[البقرة : 229] الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ
(الطلاق) أي التطليق الذي يراجع بعده (مرتان) أي اثنتان (فإمساك) أي فعليكم إمساكهن بعده بأن تراجعوهن (بمعروف) من غير ضرار (أو تسريح) أي إرسال لهن (بإحسان ولا يحل لكم) أيها الأزواج (أن تأخذوا مما آتيتموهن) من المهور (شيئا) إذا طلقتموهن (إلا أن يخافا) أي الزوجان (أ) ن (لا يقيما حدود الله) أي أن لا يأتيا بما حده لهما من الحقوق وفي قراءة {يُخافا} بالبناء للمفعول فأن لا يقيما بدل اشتمال من الضمير فيه وقرئ بالفوقانية في الفعلين (فإن خفتم أ) ن (لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما) (فيما افتدت به) نفسهما من المال ليطلقها أي لا حرج على الزوج في أخذه ولا الزوجة في بذله (تلك) الأحكام المذكورة (حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون)
قوله تعالى الطلاق مرتان الآية أخرج الترمذي والحاكم وغيرهما عن عائشة قالت كان الرجل يطلق امرأته ما شاء أن يطلقها وهي إمرأته إذا ارتجعها وهي في العدة وإن طلقها مائة مرة وأكثر حتى قال رجل لامرأته والله لا أطلقك فتبيني مني ولا آويك أبدا قالت وكيف ذلك قال أطلقك فكلما همت عدتك أن تنقضي راجعتك فذهبت المرأة فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم فسكت حتى نزل القرآن الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان
قوله تعالى ولا يحل لكم أخرج أبو داود في الناسخ والمنسوخ عن ابن عباس قال كان الرجل يأكل مال إمرأته من نحله الذي نحلها وغيره لا يرى أن عليه جناحا فأنزل الله ولا يحل لكم أن تأخدوا مما آتيتموهن شيئا
أخرج ابن جرير عن ابن جريج قال نزلت هذه الآية في ثابت بن قيس وفي حبيبة وكانت اشتكته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أتردين عليه حديقته قالت نعم فدعاه فذكر ذلك له قال وتطيب لي بذلك قال نعم قال قد فعلت فنزلت ولا يحل لكم أن تأخذوا مما أتيتموهن شيئا إلا أن يخافا الآية
حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن يحيى بن بشر، أنه سمع عكرمة يقول: الطلاق مرتان بينهما رجعة، فإن بدا له أن يطلقها بعد هاتين فهى ثالثة، وإن طلقها ثلاثا فقد حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره. إنما اللاتي ذكرن في القرآن: "ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر وبعولتهن أحق بردهن " هي التي طلقت واحدة أو ثنتين، ثم كتمت حملها لكي تنجو من زوجها، فأما إذا بت الثلاث التطليقات، فلا رجعة له عليها حتى تنكح زوجا غيره. وقال آخرون: السبب الذي من أجله نهين عن كتمان ذلك: أنهن في الجاهلية كن يكتمنه أزواجهن، خوف مراجعتهم إياهن، حتى يتزوجن غيرهم، فيلحق نسب الحمل- الذي هو من الزوج المطلق- بمن تزوجته. فحرم الله ذلك عليهن. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا سويد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن " قال: كانت المرأة إذا طلقت كتمت ما في بطنها وحملها لتذهب بالولد إلى غير أبيه، فكره الله ذلك لهن. حدثني محمد بن يحيى قال حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: "ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن" قال: علم الله أن منهن كواتم يكتمن الولد. وكان أهل الجاهلية، كان الرجل يطلق امرأته وهي حامل، فتكتم الولد وتذهب به إلى غيره، وتكتم مخافة الرجعة. فنهى الله عن ذلك وقدم فيه. حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة: "ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن" قال: كانت المرأة تكتم حملها حتى تجعله لرجل آخر منها. وقال آخرون: بل السبب الذي من أجله نهين عن كتمان ذلك، هو أن الرجل كان إذا أراد طلاق امرأته سألها: هل بها حمل؟ كيلا يطلقها وهي حامل منه، للضرر الذي يلحقه وولده في فراقها إن فارقها، فأمرن بالصدق في ذلك، ونهين عن الكذب. ذكر من قال ذلك: حدثني موسى، قال حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن" فالرجل يريد أن يطلق امرأته فيسألها: هل بك حمل؟ فتكتمه، إرادة أن تفارقه، فيطلقها وقد كتمته حتى تضع. وإذا علم بذلك فإنها ترد إليه، عقوبة لما كتمته، وزوجها أحق برجعتها صاغرة. قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية، قول من قال: الذي نهيت المرأة المطلقة عن كتمانه زوجها المطلقها تطليقة أو تطليقتين مما خلق الله في رحمها- الحيض والحبل. لأنه لا خلاف بين الجميع أن العدة تنقضي بوجمع الولد الذي خلق الله في رحمها، كما تنقضي بالدم إذا رأته بعد الطهر الثالث، في قول من قال: القرء الطهر، وفي قول من قال: هو الحيض، إذا انقطع من الحيضة الثالثة، فتطهرت بالاغتسال. فإذ كان ذلك كذلك، وكان الله تعالى ذكره إنما حرم عليهن كتمان المطلق الذي وصفنا أمره، ما يكون بكتمانهن إياه بطول حقه الذي جعله الله له بعد الطلاق عليهن إلى انقضاء عددهن، وكان ذلك الحق يبطل بوضعهن ما في بطونهن إن كن حوامل، وبانقضاء الأقراء الثلاثة إن كن غير حوامل، علم أنهن منهئات عن كتمان أزواجهن المطلقيهن من كل واحد منهما،- أعني من الحيض والحبل- مثل الذي هن منهيات عنه من الاخر، وأن لا معنى لخصوص من خمق بأن المراد بالاية من ذلك أحدهما دون الآخر، إذ كانا جميعا مما خلق الله في أرحامهن، وأن في كل واحد منهما من معنى بطول حق الزوج بانتهائه إلى غاية، مثل ما في الآخر. ويسأل من خصن ذلك- فجعله لأحد المعنيين دون الآخر- عن البرهان على صحة دعواه من أصل أو حجة يجب التسليم لها. ثم يعكس عليه القول في ذلك، فلن يقول في أحدهما قولا إلا ألزم في الآخر مثله.
وأما الذي قاله السدي: من أنه معني به نهي النساء كتمان أزواجهن الحبل عند إرادتهم طلاقهن، فقول لما يدل عليه ظاهر التنزيل مخالف. وذلك أن الله تعالى ذكره قال: "والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن" بمعنى: ولا يحل أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن من الثلاثة القروء، إن كن يؤمن بالله واليوم الاخر. وذلك أن الله تعالى ذكره ذكر تحريم ذلك عليهن، بعد وصفه إياهن بما وصفهن به، من فراق أزواجهن بالطلاق، وإعلامهن ما يلزمهن من التربص، معرفا لهن بذلك ما يحرم عليهن وما يحل، وما يلزمهن من العدة ويجب عليهن فيها. فكان مما عرفهن: أن من الواجب عليهن أن لا يكتمن أزواجهن الحيض والحبل، الذي يكون بوضع هذا وانقضاء هذا إلى نهاية محدودة، انقطاع حقوق أزواجهن، ضرارا منهن لهم. فكان نهيه عما نهاهن عنه من ذلك، بأن يكون من صفة ما يليه قبله ويتلوه بعده، أولى من أن يكون من صفة ما لم يجرله ذكرقبله. قال أبو جعفر: فإن قال قائل: ما معنى قوله: "إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر"؟ أويحل لهن كتمان ذلك أزواجهن إن كن لا يؤمن بالله ولا باليوم الاخر، حتى خص النهي عن ذلك المؤمنات بالله واليوم الآخر؟. قيل: معنى ذلك على غير ما ذهبت إليه. وإنما معناه: أن كتمان المرأة المطلقة زوجها المطلقها ما خلق الله في رحمها من حيض وولد في أيام عدتها من طلاقه ضرارا له، ليس من فعل من يؤمن بالله واليوم الآخر ولا من أخلاقه، وإنما ذلك من فعل من لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر وأخلاقهن من النساء الكوافر، فلا تتخلقن أيتها المؤمنات بأخلاقهن، فإن ذلك لا يحل لكن إن كنتن تؤمن بالله واليوم الآخر، وكنتن من المسلمات، لا أن المؤمنات هن المخصوصات بتحريم ذلك عليهن دون الكوافر، بل الواجب على كل من لزمته فرائض الله من النساء اللواتي لهن أقراء- إذا طلقت بعد الدخول بها في عدتها- أن لا تكتم زوجها ما خلق الله في رحمها من الحيض والحبل. قال أبو جعفر: والبعولة جمع بعل، وهو الزوج للمرأة، ومنه قول جرير:
أعدوا مع الحلي الملاب، فإنما جرير لكم بعل وأنتم حلائله
وقد يجمع البعل البعولة، والبعول ، كما يجمع الفحل ، الفحول والفحولة ، الذكر الذكور والذكورة. وكذلك ما كان على مثال فعول من الجمع، فإن العرب كثيرا ما تدخل فيه الهاء، فأما ما كان منها على مثال فعال، فقليل في كلامهم دخول الهاء فيه: وقد حكي عنهم. العظام والعظامة، ومنه قول الراجز:
ثم دفنت الفرث والعظامه
وقد قيل: الحجارة والحجار ، المهارة والمهار ، الذكارة والذكار، للذكور. وأما تأويل الكلام، فإنه: وأزواج المطلقات، اللاتي فرضنا عليهن أن يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء وحرمنا عليهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن، أحق وأولى بردهن إلى أنفسهم في حال تربصهن إلى الأقراء الثلاثة وأيام الحبل، وارتجاعهن إلى حبالهم، منهن بأنفسهن أن يمنعنهم من أنفسهن ذلك، كما:- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: "وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا" يقول: إذا طلق الرجل امرأته تطليقة أو ثنتين وهي حامل، فهو أحق برجعتها ما لم تضع. حدثنا ابن بشار قال، حدثنا يحيى بن سعيد، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم: "وبعولتهن أحق بردهن" قال: في العدة. حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا الحسين بن واقد، عن يزيد النحوي، عن عكرمة والحسن البصري قالا: قال الله تعالى ذكره: "والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا" وذلك أن الرجل كان إذا طلق امرأته كان أحق برجعتها، وإن طلقها ثلاثا، فنسخ ذلك، فقال: "الطلاق مرتان" الاية [ البقرة: 229].حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبوعاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: "وبعولتهن أحق بردهن في ذلك" في عدتهن.حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن ليث، عن مجاهد قال: في العدة.حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "وبعولتهن أحق بردهن في ذلك"، أي: في القروء في الثلاث حيض، أو ثلاثة أشهر، أو كانت حاملا، فإذا طلقها زوجها واحدة أو ثنتين راجعها إن شاء، ما كانت في عدتها. حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: "وبعولتهن أحق بردهن في ذلك"، قال: كانت المرأة تكتم حملها حتى تجعله لرجل آخر، فنهاهن الله عن ذلك وقال: "وبعولتهن أحق بردهن في ذلك" قال قتادة: أحق برجعتهن في العدة. حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قوله: "وبعولتهن أحق بردهن في ذلك" يقول: في العدة، ما لم يطلقها ثلاثا. حدثني موسى قال، حدثنى عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "وبعولتهن أحق بردهن في ذلك" يقول: أحق برجعتها صاغرة، عقوبة لما كتمت زوجها من الحمل.حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "وبعولتهن أحق بردهن"، أحق برجعتهن، ما لم تنقض العدة.حدثني يحيى بن أبي طالب قال، حدثنا يزيد قال، أخبرنا جويبر، عن الضحاك: "وبعولتهن أحق بردهن في ذلك"، قال: ما كانت في العدة، إذا أراد المراجعة. قال أبو جعفر: فإن قال لنا قائل: فما لزوج- طلق واحدة أو اثنتين بعد الإفضاء إليها- عليها رجعة
في أقرائها الثلاثة، إلا أن يكون مريدا بالرجعة إصلاح أمرها وأمره؟.
قيل: أما فيما بينه وبين الله تعالى، فغير جائز، إذا أراد ضرارها بالرجعة، لا إصلاح أمرها وأمره، مراجعتها. وأما في الحكم فإنه مقضي له عليها بالرجعة، نظير ما حكمنا عليه ببطول رجعته عليها لو كتمته حملها الذي خلقه الله في رحمها أو حيضها حتى انقضت عدتها ضرارا منها له، وقد نهى الله عن كتمانه ذلك. فكان سواء في الحكم، في بطول رجعة زوجها عليها، وقد أثمت في كتمانها إياه ما كتمته من ذلك حتى انقضت عدتها، هي والتي أطاعت الله بتركها كتمان ذلك منه، وإن اختلفا في طاعة الله في ذلك ومعصيته. فكذلك المراجع زوجته المطلقة واحدة أو ثنتين بعد الإفضاء إليها وهما حران، وإن أراد ضرار المراجعة برجعته- فمحكوم له بالرجعة، وإن كان آثما بريائه في فعله، ومقدما على ما لم يبحه الله له، والله ولي مجازاته فيما أتى من ذلك. فأما العباد، فإنهم غير جائز لهم الحول بينه وبين امرأته التي راجعها بحكم الله تعالى ذكره له بأنها حينئذ زوجته. فإن حاول ضرارها بعد المراجعة بغير الحق الذي جعله الله له، أخذ لهما بالحقوق التي ألزم الله تعالى ذكره الأزواج للزوجات، حتى يعود ضرر ما أراد من ذلك عليه دونها. قال أبو جعفر: وفي قوله: "وبعولتهن أحق بردهن في ذلك" أبين الدلالة على صحة قول من قال: إن المولي إذا عزم الطلاق فطلق امرأته التي آلى منها، أن له عليها الرجعة في طلاقه ذلك، وعلى فساد قول من قال: إن مضي الأشهر الأربعة عزم الطلاق، وإنه تطليقة بائنة، لأن الله تعالى ذكره إنما أعلم عباده ما يلزمهم إذا آلوا من نسائهم، وما يلزم النساء من الأحكام في هذه الآية بإيلاء الرجال وطلاقهم، إذا عزموا ذلك وتركوا الفيء.قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك: فقال بعضهم: تأويله: ولهن من حسن الصحبة والعشرة بالمعروف على أزواجهن، مثل الذي عليهن لهم من الطاعة فيما أوجب الله تعالى ذكره له عليها. ذكر من قال ذلك: حدثنا المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا أبو عاصم، عن جويبر، عن الضحاك في قوله: "ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف" قال: إذا أطعن الله وأطعن أزواجهن، فعليه أن يحسن صحبتها، ويكف عنها أذاه، وينفق عليها من سعته. حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف" قال: يتقون الله فيهن، كما عليهن أن يتقين الله فيهم. وقال آخرون: معنى ذلك: ولهن على أزواجهن من التصنع والمؤاتاة، مثل الذي عليهن لهم من ذلك. ذكر من قال ذلك:حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن بشير بن سلمان، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: إني أحب أن أتزين للمرأة كما أحب أن تتزين لي، لأن الله تعالى ذكره يقول: " ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف "
. قال أبو جعفر: والذي هو أولى بتأويل الآية عندي: وللمطلقات واحدة أو ثنتين- بعد الإفضاء إليهن- على بعولتهن أن لا يراجعوهن في أقرائهن الثلاثة، إذا أرادوا رجعتهن فيهن، إلا أن يريدوا إصلاح أمرهن وأمرهم، وأن لا يراجعوهن ضرارا، كما عليهن لهم إذا أرادوا رجعتهن فيهن، أن لا يكتمن ما خلق الله في أرحامهن من الولد ودم الحيض، ضرارا منهن لهم ليفتنهم بأنفسهن. ذلك أن الله تعالى ذكره نهى المطلقات عن كتمان أزواجهن في أقرائهن ما خلق الله في أرحامهن، إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر، وجعل أزواجهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا، فحرم الله على كل واحد منهما مضارة صاحبه، وعرف كل واحد منهما ما له وما عليه من ذلك، ثم عقب ذلك بقوله: "ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف". فبين أن الذي على كل واحد منهما لصاحبه من ترك مضارته، مثل الذي له على صاحبه من ذلك. فهذا التأويل هو أشبه بدلالة ظاهر التنزيل من غيره. وقد يحتمل أن يكون كل ما على كل واحد منهما لصاحبه، داخلا في ذلك، وإن كانت الاية نزلت فيما وصفنا. لأن الله تعالى ذكره قد جعل لكل واحد منهما على الاخر حقا، فلكل واحد منهما على الآخر من أداء حقه إليه، مثل الذي عليه له، فيدخل حينئذ في الآية ما قاله الضحاك وابن عباس وغير ذلك. قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك: فقال بعضهم: معنى الدرجة التي جعل الله للرجال على النساء، الفضل الذي فضلهم الله عليهن في الميراث والجهاد وما أشبه ذلك. ذكر من قال ذلك:حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: "وللرجال عليهن درجة" قال: فضل ما فضله الله به عليها من الجهاد، وفضل ميراثه على ميراثها، وكل ما فضل به عليها.
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله. حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة: "وللرجال عليهن درجة" قال: للرجال درجة في الفضل على النساء. وقال آخرون: بل تلك الدرجة، الإمره والطاعة. ذكر من قال ذلك: حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن يمان، عن سفيان، عن زيدبن أسلم في قوله: "وللرجال عليهن درجة"، قال: إمارة.حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "وللرجال عليهن درجة"، قال: طاعة. قال: يطعن الأزواج الرجال، وليس الرجال يطيعونهن. حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا أزهر، عن ابن عون، عن محمد في قوله: "وللرجال عليهن درجة" قال: لا أعلم الأ أن لهن مثل الذي عليهن، إذا عرفن تلك الدرجة. وقال آخرون: تلك الدرجة له عليها، بما ساق إليها من الصداق، وأنها إذا قذفته حدت، وإذا قذفها لاعن. ذكر من قال ذلك:حدثنا محمد بن حميد قال، حدثنا جرير، عن عبيدة، عن الشعبي في قوله: "وللرجال عليهن درجة"، قال: بما أعطاها من صداقها، وأنه إذا قذفها لاعنها، وإذا قذفته جلدت وأقرت عنده. وقال آخرون: تلك الدرجة التي له عليها، إفضاله عليها، وأداء حقها إليها، وصفحه عن الواجب له عليها أو عن بعضه. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن بشير بن سلمان، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: ما أحب أن أستنظف جميع حقي عليها، لأن الله تعالى ذكره يقول: "وللرجال عليهن درجة". وقال آخرون: بل تلك الدرجة التي له عليها، أن جعل له لحية وحرمها ذلك. ذكر من قال ذلك: حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي قال، حدثنا عبيد بن الصباح قال، حدثنا حميد قال: "وللرجال عليهن درجة"، قال: لحية. قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية ما قاله ابن عباس، وهو أن الدرجة التي ذكر الله تعالى ذكره في هذا الموضع، الصفح من الرجل لامرأته عن بعض الواجب عليها، وإغضاؤه لها عنه، وأداء كل الواجب لها عليه. وذلك أن الله تعالى ذكره قال: "وللرجال عليهن درجة" عقيب قوله: "ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف" فأخبر تعالى ذكره أن على الرجل من ترك ضرارها في مراجعته إياها في أقرائها الثلاثة وفي غير ذلك من أمورها وحقوقها، مثل الذي له عليها من ترك ضراره في كتمانها إياه ما خلق الله في أرحامهن وغير ذلك من حقوقه. ثم ندب الرجال إلى الأخذ عليهن بالفضل، إذا تركن أداء بعض ما أوجب الله لهم عليهن، فقال تعالى ذكره: "وللرجال عليهن درجة" بتفضلهم عليهن، وصفحهم لهن عن بعض الواجب لهم عليهن. وهذا هو المعنى الذي قصده ابن عباس بقوله: ما أحب أن أستنظف جميع حقي عليها، لأن الله تعالى ذكره يقول: "وللرجال عليهن درجة". ومعنى الدرجة ، الرتبة والمنزلة.
وهذا القول من الله تعالى ذكره، وإن كان ظاهره ظاهر الخبر، فمعناه معنى ندب الرجال إلى الأخذ على النساء بالفضل، ليكون لهم عليهن فضل درجة. قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: "والله عزيز" في انتقامه ممن خالف أمره وتعدى حدوده، فأتى النساء في المحيض، وجعل الله عرضة لأيمانه أن يبر ويتقي ويصلح بين الناس، وعضل امرأته بإيلائه، وضارها في مراجعته بعد طلاقه، ولمن كتم من النساء ما خلق الله في أرحامهن أزواجهن، ونكحن في عددهن وتركن التربص بأنفسهن إلى الوقت الذي حده الله- لهن، وركبن غير ذلك من معاصيه، "حكيم" فيما دبر في خلقه، وفيما حكم وقضى بينهم من أحكامه، كما: حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: "والله عزيز حكيم" يقول: عزيز في نقمته، حكيم في أمره. وإنما توعد الله تعالى ذكره بهذا القول عباده، لتقديمه قبل ذلك بيان ما حرم عليهم أو نهاهم عنه، من ابتداء قوله: "ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن" إلى قوله: "وللرجال عليهن درجة"، ثم أتبع ذلك بالوعيد، ليزدجر أولو النهى، وليذكر أولو الحجى فيتقوا عقابه، ويحذروا عذابه.
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك: فقال بعضهم: هو دلالة على عدد الطلاق الذي يكون للرجل فيه الرجعة على زوجته، والعدد الذي تبين به زوجته منه. ذكر من قال إن هذه الآية أنزلت، لأن أهل الجاهلية وأهل الإسلام قبل نزولها لم يكن لطلاقهم نهاية تبين بالانتهاء إليها امرأته منه ما راجعها في عدتها منه، فجعل الله تعالى ذكره لذلك حدا، حرم بانتهاء الطلاق إليه على الرجل امرأته المطلقة، إلا بعد زوج، وجعلها حينئذ أملك بنفسها منه. ذكر الأخبار الواردة بما قلنا في ذلك:حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: كان الرجل يطلق ما شاء، ثم إن راجع امرأته قبل أن تنقضي عدتها كانت امرأته. فغضب رجل من الأنصار على امرأته فقال لها: لا أقربك ولا تحلين مني. قالت له: كيف؟ قال: أطلقك، حتى إذا دنا أجلك راجعتك، ئم أطلقك، فإذا دنا أجلك راجعتك. قال: فشكت ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى ذكره: "الطلاق مرتان فإمساك بمعروف" الآية.حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس، عن هشام، عن أبيه، قال رجل لامرأته على عهد النبي صلى الله عليه وسلم: لا أؤويك ولا أدعك تحلين. فقالت له كيف تصنع؟ قال: أطلقك، فإذا دنا مضي عدتك راجعتك، فمتى تحلين؟ فأتت النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله: "الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان" ، فاستقبله الناس جديدا، من كان طلق ومن لم يكن طلق. حدثنا محمد بن يحيى قال، أخبرنا عبد الأعلى قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قال: كان أهل الجاهلية، كان الرجل يطلق الثلاث والعشر وأكثر من ذلك، ثم يراجع ما كانت في العدة، فجعل الله حد الطلاق ثلاث تطليقات.حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قال: كان أهل الجاهلية يطلق أحدهم امرأته ثم يراجعها، لا حد في ذلك، هي امرأته ما راجعها في عدتها. فجعل الله حد ذلك يصير إلى ثلاثة قروء، وجعل حد الطلاق ثلاث تطليقات.حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "الطلاق مرتان"، قال:
كان الطلاق- قبل أن يجعل الله الطلاق ثلاثا- ليس له أمد، يطلق الرجل امرأته مئة، ثم إن أراد أن يراجعها قبل أن تحل، كان ذلك له. وطلق رجل امرأته، حتى إذا كادت أن تحل ارتجعها. ثم استأنف بها طلاقا بعد ذلك ليضارها بتركها، حتى إذا كان قبل انقضاء عدتها راجعها. وصنع ذلك مرارا، فلما علم الله ذلك منه جعل الطلاق ثلاثا: مرتين، ثم بعد المرتين إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان.حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان" أما قوله: "الطلاق مرتان" فهو الميقات الذي يكون عليها فيه الرجعة. حدثنا هناد قال، حدثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن عكرمة في قوله: "الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان" قال: إذا أراد الرجل أن يطلق امرأته فيطلقها تطليقتين، فإن أراد أن يراجعها كانت له عليها رجعة، فإن شاء طلقها أخرى، فلم تحل له حتى تنكح زوجا غيره. قال أبو جعفر: فتأويل الاية على هذا الخبر الذي ذكرنا: عدد الطلاق الذي لكم أيها الناس فيه على أزواجكم الرجعة، إذا كن مدخولا بهن، تطليقتان. ثم الواجب على من راجع منكم بعد التطليقتين، إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، لأنه لا رجعة له بعد التطليقتين، إن سرحها فطلقها الثالثة. وقال آخرون: إنما أنزلت هذه الآية على نبي الله صلى الله عليه وسلم تعريفا من الله تعالى ذكره عباده سنة طلاقهم نساءهم إذا أرادوا طلاقهن- لا دلالة على العدد الذي تبين به المرأة من زوجها.ذكر من قال ذلك:حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن مطرف، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله في قوله: "الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان " قال: يطلقها بعد ما تطهر من قبل جماع، ثم يدعها حتى تطهر مرة أخرى، ثم يطلقها إن شاء، ثم إن أراد أن يراجعها راجعها، ثم إن شاء طلقها، وإلا تركها حتى تتم ثلاث حيض وتبين منه به.حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: "الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان" قال: إذا طلق الرجل امرأته تطليقتين فليتق الله في التطليقة الثالثة، فإما أن يمسكها بمعروف فيحسن صحابتها، أو يسرحها بإحسان فلا يظلمها من حقها شيئا.حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: "الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان" قال: يطلق الرجل إمرأته طاهرا من غير جماع، فإذا حاضت ثم طهرت فقد تم القرء. ثم يطلق الثانية كما يطلق الأولى، إن أحب أن يفعل، فإذا طلق الثانية ثم حاضت الحيضة الثانية، فهما تطليقتان وقرءان. ثم قال الله تعالى ذكره في الثالثة: "إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان"، فيطلقها في ذلك القرء كله إن شاء، حين تجمع عليها ثيابها.حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد بنحوه- إلا أنه قال: فحاضت الحيضة الثانية كما طلق الأولى، فهذان تطليقتان وقرءان، ثم قال: الثالثة- وسائر الحديث مثل حديث محمد بن عمرو، عن أبي عاصم.قال أبو جعفر: وتأويل الآية على قول هؤلاء: سنة الطلاق التي سننتها وأبحتها لكم إن أردتم طلاق نسائكم: أن تطلقوهن ثنتين في كل طهر واحدة. ثم الواجب بعد ذلك عليكم، إما أن تمسكوهن بمعروف، أو تسرحوهن بإحسان. قال أبو جعفر: والذي هو أولى بظاهر التنزيل ما قاله عروة وقتادة، ومن قال مثل قولهما: من أن الآية إنما هي دليل على عدد الطلاق الذي يكون به التحريم وبطول الرجعة فيه، والذي يكون فيه الرجعة منه. وذلك أن الله تعالى ذكره قال في الآية التي تتلوها: "فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره "، فعرف عباده القدر الذي به تحرم المرأة على زوجها الا بعد زوج- ولم يبين فيها الوقت الذي يجوز الطلاق فيه، والوقت الذي لا يجوز ذلك فيه، فيكون موجها تأويل الآية إلى ما روي عن ابن مسعود ومجاهد، ومن قال بمثل قولهما فيه. وأما قوله: "فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان"، فإن في تأويله وفيما عني به اختلافا بين أهل التأويل. فقال بعضهم: عنى الله تعالى ذكره بذلك، الدلالة على اللازم الأزواج للمطلقات اثنتين-: بعد مراجعتهم اياهن من التطليقة الثانية- من عشرتهن بالمعروف، أو فراقهن بطلاق. ذكر من قال ذلك:حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال: قلت لعطاء:"الطلاق مرتان" قال يقول: عند الثالثة، إما أن يمسك بمعروف، وإما أن يسرح بإحسان. وغيره قالها. قال: وقال مجاهد: الرجل أملك بامرأته في تطليقتين من غيره، فإذا تكلم الثالثة فليست منه بسبيل، وتعتد لغيره.حدثني أبو السائب قال، حدثنا أبو معاوية، عن إسماعيل بن سميع، عن أبي رزين قال: "أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال: يا رسول الله، أرأيت قوله: "الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان" فأين الثالثة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان"، هي الثالثة " . حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا يحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي قالا، حدثنا سفيان، عن إسماعيل بن سميع، عن أبي رزين قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله: "الطلاق مرتان"، فأين الثالثة؟ قال: "إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان". حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا الثوري، عن إسماعيل، عن أبي رزين قال: قال رجل: يا رسول الله، يقول الله: "الطلاق مرتان فإمساك بمعروف"، فأين الثالثة؟ قال: التسريح بإحسان. حدثنا ابن بشار قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا سفيان، عن ابن جريج، عن مجاهد:"أو تسريح بإحسان". قال: في الثالثة.حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة قال: كان الطلاق ليس له وقت حتى أنزل الله: "الطلاق مرتان". قال: الثالثة: "إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان". وقال آخرون منهم: بل عنى الله بذلك الدلالة على يلزمهم لهن بعد التطليقة الثانية، من مراجعة بمعروف أو تسريح بإحسان، بترك رجعتهن حتى تنقضي عدتهن، فيصرن أملك لأنفسهن. وأنكروا قول الأولين الذين قالوا: إنه دليل على التطليقة الثالثة. ذكر من قال ذلك: حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي في قوله: "فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان"، إذا طلق واحدة أو اثنتين، إما أن يمسك- ويمسك : يراجع- بمعروف، وإما سكت عنها حتى تنقضي عدتها، فتكون أحق بنفسها. حدثنا علي بن عبد الأعلى قال، حدثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك: "أو تسريح بإحسان" والتسريح أن يدعها حتى تمضي عدتها. حدثنا يحيى بن أبي طالب قال، حدثنا يزيد قال، أخبرنا جويبر، عن الضحاك في قوله: "الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان"، قال: يعني تطليقتين بينهما مراجعة، فأمر أن يمسك أو يسرح بإحسان. قال: فإن هو طلقها ثالثة، فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره.قال أبو جعفر: وكأن قائلي هذا القول الذي ذكرناه عن السدي والضحاك، ذهبوا إلى أن معنى الكلام: الطلاق مرتان فإمساك في كل وإحدة منهما لهن بمعروف أو تسريح لهن بإحسان.وهذا مذهب مما يحتمله ظاهر التنزيل، لولا الخبر الذي ذكرته عن النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه إسماعيل بن سميع، عن أبي رزين، فإن اتباع الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى بنا من غيره.فإذ كان ذلك الواجب، فبين أن تأويل الآية: الطلاق الذي لأزواج النساء على نسائهم فيه الرجعة، مرتان. ثم الأمر بعد ذلك إذا راجعوهن في الثانية، إما إمساك بمعروف، وإما تسريح منهم لهن بإحسان بالتطليقة الثالثة، حتى تبين منهم، فيبطل ما كان لهم عليهن من الرجعة، ويصرن أملك بأنفسهن منهم. قال أبو جعفر: فإن قال قائل: وما ذلك الإمساك الذي هو بمعروف؟. قيل: هوما:-حدثنا به علي بن عبد الأعلى المحاربي قال، حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك في قوله: "فإمساك بمعروف"، قال: المعروف أن يحسن صحبتها.حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: "فإمساك بمعروف"، قال: ليتق الله في التطليقة الثالثة، فإما أن يمسكها بمعروف فيحسن صحابتها. فإن قال: فما التسريح بإحسان؟. قيل: هوما:-حدثني به المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: "أو تسريح بإحسان"، قال: يسرحها ولا يظلمها من حقها شيئا. حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثبي أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: "فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان" قال: هو الميثاق الغليظ.حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "أو تسريح بإحسان "، قال: الإحسان أن يوفيها حقها، فلا يؤذيها ولا يشتمها.حدثنا علي بن عبد الأعلى قال، حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي، عن جويبر، عن الضخاك، "أو تسريح بإحسان" قال: التسريح بإحسان: أن يدعها حتى تمضي عدتها، ويعطيها مهرا إن كان لها عليه إذا طلقها. فذلك التسريح بإحسان، والمتعة على قدر الميسرة.حدثني المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك، عن ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس في قوله: "وأخذن منكم ميثاقا غليظا" ، [النساء: 21]، قال: قوله: "فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان". فإن قال: فما الرافع للإمساك والتسريح؟.
قيل: محذوف، اكتفي بدلالة ما ظهر من الكلام من ذكره، ومعناه: الطلاق مرتان، فالأمر الواجب حينئذ به، إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان. وقد بينا ذلك مفسرا في قوله: "فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان" ، [البقرة: 178]، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع. قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: "ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا"، ولا يحل لكم أيها الرجال، أن تأخذوا من نسائكم، إذا أنتم أردتم طلاقهن- لطلاقكم وفراقكم إياهن، شيئا مما أعطيتموهن من الصداق وسقتم إليهن، بل الواجب عليكم تسريحهن بإحسان، وذلك إيفاؤهن حقوقهن من الصداق والمتعة وغير ذلك مما يجب لهن عليكم، " إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله ".قال أبو جعفر: واختلفت القرأة في قراءة ذلك. فقرأه بعضهم: " إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله "، وذلك قراءة عظم أهل الحجاز والبصرة، بمعنى: إلا أن يخاف الرجل والمرأة أن لا يقيما حدود الله. وقد ذكر أن ذلك في قراءة أبي بن كعب: إلا أن يظنا ألا يقيما حدود الله . حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر قال، أخبرني ثور، عن ميمون بن مهران قال: في حرف أبي بن كعب أن الفداء تطليقة. قال: فذكرت ذلك لأيوب، فأتينا رجلا عنده مصحف قديم لأبي خرج من ثقة فقرأناه فإذا فيه: إلا أن يظنا الا يقيما حدود الله فإن ظنا الا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به لا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره .
والعرب قد تضع الظن موضع الخوف ، والخوف موضع الظن في كلامها، لتقارب معنييهما، كما قال الشاعر:
أتاني كلام عن نصيب يقوله، وما خفت يا سلام أنك عائبي
بمعنى: ماظننت. وقرأه آخرون من أهل المدينة والكوفة: إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فأما قارىء ذلك كذلك من أهل الكوفة، فإنه ذكر عنه أنه قرأه كذلك، اعتبارا منه بقراءة ابن مسعود، وذكر أنه في قراءة ابن مسعود: إلأ أن تخافوا الا يقيما حدود الله . وقراءة ذلك كذلك، اعتبارا بقراءة ابن مسعود التي ذكرت عنه، خطأ. وذلك أن ابن مسعود إن كان قرأه كما ذكر عنه، فإنما أعمل الخوف في أن وحدها، وذلك غير مدفوعة صحته، كما قال الشاعر:
إذا مت فادفني إلى جنب كرمة تروي عظامي بعد موتي عروقها
ولا تدفنني بالفلاة، فإنني أخاف، إذا ما مت، أن لا أذوقها
فأما قارئه: إلا أن يخافا بذلك المعنى، فقد أعمل في متروكة تسميته، وفي أن - فأعمله في ثلاثة أشياء: المتروك الذي هو اسم ما لم يسم فاعله، وفي أن التي تنوب عن شيئين، ولا تقول العرب في كلامها: ظنا أن يقوما. ولكن قراءة ذلك كذلك صحيحة، على غير الوجه الذي قرأه من ذكرنا قراءته كذلك، اعتبارا بقراءة عبد الله الذي وصفنا، ولكن على أن يكون مرادا به إذا قرىء كذلك: إلا أن يخافا بأن لا يقيما حدود الله- أو: على أن لا يقيما حدود الله، فيكون العامل في أن غير الخوف ويكون الخوف ، عاملا فيما لم يسم فاعله. وذلك هو الصواب عندنا من القراءة، لدلالة ما بعده على صحته، وهو قوله: " فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله "، فكان بينا أن الأول بمعنى: إلا أن تخافوا أن لا يقيما حدود الله. فإن قال قائل: وأية حال الحال التي يخاف عليهما أن لا يقيما حدود الله، حتى يجوز للرجل أن يأخذ حينئذ منها ما آتاها؟. قيل: حال نشوزها وإظهارها له بغضته، حتى يخاف عليها ترك طاعة الله فيما لزمها لزوجها من الحق، ويخاف على زوجها- بتقصيرها في أداء حقوقه التي ألزمها الله له- تركه أداء الواجب لها عليه. فذلك حين الخوف عليهما أن لا يقيما حدود الله فيطيعاه فيما ألزم كل واحد منهما لصاحبه، والحال التي اباح النبي صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس بن شماس أخذ ما كان آتى زوجته إذ نشزت عليه، بغضاً منها له، كما:- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا المعتمر بن سليمان قال، قرأت على فضيل، عن أبي حريز، أنه سأل عكرمة: هل كان للخلع أصل؟ قال: كان ابن عباس يقول: "إن أول خلع كان في الإسلام، أخت عبد الله بن أبي: أنها أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، لا يجمع رأسي ورأسه شيء أبدا! إني رفعت جانب الخباء، فرأيته أقبل في عدة، فإذا هو أشدهم سوادا، وأقصرهم قامة، وأقبحهم وجها! قال زوجها: يا رسول الله، إني أعطيتها أفضل مالي! حديقة، فإن ردت عليئ حديقتي! : ما تقولين؟ قالت: نعم، وإن شاء ردته! قال: ففرق بينهما".حدثني محمد بن معمر قال، حدثنا أبو عامر قال، حدثنا أبو عمرو السدوسي، عن عبدالله- يعني ابن أبي بكر-، عن عمرة، "عن عائشة، أن حبيبة ابنة سهل كانت تحت ثابت بن قيس بن شماس، فضربها فكسر نغضها، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الصبح فاشتكته، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثابتا فقال: خذ بعض مالها وفارقها. قال: ويصلح ذاك يا رسول الله؟ قال: نعم . قال: فإني أصدقتها حديقتين، وهما بيدها. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: خذهما وفارقها. ففعل".حدثنا ابن بشار قال، حدثنا روح قال، حدثنا مالك، عن يحيى، عن عمرة، أنها أخبرته "عن حبيبة بنت سهل الأنصارية: أنها كانت تحت ثابت بن قيس بن شماس، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم رآها عند بابه بالغلس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من هذه ، قالت: أنا حبيبة بنت سهل، لا أنا، ولا ثابت بن قيس!!- لزوجها- فلما جاء ثابت قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذه حبيبة بنت سهل تذكر ما شاء الله أن تذكر! فقالت حبيبة: يا رسول الله، كل ما أعطانيه عندي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذ منها. فأخذ منها، وجلست في بيتها".حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا الحسن بن واقد، عن ثابت،عن عبد الله بن رباح، عن جميلة بنت أبي ابن سلول: أنها كانت عند ثابت بن قيس فنشزت عليه، فأرسل إليها النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "يا جميلة، ما كرهت من ثابت ، قالت: والله ما كرهت منه دينا ولا خلقا، إلا أني كرهت دمامته! فقال لها: أتردين الحديقة? قالت: نعم. فردت الحديقة وفرق بينهما". قال أبو جعفر: وقد ذكر أن هذه الآية نزلت في شأنهما- أعني في شأن ثابت بن قيس وزوجته هذه. حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا حجاج، عن ابن جريج قال: نزلت هذه
الاية في ثابت بن قيس وفي حبيبة، قال: وكانت اشتكته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تردين عليه حديقته ، فقالت: نعم. فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال: ويطيب لي ذلك؟ قال: نعم. قال ثابت: قد فعلت". فنزلت: " ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به تلك حدود الله فلا تعتدوها ".وأما أهل التأويل، فإنهم اختلفوا في معنى الخوف منهما أن لا يقيما حدود الله. فقال بعضهم: ذلك هو أن يظهر من المرأة سوء الخلق والعشرة لزوجها، فإذا ظهر ذلك منها له، حل له أن يأخذ ما أعطته من فدية على فراقها. ذكر من قال ذلك:حدثني علي بن داود قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: "ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا"، إلا أن يكون النشوز وسوء الخلق من قبلها فتدعوك إلى أن تفتدي منك. فلا جناح عليك فيما افتدت به. حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية قال، قال ابن جريج، أخبرني هشام بن عروة: أن عروة كان يقول: لا يحل الفداء حتى يكون الفساد من قبلها. ولم يكن يقول: لا يحل له ، حتى تقول: لا أبر لك قسما، ولا أغتسل لك من جنابة.حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية، عن ابن جريج قال، أخبرني عمرو بن دينار قال: قال جابربن زيد: إذا كان الشر من قبلها حل الفداء.حدثنا الربيع بن سليمان قال، أخبرنا ابن وهب قال، حدثني ابن أبي الزناد، عن هشام بن عروة: أن أباه كان يقول: إذا كان سوء الخلق وسوء العشرة من قبل المرأة، فذاك يحل خلعها.حدثني علي بن سهل قال، حدثنا محمد بن كثير، عن حماد، عن هشام، عن أبيه أنه قال: لا يصلح الخلع حتى يكون الفساد من قبل المرأة.حدثنا عبد الحميد بن بيان القناد قال، حدثنا محمد بن يزيد، عن إسماعيل، عن عامر: في امرأة قالت لزوجها: لا أبر لك قسما، ولا أطيع لك أمرا، ولا أغتسل لك من جنابة! قال: ما هذا- وحرك يده- لا أبر لك قسما، ولا أطيع لك أمرا!! إذا كرهت المرأة زوجها فليأخذه وليتركها. حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الوهاب قال، حدثنا أيوب، عن سعيد بن جبير أنه قال، في المختلعة: يعظها، فإن انتهت وإلا هجرها، فإن انتهت وإلا ضربها، فإن انتهت والا رفع أمرها الى السلطان، فيبعث حكما من أهله وحكما من أهلها، فيقول الحكم الذي من أهلها: تفعل بها كذا وتفعل بها كذا! ويقول الحكم الذي من أهله: تفعل به كذا وتفعل به كذا. فأيهما كان أظلم، رده السلطان وأخذ فوق يده. وإن كانت ناشزا أمره أن يخلع. حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: "الطلاق مرتان فإمساك بمعروف" إلى قوله: "فلا جناح عليهما فيما افتدت به"، قأل: إذا كانت المرأة راضية مغتبطة مطيعة، فلا يحل له أن يضربها حتى تفتدي منه. فإن أخذ منها شيئا على ذلك، فما اخذ منها فهو حرام. وإذا كان النشوز والبغض والظلم من قبلها، فقد حل له أن يأخذ منها ما افتدت به. حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن الزهري في قوله: " ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله " قال: لا يحل للرجل أن يخلع امرأته إلا أن تؤتي ذلك منها. فأما أن يكون يضارها حتى تختلع، فإن ذلك لا يصلح، يكن إذا نشزت فأظهرت له البغضاء وأساءت عشرته، فقد حل له خلعها. حدثنا يحيى بن أبي طالب قال، حدثنا يزيد قال، أخبرنا جويبر، عن الضحاك في قوله:"ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا"، قال: الصداق " إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله "- وحدود الله أن تكون المرأة ناشزة، فإن الله أمر الزوج أن يعظها بكتاب الله، فإن قبلت وإلا هجرها. والهجران أن لا يجامعها ولا يضاجعها على فراش واحد، ويوليها ظهره ولا يكلمها، فإن أبت غلظ لها القول بالشتيمة لترجع إلى طاعته. فإن أبت فالضرب ضرب غير مبرح، فإن أبت إلا جماحا فقد حل له منها الفدية. وقال آخرون: بل الخوف من ذلك: أن لا تبر له قسما، ولا تطيع له أمرا، وتقول: لا أغتسل لك في جنابة، ولا أطيع لك أمرا! فحينئذ يحل له عندهم أخذ ما آتاها على فراقه إياها. ذكر من قال ذلك:حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه قال، قال الحسن: إذا قالت: لا أغتسل لك من جنابة، ولا أبر لك قسما، ولا أطيع لك أمرا، فحينئذ حل الخلع. حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن قال: إذا قالت المرأة لزوجها: لا أبر لك قسما، ولا أطيع لك أمرا، ولا أغتسل لك من جنابة، ولا أقيم حدا من حدود الله ، فقد حل له مالها. حدثنا ابن حميد قال، حدثنا هارون بن المغيرة، عن عنبسة، عن محمد بن سالم قال: سألت الشعبي قلت: متى يحل للرجل أن يأخذ من مال امرأته؟ قال: إذا أظهرت بغضه وقالت: لا أبر لك قسما، ولا أطيع لك أمرا. حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن الشعبي: أنه كان يعجب من قول من يقول: لا تحل الفدية حتى تقول: لا أغتسل لك من جنابة، وقال: إن الزاني يزني ثم يغتسل!. حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن حماد، عن إبراهيم في الناشز، قال:إن المرأة ربما عصت زوجها ثم أطاعته، ولكن إذا عصته فلم تبر قسمه، فعند ذلك تحل الفدية. حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا"، لا يحل له أن يأخذ من مهرها شيئا، "إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله"فإذا لم يقيما حدود الله فقد حل له الفداء، وذلك أن تقول: والله لا أبر لك قسما، ولا أطيع لك أمرأ،
ولا أكرم لك نفسا، ولا أغتسل لك من جنابة، فهو حدود الله. فإذا قالت المرأة ذلك، فقد حل الفداء للزوج أن يأخذه ويطلقها. حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام قال، حدثنا عنبسة، عن علي بن بذيمة، عن مقسم في قوله: " ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة " [النساء: 19]، في قراءة ابن مسعود، قال: إذا عصتك وآذتك، فقد حل لك ما أخذت منها. حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد في قوله: "ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا"، قال: الخلع. قال: ولا يحل له إلا أن تقول المرأة: لا أبر قسمه، ولا أطيع أمره فيقبله خيفة أن يسيء إليها إن أمسكها، ويتعدى الحق. وقال اخرون: بل الخوف من ذلك، أن تبتدىء له بلسانها قولا: أنها له كارهة. ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم المصري قال، حدثنا أبي وشعيب بن الليث، عن الليث، عن أيوب بن موسى، عن عطاء بن أبي رباح قال: يحل الخلع أن تقول المرأة لزوجها: إني لأكرهك، وما أحبك، ولقد خشيت أن أنام في جنبك، ولا أؤدي حقك- وتطيب نفسا بالخلع. وقال اخرون: بل الذي يبيح له أخذ الفدية، أن يكون خوف أن لا يقيما حدود الله منهما جميعا، لكراهة كل واحد منهما صحبة الآخر. ذكر من قال ذلك:حدثنا حميد بن مسعدة قال، حدثنا بشر بن المفضل قال، حدثنا داود، عن عامر، حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية، عن داود قال، قال عامر: أحل له مالها بنشوزه ونشوزها. حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية قال، قال ابن جريج، قال طاوس: يحل له الفداء ما قال الله تعالى ذكره، ولم يكن يقول قول السفهاء: لا أبر لك قسما، ولكن يحل له الفداء ما قال الله تعالى ذكره " إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله "، فيما افترض لكل واحد منهما على صاحبه في العشرة والصحبة. حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية، عن محمد بن إسحاق، قال: سمعت القاسم بن محمد يقول: " إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله "، قال: فيما افترض الله عليهما في العشرة والصحبة. حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني الليث قال، حدثني ابن شهاب قال، أخبرني سعيد بن المسيب قال: لا يحل الخلع حتى يخافا أن لا يقيما حدود الله في العشرة التي بينهما. قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال بالصحة قول من تال: لا يحل للرجل أخذ الفدية من امرأته على فراقه إياها، حتى يكون خوف معصية الله من كل واحد منهما على نفسه- في تفريطه في الواجب عليه اصاحبه- منهما جميعا، على ما ذكرناه عن طاوس والحسن، ومن قال في ذلك قولهما. لأن الله تعالى ذكره إنما أباح للزوج أخذ الفدية من امرأته، عند خوف المسلمين عليهما أن لا يقيما حدود الله. فإن قال قائل: فإن كان الأمر على ما وصفت، فالواجب أن يكون حراما على الرجل قبول الفدية منها، اذا كان النشوز منها دونه، حتى يكون منه من الكراهة لها مثل الذي يكون منها؟. قيل له: إن الأمر في ذلك بخلاف ما ظننت. وذلك أن في نشوزها عليه داعية له إلى التقصير في واجبها، ومجازاتها بسوء فعلها به، وذلك هو المعنى الذي يوجب للمسلمين الخوف عليهما أن لا يقيما حدود الله. فأما إذا كان التفريط من كل واحد منهما في واجب حق صاحبه قد وجد، وسوء الصحبة والعشرة قد ظهر للمسلمين، فليس هناك للخوف موضع، إذ كان المخوف قد وجد. وإنما يخاف وقوع الشيء قبل حدوثه، فأما بعد حدوثه فلا وجه للخوف منه ولا الزيادة في مكروهه. قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: " فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله "- التي إذا خيف من الزوج والمرأة أن لا يقيماها، حفت له الفدية من أجل الخوف عليهما، تضييعها. فقال بعضهم: هو استخفاف المرأة بحق زوجها، وسوء طاعتها إياه، وأذاها له بالكلام. ذكر من قال ذلك:حدثني المثنى قال، حدثنا عبدالله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: " فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به ". قال: هو تركها إقامة حدود الله، استخفافها بحق زوجها، وسوء خلقها، فتقول له: والله لا أبر لك قسما، ولا أطأ لك مضجعا، ولا أطيع لك أمرا، فإن فعلت ذلك، فقد حل له منها الفدية. حدثنا أبو كريب قال، حدثنا يحيى بن أبي زائدة، عن يزيد بن إبراهيم، عن الحسن في قوله: " فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به "، قال: إذا قالت: لا أغتسل لك من جنابة، حل له أن يأخذ منها.حدثني المثنى قال، حدثنا حبان بن موسى قال، أخبرنا ابن المبارك قال، حدثنا يونس، عن الزهري قال: يحل الخلع حين يخافان أن لا يقيما حدود الله وأداء حدود الله في العشرة التي بينهما. وقال آخرون: معنى ذلك: فإن خفتم أن لا يطيعا الله. ذكر من قال ذلك: حدثنا سفيان بن وكيع قال، حدثنا أبي، عن إسرائيل، عن عامر: " فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله "، قال: أن لا يطيعا الله. حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: الحدود، الطاعة. قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك: فإن خفتم أن لا يقيما ما أوجب الله عليهما من الفرائض، فيما ألزم كل واحد منهما من الحق لصاحبه، من العشرة بالمعروف والصحبة بالجميل، فلا جناح عليهما فيما افتدت به. وقد يدخل في ذلك ما رويناه عن ابن عباس والشعبي، وما روينا عن الحسن والزهري: لأن من الواجب للزوج على المرأة- طاعته فيما أوجب الله طاعته فيه، ولا تؤذيه بقول، ولا تمتنع عليه إذا دعاها لحاجته، فإذا خالفت ما أمرها الله به من ذلك، كانت قد ضيعت حدود الله التي أمرها بإقامتها. وأما معنى: إقامة حدود الله ، فإنه العمل بها، والمخالفة عليها وترك تضييعها- وقد بينا ذلك فيما مضى قبل من كتابنا هذا بما يدل على صحته. قال أبو جعفر: يعني قوله تعالى ذكره بذلك: فإن خفتم أيها المؤمنون أن لا يقيم الزوجان ما حد الله لكل واحد منهما على صاحبه من حق وألزمه له من فرض، وخشيتم عليهما تضييع فرض الله وتعدي حدوده في ذلك، فلا جناح حينئذ عليهما فيما افتدت به المرأة نفسها من زوجها، ولا حرج عليهما، فيما أعطت هذه على فراق زوجها إياها، ولا على هذا فيما أخذ منها من الجعل والعوض عليه. فإن قال قائل: وهل كانت المرأة حرجة لو كان الضرار من الرجل بها فيما افتدت به نفسها، فيكون لا جناح عليهما فيما أعطته من الفدية على فراقها، إذا كان النشوز من قبلها؟. قيل: لو علمت في حال ضراره بها ليأخذ منها ما آتاها، أن ضراره ذلك إنما هو ليأخذ منها ما حرم الله عليه أخذه على الوجه الذي نهاه الله عن أخذه منها، ثم قدرت أن تمتنع من إعطائه بما لا ضرر عليها في نفس ولا دين ولا حق عليها في ذهاب حق لها- لما حل لها إعطاؤه ذلك الا على وجه طيب النفس منها بإعطائه إياه على ما يحل له أخذه منها. لأنها متى أعطته ما لا يحل له أخذه منها، وهي قادرة على منعه ذلك بما لا ضرر عليها في نفس ولا دين ولا في حق لها تخاف ذهابه، فقد شاركته في الإثم بإعطائه ما لا يحل له أخذه منها على الوجه الذي أعطته عليه. فلذلك وضع عنها الجناح إذا كان النشوزمن قبلها، وأعطته ما أعطته من الفدية بطيب نفس ابتغاء منها بذلك سلامتها وسلامة صاحبها من الوزر والمأثم. وهي، إذا أعطته على هذا الوجه، باستحقاق الأجر والثواب من الله تعالى، أولى إن شاء الله من الجناح والحرج. ولذلك قال تعالى ذكره: "فلا جناح عليهما" فوضع الحرج عنها فيما أعطته على هذا الوجه من الفدية على فراقه إياها، وعنه فيما قبض منها، إذ كانت معطية على المعنى الذي وصفنا، وكان قابضا منها ما أعطته من غير ضرار، بل طلب السلامة لنفسه ولها في أديانهما وحذار الأوزار والمأثم. وقد يتجه قوله: "فلا جناح عليهما" وجها اخر من التأويل: وهو أنها لو بذلت ما بذلت من الفدية على غير الوجه الذي أذن نبي الله صلى الله عليه وسلم لامرأة ثابت بن قيس بن شماس، وذلك لكراهتها أخلاق زوجها، أو دمامة خلقه، وما أشبه ذلك من الأمور التي يكرهها الناس بعضهم من بعض- ولكن على الانصراف منها بوجهها إلى آخر غيره على وجه الفساد وما لا يحل لها- كان حراما عليها أن تعطي على مسألتها إياه فراقها على ذلك الوجه شيئا، لأن مسألتها إياه الفرقة على ذلك الوجه معصية منها. وتلك هي المختلعة- إن خولعت على ذلك الوجه- التي روي عن النبي-صلى الله عليه وسلم أنه سماها منافقة، كما: حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثني المعتمر بن سليمان، عن ليث، عن أبي إدريس، عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير بأس، حرم الله عليها رائحة الجنة". وقال: المختلعات هن المنافقات .حدثنا أبوكريب قال حدثنا مزاحم بن دواد بن علية، عن أبيه، عن ليث بن أبي سليم، عن أبي الخطاب، عن أبي زرعة، عن أبي إدريس، عن ثوبان مولى رسول الله-صلى الله عليه وسلم، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "المختلعات هن المنافقات ".حدثنا أبو كريب قال، حدثنا حفص بن بشر قال، حدثنا قيس بن الربيع، عن أشعب بن سوار، عن الحسن، عن ثابت بن يزيد، عن عقبة بن عامر الجهني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن المختلعات المنتزعات هن المنافقات ".حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الوهاب، وحدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية، قالا جميعا، حدثنا أيوب، عن أبي قلابة، عمن حدثه، عن ثوبان: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أيما امرأة سألت زوجها طلاقا من غير بأس، فحرام عليها رائحة الجنة".حدثني المثنى قال، حدثنا عارم قال، حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء الرحبي، عن ثوبان، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوه. فإذا كان من وجوه افتداء المرأة نفسها من زوجها ما تكون به حرجة، وعليها في افتدائها نفسها على ذلك الحرج والجناح، وكان من وجوهه ما يكون الحرج والجناح فيه على الرجل دون المرأة- ومنه يكون عليهما- ومنه ما لا يكون عليهما فيه حرج ولا جناح، قيل في الوجه الذي لا حرج عليهما فيه ولا جناح، إذ كان فيما حاولا، وقصدا من افتراقهما بالجعل الذي بذلته المرأة لزوجها: "لا جناح عليهما فيما افتدت به"، من الوجه الذي أبيح لهما، وذلك أن يخافا أن لا يقيما حدود الله، بمقام كل واحد منهما على صاحبه. قال أبو جعفر: وقد زعم بعض أهل العربية أن في ذلك وجهين: أحدهما: أن يكون مرادا به: فلا جناح على الرجل فيما افتدت به المرأة، دون المرأة، وإن كانا قد ذكرا جميعا، كما قال في سورة الرحمن : "يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان" [الرحمن: 22] وهما من الملح لا من العذب. قال: ومثله: "فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما" [الكهف: 61]، وإنما الناسي صاحب موسى وحده. قال: ومثله في الكلام أن تقول: عندي دابتان أركبهما وأستقي عليهما، وإنما تركب إحداهما، وتستقي على الأخرى، وهذا من سعة العربية التي يحتج بسعتها في الكلام. قالوا: والوجه الآخر: أن يشتركا جميعا في أن لا يكون عليهما جناح، إذكانت تعطي ما قد نفي عن الزوج فيه الإثم. اشتركت فيه، لأنها إذا أعطت ما يطرح فيه المأثم، احتاجت إلى مثل ذلك. قال أبو جعفر: فلم يصب الصواب في واحد من الوجهين، ولا في احتجاجه فيما احتج به من قوله: "يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان" [الرحمن: 22]. فأما قوله: "فلا جناح عليهما"، فقد بينا وجه صوابه، وسنبين وجه قوله: "يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان" [الرحمن: 22] في موضعه إذا أتينا عليه إن شاء الله تعالى. وإنما خطأنا قوله ذلك، لأن الله تعالى ذكره قد أخبر عن وضعه الحرج عن الزوجين إذا افتدت المرأة من زوجها على ما أذن، وأخبر عن البحرين أن منهما يخرج اللؤلؤ والمرجان، فأضاف إلى اثنين. فلو جاز لقائل أن يقول: إنما أريد به الخبر عن أحدهما، فيما لم يكن مستحيلا أن يكون عنهما، جاز في كل خبركان عن اثنين- غير مستحيلة صحته أن يكون عنهما- أن يقال: إنما هو خبر عن أحدهما. وذلك قلب المفهوم من كلام الناس والمعروف من استعمالهم في مخاطباتهم. وغير جائز حمل كتاب الله تعالى ووحيه جل ذكره على الشواذ من الكلام، وله في المفهوم الجاري بين الناس وجه صحيح موجود. قال أبو جعفر: ثم اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: "فلا جناح عليهما فيما افتدت به"، أمعني به أنهما موضوع عنهما الجناح في كل ما افتدت به المرأة نفسها من شيء، أم في بعضه؟.
فقال بعضهم: عني بذلك: "فلا جناح عليهما فيما افتدت به" من صداقها الذي كان آتاها زوجها الذي تختلع منه. واحتجوا في قولهم ذلك، بأن آخر الآية مردود على أولها، وأن معنى الكلام: ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله، فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به مما آتيتموهن. قالوا: فالذي أحله الله لهما من ذأك- عند الخوف عليهما أن لا يقيما حدود الله- هو الذي كان حظر عليهما قبل حال الخوف عليهما من ذلك. واحتجوا في ذلك بقصة ثابت بن قيس بن شماس، "وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أمر امرأته إذ نشزت عليه، أن ترد ما كان ثابت أصدقها، وأنها عرضت الزيادة فلم يقبلها النبي صلى الله عليه وسلم". ذكر من قال ذلك:حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع أنه كان يقول: لا يصلح له أن يأخذ منها أكثر مما ساق إليها. ويقول: إن الله يقول: " فلا جناح عليهما فيما افتدت به "، يقول: من المهر- وكذلك كان يقرؤها: فيما افتدت به منه . حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال، حدثنا بشربن بكر، عن الأوزاعي قال: سمعت عمرو بن شعيب وعطاء بن أبي رباح والزهري يقولون في الناشز: لا يأخذ منها إلا ما ساق إليها. حدثنا علي بن سهل قال، حدثنا الوليد، حدثنا أبو عمرو، عن عطاء قال: الناشز، لا يأخذ منها إلا ما ساق إليها.حدثنا ابن بشار قال، حدثنا مؤمل قال، حدثنا سفيان، عن ابن جريج، عن عطاء: أنه كره أن يأخذ في الخلع أكثر مما أعطاها.حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة قال، حدثنا ابن إدريس، عن أشعث، عن الشعبي قال: كان يكره أن يأخذ الرجل من المختلعة فوق ما أعطاها. وكان يرى أن يأخذ دون ذلك.حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن أبي حصين، عن الشعبي قال: لا يأخذ منها أكثر مما أعطاها.حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا إسماعيل بن سالم، عن الشعبي: أنه كان يكره أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها- يعني المختلعة.حدثنا أبو كريب وأبو السائب قالا، حدثنا ابن إدريس قال، سمعت ليثا، عن الحكم بن عتيبة قال: كان علي رضي الله عنه يقول: لا يأخذ من المختلعة فوق ما أعطاها.حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا سعيد، عن الحكم أنه قال في المختلعة: أحب إلي أن لا يزداد. حدثني المثنى قال، حدثنا حجاج قال، حدثنا حماد، عن حميد: أن الحسن كان يكره أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها.حدثنا محمد بن يحيى قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا سعيد، عن مطر: أنه سأل الحسن- أو: أن الحسن سئل- عن رجل تزوج امرأة على مئتي درهم، فأراد أن يخلعها، هل له أن يأخذ أربعمئة؟ فقال: لا والله، ذاك أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها!.حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر قال، كان الحسن يقول: لا يأخذ منها أكثر مما أعطاها، قال معمر: وبلغني عن علي أنه كان يرى أن لا يأخذ منها أكثر مما أعطاها.حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن عبد الكريم الجزري، عن ابن المسيب قال: ما أحب أن يأخذ منها كل ما أعطاها، حتى يدع لها منه ما يعيشها.حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر، عن ابن طاوس: أن أباه كان يقول في المفتدية: لا يحل له أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها.حدثنا الحسن قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن الزهري قال: لا يحل للرجل أن يأخذ من امرأته أكثر مما أعطاها. وقال اخرون: بل عنى بذلك: فلا جناح عليهما فيما افتدت به من قليل ما تملكه وكثيره. واحتجوا لقولهم ذلك بعموم الآية، وأنه غير جائزة إحالة ظاهر عام إلى باطن خاص إلا بحجة يجب التسليم لها. قالوا: ولا حجة يجب التسليم لها بأن الآية مراد بها بعضى الفدية دون بعض، من أصل أو قياس، فهي على ظاهرها وعمومها. ذكر من قال ذلك: حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية قال، أخبرنا أيوب، عن كثير مولى سمرة: أن عمر أتي بامرأة ناشز، فأمر بها إلى بيت كثير الزبل ثلاثا، ثم دعا بها فقال: كيف وجدت؟ قالت: ما وجدت راحة منذ كنت عنده إلا هذه الليالي التي حبستني! فقال لزوجها: اخلعها ولو من قرطها. حدثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن أيوب، عن كثير مولى سمرة قال: أخذ عمربن الخطاب امرأة ناشزا فوعظها، فلم تقبل بخير، فحبسها في بيت كثير الزبل ثلاثة أيام، وذكر نحو حديث ابن علية.حدثنا ابن بشار ومحمد بن يحيى قالا، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن حميد بن عبد الرحمن: أن امرأة أتت عمربن الخطاب رضي الله عنه فشكت زوجها، فقال: إنها ناشز. فأباتها في بيت الزبل، فلما أصبح قال لها: كيف وجدت مكانك؟ قالت: ما كنت عنده ليلة أقر لعيني من هذه الليلة! فقال: خذ ولو عقاصها. حدثنا نصر بن علي قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا عبيد الله، عن نافع: أن مولاة لصفية اختلعت من زوجها بكل شيء تملكه إلا من ثيابها، فلم يعب ذلك ابن عمر. حدثنا محمد بن عبد الأعلى ومحمد بن المثنى قالا، حدثنا معتمر قال، سمعت عبيد الله يحدث، عن نافع قال: ذكر لابن عمر مولاة له اختلعت من زوجها بكل مال لها، فلم يعب ذلك عليها ولم ينكره. حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي قال، حدثنا هشيم، عن حميد، عن رجاء بن حيوة، عن قبيصة بن ذؤيب: أنه كان لا يرى بأسا أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها، ثم تلا هذه الاية: "فلا جناح عليهما فيما افتدت به". حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال، حدثنا سفيان، عن المغيرة، عن ابراهيم قال في الخلع: خذ ما دون عقاص شعرها، وإن كانت المرأة لتفتدي ببعض مالها.حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن مغيرة، عن إبراهيم قال: الخلع، ما دون عقاص الرأس. حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن الحكم، عن إبراهيم أنه قال في المختلعة: خذ منها ولو عقاصها.حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا مغيرة، عن إبراهيم قال: الخلع بما دون عقاص الرأس، وقد تفتدي المرأة ببعض مالها.حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن عبد الله بن محمد بن عقيل: أن الربيع ابنة معوذ بن عفراء حدثته قالت: كان لي زوج يقل علي الخير إذا حضرني، ويحرمني إذا غاب. قالت: فكانت مني زلة يوما، فقلت: أختلع منك بكل شيء أملكه! قال: نعم! قالت: ففعلت. قالت: فخاصم عمي معاذ بن عفراء إلى عثمان بن عفان، فأجاز الخلع، وأمره أن يأخذ عقاص رأسي فما دونه- أو قالت: ما دون عقاص الرأس. حدثني ابن المثنى قال: حدثنا حبان بن موسى قال، أخبرنا ابن المبارك قال، أخبرنا الحسن بن يحيى، عن الضحاك، عن ابن عباس قال: لا بأس بما خلعها به من قليل أو كثير، ولو عقصها. حدثني المثنى قال، حدثنا حبان بن موسى قال، أخبرنا ابن المبارك قال، أخبرنا حجاج، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: إن شاء أخذ منها أكثر مما أعطاها.حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرزاق قال، أخبرنا ابن جريج قال، أخبرني عمرو بن دينار: أنه سمع عكرمة يقول: قال ابن عباس: ليأخذ منها حتى قرطها- يعني في الخلع. حدثني المثنى قال، حدثنا مطرف بن عبد الله قال، أخبرنا مالك بن أنس، عن نافع، عن مولاة لصفية ابنة أبي عبيد: أنها اختلعت من زوجها بكل شيء لها، فلم ينكر ذلك عبد الله بن عمر. حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج قال، حدثنا حماد قال، أخبرنا حميد، عن رجاء بن حيوة، عن قبيصة بن ذؤيب: أنه تلا هذه الآية: "فلا جناح عليهما فيما افتدت به" قال: يأخذ أكثرمما أعطاها. حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا يزيد وسهل بن يوسف وابن أبي عدي، عن حميد قال: قلت لرجاء بن حيوة: إن الحسن يقول في المختلعة: لا يأخذ أكثر مما أعطاها، ويتأول، " ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا ". قال رجاء: فإن قبيصة بن ذؤيب كان يرخص أن يأخذ أكثر مما أعطاها، ويتأول: "فلا جناح عليهما فيما افتدت به". وقال آخرون: هذه الآية منسوخة بقوله: "وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا" [ النساء: 20]. ذكر من قال ذلك:حدثنا مجاهد بن موسى قال، حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث قال، حدثنا عقبة بن أبي الصهباء قال: سألت بكرا عن المختلعة، أيأخذ منها شيئا؟ قال: لا! وقرأ: "وأخذن منكم ميثاقا غليظا" [النساء: 21].حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج قال، حدثنا عقبة بن أبي الصهباء قال: سألت بكربن عبد الله، عن رجل تريد امرأته منه الخلع، قال: لا يحل له أن يأخذ منها شيئا. قلت؟ يقول الله تعالى! ذكره في كتابه: "فلا جناح عليهما فيما افتدت به"؟ قال: هذه نسخت. قلت: فأنى حفظت؟ قال حفظت في سورة النساء قول الله تعالى ذكره: " وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا ". قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال بالصواب قول من قال: إذا خيف من الرجل والمرأة أن لا يقيما حدود الله- على سبيل ما قدمنا البيان عنه- فلا حرج عليهما فيما افتدت به المرأة نفسها من زوجها، من قليل ما تملكه وكثيره، مما يجوز للمسلمين أن يملكوه، وإن أتى ذلك على جميع ملكها. لأن الله تعالى ذكره لم يخص ما أباح لهما من ذلك على حد لا يجاوز، بل أطلق ذلك في كل ما افتدت به. غير أني أختار للرجل، استحبابا لا تحتيما، إذا تبين من امرأته أن افتداءها منه لغير معصية لله، بل خوفا منها على دينها، أن يفارقها بغير فدية ولا جعل. فإن شحت نفسه بذلك، فلا يبلغ بما يأخذ منها جميع ما آتاها. فأما ما قاله بكر بن عبد الله، من أن هذا الحكم في جميع الآية منسوخ بقوله: " وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا " [النساء: 20] فقول لا معنى له، فتشاغل لإبانة عن خطئه، لمعنيين: أحدهما: إجماع الجميع من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من المسلمين على تخطئته، وإجازة اخذ الفدية من المفتدية نفسها لزوجها، وفي ذلك الكفاية عن الاستشهاد على خطئه بغيره. والآخر: أن الآية التي في سورة النساء، إنما حرم الله فيها على زوج المرأة أن يأخذ منها شيئا مما آتاها، إن أراد الرجل استبدال زوج بزوج من غير أن يكون هنالك خوف من المسلمين عليهما مقام أحدهما على صاحبه أن لا يقيما حدود الله، ولا نشوز من المرأة على الرجل. وإذا كان الأمر كذلك، فقد ثبت أن أخذ الزوج من امرأته مالا على وجه الإكراه لها والإضرار بها حتى تعطيه شيئا من مالها على فراقها حرام، ولو كان ذلك حبة فضة فصاعدا. وأما الاية التي في سورة البقرة فإنها إنما دلت على إباحة الله تعالى ذكره له أخذ الفدية منها في حال الخوف عليهما أن لا يقيما حدود الله، بنشوز المرأة وطلبها فراق الرجل، ورغبته فيها. فالأمر الذي أذن به للزوج في أخذ الفدية من المرأة في سورة البقرة، ضد الأمر الذي نهي من أجله عن أخذ الفدية في سورة النساء، كما الحظر في سورة النساء، غير الإطلاق والإباحة في سورة البقرة. وإنما يجوز في الحكمين أن يقال: أحدهما ناسخ، إذا اتفقت معاني المحكوم فيه، ثم خولف بين الأحكام فيه باختلاف الأوقات والأزمنة. وأما اختلاف الأحكام باختلاف معاني المحكوم فيه في حال واحدة ووقت واحد، فذلك هو الحكمة البالغة، والمفهوم في العقل والفطرة، وهو من الناسخ والمنسوخ بمعزل. وأما الذي قاله الربيع بن أنس، من أن معنى الآية: فلا جناح عليهما فيما افتدت به منه- يعني بذلك: مما آتيتموهن- فنظير قول بكرفي دعواه نسخ قوله: "فلا جناح عليهما فيما افتدت به" بقوله: وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا، لادعائه في كتاب الله ما ليس موجودا في مصاحف المسلمين رسمه. ويقال لمن قال بقوله: قد قال من قد علمت من أئمة الدين، إنما معنى ذلك: فلا جناح عليهما فيما افتدت به من ملكها، فهل من حجة تبين بها منهم غير الدعوى؟ فقد احتجوا بظاهر التنزيل، وادعيت فيه خصوصا! ثم يعكس عليه القول في ذلك، فلن يقول في شيء من ذلك قولا، إلا ألزم في الآخر مثله. وقد بينا الأدلة بالشواهد على صحة قول من قال: للزوج أن يأخذ منها كل ما أعطته المفتدية، التي أباح الله لها الافتداء- في كتابنا كتاب اللطيف فكرهنا إعادته في هذا الموضع. قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: تلك معالم فصوله بين ما أحل لكم وما حرم عليكم أيها الناس، فلا تعتدوا ما أحل لكم من الأمور التي بينها وفضلها لكم من الحلال، إلى ما حرم عليكم، فتجاوزوا طاعته إلى معصيته. وإنما عنى تعالى ذكره بقوله: "تلك حدود الله فلا تعتدوها"، هذه الأشياء التي بينت لكم في هذه الآيات التي مضت: من نكاح المشركات الوثنيات، وإنكاح المشركين المسلمات، لاتيان النساء في المحيض، وما قد بين في الآيات الماضية قبل قوله: "تلك حدود الله"، مما أحل لعباده وحرم عليهم، وما أمر ونهى. ثم قال لهم تعالى ذكره: هذه الأشياء- التي بينت لكم حلالها من حرامها- حدودى، يعني به: معالم فصول ما بين طاعتي ومعصيتي، "فلا تعتدوها"، يقول: فلا تتجاوزوا ما أحللته لكم إلى ما حرمته عليكم، وما أمرتكم به إلى ما نهيتكم عنه، ولا طاعتي إلى معصيتي، فإن من تعدى ذلك، يعني من تخطاه وتجاوزه، إلى ما حرمت عليه أو نهيته، فإنه هو الظالم- وهو الذي فعل ما ليس له فعله، ووضع الشيء في غير موضعه. وقد دللنا فيما مضى على معنى الظلم وأصله بشواهده الدالة على معناه، فكرهنا إعادته في هذا الموضع. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل، وإن خالفت ألفاظ تأويلهم ألفاظ تأويلنا، غير أن معنى ما قالوا في ذلك [يؤول ] إلى معنى ما قلنا فيه. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: "تلك حدود الله فلا تعتدوها" يعني بالحدود، الطاعة.حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك في قوله: "تلك حدود الله فلا تعتدوها"، يقول: من طلق لغير العدة فقد اعتدى وظلم نفسه، "ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون". قال أبو جعفر وهذا الذي ذكر عن الضحاك لا معنى له في هذا الموضع، لأنه لم يجر للطلاق في العدة ذكر فيقال: "تلك حدود الله"، وإنما جرى ذكر العدد الذي يكون للمطلق فيه الرجعة، والذي لا يكون له فيه الرجعة، دون ذكر البيان عن الطلاق للعدة.
قوله تعالى : " الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان " فيه سبع مسائل :
الأولى : قوله تعالى : " الطلاق مرتان " ثبت أن أهل الجاهلية لم يكن عندهم للطلاق عدد ، وكانت عندهم العدة معلومة مقدرة ، وكان هذا في أول الإسلام برهة ، يطلق الرجل امرأته ما شاء من الطلاق ، فإذا كادت تحل من طلاقه راجعها ما شاء ، فقال رجل لامرأته على عهد النبي صلى الله عليه وسلم : لا آويك ولا أدعك تحلين ، قالت : وكيف ؟ قال : أطلقك فإذا دنا مضي عدتك راجعتك ، فشكت المرأة ذلك إلى عائشة ، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله تعالى هذه الآية بياناً لعدد الطلاق الذي للمرء فيه أن يرتجع دون تجديد مهر وولي ونسخ ما كانوا عليه ، قال معناه عروة بن الزبير و قتادة و ابن زيد وغيرهم ، وقال ابن مسعود وابن عباس و مجاهد وغيرهم المراد بالآية التعريف بسنة الطلاق ، أي من طلق اثنتين فليتق الله في الثالثة ، فإما تركها غير مظلومة شيئاً من حقها ، وإما أمسكها محسناً عشرتها ، والآية تتضمن هذين المعنيين .
الثانية : الطلاق هو حل العصمة المنعقدة بين الأزواج بألفاظ مخصوصة ، والطلاق مباح بهذه الآية وبغيرها ، وبقوله عليه السلام في حديث ابن عمر : " فإن شاء أمسك وإن شاء طلق " ، " وقد طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم حفصة ثم راجعها " ، خرجه ابن ماجة ، وأجمع العلماء على ان من طلق امرأته طاهراً في طهر لم يمسها فيه أنه مطلق للسنة ، وللعدة التي أمر الله تعالى بها ، وأن له الرجعة إذا كانت مدخولاً بها قبل أن تنقضي عدتها ، فإذا أنقضت فهو خاطب من الخطاب ، فدل الكتاب والسنة وإجماع الأمة على أن الطلاق مباح غير محظور قال ابن المنذر : وليس في المنع منه خبر يثبت .
الثالثة : روى الدارقطني حدثني أبو العباس محمد بن موسى بن علي الدولابي و يعقوب بن إبراهيم ، قالا حدثنا الحسن بن عرفة حدثنا إسماعيل بن عياش عن حميد بن مالك اللخيمي عن مكحول " عن معاذ بن جبل قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا معاذ ما خلق الله شيئاً على وجه الأرض أحب إليه من العتاق ولا خلق الله تعالى شيئاً على وجه الأرض أبغض إليه من الطلاق فإذا قال الرجل لمملوكه أنت حر إن شاء الله فهو حر ولا استثناء له وإذا قال الرجل لامرأته أنت طالق إن شاء الله فله استثناؤه ولا طلاق عليه "، حدثنا محمد بن موسى بن علي حدثنا حميد بن الربيع حدثنا يزيد بن هارون انبأنا إسماعيل بن عياش بإسناده نحوه ، قال حميد قال لي يزيد بن هارون : وأي حديث لو كان حميد بن مالك اللخيمي معروفاً ! قلت : هو جدي ! قال يزيد : سررتني ، الآن صار حديثاً ! قال ابن المنذر : وممن رأى الاستثناء في الطلاق طاوس و حماد و الشافعي و أبو ثور وأصحاب الرأي ، ولا يجوز الاستثناء في الطلاق في قول مالك و الأوزاعي وهو قول الحسن و قتادة في الطلاق خاصة قال : وبالقول الأول أقول .
الرابعة : قوله تعالى : " فإمساك بمعروف " ، ابتداء ، والخبر أمثل أو أحسن ، ويصح أن يرتفع على خبر ابتداء محذوف ، أي فعليكم إمساك بمعروف أو فالواجب عليكم إمساك بما يعرف أنه الحق ، ويجوز في غير القرآن (( فإمساكاً )) على المصدر ، ومعنى (( بإحسان )) أي لا يظلمها شيئاً من حقها ، ولا يتعدى في قول ، والإمساك : خلاف الإطلاق ، والتسريح : إرسال الشيء ، ومنه تسريح الشعر ، ليخلص البعض من البعض وسرح الماشية : أرسلها والتسريح لفظه معنيين : أحدهما تركها حتى تتم العدة من الطلقة الثانية ، وتكون أملك لنفسها ، وهذا قول السدي و الضحاك والمعنى الآخر أن يطلقها ثالثة فيسرحها ، هذا قول مجاهد و عطاء وغيرهما ، وهو أصح لوجوه ثلاثة :
أحدها : ما رواه الدارقطني " عن أنس أن رجلاً قال : يا رسول الله ، قال الله تعالى : " الطلاق مرتان " فلم صار ثلاثاً ؟ قال إمساك بمعروف أن تسريح بإحسان " وفي رواية : هي الثالثة : ذكره ابن المنذر .
الثاني : أن فعل التسريح من ألفاظ الطلاق ، ألا ترى أنه قد قرئ (( إن عزموا السراح )) .
الثالثة : إن فعل تفعيلاً يعطي أنه أحدث فعلاً مكرراً على الطلقة الثانية ، وليس في الترك إحداث فعل يعبر عنه بالتفعيل ، قال أبو عمر : وأجمع العلماء على أن قوله تعالى : " أو تسريح بإحسان " ، هي الطلقة الثالثة بعد الطلقتين ، وإياها عنى بقول تعالى : " فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره " ، وأجمعوا على أن من طلق امرأته طلقة أو طلقتين فله مراجعتها ، فإن طلقها الثالثة لم تحل له حتى تنكح زوجاً غيره ، وكان هذا من محكم القرآن الذي لم يختلف في تأويله ، وقد روي من أخبار العدول مثل ذلك أيضاً ، حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا أبو معاوية عن إسماعيل بن سميع عن أبي رزين قال : " جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، أرأيت قول الله تعالى : " الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان " فأين الثالثة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان " ، ورواه الثوري وغيره عن إسماعيل بن سميع عن أبي رزين مثله .
قلت : وذكر الكيا الطبري هذا الخبر وقال : إنه غير ثابت من جهة النقل ، ورجح قول الضحاك و السدي وأن الطلقة الثالثة إنما هي مذكورة في مساق الخطاب في قوله تعالى : " فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره " [ البقرة : 230 ] ، فالثالثة مذكورة في صلب هذا الخطاب ، مفيدة للبينونة الموجبة للتحريم إلا بعد زوج ، فوجب حمل قوله " أو تسريح بإحسان " على فائدة مجددة ، وهو وقوع البينونة بالثنتين عند انقضاء العدة ، وعلى أن المقصود من الآية بيان عدد الطلاق الموجب للتحريم ، ونسخ ما كان جائزاً من إيقاع الطلاق بلا عدد محصور ، فلو كان قوله : " أو تسريح بإحسان " هو الثالثة لما أبان عن المقصد في إيقاع التحريم بالثلاث ، إذ لو اقتصر عليه لما دل على وقوع البينونة المحرمة لها إلا بعد زوج ، وإنما علم التحريم بقوله تعالى : " فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره " ، فوجب ألا يكون معنى قوله : " أو تسريح بإحسان " الثالثة ، ولو كان قوله : " أو تسريح بإحسان ‎" ، بمعنى الثالثة كان قوله عقيب ذلك ، " فإن طلقها " ، الرابعة ، لأن الفاء للتعقيب ، وقد أقتضى طلاقها مستقبلاً بعد ما تقدم ذكره ، فثبت بذلك أن قوله تعالى : " أو تسريح بإحسان " ، هو تركها حتى تنقضي عدتها .
الخامسة : ترجم البخاري على هذه الآية (( باب من أجاز الطلاق الثلاث بقوله تعالى : الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان )) وهذا إشارة منه إلى أن هذا التعديد إنما هو فسحة لهم ، فمن ضيق على نفسه لزمه ، قال علماؤنا ، واتفق أئمة الفتوى على لزوم إيقاع الطلاق الثلاث في كلمة واحدة ، وهو قول جمهور السلف ، وشذ طاوس وبعض أهل الظاهر إلى أن طلاق الثلاث في كلمة واحد يقع واحدة ، ويروى هذا عن محمد بن إسحاق و الحجاج بن أرطاة ، وقيل عنهما ، لا يلزم منه شيء ، وهو قول مقاتل ، ويحكى عن داود أنه قال لا يقع ، والمشهور عن الحجاج بن أرطاة وجمهور السلف والأئمة أنه لازم واقع ثلاثاً ، ولا فرق بين أن يوقع ثلاثاً مجتمعة في كلمة أو متفرقة في كلمات ، فأما من ذهب إلى أنه لا يلزم منه شيء فاحتج بدليل قوله تعالى : " والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء " [ البقرة :228 ] ، وهذا يعم كل مطلقة إلا ما خص منه ، وقد تقدم ، وقال " الطلاق مرتان " ، والثالثة : " فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان " ، ومن طلق ثلاثاً في كلمة فلا يلزم ، إذ هو غير مذكور في القرآن ، وأما من ذهب إلى أنه واقع واحدة فاستدل بأحاديث ثلاثة : أحدها حديث ابن عباس من رواية طاوس و أبي الصهباء و عكرمة ، وثانيها حديث ابن عمر على رواية من روى أنه طلق امرأته ثلاثاً ، وأنه عليه السلام أمره يرجعتها واحتسبت له واحدة ، وثالثها أن ركانة طلق امرأته ثلاثاً فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم برجعتها ، والرجعة تقتضي وقوع واحدة والجواب عن الأحاديث ما ذكره الطحاوي أن سعيد بن جبير و مجاهداً و عطاء و عمرو بن دينار و مالك بن الحويرث و محمد بن إياس بن البكير و النعمان بن أبي عياش رووا عن ابن عباس فيمن طلق امرأته ثلاثاً أنه قد عصى ربه وبانت منه امرأته ولا ينكحها إلا بعد زوج ، وفيما رواه هؤلاء الائمة عن ابن عباس مما يوافق الجماعة ما يدل على وهن رواية طاوس وغيره ، وما كان ابن عباس ليخالف الصحابة إلى رأي نفسه ، قال ابن عبد البر ، ورواية طاوس وهم وغلط لم يعرج عليها أحد من فقهاء الأمصار بالحجاز والشام والعراق والمشرق والمغرب ، وقد قيل : إن أبا الصهباء لا يعرف في موالي ابن عباس ، قال القاضي أبو الوليد الباجي : (( وعندي أن الرواية عن ابن طاوس بذلك صحيحة ، فقد روى عنه الأئمة : معمر و ابن جريج وغيرهما ، و ابن طاوس إمام والحديث الذي يشيرون إليه هو ما رواه ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس قال : كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأي بكر وسنتين من خلافة عمر بن الخطاب طلاق الثلاث واحدة ، فقال عمر رضي الله عنه : إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيهم أناة ، فلو أمضيناه عليهم ! فأمضاه عليهم ، ومعنى الحديث أنهم كانوا يوقعون طلقة واحدة بدل إيقاع الناس الآن ثلاث تطليقات ، ويدل على صحة هذا التأويل أن عمر قال : إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم في أناة ، فأنكر عليهم أن أحدثوا في الطلاق استعجال أمر كانت لهم فيه أناة ، فلو كان حالهم ذلك في أول الإسلام في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ما قاله ، ولا عاب عليهم أنهم استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة ، ويدل على صحة هذا التأويل ما روي عن ابن عباس من غير طريق أنه أفتى بلزوم الطلاق الثلاث لمن أوقعها مجتمعة ، فإن كان هذا معنى حديث ابن طاوس فهو الذي قلناه ، وإن حمل حديث ابن عباس على ما يتأول فيه من لا يعبأ بقوله فقد رجع ابن عباس إلى قول الجماعة وانعقد به الإجماع ، ودليلنا من جهة القياس أن هذا طلاق أوقعه من يملكه فوجب أن يلزمه ، أصل ذلك إذا أوقعه مفرداً . ,
قلت : ما تأوله الباجي هو الذي ذكر معناه الكيا الطبري عن علماء الحديث ، أي إنهم كانوا يطلقون طلقة واحدة هذا الذي يطلقون ثلاثاً ، أي ما كانوا يطلقون في كل قرء طلقة ، وإنما كانوا يطلقون في جميع العدة واحدة إلى أن تبين وتنقضي العدة ، وقال القاضي أبو محمد عبد الوهاب ، معناه أن الناس كانوا يقتصرون على طلقة واحدة ، ثم أكثروا أيام عمر من إيقاع الثلاث ، قال القاضي : وهذا هو الأشبه بقول الراوي : إن الناس في أيام عمر استعجلوا الثلاث فعجل عليهم ، معناه ألزمهم حكمها ، وأما حديث ابن عمر فإن الدارقطني روى عن أحمد بن صبيح عن طريف بن ناصح عن معاوية بن عمار الدهني عن أبي الزبير قال : سألت ابن عمر عن رجل طلق امرأته ثلاثاً وهي حائض ، فقال لي : أتعرف ابن عمر ؟ قلت : نعم ، قال : طلقت امرأتي ثلاثاً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي حائض فردها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السنة فقال الدارقطني : كلهم من الشيعة ، والمحفوظ أن ابن عمر طلق امرأته واحدة في الحيض ، قال عبيد الله : وكان تطليقه إياها في الحيض واحدة غير أنه خالف السنة ، وكذلك قال صالح بن كيسان و موسى بن عقبة و إسماعيل بن أمية و ليث بن سعد و ابن أبي ذئب و ابن جريج و جابر و إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة عن نافع : أن ابن عمر طلق تطليقة واحدة ، وكذا قال الزهري عن سالم عن أبيه و يونس بن جبير و الشعبي و الحسن ، وأما حديث ركانة فقيل : إنه حديث مضطرب منقطع ، لا يستند من وجه يحتج به ، رواه أبو داود من حديث ابن جريج عن بعض بني أبي رافع ، وليس فيهم من يحتج به ، عن عكرمة عن ابن عباس وقال فيه : " إن ركانة بن عبد يزيد طلق امرأته ثلاثاً ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ارجعها " ، وقد رواه أيضاً من طرق عن نافع بن عجير أن ركانة بن عبد يزيد طلق امرأته البتة فاستحلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أراد بها ؟ فحلف ما أراد إلا واحدة ، فردها إليه ، فهذا اضطراب في الاسم والفعل ، ولا يحتج بشيء من مثل هذا .
قلت : قد أخرج هذا الحديث من طرق الدارقطني في سننه ، قال في بعضها (( حدثنا محمد بن يحيى بن مرداس حدثنا أبو داود السجستاني حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح و أبو ثور إبراهيم بن خالد الكلبي وآخرون قالوا : حدثنا محمد بن إدريس الشافعي حدثني عمي محمد بن علي بن شافع عن عبد الله بن علي بن السائب عن نافع بن عجير بن عبد يزيد : " أن ركانة بن عبد يزيد طلق امرأته سهيمة المزنية البتة ، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ، فقال : والله ما أردت إلا واحدة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : والله ما أردت إلا واحدة ؟ فقال ركانة : والله ما أردت بها إلا واحدة ، فردها إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فطلقها الثانية في زمان عمر بن الخطاب ، والثالثة في زمان عثمان " ، قال أبو داود : هذا حديث صحيح ، فالذي صح من حديث ركانة أنه طلق امرأته البتة لا ثلاثاً ، وطلاق البتة قد اختلف فيه على ما يأتي بيانه فسقط الاحتجاج والحمد لله ، والله أعلم ، وقال أبو عمر : رواية الشافعي لحديث ركانة عن عمه أتم ، وقد زاد زيادة لا تردها الأصول ، فوجب قبولها لثقة ناقليها ، و الشافعي وعمه وجده أهل بيت ركانة ، كلهم من بني عبد المطلب بن عبد مناف وهم أعلم بالقصة بالتي عرضت لهم .
فصل : ذكر أحمد بن محمد بن مغيث الطليطلي هذه المسألة في وثائقه فقال : الطلاق ينقسم على ضربين : طلاق سنة ، وطلاق بدعة ، فطلاق السنة هو الواقع على الوجه الذي ندب الشرع إليه ، وطلاق البدعة نقيضه ، وهو أن يطلقها في حيض أو نفاس أو ثلاثاً في كلمة واحدة ، فإن فعل لزمه الطلاق ، ثم اختلف أهل العلم بعد إجماعهم على أنه مطلق ، كم يلزمه من الطلاق ، فقال علي بن أبي طالب وابن مسعود : يلزمه طلقة واحدة ، وقاله ابن عباس ، وقال : قوله ثلاثاً لا معنى له لأنه لم يطلق ثلاث مرات وإنما يجوز قوله في ثلاث إذا كان مخبراً عما مضى فيقول : طلقت ثلاثاً فيكون مخبراً عن ثلاثة أفعال كانت منه في ثلاثة أوقات ، كرجل قال : قرأت أمس سورة كذا ثلاث مرات فذلك يصح ، ولو قرأها مرة واحدة فقال : قرأتها ثلاث مرات كان كاذباً ، وكذلك لو حلف بالله ثلاثاً يردد الحلف كانت ثلاثة أيمان ، وأما لو حلف فقال : أحلف بالله ثلاثاً ثم يكن حلف إلا يميناً واحدة والطلاق مثله ، وقاله الزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف ، وروينا ذلك كله عن ابن وضاح ، وبه قال من شيوخ قرطبة ابن زنباع شيخ هدى محمد بن تقي بن مخلد و محمد بن عبد السلام الحسني فريد وقته وفقيه عصره و أصبغ بن الحباب و جماع وسواهم ، وكان من حجة ابن عباس أن الله تعالى فرق في كتابه لفظ الطلاق فقال عز اسمه : " الطلاق مرتان " يريد أكثر الطلاق الذي يكون بعده الإمساك بالمعروف وهو الرجعة في العدة ، ومعنى قوله : " أو تسريح بإحسان " ، يريد تركها بلا ارتجاع حتى تنقضي عدتها ، وفي ذلك إحسان إليها إن وقع ندم بينهما ، قال الله تعالى : " لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا " [ الطلاق : 1 ] ، يريد الندم على الفرقة والرغبة في الرجعة ، وموقع الثلاث غير حسن لأن فيه ترك المندوحة التي وسع الله بها ونبه عليها ، فذكر الله سبحانه الطلاق مفرقاً يدل على أنه إذا جمع أنه لفظ واحد ، وقد يخرج بقياس من غير ما مسألة من المدونة ما يدل على ذلك ، من ذلك قول الإنسان ، مالي صدقة في المساكين أن الثلث يجزيه من ذلك ، وفي الإشراف لـ ابن المنذر : وكان سعيد بن جبير و طاوس و أبو الشعثاء و عطاء و عمرو بن دينار يقولون : من طلق البكر ثلاثاً فهي واحدة .
قلت : وربما اعتلوا فقالوا : غير المدخول بها لا عدة عليها ، فإذا قال : أنت طالق ثلاثاً فقد بانت بنفس فراغه من قوله : أنت طالق ، فيرد (( ثلاثاً )) عليها وهي بائن فلا يؤثر شيئاً ، ولأن قوله : أنت طالق مستقل بنفسه ، فوجب ألا تقف البينونة في غير المدخول بها على ما يرد بعده : أصله إذا قال : أنت طالق .
السادسة : أستدل الشافعي بقوله تعالى : " أو تسريح بإحسان " وقوله : " وسرحوهن " [ الأحزاب : 49 ] ، على أن هذا اللفظ من صريح الطلاق ، وقد اختلف العلماء في هذا المعنى ، فذهب القاضي أبو محمد إلى أن الصريح ما تضمن لفظ الطلاق على أي وجه ، مثل أن يقول : أنت طالق ، أو أنت مطلقة أو قد طلقتك ، أو الطلاق له لازم ، وما عدا ذلك من ألفاظ الطلاق مما يستعمل فيه فهو كناية ، وبهذا قال أبو حنيفة : وقال القاضي أبو الحسن : صريح ألفاظ الطلاق كثيرة ، وبعضها أبين من بعض : الطلاق والسراح والفراق والحرام والخلية والبرية ، وقال الشافعي : الصريح ثلاثة ألفاظ ، وهو ما ورد به القرآن من لفظ الطلاق والسراح والفراق ، قال الله تعالى : " أو فارقوهن بمعروف " [ الطلاق : 2 ] ، " أو تسريح بإحسان " ، وقال : " فطلقوهن لعدتهن " [ الطلاق : 1 ] .
قلت : وإذا تقرر هذا فالطلاق على ضربين : صريح وكناية ، فالصريح ما ذكرنا ، والكناية ما عداه ، والفرق بينهما أن الصريح لا يفتقر إلى نية ، بل بمجرد اللفظ يقع الطلاق ،والكناية تفتقر إلى نية ، والحجة لمن قال : إن الحرام والخلية والبرية من صريح الطلاق كثرة استعمالها في الطلاق حتى عرفت به ، فصارت بينة واضحة في إيقاع الطلاق : كالغائط الذي وضع للمطمئن من الأرض ، ثم استعمل على وجه المجاز في إتيان قضاء الحاجة ، فكان فيه أبين وأظهر وأشهر منه فيما وضع له ، وكذلك في مسألتنا مثله ، ثم إن عمر بن عبد العزيز ، قد قال : لو كان الطلاق ألفاً ما أبقت ألبتة منه شيئاً ، فمن قال : البتة ، فقد رمى الغاية القصوى ، أخرجه مالك ، وقد روى الدارقطني عن علي قال : الخلية والبرية والبتة والبائن والحرام ثلاث ، لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره ، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أن البتة ثلاث ، من طريق فيه لين ، خرجه الدارقطني ، وسيأتي عند قوله تعالى : " ولا تتخذوا آيات الله هزوا " [ البقرة : 231 ] إن شاء الله تعالى .
السابعة : لم يختلف العلماء فيمن قال لامرأته ، قد طلقتك ، أنه من صريح الطلاق في المدخول بها وغير المدخول بها ، فمن قال لامرأته : أنت طالق فهي واحدة إلا أن ينوي أكثر من ذلك ، فإن نوى اثنتين أو ثلاثاً لزمه ما نواه ، فإن لم ينو شيئاً فهي واحدة تملك الرجعة ، ولو قال : أنت طالق ، وقا ل: أردت من وثاق لم يقبل قوله ولزمه ، إلا أن يكون هناك ما يدل على صدقه ، ومن قال : أنت طالق واحدة ، لا رجعة لي عليك ، باطل ، وله الرجعة لقوله واحدة ، لأن الواحدة لا تكون ثلاثاً ، فإن نوى بقوله : لا رجعة لي عليك ، ثلاثاً فهي ثلاث عند مالك .
واختلفوا فيمن قال لامرأته ، أو سرحتك ، أو أنت خلية ، أو برية ، أو بائن ، أو حبلك على غاربك ، أو أنت علي حرام ، أو ألحقي بأهلك ، أو قد وهبتك لأهلك ، أو قد خليت سبيلك ، أو لا سبيل لي عليك ، فقال أبو حنيفة و أبو يوسف : هو طلاق بائن ، وروي عن ابن مسعود وقال : إذا قال الرجل لامرأته استقلي بأمرك ، أو أمرك لك ، أو ألحقي بأهلك فقبلوها فواحدة بائنة ، وروي عن مالك فيمن قال لامرأته ، قد فارقتك أو سرحتك ، أنه من صريح الطلاق ، كقوله : أنت طالق ، وروي عنه أنه كناية يرجع فيها إلى نية قائلها ، ويسأل ما أراد من العدد ، مدخولاً بها كانت أو غير مدخول بها قال ابن المواز : وأصح قوليه في التي لم يدخل بها أنها واحدة ، إلا أن ينوي أكثر : وقاله ابن القاسم و ابن عبد الحكم ، وقال أبو يوسف : هي ثلاث ، ومثله خلعك ، أو لا ملك لي عليك ، وأما سائر الكنايات فهي ثلاث عند مالك في كل من دخل بها لا ينوي فيها قائلها ، وينوي في غير المدخول بها ، فإن حلف وقال أردت واحدة كان خاطباً من الخطاب ، لأنه لا يخلي المرأة التي قد دخل بها زوجها ولا يبينها ولا يبريها إلا ثلاث تطليقات والتي لم يدخل بها يخليها ويبريها ويبينها الواحدة ، وقد روي عن مالك وطائفة من أصحابه ، وهو قول جماعة من أهل المدينة ، أنه ينوي في هذه الألفاظ كلها ويلزمه فيها لا في المدخول بها ولا في غير المدخول بها ،وقال الثوري و أبو حنيفة وأصحابه ، له نيته في ذلك كله ، فإن نوى ثلاثاً فهي ثلاث ، وإن نوى واحدة فهي واحدة بائنه وهي أحق بنفسها ، وإن نوى اثنتين فهي واحدة ، وقال زفر : إن نوى اثنتين فهي اثنتان وقال الشافعي : هو في ذلك كله غير مطلق حتى يقول : أردت بمخرج الكلام مني طلاقاً فيكون ما نوى ، فإن نوى دون الثلاث كان رجعياً ، ولو طلقها واحدة بائنة كانت رجعية ، وقال إسحاق ، كل كلام يشبه الطلاق فهو ما نوى من الطلاق ، وقال أبو ثور : هي تطليقة رجعية ولا يسأل عن نيته ، وروي عن ابن مسعود أنه كان لا يرى طلاقاً بائناً إلا في خلع أو إيلاء وهو المحفوظ عنه ، قاله أبو عبيد ، وقد ترجم البخاري (( باب إذا قال فارقتك أو سرحتك أو البرية أو الخلية أو ما عنى به الطلاق فهو على نيته )) . وهذا منه إشارة إلى قول الكوفيين و الشافعي و إسحاق في قوله : (( أو ما عنى به من الطلاق )) والحجة في ذلك أن كل كلمة تحتمل أن تكون طلاقاً أو غير طلاق فلا يجوز أن يلزم بها الطلاق إلا أن يقول المتكلم : إنه أراد بها الطلاق فيلزمه ذلك بإقراره ، ولا يجوز إبطال النكاح لأنهم قد أجمعوا على صحته بيقين ، قال أبو عمر : واختلف قول مالك في معنى قول الرجل لامرأته : اعتدي ، أو قد خليتك ، أو حبلك على غاربك ، فقال مرة ، لا ينوي فيها وهي ثلاث ، وقال مرة : ينوي فيها كلها ، وفي المدخول بها وغير المدخول بها ، وبه أقول .
قلت : ما ذهب إليه الجمهور ، وما روي عن مالك أنه ينوي في هذه الألفاظ ويحكم عليك بذلك هو الصحيح ، لما ذكرناه من الدليل ، وللحديث الصحيح الذي خرجه أبو داود و ابن ماجة و الدارقطني وغيرهم عن يزيد بن ركانة : " أن ركانة بن عبد يزيد طلق امرأته سهيمة ألبتة فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ، فقال : الله ما أردت إلا واحدة ؟ فقال ركانة : والله ما أردت إلا واحدة ، فردها إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم " ، قال ابن ماجة : سمعت أبا الحسن الطنافسي يقول : ما أشرف هذا الحديث ! وقال مالك في الرجل يقول لامرأته : أنت علي كالميتة والدم ولحم الخنزير ، أراها البتة وإن لم تكن له نية ، فلا تحل إلا بعد زوج ، وفي قول الشافعي : إن أراد طلاقاً فهو طلاق ، وما أراد من عدد الطلاق ، وإن لم يرد طلاقاً فليس بشيء بعد أن يحلف وقال أبو عمر : أصل هذا الباب في كل كناية عن الطلاق ، ما " روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : للتي تزوجها حين قالت : أعوذ بالله منك ، قد عذت بمعاذ الحقي بأهلك " ، فكان ذلك طلاقاً ، وقال كعب بن مالك لامرأته حين أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم باعتزالها ، ألحقي بأهلك فلم يكن ذلك طلاقاً ، فدل على أن هذه اللفظة مفتقرة إلى النية ، وأنها لا يقضي فيها إلا بما ينوي اللافظ بها ،وكذلك سائر الكنايات المحتملات للفراق وغيره ، والله أعلم ، وأما الألفاظ التي ليست من ألفاظ الطلاق ولا يكنى بها عن الفراق ، فأكثر العلماء لا يوقعون بشيء منها طلاقاً وإن قصده القائل ، وقال مالك :كل من أراد الطلاق بأي لفظ كان لزمه الطلاق ، حتى بقوله : كلي واشربي وقومي واقعدي ، ولم يتابع مالكاً على ذلك إلا أصحابه .
فيه خمس عشر مسألة :
الأولى : قوله تعالى : " ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا " (( أن )) في موضع رفع بـ(( ـيحل )) والآية خطاب للأزواج ، نهوا أن يأخذوا من أزواجهم شيئاً على وجه المضارة ، وهذا هو الخلع الذي لا يصح إلا بألا ينفرد الرجل بالضرر ، وخص بالذكر ما آتى الأزواج نساءهم ، لأن العرف بين الناس أن يطلب الرجل عند الشقاق والفساد ما خرج من يده لها صداقاً وجهازاً ، فلذلك خص بالذكر ، وقد قيل : إن قوله " ولا يحل " فصل معترض بين قوله تعالى : " الطلاق مرتان " وبين قوله : " فإن طلقها " [ البقرة : 230 ] .
الثانية : والجمهور على أن أخذ الفدية على الطلاق جائز ، وأجمعوا على تحظير أخذ ما لها إلا أن يكون النشوز من قبله وخالعته فهو جائز ماض وهو آثم ، لا يحل له ما صنع ، ولا يجبر على رد ما أخذه قال ابن المنذر ، وهذا من قوله خلاف ظاهر كتاب الله ، وخلاف الخبر الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم ،وخلاف ما أجمع عليه عامة أهل العلم من ذلك ، ولا أحسب أن لو قيل لأحد : أجهد نفسك في طلب الخطأ ما وجد أمراً أعظم من أن ينطق الكتاب بتحريم شيء ثم يقابله بالخلاف نصاً ، فيقول : بل يجوز ذلك ، ولا يجبر على رد ما أخذ قال أبو الحسن بن بطال : وروى ابن القاسم عن مالك مثله ، وهذا القول خلاف ظاهر كتاب الله تعالى : وخلاف حديث امرأة ثابت وسيأتي .
الثالثة : قوله تعالى :" إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله " حرم الله تعالى في هذه الآية ألا يأخذ إلا بعد الخوف ألا يقيما حدود الله ، وأكد التحريم بالوعيد لمن تعدى الحد ، والمعنى أن يظن كل واحد منهما بنفسه ألا يقيم حق النكاح لصاحبه حسب ما يجب عليه فيه لكراهة يعتقدها ، فلا حرج على المرأة أن تفتدي ، ولا حرج على الزوج أن يأخ ، والخطاب للزوجين ، والضمير في " أن يخافا " لهما ، و " أن لا يقيما " مفعول به ، و(( خفت )) يتعدى إلى مفعول وحد ، ثم قيل : هذا الخوف هو بمعنى العلم ، أي أن يعلما ألا يقيما حدود الله ، وهو من الخوف الحقيقي ، وهو الإشفاق من وقوع المكروه ، وهو قريب من معنى الظن ، ثم قيل : " إلا أن يخافا " استثناء منقطع ، أي لكن إن كان منهن نشوز فلا جناح عليكم في أخذ الفدية ، وقرأ حمزة " إلا أن يخافا " ، بضك الياء على ما لم يسم فاعله ، والفاعل محذوف وهو الولاة والحكام ، واختاره أبو عبيد ، قال : لقوله عز وجل : " فإن خفتم " قال : فجعل الخوف لغير الزوجين ، ولو أراد الزوجين لقال : فإن خافا ، وفي هذا حجة لمن جعل الخلع إلى السلطان .
قلت : وهو قول سعيد بن جبير و الحسن و ابن سيرين وقال شعبة : قلت لـ قتادة : عمن أخذ الحسن الخلع إلى السلطان ؟ قال : عن زياد وكان والياً لعمر وعلي ، قال النحاس : وهذا معروف عن زياد ، ولا معنى لهذا القول لأن الرجل إذا خالع امرأته فإنما هو على ما يتراضيان به ، ولا يجبره السلطان على ذلك ، ولا معنى لقول من قال : هذا إلى السلطان ، وقد أنكر أختيار أبي عبيد ورد ، وما علمت في أختياره شيئاً أبعد من هذا الحرف ، لأنه لا يوجبه الإعراب ولا اللفظ ولا المعنى ، أما الإعراب فإن عبد الله بن مسعود قرأ (( إلا أن يخافا )) (( تخافوا )) ، فهذا في العربية إذا رد إلى ما لم يسم فاعله قيل : إلا أن يخاف ، وأما اللفظ فإن كان على لفظ (( يخافا )) وجب أن يقال : فإن خيف ، وإن كان على لفظ (( فإن خفتم )) وجب أن يقال : إلا أن تخافوا ، وأما المعنى فإنه يبعد أن يقال : لا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً ، إلا أن يخاف غيركم ولم يقل عز وجل ، فلا جناح عليكم أن تأخذوا له منها فدية ، فيكون الخلع إلى السلطان ، قال الطحاوي : وقد صح عن عمر وعثمان وابن عمر جوازه دون السلطان ، وكما جاز الطلاق والنكاح دون السلطان فكذلك الخلع ، وهو قول الجمهور من العلماء .
الرابعة : قوله تعالى : " فإن خفتم أن لا يقيما " أي على أن لا يقيما ، " حدود الله " أي فيما يجب عليهما من حسن الصحبة وجميل العشرة ، والمخاطبة للحكام والمتوسطين لمثل هذا الأمر وإن لم يكن حاكماً ، وترك إقامة حدود الله هو استخفاف المرأة بحق زوجها ، وسوء طاعتها إياه قاله ابن عباس و مالك بن أنس وجمهور الفقهاء ، وقال الحسن بن أبي الحسن وقوم معه ، إذا قالت المرأة لا أطيع للك أمراً ، ولا أغتسل لك من جنابة ، ولا أبر لك قسماً ، حل الخلع وقال الشعبي : (( ألا يقيما حدود الله )) ألا يطيعا الله ، وذلك أن المغاضبة تدعو إلى ترك الطاعة ، وقال عطاء بن أبي رباح ، يحل الخلع والأخذ أن تقول المرأة لزوجها ، إني أكرهك ولا أحبك ونحو هذا " فلا جناح عليهما فيما افتدت به " ، روى البخاري من حديث أيوب عن عكرمة " عن ابن عباس أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ، ثابت بن قيس ما أعتب عليه في خلق ولا دين ولكن لا أطيقه ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أتردين علهي حديقته ؟ قالت : نعم ، " ، وأخرجه ابن ماجة عن قتادة عن عكرمة " عن ابن عباس : أن جملة بنت سلول أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : والله ما أعيب على ثابت في دين ولا خلق ولكني أكره الكفر في الإسلام ، لا أطيقه بغضاً ! فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم أتردين عليه حديقته ؟ قالت : نعم ، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأخذ منها حديقته ولا يزداد ، فيقال : إنها كانت تبغضه أشد البغض ، وكان يحبها أشد الحب ، ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما بطريق الخلع ، فكان خلع في الإسلام " ، روى عكرمة " عن ابن عباس قال : أول من خالع في الإسلام أخت عبد الله بن أبي ، أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ، لا يجتمع رأسي ورأسه ابداً ، إني رفعت جانب الخباء فرأيته أقبل في عدة إذ هو أشدهم سواداً وأقصرهم قامة ، وأقبحهم وجهاً ! فقال : أتردين عليه حديقته ؟ قالت : نعم وإن شاء زدته ، ففرق بينهما " ، وهذا الحديث أصل في الخلع ، وعليه جمهور الفقهاء ، قال مالك : لم أزل أسمع ذلك من أهل العلم ، وهو الأمر المجتمع عليه عندنا ، وهو أن الرجل إذا لم يضر بالمرأة ولم يسيء إليها ، ولم تؤت من قبله ، وأحبت فراقه فإنه يحل له أن يأخذ منها كل ما افتدت به ، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في امرأة ثابت قيس وإن كان النشوز من قبله بأن يضيق عليها ويضرها رد عليها ما أخذ منها ، وقال عقبة بن أبي الصهباء : سألت بكر بن عبد الله المزني عن الرجل تريد امرأته أن تخالعه فقال ح لا يحل له أن يأخذ منه شيئاً قلت : فأين قول الله عز وجل في كتابه : " فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به " ؟ قال : نسخت ، قلت : فأين جعلت ؟ قال : في سورة (( النساء )) " وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا " ، [ النساء : 20 ] قال النحاس ، هذا قول شاذ ، خارج عن الإجماع لشذوذ ، وليست إحدى الآيتين دافعة للأخرى فيقع النسخ ، لأن قوله : " فإن خفتم " ، ليست بمزالة بتلك الآية ، لأنهما إذا خافا هذا لم يدخل الزوج في " وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج " لان هذا للرجال خاصة ، وقال الطبري : الآية محكمة ، ولا معنى لقول بكر : إن أرادت هي العطاء فقد جوز النبي صلى الله عليه وسلم لثابت أن يأخذ من زوجته ما ساق إليها كما تقدم .
الخامسة : تمسك بهذة الآية من رأى اختصاص الخلع بحالة الشقاق والضرر ، وأنه شرط في الخلع ، وعضد هذا بما رواه أبو داود " عن عائشة : أن حبيبة بنت سهل كانت عند ثابت بن قيس بن شماس فضربها فكسر نغضها ، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الصبح فاشتكت إليه ، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم ثابتاً فقال : خذ بعض مالها وفارقها ، قال ويصلح ذلك يا رسول الله ؟ قال : نعم ، قال : فإني أصدقتها حديقتين ، وهما بيدها ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم خذهما وفارقها ، فأخذهما وفارقها " ، والذي عليه الجمهور من الفقهاء أنه يجوز الخلع من غير اشتكاء ضرر ، كما دل عليه حديث البخاري وغيره ، وأما الآية فلا حجة فيها ، لأن الله عز وجل لم يذكرها على جهة الشرط ، وإنما ذكرها لأنه الغالب من أحوال الخلع ، فخرج القول على الغالب ، والذي يقطع العذر ويوجب العلم قوله تعالى : " فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا " [ النساء : 4 ] .
هذه الاية الكريمة رافعة لما كان عليه الأمر في ابتداء الإسلام من أن الرجل كان أحق برجعة امرأته وإن طلقها مائة مرة ما دامت في العدة, فلما كان هذا فيه ضرر على الزوجات قصرهم الله إلى ثلاث طلقات, وأباح الرجعة في المرة والثنتين, وأبانها بالكلية في الثالثة, فقال "الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان" قال أبو داود رحمه الله في سننه (باب نسخ المراجعة بعد الطلقات الثلاث). حدثنا أحمد بن محمد المروزي, حدثني علي بن الحسين بن واقد عن أبيه, عن يزيد النحوي, عن عكرمة, عن ابن عباس "والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن" الاية, ودل أن الرجل كان إذا طلق امرأته فهو أحق برجعتها وإن طلقها ثلاثاً, فنسخ ذلك فقال "الطلاق مرتان" الاية, ورواه النسائي عن زكريا بن يحيى عن إسحاق بن إبراهيم عن علي بن الحسين به, وقال ابن أبي حاتم: حدثنا هارون بن إسحاق, حدثنا عبدة يعني ابن سليمان, عن هشام بن عروة, عن أبيه, أن رجلاً قال لامرأته: لا أطلقك أبداً ولا آويك أبداً, قالت: كيف ذلك ؟ قال: أطلق حتى إذا دنا أجلك راجعتك, فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم, فذكرت ذلك له, فأنزل الله عز وجل "الطلاق مرتان", وهكذا رواه ابن جرير في تفسيره من طريق جرير بن عبد الحميد وابن إدريس, ورواه عبد بن حميد في تفسيره عن جعفر بن عون, كلهم عن هشام عن أبيه, قال: كان الرجل أحق برجعة امرأته وإن طلقها ما شاء ما دامت في العدة, وإن رجلاً من الأنصار غضب على امرأته, فقال: والله لا آويك ولا أفارقك, قالت: وكيف ذلك ؟ قال: أطلقك, فإذا دنا أجلك راجعتك, ثم أطلقك فإذا دنا أجلك راجعتك فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم, فأنزل الله عز وجل "الطلاق مرتان" قال: فاستقبل الناس الطلاق من كان طلق ومن لم يكن طلق. وقد رواه أبو بكر بن مردويه من طريق محمد بن سليمان عن يعلى بن شبيب مولى الزبير, عن هشام, عن أبيه, عن عائشة فذكره بنحو ما تقدم. ورواه الترمذي عن قتيبة, عن يعلى بن شبيب به, ثم رواه عن أبي كريب, عن ابن إدريس, عن هشام. عن أبيه مرسلاً, وقال: هذا أصح. ورواه الحاكم في مستدركه من طريق يعقوب بن حميد بن كاسب عن يعلى بن شبيب به, وقال: صحيح الإسناد. ثم قال ابن مردويه: حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم, حدثنا إسماعيل بن عبد الله, حدثنا محمد بن حميد, حدثنا سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق, عن هشام بن عروة, عن عائشة, قالت: لم يكن للطلاق وقت يطلق الرجل امرأته ثم يراجعها ما لم تنقض العدة, وكان بين رجل من الأنصار وبين أهله بعض ما يكون بين الناس, فقال: والله لأتركنك لا أيماً ولا ذات زوج, فجعل يطلقها حتى إذا كادت العدة أن تنقضي راجعها, ففعل ذلك مراراً, فأنزل الله عز وجل فيه "الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان" فوقت الطلاق ثلاثاً لا رجعة فيه بعد الثالثة حتى تنكح زوجاً غيره. وهكذا روي عن قتادة مرسلاً, ذكره السدي وابن زيد وابن جرير كذلك, واختار أن هذا تفسير هذه الاية. وقوله "فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان" أي إذا طلقتها واحدة أو اثنتين, فأنت مخير فيها ما دامت عدتها باقية بين أن تردها إليك ناوياً الإصلاح بها والإحسان إليها, وبين أن تتركها حتى تنقضي عدتها فتبين منك وتطلق سراحها محسناً إليها, لا تظلمها من حقها شيئاً ولا تضار بها. وقال علي بن أبي طلحة. عن ابن عباس, قال: إذا طلق الرجل امرأته تطليقتين, فليتق الله في ذلك, أي في الثالثة, فإما أن يمسكها بمعروف فيحسن صحابتها, أو يسرحها بإحسان فلا يظلمها من حقها شيئاً. وقال ابن أبي حاتم: أخبرنا يونس بن عبد الأعلى قراءة, أخبرنا ابن وهب, أخبرني سفيان الثوري, حدثني إسماعيل بن سميع, قال: سمعت أبا رزين يقول: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله, أرأيت قول الله عز وجل "فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان" أين الثالثة ؟ قال: "التسريح بإحسان" ورواه عبد بن حميد في تفسيره ولفظه: أخبرنا يزيد بن أبي حكيم عن سفيان عن إسماعيل بن سميع, أن أبا رزين الأسدي يقول: قال رجل: يا رسول الله, أرأيت قوله الله "الطلاق مرتان" فأين الثالثة ؟ قال "التسريح بإحسان الثالثة" ورواه الإمام أحمد أيضاً. وهكذا رواه سعيد بن منصور عن خالد بن عبد الله, عن إسماعيل بن زكريا وأبي معاوية, عن إسماعيل بن سميع, عن أبي رزين به وكذا رواه ابن مردويه أيضاً من طريق قيس بن الربيع عن إسماعيل بن سميع عن أبي رزين به مرسلاً ورواه ابن مردويه أيضاً من طريق عبد الواحد بن زياد , عن إسماعيل بن سميع, عن أنس بن مالك, عن النبي صلى الله عليه وسلم, فذكره, ثم قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن عبد الرحيم, حدثنا أحمد بن يحيى, حدثنا عبيد الله بن جرير بن جبلة, حدثنا ابن عائشة, حدثنا حماد بن سلمة بن قتادة, عن أنس بن مالك, قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله, ذكر الله الطلاق مرتين, فأين الثالثة ؟ قال: "إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان".
وقوله: "ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً" أي لا يحل لكم أن تضاجروهن وتضيقوا عليهن, ليفتدين منكم بما أعطيتموهن من الأصدقة أو ببعضه, كما قال تعالى: "ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة" فأما إن وهبته المرأة شيئاً عن طيب نفس منها, فقد قال تعالى: "فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً فكلوه هنيئاً مريئاً" وأما إذا تشاقق الزوجان, ولم تقم المرأة بحقوق الرجل وأبغضته ولم تقدر على معاشرته, فلها أن تفتدي منه بما أعطاها, ولا حرج عليها في بذلها له, ولا حرج عليه في قبول ذلك منها, ولهذا قال تعالى: " ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به " الاية, فأما إذا لم يكن لها عذر, وسألت الافتداء منه, فقد قال ابن جرير: حدثنا ابن بشار, حدثنا عبد الوهاب ح وحدثني يعقوب بن إبراهيم, حدثنا ابن علية, قالا جميعاً: حدثنا أيوب عن أبي قلابة, عمن حدثه عن ثوبان, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال "أيما امرأة سألت زوجها طلاقها في غير ما بأس, فحرام عليها رائحة الجنة". وهكذا رواه الترمذي عن بندار, عن عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي به, وقال حسن: قال ويروى عن أيوب, عن أبي قلابة, عن أبي أسماء, عن ثوبان, ورواه بعضهم عن أيوب بهذا الإسناد ولم يرفعه. وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرحمن, حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة, قال: وذكر أبا أسماء وذكر ثوبان, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أيما امرأة سألت زوجها الطلاق في غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة". وهكذا رواه أبو داود وابن ماجه وابن جرير من حديث حماد بن زيد به.
(طريق أخرى) ـ قال ابن جرير: حدثني يعقوب بن إبراهيم, حدثنا المعتمر بن سليمان, عن ليث بن أبي إدريس, عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم, عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أيما امرأة سألت زوجها الطلاق في غير ما بأس حرم الله عليها رائحة الجنة" وقال: "المختلعات هن المنافقات". ثم رواه ابن جرير والترمذي جميعاً, عن أبي كريب, عن مزاحم بن داود بن علية, عن أبيه, عن ليث هو ابن أبي سليم, عن أبي الخطاب, عن أبي زرعة, عن أبي إدريس, عن ثوبان, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "المختلعات هن المنافقات". ثم قال الترمذي: غريب من هذا الوجه وليس إسناده بالقوي.
(حديث آخر) ـ قال ابن جرير: حدثنا أيوب, حدثنا حفص بن بشر, حدثنا قيس بن الربيع, عن أشعث بن سوار, عن الحسن, عن ثابت بن يزيد, عن عقبة بن عامر, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن المختلعات المنتزعات هن المنافقات" غريب من هذا الوجه ضعيف.
(حديث آخر) ـ قال الإمام أحمد: حدثنا عفان, حدثنا وهيب, حدثنا أيوب عن الحسن, عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم "المختلعات والمنتزعات هن المنافقات".
(حديث آخر) ـ قال ابن ماجه: حدثنا بكر بن خلف أبو بشر, حدثنا أبو عاصم عن جعفر بن يحيى بن ثوبان, عن عمه عمارة بن ثوبان, عن عطاء عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "لا تسأل امرأة زوجها الطلاق في غير كنهه, فتجد ريح الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاماً". ثم قد قال طائفة كثيرة من السلف وأئمة الخلف: إنه لا يجوز الخلع إلا أن يكون الشقاق والنشوز من جانب المرأة فيجوز للرجل حينئذ قبول الفدية, واحتجوا بقوله تعالى: " ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله " قالوا: فلم يشرع الخلع إلا في هذه الحالة, فلا يجوز في غيرها إلا بدليل, والأصل عدمه, ممن ذهب إلى هذا ابن عباس وطاوس وإبراهيم وعطاء والحسن والجمهور حتى قال مالك والأوزاعي: لو أخذ منها شيئاً وهو مضار لها, وجب رده إليها, وكان الطلاق رجعياً قال مالك: وهو الأمر الذي أدركت الناس عليه, وذهب الشافعي رحمه الله إلى أنه يجوز الخلع في حال الشقاق وعند الاتفاق بطريق الأولى والأحرى, وهذا قول جميع أصحابه قاطبة, وحكى الشيخ أبو عمر بن عبد البر في كتاب الاستذكار له عن بكر بن عبد الله المزني, أنه ذهب إلى أن الخلع منسوخ بقوله: "وآتيتم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً" ورواه ابن جرير عنه, وهذا قول ضعيف ومأخذ مردود على قائله, وقد ذكر ابن جرير رحمه الله أن هذه الاية نزلت في شأن ثابت بن قيس بن شماس وامرأته حبيبة بنت عبد الله بن أبي بن سلول, ولنذكر طرق حديثها واختلاف ألفاظه, قال الإمام مالك في موطئه, عن يحيى بن سعيد, عن عمرة بنت عبد الرحمن بن سعيد بن زرارة: أنها أخبرته عن حبيبة بنت سهل الأنصارية, أنها كانت تحت ثابت بن قيس بن شماس, وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم, خرج إلى الصبح, فوجد حبيبة بنت سهل عند بابه في الغلس, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذه ؟ قالت: أنا حبيبة بنت سهل. فقال ما شأنك ؟ فقال: لا أنا ولا ثابت بن قيس لزوجها, فلما جاء زوجها ثابت بن قيس قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه حبيبة بنت سهل قد ذكرت ما شاء الله أن تذكر فقالت حبيبة: يا رسول الله كل ما أعطاني عندي, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خذ منها فأخذ منها وجلست في أهلها. وهكذا رواه الإمام أحمد عن عبد الرحمن بن مهدي عن مالك بإسناده مثله, ورواه أبو داود عن القعنبي عن مالك والنسائي عن محمد بن مسلمة عن ابن القاسم عن مالك.
(حديث آخر) ـ عن عائشة, قال أبو داود وابن جرير: حدثنا محمد بن معمر , حدثنا أبو عامر , حدثنا عمرو السدوسي عن عبد الله بن أبي بكر, عن عمرة, عن عائشة, "أن حبيبة بنت سهل كانت تحت ثابت بن قيس بن شماس فضربها فانكسر بعضها, فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الصبح فاشتكته إليه, فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثابتاً, فقال خذ بعض مالها وفارقها قال: ويصلح ذلك يا رسول الله ؟ قال نعم قال إني أصدقتها حديقتين فهما بيدها, فقال النبي صلى الله عليه وسلم خذهما وفارقها ففعل", وهذا لفظ ابن جرير وأبو عمرو السدوسي هو سعيد بن سلمة بن أبي الحسام.
(حديث آخر) فيه, عن ابن عباس رضي الله عنه, قال البخاري: حدثنا أزهر بن جميل, أخبرنا عبد الوهاب الثقفي, حدثنا خالد عن عكرمة, عن ابن عباس, "أن امرأة ثابت بن قيس بن شماس, أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله ما أعيب عليه في خلق ولا دين, ولكن أكره الكفر في الإسلام, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتردين إليه حديقته ؟ قالت: نعم, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقبل الحديقة وطلقها تطليقة". وكذا رواه النسائي عن أزهر بن جميل بإسناده مثله, ورواه البخاري أيضاً به, عن إسحاق الواسطي, عن خالد هو ابن عبد الله الطحان, عن خالد هو ابن مهران الحذاء, عن عكرمة, به نحوه, وهكذا رواه البخاري أيضاً من طرق عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس وفي بعضها أنها قالت: لا أطيقه يعني بغضاً. وهذا الحديث من إفراد البخاري من هذا الوجه, ثم قال: حدثنا سليمان بن حرب, حدثنا حماد بن زيد عن أيوب, عن عكرمة أن جميلة رضي الله عنها ـ كذا قال ـ والمشهور أن اسمها حبيبة كما تقدم, لكن قال الإمام أبو عبد الله بن بطة: حدثني أبو يوسف يعقوب بن يوسف الطباخ, حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي, حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري, حدثني عبد الأعلى, حدثنا سعيد عن قتادة, عن عكرمة, عن ابن عباس, أن جميلة بنت سلول أتت النبي صلى الله عليه وسلم, فقالت: والله ما أعتب على ثابت بن قيس في دين ولا خلق, ولكنني أكره الكفر في الإسلام لا أطيقه بغضاً, فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم تردين عليه حديقته ؟. قالت: نعم فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يأخذ ما ساق ولا يزداد, وقد رواه ابن مردويه في تفسيره عن موسى بن هارون, حدثنا أزهر بن مروان, حدثنا عبد الأعلى مثله, وهكذا رواه ابن ماجه عن أزهر بن مروان بإسناد مثله سواء, وهو إسناد جيد مستقيم, وقال ابن جرير: حدثنا ابن حميد, حدثنا يحيى بن واضح, حدثنا الحسين بن واقد عن ثابت, عن عبد الله بن رباح, عن جميلة بنت عبد الله بن أبي بن سلول, أنها كانت تحت ثابت بن قيس فنشزت عليه, فأرسل إليها النبي صلى الله عليه وسلم فقال "يا جميلة ما كرهت من ثابت ؟. قالت: والله ما كرهت منه ديناً ولا خلقاً, إلا أني كرهت دمامته, فقال لها, أتردين عليه الحديقة ؟. قالت: نعم, فردت الحديقة, وفرق بينهما". وقال ابن جرير أيضاً: حدثنا محمد بن عبد الأعلى, حدثنا المعتمر بن سليمان, قال: قرأت على فضيل عن أبي جرير, أنه سأل عكرمة هل كان للخلع أصل ؟ قال: كان ابن عباس يقول: إن أول خلع كان في الإسلام في أخت عبد الله بن أبي, أنها أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله لا يجمع رأسي ورأسه شيء أبداً, إني رفعت جانب الخباء فرأيته قد أقبل في عدة, فإذا هو أشدهم سواداً وأقصرهم قامة, وأقبحهم وجهاً, فقال زوجها: يا رسول الله, إني قد أعطيتها أفضل مالي حديقة لي, فإن ردت علي حديقتي, قال ما تقولين ؟ قالت: نعم وإن شاء زدته, قال: ففرق بينهما.
(حديث آخر) ـ قال ابن ماجه: حدثنا أبو كريب, حدثنا أبو خالد الأحمر عن حجاج, عن عمرو بن شعيب, عن أبيه عن جده, قال: كانت حبيبة بنت سهل تحت ثابت بن قيس بن شماس, وكان رجلاً دميماً, فقالت يا رسول الله, والله لولا مخافة الله إذا دخل علي بصقت في وجهه, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتردين إليه حديقته ؟ قالت: نعم, فردت عليه حديقته, قال: ففرق بينهما رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد اختلف الأئمة رحمهم الله في أنه هل يجوز للرجل أن يفاديها بأكثر مما أعطاها, فذهب الجمهور إلى جواز ذلك لعموم قوله تعالى: "فلا جناح عليهما فيما افتدت به" وقال ابن جرير: حدثنا يعقوب بن إبراهيم, حدثنا ابن علية, أخبرنا أيوب عن كثير مولى ابن سمرة أن عمر أتى بامرأة ناشز , فأمر بها إلى بيت كثير الزبل, ثم دعا بها فقال: كيف وجدت ؟ فقالت: ما وجدت راحة منذ كنت عنده إلا هذه الليلة التي كنت حبستني, فقال لزوجها: اخلعها ولو من قرطها, ورواه عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن كثير مولى ابن سمرة فذكر مثله, وزاد فحبسها فيه ثلاثة أيام, قال سعيد بن أبي عروبة عن قتادة, عن حميد بن عبد الرحمن: أن امرأة أتت عمر بن الخطاب, فشكت زوجها, فأباتها في بيت الزبل, فلما أصبحت قال لها: كيف وجدت مكانك ؟ قالت: ما كنت عنده ليلة أقر لعيني من هذه الليلة. فقال: خذ ولو عقاصها, وقال البخاري: وأجاز عثمان الخلع دون عقاص رأسها, وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر , عن عبد الله بن عقيل, أن الربيع بنت معوذ بن عفراء حدثته, قالت: كان لي زوج يقل علي الخير إذا حضرني, ويحرمني إذا غاب عني, قالت: فكانت مني زلة يوماً فقلت له: أختلع منك بكل شيء أملكه, قال: نعم, قالت: ففعلت, قالت: فخاصم عمي معاذ بن عفراء إلى عثمان بن عفان, فأجاز الخلع وأمره أن يأخذ عقاص رأسي فما دونه, أو قالت: ما دون عقاص الرأس, ومعنى هذا أنه يجوز أن يأخذ منها كل ما بيدها من قليل وكثير ولا يترك لها سوى عقاص شعرها, وبه يقول ابن عمر وابن عباس ومجاهد وعكرمة وإبراهيم النخعي وقبيصة بن ذؤيب والحسن بن صالح وعثمان البتي, وهذا مذهب مالك والليث والشافعي وأبي ثور , واختاره ابن جرير, وقال أصحاب أبي حنيفة: إن كان الإضرار من قبلها, جاز أن يأخذ منها ما أعطاها, ولا يجوز الزيادة عليه, فإن ازداد جاز في القضاء, وإن كان الإضرار من جهته لم يجز أن يأخذ منها شيئاً, فإن أخذ, جاز في القضاء. وقال الإمام أحمد وأبو عبيد وإسحاق بن راهويه: لا يجوز أن يأخذ أكثر مما أعطاها, وهذا قول سعيد بن المسيب وعطاء وعمرو بن شعيب والزهري وطاوس والحسن والشعبي وحماد بن أبي سليمان والربيع بن أنس, وقال معمر والحكم: كان علي يقول: لا يأخذ من المختلعة فوق ما أعطاها, وقال الأوزاعي: القضاة لا يجيزون أن يأخذ منها أكثر مما ساق إليها. (قلت): ويستدل لهذا القول بما تقدم من رواية قتادة عن عكرمة, عن ابن عباس في قصة ثابت بن قيس, فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأخذ منها الحديقة ولا يزداد, وبما روى عبد بن حميد حيث قال: أخبرنا قبيصة عن سفيان, عن ابن جريج, عن عطاء, أن النبي صلى الله عليه وسلم, كره أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها, يعني المختلعة, وحملوا معنى الاية على معنى "فلا جناح عليهما فيما افتدت به" أي من الذي أعطاها لتقدم قوله: " ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به " أي من ذلك, وهكذا كان يقرؤها الربيع بن أنس " فلا جناح عليهما فيما افتدت به " رواه ابن جرير, لهذا قال بعده " تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون ".
(فصل) قال الشافعي: اختلف أصحابنا في الخلع, فأخبرنا سفيان عن عمر بن دينار , عن طاوس, عن ابن عباس في رجل طلق امرأته تطليقتين ثم اختلعت منه بعد, يتزوجها إن شاء, لأن الله تعالى يقول: " الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون * فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا " قال الشافعي: وأخبرنا سفيان عن عمرو , عن عكرمة, قال: كل شيء أجازه المال فليس بطلاق, وروى غير الشافعي عن سفيان بن عيينة, عن عمرو بن دينار , عن طاوس, عن ابن عباس: أن إبراهيم بن سعد بن أبي وقاص سأله قال: رجل طلق امرأته تطليقتين ثم اختلعت منه, أيتزوجها ؟ قال: نعم, ليس الخلع بطلاق, ذكر الله الطلاق في أول الاية وآخرها, والخلع فيما بين ذلك, فليس الخلع بشيء, ثم قرأ "الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان" وقرأ: " فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره " وهذا الذي ذهب إليه ابن عباس رضي الله عنهما من أن الخلع ليس بطلاق وإنما هو فسخ, هو رواية عن أمير المؤمنين عثمان بن عفان وابن عمر , وهو قول طاوس وعكرمة, وبه يقول أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهوية وأبو ثور وداود بن علي الظاهري, وهو مذهب الشافعي في القديم, وهو ظاهر الاية الكريمة, والقول الثاني في الخلع: أنه طلاق بائن إلا أن ينوي أكثر من ذلك, قال مالك, عن هشام بن عروة, عن أبيه, عن جهمان مولى الأسلميين, عن أم بكر الأسلمية: أنها اختلعت من زوجها عبد الله خالد بن أسيد فأتيا عثمان بن عفان في ذلك, فقال: تطليقة إلا أن تكون سميت شيئاً فهو ما سميت, قال الشافعي: ولا أعرف جهمان, وكذا ضعف أحمد بن جنبل هذا الأثر , والله أعلم. وقد روي نحوه عن عمر وعلي وابن مسعود وابن عمر , وبه يقول سعيد بن المسيب والحسن وعطاء وشريح والشعبي وإبراهيم وجابر بن زيد, وإليه ذهب مالك وأبو حنيفة وأصحابه والثوري والأوزاعي وأبو عثمان البتي والشافعي في الجديد, غير أن الحنفية عندهم أنه متى نوى المخالع تطليقة أو اثنتين أو أطلق, فهو واحدة بائنة, وإن نوى ثلاثاً فثلاث, وللشافعي قول آخر في الخلع, وهو أنه متى لم يكن بلفظ الطلاق, وعري عن البينة, فليس هو بشيء بالكلية.
(مسألة) وذهب مالك وأبو حنيفة والشافعي وأحمد وإسحاق بن راهويه في رواية عنهما, وهي المشهورة, إلى أن المختلعة عدتها عدة المطلقة بثلاثة قروء, إن كانت ممن تحيض, وروي ذلك عن عمر وعلي وابن عمر , وبه يقول سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار وعروة وسالم وأبو سلمة وعمر بن عبد العزيز وابن شهاب والحسن والشعبي وإبراهيم النخعي وأبو عياض وخلاس بن عمر وقتادة وسفيان الثوري والأوزاعي والليث بن سعد وأبو العبيد. قال الترمذي: وهو قول أكثر أهل العلم من الصحابة وغيرهم, ومأخذهم في هذا أن الخلع طلاق, فتعتد كسائر المطلقات, والقول الثاني أنها تعتد بحيضة واحدة تستبرئ بها رحمها. قال ابن أبي شيبة. حدثنا يحيى بن سعيد عن نافع, عن ابن عمر : أن الربيع اختلعت من زوجها, فأتى عمها عثمان رضي الله عنه, فقال: تعتد بحيضة. قال: وكان ابن عمر يقول: تعتد ثلاث حيض, حتى قال هذا عثمان, فكان ابن عمر يفتي به, ويقول: عثمان خيرنا وأعلمنا. وحدثنا عبدة عن عبيد الله, عن نافع , عن ابن عمر , قال: عدة المختلعة حيضة. وحدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي, عن ليث, عن طاوس, عن ابن عباس, قال: عدتها حيضة, وبه يقول عكرمة وأبان بن عثمان وكل من تقدم ذكره ممن يقول أن الخلع فسخ يلزمه القول بهذا واحتجوا لذلك بما رواه أبو داود والترمذي حيث قال: كل منهما: حدثنا محمد بن عبد الرحيم البغدادي, حدثنا علي بن بحر , أخبرنا هشام بن يوسف عن معمر , عن عمرو بن مسلم, عن عكرمة, عن ابن عباس, أن امرأة ثابت بن قيس اختلعت من زوجها على عهد النبي صلى الله عليه وسلم, فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تعتد بحيضة, ثم قال الترمذي: حسن غريب, وقد رواه عبد الرزاق عن معمر , عن عمرو بن مسلم عن عكرمة مرسلاً.
(حديث آخر) ـ قال الترمذي: حدثنا محمود بن غيلان, حدثنا الفضل بن موسى عن سفيان, حدثنا محمد بن عبد الرحمن, وهو مولى آل طلحة, عن سليمان بن يسار, عن الربيع بنت معوذ بن عفراء, أنها اختلعت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم, فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم, أو أمرت أن تعتد بحيضة قال الترمذي: الصحيح أنها أمرت أن تعتد بحيضة.
(طريق أخرى) ـ قال ابن ماجه: حدثنا علي بن سلمة النيسابوري, حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد, حدثنا أبي عن ابن إسحاق, أخبرني عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت عن الربيع بنت معوذ بن عفراء, قال: قلت لها: حدثيني حديثك, قالت: اختلعت من زوجي, ثم جئت عثمان فسألت عثمان: ماذا علي من العدة ؟ قال: لا عدة عليك إلا أن يكون حديث عهد بك, فتمكثين عنده حتى تحيضي حيضة, قالت: وإنما اتبع في ذلك قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في مريم المغالية, وكانت تحت ثابت بن قيس, فاختلعت منه، وقد روى ابن لهيعة عن ابن الأسود, عن أبي سلمة ومحمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن الربيع بنت معوذ, قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر امرأة ثابت بن قيس حين اختلعت منه أن تعتد بحيضة. (مسألة) وليس للمخالع أن يراجع المختلعة في العدة بغير رضاها عن الأئمة الأربعة وجمهور العلماء, لأنها قد ملكت نفسها بما بذلت له من العطاء. وروي عن عبد الله بن أبي أوفى وماهان الحنفي وسعيد بن المسيب والزهري أنهم قالوا: إن رد إليها الذي أعطاها جاز له رجعتها في العدة بغير رضاها, وهو اختيار أبي ثور رحمه الله. وقال سفيان الثوري: إن كان الخلع بغير لفظ الطلاق فهو فرقة ولا سبيل له عليها, وإن كان يسمى طلاقاً فهو أملك لرجعتها ما دامت في العدة, وبه يقول داود بن علي الظاهري, واتفق الجميع على أن للمختلع أن يتزوجها في العدة, وحكى الشيخ أبو عمر بن عبد البر عن فرقة: أنه لا يجوز له ذلك كما لا يجوز لغيره, وهو قول شاذ مردود.
(مسألة) وهل له أن يوقع عليها طلاقاً آخر في العدة ؟ فيه ثلاثة أقوال للعلماء: (أحدها) ليس له ذلك, لأنها قد ملكت نفسها وبانت منه, وبه يقول ابن عباس وابن الزبير وعكرمة وجابر بن زيد والحسن البصري والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبو ثور. (والثاني) قال مالك: إن أتبع الخلع طلاقاً من غير سكوت بينهما, وقع, وإن سكت بينهما, لم يقع, قال ابن عبد البر: وهذا يشبه ما روي عن عثمان رضي الله عنه. (والثالث) أنه يقع عليها الطلاق بكل حال ما دامت في العدة, وهو قول أبي حنيفة وأصحابه والثوري والأوزاعي, وبه يقول سعيد بن المسيب وشريح وطاوس وإبراهيم والزهري والحاكم والحكم وحماد بن أبي سليمان, وروي ذلك عن ابن مسعود وأبي الدرداء, وقال ابن عبد البر: وليس ذلك بثابت عنهما.
وقوله " تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون " أي هذه الشرائع التي شرعها لكم. هي حدوده فلا تتجاوزوها, كما ثبت في الحديث الصحيح "إن الله حد حدوداً فلا تعتدوها, وفرض فرائض فلا تضيعوها, وحرم محارم فلا تنتهكوها, وسكت عن أشياء رحمة لكم غير نسيان فلا تسألوا عنها". وقد يستدل بهذه الاية من ذهب إلى أن جمع الطلقات الثلاث بكلمة واحدة حرام, كما هو مذهب المالكية ومن وافقهم, وإنما السنة عندهم أن يطلق واحدة لقوله "الطلاق مرتان" ثم قال " تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون " ويقوون ذلك بحديث محمود بن لبيد الذي رواه النسائي في سننه حيث قال: حدثنا سليمان بن داود , أخبرنا ابن وهب عن مخرمة بن بكير , عن أبيه, عن محمود بن لبيد, قال: أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعاً, فقام غضبان ثم قال "أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم" ؟ حتى قام رجل فقال: يا رسول الله, ألا أقتله ـ فيه انقطاع ـ.
المراد بالطلاق المذكور هو الرجعي بدليل ما تقدم في الآية الأولى: أي الطلاق الذي تثبت فيه الرجعة للأزواج هو مرتان: أي الطلقة الأولى والثانية، إذ لا رجعة بعد الثالثة، وإنما قال سبحانه: 229- "مرتان" ولم يقل طلقتان إشارة إلى أنه ينبغي أن يكون الطلاق مرة بعد مرة، لا طلقتان دفعة واحدة، كذا قال جماعة من المفسرين، ولما لم يكن بعد الطلقة الثانية إلا أحد أمرين، إما إيقاع الثالثة التي بها تبين الزوجة، أو الإمساك لها واستدامة نكاحها، وعدم إيقاع الثالثة عليها قال سبحانه: "فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان" أي فإمساك بعد الرجعة لمن طلقها زوجها طلقتين بمعروف: أي بما هو معروف عند الناس من حسن العشرة "أو تسريح بإحسان" أي بإيقاع طلقة ثالثة عليها من دون ضرار لها، وقيل المراد: "فإمساك بمعروف" أي برجعة بعد الطلقة الثانية "أو تسريح بإحسان" أي بترك الرجعة بعد الثانية حتى تنقضي عدتها. والأول أظهر. وقوله: "الطلاق" مبتدأ بتقدير مضاف: أي عدد الطلاق الذي تثبت فيه الرجعة مرتان. وقد اختلف أهل العلم في إرسال الثلاث دفعة واحدة هل يقع ثلاثاً أو واحدة فقط فذهب إلى الأول الجمهور، وذهب إلى الثاني من عداهم وهو الحق. وقد قررته في مؤلفاتي تقريراً بالغاً، وأفردته برسالة مستقلة. قوله: "ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً" الخطاب للأزواج: أي لا يحل للأزواج أن يأخذوا مما دفعوه إلى نسائهم من المهر شيئاً على وجه المضارة لهن، وتنكير "شيئاً" للتحقير: أي شيئاً نزراً فضلاً عن الكثير، وخص ما دفعوه إليهن بعدم حل الأخذ منه مع كونه لا يحل للأزواج أن يأخذوا شيئاً من أموالهن التي يملكنها من غير المهر لكون ذلك هو الذي تتعلق به نفس الزوج، وتتطلع لأخذه دون ما عداه، مما هو في ملكها، على أنه إذا كان أخذ ما دفعه إليها لا يحل له كان ما عداه ممنوعاً منه بالأولى- وقيل: الخطاب في قوله: "ولا يحل لكم" للأئمة والحكام ليطابق قوله: "فإن خفتم" فإن الخطاب فيه للأئمة والحكام، وعلى هذا يكون إسناد الأخذ إليهم لكونهم الآمرين بذلك. والأول أولى لقوله: "مما آتيتموهن" فإن إسناده إلى غير الأزواج بعيد جداً، لأن إيتاء الأزواج لم يكن عن أمرهم- وقيل: إن الثاني أولى لئلا يتشوش النظم. قوله: "إلا أن يخافا" أي لا يجوز لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً إلا أن يخافا " أن لا يقيما حدود الله " أي عدم إقامة حدود الله التي حدها للزوجين، وأوجب عليهما الوفاء بها من حسن العشرة والطاعة، فإن خافا ذلك "فلا جناح عليهما فيما افتدت به" أي لا جناح على الرجل في الأخذ، وعلى المرأة في الإعطاء بأن تفتدي نفسها من ذلك النكاح ببذل شيء من المال يرضى به الزوج فيطلقها لأجله، وهذا هو الخلع وقد ذهب الجمهور إلى جواز ذلك للزوج، وأنه يحل له الأخذ مع ذلك الخوف وهو الذي صرح به القرآن. وحكى ابن المنذر عن بعض أهل العلم أنه لا يحل له ما أخذ ولا يحبر على رده، وهذا في غاية السقوط. وقرأ حمزة: "إلا أن يخافا" على البناء للمجهول، والفاعل محذوف، وهو الأئمة والحكام واختاره أبو عبيد قال لقوله: "فإن خفتم" فجعل الخوف لغير الزوجين. وقد احتج بذلك من جعل الخلع إلى السلطان، وهو سعيد بن جبير والحسن وابن سيرين. وقد ضعف النحاس اختيار أبي عبيد المذكور . وقوله: " فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله " أي إذا خاف الأئمة والحكام، أو المتوسطون بين الزوجين وإن لم يكونوا أئمة وحكاماً عدم إقامة حدود الله من الزوجين، وهي ما أوجبه عليهما كما سلف. وقد حكي عن بكر بن عبد الله المدني أن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى في سورة النساء: "وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً أتأخذونه بهتاناً وإثماً مبيناً" وهو قول خارج عن الإجماع ولا تنافي بين الاثنين. وقد اختلف أهل العلم إذا طلب الزوج من المرأة زيادة على ما دفعه إليها من المهر وما يتبعه ورضيت بذلك المرأة هل يجوز أم لا؟ وظاهر القرآن الجواز لعدم تقييده بمقدار معين، وبهذا قال مالك والشافعي وأبو ثور، وروي مثل ذلك عن جماعة من الصحابة والتابعين وقال طاوس وعطاء والأوزاعي وأحمد وإسحاق: إنه لا يجوز، وسيأتي ما ورد في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقوله تعالى: "تلك حدود الله" أي أحكام النكاح والفراق المذكورة هي حدود الله التي أمرتم بامتثالها، فلا تعتدوها بالمخالفة لها فتستحقوا ما ذكره الله من التسجيل على فاعل ذلك بأنه ظالم.
229. قوله تعالى: " الطلاق مرتان " روي عن عروة بن الزبير قال: كان الناس في الابتداء يطلقون من غير حصر ولا عدد، وكان الرجل يطلق امرأته، فإذا قاربت انقضاء عدتها راجعها ثم طلقها كذلك ثم راجعها يقصد مضارتها فنزلت هذه الآية " الطلاق مرتان " يعني الطلاق الذي يملك الرجعة عقبيه مرتان، فإذا طلق ثلاثاً فلا تحل له إلا بعد نكاح زوج آخر.
قوله تعالى: " فإمساك بمعروف " قيل: أراد بالإمساك الرجعة بعد الثانية، والصحيح أن المراد منه: الإمساك بعد الرجعة، يعني إذا راجعها بعد الرجعة الثانية فعليه أن يمسكها بالمعروف كل ما يعرف في الشرع، من أداء حقوق النكاح وحسن الصحبة " أو تسريح بإحسان " هو أن يتركها بعد الطلاق حتى تنقضي عدتها وقيل الطلقة الثالثة.
قوله تعالى: " أو تسريح بإحسان " وصريح اللفظ الذي يقع به الطلاق من غير نية ثلاثة: الطلاق والفراق والسراح، وعند أبي حنيفة الصريح هو لفظ الطلاق فحسب، وجملة الحكم فيه أن الحر إذا طلق زوجته طلقة أو طلقتين بعد الدخول بها يجوز له مراجعتها بغير رضاها ما دامت في العدة، وإن لم يراجعها حتى انقضت عدتها، أو طلقها قبل الدخول بها أو خالعها فلا تحل له إلا بنكاح جديد بإذنها، وإذن وليها فإن طلقها ثلاثاً فلا تحل له، ما لم تنكح زوجاً غيره، وأما العبد إذا كانت تحته امرأة، فطلقها طلقتين فإنها لا تحل له إلا بعد نكاح زوج آخر.
واختلف أهل العلم فيما إذا كان أحد الزوجين رقيقاً، فذهب أكثرهم إلى أنه يعتبر عدد الطلاق بالزوج، فالحر يملك على زوجته الأمة ثلاث طلقات، والعبد لا يملك على زوجته الحرة إلا طلقتين، قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: الطلاق بالرجال والعدة بالنساء، يعني يعتبر في عدد الطلاق حال الرجل وفي قدر العدة حال المرأة، وهو قول عثمان وزيد بن ثابت وابن عباس رضي الله عنهم، وبه قال عطاء و سعيد بن المسيب وإليه ذهب مالك و الشافعي و أحمد و اسحاق ، وذهب قوم إلى أن الاعتبار بالمرأة في عدد الطلاق فيملك العبد على زوجته الحرة ثلاث طلقات ولا يملك الحر على زوجته الأمة إلا طلقتين وهو قول سفيان الثوري وأصحاب الرأي.
قوله تعالى " ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن " أعطيتموهن " شيئاً " من المهور وغيرها ثم استثنى الخلع فقال " إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله " نزلت في جميلة بنت عبد الله بن أبي أوفى ويقال: "حبيبة بنت سهل كانت تحت ثابت بن قيس بن شماس وكانت تبغضه وهو يحبها فكان بينهما كلام فأتت أباها فشكت إليه زوجها وقالت له: إنه يسيئ إلي ويضربني فقال: ارجعي إلى زوجك فإني أكره للمرأة أن لا تزال رافعة يديها تشكو زوجها قال: فرجعت إليه الثانية وبها أثر الضرب فقال لها: ارجعي إلى زوجك، فلما رأت أباها لا يشكيها أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكت إليه زوجها وأرته آثاراً بها من ضربه وقالت يا رسول الله: لا أنا ولا هو، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ثابت فقال: مالك ولأهلك؟ فقال: والذي بعثك بالحق نبياً ما على وجه الأرض أحب إلى منها غيرك، فقال لها: ما تقولين؟ فكرهت أن تكذب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سألها فقالت: صدق يا رسول الله ولكن قد خشيت أن يهلكني فأخرجني منه، وقالت: يا رسول الله ما كنت لأحدثك حديثاً ينزل الله عليك خلافه، هو من أكرم الناس محبة لزوجته، ولكني أبغضه فلا أنا ولا هو، قال ثابت: قد أعطيتها حديقة فلتردها علي وأخلي سبيلها فقال لها: تردين عليه حديقته وتملكين أمرك ؟ قالت: نعم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا ثابت خذ منها ما أعطيتها وخل سبيلها ففعل".
أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا زاهر بن جميل أخبرنا عبد الوهاب الثقفي أنا خالد عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يارسول الله إن ثابت ما أعتب عليه في خلق ولا دين، ولكني أكره الكفر بعد الإسلام " أتردين عليه حديقته "؟ قالت: نعم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اقبل الحديقة وطلقها تطليقة ".
قوله تعالى: " إلا أن يخافا " أي يعلما " أن لا يقيما حدود الله " قرأ أبو جعفر و حمزة و يعقوب " إلا أن يخافا " بضم الياء أي يعلم ذلك منهما، يعني: يعلم القاضي والولي ذلك من الزوجين، بدليل قوله تعالى: " فإن خفتم " فجعل الخوف لغير الزوجين، ولم يقل فإن خافا، وقرأ الآخرون " يخافا " بفتح الياء أي يعلم الزوجان من أنفسهما " أن لا يقيما حدود الله " تخاف المرأة أن تعصي الله في أمر زوجها، ويخاف الزوج إذا لم تطعه امرأته أن يعتدي عليها، فنهى الله الرجل أن يأخذ من امرأته شيئاً مما آتاها، إلا أن يكون النشوز من قبلها، فقالت: لا أطيع لك أمراً ولا أطالك مضجعاً ونحو ذلك.
قال الله تعالى: " فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به "ى أي فيما افتدت به المرأة نفسها منه، قال الفراء : أراد بقوله " عليهما " الزوج دون المرأة، فذكرهما جميعاً لاقترانهما كقوله تعالى " نسيا حوتهما " (61-الكهف)، وإنما الناسي فتى موسى دون موسى وقيل: أراد أنه لا جناح عليهما جميعاً، لا جناح على المرأة في النشوز إذا خشيت الهلاك والمعصية، ولا فيما افتدت به وأعطت من المال، لأنها ممنوعة من إتلاف المال بغير الحق، ولا على الزوج فيما أخذ منها من المال إذا أعطته طائعة، وذهب أكثر أهل العلم إلى أن الخلع جائز على أكثر مما أعطاها وقال الزهري : لا يجوز بأكثر مما أعطاها من المهر.
وقال سعيد بن المسيب : لا يأخذ منها جميع ما أعطاها بل يترك منه شيئاً، ويجوز الخلع على غير حال النشوز غير أنه لما فيه من قطع الوصلة بلاسبب.
أخبرنا أبو سعيد الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي أنا أبو عبد الله بن فنجويه الدينوري أنا عبد الله بن محمد بن شيبة أنا أحمد بن جعفر المستملي أنا أبو محمد يحيى بن إسحاق بن شاكر بن أحمد بن خباب أنا عيسى بن يونس أنا عبد الله بن الوليد الوصافي عن محارب بن دثار عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن من أبغض الحلال إلى الله الطلاق ".
أخبرنا أبو سعيد الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي أخبرني ابن فنجويه أنا ابن أبي أسماء الرحبي عن ثوبان يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أيما امرأة سألت زوجها الطلاق في غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة ".
وقال طاووس : الخلع يختص بحالة خوف النشوز غالباً، وإذا طلق الرجل امرأته بلفظ الطلاق على مال فقبلت وقعت البينونة وانتقص به العدد.
واختلف أهل العلم في الخلع فذهب أكثرهم إلى أنه تطليقة بائنة ينتقص به عدد الطلاق، وهو قول عمر وعثمان وعلي وابن مسعود، وبه قال سعيد بن المسيب و عطاء و الحسن و الشعبي و النخعي ، وإليه ذهب مالك و الثوري و الأوزاعي وأصحاب الرأي وهو أظهر قولي الشافعي ، وذهب قوم إلى أنه فسخ لا ينتقص به عدد الطلاق وهو قول عبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم، وبه قال عكرمة و طاووس وإليه ذهب أحمد و إسحاق ، واحتجوا بأن الله تعالى ذكر الطلاق مرتين ثم ذكر بعده الخلع، ثم ذكر بعده الطلقة الثالثة فقال، " فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره " ولو كان الخلع طلاقاً لكان الطلاق أربعاً، ومن قال بالأول جعل الطلقة الثالثة: " أو تسريح بإحسان ".
قوله تعالى: " تلك حدود الله " أي هذه أوامر الله ونواهيه، وحدود الله: ما منع الشرع من المجاوزة عنه " فلا تعتدوها " فلا تجاوزوها " ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون ".
229-" الطلاق مرتان " أي التطليق الرجعي اثنان لما روي " أنه صلى الله عليه وسلم سئل أين الثالثة ؟ فقال عليه الصلاة والسلام " أو تسريح بإحسان " " . وقيل ، معناه التطليق الشرعي تطليقة بعد تطليقة على التفريق ، ولذلك قالت الحنفية الجمع بين الطلقتين والثلاث بدعة . " فإمساك بمعروف " بالمراجعة وحسن المعاشرة ، وهو يؤيد المعنى الأول . " أو تسريح بإحسان " بالطلقة الثالثة ، أو بأن لا يراجعها حتى تبين ، وعلى المعنى الأخير حكم مبتدأ وتخيير مطلق عقب به تعليمهم كيفية التطليق . " ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً " أي من الصدقات . روي "أن جميلة بنت عبد الله بن أبي ابن سلول ، كانت تبغض زوجها ثابت بن قيس ، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : لا أنا ولا ثابت لا يجمع رأسي ورأسه شيء ، والله ما أعيبه في دين ولا خلق ولكني أكره الكفر في الإسلام ، وما أطيقه بغضاً إني رفعت جانب الخباء فرأيته أقبل في جماعة من الرجال ، فإذا هو أشدهم وأقصرهم قامة وأقبحهم وجهاً . فنزلت فاختلعت منه بحديقة كان أصدقها إياها" . والخطاب مع الحكام وإسناد الأخذ والإيتاء إليهم لأنهم الآمرون بهما عند الترافع . وقيل إنه خطاب للأزواج وما بعده خطاب للحكام وهو يشوش النظم على القراءة المشهورة . " إلا أن يخافا " أي الزوجان ، وقرئ " ظنا " وهو يؤيد تفسير الخوف بالظن . " أن لا يقيما حدود الله " يترك إقامة أحكامه من مواجب الزوجية . وقرأ حمزة و يعقوب " يخافا " على البناء للمفعول وإبدال أن بصلته من الضمير بدل الاشتمال . وقرئ تخافا و تقيما بتاء الخطاب ز " فإن خفتم " أيها الحكام ز " أن لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به " على الرجل في أخذ ما افتدت به نفسها واختلعت ، وعلى المرأة في إعطائه . " تلك حدود الله " إشارة إلى ما حد من الأحكام . " فلا تعتدوها " فلا تتعدوها بالمخالفة . " ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون " تعقب للنهي بالوعيد مبالغة في التهديد ، وأعلم أن ظاهر الآية يدل على أن الخلع لا يجوز من غير كراهة وشقاق ، ولا بجميع ما ساق الزوج إليها فضلاً عن الزائد ، ويؤيد ذلك قوله صلى الله عليه وسلم " أيما امرأة سألت زوجها طلاقاً من غير بأس ، فحرام عليها رائحة الجنة " . وما روي "أنه عليه الصلاة والسلام قال لجميلة :أتردين عليه حديقته ؟ فقالت : أردها وأزيد عليهافقال عليه الصلاة والسلام أما الزائد فلا " . والجمهور استكرهوه ولكن نفذوه فإن المنع عن العقد لا يدل على فساده ، وأنه يصح بلفظ المفاداة ، فإنه تعالى سماه افتداء . واختلف في أنه إذا جرى بغير لفظ الطلاق هل هو فسخ أو طلاق ، ومن جعله فسخاً احتج بقوله :
229. Divorce must be pronounced twice and then (a woman) must be retained in honor or released in kindness. And it is not lawful for you that ye take from women aught of that which ye have given them; except (in the case) when both fear that they may not be able to keep within the limits (imposed by) Allah. And if ye fear that they may not be able to keep the limits of Allah, in that case it is no sin for either of them if the woman ransom herself. These are the limits (imposed by) Allah. Transgress them not. For whoso transgresseth Allah's limits: such are wrongdoers.
229 - A divorce is only permissible twice: after that, the parties should either hold together on equitable terms, or separate with kindness. it is not lawful for you, (men), to take back any of your gift (from your wives), except when both parties fear that they would be unable to keep the limits ordained by God. if ye (judges) do indeed fear that they would be unable to keep the limits ordained by God, there is no blame on either of them if she give something for her freedom. these are the limits ordained by God such persons wrong (themselves as well as others).