجعل طالوت لا ينهاه أحد عن قتل داود إلا قتله، وأغرى بقتل العلماء فلم يكن يقدر على عالم في بني إسرائيل يطيق قتله إلا قتله، حتى أتي بامرأة تعلم اسم الله الأعظم فأمر خبازه بقتلها فرحمها الخباز وقال: لعنا نحتاج إلى عالم فتركها فوقع في قلب طالوت التوبة وندم على ما فعل، وأقبل على البكاء حتى رحمه الناس.
وكان كل ليلة يخرج إلى القبور فيبكي وينادي: أنشد الله عبداً يعلم أن لي توبة إلا أخبرني بها، فلما أكثر عليهم ناداه مناد من القبور يا طالوت أما ترضى أن قتلتنا حتى تؤذينا أمواتاً فازداد بكاء وحزناً فرحمه الخباز فقال: مالك أيها الملك؟ قال: هل تعلم لي في الأرض عالماً أسأله هل لي من توبة فقال الخباز: إنما مثلك مثل ملك نزل قرية عشاء فصاح الديك فتطير منه فقال: لا تتركوا في القرية ديكاً إلا ذبحتموه، فلما أراد أن ينام قال لأصحابه: إذا صاح الديك فأيقظونا حتى ندلج فقالوا له: وهل تركت ديكاً نسمع صوته؟ ولكن هل تركت عالماً في الأرض؟ فازداد حزناً وبكاء فلما رأى الخباز ذلك قال له: أرأيتك إن دللتك على عالم لعلك أن تقتله قال: لا فتوثق عليه الخباز فأخبره أن المرأة العالمة عنده قال: انطلق بي إليها فسألها هل لي من توبة؟ وكانت من أهل بيت يعلم الاسم الأعظم فإذا فنيت رجالهم علمت نساؤهم فلما بلغ طالوت الباب قال الخباز إنها إذا رأتك فزعت فخلفه خلفه ثم دخله عليها فقال لها: ألست أعظم الناس منةً عليك أنجيتك من القتل وآويتك، قالت: بلى، فإن لي إليك حاجة هذا طالوت يسأل هل لي من توبة؟ فغشي عليها من الفرق فقال لها: إنه لا يريد قتلك ولكن يسألك هل له من توبة؟ قالت: لا والله لا أعلم لطالوت توبة، ولكن هل تعلمون مكان قبر نبي؟ فانطلق بهما إلى قبر إشمويل فصلت ودعت ثم نادت يا صاحب القبر فخرج إشمويل من القبر ينفض رأسه من التراب فلما نظر إليهم ثلاثتهم قال: ما لكم أقامت القيامة؟ قالت: لا ولكن طالوت يسألك هل له من توبة؟ قال إشمويل: يا طالوت ما فعلت بعدي؟ قال: لم أدع من الشر إلا فعلته وجئت أطلب التوبة قال: كم لك من الولد؟ قال عشرة رجال، قال: ما أعلم لك من توبة إلا أن تتخلى من ملكك وتخرج أنت وولدك في سبيل الله، ثم تقدم ولدك حتى يقتلوا بين يديك ثم تقاتل أنت حتى آخرهم، ثم رجع إشمويل إلى القبر وسقط ميتاً، ورجع طالوت أحزن ما كان رهبة أن لا يتابعه ولده وقد بكى حتى سقطت أشفار عينيه ونحل جسمه فدخل عليه أولاده فقال لهم: أرأيتم لو دفعت إلى النار هل كنتم تفدونني؟ قالوا: نعم نفديك بما قدرنا عليه قال: فإنها النار إن لم تفعلوا ما أقول لكم قالوا: فاعرض علينا فذكر لهم القصة، قالوا: وإنك لمقتول قال: نعم، قالوا: فلا خير لنا في الحياة بعدك قد طابت أنفسنا بالذي سألت، فتجهز بماله وولده فتقدم ولده وكانوا عشرة فقاتلوا بين يديه حتى قتلوا ثم شد هو بعدهم حتى قتل فجاء قاتله إلى داود ليبشره وقال: قتلت عدوك فقال داود: قتلت عدوك فقال داود: ما أنت بالذي تحيا بعده، فضرب عنقه، وكان ملك طالوت إلى أن قتل أربعين سنة وأتى بنو إسرائيل إلى داود وأعطوه خزائن طالوت وملكوه على أنفسهم.
قال الكلبي و الضحاك : ملك داود بعد قتل طالوت سبع سنين ولم يجتمع بنو إسرائيل على ملك واحد إلا على داود فذلك قوله تعالى: " وآتاه الله الملك والحكمة " يعني: النبوة، جمع الله لداود بين الملك والنبوة ولم يكن من قبل، بل كان الملك في سبط والحكمة هو العلم مع العمل.
قوله تعالى: " وعلمه مما يشاء " قال الكلبي وغيره يعني: صنعة الدروع وكان يصنعها ويبيعها وكان لا يأكل إلا من عمل يده، وقيل منطق الطير (وكلام الحكل) والنمل والكلام الحسن وقيل هو الزبور وقيل هو الصوت الطيب والألحان فلم يعط الله أحداً من خلقه مثل صوته، وكان إذا قرأ الزبور تدنو الوحوش حتى يأخذ بأعناقها وتظله الطير مصيخة له ويركد الماء (الجاري) ويسكن الريح.
وروى الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما هو أن الله تعالى أعطاه سلسلة موصولة بالمجرة ورأسها عند صومعته قوتها قوة الحديد ولونها لون النار وحلقها مستديرة مفصلة بالجواهر مدسرة بقضبان الؤلؤ الرطب فلا يحدث في الهواء حدث إلا صلصلت السلسلة، فعلم داود ذلك الحدث، ولا يمسها ذو عاهة إلا برئ، وكانوا يتحاكمون إليها بعد داود عليه السلام إلى أن رفعت، فمن تعدى على صاحبه وأنكر له حقاً أتى السلسلة فمن كان صادقاً مد يده إلى السلسلة فتناولها، ومن كان كاذباً لم ينلها فكانت كذلك إلى أن ظهر بهم المكر والخديعة فبلغنا أن بعض ملوكها أودع رجلاً جوهرة ثمينة فلما استردها أنكر فتحاكما إلى السلسلة، فعمد الذي عنده الجوهرة إلى عكازة فنقرها وضمنها الجوهرة واعتمد عليها حتى حضر السلسلة فقال صاحب الجوهرة: رد علي الوديعة فقال صاحبه: ما أعرف لك عندي من وديعة فإن كنت صادقاً فتناول السلسلة، فتناولها بيده فقيل للمنكر قم أنت فتناولها فقال لصاحب الجوهرة: خذ عكازي هذه فاحفظها حتى أتناول السلسلة فأخذها عنده قم قام المنكر نحو السلسلة فأخذها فقال الرجل: اللهم إن كنت تعلم أن هذه الوديعة التي يدعيها علي قد وصلت إليه فقرب مني السلسلة فمد يده فتناولها فتعجب القوم وشكوا فيها فأصبحوا وقد رفع الله السلسلة.
قوله تعالى: " ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض " قرأ أهل المدينة و يعقوب دفاع الله بالألف هاهنا وفي سورة الحج، وقرأ الآخرون بغير الألف لأنالله تعالى لا يغالبه أحد وهو الدافع وحده، ومن قرأ بالألف قال: قد يكون الدفاع من واحد مثل قول العرب: أحسن الله عنك الدفاع، قال ابن عباس و مجاهد : ولولا دفع الله بجنود المسلمين لغلب المشركون على الأرض، فقتلوا المؤمنين، وخربوا المساجد والبلاد، وقال سائر المفسرين: لولا دفع الله بالمؤمنين والأبرار عن الكفار والفجار لهلكت الأرض بمن فيها، ولكن الله يدفع بالمؤمن عن الكافر بالصالح عن الفاجر.
أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي أنا أبو عبد الله بن فنجويه أنا أبو بكر بن خرجة أنا عبد الله بن أحمد بن حنبل أنا أبو حميد الحمصي أنا يحيى بن سعيد العطار أنا حفص بن سليمان عن محمد بن سوقة عن وبرة بن عبد الرحمن عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله عز وجل ليدفع بالمسلم الصالح عن مائة أهل بيت من جيرانه البلاء " ثم قرأ " ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض " " لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين "

251-" فهزموهم بإذن الله " فكسروهم بنصره ، أو مصاحبين لنصره إياهم إجابة لدعائهم . " وقتل داود جالوت " قيل : كان إيشا في عسكر طالوت معه ستة من بنيه ، وكان داود سابعهم وكان صغيراً يرعى الغنم ،فأوحى الله إلى نبيهم أنه الذي يقتل جالوت فطلبه من أبيه فجاء وقد كلمه في الطريق ثلاثة أحجار وقالت له إنك بنا تقتل جالوت ، فحملها في مخلاته ورماه بها فقتله ثم زوجه طالوت بنته . " وآتاه الله الملك " أي ملك بني إسرائيل ولم يجتمعوا قبل داود على ملك . " والحكمة " أي النبوة . " وعلمه مما يشاء " كالسرد وكلام الدواب والطير . " ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين " ولولا أنه سبحانه وتعالى يدفع الناس ببعض وينصر المسلمين على الكفار ويكف بهم فسادهم ،لغلبوا وأفسدوا في الأرض ، أو لفسدت الأرض بشؤمهم . وقرأ نافع هنا وفي الحج دفاع الله .
251. So they routed them by Allah's leave and David slew Goliath; and Allah gave him the kingdom and wisdom, and taught him of that which He willeth. And if Allah had not repelled some men by others the earth would have been corrupted. But Allah is a Lord of Kindness to (His) creatures.
251 - By God's will, they routed them; and Daivd slew Goliath; and God gave him power and wisdom and taught him whatever (else) he willed. and did not God check one set of people by means of another, the earth would indeed be full of mischief: but God is full of bounty to all the worlds.