[البقرة : 236] لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاء مَا لَمْ تَمَسُّوهُنُّ أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدْرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ
(لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تَمَسوهن) وفي قراءة {تُماسُّوهنَّ} أي تجامعوهن (أو) لم (تفرضوا لهن فريضة) مهرا ، وما مصدرية ظرفية أي لا تبعة عليكم - في الطلاق زمن عدم المسيس والفرض - بإثم ولا مهر فطلقوهن (ومتعوهن) أعطوهن ما يتمتعن به (على المُوسِع) الغني منكم (قَدَرُه وعلى المُقْتِر) الضيق الرزق (قدره) يفيد أنه لا نظر إلى قدر الزوجة (متاعاً) تمتيعاً (بالمعروف) شرعاً صفة متاعاً (حقاً) صفة ثانية أو مصدر مؤكدة (على المحسنين) المطيعين
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: "لا جناح عليكم"، لا حرج عليكم إن طلقتم النساء.يقول: لا حرج عليكم في طلاقكم نساءكم وأزواجكم، ما لم تماسوهن ، يعني بذلك: ما لم تجامعوهن. والمماسة، في هذا الموضع، كناية عن اسم الجماع، كما:- حدثنا حميد بن مسعدة قال، حدثنا يزيد بن زريع، وحدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا محمد بن جعفر، قالا جميعا، حدثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير قال، قال ابن عباس: المس الجماع، ولكن الله يكني ما شاء بما شاء.
حدثني المثنى قال: حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قال: المس النكاح.
قال أبو جعفر: وقد اختلفت القرأة في قراءه ذلك. فقرأته عامة قرأة أهل الحجاز والبصرة: "ما لم تمسوهن" بفتح التاء من تمسوهن ، بغير ألف ، من قولك: مسسته أمسه مسا ومسيساً ومسيسى مقصور مشدد غير مجرى. وكأنهم اختاروا قراءة ذلك، إلحاقا منهم له بالقراءة المجتمع عليها في قوله: "ولم يمسسني بشر" [آل عمران: 47/ مريم: 20]. وقرأ ذلك آخرون: ما لم تماسوهن ، بضم التاء والألف بعد الميم ، إلحاقا منهم ذلك بالقراءة المجمع عليها في قوله: "فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا" [المجادلة: 3] وجعلوا ذلك بمعنى فعل كل واحد من الرجل والمرأة بصاحبه من قولك: ماسست الشيء أماسه مماسة ومساسا.قال أبو جعفر: والذي نرى في ذلك، أنهما قراءتان صحيحتا المعنى، متفقتا التأويل، وإن كان في إحداهما زيادة معنى، غير موجبة اختلافا في الحكم والمفهوم.
وذلك أنه لا يجهل ذو فهم إذا قيل له: مسست زوجتي ، أن الممسوسة قد لاقى من بدنها بدن الماس، ما لاقاه مثله من بدن الماس. فكل واحد منهما، وإن أفرد الخبر عنه بأنه الذي ماس صاحبه، معقول بذلك الخبر نفسه أن صاحبه الممسوس قد ماسه. فلا وجه للحكم لإحدى القراءتين، مع اتفاق معانيهما، وكثرة القرأة بكل واحدة منهما، بأنها أولى بالصواب من الأخرى، بل الواجب أن يكون القارىء، بأيتهما قرأ، مصيب الحق في قراءته.قال أبو جعفر: وإنما عنى الله تعالى ذكره بقوله: "لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن"، المطلقات قبل الإفضاء إليهن في نكاح قد سمي لهن فيه الصداق. وإنما قلنا إن ذلك كذلك، لأن كل منكوحة فإنما هي إحدى اثنتين: إما مسمى لها الصداق، أو غير مسمى لها ذلك. فعلمنا بالذي يتلو ذلك من قوله تعالى ذكره، أن المعنية بقوله: "لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن"، إنما هي المسمى لها. لأن المعنية بذلك، لو كانت غير المفروض لها الصداق، لما كان لقوله: "أو تفرضوا لهن فريضة"، معنى معقول. إذ كان لا معنى لقول قائل: لا جناح عليكم إذا طلقتم النساء ما لم تفرضوا لهن فريضة في نكاح لم تماسوهن فيه، أو ما لم تفرضوا لهن فريضة. فإذ كان لا معنى لذلك، فمعلوم أن الصحيح من التأويل في ذلك: لا جناح عليكم إن طلقتم المفروض لهن من نسائكم الصداق قبل أن تماسوهن، وغير المفروض لهن قبل الفرض.قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: "أو تفرضوا لهن"، أو توجبوا لهن. وبقوله: "فريضة"، صداقا واجبا، كما:- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس:"أو تفرضوا لهن فريضة"، قال: الفريضة الصداق.وأصل الفرض الواجب، كما قال الشاعر:
كانت فريضة ما أتيت كما كان الزناء فريضة الرجم
يعني: كما كان الرجم الواجب من حد الزنا. ولذلك قيل: فرض السلطان لفلان في ألفين ، يعني بذلك: أوجب له ذلك، ورزقه من الديوان.قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: "ومتعوهن"، وأعطوهن ما يتمتعن به من أموالكم، على أقداركم ومنازلكم من الغنى والإقتار.ثم اختلف أهل التأويل في مبلغ ما أمر الله به الرجال من ذلك.فقال بعضهم: أعلاه الخادم، ودون ذلك الورق، ودونه الكسوة. ذكر من قال ذلك:حدثنا ابن بشار قال، حدثنا مؤمل قال، حدثنا سفيان، عن إسماعيل، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: متعة الطلاق أعلاه الخادم، ودون ذلك الورق، ودون ذلك الكسوة. حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا سفيان، عن إسماعيل بن أمية، عن عكرمة، عن ابن عباس بنحوه.حدثنا أحمد قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا سفيان، عن داود، عن الشعبي قوله: "ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره"، قلت له: ما أوسط متعة المطلقة؟ قال: خمارها ودرعها وجلبابها وملحفتها.حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: "ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسنين"، فهذا الرجل يتزوج المرأة ولم يسم لها صداقا، ثم يطلقها من قبل أن ينكحها، فأمر الله سبحانه أن يمتعها على قدر عسره وشره. فإن كان موسرا متعها بخادم أو شبه ذلك، وإن كان معسراً متعها بثلاثة أثواب أو نحو ذلك.حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن داود، عن الشعبي في قوله: "ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره" ، قال: قلت للشعبي: ما وسط ذلك؟ قال: كسوتها في بيتها، ودرعها وخمارها وملحفتها وجلبابها. قال الشعبي: فكان شريح يمتع بخمسمئة.حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا عبد الوهاب قال، حدثنا داود، عن عامر: أن شريحا كان يمتع بخمسمئة، قلت لعامر: ما وسط ذلك؟ قال: ثيابها في بيتها، درع وخمار وملحفة وجلباب.حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا ابن أبي عدي، عن داود، عن عامر الشعبي أنه قال: وسط من المتعة ثياب المرأة في بيتها، درع وخمار وملحفة وجلباب حدثنا عمران بن موسى قال، حدثنا عبد الوارث قال، حدثنا داود، عن الشعبي: أن شريحا متع بخمسمئة. وقال الشعبي: وسط من المتعة، درع وخمار وجلباب وملحفة.حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه،عن الربيع بن أنس في قوله: "لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسنين"، قال: هو الرجل يتزوج المرأة ولا يسئي لها صداقا، ثم يطلقها قبل أن يدخل بها، فلها متاع بالمعروف ولا صداق لها. قال: أدنى ذلك ثلاثة أثواب، درع وخمار، وجلباب، وإزار.حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: "لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن" حتى بلغ "حقا على المحسنين"، فهذا في الرجل يتزوج المرأة ولا يسمي لها صداقا، ثم يطلقها قبل أن يدخل بها، فلها متاع بالمعروف، ولا فريضة لها. وكان يقال: إذا كان واجدا فلا بد من مئزر وجلباب ودرع وخمار.حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن أبي زائدة، عن صالح بن صالح، قال: سئل عامر: بكم يمتع الرجل امرأته؟ قال: على قدر ماله.حدثني علي بن سهل قال، حدثنا مؤمل قال، حدثنا شعبة، عن سعد بن إبراهيم قال: سمعت حميد بن عبد الرحمن بن عوف يحدث عن أمه قالت: كأني أنظر إلى جارية سوداء، حممها عبد الرحمن أئم أبي سلمة حين طلقها. قيل لشعبة: ما حممها؟ قال: متعها.حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن سعد بن إبراهيم، عن حميد بن عبدالرحمن بن عوف، عن أمه، بنحوه، عن عبدالرحمن بن عوف.حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين قال، كان يمتع بالخادم، أو بالنفقة أو الكسوة. قال: ومتع الحسن بن علي- أحسبه قال: بعشرة آلاف. حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن أيوب، عن سعد بن إبراهيم: أن عبد الرحمن بن عوف طلق امرأته فمتعها بالخادم. حدثت عن عبد الله بن يزيد المقري، عن سعيد بن أبي أيوب قال، حدثني عقيل، عن ابن شهاب: أنه كان يقول في متعة المطلقة: أعلاه الخادم، وأدناه الكسوة والنفقة. ويرى أن ذلك على ما قال الله تعالى ذكره: "على الموسع قدره وعلى المقتر قدره". وقال آخرون: مبلغ ذلك- إذا اختلف الزوج والمرأة فيه- قدر نصف صداق مثل تلك المرأة المنكوحة بغير صداق مسمى في عقده. وذلك قول أبي حنيفة وأصحابه.قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك ما قال ابن عباس ومن قال بقوله: من أن الواجب من ذلك للمرأة المطلقة على الرجل على قدر عسره وشره، كما قال الله تعالى ذكره: "على الموسع قدره وعلى المقتر قدره"، لا على قدر المرأة. ولو كان ذلك واجباً للمرأة على قدر صداق مثلها إلى قدر نصفه، لم يكن لقيله تعالى ذكره: "على الموسع قدره وعلى المقتر قدره"، معنى مفهوم، ولكان الكلام: ومتعوهن على قدرهن وقدر نصف صداق أمثالهن. وفي إعلام الله تعالى ذكره عباده أن ذلك على قدر الرجل في عسره وشره، لا على قدرها وقدر نصف صداق مثلها، ما يبين عن صحة ما قلنا، وفساد ما خالفه. وذلك أن المرأة قد يكون صداق مثلها المال العظيم، والرجل في حال طلاقه إياها مقتر لا يملك شيئا، فإن قضي عليه بقدر نصف صداق مثلها، ألزم ما يعجز عنه بعض من قد وسع عليه، فكيف المقدور عليه؟ وإذا فعل ذلك به، كان الحاكم بذلك عليه قد تعذى حكم قول الله تعالى ذكره: " على الموسع قدره وعلى المقتر قدره "- ولكن ذلك على قدر عسر الرجل وشره، لا يجاوز بذلك خادم أو قيمتها، إن كان الزوج موسعا. وإن كان مقترا، فأطاق أدنى ما يكون كسوة لها، وذلك ثلاثة أثواب ونحو ذلك، قضي عليه بذلك. وإن كان عاجزا عن ذلك، فعلى قدر طاقته. وذلك على قدر اجتهاد الإمام العادل عند الخصومة إليه فيه.واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: "ومتعوهن"، هل هو على الوجوب، أو على الندب؟.فقال بعضهم: هو على الوجوب، يقضى بالمتعة في مال المطلق، كما يقضى عليه بسائر الديون الواجبة عليه لغيره. وقالوا: ذلك واجب عليه لكل مطلقة، كائنة من كانت من نسائه. ذكر من قال ذلك:حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قال: كان الحسن وأبو العالية يقولان: لكل مطلقة متاع، دخل بها أو لم يدخل بها، وإن كان قد فرض لها.حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن يونس: أن الحسن كان يقول: لكل مطلقة متاع، وللتي طلقها قبل أن يدخل بها ولم يفرض لها.حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الوهاب قال، حدثنا أيوب، عن سعيد بن جبير في هذه الآية: "وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين" [البقرة: 241]، قال: لكل مطلقة متاع بالمعروف حقا على المتقين.
حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية، عن أيوب قال: سمعت سعيد بن جبير يقول: لكل مطلقة متاع.حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قال: كان أبو العالية يقول: لكل مطلقة متعة. وكان الحسن يقول: لكل مطلقة متعة. حدثنا ابن بشار قال، حدثنا أبو عامر قال، حدثنا قرة قال، سئل الحسن عن رجل طلق امرأته قبل أن يدخل بها، وقد فرض لها: هل لها متاع؟ قال الحسن: نعم والله! فقيل للسائل، وهو أبو بكر الهذلي، أوما تقرأ هذه الآية: "وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم"؟ قال: نعم والله!.وقال آخرون: المتعة للمطلقة على زوجها المطلقها واجبة، ولكنها واجبة لكل مطلقة سوى المطلقة المفروض لها الصداق. فأما المطلقة المفروض لها الصداق إذا طلقت قبل الدخول بها، فإنها لا متعة لها، وإنما لها نصف الصداق المسمى. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا عبد الوهاب قال، حدثنا عبيد الله، عن نافع: أن ابن عمر كان يقول: لكل مطلقة متعة، إلا التي طلقها ولم يدخل بها، وقد فرض لها، فلها نصف الصداق، ولا متعة لها.حدثنا تميم بن المنتصر قال، أخبرنا عبد الله بن نمير، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر بنحوه.حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا ابن أبي عدي وعبد الأعلى، عن سعيد، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب- في الذي يطلق امرأته وقد فرض لها- أنه قال في المتاع: قد كان لها المتاع في الآية التي في الأحزاب ، فلما نزلت الآية التي في البقرة، جعل لها النصف من صداقها إذا سمى، ولا متاع لها، وإذا لم يسم فلها المتاع.حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا ابن أبي عدي وعبد الأعلى، عن سعيد، عن قتادة، عن سعيد نحوه.حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قال: كان سعيد بن المسيب يقول: إذا لم يدخل بها جعل لها في سورة الأحزاب المتاع، ثم أنزلت الاية التي في سورة البقرة: "وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم"، فنسخت هذه الآية ما كان قبلها، إذا كان لم يدخل بها، وكان قد سمى لها صداقا، فجعل لها النصف ولا متاع لها. حدثنا ابن المثنى وابن بشار قالا، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب قال: نسخت هذه الآية: "يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن" [الأحزاب: 49] الآية التي في البقرة.حدثنا ابن بشار وابن المثنى قالا، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن حميد، عن مجاهد قال: لكل مطلقة متعة، إلا التي فارقها وقد فرض لها من قبل أن يدخل بها. حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد- في التي يفارقها زوجها قبل أن يدخل بها، وقد فرض لها- قال: ليس لها متعة.حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية قال، حدثنا أيوب، عن نافع قال: إذا تزوج الرجل المرأة وقد فرض لها، ثم طلقها قبل أن يدخل بها، فلها نصف الصداق، ولا متاع لها. وإذا لم يفرض لها، فإنما لها المتاع.حدثنا يعقوب قال، حدثنا ابن علية قال، سئل ابن أبي نجيح وأنا أسمع: عن الرجل يتزوج ثم يطلقها قبل أن يدخل بها، وقد فرض لها، هل لها متاع؟ قال: كان عطاء يقول: لا متاع لها. حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر- في التي فرض لها ولم يدخل بها- قال: إن طلقت، فلها نصف الصداق ولا متعة لها.حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن الحكم، عن إبراهيم: أن شريحا كان يقول- في الرجل إذا طلق امرأته قبل أن يدخل بها، وقد سمى لها صداقا- قال: لها في النصف متاع.حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا عبد الرحمن، عن شعبة، عن الحكم، عن إبراهيم، عن شريح قال: لها في النصف متاع. وقال آخرون: المتعة حق لكل مطلقة، غير أن منها ما يقضى به على المطلق، ومنها ما لا يقضى به عليه، ويلزمه فيما بينه وبين الله إعطاؤه.
ذكر من قال ذلك: حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن الزهري قال: متعتان، إحداهما يقضي بها السلطان، والأخرى حق على المتقين: من طلق قبل أن يفرض ويدخل، فإنه بؤخذ بالمتعة، فإنه لا صداق عليه. ومن طلق بعد ما يدخل أو يفرض، فالمتعة حق. حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني الليث، عن يونس، عن ابن شهاب، قال الله: "لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسنين"، فإذا تزوج الرجل المرأة ولم يفرض لها، ثم طلقها من قبل أن يمسها وقبل أن يفرض لها، فليس عليه إلا متاع بالمعروف، يفرض لها السلطان بقدر، وليس عليها عدة. وقال الله تعالى ذكره: "وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم"، فإذا طلق الرجل المرأة وقد فرض لها ولم يمسسها، فلها نصف صداقها، ولا عده عليها.حدثني محمد بن عبد الرحيم البرقي قال، حدثنا عمرو بن أبي سلمة قال، أخبرنا زهير، عن معمر، عن الزهري أنه قال: متعتان يقضي بإحداهما السلطان، ولا يقضي بالأخرى: فالمتعة التي يقضي بها السلطان حقا على المحسنين، والمتعة التي لا يقضي بها السلطان حقا على المتقين.وقال آخرون: لا يقضي الحاكم ولا السلطان بشيء من ذلك على المطلق، وإنما ذلك من الله تعالى ذكره ندب وإرشاد إلى أن تمتع المطلقة. ذكر من قال ذلك:حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن الحكم: أن رجلا طلق امرأته، فخاصمته إلى شريح، فقرأ هذه الآية: "وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين" [البقرة: 241] قال: إن كنت من المتقين، فعليك المتعة. ولم يقض لها. قال شعبة: وجدته مكتوبا عندي عن أبي الضحى. حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية، عن أيوب، عن محمد قال: كان شريح يقول في متاع المطلقة: لا تأب أن تكون من المحسنين، لا تأب أن تكون من المتقين.حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن بي إسحاق، أن شريحا قال للذي قد دخل بها: إن كنت من المتقين فمتع.قال أبو جعفر: وكأن قائلي هذا القول ذهبوا في تركهم إيجاب المتعة فرضا للمطلقات، إلى أن قول الله تعالى ذكره: "حقا على المحسنين"، وقوله: "حقا على المتقين" [البقرة: 241]، دلالة على أنها لوكانت واجبة وجوب الحقوق اللازمة الأموال بكل حال، لم يخصص المتقون والمحسنون بأنها حق عليهم دون غيرهم، بل كان يكون ذلك معموما به كل أحد من الناس.وأما موجبوها على كل أحد سوى المطلقة المفروض لها الصداق، فإنهم اعتلوا بأن الله تعالى ذكره لما قال: "وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين" [البقرة: 241]، كان ذلك دليلا على أن لكل مطلقة متاعا سوى من استثناه الله تعالى ذكره فى كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم. فلما قال: "وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم" كان في ذلك دليل عندهم على أن حقها النصف مما فرض لها، لأن المتعة جعلها الله في الآية التي قبلها عندهم، لغير المفروض لها. فكان معلوما عندهم بخصوص الله بالمتعة غير المفروض لها، أن حكمها غير حكم التي لم يفرض لها إذا طلقها قبل المسيس، فيما لها على الزوج من الحقوق.قال أبو جعفر: والذي هو أولى بالصواب من القول في ذلك عندي، قول من قال: لكل مطلقة متعة. لأن الله تعالى ذكره قال: "وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين" [البقرة: 241]، فجعل الله تعالى ذكره ذلك لكاى مطلقة، ولم يخصص منهم بعضا دون بعض. فليس لأحد إحالة ظاهر تنزيل عام، إلى باطن خاص، إلا بحجة يجب التسليم لها.فإن قال قائل: فإن الله تعالى ذكره قد خص المطلقة قبل المسيس، إذا كان مفروضا لها، بقوله:"وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم"، إذ لم يجعل لها غير النصف من الفريضة؟.قيل: إن الله تعالى ذكره إذا دل على وجوب شيء في بعض تنزيله، ففي دلالته على وجوبه في الموضع الذي دل عليه، الكفاية عن تكريره، حتى يدل على بطول فرضه. وقد دل بقوله: "وللمطلقات متاع بالمعروف" [البقرة: 241]، على وجوب المتعة لكل مطلقة، فلا حاجة بالعباد إلى تكريرذلك في كل اية وسورة. وليس في دلالته على أن للمطلقة قبل المسيس المفروض لها الصداق نصف ما فرض لها، دلالة على بطول المتعة عنه. لأنه غير مستحيل في الكلام لو قيل: "وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم" والمتعة. فلما لم يكن ذلك محالا في الكلام، كان معلوما أن نصف الفريضة إذا وجب لها، لم يكن في وجوبه لها نفي عن حقها من المتعة، ولما لم يكن اجتماعهما للمطلقة محالا، وكان الله تعالى ذكره قد دل على وجوب ذلك لها، وإن كانت الدلالة على وجوب أحدهما في آية غير الآية التي فيها الدلالة على وجوب الأخرى، ثبت وصح وجوبهما لها. هذا، إذا لم يكن على أن للمطلقة المفروض لها الصداق إذا طلقت قبل المسيس، دلالة غير قول الله تعالى ذكره: "وللمطلقات متاع بالمعروف" [البقرة: 241]، فكيف وفي قول الله تعالى ذكره: "لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن"، الدلالة الواضحة على أن المفروض لها إذا طلقت قبل المسيس، لها من المتعة مثل الذي لغير المفروض لها منها؟ وذلك أن الله تعالى ذكره لما قال: "لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة"، كان معلوما بذلك أنه قد دل به على حكم طلاق صنفين من طلاق النساء: أحدهما المفروض له، والآخر غير المفروض له. وذلك أنه لما قال: "أو تفرضوا لهن فريضة"، علم أن الصنف الآخر هو المفروض له، وأنها المطلقة المفروض لها قبل المسيس. لأنه قال: "لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن"، ثم قال تعالى ذكره: "ومتعوهن"، فأوجب المتعة للصنفين منهن جميعا، المفروض لهن، وغير المفروض لهن. فمن ادعى أن ذلك لأحد الصنفين، سئل البرهان على دعواه من أصل أو نظير، ثم عكس عليه القول في ذلك. فلن يقول في شيء منه قولا إلا ألزم في الآخر مثله.قال أبو جعفر: وأرى أن المتعة للمرأة حق واجب، إذا طلقت، على زوجها المطلقها، على ما بينا آنفا- يؤخذ بها الزوج كما يؤخذ بصداقها، لا يبرئه منها إلا أداؤه إليها أو إلى من يقوم مقامها في قبضها منه، أو ببراءة تكون منها له. وأرى أن سبيلها سبيل صداقها وسائر ديونها قبله، يحبس بها إن طلقها فيها، إذا لم يكن له شيء ظاهريباع عليه، إذا امتنع من إعطائها فلك.وإنما قلنا ذلك، لأن الله تعالى ذكره قال: "ومتعوهن"، فأمر الرجال أن يمتعوهن، وأمره فرض، إلا أن يبين تعالى ذكره أنه عنى به الندب والإرشاد، لما قد بينا في كتابنا المسمى بلطيف البيان عن أصول الأحكام، لقولى: "وللمطلقات متاع بالمعروف" [البقرة: 241]. ولا خلاف بين جميع أهل التأويل أن معنى ذلك: وللمطلقات على أزواجهن متاع بالمعروف. وإذا كان ذلك كذلك، فلن يبرأ الزوج مما لها عليه إلا بما وصفنا قبل، من أداء أو إبراء على ما قد بينا.فإن ظن ذو غباء أن الله تعالى ذكره إذ قال: "حقا على المحسنين" و "حقا على المتقين" [البقرة:241]، أنها غير واجبة، لأنها لو كانت واجبة لكانت على المحسن وغير المحسن، والمتقي وغير المتقي، فإن الله تعالى ذكره قد أمر جميع خلقه بأن يكونوا من المحسنين ومن المتقين، وما وجب من حق على أهل الإحسان والتقى، فهو على غيرهم أوجب ولهم ألزم.وبعد، فإن في إجماع الحجة على أن المتعة للمطلقة غير المفروض لها قبل المسيس واجبة بقوله: "ومتعوهن"، وجوب نصف الصداق للمطلقة المفروض لها قبل المسيس بقول الله تعالى ذكره: "فنصف ما فرضتم"، فيما أوجب لهما من ذلك، الدليل الواضح أن ذلك حق واجب لكل مطلقة بقوله: "وللمطلقات متاع بالمعروف" [البقرة: 241]، وإن كان قال: "حقا على المتقين" [البقرة: 241].ومن أنكر ما قلنا في ذلك، سئل عن المتعة للمطلقة غير المفروض لها قبل المسيس. فإن أنكر وجوب ذلك خرج من قول جميع الحجة، ونوظر مناظرتنا المنكرين في عشرين دينارا زكاة، والدافعين زكاة العروض إذا كانت للتجارة، وما أشبه ذلك. فإن أوجب ذلك لها، سئل الفرق بين وجوب ذلك لها، والوجوب لكل مطلقة، وقد شرط فيما جعل لها من ذلك بأنه حق على المحسنين، كما شرط فيما جعل للآخر بأنه حق على المتقين. فلن يقول في أحدهما قولا إلا ألزم في الآخر مثله.قال أبو جعفر: وأجمع الجميع على أن المطلقة غير المفروض لها قبل المسيس، لا شيء لها على زوجها المطلقها غير المتعة.ذكر بعض من قال ذلك من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم:
حدثنا أبو كريب ويونس بن عبد الأعلى قالا، حدثنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عطاء، عن ابن عباس قال: إذا طلق الرجل امرأته قبل أن يفرض لها وقبل أن يدخل بها، فليس لها إلا المتاع. حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية، عن يونس قال، قال الحسن: إن طلق الرجل امرأته ولم يدخل بها ولم يفرض لها، فليس لها إلا المتاع.حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية قال، أخبرنا أيوب، عن نافع قال: إذا تزوج الرجل المرأة ثم طلقها ولم يفرض لها، فإنما لها المتاع.حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني الليث، عن يونس، عن ابن شهاب قال: إذا تزوج الرجل المرأة ولم يفرض لها، ثم طلقها قبل أن يمسها وقبل أن يفرض لها، فليس لها عليه إلا المتاع بالمعروف.حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: "لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة"، قال: ليس لها صداق إلا متاع بالمعروف.حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد بنحوه- إلا أنه قال: ولا متاع إلا بالمعروف.حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن" إلى "ومتعوهن"، قال: هذا الرجل توهب له فيطلقها قبل أن يدخل بها، فإنما عليه المتعة.حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قال في هذه الآية: هو الرجل يتزوج المرأة ولا يسمي لها صداقا، ثم يطلقها قبل أن يدخل بها، فلها متاع بالمعروف، ولا فريضة لها.
حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع مثله.حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: "ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة"، هذا رجل وهبت له امرأته، فطلقها من قبل أن يمسها، فلها المتعة ولا فريضة لها، وليست عليها عدة.قال أبو جعفر: وأما الموسع ، فهو الذي قد صار من عيشه إلى سعة وغنى، يقال منه: أوسع فلان فهو يوسع إيساعا وهو موسع وأما المقتر، فهو المقل من المال، يقال: قد أقتر فهو يقتر إقتارا، وهو مقتر. واختلفت القرأة في قراءة القدر. فقرأه بعضهم: على الموسع قدره وعلى المقتر قدره. بتحريك الدال إلى الفتح من القدر، توجيها منهم ذلك الى الاسم من التقدير الذي هو من قول القائل: قدر فلان هذا الأمر. وقرأ آخرون بتسكين الدال منه، توجيها منهم ذلك إلى المصدر من ذلك، كما قال الشاعر:
وما صب رجلي في حديد مجاشع مع القدر، الا حاجة لي أريدها
والقول في ذلك عندي أنهما جميعا قراءتان قد جاءت بهما الأمة، ولا تحيل القراءة بإحداهما معنى في الأخرى، بل هما متفقتا المعنى. فبأي القرائتين قرأ القارىء ذلك، فهو للصواب مصيب. وإنما يجوز اختيار بعض القراآت على بعض لبينونة المختارة على غيرها بزيادة معنى أوجبت لها الصحة دون غيرها. وأما إذا كانت المعاني في جميعها متفقة، فلا وجه للحكم لبعضها بأنه أولى أن يكون مقروءا به من غيره.قال أبو جعفر: فتأويل الآية إذا: لا حرج عليكم، أيها الناس، إن طلقتم النساء وقد فرضتم لهن ما لم تماسوهن، لان طلقتموهن ما لم تماسوهن قبل أن تفرضوا لهن، ومتعوهن جميعا على ذي السعة والغنى منكم من متاعهن حينئذ بقدر غناه وسعته، وعلى ذي الإقتار والفاقة منكم منه بقدر فاقته وإقتاره.قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: ومتعوهن متاعا. وقد يجوز أن يكون "متاعا" منصوبا قطعاً من ا لقدر. لأن المتاع نكرة، و ا لقدر معرفة. ويعني بقوله: "بالمعروف"، بما أمركم الله به من إعطائكم إياهن ذلك، بغير ظلم ولا مدافعة منكم لهن به. ويعني بقوله: "حقا على المحسنين"، متاعا بالمعروف الحق على المحسنين. فلما دل إدخال الألف واللام علىالحق، وهو من نعت المعروف، والمعروف معرفة و الحق نكرة، نصب على القطع منه، كما يقال: أتاني الرجل راكبا.
وجائز أن يكون نصب على المصدر من جملة الكلام الذي قبله، كقول القائل: عبد الله عالم حقا، فـ الحق منصوب من نية كلام المخبر، كأنه قال أخبركم بذلك حقا.والتأويل الأول هو وجه الكلام، لأن معنى الكلام: فمتعوهن متاعا بمعروف حق على كل من كان منكم محسنا.وقد زعم بعضهم أن ذلك منصوب بمعنى: أحق ذلك حقا. والذي قاله من ذلك، بخلاف ما دل عليه ظاهر التلاوة. لأن الله تعالى ذكره جعل المتاع للمطلقات حقا لهن على أزواجهن، فزعم قائل هذا القول أن معنى ذلك أن الله تعالى ذكره أخبر عن نفسه أنه يحق أن ذلك على المحسنين. فتأويل الكلام اذا- إذ كان الأمر كذلك-: ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف الواجب على المحسنين.ويعني بقوله: "المحسنين"، الذين يحسنون إلى أنفسهم في المسارعة إلى طاعة الله فيما ألزمهم به، وأدائهم ما كلفهم من فرائضه.قال أبو جعفر: فإن قال قائل: إنك قد ذكرت أن الجناح هو الحرج، وقد قال الله تعالى ذكره: "لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن"، فهل علينا من جناح لو طلقناهن بعد المسيس، فيوضع عنا بطلاقنا إياهن قبل المسيس؟.قيل: قد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الله لا يحب الذواقين ولا الذواقات" .حدثنا بذلك ابن بشار قال، حدثنا ابن أبي عدي وعبد الأعلى، عن سعيد، عن قتادة، عن شهربن حوشب، عن النبي صلى الله عليه وسلم. وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما بال أقوام يلعبون بحدود الله، يقولون: قد طلقتك، قد راجعتك، قد طلقتك ".حدثنا بذلك ابن بشار قال، حدثنا مؤمل قال، حدثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن أبي بردة، عن أبيه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فجائز أن يكون الجناح الذي وضع عن الناس في طلاقهم نساءهم قبل المسيس، هو الذي كان يلحقهم منه بعد ذوقهم إياهن، كما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد كان بعضهم يقول: معنى قوله في هذا الموضع: "لا جناح"، لا سبيل عليكم للنساء- إن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن، ولم تكونوا فرضتم لهن فريضة- في إتباعكم بصداق ولا نفقة. وذلك مذهب، لولا ما قد وصفت من أن المعني بالطلاق قبل المسيس في هذه الاية صنفان من النساء: أحدهما المفروض لها، والاخر غير المفروض لها. فإذ كان ذلك كذلك، فلا وجه لأن يقال: لا سبيل لهن عليكم في صداق، إذا كان الأمر على ما وصفنا. وقد يحتمل ذلك أيضا وجها آخر: وهو أن يكون معناه: لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تماسوهن، في أي وقت شئتم طلاقهن. لأنه لا سنة في طلاقهن، فللرجل أن يطلقهن إذا لم يكن مسهن حائضا وطاهرا في كل وقت أحب. وليس ذلك كذلك في المدخول بها التي قد مست، لأنه ليس لزوجها طلاقها إن كانت من أهل الأقراء- إلا للعدة طاهرا في طهر لم يجامع فيه. فيكون الجناح الذي أسقط عن مطلق التي لم يمسها في حال حيضها، هوالجناح الذي كان به مأخوذا المطلق بعد الدخول بها في حال حيضها، أوفي طهر قد جامعها فيه.
فيه إحدى عشرة مسألة :
الأولى قوله تعالى : " لا جناح عليكم إن طلقتم النساء " هذا أيضاً من أحكام المطلقات ، وهو ابتداء إخبار برفع الحرج عن المطلق قبل البناء والجماع فرض مهراً أو لم يفرض ، ولما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التزوج لمعنى الذوق وقضاء الشهوة ، وأمر بالتزوج لطلب العصمة والتماس ثواب الله وقصد دوام الصحة ، وقع في نفوس المؤمنين أن من طلق قبل البناء قد واقع جزءاً من هذا المكروه ، فنزلت الآية رافعة للجناح في ذلك إذا كان أصل النكاح على المقصد الحسن ، وقال قول : " لا جناح عليكم " معناه لا طلب لجميع المهر بل عليكم نصف المفروض لمن فرض لها ، والمتعة لمن لم يفرض لها ، وقيل : لما كان أمر المهر مؤكداً في الشرع فقد يتوهم أنه لا بد من مهر إما مسمى وإما مهر المثل ، فرفع الحرج عن المطلق في وقت التطليق وإن لم يكن في النكاح مهر ، وقال قوم : " لا جناح عليكم " معناه في أن ترسلوا الطلاق في وقت الحيض ، بخلاف المدخول بها ، إذ غير المدخول بها لا عدة عليها .
الثانية : المطلقات أربع : مطلقة مدخول بها مفروض لها وقد ذكر الله حكمها قبل هذه الآية ، وأنه لا يسترد منها شيء من المهر ، وأن عدتها ثلاثة قروء ، ومطلقة غير مفروض لها ولا مدخول بها فهذه الآية في شأنها ولا مهر لها ، بل أمر الرب تعالى بإمتاعها ، وبين في سورة (( الأحزاب )) أن غير المدخول بها إذا طلقت فلا عدة عليها ، وسيأتي ، ومطلقة مفروض لها غير مدخول بها ذكرها بعد هذه الآية إذ قال : " وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة " ، ومطلقة مدخول بها غير مفروض لها ذكرها الله في قوله : " فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن " [ النساء : 24 ] ، فذكر تعالى في هذه الآية والتي بعدها مطلقة قبل المسيس وقبل الفرض ، ومطلقة قبل المسيس وبعد الفرض ، فجعل للأولى المتعة ، وجعل للثانية نصف الصداق لما لحق الزوجة من دحض العقد ، ووصم الحل الحاصل للزوج بالعقد ، وقابل المسيس بالمهر الواجب .
الثالثة : لما قسم الله تعالى حال المطلقة هنا قسمين : مطلقة مسمى لها المهر ، ومطلقة لم يسم لها ، دل على أن نكاح التفويض جائز ، وهو كل نكاح عقد من غير ذكر الصداق ، ولا خلاف يه ، ويفرض بعد ذلك الصداق ، فإن فرض التحق بالعقد وجاز ، وإن لم يفرض لها وكان الطلاق ، لم يجب صداق إجماعاً ، قاله القاضي أبو بكر بن العربي ، وحكى المهدوي عن حماد بن أبي سليمان أنه إذا طلقها ولم يدخل بها ولم يكن فرض لها أجبر على نصف صداق مثلها ، وإن فرض بعد عقد النكاح وقبل وقوع الطلاق فقال أبو حنيفة : لا يتنصف بالطلاق ، لأنه لم يجب بالعقد ، وهذا خلاف الظاهر من قوله تعالى : " وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة " [ البقرة : 237 ] ، وخلاف القياس أيضاً ، فإن الفرض بعد العقد يلحق بالعقد فوجب أن يتنصف بالطلاق ، أصله الفرض المقترن بالعقد ، أنه سئل عن رجل تزوج امرأة لم يفرض لها ولم يدخل بها حتى مات ، فقال ابن مسعود : لها مثل صداق نسائها ، لا وكس ولا شطط ، وعليها العدة ولها الميراث ، فقام معقل بن سنان الاشجعي فقال : قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بروع بنت واشق امرأة منا مثل الذي قضيت ، ففرح بها ابن مسعود ، قال الترمذي : حديث ابن مسعود حديث حسن صحيح ، وقد روي عنه من غير وجه ، والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم ، وبه يقول الثوري و أحمد و إسحاق ، وقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم علي بن أبي طالب وزيد بن ثابت وابن عباس وابن عمر : إذا تزوج الرجل امرأة ولم يدخل بها ولم يفرض لها صداقاً حتى مات قالوا : لها الميراث ولا صداق لها وعليها العدة ، وهو قول الشافعي ، وقال : ولو ثبت حديث يروع بنت واشق لكانت الحجة فيما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ويروى عن الشافعي أنه رجع بمصر بعد عن هذا القول ، وقال بحديث بروع بنت واشق .
قلت : اختلف في تثبيت حديث بروع ، فقال القاضي أبو محمد عبد الوهاب في شرح رسالبة ابن أبي زيد : وأما حديث بروع بنت واشق فقد رده حفاظ الحديث وأئمة أهل العلم ، وقال الواقدي : وقع هذا الحديث بالمدينة فلم يقبله أحد من العلماء ، وصححه الترمذي كما ذكرنا عنه و ابن المنذر ، قال ابن المنذر : وقد ثبت مثل قول عبد الله بن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وبه نقول : وذكر أنه قول أبي ثور وأصحاب الرأي ، وذكر عن الزهري و الأوزاعي و مالك و الشافعي مثل قول علي وزيد وابن عباس وابن عمر ، وفي المسألة قول ثالث وهو أنه لا يكون ميراث حتى يكون مهر ، قاله مسروق .
قلت : ومن الحجة لما ذهب إليه مالك أنه فراق في نكاح قبل الفرض فلم يجب فيه صداق ، أصله الطلاق ، لكن إذا صح الحديث فالقياس في مقابلته فاسد ، وقد حكى أبو محمد عبد الحميد عن المذهب ما يوافق الحديث ، والحمد لله ، وقال أبو عمر : حديث بروع رواه عبد الرزاق عن الثوري عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود ، الحديث ، وفيه : فقام معقل بن سنان ، وقال فيه ابن المهدي عن الثوري عن فراس عن الشعبي عن مسروق عن عبد الله فقال : معقل بن يسار ، والصواب عندي قول من قال معقل بن سنان لا معقل بن يسار ، لأن معقل بن يسار رجل من مزينة ، وهذا الحديث إنما جاء في امرأة من أشجع لا من مزينة ، وكذلك رواه داود عن الشعبي عن علقمة ، وفيه : فقال ناس من أشجع و معقل بن سنان قتل يوم الحرة ، وفي يوم الحرة يقول الشاعر :
ألا تلكم الأنصار تبكي سراتها وأشجع تكي معقل بن سنان
الخامسة : قوله تعالى : " ما لم تمسوهن " ((ما )) بمعنى الذي ، أي أن طلقتم النساء اللاتي لم تمسوهن ، و(( تمسوهن )) قرئ بفتح التاء من الثلاثي ، وهي قراءة نافع و ابن كثير و أبي عمرو و عاصم و ابن عامر ، وقرأ حمزة و الكسائي (( تماسوهن )) من المفاعلة ، لأن الوطء تم بهما ، وقد يرد في باب المفاعلة فاعل بمعنى فعل ، نحو طارقت النعل ، وعاقبت اللص ، والقراءة الأولى تقتضي معنى المفاعلة في هذا الباب بالمعنى المفهول من المس ، ورجحها أبو علي ، لأن أفعال هذا المعنى جاءت ثلاثية على هذا الوزن ، جاء : نكح وسفد وقرع ودفط وضرب الفحل ، والقراءتان حسنتان ، و(( أو )) في (( أو تفرضوا )) قيل هو بمعنى الواو ، أي أي ما لم تمسوهن ولم تفرضوا لهن ، كقوله تعالى : " وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا أو هم قائلون " [ الأعراف : 4 ] ، أي قائلون : وقوله : " وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون " [ الصافات : 147 ] أي ويزيدون وقوله : " ولا تطع منهم آثماً أو كفورا " [ الإنسان : 24 ] ، أي كفوراً ، وقوله : " وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط " [ النساء : 43 ] ، معناه وجاء أحد منكم من الغائط وأنتم مرضى أو مسافرون ، وقوله : " إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم " [ الأنعام : 146 ] ، وما كان مثله ، ويعتضد هذا بأنه تعالى عطف عليها بعد ذلك المفروض فلها فقال : " وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة " ، فلو كان الأول لبيان طلاق والمفروض لها قبل المسيس لما كرره .
السادسة : قوله تعالى : " ومتعوهن " : معناه أعطوهن شيئاً يكون متاعاً لهن ، وحمله ابن عمر وعلي بن أبي طالب والحسن بن أبي الحسن و سعيد بن جبير و أبو قلابة و الزهري و قتادة و الضحاك بن مزاحم على الوجوب ،وحمله أبو عبيد و مالك بن أنس وأصحابه و القاضي شريح وغيرهم على الندب ، تمسك أهل القول الأول بمقتضى الأمر وتمسك أهل القول الثاني بقوله تعالى : " حقا على المحسنين " و" على المتقين " ولو كانت واجبة لأطلقها على الخلق أجمعين ، والقول الأول أولى ، الأن عمومات الأمر بالإمتاع في قوله : " متعوهن " وإضافة الإمتاع إليهن بلام التمليك في قوله : " وللمطلقات متاع " أظهر في الوجوب منه في الندب ، وقوله : " على المتقين " تأكيد لإيجابها ، لأن كل واحد يجب عليه أن يتقي الله في الإشراك به ومعاصيه ، وقد قال تعالى في القرآن : " هدى للمتقين " [ البقرة : 2 ] .
السابعة : واختلفوا في الضمير المتصل بقوله " ومتعوهن " من المراد به من النساء ؟ فقال ابن عباس وابن عمر وجابر بن زيد و الحسن و الشافعي و أحمد و عطاء و إسحاق وأصحاب الرأي ، المتعة واجبة للمطلقة قبل البناء والفرض ، ومندوبة في حق غيرها وقال مالك وأصحابه : المتعة مندوب إليها في كل مطلقة وإن دخل بها ، إلا في التي لم يدخل بها وقد فرض لها فحسبها ما فرض لها ولا متعة لها ، وقال أبو ثور : لها المتعة ولكل مطلقة ، وأجمع أهل العلم على أن التي لم يفرض لها ولم يدخل بها لا شيء لها غير المتعة ، قال الزهري : يقضي لها بها القاضي ، وقال جمهور الناس ، لا يقضي بها لها : قلت : هذا الإجماع إنما هو في الحرة ، فأما الأمة إذا طلقت قبل الفرض والمسيس فالجمهور على أنها لها المتعة وقال الأوزاعي و الثوري : لا متعة لها لأنها تكون لسيدها وهو لا يستحق مالاً في مقابلة تأذي مملوكته بالطلاق ، وأما ربط مذهب مالك فقال ابن شعبان : المتعة بإزاء غم الطلاق ، ولذلك ليس للمختلعة والمبارئة والملاعنة متعة قبل البناء ولا بعده ، لأنها هي التي اختارت الطلاق ، وقال الترمذي و عطاء و النخعي : للمختلعة متعة ، وقال أصحاب الرأي : للملاعنة متعة : قال ابن القاسم : ولا متعة في نكاح مفسوخ ، قال ابن المواز : ولا فيما يدخله الفسخ بعد صحة العقد ، مثل ملك أحد الزوجين صاحبه ، قال ابن القاسم وأصل ذلك قوله تعالى : " وللمطلقات متاع بالمعروف " فكان هذا الحكم مختصاً بالطلاق دون الفسخ ، وروى ابن وهب عن مالك أن المخيرة لها المتعة بخلاف الأمة تعتق تحت العبد فتختار هي نفسها ، فهذه لا متعة لها ، وأما الحرة تخير أو تملك أو يتزوج عليها أمة فتختار هي نفسها في ذلك كله فلها المتعة ، لأ الزوج سبب للفراق .
الثامنة : قال مالك : ليس للمتعة عندنا حد معروف في قليلها ولا كثيرها ، وقد اختلف الناس في هذا ، فقال ابن عمر : أدنى ما يجزئ في المتعة ثلاثون درهماً أو شبهها ، وقال ابن عباس : أرفع المتعة خادم ثم كسوة ثم نفقة عطاء : ، أوسطها الدرع والخمار والملحفة ، أبو حنيفة : ذلك أدناها ، وقال ابن محيريز : على صاحب الديوان ثلاثة دنانير ، وعلى العبد المتعة ، وقال الحسن : يمتع كل بقدره ، هذا بخادم وهذا بأثواب وهذا بثوب وهذا بنفقة ، وكذلك يقول مالك بن أنس ، وهو مقتضى القرآن فإن الله سبحانه لم يقدرها ولا حددها وإنما قال : " على الموسع قدره وعلى المقتر قدره " ومنع الحسن بن علي بعشرين ألفاً وزقاق من عسل ومتع شريح بخمسمائة درهم ، وقد قيل : إن حالة المرأة معتبرة أيضاً ، قاله بعض الشافعية ، قالوا : لو اعتبرنا حال الرجل وحده لزم منه أنه لو تزوج امرأتين إحداهما شريفة والأخرى دنية ثم طلقهما قبل المسيس ولم يسم لهما أن يكونا متساويتين في المتعة فيجب للدنية ما يجب للشريفة وهذا خلاف ما قال الله تعالى : " متاعا بالمعروف " ويلزم منه أن الموسر العظيم اليسار إذا تزوج امرأة دنية أن يكون مثلها ، لأنه إذا طلقها قبل الدخول والفرض لزمته المتعة على قدر حاله مهر مثلها ، فتكون المتعة على هذا أضعاف مهر مثلها ، فتكون قد استحقت قبل الدخول أضعاف ما تستحقه بعد الدخول من مهر المثل الذي فيه الابتذال وهو الوطء ، وقال أصحاب الرأي وغيرهم ، متعة التي تطلق قبل الدخول والفرض نصف مهر مثلها لا غير ، لأن مهر المثل مستحق بالعقد ، والمتعة هي بعض مهر المثل ، فيجب لها كما يجب نصف المسمى إذا طلق قبل الدخول ، وهذا يرده قوله تعالى : " على الموسع قدره وعلى المقتر قدره " وهذا دليل على رفض التحديد ، والله بحقائق الأمور عليهم ، وقد ذكر الثعلبي حديثاً قال : نزلت " لا جناح عليكم إن طلقتم النساء " ، في رجل من الأنصار تزوج امرأة من بني حنيفة ولم يسم لها مهراً ثم طلقها قبل أن يمسها فنزلت الآية ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " متعها ولو بقلنسوتك " ، وروى الدارقطني عن سويد بن غفلة قال : كان عائشة الخثعمية عند الحسن بن علي بن أبي طالب فلما أصيب علي وبويع الحسن بالخلافة قالت : لتهنك الخلافة يا أمير المؤمنين ! فقال : يقتل علي وتظهرين الشماتة ! اذهبي فأنت طالق ثلاثاً ، قال : فتلفعت بساجها وقعدت حتى انقضت عدتها ، فبعث إليها بعشرة آلاف متعة ، وبقية ما بقي لها من صداقها ، فقالت :
متاع قليل من حبيب مفارق
فلما بلغه قولها بكى وقال : لولا أني سمعت جدي أو حدثني أبي أنه سمع جدي يقول : أيما رجل طلق امرأته ثلاثاً مبهمة أو ثلاثاً عند الأقراء لم تحل له حتى تنكح زوجاً غير لراجعتها ، وفي رواية : أخبره الرسول فبكى وقال : لولا أني أبنت الطلاق لها لراجعتها ، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " أيما رجل طلق امرأته ثلاثاً عند كل طهر تطليقة أو عند رأس كل شهر تطليقة أو طلقها ثلاثاً جميعاً لم تحل له حتى تنكح زوجاً غيره " .
التاسعة : من جهل المتعة حتى مضت أعوام فليدفع ذلك إليها وإن تزوجت ، وإلى ورثتها إن ماتت ، رواه ابن المواز عن ابن القاسم وقال أصبغ : لا شيء عليه إن ماتت لأنها تسلية للزوجة عن الطلاق وقد فات ذلك ،ووجه الأول أنه حق ثبت عليه وينتقل عنها إلى ورثتها كسائر الحقوق ، وهذا يشعر بوجوبها في المذهب ، والله أعلم .
العاشرة : قوله تعالى : " على الموسع قدره وعلى المقتر قدره " دليل على وجوب المتعة ، وقرأ الجمهور (( الموسع )) بسكون الواو وكسر السين ، وهو الذي اتسعت حاله ، يقال : فلان يتفق على قدره ، أي على وسعه ، وقرأ أبو حيوة بفتح الواو وشد السين وفتحها ، وقرأ ابن كثير و نافع و أبو عمرو و عاصم في رواية أبي بكر (( قدره )) بسكون الدال في الموضعين ، وقرأ ابن عامر و حمزة و الكسائي و عاصم في رواية حفص بفتح الدال فيهما قال أبو الحسن الأخفش وغيره ، هما بمعنى ، ويقرأ في كتاب الله : " فسالت أودية بقدرها " [ الرعد : 17 ] ، وقدرها ، وقال تعالى : " وما قدروا الله حق قدره " [ الأنعام : 91 ] ، ولو حركت الدال لكان جائزاً ، و (( المقتر )) المقل القليل المال ، و" متاعا " نصب على المصدر ، أي متعوهن متاعاً ، " بالمعروف " أي بما عرف في الشرع من الاقتصاد .
الحادية عشرة : قوله تعالى : " حقا على المحسنين " أي يحق ذلك عليهم حقاً ، يقال : حققت عليه القضاء وأحققت ، أي أوجبت ، وفي هذا دليل على وجوب المتعة مع الأمر بها ، فقوله : " حقا " تأكيد للوجوب ، ومعنى : " على المحسنين " و" على المتقين " أي على المؤمنين ، إذ ليس لأحد أن يقول : لست بمحسن ولا متق ، والناس مأمورون بأن يكونوا جميعاً محسنين متقين ، فيحسنون بأداء فرائض الله ويجتنبون معاصيه حتى لا يدخلوا النار ، فواجب على الخلق أجمعين أن يكونوا محسنين متقين ، و " حقا " صفة لقوله : " متاعا " أو نصب على المصدر ، وذلك أدخل في التأكيد للأمر ، والله أعلم .
أباح تبارك وتعالى طلاق المرأة بعد العقد عليها, وقبل الدخول بها. قال ابن عباس وطاوس وإبراهيم والحسن البصري: المس النكاح, بل ويجوز أن يطلقها قبل الدخول بها والفرض لها, إن كانت مفوضة وإن كان في هذا إنكسار لقلبها, ولهذا أمر تعالى بإمتاعها وهو تعويضها عما فاتها بشيء تعطاه من زوجها بحسب حاله, على الموسع قدره, وعلى المقتر قدره. وقال سفيان الثوري, عن إسماعيل بن أمية عن عكرمة, عن ابن عباس: قال, متعة الطلاق أعلاه الخادم, ودون ذلك الورق, ودون ذلك الكسوة. وقال علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس: إن كان موسراً متعها بخادم أو نحو ذلك, وإن كان معسراً أمتعها بثلاثة أثواب. وقال الشعبي: أوسط ذلك درع وخمار وملحفة وجلباب, قال: وكان شريح يمتع بخمسمائه. وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن أيوب بن سيرين, قال: كان يمتع بالخادم أو بالنفقة أو بالكسوة. قال: ومتع الحسن بن علي بعشرة آلاف, ويروى أن المرأة قالت: متاع قليل من حبيب مفارق. وذهب أبو حنيفة إلى أنه متى تنازع الزوجان في مقدار المتعة وجب لها عليه نصف مهر مثلها. وقال الشافعي في الجديد: لا يجبر الزوج على قدر معلوم إلا على أقل ما يقع عليه اسم المتعة, وأحب ذلك إلي اني أستحسن ثلاثين درهماً, كما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما. وقد اختلف العلماء أيضاً: هل تجب المتعة لكل مطلقة أو إنما تجب المتعة لغير المدخول بها التي لم يفرض لها, على أقوال: أحدها أنها تجب المتعة لكل مطلقة لعموم قوله تعالى: "وللمطلقات متاع بالمعروف حقاً على المتقين" ولقوله تعالى: " يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا " وقد كن مفروضاً لهن ومدخولاً بهن, وهذا قول سعيد بن جبير وأبي العالية والحسن البصري, وهو أحد قولي الشافعي ومنهم من جعله الجديد الصحيح, والله أعلم.
(والقول الثاني) أنها تجب للمطلقة إذا طلقت قبل المسيس, وإن كانت مفروضاً لها, لقوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحاً جميلاً" قال شعبة وغيره, عن قتادة, عن سعيد بن المسيب, قال: نسخت هذه الاية التي في الأحزاب الاية التي في البقرة. وقد روى البخاري في صحيحه, عن سهل بن سعد وأبي أسيد. أنهما قالا: تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أميمة بنت شرحبيل, فلما أدخلت عليه, بسط يده إليها, فكأنها كرهت ذلك, فأمر أبا أسيد أن يجهزها ويكسوها ثوبين أزرقين. (القول الثالث) أن المتعة إنما تجب للمطلقة إذا لم يدخل بها ولم يفرض لها, فإن كان قد دخل بها, وجب لها مهر مثلها إذا كانت وإن كان قد فرض لها وطلقها قبل الدخول, وجب لها عليه شطره, فإن دخل بها استقر الجميع, وكان ذلك عوضاً لها عن المتعة, وإنما المصابة التي لم يفرض لها ولم يدخل بها, فهذه التي دلت هذه الاية الكريمة على وجوب متعتها, هذا قول ابن عمر ومجاهد, ومن العلماء من استحبها لكل مطلقة ممن عدا المفوضة المفارقة قبل الدخول, وهذا ليس بمنكور, عليه تحمل آية التخيير في الأحزاب, ولهذا قال تعالى: " على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسنين " " وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين " ومن العلماء من يقول: إنها مستحبة مطلقاً. قال ابن أبي حاتم: حدثنا كثير بن شهاب القزويني, حدثنا محمد بن سعيد بن سابق, حدثنا عمرو ـ يعني ابن أبي قيس ـ عن أبي إسحاق, عن الشعبي, قال: ذكروا له المتعة, أيحبس فيها ؟ فقرأ "على الموسع قدره وعلى المقتر قدره" قال الشعبي: والله ما رأيت أحداً حبس فيها, والله لو كانت واجبة لحبس فيها القضاة.
المراد بالجناح هنا التبعة من المهر ونحوه، فرفعه رفع لذلك: أي لا تبعة عليكم بالمهر ونحوه إن طلقتم النساء على الصفة المذكورة، وما في قوله: 236- " ما لم تمسوهن " هي مصدرية ظرفية بتقدير المضاف: أي مدة عدم مسيسكم. ونقل أبو البقاء أنها شرطية من باب اعتراض الشرط على الشرط ليكون الثاني قيداً للأول كما في قولك: إن تأتني إن تحسن إلي أكرمك: أي إن تأتني محسناً إلي، والمعنى: إن طلقتموهن غير ماسين لهن. وقيل إنها موصولة: أي إن طلقتم النساء اللاتي لم تمسوهن، وهكذا اختلفوا في قوله: " أو تفرضوا " فقيل: أو بمعنى إلا: أي إلا أن تفرضوا، وقيل بمعنى حتى: أي حتى تفرضوا، وقيل بمعنى الواو: أي وتفرضوا. ولست أرى لهذا التطويل وجهاً، ومعنى الآية أوضح من أن يلتبس، فإن الله سبحانه رفع الجناح عن المطلقين ما لم يقع أحد الأمرين: أي مدة انتفاء ذلك الأحد، ولا ينتفي الأحد المبهم إلا بانتفاء الأمرين معاً، فإن وجد المسيس وجب المسمى أو مهر المثل، وإن وجد الفرض وجب نصفه مع عدم المسيس، وكل واحد منها جناح: أي المسمى أو نصفه أو مهر المثل. واعلم أن المطلقات أربع: مطلقة مدخول بها مفروض لها، وهي التي تقدم ذكرها قبل هذه الآية، وفيها نهي الأزواج عن أن يأخذوا مما آتوهن شيئاً، وأن عدتهن ثلاثة قروء. ومطلقة غير مفروض لها ولا مدخول بها، وهي المذكورة هنا فلا مهر لها، بل المتعة، وبين في سورة الأحزاب أن غير المدخول بها إذا طلقت فلا عدة عليها. ومطلقة مفروض لها غير مدخول بها، وهي المذكورة بقوله سبحانه هنا: " وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة "، ومطلقة مدخول بها غير مفروض لها، وهي المذكورة في قوله تعالى: "فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن" والمراد بقوله: "ما لم تمسوهن" ما لم تجامعوهن، وقرأ ابن مسعود من قبل أن تجامعوهن. أخرجه عنه ابن جرير، وقرأه نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وعاصم ما لم تمسوهن وقرأه حمزة والكسائي تماسوهن من المفاعلة، والمراد بالفريضة هنا تسمية المهر. قوله: "ومتعوهن" أي أعطوهن شيئاً يكون متاعاً لهن، وظاهر الأمر الوجوب، وبه قال علي وابن عمر والحسن البصري وسعيد بن جبير وأبو قلابة والزهري وقتادة والضحاك ومن أدلة الوجوب قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحاً جميلاً" وقال مالك وأبو عبيد والقاضي شريح وغيرهم: إن المتعة للمطلقة المذكورة مندوبة لا واجبة لقوله تعالى: "حقاً على المحسنين" ولو كانت واجبة لأطلقها على الخلق أجمعين، ويجاب عنه بأن ذلك لا ينافي الوجوب بل هو تأكيد له كما في قوله في الآية الأخرى: "حقاً على المتقين" أي أن الوفاء بذلك والقيام به شأن أهل التقوى، وكل مسلم يجب عليه أن يتقي الله سبحانه، وقد وقع الخلاف أيضاً هل المتعة مشروعة لغير هذه المطلقة قبل المسيس والفرض أم ليست بمشروعة إلا لها فقط؟ فقيل: إنها مشروعة لكل مطلقة، وإليه ذهب ابن عباس وابن عمر وعطاء وجابر بن زيد وسعيد بن جبير وأبو العالية والحسن البصري والشافعي في أحد قوليه وأحمد وإسحاق، ولكنهم اختلفوا هل هي واجبة في غير المطلقة قبل البناء والفرض أم مندوبة فقط، واستدلوا بقوله تعالى: "وللمطلقات متاع بالمعروف حقاً على المتقين" وبقوله تعالى: "يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحاً جميلاً" والآية الأولى عامة لكل مطلقة، والثانية في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وقد كن مفروضاً لهن مدخولاً بهن. وقال سعيد بن المسيب: إنها تجب للمطلقة إذا طلقت قبل المسيس وإن كانت مفروضاً لها لقوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن" قال: هذه الآية التي في الأحزاب نسخت التي في البقرة. وذهب جماعة من أهل العلم إلى أن المتعة مختصة بالمطلقة قبل البناء والتسمية، لأن المدخول بها تستحق جميع المسمى أو مهر المثل، وغير المدخولة التي قد فرض لها زوجها فريضة: أي سمى لها مهراً وطلقها قبل الدخول تستحق نصف المسمى، ومن القائلين بهذا ابن عمر ومجاهد. وقد وقع الإجماع على أن المطلقة قبل الدخول والفرض لا تستحق إلا المتعة إذا كانت حرة. وأما إذا كانت أمة فذهب الجمهور إلى أن لها المتعة، وقال الأوزاعي والثوري: لا متعة لها لأنها تكون لسيدها، وهو لا يستحق مالاً في مقابل تأذي مملوكته، لأن الله سبحانه إنما شرع المتعة للمطلقة قبل الدخول والفرض، لكونها تتأذى بالطلاق قبل ذلك. وقد اختلفوا في المتعة المشروعة هل هي مقدرة بقدر أم لا؟ فقال مالك والشافعي في الجديد: لا حد لها معروف بل ما يقع عليه اسم المتعة. وقال أبو حنيفة: إنه إذا تنازع الزوجان في قدر المتعة وجب لها نصف مهر مثلها، ولا ينقص من خمسة دراهم، لأن أقل المهر عشرة دراهم. وللسلف فيها أقوال سيأتي ذكرها إن شاء الله. وقوله: "على الموسع قدره وعلى المقتر قدره" يدل على أن الاعتبار في ذلك بحال الزوج، فالمتعة من الغني فوق المتعة من الفقير. وقرأه الجمهور على الموسع بسكون الواو وكسر السين، وهو الذي اتسعت حاله. وقرأ أبو حيوة بفتح الواو وتشديد السين وفتحها. وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر قدره بسكون الدال فيهما. وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص بفتح الدال فيهما. قال الأخفش: وغيره: هما لغتان فصيحتان، وهكذا يقرأ في قوله تعالى: "فسالت أودية بقدرها". وقوله: "وما قدروا الله حق قدره" والمقتر المقل، ومتاعاً مصدر مؤقتاً لقوله: "ومتعوهن" والمعروف ما عرف في الشرع والعادة الموافقة له. وقوله: "حقاً" وصف لقوله: " متاعا " أي مصدر لفعل محذوف: أي حق ذلك حقاً، يقال: حققت عليه القضاء وأحققت: أي أوجبت.
236. قوله تعالى: " لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة " أي ولم تمسوهن ولم تفرضوا،" نزلت في رجل من الأنصار تزوج امرأة من بني حنيفة ولم يسم لها مهراً ثم طلقها قبل أن يمسها فنزلت هذه الآية فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: متعها ولو بقلنسوتك ".
قرأ حمزة و الكسائي " ما لم تمسوهن " بالألف ههنا وفي الأحزاب على المفاعلة لأن بدن كل واحد منهما يلاقي بدن صاحبه كما قال الله تعالى: " من قبل أن يتماسا " (3-المجادلة) وقرأ الباقون " تمسوهن " بلا ألف لأن الغشيان يكون من فعل الرجل دليله قوله تعالى: " ولم يمسسني بشر " (47-آل عمران).
قوله تعالى: " أو تفرضوا لهن فريضة " أي توجبوا لهن صداقاً فإن قيل فما الوجه في نفي الجناح عن المطلق قيل: الطلاق قطع سبب الوصلة وجاء في الحديث " أبغض الحلال إلى الله تعالى الطلاق ".
فنفى الجناح عنه إذا كان الفراق أروح من الإمساك، وقيل معناه لا سبيل للنساء عليكم إن طلقتموهن من قبل المسيس والفرض بصداق ولا نفقة، وقيل: لا جناح عليكم في تطليقهن من قبل المسيس في أي وقت شئتم حائضاً كانت المرأة أو طاهرة لأنه لا سنة ولا بدعة في طلاقهن قبل الدخول بها بخلاف المدخول بها فإنه ل يجوز تطليقها في حال الحيض " ومتعوهن " أي أعطوهن من مالكم ما يتمتعن به والمتعة والمتاع ما يتبلغ به من الزاد " على الموسع " أي على الغني " قدره وعلى المقتر " أي الفقير " قدره " أي إمكانه وطاقته قرأ أبو جعفر و ابن عامر و الكسائي و حفص قدره بفتح الدال فيهما وقرأ الآخرون بسكونهما وهما لغتان وقيل: القدر بسكون الدال المصدر وبالفتح الاسم، متاعاً: نصب على المصدر أي متعوهن " متاعاً بالمعروف " أي بما أمركم الله به من غير ظلم " حقاً على المحسنين "، وبيان حكم الآية أن من تزوج امرأة ولم يفرض لها مهراً ثم طلقها قبل المسيس تجب لها المتعة بالاتفاق وإن طلقها بعد الفرض قبل المسيس فلا متعة لها على قول الأكثرين ولها نصف المهر المفروض.
واختلفوا في المطلقة بعد الدخول بها فذهب جماعة إلى أنه لا متعة لها لأنها تستحق المهر وهو قول أصحاب الرأي وذهب جماعة إلى أنها تستحق المتعة لقوله تعالى " وللمطلقات متاع بالمعروف " (241-البقرة) وهو قول عبد الله بن عمر وبه قال عطاء و مجاهد و القاسم بن محمد وإليه ذهب الشافعي لأن استحقاقها المهر بمقابلة ما أتلف عليها من منفعة البضع فلها المتعة على وحشة الفراق، فعلى القول الأول لا متعة إلا لواحدة وهي المطلقة قبل الفرض والمسيس، وعلى القول الثاني لكل مطلقة متعة إلا لواحدة وهي المطلقة بعد الفرض قبل المسيس، وقال عبد الله بن عمر : لكل مطلقة متعة إلا التي فرض لها ولم يمسها زوجها فحسبها نصف المهر.
قال الزهري : متعتان يقضي بإحداهما السلطان ولا يقضي بالأخرى بل تلزمه فيما بينه وبين الله تعالى.
فأما التي يقضي بها السلطان فهي المطلقة قبل الفرض والمسيس وهو قوله تعالى " حقاً على المحسنين "، والتي تلزمه فيما بينه وبين الله تعالى ولا يقضي بها السلطان فهي المطلقة بعد المسيس وهو قوله تعالى: " حقاً على المتقين ".
وذهب الحسن و سعيد بن جبير إلى أن لكل مطلقة متعة سواء كان قبل الفرض والمسيس أو بعد الفرض قبل المسيس لقوله تعالى: " وللمطلقات متاع بالمعروف " (241-البقرة) ولقوله تعالى في سورة الأحزاب: " فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا " (49-الأحزاب)، وقالا: معنى قوله تعالى " لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة " أي أو لم تفرضوا لهن فريضة، وقال بعضهم: المتعة غير واجبة والأمر بها أمر ندب واستحباب.
وروي أن رجلاً طلق امرأته وقد دخل بها فخاصمته إلى شريح في المتعة فقال شريح : لا تأب أن تكون من المحسنين ول تأب أن تكون من المتقين ولم يجبره على ذلك.
واختلفوا في قدر المتعة فروي عن ابن عباس: أعلاها خادم وأوسطها ثلاثة أثواب، درع وخما وإزار، ودون ذلك وقاية أو شيء من الورق وبه قال الشعبي و الزهري وهذا مذهب الشافعي ، وقال: أعلاها على الموسع خادم وأوسطها ثوب وأقلها أقل ما له ثمن، وحسن ثلاثون درهماً، وطلق عبد الرحمن بن عوف امرأته وحممها جارية سوداء أي متعها ومتع الحسن بن علي رضي الله عنه امرأة له بعشرة آلاف درهم فقالت: (( متاع قليل من حبيب مفارق )).
وقال أبو حنيفة رحمه الله: مبلغها إذا اختلف الزوجان قدر نصف مهر مثلها لا يجاوز والآية تدل على أنه يعتبر حال الزوج في العسر واليسر، ومن حكم الآية: أن من تزوج امرأة بالغة برضاها على غير مهر يصح النكاح، وللمرأة مطالبته بأن يفرض لها صداقاً، فإن دخل بها قبل الفرض فلها عليه مهر مثلها وإن طلقها قبل الفرض والدخول فلها المتعة، وإن مات أحدهما قبل الفرض والدخول اختلف أهل العلم في أنها هل تستحق المهر أم لا؟ فذهب جماعة إلى أنه لا مهر لها وهو قول علي وزيد بن ثابت و عبد الله ابن عمر وعبد الله بن عباس كما لو طلقها قبل الفرض والدخول وذهب قوم إلى أن لها المهر لأن الموت كالدخول في تقرير المسمى كذلك في ايجاب مهر المثل إذا لم يكن في العقد مسمى وهو قول الثوري وأصحاب الرأي واحتجوا بما روي عن علقمة عن ابن مسعود أنه سئل عن رجل تزوج امرأة ولم يفرض لها صداقاً ولم يدخل بها حتى مات فقال ابن مسعود: لها صداق نسائها لا وكس ولا شطط وعليها العدة ولها الميراث فقام معقل بن سنان الأشجعي فقال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بروع بنت واشق امراة منا مثل ما قضيت ففرح ابن مسعود رضي الله عنه.
وقال الشافعي رحمه الله: فإن ثبت حديث بروع بنت واشق فلا حجة في قول أحد دون قول النبي صلى الله عليه وسلم، وإن لم يثبت فلا مهر لها ولها الميراث، وكان علي يقول: في حديث بروع قول أعرابي من أشجع على كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
236-" لا جناح عليكم " لا تبعة من مهر . وقيل من وزر لأنه لا بدعة في الطلاق قبل المسيس . وقيل : كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر النهي عن الطرق فظن أن فيه حرجاً فنفى " إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن " أي تجامعوهن . و قرأ حمزة و الكسائي تماسوهن بضم التاء ومد الميم في جميع القرآن . " أو تفرضوا لهن فريضةً " إلا أن تفرضوا ، أو حتى تفرضوا أو وتفرضوا . والفرض تسمية المهر ، وفريضة نصب على المفعول به بمعنى فعيلة بمعنى مفعول . والتاء لنقل اللفظ من الوصفية إلى الإسمية ، ويحتمل المصدر . والمعنى أنه لا تبعة على المطلق من مطالبة المهر إذا كانت المطلقة غير ممسوسة ولم يسم لها مهراً ، إذ لو كانت ممسوسة فعلية المسمى ، أو مهر المثل . ولو كانت غير ممسوسة ولكن سمي لها فلها نصف المسمى ، فمنطوق الآية ينفي الوجوب في الصورة الأولى ، ومفهومها يقتضي الوجوب على الجملة في الأخيرتين . " ومتعوهن " عطف على مقدر أي فطلقوهن ومتعوهن ، والحكمة في إيجاب المتعة جبر إيحاش الطلاق ، وتقديرها مفوض إلى رأي الحاكم ويؤيده قوله : " على الموسع قدره وعلى المقتر قدره " أي على كل من الذي له سعة ، والمقتر الضيق الحال ما يطيقه ويليق به ، ويدل عليه قوله عليه السلام لأنصاري طلق امرأته المفوضة قبل أن يمسها متعها بقلنسوتك . وقال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه : هي درع وملحفة وخمار على حسب الحال إلا أن يقل مهر مثلها عن ذلك فلها نصف مهر المثل ، ومفهوم الآية يقتضي تخصيص إيجاب المتعة للمفوضة التي لم يمسها الزوج ، وألحق بها الشافعي رحمه الله تعالى في أحد قوليه الممسوسة المفوضة وغيرها قياساً ، وهو مقدم على المفهوم . وقرأ حمزة و الكسائي و حفص و ابن ذكوان بفتح الدال " متاعاً " تمتيعاً . " بالمعروف " بالوجه الذي يستحسنه الشرع والمروءة . " حقاً " صفة لمتاعاً ،أو مصدر مؤكد أي حق ذلك حقاً . " على المحسنين " الذي يحسنون إلى أنفسهم بالمسارعة إلى الامتثال ، أو إلى المطلقات بالتمتيع وسماهم محسنين قبل الفعل للمشارفة ترغيباً وتحريضاً .
236. It is no sin for you if ye divorce women while yet ye have not touched them, nor appointed unto them a portion. Provide for them, the rich according to his means, and the straitened according to his means, a fair provision. (This is) a bounden duty for those who do good.
236 - There is no blame on you if ye divorce women before consummation or the fixation of their dower; but bestow on them (a suitable gift), the wealthy according to his means, and the poor according to his means; a gift of a reasonable amount is due from those who wish to do the right things.