[البقرة : 226] لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَآؤُوا فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
(للذين يؤلون من نسائهم) أي يحلفون أن لا يجامعوهن (تربُّص) انتظار (أربعة أشهر فإن فاؤوا) رجعوا فيها أو بعدها عن اليمين إلى الوطء (فإن الله غفور) لهم ما أتوه من ضرر المرأة بالحلف (رحيم) بهم
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: "للذين يؤلون" للذين يقسمون ألية، والألية
الحلف، كما:- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا مسلمة بن علقمة قال، حدثنا داود بن أبي هند، عن سعيد بن المسيب في قوله: "للذين يؤلون" يحلفون. يقال: آلى فلان يؤلي إيلاء وألية، كما قال الشاعر:
كفينا من تغيب في تراب وأحنثنا ألية مقسمينا
ويقال: ألوة وألوة، كما قال الراجز:
يا ألوة ما ألوة ما ألوتي
وقد حكي عنهم أيضا أنهم يقولون: إلوة مكسورة الألف. والتربص : النظر والتوقف.
ومعنى الكلام: للذين يؤلون أن يعتزلوا من نسائهم تربص أربعة أشهر، فترك ذكر أن يعتزلوا، اكتفاء بدلالة ما ظهرمن الكلام عليه. واختلف أهل التأويل في صفة اليمين التي يكون بها الرجل موليا من امرأته. فقال بعضهم: اليمين التي يكون بها الرجل موليا من امرأته: أن يحلف عليها- في حال غضب على وجه الضرار- أن لا يجامعها في فرجها، فأما إن حلف على غير وجه الاضرار، وعلى غير غضب، فليس هو موليا منها. ذكر من قال ذلك:حدثنا هناد بن السري قال، حدثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن حريث بن عميرة، عن أم عطية قالت، قال جبير: أرضعي ابن أخي مع ابنك! فقالت: ما أستطيع أن أرضع اثنين! فحلف أن لا يقربها حتى تفطمه. فلما فطمته مر به على المجلس، فقال له القوم: حسنا ما غذوتموه! قال جبير: إني حلفت أن لا أقربها حتى تفطمه! فقال له القوم: هذا إيلاء!! فأتى عليأ فاستفتاه، فقال: إن كنت فعلت ذلك غضبا فلا تصلح لك امرأتك، وإلا فهي امرأتك.حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن سماك، أنه سمع عطية بن جبير قال: توفيت أم صبي نسيبة لي، فكانت امرأة أبي ترضعه، فحلف أن لا يقربها حتى تفطمه. فلما مضت أربعة أشهر قيل له: قد بانت منك!- وأحسب، شك أبو جعفر، قال-: فأتى عليا يستفتيه فقال: إن كنت قلت ذلك غضبا فلا امرأة لك، وإلا فهي امرأتك. حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا أبو داود قال، حدثنا شعبة قال، أخبرني سماك قال، سمعت عطية بن جبير- يذكرنحوه عن علي.حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا عبد الوهاب بن عبد المجيد قال، حدثنا داود، عن سماك، عن رجل من بني عجل، عن أبي عطية: أنه توفي أخوه وترك ابنا له صغيرا، فقال أبو عطية لامرأته: أرضعيه! فقالت: إني أخشى أن تغيلهما، فحلف أن لا يقربها حتى تفطمهما، ففعل حتى فطمتهما. فخرج ابن أخي أبي عطية إلى المجلس، فقالوا: لحسن ما غذا أبو عطية ابن أخيه! قال: كلا! زعمت أم عطية أني أغيلهما، فحلفت أن لا أقربها حتى تفطمهما. فقالوا له: قد حرمت عليك امرأتك! فذكرت ذلك لعلي رضي الله عنه، فقال علي: إنما أردت الخير، وإنما الإيلاء في الغضب.حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا داود، عن سماك، عن أبي عطية: أن أخاه توفي- فذكر نحوه.حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس قال، أخبرنا داود بن أبي هند، عن سماك بن حرب: أن رجلا هلك أخوه فقال لامرأته: أرضعي ابن أخي. فقالت: أخاف أن تقع علي! فحلف أن لا يمسها حتى تفطم. فأمسك عنها، حتى إذا فطمته أخرج الغلام إلى قومه، فقالوا: لقد أحسنت غذاءه! فذكر لهم شأنه، فذكروا امرأته، قال: فذهب إلى علي- فاستحلفه بالله: ما أردت بذلك؟ ؟- يعني إيلاء قال: فردها عليه. - حدثنا علي بن عبد الأعلى قال، حدثنا المحاربي، عن أشعث بن سوار، عن سماك، عن عطية بن أبي عطية قال: توفي أخ لي وترك يتيما له رضيعا، وكنت رجلا معسرا، لم يكن بيدي ما أسترضع له. قال: فقالت لي امرأتي، وكان لي منها ابن ترضعه- إن كفيتني نفسك كفيتكهما! فقلت: وكيف أكفيك نفسي؟ قالت لا تقربني. فقلت: والله لا أقربك حتى تفطميهما. قال ففطمتهما وخرجا على القوم، فقالوا: ما نراك إلا قد أحسنت ولايتهما! قال: فقصصت عليهم القصة، فقالوا: ما نراك إلا آليت منها وبانت منك! قال: فأتيت عليا فقصصت عليه القصة، فقال: إنما الإيلاء ما أريد به الإيلاء.حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا محمد بن بكر البرساني قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن جابربن زيد، عن ابن عباس قال: لا إيلاء إلا بغضب .حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا سعيد، عن عمروبن دينار، عن عطاء، عن ابن عباس قال: لا إيلاء إلا بغضب.حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا أبو وكيع، عن أبي فزارة، عن يزيد بن الأصم، عن ابن عباس قال: لا إيلاء إلا بغضب. حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الوهاب قال، حدثنا داود، عن سماك بن حرب، عن أبي عطية، عن علي قال: لا إيلاء إلا بغضب. حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الأعلى، عن سعيد، عن قتادة، أن عليا قال: إذا قال الرجل لامرأته وهي ترضع: والله لا قربتك حتى تفطمي ولدي ، يريد به صلاح ولده، قال: ليس عليه ايلاء >. حدثنا أبو كريب قال، حدثنا إسحاق بن منصور السلولي، عن محمد بن مسلم الطائفي، عن عمروبن دينار، عن سعيد بن جبير قال: جاء رجل إلى علي فقال: إني قلت لامرأتي لا أقربها سنتين. قال: قد آليت منها. قال: إنما قلت لأنها ترضع! قال: فلا إذا. حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن داود بن أبي هند، عن سماك بن حرب، عن أبي عطية، عن علي أنه كان يقول: إنما الإيلاء ما كان في غضب، يقول الرجل: والله لا أقربك، والله لا أمسك! . فأما ما كان في إصلاح من أمر الرضاع وغيره، فإنه لا يكون إيلاء، ولا تبين منه. حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن- يعني ابن مهدي- قال، حدثنا حماد بن زيد، عن حفص عن الحسن: أنه سئل عنها فقال: لا والله، ما هو بإيلاء.حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا بشر بن منصور، عن ابن جريج، عن عطاء قال: إذا حلف من أجل الرضاع فليس بإيلاء.حدثنا المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني الليث قال، حدثني يونس قال: سألت ابن شهاب عن الرجل يقول: والله لا أقرب امرأتي حتى تفطم ولدي! قال: لا أعلم الإيلاء يكون إلا بحلف بالله، فيما يريد المرء أن يضار به امرأته من اعتزالها، ولا نعلم فريضة الإيلاء إلا على أولئك، فلا نرى أن هذا الذي أقسم بالاعتزال لامرأته حتى تفطم ولده، أقسم إلا على أمر يتحرى به فيه الخير، فلا نرى وجب على هذا ما وجب على المولي الذي يولي في الغضب. وقال آخرون: سواء إذا حلف الرجل على امرأته أن لا يجامعها في فرجها، كان حلفه في غضب أو غير غضب، كل ذلك إيلاء.
ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا ابن مهدي قال، حدثنا سفيان، عن مغيرة، عن إبراهيم- في رجل قال لامرأته: إن غشيتك حتى تفطمي ولدك فأنت طالق ، فتركها أربعة أشهر. قال: هو إيلاء.حدثنا محمد بن يحيى قال، أخبرنا عبد الأعلى قال، حدثنا سعيد، عن أبي معشر، عن النخعي قال: كل شيء يحول بينه وبين غشيانها، فتركها حتى تمضي أربعة أشهر، فهو داخل عليه. حدثني المثنى قال، حدثنا حبان بن موسى قال، حدثنا ابن المبارك قال، أخبرنا أبو عوانة، عن المغيرة، عن القعقاع قال: سألت الحسن عن رجل ترضع امرأته صبيا، فحلف، أن لا يطأها حتى تفطم ولدها، فقال: ما أرى هذا بغضب، وإنما الإيلاء في الغضب، قال: وقال ابن سيرين: ما أدري ما هذا الذي يحدثون؟! إنما قال الله: "للذين يؤلون من نسائهم" إلى "فإن الله سميع عليم" إذا مضت أربعة أشهر، فليخطبها إن رغب فيها.حدثنا ابن بشار قال، حدثنا ابن مهدي قال، حدثنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم- في رجل حلف أن لا يكلم امرأته- قال: كانوا يرون الإيلاء في الجماع. حدثنا أبو السائب قال، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم قال، قال: كل يمين منعت جماعا حتى تمضي أربعة أشهر، فهي إيلاء.حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس قال، سمعت إسماعيل وأشعث، عن الشعبي مثله.
حدثنا ابن حميد قال: حدثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم والشعبي قالا: كل يمين
منعت جماعا فهي إيلاء. وقال آخرون: كل يمين حلف بها الرجل في مساءة امرأته، فهي إيلاء منه منها، على الجماع حلف أو غيره، في رضا حلف أو سخط. ذكر من قال ذلك:
حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن خصيف، عن الشعبي قال: كل يمين حالت بين الرجل وبين امرأته فهي إيلاء، إذا قال: والله لأغضبنك، والله لأسوأنك، والله لأضربنك ، وأشباه هذا.حدثني محمد بن عبد الله بن الحكم قال، حدثني أبي وشعيب، عن الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن ابن أبي ذئب العامري: أن رجلا من أهله قال لامرأته: إن كلمتك سنة فأشت طالق ، واستفتى القاسم وسالما فقالا: إن كلمتها قبل سنة فهي طالق، وإن لم تكلمها فهي طالق إذا مضت أربعة أشهر.حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان قال، سمعت حمادا قال، قلت لإبراهيم: الإيلاء: أن يحلف أن لا يجامعها ولا يكلمها ولا يجمع رأسه برأسها، أو ليغضبنها، أو ليحرمنها، أو ليسوأنها؟ قال: نعم. حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر
قال ،حدثنا شعبة قال: سألت الحكم عن رجل قال لامرأته: والله لأغيظنك ! فتركها أربعة أشهر، قال: هو إيلاء. حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا وهب بن جرير قال، سمعت شعبة قال: سألت الحكم، فذكر مثله.حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني الليث قال، حدثنا يونس قال، قال ابن شهاب، حدثني سعيد بن المسيب: أنه إن حلف رجل أن لا يكلم امرأته يوما أو شهرا، قال: فإنا نرى ذلك يكون إيلاء. وقال: الا أن يكون حلف أن لا يكلمها، فكان يمسها فلا نرى ذلك يكون من الإيلاء. والفيء، أن يفيء إلى امرأته فيكلمها أو يمسها. فمن فعل ذلك، قبل أن تمضي الأربعة أشهر، فقد فاء. ومن فاء بعد أربعة أشهر وهي في عدتها، فقد فاء وملك امرأته، غيرأنه مضت لها تطليقة. قال أبو جعفر: وعلة من قال: إنما الإيلاء في الغضب والضرار: أن الله تعالى ذكره إنما جعل الأجل الذي أجل في الإيلاء مخرجا للمرأة من عضل الرجل وضراره إياها، فيما لها عليه من حسن الصحبة والعشرة بالمعروف. وإذا لم يكن الرجل لها عاضلا ولا مضارا بيمينه وحلفه على ترك جماعها، بل كان طالبا بذلك رضاها، وقاضيا بذلك حاجتها، لم يكن بيمينه تلك موليا. لأنه لا معنى هنالك لحق المرأة به من قبل بعلها مساءة وسوء عشرة، فيجعل الأجل- الذي جعل للمولي- لها مخرجا منه. وأما علة من قال: الإيلاء في حال الغضب والرضا سواء، عموم الآية، وأن الله تعالى ذكره لم يخصص من قوله: "للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر" بعضا دون بعض، بل عئم به كل مول ومقسم. فكل مقسم على امرأته أن لا يغشاها مدة هي أكثر من الأجل الذي جعل الله له تربصه، فمول من امرأته عند بعضهم. وعند بعضهم: هو مول، وإن كانت مدة يمينه الأجل الذي جعل له ترئصه. وأما علة من قال بقول الشعبي والقاسم وسالم: أن الله تعالى ذكره جعل الأجل الذي حده للمولي مخرجا للمرأة من سوء عشرة بعلها إياها وضراره بها. وليست اليمين عليها بأن لا يجامعها ولا يقربها، بأولى بأن تكون من معاني سوء العشرة والضرار، من الحلف عليها أن لا يكلمها أو يسوءها أو يغيظها. لأن كل ذلك ضررعليها وسوء عشرة لها. قال أبو جعفر: وأولى التأويلات التي ذكرناها في ذلك بالصواب، قول من قال: كل يمين منعت المقسم الجماع أكثر من المدة التي جعل الله للمولي تربصها، قائلا في غضب كان ذلك أو رضا. وذلك للعلة التي ذكرناها قبل لقائلي ذلك. وقد أتينا على فساد قول من خالف ذلك في كتابنا: كتاب اللطيف بما فيه الكفاية، فكرهنا إعادته في هذا الموضع.قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: فإن رجعوا إلى ترك ما حلفوا عليه أن يفعلوه بهن من ترك جماعهن، فجامعوهن وحنثوا في أيمانهم، "فإن الله غفور" لما كان منهم من الكذب في أيمانهم بأن لا يأتوهن ثم أتوهن ، ولما سلف منهم إليهن، من اليمين على ما لم يكن لهم أن يحلفوا عليه فحلفوا عليه، "رحيم" بهم وبغيرهم من عباده المؤمنين. وأصل الفيء، الرجوع من حال إلى حال، ومنه قوله تعالى ذكره: "وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما"إلى قوله: "حتى تفيء إلى أمر الله" [الحجرات: 9]، يعني: حتى ترجع إلى أمر الله. ومنه قول الشاعر:
ففاءت ولم تقض الذي أقبلت له ومن حاجة الإنسان ما ليس قاضيا
يقال منه: فاء فلان يفيء فيئة- مثل الجيئة وفيأ. والفيئة المرة. فأما في الظل فإنه يقال: فاء الظل يفيء فيوءا وفيا، وقد يقال: فيوءا أيضا في المعنى الأول، لأن الفيء في كل الأشياء بمعنى الرجوع. وبمثل الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل، غير أنهم اختلفوا فيما يكون به المولي فائيا. فقال بعضهم: لا يكون فائيا إلا بالجماع. ذكر من قال ذلك: حدثنا علي بن سهل الرملي قال، حدثنا مؤمل قال، حدثنا سفيان، عن ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس قال: الفيء الجماع. حدثنا أبو كريب قال، حدثنا أبو نعيم، عن يزيد بن زياد بن أبي الجعد، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس قال: الفيء الجماع. حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس مثله.
حدثنا محمد بن يحيى قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا سعيد، عن صاحب له، عن الحكم بن عتيبة، عن مقسم، عن ابن عباس مثله.
حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن حصين، عن الشعبي، عن مسروق قال: الفيء الجماع.حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا ابن أبي عدي، عن شعبة، عن حصين، عن الشعبى، عن مسروق مثله. حدثنا عبد الحميد بن بيان قال، أخبرنا محمد بن يزيد، عن إسماعيل قال: كان عامر لا يرى الفيء إلا الجماع.حدثنا تميم بن المنتصر قال: أخبرنا يزيد بن هارون قال، أخبرنا إسماعيل، عن عاه بمثله.حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن علي بن بذيمة، عن سعيدبن جبير قال: الفيء الجماع.حدثنا أبو عبد الله النشائي قال،حدثنا إسحاق الأزرق، عن سميان، عن علي بن بذيمة، عن سعيد بن جبير مثله.حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة، عن سعيد بن جبير قال: الفيء الجماع، لا عذر له إلا أن يجامع وإن كان في سجن أو سفر- سعيد القائل.حدثني محمد بن يحيى قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثثا سعيد، عن قتادة، عن سعيدبن جبيرأنه قال: لا عذرله حتى يغشى.حدثني المثنى بن إبراهيم قال، حدثنا الحجاج بن المنهال قال، حدثنا حماد، عن حماد وإياس، عن الشعبي- قال أحدهما: عن مسروق- قال: الفيء الجماع- وقال الآخر عن الشعبي: الفيء الجماع.
حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الأعلى، عن سعيد، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب- في رجل آلى من امرأته، ثم شغله مرض- قال: لا عذر له حتى يغشى. حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا معاذ بن هشام قال، حدثني أبي، عن قتادة، في سعيدبن جبير- في الرجل يولي من امرأته قبل أن يدخل بها أو بعد ما دخل بها، فيعرض له عارض يحبسه، أو لا يجد ما يسوق: أنه إذا مضت أربعة أشهر، أنها أحق بنفسها حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن منصور، عن الحكم والشعبي قالا: إذا الى الرجل من امرأته، ثم أراد أن يفيء، فلا فيء إلا الجماع. وقال آخرون: الفيء: المراجعة باللسان أو القلب في حال العذر، وفي غير حال العذر الجماع. ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن يحيى قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، في الحسن وعكرمة أنهما قالا: إذا كان له عذر فأشهد، فذاك له، يعني في رجل آلى من امرأته فشغله مرض أو طريق، أشهد على مراجعة امرأته.
حدثنا محمد بن يحيى قال، أخبرنا عبد الأعلى قال، حدثنا سعيد، عن صاحب له، عن الحكم قال: تذاكرنا أنا والنخعي ذاك، فقال النخعي: إذا كان له عذر فأشهد، فقد فاء. وقلت أنا: لا عذر له حتى يغشى. فانطلقنا إلى أبي وائل، فقال: إني أرجو إذا كان له عذر فأشهد، جاز. حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة، عن الحسن قال: إن آلى، ثم مرض أو سجن أو سافر فراجع، فإن له عذرا أن لا يجامع، قال: وسمعت الزهري يقول مثل ذلك. حدثني المثنى قال، حدثنا حبان بن موسى قال، أخبرنا ابن المبارك قال، أخبرنا أبو عوانة، عن مغيرة، عن إبراهيم- في النفساء يولي منها زوجها- قال: هذه في محارب، سئل عنها أصحاب عبد الله فقالوا: إذا لم يستطع كفر عن يمينه، وأشهد على الفيء.حدثنا أبو السائب قال، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن أبي الشعثاء قال: نزل به ضيف فآلى من امرأته فنفست، فأراد أن يفيء، فلم يستطع أن يقربها من أجل نفاسها، فأتى علقمة فذكر ذلك له، فقال: أليس قد فئت بقلبك ورضيت؟ قال: بلى! قال: فقد فئت! هي امرأتك!. حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن الأعمش، عن إبراهيم: أن رجلا آلى من امرأته فولدت قبل أن تمضي أربعة أشهر، أراد الفيئة فلم يستطع من أجل الدم حتى مضت أربعة أشهر، فسأل عنها علقمة بن قيس فقال: أليس قد راجعتها في نفسك؟ قال: بلى! قال: فهي امرأتك. حدثنا عمران بن موسى قال، حدثنا عبد الوارث قال، أخبرنا عامر، عن الحسن قال: إذا الى من امرأته ثم لم يقدر أن يغشاها من عذر، قال: يشهد أنه قد فاء، وهي امرأته. حدثنا عمران قال، حدثنا عبد الوارث قال، حدثنا عامر، عن حماد، عن إبراهيم، عن علقمة بمثله. حدثنا ابن بشار، قال، حدثنا معاذ بن هشام قال، حدثني أبي، عن قتادت، عن عكرمة، قال: وحدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن عكرمة قال: إذا آلى من امرأته فجهد أن يغشاها فلم يستطع، فله أن يشهد على رجعتها. حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الأعلى، عن سعيد، عن قتادة، عن الحسن وعكرمة: أنهما سئلا عن رجل الى من امرأته، فشغله أمر، فأشهد على مراجعة امرأته، قالا: إذا كان له عذر فذاك له. حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا غندر قال، حدثنا شعبة، عن الحكم قال: انطلقت أنا وإبراهيم إلى أبي الشعثاء، فحدث أن رجلا من بني سعد بن همام آلى من امرأته فنفست، فلم يستطع أن يقربها، فسأل الأسود- أو بعض أصحاب عبد الله- فقال: إذا أشهد فهي امرأته.حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا غندر قال، حدثنا شعبة، عن حماد، عن إبراهيم أنه قال: إن كان له عذر فأشهد، فذلك له- يعني المولي من امرأته. حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن مغيرة، عن إبراهيم: أنه كان يحدث عن أبي الشعثاء، عن علقمة وأصحاب عبد الله أنهم قالوا- في الرجل إذا آلى من امرأته فنفست- قالوا: إذا أشهد فهي امرأته.
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن- حماد قال: إذا آلى الرجل من امرأته ثم فاء، فليشهد على فيئه. وإذا آلى الرجل من امرأته وهو في أرض غير الأرض التي فيها امرأته، فليشهد على فيئه. فإن أشهد وهو لا يعلم أن ذلك لا يجزيه من وقوعه عليها، فمضت أربعة أشهر قبل أن يجامعها، فهي امرأته. وإن علم أنه لا فيء إلا في الجماع في هذا الباب، ففاء وأشهد على فيئه ولم يقع عليها حتى مضت أربعة أشهر، فقد بانت منه. حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني الليث قال، حدثني يونس قال: قال ابن شهاب: حدثني سعيد بن المسيب: أنه إذا آلى الرجل من امرأته، قال: فإن كان به مرض ولا يستطيع أن يمسها، أو كان مسافرا فحبس، قال: فإذا فاء وكفر عن يمينه، فأشهد على فيئه قبل أن تمضي أربعة أشهر، فلا نراه إلا قد صلح له أن يمسك امرأته، ولم يذهب من طلاقها شيء. قال، وقال ابن شهاب- في رجل يولي من امرأته، ولم يبق لها عليه إلا تطليقة، فيريد أن يفيء في اخر ذلك وهو مريض أو مسافر، أو هي مريضة أو طامث أو غائبة لا يقدر على أن يبلغها، حتى تمضي أربعة أشهر- أله في شيء من ذلك رخصة، أن يكفر عن يمينه ولم يقدر على أن يطأ امرأته؟ قال: نرى، والله أعلم، إن فاء قبل الأربعة الأشهر فهي امرأته، بعد أن يشهد على ذلك، ويكفر عن يمينه، وإن لم يبلغها ذلك من فيئته، فإنه قد فاء قبل أن يكون طلاقا.حدثت عن عمار بن الحسن قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قال: الفيء الجماع. فإن هو لم يقدر على المجامعة وكانت به علة مرض أو كان غائبا أو كان محرما أو شيء له فيه عذر، ففاء بلسانه وأشهد على الرضا، فإن ذلك له فيء إن شاء الله. وقال آخرون: الفيء المراجعة باللسان بكل حال. ذكر من قال ذلك:حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا الضحاك بن مخلد، عن سفيان، عن منصور وحماد، عن إبراهيم قال: الفيء أن يفيء بلسانه.حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا حماد بن سلمة، عن زياد الأعلم، عن الحسن قال: الفيء الإشهاد.حدثني المثنى قال، حدثني الحجاج قال، حدثنا حماد، عن زياد الأعلم، عن الحسن مثله.حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن أيوب، عن أبي
قلابة، قال: إن فاء في نفسه أجزأه، يقول: قد فاء. حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن إسماعيل بن رجاء قال: ذكروا الإيلاء عند إبراهيم فقال: أرأيت إن لم ينتشر ذكره ؟ إذا أشهد فهي امرأته. قال أبو جعفر: وإنما اختلف المختلفون في تأويل الفيء على قدر اختلافهم في معنى اليمين التي تكون إيلاء. فمن كان من قوله: إن الرجل لا يكون موليا من امرأته الإيلاء الذي ذكره الله في كتابه إلا بالحلف عليها أن لا يجامعها، جعل الفيء الرجوع إلى فعل ما حلف عليه أن لا يفعله من جماعها، وذلك الجماع في الفرج إذا قدر على ذلك وأمكنه، وإذا لم يقدر عليه ولم يمكنه، فإحداث النية أن يفعله إذا قدر عليه وأمكنه، وإبداء ما نوى من ذلك بلسانه ليعلمه المسلمون، في قول من قال ذلك.
وأما قول من رأى أن الفيء هو الجماع دون غيره، فإنه لم يجعل العائق له عذرا، ولم يجعل له مخرجا من يمينه غير الرجوع إلى ما حلف على تركه، وهو الجماع. وأما من كان من قوله أنه قد يكون موليا منها بالحلف على ترك كلامها، أو على أن يسوءها أو يغيظها أو ما أشبه ذلك من الأيمان، فإن الفيء عنده الرجوع إلى ترك ما حلف عليه أن يفعله- مما فيه من مساءتها- بالعزم على الرجوع عنه، وإبداء ذلك بلسانه، في كل حال عزم فيها على الفيء. قال أبو جعفر: وأولى الأقوال بالصحة في ذلك عندنا، قول من قال: الفيء هو الجماع ، لأن الرجل لا يكون موليا عندنا من امرأته إلا بالحلف على ترك جماعها المدة التي ذكرنا، للعلل التي وصفنا قبل. فإذ كان ذلك هو الإيلاء، فالفيء الذي يبطل حكم الإيلاء عنه، لا شك أنه غير جائز أن يكون إلا ما كان للذي آلى عليه خلافا. لأنه لما جعل حكمه إن لم يفىء إلى ما آلى على تركه، الحكم الذي بينه الله لهم في كتابه، كان الفيء إلى ذلك، معلوم أنه فعل ما آلى على تركه إن أطاقه، وذلك هو الجماع. غير أنه إذا حيل بينه وبين الفيء- الذي هو جماع- بعذر، فغير جائز أن يكون تاركا جماعها على الحقيقة. لأن المرء إنما يكون تاركا ،ما له إلى فعله وتركه سبيل. فأما من لم يكن له إلى فعل أمر سبيل، فغير كائن تاركه. وإذ كان ذلك كذلك، فإحداث العزم في نفسه على جماعها، مجزىء عنه في حال العذر، حتى يجد السبيل إلى جماعها. وإن أبدى ذلك بلسانه وأشهد على نفسه في تلك الحال بالأوبة والفيء، كان أعجب إلي. اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.
فقال بعضهم: معنى ذلك: "فإن الله غفور" لكم فيما اجترمتم بفيئكم إليهن، من الحنث في اليمين التي حلفتم عليهن بالله أن لا تغشوهن، "رحيم " بكم في تخفيفه عنكم كفارة أيمانكم التي حلفتم عليهن، ثم حنثتم فيه. ذكر من قال ذلك:حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن، "فإن فاؤوا فإن الله غفور رحيم " قال: لا كفارة عليه.حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة، عن الحسن قال: إذا فاء فلا كفارة عليه. حدثنا المثنى قال، حدثنا حبان بن موسى قال، أخبرنا ابن المبارك قال، حدثنا أبو عوانة، عن مغيرة، عن إبراهيم قال: كانوا يرون في قول الله: "فإن فاؤوا فإن الله غفور رحيم": أن كفارته فيؤه. قال أبو جعفر: وهذا التأويل الذي ذكرنا هو التأويل الواجب على قول من زعم أن كل حانث في يمين هو في المقام عليها حرج، فلا كفارة عليه في حنثه فيها، وأن كفارتها الحنث فيها. وأما على قول من أوجب على الحانث في كل يمين حلف بها [كفارة]، برا كان الحنث فيها أو غير بر، فإن تأويله: "فإن الله غفور" للمولين من نسائهم فيما حنثوا فيه من إيلائهم، بأن فاؤوا فكفروأ أيمانهم، بما ألزم الله الحانثين في أيمانهم من الكفارة، "رحيم" بهم، بإسقاطه عنهم العقوبة في العاجل والآجل على ذلك، بتكفيره إياه بما فرض عليهم من الجزاء والكفارة، وبما جعل لهم من المهل الأشهر الأربعة، فلم يجعل فيها للمرأة التي آلى منها زوجها ما جعل لها بعد الأشهر الأربعة، كما:- حدثني المثنى قال، حدثنا حبان قال، أخبرنا ابن المبارك قال، حدثنا يحيى بن بشر، أنه سمع عكرمة يقول: "للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاؤوا فإن الله غفور رحيم * وإن عزموا الطلاق"- قال: وتلك رحمة الله! ملكه أمرها الأربعة الأشهر الا من معذرة. لأن الله قال: "واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع" [النساء:34]. ذكر بعض من قال: إذا فاء المولي فعليه الكفارة. حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: "للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر" وهو الرجل يحلف لامرأته بالله لا ينكحها، فيتربص أربعة أشهر، فإن هو نكحها كفر يمينه بإطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام. حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني الليث قال، حدثني يونس قال، حدثني ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب بنحوه. حدثنا المثنى قال، حدثنا حبان بن موسى قال، أخبرنا ابن المبارك قال، أخبرنا حماد بن سلمة، عن حماد، عن إبراهيم قال: إذا آلى فغشيها قبل الأربعة الأشهر، كفر عن يمينه. حدثني المثنى قال، حدثنا حبان قال، أخبرنا ابن ابي المبارك قال، أخبرنا أبو عوانة، عن مغيرة، عن إبراهيم- في النفساء يولي منها زوجها- قال: هذه في محارب، سئل عنها أصحاب عبد الله، فقالوا. إذا لم يستطع كفر عن يمينه وأشهد على الفيء.حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قال: إن فاء فيها كفر يمينه، وهي امرأته.حدثت عن عمار، عن ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع مثله. حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عثام، عن الأعمش، عن إبراهيم في الإيلاء قال: يوقف قبل أن تمضي الأربعة الأشهر، فإن راجعها فهي امرأته، وعليه يمين: يكفرها إذا حنث. قال أبو جعفر: وهذا التأويل الثاني هو الصحيح عندنا في ذلك، لما قد بينا من العلل في كتابنا
كتاب الأيمان ، من أن الحنث موجب الكفارة في كل ما ابتدىء فيه الحنث من الأيمان بعد الحلف، على معصية كانت اليمين أوعلى طاعة.
فيه أربع وعشرون مسألة :
الأولى : قوله تعالى : " للذين يؤلون " (( يؤلون )) معناه يحلفون ، والمصدر إيلاء وألية وألوة وإلوة ، وقرأ أبي وابن عباس (( للذين يقسمون )) ،ومعلوم أن (( يقسمون )) تفسير (( يؤلون )) وقرئ (( للذين آلوا )) يقال : آلى يؤلي إيلاء ، وتألى تألياً ، وائتلى ائتلاء ، أي حلف ، ومنه " ولا يأتل أولو الفضل منكم " [ النور : 22 ] ، وقال الشاعر :
فآليت لا أنفك أحدو قصيدة تكون وإياها بها مثلاً بعدي
وقال آخر :
قليل الألايا حافظ ليمينه وإن سبقت منه الألية برت
وقال ابن دريد :
ألية باليعملات يرتمي بها النجاء بين أجواز الفلا
قال عبد الله بن عباس : كان إيلاء الجاهلية السنة والسنتين وأكثر من ذلك ، يقصدون بذلك إيذاء المرأة عند المساءة ، فوقت لهم أربعة أشهر ، فمن آلى باقل من ذلك فليس بإيلاء حكمي .
قلت :
وقد آلى النبي صلى الله عليه وسلم وطلق ، وسبب إيلائه سؤال نسائه إياه من النفقة ما ليس عنده ، كذا في صحيح مسلم ، وقيل : لأن زينب ردت عليه هديته ، فغضب صلى الله عليه وسلم فآلى منهن ، ذكره ابن ماجة .
الثانية : ويلزم الإيلاء كل من يلزمه الطلاق ، فالحر والعبد والسكران يلزمه الإيلاء ، وكذلك السفيه والمولى عليه إذا كان بالغاً غير مجنون ، وكذلك الخصي إذا لم يكن مجبوباً ، والشيخ إذا كان فيه بقية رمق ونشاط ، واختلف قول الشافعي في المجبوب إذا آلى ، ففي قول : لا إيلاء له ، وفي قول : يصح إيلاؤه ، والأول أصح وأقرب إلى الكتاب والسنة ، فإن الفيء هو الذي يسقط اليمين ، والفيء بالقول لا يسقطها ، فإذا بقيت اليمين المانعة من الحنث بقي حكم الإيلاء ، وإيلاء الأخرس بما يفهم عنه من كتابة أو إشارة مفهومة لازم له ، وكذلك الأعجمي إذا آلى من نسائه .
الثالثة : واختلف العلماء فيما يقع به الإيلاء من اليمين ، فقال قوم : لا يقع الإيلاء إلا باليمين بالله تعالى وحده لقوله عليه السلام : " من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت " ، وبه قال الشافعي في الجديد ، وقال ابن عباس ، كل يمين منعن جماعاً فهي إيلاء ، وبه قال الشعبي و النخعي و مالك وأهل الحجاز و سفيان الثوري وأهل العراق ، و الشافعي في القول الآخر ، و أبو ثور و أبو عبيد و ابن المنذر و القاضي أبو بكر بن العربي ، قال ابن عبد البر : وكل يمين لا يقدر صاحبها على جماع امرأته من أجلها إلا بأن يحنث فهو بها مول ، إذا كانت يمينه على أكثر من أربعة أشهر ، فكل من حلف بالله أو بصفة من صفاته أو قال : أقسم بالله ، أو أشهد بالله ، أو علي عهد الله وكفالته وميثاقه وذمته فإنه يلزمه الإيلاء ، فإن قال : أقسم أو أعزم ولم يذكر بـ(( الله )) فقيل : لا يدخل عليه الإيلاء ، إلا أن يكون أراد بـ(( الله )) ونواه ، ومن قال إنه يمين يدخل عليه ، وسيأتي بيانه في (( المائدة )) إن شاء الله تعالى ، فإن حلف بالصيام ألا يطأ امرأته فقال : إن وطئتك فعلي صيام شهر أو سنة فهو مول ، وكذلك كل ما يلزمه من حج أو طلاق أو عتق أو صلاة أوصدقة ، والأصل في هذه الجملة عموم قوله تعالى : " للذين يؤلون " ولم يفرق ، فإذا آلى بصدقة أو عتق عبد معي أو غير معين لزم الإيلاء .
الرابعة : فإن حلف بالله ألا يطأ واستثنى فقال : إن شاء فإنه يكون مولياً ، فإن وطئها فلا كفارة عليه في رواية ابن القاسم عن مالك ، وقال ابن الماجشون في المبسوط ، ليس بمول ، وهو أصح لأن الاستثناء يحل اليمين ويجعل الحالف كأنه لم يحلف ، وهو مذهب فقهاء الأمصار ، لأنه بين بالأستثناء أنه غير عازم على الفعل ، ووجه ما رواه ابن القاسم مبني على أن الاستثناء لا يحل اليمين ، ولكنه يؤثر في إسقاط الكفارة ، على ما يأتي بيانه في (( المائدة )) فلما كانت يمينه باقية منعقدة لزمه حكم الإيلاء وإن لم تجب عليه كفارة .
الخامسة ، فإن حلف بالنبي أو الملائكة أو الكعبة ألا يطأه ، أو قال هو يهودي أو نصراني أو زان إن وطئها ، فهذا ليس بمول ، قاله مالك وغيره ، قال الباجي : ومعنى ذلك عندي أنه أورده على غير وجه القسم ، وأما لو أورده على أنه مول بما قاله من ذلك أو غيره ، ففي المبسوط : أن ابن القاسم سئل عن الرجل سئل عن الرجل يقول لامرأته : لا مرحباً ، يريد بذلك الإيلاء يكون مولياً ، قال قال مالك : كل كلام نوى به الطلاق فهو طلاق ، وهذا والطلاق سواء .
السادسة : واختلف العلماء في الإيلاء المذكور في القرآن ، فقال ابن عباس : لا يكون مولياً حتى يحلف ألا يمسها أبداً ، وقالت طائفة ، إذا حلف ألا يقرب امرأته يوماً أو أقل أو أكثر ثم لم يطأ أربعة أشهر بانت منه بالإيلاء ، روي هذا عن ابن مسعود و النخعي و ابن أبي ليلى و الحكم و حماد بن أبي سليمان و قتادة ، وبه قال إسحاق قال ابن المنذر : وأنكر هذا القول كثير من أهل العلم ، وقال الجمهور : الإيلاء هو أن يحلف ألا يطأ أكثر من أربعة أشهر ، فإن حلف على أربعة فما دونها لايكون مولياً ، وكانت عندهم يميناً محضاً ، لو وطئ في هذه المدة لم يكن عليه شيء كسائر الإيمان ، هذا قول مالك و الشافعي و أحمد و أبي ثور ، وقال الثوري والكوفيون ، الإيلاء أن يحلف على أربعة أشهر فصاعداً ، وهو قول عطاء ، قال الكوفيون : جعل الله التربص في الإيلاء أربعة أشهر كما جعل عدة الوفاة أربعة أشهر وعشراً ، وفي العدة ثلاثة قروء ، فلا تربص بعد ، قالوا : فيجب بعد المدة سقوط الإيلاء ، ولا يسقط إلا بالفيء وهو الجماع في داخل المدة ، والطلاق بعد انقضاء الأربعة الأشهر ، واحتج مالك و الشافعي فقالا : جعل الله للمولي أربعة أشهر ، فهي له بكمالها لا اعتراض لزوجته عليه فيها ، كما أن الدين المؤجل لا يستحق صاحبه المطالبة به إلا بعد تمام الأجل ، ووجه قول إسحاق في قليل الأمد يكون صاحبه به مولياً إذا لم يطأ - القياس على من حلف على أكثر من أربعة أشهر فإنه يكون مولياً ، لأنه الإضرار باليمين ، وهذا المعنى موجود في المدة القصيرة .
السابعة : واختلفوا أن من حلف ألا يطأ أكثر من أربعة أشهر فانقضت الأربعة الأشهر ولم تطالبه امرأته ولا رفعته إلى السلطان ليوقفه ، لم يلزمه شيء عند مالك وأصحابه وأكثر أهل المدينة ، ومن علمائنا من يقول : يلزمه شيء عند مالك وأصحابه وأكثر أهل المدينة ، ومن علمائنا من يقول : يلزمه بانقضاء الأربعة الأشهر طلقة رجعية ، ومنهم من غيرهم من يقول : يلزمه طلقة بائنة بانقضاء الأربعة الأشهر . والصحيح ما ذهب إليه مالك وأصحابه ، وذلك أن المولي لا يلزمه طلاق حتى يوقفه السلطان بمطالبة زوجته له ليفيء فيراجع امرأته بالوطء ويكفر يمينه أو يطلق ، ولا يتركه حتى يفيء أو يطلق ، والفيء ، الجماع فيمن يمكن مجامعتها ، قال سليمان بن يسار ، كان تسعة رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يوقفون في الإيلاء ، قال مالك : وذلك الأمر عندنا ، وبه قال الليث و الشافعي و أحمد و إسحاق و أبو ثور ، وأختاره ابن المنذر .
الثامنة : وأجل المولي من يوم حلف لا من يوم تخاصمه امرأته وترفعه إلى الحاكم ، فإن خاصمته ولم ترض بامتناعه من الوطء ضرب له السلطان أجل أربعة أشهر من يوم حلف ، فإن وطئ فقد فاء إلى حق الزوجة وكفر عن يمينه ، وإن لم يفئ طلق عليه طلقة رجعية ، قال مالك ، فإن راجع لا تصح حتى يطأ في العدة ، قال الأبهري : وذلك أن الطلاق إنما وقع لدفع الضرر ، فمتى لم يطأ فالضرر باق ، فلا معنى للرجعة إلا أن يكون له عذر يمنعه من الوطء فتصح رجعته ، لأن الضرر قد زال ، وامتناعه من الوطء ليس من أجل الضرر وإنما هو من أجل العذر .
التاسعة : واختلف العلماء في الإيلاء في غير حال الغضب ، فقال ابن عباس : لا إيلاء إلا بغضب ،وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في المشهور عنه ، وقاله الليث و الشعبي و الحسن و عطاء ، كلهم يقولون : الإيلاء لا يكون إلا على وجه مغاضبة ومشارة وحرجة ومناكدة ألا يجامعها في فرجها إضراراً بها ، وسواء كان في ضمن ذلك إصلاح ولد أم لم يكن ، فإن لم يكن عن غضب فليس بإيلاء ، وقال ابن سيرين ، سواء كانت اليمين في غضب أو غير غضب هو إيلاء ، وقاله ابن مسعود و الثوري و مالك وأهل العراق و الشافعي وأصحابه و أحمد إلا أن مالكاً قال : ما لم يرد إصلاح ولد قال ابن المنذر : وهذا أصح ، لأنهم لما أجمعوا أن الظهار والطلاق وسائر الأيمان سواء في حال الغضب والرضا كان الإيلاء كذلك .
قلت : ويدل عليه عموم القرآن ، وتخصيص حالة الغضب يحتاج إلى دليل ولا يؤخذ من وجه يلزم ، والله أعلم .
العاشرة : قال عماؤنا : ومن امتنع من وطء امرأته بغير يمين حلفها إضراراً بها أمر بوطئها ، فإن أبى وأقام على امتناعه مضراً بها فرق بينه وبينها من غير ضرب أجل ، وقد قيل : يضرب أجل الإيلاء ، وقد قيل : لا يدخل على الرجل الإيلاء في هجرته من زوجته وإن أقام سنين لا يغشاها ،ولكنه يوعظ ويؤمر بتقوى الله تعالى في ألا يمسكها ضراراً .
الحادية عشرة : واختلفوا فيمن حلف ألا يطأ امرأته حتى تفطم ولدها لئلا يمغل ولدها ، ولم يرد إضراراً بها حتى ينقضي أمد الرضاع لم يكن لزوجته عند مالك مطالبة لقصد إصلاح الولد ، قال مالك : وقد بلغني أن علي بن أبي طالب سئل عن ذلك فلم يره إيلاء ، وبه قال الشافعي في أحد قوليه ، والقول الآخر يكون مولياً ، ولا اعتبار برضاع الولد ، وبه قال أبو حنيفة ز
الثانية عشر : وذهب مالك و الشافعي و أبو حنيفة وأصحابهم و الأوزاعي و أحمد بن حنبل إلى أنه لا يكون مولياً من حلف ألا يطأ زوجته في هذا البيت أو في هذه الدار لأنه يجد السبيل إلى وطئها في غير ذلك المكان ، قال ابن أبي ليلى و إسحاق : إن تركها أربعة أشهر بانت بالإيلاء ألا ترى أنه يوقف عند الأشهر الأربعة ، فإن حلف ألا يطأها في مصره أو بلده فهو مول عند مالك ، وهذا إنما يكون في سفر يتكلف المئونة والكلفة دون جنته أو مزرعته القريبة .
الثالثة عشر : قوله تعالى : " من نسائهم " يدخل فيه الحرائر والذميات والإماء إذا تزوجن ، والعبد يلزمه الإيلاء من زوجته ، قال الشافعي و أحمد و أبو ثور ، إيلاؤه مثل إيلاء الحر ، وحجتهم ظاهر قوله تعالى : " للذين يؤلون من نسائهم " فكان ذلك لجميع الأزواج قال ابن المنذر : وبه أقول ، وقال مالك و الزهري و عطاء بن أبي رباح و إسحاق ، أجله شهران ، وقال الحسن و النخعي : إيلاؤه من زوجته الأمة شهران ، ومن الحرة أربعة أشهر ، وبه قال أبو حنيفة وقال الشعبي : إيلاء الأمة نصف إيلاء الحرة .
الرابعة عشر : قال مالك وأصحابه و أبو حنيفة وأصحابه و الأوزاعي و النخعي وغيرهم : المدخول بها وغير المدخول بها سواء في لزوم الإيلاء فيهما ، وقال الزهري و عطاء و الثوري : لا إيلاء إلا بعد الدخول ، وقال مالك : ولا إيلاء من صغيرة لم تبلغ فإن آلى منها فبلغت لزم الإيلاء منيوم بلوغها .
الخامسة عشرة : وأما الذمي فلا يصح إيلاؤه ، كما لا يصح ظهاره ولا طلاقه ، وذلك أن نكاح أهل الشرك ليس عندنا بنكاح صحيح ، وإنما لهم شبعة يد، ولأنهم لا يكلفون الشرائع فتلزمهم كفارات الأيمان ، فلو ترافعوا إلينا في حكم الإيلاء لم ينبغ لحاكمنا أن يحكم بينهم ، ويذهبون إلى حكامهم ، فإن جرى ذلك مجرى النظام بينهم حكم بحكم الإسلام ، كما لو ترك المسلم وطء زوجته ضراراً من غير يمين .
السادسة عشر قوله تعالى : " تربص أربعة أشهر " التربص : التأني والتأخر ، مقلوب التصبر ، قال الشاعر :
تربص بها ريب المنون لعلها تطلق يوماً أو يموت حليلها
وأما فائدة توقيب الأربعة الأشهر فيما ذكر ابن عباس عن أهل الجاهلية كما تقدم فمنع الله من ذلك وجعل للزوج مدة أربعة أشهر في تأديب المرأة بالهجر ، لقوله تعالى : " واهجروهن في المضاجع " [ النساء : 34 ] .
وقد آلى النبي صلى الله عليه وسلم من أزواجه شهراً تأديباً لهن ، وقد قيل : الأربعة الأشهر هي التي لا تستطيع ذات الزوج أن تصبر عنه أكثر منها ، وقد روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يطوف ليلة بالمدينة فسمع امرأة تنشد :
ألا طال هذا الليل وأسود جانبه وأرقني أن لا حبيب ألاعبه
فوالله لولا الله لا شيء غيره لزعزع من هذا السرير جوانبه
مخافة ربي والحياء يكفني وإكرام بعلي أن تنال مراكبه
فلما كان من الغد استدعى عمر بتكل المرأة وقال لها : أين زوجك ؟ فقالت : بعثت به إلى العراق ! فاستدعى نساء فسألهن عن المرأة كم مقدار ما تصبر عن زوجها ؟ فقلن : شهرين ، ويقل صبرها في ثلاثة أشهر ، وينفد صبرها في أربعة أشهر ، فجعل عمر مدة غزو الرجل أربعة أشهر ، فإذا مضت أربعة أشهر استرد الغازين ووجه بقوم آخرين ، وهذا والله أعلم يقوي اختصاص مدة الإيلاء بأربعة أشهر .
السابعة عشر : قوله تعالى : " فإن فاؤوا " معناه رجعوا ، ومنه " حتى تفيء إلى أمر الله " [ الحجرات : 9 ] ، ومنه قيل للظل بعد الزوال ، فيء ، لأنه رجع من جانب المشرق إلى جانب المغرب ، فاء يفيء فيئة وفيوءاً ، وإنه لسريع الفيئة يعني الرجوع ، قال :
ففاءت ولم تقض الذي أقبلت له ومن حاجة الإنسان ما ليس قاضياً
الثامنة عشرة : قال ابن المنذر : أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على أن الفيء الجماع لمن لا عذر له ، فإن كان له عذر مرض أو سجن أو شبه ذلك فإن ارتجاعه صحيح وهي امرأته ، فإذا زال العذر بقدومه من سفره أو إفاقته من مرضه ، أو إنطلاقه من سجنه فأبى الوطء فرق بينهما إن كانت المدة قد انقصت ، قاله مالك في المدونة و المبسوط ، وقال عبد الملك : وتكون بائناً منه يوم انقضت المدة ، فإن صدق عذره بالفيئة إذا أمكنته حكم بصدقه فيما مضى ، فإن أكذب ما ادعاه من الفيئة بالإمتناع حين القدرة عليها ، حمل أمره على الكذب فيها واللدد ، وأمضيت الأحكام على ما كانت تجب في ذلك الوقت ، وقالت طائفة : إذا شهدت بينة بفيئته في حال العذر أجزأه ، قاله الحسن و عكرمة و النخعي وبه قال الأوزاعي ، وقال النخعي أيضاً ، يصح الفيء بالقول والإشهاد فقط ، ويسقط حكم الإيلاء ، أرأيت إن لم ينتشر للوطء ، قال ابن عطية : ويرجع هذا القول إن لم يطأ إلى باب الضرر ، وقال أحمد بن حنبل : إذا كان له عذر يفيء بقلبه ، وبه قال أبو قلابة ، وقال أبو حنيفة : إن لم يقدر على الجماع فيقول : قد فئت إليها ، قال الكيا الطبري : أبو حنيفة يقول فيمن آلى وهو مريض وبينه وبينها مدة أربعة أشهر ، وهي رتقاء أو صغيرة أو هو مجبوب : إنه إذا فاء إليها بلسانه ومضت المدة والعذر قائم فذلك فيء صحيح ، و الشافعي يخالفه على أحد مذهبيه ، وقالت طائفة ، لا يكون الفيء إلا بالجماع في حال العذر وغيره ، وكذلك قال سعيد بن جبير ، قال : وكذلك إن كان في سفر أو سجن .
التاسعة عشرة : أوجب مالك و الشافعي و أبو حنيفة وأصحابهم وجمهور العلماء الكفارة على المولي إذا فاء بجماع امرأته ، وقال الحسن : لا كفارة عليه ، وبه قال النخعي ، قال النخعي : كانوا يقولون إذا فاء لا كفارة عليه ، وقال إسحاق : قال بعض أهل التأويل في قوله تعالى " فإن فاؤوا " يعني لليمين التي حنثوا فيها ، وهو مذهب في الأيمان لبعض التابعين فيمن حلف على بر أو تقوى أو باب من الخير ألا يفعله فإنه يفعله ولا كفارة عليه ، والحجة له قوله تعالى : " فإن فاؤوا فإن الله غفور رحيم " ، ولم يذكر كفارة ، وأيضاً فإن هذا يتركب على أن لغو اليمين ما حلف على معصية ، وترك وطء الزوجة معصية .
قلت : وقد يستدل لهذا القول من السنة بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً مها فليتركها فإن تركها كفارتها " ، خرجه ابن ماجة في سننه ، وسيأتي لهذا مزيد بيان في آية الأيمان إن شاء الله تعالى ، وحجة الجمهور قوله عليه السلام : " من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه " .
الموفية عشرون : إذا كفر عن يمينه سقط عنه الإيلاء ، قاله علماؤنا ، وفي ذلك دليل على تقديم الكفارة على الحنث في المذهب ، وذلك إجماع في مسألة الإيلاء ، ودليل على أبي حنيفة في مسألة الأيمان ، إذ لا يرى جواز تقديم الكفارة على الحنث ، قاله ابن العربي .
الحادية والعشرون : قلت : بهذا الآية استدل محمد بن الحسن على امتناع جواز الكفارة قبل الحنث فقال : لما حكم الله تعالى للمولي بأحد الحكمين من فيء أو عزيمة الطلاق ، فلو جاز تقديم الكفارة على الحنث لبطل الإيلاء بغير فيء أو عزيمة الطلاق ، لأنه إن حنث لا يلزمه بالحنث شيء ، ومتى لم يلزم الحانث بالحنث شيء لم يكن مولياً وفي جواز تقديم الكفارة إسقاط حكم الإيلاء بغير ما ذكر الله ، وذلك خلاف الكتاب .
الإيلاء الحلف, فإذا حلف الرجل أن لا يجامع زوجته مدة, فلا يخلو إما أن يكون أقل من أربعة أشهر أو أكثر منها, فإن كانت أقل, فله أن ينتظر انقضاء المدة ثم يجامع امرأته, وعليها أن تصبر وليس لها مطالبته بالفيئة في هذه المدة, وهذا كما ثبت في الصحيحين عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, آلى من نسائه شهراً فنزل لتسع وعشرين, وقال الشهر تسع وعشرون ولهما عن عمر بن الخطاب نحوه, فأما إن زادت المدة على أربعة أشهر فللزوجة مطالبة الزوج عند انقضاء أربعة أشهر , إما أن يفيء أي يجامع, وإما أن يطلق فيجبره الحاكم على هذا, وهذا لئلا يضر بها, ولهذا قال تعالى: "للذين يؤلون من نسائهم" أي يحلفون على ترك الجماع عن نسائهم, فيه دلالة على أن الإيلاء يختص بالزوجات دون الإماء كما هو مذهب الجمهور "تربص أربعة أشهر" أي ينتظر الزوج أربعة أشهر من حين الحلف, ثم يوقف ويطالب بالفيئة أو الطلاق, ولهذا قال " فإن فاؤوا " أي رجعوا إلى ما كانوا عليه وهو كناية عن الجماع, قاله ابن عباس ومسروق والشعبي وسعيد بن جبير وغير واحد ومنهم ابن جرير رحمه الله "فإن الله غفور رحيم" لما سلف من التقصير في حقهن بسبب اليمين, قوله " فإن فاؤوا فإن الله غفور رحيم " فيه دلالة لأحد قولي العلماء , وهو القديم عن الشافعي أن المولى إذا فاء بعد الأربعة الأشهر أنه لا كفارة عليه, ويعتضد بما تقدم في الحديث عند الاية التي قبلها عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال: "من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها, فتركها كفارتها" كما رواه أحمد وأبو داود والترمذي, والذي عليه الجمهور وهو الجديد من مذهب الشافعي أن عليه التكفير لعموم وجوب التكفير على كل حالف, كما تقدم أيضاً في الأحاديث الصحاح, والله أعلم.
وقوله "وإن عزموا الطلاق" فيه دلالة على أن الطلاق لا يقع بمجرد مضي الأربعة أشهر , كقول الجمهور من المتأخرين, وذهب آخرون إلى أنه يقع بمضي أربعة أشهر تطليقة, وهو مروي بأسانيد صحيحة عن عمر وعثمان وعلي وابن مسعود وابن عباس وابن عمر وزيد بن ثابت, وبه يقول ابن سيرين ومسروق والقاسم وسالم والحسن وأبو سلمة وقتادة وشريح القاضي وقبيصة بن ذؤيب وعطاء وأبو سلمة بن عبد الرحمن وسليمان بن طرخان التيمي وإبراهيم النخعي والربيع بن أنس والسدي, ثم قيل: إنها تطلق بمضي الأربعة أشهر طلقة رجعية, قاله سعيد بن المسيب وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ومكحول وربيعة والزهري ومروان بن الحكم, وقيل: إنها تطلق طلقة بائنة, روي عن علي وابن مسعود وعثمان وابن عباس وابن عمر وزيد بن ثابت, وبه يقول عطاء وجابر بن زيد ومسروق وعكرمة والحسن وابن سيرين ومحمد بن الحنفية وإبراهيم وقبيصة بن ذؤيب وأبو حنيفة والثوري والحسن بن صالح, فكل من قال: إنها تطلق بمضي الأربعة أشهر أوجب عيها العدة, إلا ما روي عن ابن عباس وأبي الشعثاء: أنها إن كانت حاضت ثلاث حيض فلا عدة عليها, وهو قول الشافعي, والذي عليه الجمهور من المتأخرين أن يوقف فيطالب إما بهذا وإما بهذا ولا يقع عليها بمجرد مضيها طلاق, وروى مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه قال: إذا آلى الرجل من امرأته لم يقع عليه طلاق وإن مضت أربعة أشهر حتى يوقف, فإما أن يطلق وإما أن يفيء, وأخرجه البخاري. وقال الشافعي رحمه الله: أخبرنا سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد, عن سليمان بن يسار, قال: أدركت بضعة عشر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم يوقف المولى, قال الشافعي: وأقل ذلك ثلاثة عشر, ورواه الشافعي عن علي رضي الله عنه أنه يوقف المولى, ثم قال: وهكذا نقول, وهو موافق لما رويناه عن عمر وابن عمر وعائشة وعثمان وزيد بن ثابت وبضعة عشر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم, هكذا قال الشافعي رحمه الله. قال ابن جرير: حدثنا ابن أبي مريم, حدثنا يحيى بن أيوب, عن عبيد الله بن عمر, عن سهيل بن أبي صالح, عن أبيه, قال: سألت اثني عشر رجلاً من الصحابة عن الرجل يولي من امرأته, فكلهم يقول: ليس عليه شيء حتى تمضي الأربعة أشهر فيوقف, فإن فاء وإلا طلق, ورواه الدارقطني من طريق سهيل. (قلت) وهو يروى عن عمر وعثمان وعلي وأبي الدرداء وعائشة أم المؤمنين وابن عمر وابن عباس, وبه يقول سعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز ومجاهد وطاوس ومحمد بن كعب والقاسم, وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وأصحابهم رحمهم الله, وهو اختيار ابن جرير أيضاً, وهو قول الليث وإسحاق بن راهويه وأبي عبيد وأبي ثور وداود, وكل هؤلاء قالوا: إن لم يفئ ألزم بالطلاق, فإن لم يطلق طلق عليه الحاكم, والطلقة تكون رجعية, لها رجعتها في العدة, وانفرد مالك بأن قال, لا يجوز له رجعتها حتى يجامعها في العدة وهذا غريب جداً.
قد ذكر الفقهاء وغيرهم في مناسبة تأجيل المولي بأربعة أشهر, الأثر الذي رواه الإمام مالك بن أنس رحمه الله في الموطأ, عن عبد الله بن دينار , قال: خرج عمر بن الخطاب من الليل, فسمع امرأة تقول: ‌
‌تطاول هذا الليل واسود جانبه وأرقني أن لا خليل ألا عبه

‌‌فو الله لولا الله أني أراقبه لحرك من هذا السرير جوانبه ‌‌
فسأل عمر ابنته حفصة رضي الله عنها: كم أكثر ما تصبر المرأة عن زوجها ؟ فقالت: ستة أشهر أو أربعة أشهر , فقال عمر: لا أحبس أحداً من الجيوش أكثر من ذلك وقال محمد بن إسحاق, عن السائب بن جبير مولى ابن عباس وكان قد أدرك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم, قال: ما زلت أسمع حديث عمر أنه خرج ذات ليلة يطوف بالمدينة, وكان يفعل ذلك كثيراً إذ مر بامرأة من نساء العرب مغلقة بابها, تقول:
‌ تطاول هذا الليل وازور جانبه وأرقني أن لا ضجيع ألا عبه
ألا عبه طوراً وطوراً كأنما بدا قمراً في ظلمة الليل حاجبه
‌ يسر به من كان يلهو بقربه لطيف الحشا لا يحتويه أقاربه
فو الله لولا الله لا شيء غيره لنقض من هذا السرير جوانبه
ولكنني أخشى رقيباً موكلا بأنفاسنا لا يفتر الدهر كاتبه
مخافة ربي والحياء يصدني وإكرام بعلي أن تنال مراكبه
ثم ذكر بقية ذلك, كما تقدم أو نحوه, وقد روي هذا من طرق وهو من المشهورات. ‌‌‌‌‌‌‌‌‌
قوله: 226- "يؤلون" أي يحلفون: والمصدر إيلاً وألية وألوة، وقرأ ابن عباس: الذين آلوا يقال: آلى يؤالي ويأتلي بالتاء ائتلاء: أي حلف، ومنه: " ولا يأتل أولو الفضل منكم "، ومنه:
قليل الألايا حافظ ليمينه
البيت.
وقد اختلف أهل العلم في الإيلاء، فقال الجمهور: إن الإيلاء هو أن يحلف أن لا يطأ امرأته أكثر من أربعة أشهر، فإن حلف على أربعة أشهر فما دونهما لم يكن مولياً وكانت عندهم يميناً محضاً، وبهذا قال مالك والشافعي وأحمد وأبو ثور. وقال الثوري والكوفيون: الإيلاء أن يحلف على أربعة أشهر فصاعداً، وهو قول عطاء. وروي عن ابن عباس أنه لا يكون مولياً حتى يحلف أن لا يمسها أبداً. وقالت طائفة: إذا حلف أن لا يقرب امرأته يوماً أو أقل أو أكثر ثم لم يطأ أربعة أشهر بانت منه بالإيلاء. وبه قال ابن مسعود والنخعي وابن أبي ليلى والحكم وحماد بن أبي سليمان وقتادة وإسحاق. قال ابن المنذر: وأنكر هذا القول كثير من أهل العلم. قوله: "من نسائهم" يشمل الحرائر والإماء إذا كن زوجات، وكذلك يدخل تحت قوله: "للذين يؤلون" العبد إذا حلف من زوجته، وبه قال الشافعي وأحمد وأبو ثور قالوا: وإيلاؤه كالحر. وقال مالك والزهري وعطاء وأبو حنيفة وإسحاق: إن أجله شهران. وقال الشعبي: إيلاء الأمة نصف إيلاء الحرة. والتربص: التأني والتأخر، قال الشاعر:
تربص بها ريب المنون لعلها تطلق يوماً أو بموت حليلها
وقت الله سبحانه بهذه المدة دفعاً للضرار عن الزوجة. وقد كان أهل الجاهلية يؤلون السنة والسنتين وأكثر من ذلك يقصدون بذلك ضرار النساء. وقد قيل: إن الأربعة الأشهر هي التي لا تطيق المرأة الصبر عن زوجها زيادة عليها. قوله: " فإن فاؤوا " أي رجعوا ومنه: "حتى تفيء إلى أمر الله" أي ترجع، ومنه قيل للظل بعد الزوال فيء لأنه رجع عن جانب المشرق إلى جانب المغرب، يقال: فاء يفيء فيئة وفيوءاً، وإنه لسريع الفيئة: أي الرجعة، ومنه قول الشاعر:
ففاءت ولم تقض الذي أقبلت له ومن حاجة الإنسان ما ليس قاضيا
قال ابن المنذر: وأجمع كل من يحفظ عنه العلم على أن الفيء الجماع لمن لا عذر له، فإن كان له عذر مرض أو سجن فهي امرأته، فإذا زال العذر فابى الوطء فرق بينهما إن كانت المدة قد انقضت، قاله مالك، وقالت طائفة: إذا أشهد على فيئته بقلبه في حال العذر أجزأه. وبه قال الحسن وعكرمة والنخعي والأوزاعي وأحمد بن حنبل. وقد أوجب الجمهور على المولي إذا فاء بجماع امرأته الكفارة. وقال الحسن والنخعي: لا كفارة عليه.
226. قوله تعالى: " للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر " يؤلون أي يحلفون، والألية: اليمين والمراد من الآية: اليمين على ترك وطء المرأة، قال قتادة : كان الإيلاء طلاقاً لأهل الجاهلية، وقال سعيد بن المسيب : كان ذلك من ضرار أهل الجاهلية، كان الرجل لا يحب امرأته ولا يريد أن يتزوجها غيره، فيحلف أن لا يقربها أبداً، فيتركها لا أيماً ولا ذات بعل، وكانوا عليه في ابتداء الإسلام، فضرب الله له أجلاً في الإسلام، واختلف أهل العلم فيه: فذهب أكثرهم إلى أنه إن حلف أن لا يقرب زو جته أبداً أو سمى مدة أكثر من أربعة أشهر، يكون مولياً، فلا يتعرض له قبل مضي أربعة أشهر، وبعد مضيها يوقف ويؤمر بالفئ أو بالطلاق بعد مطالبة المرأة، والفئ هو الرجوع عما قاله بالوطء، إن قدر عليه، وإن لم يقدر فبالقول، فإن لم يفء ولم يطلق طلق عليه السلطان واحدة، وذهب إلى الوقوف بعد مضي المدة عمر وعثمان وعلي و أبو الدرداء و ابن عمر ، قال سليمان بن يسار : أدركت بضعة عشر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم يقول بوقف المولي. وإليه ذهب سعيد بن جبير و سليمان بن يسار و مجاهد ، وبه قال مالك و الشافعي و أحمد و إسحاق وقال بعض أهل العلم: إذا مضت أربعة أشهر تقع عليه طلقة بائنة، وهو قول ابن عباس وابن مسعود وبه قال سفيان الثوري وأصحاب الرأي.
وقال سعيد بن المسيب و الزهري : تقع طلقة رجعية، ولو حلف أن لا يطأ أقل من أربعة أشهر لا يكون مولياً، بل هو حالف، فإذا وطئها قبل مضي تلك المدة تجب عليه كفارة اليمين، ولو حلف أن لا يطأها أربعة أشهر لا يكون مولياً عند من يقول بالوقف بعد مضي المدة، لأن بقاء المدة شرط للوقف وثبوت المطالبة بالفيء أو الطلاق، وقد مضت المدة. وعند من لا يقول بالوقف يكون مولياً، ويقع الطلاق بمضي المدة.
ومدة الإيلاء: أربعة أشهر في حق الحر والعبد جميعاً عن الشافعي رحمه الله، لأنها ضربت لمعنى يرجع إلى الطبع، وهو قلة صبر المراة عن الزوج، فيستوي فيه الحر والعبد كمدة العنة.
وعند مالك رحمه الله و أبي حنيفة رحمه الله تنتصف مدة العنة بالرق، غير أن عند أبي حنيفة تتصف برق المرأة، وعند مالك برق الزوج، كما قالا في الطلاق.
قوله تعالى: " تربص أربعة أشهر " أي انتظار أربعة اشهر، والتربص: التثبت والتوقف " فإن فاؤوا " رجعوا عن اليمين بالوطء " فإن الله غفور رحيم " وإذا وطئ خرج عن الإيلاء وتجب عليه كفارة اليمين عند أكثر أهل العلم، وقال الحسن و إبراهيم النخعي و قتادة : لا كفارة عليه لأن الله تعالى وعد بالمغفرة فقال " فإن الله غفور رحيم " وذلك عند الأكثرين في إسقاط العقوبة لا في الكفارة، ولو قال لزوجته: إن قربتك فعبدي حر أو صرت طالقاً، أو لله علي عتق رقبة أو صوم أو صلاة فهو مول لأن المولي من يلزمه أمر بالوطء، ويوقف بعد مضي المدة فإن فاء يقع الطلاق أو العتق المعلق به، وإن التزم في الذمة تلزمه كفارة اليمين في قول، وفي قول يلزمه ما التزم في ذمته من الاعتاق والصلاة والصوم
226-" للذين يؤلون من نسائهم " أي يحلفون على أن لا يجامعوهن و الإيلاء : الحلف ، وتعديته بعلى ولكن لما ضمن هذا القسم معنى البعد عدي بمن . " تربص أربعة أشهر " مبتدأ وما قبله خبره ، أو فاعل الظرف على خلاف سبق ، والتربص الانتظار والتوقف أضيف إلى الظرف على الاتساع ، أي للمولى حق التلبث في هذه المدة فلا يطالب بفيء ، ولا طلاق ، ولذلك قال الشافعي : لا إيلاء إلا في أكثر من أربعة أشهر ويؤيده " فإن فاؤوا " رجعوا في اليمين بالحنث ، " فإن الله غفور رحيم " للمولى إثم حنثه إذا كفر ،أو ما توخى بالإيلاء من ضرار المرأة ونحوه ، بالفيئة التي هي كالتوبة .
226. Those who forswear their wives must wait four months; then, if they change their mind, lo! Allah is Forgiving, Merciful.
226 - For those who take an oath for abstention from their wives, awaiting for four month is ordained; if then they return, God is oft forgiving, most merciful.