[البقرة : 223] نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُم مُّلاَقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ
(نساؤكم حرث لكم) أي محل زرعكم الولد (فأتوا حرثكم) أي محله وهو القبل (أنَّى) كيف (شئتم) من قيام وقعود واضطجاع وإقبال وإدبار ونزل ردا لقول اليهود: من أتى امرأته في قبلها أي من جهة دبرها جاء الولد أحول (وقدموا لأنفسكم) العمل الصالح كالتسمية عند الجماع (واتقوا الله) في أمره ونهيه (واعلموا أنكم ملاقوه) بالبعث فيجازيكم بأعمالكم (وبشر المؤمنين) الذين اتقوه بالجنة
قوله تعالى نساؤكم حرث لكم الآية روى الشيخان وأبو داود والترمذي عن جابر قال كانت اليهود تقول إذا جامعها من ورائها جاء الولد أحول فنزلت نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم
وأخرج أحمد والترمذي عن ابن عباس قال جاء عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله هلكت قال وما أهلكك قال حولت رحلي الليلة فلم يرد عليه شيئا فأنزل الله الآية نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم أقبل وأدبر واتق الدبر والحيضة
وأخرج ابن جرير وأبو يعلي وابن مردويه من طريق زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري أن رجلا أصاب إمرأته في دبرها فأنكر الناس عليه ذلك فأنزلت نساؤكم حرث لكم الآية
وأخرج البخاري عن ابن عمر قال أنزلت هذه الآية في إتيان النساء في أدبارهن وأخرج الطبراني في الأوسط بسند جيد عنه قال إنما أنزلت

على رسول الله صلى الله عليه وسلم نساؤكم حرث لكم رخصة في إتيان الدبر
وأخرج أيضا عنه أن رجلا أصاب امرأة في دبرها في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنكر ذلك الناس فأنزل الله نساؤكم حرث لكم
وأخرج أبو داود والحاكم عن ابن عباس قال ان ابن عمر والله يغفر له وهم إنما كان أهل هذا الحي من الأنصار وهم أهل وثن مع هذا الحي من يهود وهم أهل كتاب كانوا يرون لهم فضلا عليهم في العلم فكانوا يقتدون بكثير من فعلهم وكان من أمر أهل الكتاب أنهم لا يأتون النساء إلا على حرف وذلك أستر ما تكون المرأة وكان هذا الحي من الأنصار قد اخذوا بذلك وكان هذا الحي من قريش يشرحون النساء شرحا ويتلذذون منهن مقبلات ومدبرات ومستلقيات فلما قدم المهاجرون المدينة تزوج رجل منهم إمرأة من الأنصار فذهب يصنع بها ذلك فأنكرته عليه وقالت إنما كنا نؤتى على حرف فسرى أمرهما فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم إن شئتم أي مقبلات ومدبرات ومستلقيات يعني بذلك موضع الولد قال الحافظ بن حجر في شرح البخاري السبب الذي ذكره ابن عمر في نزول الآية مشهور وكأن حديث أبي سعيد لم يبلغ ابن عباس وبلغه حديث ابن عمر فوهمه فيه
قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بذلك: نساؤكم مزدرع أولادكم، فأتوا مزدرعكم كيف شئتم، وأين شئتم. وإنما عنى بـ الحرث المزدرع ،الحرث هو الزرع، ولكنهن لما كن من أسباب الحرث، جعلن حرثاإذ كان مفهوما معنى الكلام. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن عبيد المحاربي قال حدثنا ابن المبارك، عن يونس، عن عكرمة، عن ابن عباس "فاتوا حرثكم "قال: منبت الولد.حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "نساؤكم حرث لكم" أما "الحرث" فهي مزرعة يحرث فيها.قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: فانكحوا مزدرع أولادكم من حيث شئتم من وجوه المأتى.والإتيان في هذا الموضع، كناية عن اسم الجماع.واختلف أهل التأويل في معنى قوله: "أنى شئتم" فقال بعضهم: معنى قوله :"أنى" كيف. ذكر من قال ذلك:حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن عطية قال، حدثنا شريك، عن عطاء، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس :"فاتوا حرثكم أنى شئتم " قال: يأتيها كيف شاء، ما لم يكن يأتيها في دبرها أو في الحيض. حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا شريك، عن عطاء، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قوله: "نساؤكم حرث لكم فاتوا حرثكم أنى شئتم " قال: ائتها أنى شئت، مقبلة ومدبرة، ما لم تأتها في الدبر والمحيض. حدثنا علي بن داود قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: "فاتوا حرثكم أنى شئتم" يعني بالحرث الفرج. يقول: تأتيه كيف شئت، مستقبله ومستدبره، وعلى أي ذلك أردت، بعد أن لا تجاوز الفرج إلى غيره، وهو قوله: " فاتوهن من حيث أمركم الله ". حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا شريك، عن عبد الكريم، عن عكرمة :"فاتوا حرثكم أنى شئتم " قال: يأتيها كيف شاء، ما لم يعمل عمل قوم لوط. حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا الحسن بن صالح، عن ليث، عن مجاهد: "فاتوا حرثكم أنى شئتم " قال:ياتيها كيف شاء، واتق الدبر والحيض. حدثني عبيد الله بن سعد قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي قال، حدثني يزيد: أن ابن كعب كان يقول: إنما قوله:"فاتوا حرثكم أنى شئتم"، يقول: ائتها مضجعة وقائمة ومنحرفة ومقبلة ومدبرة كيف شئت، إذا كان في قبلها.حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا حصين، عن مرة الهمداني قال: سمعته يحدث أن رجلا من اليهود لقي رجلا من المسلمين فقال له: أيأتي أحدكم أهله باركا؟ قال: نعم. قال: فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فنزلت هذه الآية: "نساؤكم حرث لكم فاتوا حرثكم أنى شئتم"، يقول: كيف شاء، بعد أن يكون في الفرج حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "نساؤكم حرث لكم فاتوا حرثكم أنى شئتم"، إن شئت قائما أو قاعدا أو على جنب، إذا كان يأتيها من الوجه الذي يأتي منه المحيض، ولا يتعدى ذلك إلى غيره.حدثنا موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "فاتوا حرثكم أنى شئتم"ائت حرثك كيف شئت من قبلها، ولا تأتيها في دبرها. "أنى شئتم"، قال: كيف شئتم. حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرنا عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبي هلال: أن عبد الله بن علي حدثه: أنه بلغه أن ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جلسوا يوما ورجل من اليهود قريب منهم، فجعل بعضهم يقول: إني لآتي امرأتي وهي مضطجعة. ويقول الآخر: إني لآتيها وهي قائمة. ويقول الآخر: إني لآتيها على جنبها وباركة. فقال اليهودي: ما أنتم إلا أمثال البهائم! ولكنا انما نأتيها على هيئة واحدة! فأنزل الله تعالى ذكره: "نساؤكم حرث لكم " فهو القبل. وقال آخرون: معنى "أنى شئتم " من حيث شئتم، وأي وجه أحببتم. ذكر من قال ذلك: حدثنا سهل بن موسى الرازي قال، حدثنا ابن أبي فديك، عن إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة الأشهل، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس: أنه كان يكره أن تؤتي المرأة في دبرها، ويقول: إنما الحرث من القبل الذي يكون منه النسل والحيض، وينهى عن اتيأن المرأة في دبرها ويقول: إنما نزلت هذه الآية :"نساؤكم حرث لكم فاتوا حرثكم أنى شئتم"، يقول: من أي وجه شئتم. حدثنا ابن حميد قال حدثنا ابن واضح قال، حدثنا العتكي، عن عكرمة: "فاتوا حرثكم أنى شئتم " قال: ظهرها لبطنها غير معاجزة- يعني الدبر حدثنا عبيد الله بن سعد قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن يزيد، [عن الحارث بن كعب]، عن محمد بن كعب، قال: إن ابن عباس كان يقول: اسق نباتك من حيث نباته. حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قوله: "فاتوا حرثكم أنى شئتم "، يقول: من أين شئتم. ذكر لنا- والله أعلم- أن اليهود قالوا: إن العرب يأتون النساء من قبل إعجازهن، فإذا فعلوا ذلك، جاء الولد أحول، فأكذب الله أحدوثتهم فقال:"نساؤكم حرث لكم فاتوا حرثكم أنى شئتم". حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قال يقول: ائتوا النساء في [غير] أدبارهن على كل نحو، قال ابن جريج: سمعت عطاء بن أبي رباح قال: تذاكرنا هذا عند ابن عباس، فقال ابن عباس: ائتوهن من حيث شئتم، مقبلة ومدبرة. فقال رجل: كأن هذا حلال! فأنكر عطاء أن يكون هذا هكذا، وأنكره، كأنه إنما يريد الفرج، مقبلة ومدبرة في الفرج. وقال اخرون معنى قوله :"أنى شئتم"، متى شئتم. ذكر من قال ذلك: حدثت عن حسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ الفضل بن خالد قال، أخبرنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله:"فاتوا حرثكم أنى شئتم"، يقول: متى شئتم. حدثني يونس بن عبد الأعلى قال، أخبرنا ابن وهب قال، حدثنا أبو صخر، عن أبي معاوية البجلي- وهو عمار الدهني- عن سعيد بن جبير أنه قال: بينا أنا ومجاهد جالسان عند ابن عباس، أتاه رجل فوقف على رأسه فقال: يا أبا العباس- أو: يا أبا الفضل- ألا تشفيني عن آية المحيض؟ فقال: بلى! فقرأ : "ويسألونك عن المحيض" حتى بلغ آخر الآية، فقال ابن عباس: من حيث جاء الدم، من ثم أمرت أن تأتي. فقال له الرجل: يا أبا الفضل، كيف بالآية التي تتبعها: "نساؤكم حرث لكم فاتوا حرثكم أنى شئتم" فقال: إي! ويحك! وفي الدبر من حرث !! لو كان ما تقول حقا، لكان المحيض منسوخا! إذا اشتغل من ههنا، جئت من ههنا! ولكن: أنى شسم من الليل والنهار. وقال آخرون: بل معنى ذلك: أين شئتم، وحيث شئتم. ذكر من قال ذلك:
حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا ابن عون، عن نافع قال، كان ابن عمر إذا قرىء القران لم يتكلم. قال: فقرأت ذات يوم هذه الآية: "نساؤكم حرث لكم فاتوا حرثكم أنى شئتم"، فقال: أتدري فيمن نزلت هذه الآية؟ قلت: لا! قال: نزلت في إتيان النساء في أدبارهن.حدثني يعقوب، حدثنا ابن علية، حدثنا ابن عون، عن نافع، قال: قرأت ذات يوم: "نساؤكم حرث لكم فاتوا حرثكم أنى شئتم"، فقال ابن عمر: أتدري فيم نزلت؟ قلت: لا! قال: نزلت في إتيان النساء في أدبارهن.حدثني إبراهيم بن عبد الله بن مسلم أبو مسلم قال، حدثنا أبو عمر الضرير قال، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم صاحب الكرابيس، عن ابن عون، عن نافع قال: كنت أمسك على ابن عمر المصحف، إذ تلا هذه الآية: "نساؤكم حرث لكم فاتوا حرثكم أنى شئتم " فقال: أن يأتيها في دبرها. حدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم قال، حدثنا عبد الملك بن مسلمة قال،حدثنا الدراورديقال، قيل لزيد بن أسلم: إن محمد بن المنكدر ينهى عن إتيان النساء في أدبارهن. فقال زيد: أشهد على محمد لأخبرني أنه يفعله.حدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم قال، حدثنا أبو زيد عبد الرحمن بن أحمد بن أبي الغمر قال: حدثني عبد الرحمن بن القاسم، عن مالك بن أنس أنه قيل له: يا أبا عبد الله، إن الناس يروون عن سالم: كذب العبد، أو: العلج، على أبي !! فقال مالك: أشهد على يزيد بن رومان أنه أخبرني، عن سالم بن عبد الله، عن ابن عمر مثل ما قال نافع. فقيل له: فإن الحارث بن يعقوب يروي عن أبي الحباب سعيد بن يسار: أنه سأل ابن عمر فقال له: يا أبا عبد الرحمن، إنا نشتري الجواري فنحفض لهن؟ فقال: وما التحميض؟ قال: الدبر. فقال ابن عمر: أف! أف! يفعل ذلك مؤمن!- أو قال: مسلم!- فقال مالك: أشهد على ربيعة لأخبرني عن أبي الحباب، عن ابن عمر، مثل ما قال نافع حدثني محمد بن إسحاق قال، أخبرنا عمرو بن طارق قال، أخبرنا يحيى بن أيوب، عن موسى بن أيوب الغافقي قال: قلت لأبي ماجد الزيادي: إن نافعا يحدث عن ابن عمر في دبر المرأة. فقال: كذب نافع! صحبت ابن عمر ونافع مملوك، فسمعته يقول: ما نظرت إلى فرج امرأتي منذ كذا وكذا.حدثني أبو قلابة قال، حدثنا عبد الصمد قال، حدثني أبي، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر: "فاتوا حرثكم أنى شئتم"، قال: في الدبر.حدثني أبو مسلم قال، حدثنا أبو عمر الضرير قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا روح بن القاسم، عن قتادة قال: سئل أبو الدرداء عن إتيان النساء في أدبارهن، فقال: هل يفعل ذلك إلا كافر! قال روح: فشهدت ابن أبي مليكة يسأل عن ذلك فقال: قد أردته من جارية لي البارحة فاعتاص علي، فاستعنت بدهن أو بشحم. قال: فقلت له، سبحان الله!! أخبرنا قتادة أن أبا الدرداء قال: هل يفعل ذلك إلا كافر! فقال: لعنك الله ولعن قتادة! فقلت: لا أحدث عنك شيئا أبدا! ثم ندمت بعد ذلك. قال أبو جعفر: واعتل قائلو هذه المقالة لقولهم، بما:- حدثني به محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال، أخبرنا أبو بكربن أبي أويس الأعشى، عن سليمان بن بلال، عن زيد بن أسلم، عن ابن عمر: أن رجلا أتى امرأته في دبرها فوجد في نفسه من ذلك، فأنزل الله: "نساؤكم حرث لكم فاتوا حرثكم أنى شئتم". حدثني يونس قال، أخبرني ابن نافع، عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار: أن رجلا أصاب امرأته في دبرها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنكر الناس ذلك وقالوا: أثفرها! فأنزل الله تعالى ذكره: "نساؤكم حرث لكم فاتوا حرثكم أنى شئتم" الآية. وقال آخرون: معنى ذلك: ائتوا حرثكم كيف شئتم- إن شئتم فاعزلوا، وإن شئتم فلا تعزلوا. ذكر من قال ذلك:حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا الحسن بن صالح، عن ليث، عن عيسى بن سنان، عن سعيد بن المسيب: "فاتوا حرثكم أنى شئتم" إن شئتم فاعزلوا، وإن شئتم فلا تعزلوا. حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع، عن يونس، عن أبي إسحاق، عن زائدة بن عمير، عن ابن عباس قال: إن شئت فاعزل، وإن شئت فلا تعزل. قال أبو جعفر: وأما الذين قالوا: معنى قوله: "أنى شئتم " كيف شئتم مقبلة ومدبرة في الفرج والقبل، فإنهم قالوا: إن الآية إنما نزلت في استنكار قوم من اليهود، استنكروا إتيان النساء في أقبالهن من قبل أدبارهن. قالوا: وفي ذلك دليل على صحة ما قلنا، من أن معنى ذلك على ما قلنا. واعتلوا لقيلهم ذلك بما:-
حدثني به أبو كريب قال، حدثنا المحاربي قال، حدثنا محمد بن إسحاق، عن أبان بن صالح، عن مجاهد قال: عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات من فاتحته إلى خاتمته، أوقفه عند كل اية وأسأله عنها، حتى انتهى إلى هذه الآية: "نساؤكم حرث لكم فاتوا حرثكم أنى شئتم "، فقال ابن عباس: إن هذا الحي من قريش كانوا يشرحون النساء بمكة، ويتلذذون بهن مقبلات ومدبرات. فلما قدموا المدينة تزوجوا في الأنصار، فذهبوا ليفعلوا بهن كما كانوا يفعلون بالنساء بمكة، فأنكرن ذلك وقلن: هذا شيء لم نكن نؤتى عليه! فانتشر الحديث حتى انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى ذكره في ذلك: "نساؤكم حرث لكم فاتوا حرثكم أنى شئتم " إن شئت فمقبلة، وان شئت فمدبرة، وإن شئت فباركة، وانما يعني بذلك موضع الولد للحرث. يقول: ائت الحرث من حيث شئت.
حدثنا أبو كريب قال، حدثنا يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق بإسناده نحوه.
حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا ابن مهدي قال، حدثنا سفيان، عن محمد بن المنكدر قال: سمعت جابرا يقول: إن اليهود كانوا يقولون: إذا جامع الرجل أهله في فرجها من ورائها كان ولده أحول. فأنزل الله تعالى ذكره: "نساؤكم حرث لكم فاتوا حرثكم أنى شئتم".حدثنامجاهد بن موسى قال، حدثنا يزيد بن هارون قال، أخبرنا الثوري عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله قال: قالت اليهود: إذا أتى الرجل امرأته في قبلها من دبرها، وكان بينهما ولد، كان أحول. فأنزل الله تعالى ذكره: "نساؤكم حرث لكم فاتوا حرثكم أنى شئتم"حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عبد الرحيم بن سليمان، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن عبد الرحمن بن سابط، عن حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر، "عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: تزوج رجل امرأة فأراد أن يجبيها فأبت عليه، وقالت: حتى أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت أم سلمة: فذكرت ذلك لي، فذكرت أم سلمة ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أرسلي إليها. فلما جاءت قرأ عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نساؤكم حرث لكم فاتوا حرثكم أنى شئتم " صماما واحدا، صماما واحدا".حدثنا أبو كريب قال، حدثنا معاوية بن هشام، عن سفيان، عن عبد الله بن عثمان، عن ابن سابط، عن حفصة ابنة عبد الرحمن بن أبي بكر، عن أم سلمة قالت: قدم المهاجرون فتزوجوا في الأنصار، وكانوا يجئون، وكانت الأنصار لا تفعل ذلك، فقالت امرأة لزوجها: حتى آتي النبي صلى الله عليه وسلم فأسأله عن ذلك! فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فاستحيت أن تسأله، فسألت أنا، فدعاها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ عليها: "نساؤكم حرث لكم فاتوا حرثكم أنى شئتم"، صماما واحدا، صماما واحدا. حدثني أحمد بن اسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا سفيان، عن عبد الله بن عثمان، عن عبد الرحمن بن سابط، عن حفصة بنت عبد الرحمن، عن أم سلمة، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه. حدثنا ابن بشار وابن المثنى قالا، حدثنا ابن مهدي قال، حدثنا سفيان الثوري، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن عبد الرحمن بن سابط، عن حفصة ابنة عبد الرحمن، عن أم سلمة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قوله: "نساؤكم حرث لكم فاتوا حرثكم أنى شئتم " قال: صماما واحدا، صماما واحدا. حدثني محمد بن معمر البحراني قال، حدثنا يعقوب بن إسحاق الحضرمي قال، حدثني وهيب قال، حدثني عبد الله بن عثمان، عن عبد الرحمن بن سابط قال؟ قلت لحفصة، إني أريد أن أسألك عن شيء، وأنا أستحيي منك أن أسألك؟ قالت: سل يا بني عما بدا لك! قال: قلت: أسألك عن غشيان النساء في أدبارهن؟ قالت حدثتني أم سلمة قالت: كانت الأنصار لا تجبي، وكان المهاجرون يخبون، فتزوج رجل من المهاجرين امرأة من الأنصار، ثم ذكر نحو حديث أبي كريب، عن معاوية بن هشام.حدثنا ابن المثنى قال، حدثني وهب بن جرير قال، حدثنا شعبة، عن ابن المنكدر قال: سمعت جابربن عبد الله يقول: إن اليهود كانوا يقولون: إذا أتى الرجل امرأته باركة جاء الولد أحول. فنزلت: "نساؤكم حرث لكم فاتوا حرثكم أنى شئتم ".حدثني محمد بن أحمد بن عبد الله الطوسي قال، حدثنا الحسن بن موسى قال، حدثنا يعقوب القمي، عن جعفر، عن سعيدبن جبير، عن ابن عباس قال: "جاء عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، هلكت!! قال: وما الذي أهلكك؟ قال: حولت رحلي الليلة! قال: فلم يرد عليه شيئا، قال: فأوحى الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: "نساؤكم حرث لكم فاتوا حرثكم أنى شئتم"، أقبل وأدبر، واتق الدبر والحيضة" .
حدثنا زكريا بن يحيى المصري قال، حدثنا أبو صالح الحراني قال، حدثنا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب: أن عامر بن يحيى أخبره، عن حنش الصنعاني، عن ابن عباس: أن ناسا من حمير أتوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه عن أشياء، فقال رجل منهم: يا رسول الله، إني رجل أحب النساء، فكيف ترى في ذلك؟ فأنزل الله تعالى ذكره في سورة البقرة بيان ما سألوا عنه، وأنزل فيما سأل عنه الرجل "نساؤكم حرث لكم فاتوا حرثكم أنى شئتم " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ائتها مقبلة ومدبرة، إذا كان ذلك في الفرج". قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندنا قول من قال: معنى قوله: "أنى شئتم" من أي وجه شئتم. وذلك أن "أنى" في كلام العرب كلمة تدل إذا ابتدىء بها في الكلام- على المسألة عن الوجوه والمذاهب. فكأن القائل إذا قال لرجل: أنى لك هذا المال ? يريد: من أي الوجوه لك. ولذلك يجيب المجيب فيه بأن يقول: [من كذا وكذا]، كما قال تعالى ذكره مخبرا عن زكريا في مسألته مريم: "أنى لك هذا قالت هو من عند الله"[ آل عمران: 37]. وهي مقاربة أين وكيف في المعنى، ولذلك تداخلت معانيها، فأشكلت "أنى" على سامعيها ومتأوليها، حتى تأولها بعضهم بمعنى: أين وبعضهم بمعنى كيف ،وآخرون بمعنى: متى- وهي مخالفة جميع ذلك في معناها، وهن لها مخالفات. وذلك أن أين إنما هي حرف استفهام عن الأماكن والمحال- وإنما يستدل على افتراق معاني هذه الحروف بافتراق الأجوبة عنها. ألا ترى أن سائلا لو سأل آخر فقال: أين مالك ؟ لقال: بمكان كذا، ولو قال له: أين أخوك ؟ لكان الجواب أن يقول: ببلدة كذا أو بموضع كذا، فيجيبه بالخبر عن محل ما سأله عن محله. فيعلم أن أين مسألة عن المحل. ولو قال قائل لآخر:كيف أنت ؟ لقال: صالح، أو بخير، أو في عافية، وأخبره عن حاله التي هو فيها، فيعلم حينئذ أن كيف مسألة عن حال المسؤول عن حاله. ولو قال له: أنى يحيي الله هذا الميت؟، لكان الجواب أن يقال: من وجه كذا ووجه كذا، فيصف قولا، نظير ما وصف الله تعالى ذكره للذي قال: أنى يحيي هذه الله بعد موتها[البقرة: 259] فعلا، حين بعثه من بعد مماته. وقد فرقت الشعراء بين ذلك في أشعارها، فقال الكميت بن زيد:
تذكر من أنى ومن أين شربه يؤامر نفسيه كذي الهجمة الأبل
وقال أيضا:
أنى ومن أين - آبك- الطرب؟ من حيث لا صبوة ولا ريب
فيجاء بأنى للمسألة عن الوجه، وبـ أين للمسألة عن المكان، فكأنه قال: من أي وجه، ومن أي موضع راجعك الطرب؟. والذي يدل على فساد قول من تأول قول الله تعالى ذكره: "فاتوا حرثكم أنى شئتم"، كيف شئتم- أو تأوله بمعنى: حيث شئتم، أو بمعنى: متى شئتم، أو بمعنى: أين شئتم، أن قائلا لو قال لآخر: أنى نأتي أهلك؟ ، لكان الجواب أن يقول: من قبلها، أو: من دبرها، كما أخبر الله تعالى ذكره عن مريم، إذ سئلت: "أنى لك هذا" أنها قالت: "هو من عند الله". وإذ كان ذلك هو الجواب، فمعلوم أن معنى قول الله تعالى ذكره: "فاتوا حرثكم أنى شئتم" إنما هو: فأتوا حرثكم من حيث شئتم من وجوه المأتى- وأن ما عدا ذلك من التأويلات فليس للآية بتأويل. وإذ كان ذلك هو الصحيح، فبين خطأ قول من زعم أن قوله: "فاتوا حرثكم أنى شئتم " دليل على إباحة إتيان النساء في الأدبار. لأن الدبر لا محترث فيه، وانما قال تعالى ذكره: "حرث لكم" فأتوا الحرث من أي وجوهه شئتم. وأى محترث في الدبر فيقال: ائته من وجهه؟ وبين بما بينا، صحة معنى ما روي عن جابر وابن عباس: من أن هذه الآية نزلت فيما كانت اليهود تقوله للمسلمين: إذا أتى الرجل المرأة من دبرها في قبلها، جاء الولد أحول . قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في معنى ذلك. فقال بعضهم: معنى ذلك: قدموا لأنفسكم الخير. ذكر من قال ذلك:حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: أما قوله: "وقدموا لأنفسكم" فالخير. وقال آخرون: بل معنى ذلك: وقدموا لأنفسكم ذكر الله عند الجماع وإتيان الحرث قبل إتيانه. ذكر من قال ذلك: حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني محمد بن كثير، عن عبد الله بن واقد، عن عطاء- قال: أراه عن ابن عباس-: "وقدموا لأنفسكم" ، قال: يقول: بسم الله التسمية عند الجماع. قال أبو جعفر: والذي هو أولى بتأويل الأية ما روينا عن السدي، وهو أن قوله: "وقدموا لأنفسكم"، أمر من الله تعالى ذكره عباده بتقديم الخير والصالح من الأعمال ليوم معادهبم إلى ربهم، عدة منهم ذلك لأنفسهم عند لقائه في موقف الحساب، فإنه قال تعالى ذكره: "وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله" [البقرة: 111- المزمل: 20]. وإنما قلنا: ذلك أولى بتأويل الآية، لأن الله تعالى ذكره عقب قوله: "وقدموا لأنفسكم" بالأمر باتقائه في ركوب معاصيه. فكان الذي هو أولى بأن يكون قبل التهدد على المعصية- إذ كان التهدد على المعصية عاما- الأمر بالطاعة عاما.فإن قال لنا قائل: وما وجه الأمر بالطاعة بقوله: "وقدموا لأنفسكم" من قوله: "نساؤكم حرث لكم فاتوا حرثكم أنى شئتم"؟ قيل: إن ذلك لم يقصد به ما توهمته: وإنما عنى به: وقدموا لأنفسكم من الخيرات التي ندبناكم إليها بقولنا: "يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين"، وما بعده من سائر ما سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجيبوا عنه، مما ذكره الله تعالى ذكره في هذه الآيات. ثم قال تعالى ذكره: قد بينا لكم ما فيه رشدكم وهدايتكم إلى ما يرضي ربكم عنكم، فقدموا لأنفسكم الخير الذي أمركم به، واتخذوا عنده به عهدا، لتجدوه لديه إذا لقيتموه في معادكم، واتقوه في معاصيه أن تقربوها، وفي حدوده أن تضيعوها، واعلموا أنكم لا محالة ملاقوه في معادكم، فمجافي المحسن منبهم بإحسانه، والمسيء بإساءته. قال أبو جعفر: وهذا تحذير من الله تعالى ذكره عباده: أن يأتوا شيئا مما نهاهم عنه من معاصيه، وتخويف لهم عقابه عند لقائه، كما قد بينا قبل، وأمر لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم أن يبشر من عباده، بالفوزيوم القيامة وبكرامة الآخرة وبالخلود في الجنة، من كان منهم محسنا مؤمنا بكتبه ورسله، وبلقائه، مصدقا إيمانه قولا، بعمله ما أمره به ربه، وافترض عليه من فرائضه فيما ألزمه من حقوقه، وبتجنبه ما أمره بتجنبه من معاصيه.
فيه ست مسائل :
الأولى : " نساؤكم حرث لكم " روى الأئمة واللفظ لـ مسلم عن جابر بن عبد الله قال : كانت اليهود تقول : إذا أتى الرجل امرأته من دبرها في قبلها كان الولد أحول ، فنزلت الآية : " نساؤكم حرث لكم فاتوا حرثكم أنى شئتم " زاد في رواية عن الزهري : إن شاء مجبية وإن شاء غير مجبية غير إن ذلك في صمام واحد ، ويروي : في سمام واحد بالسين ، قاله الترمذي ، وروى البخاري عن نافع قال : كان ابن عمر إذا قرأ القرآن لم يتكلم حتى يفرغ منه ، فأخذت عليه يوماً ، فقرأ سورة (( البقرة )) حتى انتهى إلى مكان قال : أتدري فيم أنزلت ؟ قلت : لا قال : نزلت في كذا وكذا ، ثم مضى وعن عبد الصمد قال : حدثني أبي قال حدثني أيوب عن نافع عن ابن عمر : (( فأتوا حرثكم أنى شئتم )) قال : يأتيها في ، قال الحميدي : يعني الفرج ، وروى أبو داود عن ابن عباس قال : إن ابن عمر والله يغفر له وهم ، إنما كان هذا الحي من الأنصار ، وهم أهل وثن ، مع هذا الحي من يهود ، وهو أهل كتاب ، وكانوا يرون لهم فضلاً عليهم في العلم ، فكانوا يقتدون بكثير من فعلهم ، وكان من أمر أهل الكتاب ألا يأتوا النساء إلا على حرف ، وذلك أستر ما تكون المرأة ، فكان هذا الحي من الأنصار قد أخذوا بذلك من فعلهم ، وكان هذا الحي من قريش يشرحون النساء شرحاً منكراً ، ويتلذذون منهن مقبلات ومدبرات ومستلقيات ، فلما قدم المهاجرون المدينة تزوج رجل مهم امرأة من الأنصار ، فذهب يصنع بها ذلك فأنكرته عليه ، وقالت : إنما كنا نؤتى على حرف ! فاصنع ذلك وإلا فاجتنبني ، حتى شرى أمرهما ؟ فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله عز وجل : " فاتوا حرثكم أنى شئتم " ، أي مقبلات ومدبرات ومستقليات ، يعني بذلك موضع الولد ، وروى الترمذي ، " عن ابن عباس قال : جاء عمر إلى رسول الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، هلكت ! قال : وما أهلكك قال : حولت الليلة ، قال : فلم يرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً ، قال : فأوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية : " نساؤكم حرث لكم فاتوا حرثكم أنى شئتم " ، أقبل وأدبر واتق الدبر والحيضة " ، قال : هذا حديث حسن صحيح ، وروى النسائي عن أبي النضير أنه قال لـ نافع مولى ابن عمر : قد أكثر عليك القول : إنك تقول عن ابن عمر : إنه أفتى بأن يؤتى النساء في أدبارهن ، قال نافع : لقد كذبوا علي ! لكن سأخبرك كيف كان الأمر : إن ابن عمر عرض علي المصحف يوماً وأنا عنده حتى بلغ :" نساؤكم حرث لكم " ، فقال يا نافع : هل تدري ما أمر هذه الآية ؟ إنا كنا معشر قريش نجبي النساء ، فلما دخلنا المدينة ونكحنا نساء الأنصار أردنا منهن ما كنا نريد من نسائنا ، فإذا هن قد كرهن ذلك وأعظمنه ، وكان نساء الأنصار إنما يؤتين على جنوبهن ، فأنزل الله سبحانه : " نساؤكم حرث لكم فاتوا حرثكم أنى شئتم " .
الثانية : هذه الأحاديث نص في إباحة الحال والهيئات كلها إذا كان الوطء في موضع الحرث ، أي كيف شئتم من خلف ومن قدام وباركة ومستلقية ومضطجعة ، فأما الإتيان في غير المأتى فما كان مباحاً ، ولا يباح ! وذكر الحرث يدل على أن الإتيان في غير المأتى محرم ، و(( حرث )) تشبيه ، لأنهن مزدرع الذرية ، فلفظ (( الحرث )) يعطي أن الإباحة لم تقع إلا في الفرج خاصة إذ هو المزدرع وأنشد ثعلب :
إنما الأرحام أر ضون لنا محترثات
فعلينا الزرع فيها وعلى الله النبات
ففرج المرأة كالأرض ، والنطفة كالبذر ، والولد كالنبات ، فالحرث بمعنى المحترث ، ووحد الحرث لأنه مصدر ، كما يقال : رجل صوم ، وقوم صوم .
الثالثة : قوله تعالى : " أنى شئتم " معناه عند الجمهور من الصحابة والتابعين وأئمة الفتوى : من أي وجه شئتم مقبلة ومدبرة ، كما ذكرنا آنفاً ، و( أنى )) تجيء سؤالاً وإخباراً عن أمر له جهات ، فهو أعم في اللغة من (( كيف )) ومن (( أين )) ومن (( متى )) ، هذا هو الاستعمال العربي في (( أنى )) وقد فسر الناس (( أنى )) في هذه الآية بهذا الألفاظ ، وفسرها سيبويه بـ(( كيف )) ومن (( أين )) باجتماعهما ، وذهبت فرقة ممن فسرها بـ(( ـأين )) إلى أن الوطء في الدبر مباح ، وممن نسب إليه هذا القول : سعيد بن المسيب و نافع وابن عمر ، و محمد بن كعب القرظي و عبد الملك بن الماجشون ، وحكي ذلك عن مالك في كتاب له يسمى (( كتاب السر )) ، وحذاق أصحاب مالك ومشايخهم ينكرون ذلك الكتاب ، و مالك أجل من أين يكون له كتاب سر ، ووقع هذا القول في العتبية وذكر ابن العربي أن ابن شعبان أسند جوا هذا القول إلى زمرة كبيرة من الصحابة والتابعين ، وإلى مالك من روايات كثيرة في كتاب جماع النسون وأحكام القرآن ، وقال الكيا الطبري : وروي عن محمد بن كعب القرظي أنه كان لا يرى بذلك بأساً ، ويتأول فيه قول الله عز وجل : " أتأتون الذكران من العالمين * وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم " [ الشعراء : 165 ، 166 ] ، وقال : فتقديره تتركون مثل ذلك من أزواجكم ، ولو لم يبح مثل ذلك من الأزواج لما صح ذلك ، وليس المباح من الموضع الآخر مثلاً له ، حتى يقال : تفعلون ذلك وتتركون مثله من المباح ، قال الكيا : وهذا فيه نظر : وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم مما فيه تسكين شهوتكم ، ولذة الوقاع حاصلة بهما جميعاً ، فيجوز التوبيخ على هذا المعنى ، وفي قوله تعالى : " فإذا تطهرن فاتوهن من حيث أمركم الله " مع قوله : " فاتوا حرثكم " ما يدل على أن في المأتى اختصاصاً ، وأنه مقصور على موضع الولد .
قلت : هذا هو الحق في المسألة : وقد ذكر أبو عمر بن عبد البر أن العلماء لم يختلفوا في الرتقاء التي لا يوصل إلى وطئها أنه عيب ترد به ، إلا شيئاً جاء عن عمر بن عبد العزيز من وجه ليس بالقوي أنه لا ترد الرتقاء ولا غيرهما ، والفقهاء كلهم على خلاف ذلك ، لأن المسيس هو المبتغى بالنكاح ، وفي إجماعهم على هذا دليل على أن الدبر ليس بموضع وطء ، ولو كان موضعاً للوطء ما ردت من لا يوصل إلى وطئها في الفرج ، وفي إجماعهم أيضاً على أن العقيم التي لا تلد لا ترد ، والصحيح في هذه المسألة ما بيناه ، وما نسب إلى مالك وأصحابه من هذا باطل وهو مبرءون من ذلك ، لأن إباحة الإتيان مختصة بموضع الحرث ، لقوله تعالى : " فاتوا حرثكم " ، ولأن الحكمة في خلق الأزواج بث النسل ، فغير موضع النسل لا يناله ملك النكاح ، وهذا هو الحق ، وقد قال أصحاب أبي حنيفة : إنه عندنا ولائط الذكر سواء في الحكم ، ولأن القذر والأذى في موضع النجو أكثر من دم الحيض ، فكان أشنع وأما صمام البول فغير صمام الرحمن ، وقال ابن العربي في قبسه ، قال لنا الشيخ الإمام فخر الإسلام أبو بكر محمد بن أحمد بن الحسين فقيه الوقت وإمامه : الفرج أشبه شيء بخمسة وثلاثين ، وأخرج يده عاقداً بها ، وقال : مسلك البول ما تحت الثلاثين ، ومسلك الذكر والفرج ما اشتملت عليه الخمسة ، وقد حرم الله تعالى الفرج حال الحيض لأجل النجاسة العارضة ، فأولى أن يحرم الدبر لأجل النجاسة اللازمة ، وقال مالك لـ ابن وهب و علي بن زياد لما أخبراه أن ناساً بمصر يتحدثون عنه أنه يجيز ذلك ، فنفر من ذلك ، وبادر إلى تكذيب الناقل فقال : كذبوا علي ، كذبوا علي ! ثم قال : ألستم قوماً عرباً ؟ ألم يقل الله تعالى : " نساؤكم حرث لكم " وهل يكون الحرث إلا في موضع المنبت ! وما استدل به المخالف من أن قوله عز وجل : " أنى شئتم " شامل للمسالك بحكم عمومها فلا حجة فيها ، إذ هي مخصصة بما ذكرناه ، وبأحاديث صحيحة حسان وشهيرة رواها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أثناً عشر صحابيا بمتون مختلفة ، كلها متواردة على تحريم إتيان النساء في الأدبار ، ذكرها أحمد بن حنيل في مسنده و أبو داود و النسائي و الترمذي وغيرهم ، وقد جمعها أبو الفرج بن الجوزي بطرقها في جزء سماه تحريم المحل المكروه ، ولشيخنا أبي العباس أيضاً في ذلك جزء سماه إظهار إدبار ، من أجاز الوطء في الأدبار ، قلت : وهذا هو الحق المتبع والصحيح في المسألة ، ولا ينبغي لمؤمن بالله واليوم الآخر أن يعرج في هذه النازلة على زلة عالم بعد أن تصح عنه ، وقد حذرنا من زلة العالم ،وقد روي عن ابن عمر خلاف هذا ، وتكفير من فعله ، وهذا هو اللائق به رضي الله عنه ، وكذلك كذب نافع من أخبر عنه بذلك ، كما ذكر النسائي ، وقد تقدم ، وأنكر ذلك مالك واستعظمه ، وكذب من نسب ذلك إليه ، وروى الدارمي أبو محمد في مسنده عن سعيد بن يسار أبي الحباب قال : قلت لابن عمر : ما تقول في الجواري حين أحمض بهن ؟ قال : وما التحميض ؟ فذكرت له الدبر ، فقال : هل يفعل ذلك أحد من المسلمين ! وأسند " عن خزيمة بن ثابت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : أيها الناس إن الله لا يستحي من الحق لا تأتوا النساء في أعجازهن " ، ومثله عن علي بن طلق ، وأسند عن أبي هريرة " عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أتى امرأة في دبرها لم ينظر الله تعالى إليه يوم القيامة " ، وروى أبو داود الطيالسي في مسنده عن قتادة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو " عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : تلك اللوطية الصغرى " ، يعني إتيان المرأة في دبرها ، وروي عن طاوس أنه قال : كان بدء عمل لوط إتيان النساء في أدبارهن ، قال ابن المنذر : وإذا ثبت الشيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم استغنى به عما سواه .
الرابعة : قوله تعالى : " وقدموا لأنفسكم " أي قدموا ما ينفعكم غداً ، فحذف المفعول ، وقد صرح به في قوله تعالى : " وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله " [ البقرة : 110 ] ، فالمعنى قدموا لأنفسكم الطاعة والعمل الصالح ، وقيل ابتغاء الولد والنسل ، لأن الولد خير الدنيا والآخرة ، فقد يكون شفيعاً وجنة ، وقيل : هو التزوج بالعفائف ، ليكون الولد صالحاً طاهراً وقيل : هو تقدم الأفراط ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " من قدم ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث لم تمسه النار إلا تحلة القسم " ، وسيأتي في (( مريم )) إن شاء الله تعالى : وقال ابن عباس و عطاء ، أي قدموا ذكر الله عند الجماع ، كما قال عليه السلام : " لو أن أحدكم إذا أتى امرأته قال بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فإنه إن يقدر بينهما ولد لم يضره شيطان أبداً " ، أخرجه مسلم .
الخامسة : قوله تعالى : " واتقوا الله " تحذير " واعلموا أنكم ملاقوه " خبر يقتضي المبالغة في التحذير ، أي فهو مجازيكم على البر والإثم ، وروى ابن عيينة عن عمرو بن دينار قال : سمعت سعيد بن جبير " عن ابن عباس قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب يقول : إنكم ملاقو الله حفاة عراة مشاة غرلاً ، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه " ، أخرجه مسلم بمعناه .
السادسة : قوله تعالى : " وبشر المؤمنين " تأنيس لفاعل البر ومبتغي سنن الهدى .
قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي, حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت, عن أنس, أن اليهود كانت إذا حاضت المرأة منهم لم يواكلوها ولم يجامعوها في البيوت فسأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم, فأنزل الله عز وجل "ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن" حتى فرغ من الاية, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اصنعوا كل شيء إلا النكاح" فبلغ ذلك اليهود فقالوا: ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئاً, إلا خالفنا فيه, فجاء أسيد بن حضير وعباد بن بشر, فقالا: يا رسول الله, إن اليهود قالت: كذا وكذا, أفلا نجامعهن ؟ فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ظننا أن قد وجد عليهما, فخرجا فاستقبلنهما هدية من لبن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فأرسل في آثارهما فسقاهما فعرفا أن لم يجد عليهما, رواه مسلم من حديث حماد بن زيد بن سلمة, فقوله "فاعتزلوا النساء في المحيض" يعني الفرج, لقوله "اصنعوا كل شيء إلا النكاح" ولهذا ذهب كثير من العلماء أو أكثرهم, إلى أنه يجوز مباشرة الحائض فيما عدا الفرج, قال أبو داود أيضاً: حدثنا موسى بن إسماعيل, حدثنا حماد عن أيوب, عن عكرمة, عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم, كان إذا أراد من الحائض شيئاً يلقي على فرجها ثوباً, وقال أبو داود أيضاً: حدثنا القعنبي, حدثنا عبد الله يعني ابن عمر بن غانم, عن عبد الرحمن يعني ابن زياد, عن عمارة بن غراب أن عمة له حدثته أنها سألت عائشة قال: إحدانا تحيض وليس لها ولزوجها فراش إلا فراش واحد, قالت: أخبرك بما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم, دخل فمضى إلى مسجده, قال أبو داود: تعني مسجد بيتها فما انصرف حتى غلبتني عيني فأوجعه البرد فقال ادني مني فقلت: إني حائض, فقال اكشفي عن فخذيك فكشفت فخذي, فوضع خده وصدره على فخذي وحنيت عليه حتى دفىء ونام صلى الله عليه وسلم, وقال أبو جعفر بن جرير : حدثنا عبد الوهاب, حدثنا أيوب عن كتاب أبي قلابة, أن مسروقاً ركب إلى عائشة فقال: السلام على النبي وعلى أهله, فقالت عائشة: مرحباً مرحباً, فأذنوا له فدخل فقال: إني أريد أن أسألك عن شيء وأنا أستحي, فقالت: إنما أنا أمك وأنت ابني, فقال: ما للرجل من امرأته وهي حائض ؟ فقالت له: كل شيء إلا فرجها. ورواه أيضاً عن حميد بن مسعدة, عن يزيد بن زريع, عن عيينة بن عبد الرحمن بن جوشن, عن مروان الأصفر, عن مسروق قال: قلت لعائشة: ما يحل للرجل من امرأته إذا كانت حائضاً ؟ قالت: كل شيء إلا الجماع. وهذا قول ابن عباس ومجاهد والحسن وعكرمة, وروى ابن جرير أيضاً عن أبي كريب عن ابن أبي زائدة, عن حجاج, عن ميمون بن مهران, عن عائشة, قالت له: ما فوق الإزار. (قلت) ويحل مضاجعتها ومواكلتها بلا خلاف, قالت عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم, يأمرني فأغسل رأسه وأنا حائض, وكان يتكئ في حجري وأنا حائض فيقرأ القرآن. وفي الصحيح عنها, قالت: كنت أتعرق العرق وأنا حائض فأعطيه النبي صلى الله عليه وسلم, فيضع فمه في الموضع الذي وضعت فمي فيه, وأشرب الشراب فأناوله فيضع فمه في الموضع الذي كنت أشرب منه, وقال أبو داود: حدثنا مسدد, حدثنا يحيى عن جابر بن صبح, سمعت خلاساً الهجري قال: سمعت عائشة تقول: كنت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الشعار الواحد وأنا حائض طامث, فإن أصابه مني شيء غسل مكانه لم يعده وإن أصابه ـ يعني ثوبه ـ شيء غسل مكانه لم يعده وصلى فيه, فأما ما رواه أبو داود حدثنا سعيد بن الجبار , حدثنا عبد العزيز يعني ابن محمد, عن أبي اليمان, عن أم ذرة, عن عائشة أنها قالت: كنت إذا حضت نزلت عن المثال على الحصير, فلم نقرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ندن منه حتى نطهر, فهو محمول على التنزه والاحتياط . وقال آخرون: إنما تحل له مباشرتها فيما عدا ما تحت الإزار, كما ثبت في الصحيحين عن ميمونة بنت الحارث الهلالية قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يباشر امرأة من نسائه أمرها فاتزرت وهي حائض, وهذا لفظ البخاري, ولهما عن عائشة نحوه, وروى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث العلاء, عن حزام بن حكيم, عن عمه عبد الله بن سعد الأنصاري أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يحل لي من امرأتي وهي حائض ؟ قال: ما فوق الإزار. ولأبي داود أيضاً "عن معاذ بن جبل, قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يحل لي من امرأتي وهي حائض ؟ قال: ما فوق الإزار والتعفف عن ذلك أفضل" وهو رواية عن عائشة كما تقدم وابن عباس وسعيد بن المسيب وشريح. فهذه الأحاديث وما شابهها حجة من ذهب إلى أنه يحل ما فوق الإزار منها, وهو أحد القولين في مذهب الشافعي رحمه الله, الذي رجحه كثير من العراقيين وغيرهم, ومأخذهم أنه حريم الفرج فهو حرام لئلا يتوصل إلى تعاطي ما حرم الله عز وجل الذي أجمع العلماء على تحريمه وهو المباشرة في الفرج, ثم من فعل ذلك فقد أثم, فيستغفر الله ويتوب إليه, وهل يلزمه مع ذلك كفارة أم لا ؟ فيه قولان: (أحدهما) نعم, لما رواه الإمام أحمد وأهل السنن عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يأتي امرأته وهي حائض, يتصدق بدينار أو نصف دينار, وفي لفظ للترمذي "إذا كان دماً أحمر فدينار, وإن كان دماً أصفر فنصف دينار" وللإمام أحمد أيضاً عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, جعل في الحائض تصاب ديناراً, فإن أصابها وقد أدبر الدم عنها ولم تغتسل, فنصف دينار. (والقول الثاني) وهو الصحيح الجديد من مذهب الشافعي وقول الجمهور أنه لا شيء في ذلك, بل يستغفر الله عز وجل لأنه لم يصح عندهم رفع هذا الحديث, فإنه قد روي مرفوعاً كما تقدم, وموقوفاً وهو الصحيح عند كثير من أئمة الحديث, فقوله تعالى: "ولا تقربوهن حتى يطهرن" تفسير قوله "فاعتزلوا النساء في المحيض" ونهى عن قربانهن بالجماع ما دام الحيض موجوداً, ومفهومه حله إذا انقطع. قال الإمام أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل فيما أملاه في الطاعة: وقوله " ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فاتوهن من حيث " الاية, الطهر يدل على أن يقربها, فلما قالت ميمونة وعائشة: كانت إحدانا إذا حاضت اتزرت ودخلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شعاره, دل ذلك على أنه إنما أراد الجماع.
وقوله " فإذا تطهرن فاتوهن من حيث أمركم الله " فيه ندب وإرشاد إلى غشيانهن بعد الاغتسال وذهب ابن حزم إلى وجوب الجماع بعد كل حيضة لقوله " فإذا تطهرن فاتوهن من حيث أمركم الله " وليس له في ذلك مستند, لأن هذا أمر بعد الحظر. وفيه أقوال لعلماء الأصول منهم من يقول إنه على الوجوب كالمطلق, هؤلاء يحتاجون إلى جواب ابن حزم, ومنهم من يقول: إنه للإباحة, ويجعلون تقدم النهي عليه قرينة صارفة له من الوجوب, وفيه نظر , والذي ينهض عليه الدليل أنه يرد عليه الحكم إلى ما كان عليه الأمر قبل النهي, فإن كان واجباً, فواجب كقوله "فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين" أو مباحاً فمباح كقوله "وإذا حللتم فاصطادوا" "فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض" وعلى هذا القول تجتمع الأدلة, وقد حكاه الغزالي وغيره, فاختاره بعض أئمة المتأخرين وهو الصحيح, وقد اتفق العلماء على أن المرأة إذا انقطع حيضها لا تحل حتى تغتسل بالماء أو تتيمم إن تعذر ذلك عليها بشرطه, إلا أن أبا حنيفة رحمه الله يقول, فيما إذا انقطع دمها لأكثر الحيض وهو عشرة أيام عنده: أنها تحل بمجرد الانقطاع ولا تفتقر إلى غسل, والله أعلم, وقال ابن عباس "حتى يطهرن" أي من الدم "فإذا تطهرن" أي بالماء, وكذا قال مجاهد وعكرمة والحسن ومقاتل بن حيان والليث بن سعد وغيرهم.
وقوله "من حيث أمركم الله" قال ابن عباس ومجاهد وغير واحد: يعني الفرج. قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس " فاتوهن من حيث أمركم الله " يقول: في الفرج ولا تعدوه إلى غيره, فمن فعل شيئاً من ذلك فقد اعتدى. وقال ابن عباس ومجاهد وعكرمة "من حيث أمركم الله" أي تعتزلوهن, وفيه دلالة حينئذ على تحريم الوطء في الدبر, كما سيأتي تقريره قريباً إن شاء الله تعالى. وقال أبو رزين وعكرمة والضحاك وغير واحد " فاتوهن من حيث أمركم الله " يعني طاهرات غير حيض, ولهذا قال "إن الله يحب التوابين" أي من الذنب وإن تكرر غشيانه "ويحب المتطهرين" أي المتنزهين عن الأقذار والأذى, وهو ما نهوا عنه من إتيان الحائض أو في غير المأتي.
وقوله "نساؤكم حرث لكم" قال ابن عباس: الحرث موضع الولد " فاتوا حرثكم أنى شئتم " أي كيف شئتم, قال: سمعت جابراً قال: كانت اليهود تقول: إذا جامعها من ورائها جاء الولد أحول, فنزلت " نساؤكم حرث لكم فاتوا حرثكم أنى شئتم " ورواه مسلم وأبو داود من حديث سفيان الثوري به. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا يونس بن عبد الأعلى, أخبرنا ابن وهب, أخبرني مالك بن أنس وابن جريج وسفيان بن سعيد الثوري: أن محمد بن المنكدر حدثهم: أن جابر بن عبد الله أخبره أن اليهود قالوا للمسلمين: من أتى امرأة وهي مدبرة جاء الولد أحول, فأنزل الله " نساؤكم حرث لكم فاتوا حرثكم أنى شئتم " قال ابن جريج في الحديث: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "مقبلة ومدبرة إذا كان ذلك في الفرج" وفي حديث بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة القشيري, عن أبيه, عن جده, أنه قال: يا رسول الله, نساؤنا ما نأتي منها وما نذر ؟ قال "حرثك ائت حرثك أنى شئت, غير أن لا تضرب الوجه, ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت" الحديث, رواه أحمد وأهل السنن.
(حديث آخر) ـ قال ابن أبي حاتم حدثنا يونس, أخبرنا ابن وهب, أخبرني ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب, عن عامر بن يحيى, عن حنش بن عبد الله, عن عبد الله بن عباس, قال: أتى ناس من حمير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فسألوه عن أشياء, فقال له رجل: إني أحب النساء فكيف ترى في ؟ فأنزل الله " نساؤكم حرث لكم فاتوا حرثكم أنى شئتم " ورواه الإمام أحمد, حدثنا يحيى بن غيلان, حدثنا رشدين, حدثني الحسن بن ثوبان عن عامر بن يحيى المغافري عن حنش, عن ابن عباس, قال: أنزلت هذه الاية "نساؤكم حرث لكم" في أناس من الأنصار أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه, فقال النبي صلى الله عليه وسلم "ائتها على كل حال إذا كان في الفرج".
(حديث آخر) ـ قال أبو جعفر الطحاوي في كتابه مشكل الحديث: حدثنا أحمد بن داود بن موسى, حدثنا يعقوب بن كاسب, حدثنا عبد الله بن نافع عن هشام بن سعد, عن زيد بن أسلم, عن عطاء بن يسار, عن أبي سعيد الخدري, أن رجلاً أصاب امرأة في دبرها, فأنكر الناس عليه ذلك, فأنزل الله "نساؤكم حرث لكم" الاية, ورواه ابن جرير عن يونس, عن يعقوب, ورواه الحافظ أبو يعلى الموصلي عن الحارث بن شريح, عن عبد الله بن نافع به.
(حديث آخر) ـ قال الإمام أحمد: حدثنا عفان, حدثنا وهيب, حدثنا عبيد الله بن عثمان بن خثيم عن عبد الله بن سابط , قال: دخلت على حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر , فقلت: إني لسائلك عن أمر وأنا أستحي أن أسألك, قالت: فلا تستحي يا ابن أخي, قال: عن إتيان النساء في أدبارهن ؟ قالت: حدثتني أم سلمة أن الأنصار كانوا يحبون النساء وكانت اليهود تقول: إنه من أجبى امرأته, كان ولده أحول, فلما قدم المهاجرون المدينة نكحوا في نساء الأنصار فأجبوهن, فأبت امرأة أن تطيع زوجها وقالت: لن تفعل ذلك حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم, فدخلت على أم سلمة فذكرت لها ذلك, فقالت: اجلسي حتى يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم, فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم, استحت الأنصارية أن تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم, فخرجت فسألته أم سلمة, فقال: ادعي الأنصارية فدعتها, فتلا عليها هذه الاية " نساؤكم حرث لكم فاتوا حرثكم أنى شئتم " "صماماً واحداً". ورواه الترمذي عن بندار, عن ابن مهدي, عن سفيان, عن أبي خثيم به, وقال حسن. (قلت) وقد روي من طريق حماد بن أبي حنيفة عن أبيه, عن ابن خثيم, عن يوسف بن ماهك, عن حفصة أم المؤمنين أن امرأة أتتها, فقالت: إن زوجي يأتيني مجبية ومستقبلة فكرهته, فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال "لا بأس إذا كان في صمام واحد".
(حديث آخر) ـ قال الإمام أحمد: حدثنا حسن, حدثنا يعقوب يعني القمي, عن جعفر, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس, قال: جاء عمر بن الخطاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال: يا رسول الله هلكت, قال ما الذي أهلكك ؟ قال: حولت رحلي البارحة, قال, فلم يرد عليه شيئاً. قال: فأوحى الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الاية " نساؤكم حرث لكم فاتوا حرثكم أنى شئتم " "أقبل وأدبر واتق الدبر والحيضة". ورواه الترمذي عن عبد بن حميد, عن حسن بن موسى الأشيب به, وقال: حسن غريب. وقال الحافظ أبو يعلى: حدثنا الحارث بن شريح, حدثنا عبد الله بن نافع, حدثنا هشام بن سعد عن زيد بن أسلم, عن عطاء بن يسار , عن أبي سعيد, قال: أثفر رجل امرأته على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: أثفر فلان امرأته, فأنزل الله عز وجل: " نساؤكم حرث لكم فاتوا حرثكم أنى شئتم ". قال أبو داود: حدثنا عبد العزيز بن يحيى أبو الأصبغ, قال: حدثني محمد يعني ابن سلمة, عن محمد بن إسحاق, عن أبان بن صالح, عن مجاهد عن ابن عباس, قال: إن ابن عمر قال ـ والله يغفر له ـ أوهم وإنما كان الحي من الأنصار, وهم أهل وثن مع هذا الحي من يهود, وهم أهل كتاب, وكانوا يرون لهم فضلاً عليهم في العلم, فكانوا يقتدون كثيراً من فعلهم, وكان من أمر أهل الكتاب لا يأتون النساء إلا على حرف وذلك أستر ما تكون المرأة, فكان هذا الحي من الأنصار قد أخذوا بذلك من فعلهم, وكان هذا الحي من قريش يشرحون النساء شرحاً منكراً, ويتلذذون بهن مقبلات ومدبرات ومستلقيات, فلما قدم المهاجرون المدينة, تزوج رجل منهم امرأة من الأنصار, فذهب يصنع بها ذلك, فأنكرته عليه, وقالت: إنما كنا نؤتى على حرف, فأصنع ذلك, وإلا فاجتنبني, فسرى أمرهما فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم, فأنزل الله " نساؤكم حرث لكم فاتوا حرثكم أنى شئتم " أي مقبلات ومدبرات ومستلقيات يعني بذلك موضوع الولد, تفرد به أبو داود, ويشهد له بالصحة ما تقدم له من الأحاديث ولا سيما رواية أم سلمة, فإنها مشابهة لهذا السياق, وقد روى هذا الحديث الحافظ أبو القاسم الطبراني من طريق محمد بن إسحاق, عن أبان بن صالح, عن مجاهد, قال, عرضت المصحف على ابن عباس من فاتحته إلى خاتمته, أوقفه عند كل آية منه, وأسأله عنها, حتى انتهيت إلى هذه الاية " نساؤكم حرث لكم فاتوا حرثكم أنى شئتم " فقال ابن عباس: إن هذا الحي من قريش كانوا يشرحون النساء بمكة ويتلذذون بهن, فذكر القصة بتمام سياقها, وقول ابن عباس إن ابن عمر ـ والله يغفر له ـ أوهم, كأنه يشير إلى ما رواه البخاري: حدثنا إسحاق حدثنا النضر بن شميل, أخبرنا ابن عون عن نافع, قال, كان ابن عمر إذا قرأ القرآن لم يتكلم حتى يفرغ منه, فأخذت عنه يوماً فقرأ سورة البقرة حتى انتهى إلى مكان قال: أتدري فيم أنزلت ؟ قلت: لا. قال: أنزلت في كذا وكذا, ثم مضى, وعن عبد الصمد قال, حدثني أبي, حدثنا أيوب عن نافع, عن ابن عمر " فاتوا حرثكم أنى شئتم " قال: أن يأتيها في... هكذا رواه البخاري, وقد تفرد به من هذا الوجه. وقال ابن جرير, حدثني يعقوب, حدثنا ابن عون عن نافع, قال قرأت ذات يوم " نساؤكم حرث لكم فاتوا حرثكم أنى شئتم " فقال ابن عمر أتدري فيم نزلت ؟ قلت: لا. قال: نزلت في إيتان النساء في أدبارهن. وحدثني أبو قلابة. حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث, حدثني أبي عن أيوب, عن نافع, عن ابن عمر " فاتوا حرثكم أنى شئتم " قال: في الدبر. وروي من حديث مالك عن نافع عن ابن عمر ولا يصح. وروى النسائي عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم, عن أبي بكر بن أبي أويس, عن سليمان بن بلال, عن زيد بن أسلم, عن ابن عمر, أن رجلاً أتى امرأته في دبرها فوجد في نفسه من ذلك وجداً شديداً, فأنزل الله " نساؤكم حرث لكم فاتوا حرثكم أنى شئتم ". قال أبو حاتم الرازي, لو كان هذا عند زيد بن أسلم عن ابن عمر, لما أولع الناس بنافع, وهذا تعليل منه لهذا الحديث. وقد رواه عبد الله بن نافع عن داود بن قيس, عن زيد بن أسلم, عن عطاء بن يسار, عن ابن عمر, فذكره, وهذا الحديث محمول على ما تقدم وهو أنه يأتيها في قبلها من دبرها, لما رواه النسائي عن علي بن عثمان النفيلي عن سعيد بن عيسى, عن الفضل بن فضالة عن عبد الله بن سليمان الطويل, عن كعب بن علقمة, عن أبي النضر, أنه أخبره أنه قال لنافع مولى ابن عمر, أنه قد أكثر عليك القول, أنك تقول عن ابن عمر أنه أفتى أن تؤتى النساء في أدبارهن, قال: كذبوا علي, ولكن سأحدثك كيف كان الأمر, إن ابن عمر عرض المصحف يوماً وأنا عنده حتى بلغ " نساؤكم حرث لكم فاتوا حرثكم أنى شئتم " فقال: يا نافع, هل تعلم من أمر هذه الاية ؟ قلت: لا. قال, إنا كنا معشر قريش نجبي النساء, فلما دخلنا المدينة ونكحنا نساء الأنصار أردن منها مثل ما كنا نريد, فإذا هن قد كرهن ذلك وأعظمنه وكانت نساء الأنصار قد أخذن بحال اليهود إنما يؤتين على جنوبهن, فأنزل الله " نساؤكم حرث لكم فاتوا حرثكم أنى شئتم " وهذا إسناد صحيح, وقد رواه ابن مردويه عن الطبراني, عن الحسين بن إسحاق, عن زكريا بن يحيى الكاتب العمري, عن مفضل بن فضالة, عن عبد الله بن عياش, عن كعب بن علقمة, فذكره, وقد روينا عن ابن عمر خلاف ذلك صريحاً, وأنه لا يباح ولا يحل كما سيأتي, وإن كان قد نسب هذا القول إلى طائفة من فقهاء المدينة وغيرهم, وعزاه بعضهم إلى الإمام مالك في كتاب السر, وأكثر الناس ينكر أن يصح ذلك عن الإمام مالك رحمه الله. وقد وردت الأحاديث المروية من طرق متعددة بالزجر عن فعله وتعاطيه, فقال الحسن بن عرفة: حدثنا إسماعيل بن عياش عن سهيل بن أبي صالح, عن محمد بن المنكدر, عن جابر, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "استحيوا إن الله لا يستحي من الحق, لا يحل أن تأتوا النساء في حشوشهن". وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرحمن, حدثنا سفيان عن عبد الله بن شداد, عن خزيمة بن ثابت, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يأتي الرجل امرأته في دبرها.
(طريق أخرى) قال أحمد: حدثنا يعقوب, سمعت أبي يحدث عن يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد, أن عبيد الله بن الحصين الوالبي حدثه أن عبد الله الواقفي, حدثه أن خزيمة بن ثابت الخطمي, حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال "استحيوا إن الله لا يستحي من الحق لا تأتوا النساء في أعجازهن" رواه النسائي وابن ماجه من طريق عن خزيمة بن ثابت وفي إسناده اختلاف كثير.
(حديث آخر) قال أبو عيسى الترمذي والنسائي: حدثنا أبو سعيد الأشج, حدثنا أبو خالد الأحمر عن الضحاك بن عثمان, عن مخرمة بن سليمان عن كريب, عن ابن عباس, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا ينظر الله إلى رجل أتى رجلاً أو امرأة في الدبر" ثم قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب, وهكذا أخرجه ابن حبان في صحيحه, وصححه ابن حزم أيضاً, ولكن رواه النسائي أيضاً عن هناد, عن وكيع, عن الضحاك به موقوفاً. وقال عبد: أخبرنا عبد الرزاق, أخبرنا معمر عن ابن طاوس, عن أبيه, أن رجلاً سأل ابن عباس عن إتيان المرأة في دبرها, قال: تسألني عن الكفر, إسناده صحيح, وكذا رواه النسائي من طريق ابن المبارك عن معمر به نحوه, وقال عبد أيضاً في تفسيره: حدثنا إبراهيم بن الحاكم عن أبيه عن عكرمة, قال, جاء رجل إلى ابن عباس وقال: كنت آتي أهلي في دبرها, وسمعت قول الله " نساؤكم حرث لكم فاتوا حرثكم أنى شئتم " فظننت أن ذلك لي حلال, فقال: يا لكع إنما قوله: " فاتوا حرثكم أنى شئتم " قائمة وقاعدة ومقبلة ومدبرة في أقبالهن لا تعدوا ذلك إلى غيره.
(حديث آخر) قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الصمد, حدثنا قتادة عن عمرو بن شعيب, عن أبيه, عن جده, أن النبي صلى الله عليه وسلم, قال: "الذي يأتي امرأته في دبرها هي اللوطية الصغرى" وقال عبد الله بن أحمد: حدثني هدبة, حدثنا همام, قال: سئل قتادة عن الذي يأتي امرأته في دبرها, فقال قتادة: أخبرنا عمرو بن شعيب عن أبيه, عن جده, أن النبي صلى الله عليه وسلم, قال: "هي اللوطية الصغرى". قال قتادة: وحدثني عقبة بن سعيد القطان عن سعيد بن أبي عروبة, عن قتادة, عن أبي أيوب, عن عبد الله بن عمرو بن العاص قوله, وهذا أصح, والله أعلم. وكذلك رواه عبد بن حميد عن يزيد بن هارون, عن حميد الأعرج, عن عمرو بن شعيب, عن أبيه, عن عبد الله بن عمرو موقوفاً من قوله.
(طريق أخرى) قال جعفر الفريابي: حدثنا ابن لهيعة عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم, عن أبي عبد الرحمن الحبلي, عن عبد الله بن عمر, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "سبعة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة, ولا يزكيهم, ويقول ادخلوا النار مع الداخلين: الفاعل, والمفعول به, والناكح يده, وناكح البهيمة, وناكح المرأة في دبرها, وجامع بين المرأة وابنتها, والزاني بحليلة جاره, ومؤذي جاره حتى يلعنه" ابن لهيعة وشيخه ضعيفان.
(حديث آخر) قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق, أخبرنا سفيان عن عاصم, عن عيسى بن حطان, عن مسلم بن سلام, عن علي بن طلق, قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تؤتى النساء في أدبارهن, فإن الله لا يستحي من الحق, وأخرجه أحمد أيضاً عن أبي معاوية وأبي عيسى الترمذي من طريق أبي معاوية أيضاً, عن عاصم الأحول به, وفيه زيادة, وقال: هو حديث حسن, ومن الناس من يورد هذا الحديث في مسند علي بن أبي طالب كما وقع في مسند الإمام أحمد بن حنبل, والصحيح أنه علي بن طلق.
(حديث آخر) قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق, أخبرنا معمر عن سهيل بن أبي صالح, عن الحارث بن مخلد, عن أبي هريرة, عن النبي صلى الله عليه وسلم, قال "إن الذي يأتي امرأته في دبرها لا ينظر الله إليه". وقال أحمد أيضاً حدثنا عفان, حدثنا وهيب, حدثنا سهيل عن الحارث بن مخلد, عن أبي هريرة يرفعه, قال "لا ينظر الله إلى رجل جامع امرأته في دبرها", وكذا رواه ابن ماجه من طريق سهيل وقال أحمد أيضاً: حدثنا وكيع عن سهيل بن أبي صالح. عن الحارث بن مخلد, عن أبي هريرة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ملعون من أتى امرأته في دبرها", وهكذا رواه أبو داود والنسائي من طريق وكيع به.
(طريق أخرى) قال الحافظ أبو نعيم الأصبهاني: أخبرنا أحمد بن القاسم بن الريان, حدثنا أبو عبد الرحمن النسائي, حدثنا هناد ومحمد بن إسماعيل واللفظ له, قالا: حدثنا وكيع, حدثنا سفيان عن سهيل بن أبي صالح, عن أبيه, عن أبي هريرة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ملعون من أتى امرأة في دبرها" ليس هذا الحديث هكذا في سنن النسائي, وإنما الذي فيه عن سهيل عن الحارث بن مخلد كما تقدم, قال شيخنا الحافظ أبو عبد الله الذهبي: ورواية أحمد بن القاسم بن الريان هذا الحديث بهذا السند, وهم منه وقد ضعفوه.
(طريق أخرى) ـ رواها مسلم بن خالد الزنجي عن العلاء بن عبد الرحمن, عن أبيه, عن أبي هريرة, عن النبي صلى الله عليه وسلم, قال "ملعون من أتى النساء في أدبارهن" ومسلم بن خالد فيه كلام, والله أعلم.
(طريق أخرى) ـ رواها الإمام أحمد وأهل السنن من حديث حماد بن سلمة عن حكيم الأثرم, عن أبي تميمة الهجيمي, عن أبي هريرة, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال "من أتى حائضاً أو امرأة في دبرها أو كاهناً فصدقه, فقد كفر بما أنزل على محمد" وقال الترمذي: ضعف البخاري هذا الحديث, والذي قاله البخاري في حديث الترمذي عن أبي تيمية: لا يتابع على حديثه.
(طريق أخرى) ـ قال النسائي: حدثنا عثمان بن عبد الله, حدثنا سليمان بن عبد الرحمن من كتابه عن عبد الملك بن محمد الصنعاني, عن سعيد بن عبد العزيز, عن الزهري, عن أبي سلمة رضي الله عنه, عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم, قال "استحيوا من الله حق الحياء لا تأتوا النساء في أدبارهن" تفرد به النسائي من هذا الوجه. قال حمزة بن محمد الكناني الحافظ: هذا حديث منكر باطل من حديث الزهري ومن حديث أبي سلمة ومن حديث سعيد فإن كان عبد الملك سمعه من سعيد, فإنما سمعه بعد الاختلاف, وقد رواه الترمذي عن أبي سلمة أنه كان ينهي عن ذلك, فأما عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم, فلا, انتهى كلامه, وقد أجاد وأحسن الانتقاد, إلا أن عبد الملك بن محمد الصنعاني لا يعرف أنه اختلط , ولم يذكر ذلك أحد غير حمزة عن الكناني وهو ثقة, ولكن تكلم فيه دحيم وأبو حاتم وابن حبان, وقال: لا يجوز الاحتجاج به, والله أعلم. وقد تابعه زيد بن يحيى بن عبيد عن سعيد بن عبد العزيز. وروي من طريقين آخرين عن أبي سلمة, ولا يصح منها كل شيء.
(طريق أخرى) ـ قال النسائي: حدثنا إسحاق بن منصور, حدثنا عبد الرحمن بن مهدي, عن سفيان الثوري, عن ليث بن أبي سليم, عن مجاهد, عن أبي هريرة, قال: إتيان الرجال النساء في أدبارهن كفر, ثم رواه النسائي من طريق الثوري عن ليث, عن مجاهد, عن أبي هريرة مرفوعاً, وكذا رواه من طريق علي بن نديمة عن مجاهد, عن أبي هريرة موقوفاً, ورواه بكر بن خنيس عن ليث, عن مجاهد, عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم, قال: "من أتى شيئاً من الرجال والنساء في الأدبار فقد كفر" والموقف أصح, وبكر بن خنيس ضعفه غير واحد من الأئمة, وتركه آخرون.
(حديث آخر) ـ قال محمد بن أبان البلخي: حدثنا وكيع, حدثني زمعة بن صالح عن ابن طاوس, عن أبيه, وعن عمرو بن دينار, عن عبيد الله بن يزيد بن الهاد, قالا: قال عمر بن الخطاب: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله لا يستحي من الحق, لا تأتوا النساء في أدبارهن" وقد رواه النسائي, حدثنا سعيد بن يعقوب الطالقاني عن عثمان بن اليمان عن زمعة بن صالح, عن ابن طاوس عن أبيه, عن ابن الهاد, عن عمر, قال: لا تأتوا النساء في أدبارهن وحدثنا إسحاق بن إبراهيم, حدثنا يزيد بن أبي حكيم عن زمعة بن صالح, عن عمرو بن دينار , عن طاوس, عن عبد الله بن الهاد الليثي, قال: قال عمر رضي الله عنه: استحيوا من الله فإن الله لا يستحي من الحق, لا تأتوا النساء في أدبارهن, والموقوف أصح.
(حديث آخر) ـ قال الإمام أحمد: حدثنا غندر ومعاذ بن معاذ, قالا: حدثنا شعبة عن عاصم الأحول عن عيسى بن حطان, عن مسلم بن سلام, عن طلق بن يزيد أو يزيد بن طلق, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إن الله لا يستحي من الحق, لا تأتوا النساء في أستاههن" وكذا رواه غير واحد عن شعبة, ورواه عبد الرزاق عن معمر , عن عاصم الأحول, عن عيسى بن حطان, عن مسلم بن سلام, عن طلق بن علي, والأشبه أنه علي بن طلق كما تقدم, والله أعلم.
(حديث آخر) ـ قال أبو بكر الأثرم في سننه: حدثنا أبو مسلم الحرمي, حدثنا أخو أنيس بن إبراهيم, أن أباه إبراهيم بن عبد الرحمن بن القعقاع أخبره عن أبيه أبي القعقاع, عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم, قال "محاش النساء حرام" وقد رواه إسماعيل بن عليه وسفيان الثوري وشعبة وغيرهم عن أبي عبد الله الشقري واسمه سلمة بن تمام ثقة, عن أبي القعقاع عن ابن مسعود موقوفاً وهو أصح.
(طريق أخرى) ـ قال ابن عدي: حدثنا أبو عبد الله المحاملي, حدثنا سعيد بن يحيى الثوري, حدثنا محمد بن حمزة, عن زيد بن رفيع, عن أبي عبيدة, عن عبد الله, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تأتوا النساء في أعجازهن" محمد بن حمزة هو الجزري وشيخه فيهما مقال. وقد روي من حديث أبي بن كعب والبراء بن عازب وعقبة بن عامر وأبي ذر وغيرهم, وفي كل منها مقال لا يصح معه الحديث, والله أعلم. وقال الثوري, عن الصلت بن بهرام, عن أبي المعتمر , عن أبي جويرية, قال: سأل رجل علياً عن إتيان المرأة في دبرها, فقال: سفلت, سفل الله بك, ألم تسمع قول الله عز وجل: "أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين". وقد تقدم قول ابن مسعود وأبي الدرداء وأبي هريرة وابن عباس وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه يحرمه. قال أبو محمد عبد الرحمن بن عبد الله الدارمي في مسنده: حدثنا عبد الله بن صالح, حدثنا الليث عن الحارث بن يعقوب, عن سعيد بن يسار أبي الحباب, قال: قلت: لابن عمر : ما تقول في الجواري أيحمض لهن ؟ قال: وما التحميض ؟ فذكر الدبر , فقال: وهل يفعل ذلك أحد من المسلمين ؟ وكذا رواه ابن وهب وقتيبة عن الليث به وهذا إسناد صحيح ونص صريح منه بتحريم ذلك. فكل ما ورد عنه مما يحتمل فهو مردود إلى هذا المحكم. قال ابن جرير: حدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم, حدثنا أبو زيد أحمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن أبي العمر , حدثني عبد الرحمن بن القاسم عن مالك بن أنس, أنه قيل له: يا أبا عبد الله, إن الناس يروون عن سالم بن عبد الله أنه قال: كذب العبد أو العلج علي أبي عبد الله قال مالك أشهد على يزيد بن رومان أنه أخبرني عن سالم بن عبد الله عن ابن عمر مثل ما قال نافع. فقيل له فإن الحارث بن يعقوب يروي عن أبي الحباب سعيد بن يسار أنه سأل ابن عمر فقال له يا أبا عبد الرحمن إنا نشتري الجواري أفنحمض لهن ؟ فقال وما التحميض ؟ فذكر له الدبر, فقال: ابن عمر: أف أف! وهل يفعل ذلك مؤمن, أو قال مسلم ؟ فقال مالك: أشهد على ربيعة لأخبرني عن أبي الحباب عن ابن عمر مثل ما قال نافع. وروى النسائي عن الربيع بن سليمان, عن أصبغ بن الفرج الفقيه, حدثنا عبد الرحمن بن القاسم, قال: قلت لمالك: إن عندنا بمصر الليث بن سعد يحدث عن الحارث بن يعقوب عن سعيد بن يسار قال: قلت لابن عمر إنا نشتري الجواري أفنحمض لهن؟ قال: وما التحميض؟ قلت: نأتيهن في أدبارهن فقال أف أف أو يعمل هذا مسلم فقال لي مالك فأشهد على سعيد بن يسار, أنه سأل ابن عمر, فقال: لا بأس به. وروى النسائي أيضاً من طريق يزيد بن رومان, عن عبيد الله بن عبد الله: أن ابن عمر كان لا يرى بأساً أن يأتي الرجل المرأة في دبرها. وروى معمر بن عيسى عن مالك أن ذلك حرام. وقال أبو بكر بن زياد النيسابوري: حدثني إسماعيل بن حسين, حدثني إسرائيل بن روح, سألت مالك بن أنس: ما تقول في إتيان النساء في أدبارهن ؟ قال: ما أنتم إلا قوم عرب, هل يكون الحرث إلا موضع الزرع, لا تعدوا الفرج, قلت: يا أبا عبد الله, إنهم يقولون إنك تقول ذلك. قال: يكذبون علي يكذبون علي, فهذا هو الثابت عنه, وهو قول أبي حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل وأصحابهم قاطبة, وهو قول سعيد بن المسيب وأبي سلمة وعكرمة وطاوس وعطاء وسعيد بن جبير وعروة بن الزبير ومجاهد بن جبر والحسن وغيرهم من السلف, أنهم أنكروا ذلك أشد الأنكار, ومنهم من يطلق على فعله الكفر وهو مذهب جمهور العلماء, وقد حكي في هذا شيء عن بعض فقهاء المدينة حتى حكوه عن الإمام مالك, وفي صحته نظر, قال الطحاوي: روى أصبغ بن الفرج عن عبد الرحمن بن القاسم, قال: ما أدركت أحداً أقتدي به في ديني يشك أنه حلال, يعني وطء المرأة في دبرها, ثم قرأ "نساؤكم حرث لكم" ثم قال: فأي شيء أبين من هذا ؟ هذه حكاية الطحاوي, وقد روى الحاكم والدارقطني والخطيب البغدادي عن الإمام مالك من طرق ما يقتضي إباحة ذلك, ولكن في الأسانيد ضعف شديد, وقد استقصاها شيخنا الحافظ أبو عبد الله الذهبي في جزء جمعه في ذلك, والله أعلم. وقال الطحاوي: حكى لنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم, أنه سمع الشافعي يقول: ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في تحليله ولا تحريمه شيء والقياس أنه حلال وقد روى ذلك أبو بكر الخطيب عن أبي سعيد الصيرفي عن أبي العباس الأصم سمعت محمد بن عبد الله بن عبد الحكم سمعت الشافعي يقول, فذكره, قال أبو نصر الصباغ: كان الربيع يحلف بالله لا إله إلا هو, لقد كذب ـ يعني ابن عبد الحكم ـ على الشافعي في ذلك, لأن الشافعي نص على تحريمه في ستة كتب من كتبه, والله أعلم.
وقوله "وقدموا لأنفسكم" أي من فعل الطاعات مع امتثال ما أنهاكم عنه من ترك المحرمات, ولهذا قال "واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه" أي فيحاسبكم على أعمالكم جميعها "وبشر المؤمنين" أي المطيعين الله فيما أمرهم, التاركين ما عنه زجرهم. وقال ابن جرير: حدثنا القاسم, حدثنا الحسين, حدثني محمد بن عبد الله بن واقد, عن عطاء, قال: أراه عن ابن عباس "وقدموا لأنفسكم" قال: تقول باسم الله التسمية عند الجماع, وقد ثبت في صحيح البخاري عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله, قال: باسم الله, اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا, فإنه إن يقدر بينهما ولد في ذلك, لن يضره الشيطان أبداً".
قوله: 223- " نساؤكم حرث لكم فاتوا حرثكم أنى شئتم " لفظ الحرث يفيد أن الإباحة لم تقع إلا في الفرج الذي هو القبل خاصة، إذ هو مزدرع الذرية، كما أن الحرث مردرع النبات. فقد شبه ما يلقى في أرحامهن من النطف التي منها النسل بما يلقى في الأرض من البذور التي منها النبات بجامع أن كل واحد منهما مادة لما يحصل منه، وهذه الجملة بيان للجملة الأولى، أعني قوله: " فاتوهن من حيث أمركم الله ". وقوله: "أنى شئتم" أي من أي جهة شئتم من خلف وقدام وباركة ومستلقية ومضجعة، إذا كان في موضع الحرث، وأنشد ثعلب:
إنما الأرحام أرضو ن لنــا محـترثـات
فعلينا الزرع فيهـا وعلى الله النبات
وإنما عبر سبحانه بقوله: "أنى" لكونها أعم في اللغة من كيف وأين ومتى. وأما سيبويه ففسرها هنا بكيف. وقد ذهب السلف والخلف من الصحابة والتابعين والأئمة إلى ما ذكرناه من تفسير الآية، وأن إتيان الزوجة في دبرها حرام. وروي عن سعيد بن المسيب ونافع وابن عمر ومحمد بن كعب القرظي وعبد الملك بن الماجشون أنه يجوز ذلك، حكاه عنهم القرطبي في تفسيره قال: وحكي ذلك عن مالك في كتاب له يسمى كتاب السر وحذاق أصحاب مالك ومشايخهم ينكرون ذلك الكتاب، ومالك أجل من أن يكون له كتاب سر، ووقع هذا القول في العتبية. وذكر ابن العربي أن ابن شعبان أسند جواز ذلك إلى زمرة كبيرة من الصحابة والتابعين وإلى مالك من روايات كثيرة في كتاب جماع النسوان وأحكام القرآن وقال الطحاوي: روى أصبغ بن الفرج عن عبد الرحمن بن القاسم قال: ما أدركت أحداً أقتدي به في ديني شك في أنه حلال: يعني وطء المرأة في دبرها ثم قرأ: "نساؤكم حرث لكم" ثم قال: فأي شيء أبين من هذا. وقد روى الحاكم والدارقطني والخطيب البغدادي عن مالك من طرق ما يقتضي إباحة ذلك. وفي أسانيدها ضعف. وقد روى الطحاوي عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم أنه سمع الشافعي يقول: ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في تحليله ولا تحريمه شيء، والقياس أنه حلال. وقد روى ذلك أبو بكر الخطيب. قال ابن الصباغ: كان الربيع يحلف بالله الذي لا إله إلا هو لقد كذب ابن عبد الحكم على الشافعي في ذلك، فإن الشافعي نص على تحريمه في ستة كتب من كتبه. قوله: "وقدموا لأنفسكم" أي خيراً كما في قوله تعالى: "وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله" وقيل: ابتغاء الولد، وقيل: التزويج بالعفائف، وقيل غير ذلك. وقوله: "واتقوا الله" فيه تحذير عن الوقوع في شيء من المحرمات. وفي قوله: "واعلموا أنكم ملاقوه" مبالغة في التحذير. وفي قوله: "وبشر المؤمنين" تأنيس لمن يفعل الخير ويجتنب الشر.
وقد أخرج مسلم وأهل السنن وغيرهم عن أنس "أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة منهم أخرجوها من البيت ولم يؤاكلوها ولم يشاربوها ولم يجامعوها في البيوت، فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فأنزل الله: "ويسألونك عن المحيض" الآية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: جامعوهن في البيوت واصنعوا كل شيء إلا النكاح". وأخرج النسائي والبزار عن جابر قال: إن اليهود قالوا: من أتى المرأة في دبرها كان ولده أحول، فجاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألوه عن ذلك وعن إتيان الحائض، فنزلت. وأخرج ابن جرير عن مجاهد قال الأذى: الدم. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله: "فاعتزلوا النساء" يقول: اعتزلوا نكاح فروجهن. وفي قوله: "ولا تقربوهن حتى يطهرن" قال: من الدم. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد قال: حتى ينقطع الدم. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس في قوله: "فإذا تطهرن" قال: بالماء. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن مجاهد نحوه. وأخرج ابن جرير عن عكرمة نحوه أيضاً. وأخرج ابن المنذر عن مجاهد وعطاء أنهما قالا إذا رأت الطهر فلا بأس أن تستطيب بالماء ويأتيها قبل أن تغتسل. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: " فاتوهن من حيث أمركم الله " قال: يعني أن يأتيها طاهراً غير حائض. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة نحوه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله: " فاتوهن من حيث أمركم الله " قال: من حيث أمركم أن تعتزلوهن. وأخرج ابن أبي شيبة عن عكرمة مثله. وأخرج ابن جرير وابن المنذر والبيهقي عن ابن عباس قال: من حيث نهاكم أن تأتوهن وهن حيض: يعني من قبل الفرج. وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن الحنفية قال: " فاتوهن من حيث أمركم الله " من قبل التزويج. وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن عطاء في قوله: "يحب التوابين" قال: من الذنوب "ويحب المتطهرين" قال: بالماء. وأخرج ابن أبي حاتم عن الأعمش قال: التوبة من الذنوب والتطهير من الشرك. وأخرج البخاري وأهل السنن وغيرهم عن جابر قال: كانت اليهود تقول إذا أتى الرجل امرأته من خلفها في قبلها جاء الولد أحول، فنزلت: " نساؤكم حرث لكم فاتوا حرثكم أنى شئتم " إن شاء محتبية وإن شاء غير محتبية، غير أن ذلك في صمام واحد. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير عن مرة الهمداني نحوه. وقد روي هذا عن جماعة من السلف وصرحوا أنه السبب، ومن الراوين لذلك عبد الله بن عمر عند ابن عساكر، وأم سلمة عند عبد الرزاق وعبد بن حميد والبيهقي في الشعب. وأخرجه أيضاً عنها ابن أبي شيبة وأحمد والدارمي وعبد بن حميد والترمذي وحسنه "أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض نساء الأنصار عن التحبية، فتلا عليها الآية وقال: صماماً واحداً" والصمام: السبيل. وأخرج أحمد وعبد بن حميد والترمذي وحسنه والنسائي والضياء في المختارة وغيرهم عن ابن عباس قال: جاء عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله هلكت. قال: وما أهلكك؟ قال: حولت رحلي الليلة. فلم يرد عليه شيئاً. فأوحى الله إلى رسوله هذه الآية "نساؤكم حرث لكم" يقول: أقبل وأدبر واتق الدبر والحيضة. وأخرج أحمد عن ابن عباس مرفوعاً أن هذه الآية نزلت في أناس من الأنصار أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه فقال: ائتها على كل حال إذا كان في الفرج. وأخرج الدارمي وأبو داود وابن جرير وابن المنذر والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عنه قال ابن عمر: والله يغفر له أوهم، إنما كان هذا الحي من الأنصار وهم أهل وثن مع هذا الحي من اليهود وهم أهل الكتاب كانوا يرون لهم فضلاً عليهم في العلم، فكانوا يقتدون بكثير من فعلهم، فكان من أمر أهل الكتاب لا يأتون النساء إلا على حرف، وذلك أستر ما تكون المرأة، وكان هذا الحي من الأنصار قد أخذوا بفعلهم، وكان هذا الحي من قريش يشرحون النساء شرحاً ويتلذذون منهن مقبلات ومدبرات ومستلقيات فلما قدم المهاجرون المدينة تزوج رجل منهم امرأة من الأنصار. فذهب يفعل بها ذلك فأنكرته عليه، وقالت: إنما كنا نؤتي على حرف فاصنع ذلك وإلا فاجتنبني، فسرى أمرهما، فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله الآية: "نساؤكم حرث لكم" يقول: مقبلات ومدبرات بعد أن يكون في الفرج وإن كان من قبل دبرها في قبلها، زاد الطبراني: قال ابن عباس، قال ابن عمر: في دبرها فأوهم، والله يغفر له، وإنما كان هذا الحديث على هذا. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد والدارمي والبيهقي عن ابن مسعود أنه قال: محاش النساء عليكم حرام. وأخرج الشافعي في الأم وابن أبي شيبة وأحمد والنسائي وابن ماجه وابن المنذر والبيهقي في سننه من طريق خزيمة بن ثابت "أن سائلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إتيان النساء في أدبارهن، فقال: حلال أو لا بأس، فلما ولي دعاه فقال: كيف قلت؟ أمن دبرها في قبلها فنعم، أم من دبرها في دبرها فلا، إن الله لا يستحي من الحق لا تأتوا النساء في أدبارهن". وأخرج ابن عدي والدارقطني عن جابر بن عبد الله نحوه. وأخرج ابن أبي شيبة والترمذي وحسنه والنسائي وابن حبان عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا ينظر الله إلى رجل أتى امرأة في الدبر". وأخرج أحمد والبيهقي في سننه عن ابن عمرو: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الذي يأتي امرأته في دبرها هي اللوطية الصغرى". وأخرج أحمد وأبو داود والنسائي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ملعون من أتى امرأته في دبرها". وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد والنسائي والبيهقي عنه قال: إتيان الرجال والنساء في أدبارهن كفر. وقد رواه ابن عدي عن أبي هريرة مرفوعاً قال ابن كثير: والموقوف أصح. وقد ورد النهي عن ذلك من طرق منها عند البزار عن عمر مرفوعاً وعند النسائي عنه موقوفاً وهو أصح. وعند ابن عدي في الكامل عن ابن مسعود مرفوعاً عند ابن عدي أيضاً عن عقبة بن عامر مرفوعاً، وعند أحمد عن طلق بن يزيد أو يزيد بن طلق مرفوعاً، وعند ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وحسنه عن علي بن طلق مرفوعاً وقد ثبت نحو ذلك عن جماعة من الصحابة والتابعين مرفوعاً وموقوفاً. وأخرج البخاري وغيره عن نافع قال: قرأت ذات يوم: "نساؤكم حرث لكم" فقال ابن عمر: أتدري فيم أنزلت هذه الآية؟ قلت: لا، قال: نزلت في إتيان النساء في أدبارهن. وأخرج البخاري عن ابن عمر أنه قال: " فاتوا حرثكم أنى شئتم " قال: في الدبر. وقد روي هذا عن ابن عمر من طرق كثيرة. وفي رواية عند الدارقطني أنه قال له نافع: من دبرها في قبلها؟ فقال: لا: إلا في دبرها. وأخرج ابن راهويه وأبو يعلى وابن جرير والطحاوي وابن مردويه بإسناد حسن عن أبي سعيد الخدري، أن رجلاً أصاب امرأته في دبرها، فأنكر الناس عليه ذلك، فنزلت الآية. وأخرج البيهقي في سننه عن محمد بن علي قال: كنت عند محمد بن كعب القرظي فجاءه رجل فقال: ما تقول في إتيان المرأة في دبرها؟ فقال: هذا شيخ من قريش فسله، يعني عبد الله بن علي بن السائب: فقال: قذر ولو كان حلالاً. وقد روي القول بحل ذلك عن محمد بن المنكدر عند ابن جرير وعن ابن أبي مليكة عند ابن جرير أيضاً، وعن مالك بن أنس عند ابن جرير والخطيب وغيرهما، وعن الشافعي عند الطحاوي والحاكم والخطيب. وقد قدمنا مثل هذا، وليس في أقوال هؤلاء حجة ألبتة: ولا يجوز لأحد أن يعمل على أقوالهم، فإنهم لم يأتوا بدليل يدل على الجواز، فمن زعم منهم أنه فهم ذلك من الآية فقد أخطأ في فهمه. وقد فسرها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكابر أصحابه بخلاف ما قاله هذا المخطئ في فهمه كائناً من كان ومن زعم منهم أن سبب نزول الآية أن رجلاً أتى امرأته في دبرها، فليس في هذا ما يدل على أن الآية أحلت ذلك، ومن زعم ذلك فقد أخطأ، بل الذي تدل عليه الآية أن ذلك حرام، فكون ذلك هو السبب لا يستلزم أن تكون الآية نازلة في تحليله، فإن الآيات النازلة على أسباب تأتي تارة بتحليل هذا، وتارة بتحريمه. وقد روي عن ابن عباس أنه فسر هذه الآية بغير ما تقدم، فقال: معناها إن شئتم فاعزلوا وإن شئتم فلا تعزلوا. روى ذلك عنه ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والضياء في المختارة. وروي نحو ذلك عن ابن عمر. وأخرجه ابن أبي شيبة وعن سعيد بن المسيب، أخرجه ابن أبي شيبة وابن جرير.
223. قوله تعالى: " نساؤكم حرث لكم فاتوا حرثكم أنى شئتم " أخبرنا أبو سعيد أحمد بن إبراهيم الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي أخبرنا عبد الله بن حامد الاصبهاني أخبرنا محمد بن يعقوب أنا ابن المنادي أنا يونس أنا يعقوب القمي عن جعفر بن المغيرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاء عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (( يا رسول الله هلكت، قال وما الذي أهلكك؟ قال: حولت رحلي البارحة، فلم يرد عليه شيئاً، فأوحى الله إليه " نساؤكم حرث لكم فاتوا حرثكم أنى شئتم " يقول أدبر وأقبل واتق الدبر والحيضة.
أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أخبرنا أحمد بن الحسين الحيري أنا حاجب بن أحمد الطوسي أنا عبد الرحيم بن منيب أنا ابن عيينة عن ابن المنكدر أنه سمع جابر بن عبد الله يقول : كانت اليهود تقول في الذي يأتي امرأته من دبرها في قبلها : إن الولد يكون أحول ، فنزلت " نساؤكم حرث لكم فاتوا حرثكم أنى شئتم " .
وروى مجاهد عن ابن عباس قال كان من شأن أهل الكتاب أن لا يأتوا النساء إلا على حرف وذلك أستر ما تكون المرأة ، وكان هذا الحي من الأنصار قد أخذوا بذلك من فعلهم ، وكان هذا الحي من قريش يتلذذون منهن مقبلات ومدبرات ومستلقيات ، فلما قدم المهاجرون المدينة تزوج رجل منهم امرأة من الأنصار ، فذهب يصنع بها ذلك فأنكرت عليه وقالت إنا كنا نؤتى على حرف فإن شئت فاصنع ذلك وإلا فاجتنبني ، حتى سرى أمرهما ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى " نساؤكم حرث لكم " الآية يعني موضع الولد " فاتوا حرثكم أنى شئتم " مقبلات ومدبرات ومستلقيات وأنى حرف استفهام يكون سؤالاً عن الحال و المحل ، معناه : كيف شئتم وحيث شئتم ، بعد أن يكون في صمام واحد ، وقال عكرمة " أنى شئتم " إنما هو الفرج ، ومثله عن الحسن ، وقيل " حرث لكم " أي مزرع لكم ومنبت للولد ، بمنزلة الأرض التي تزرع ، وفيه دليل على تحريم الأدبار ، لأن محل الحرث و الزرع هو القبل لا الدبر.
وقال سعيد بن المسيب هذا في العزل ، يعني إن شئتم فاعزلوا ، وإن شئتم فلا تعزلوا وسئل ابن عباس عن العزل فقال : حرثك إن شئت فأعطش ، وإن شئت فأرو ، وروى عنه أنه قال : تستأمر الحرة في العزل ولا تستأمر الجارية ، وبه قال أحمد وكره جماعة العزل وقالوا : هو الوأد الخفي ، وروى عن مالك عن نافع قال كنت أمسك على ابن عمر الصحف فقرأ هذه الآية " نساؤكم حرث لكم " فقال أتدري فيم نزلت هذه الآية ؟ قلت لا قال : نزلت في رجل اتى امرأته في دبرها ، فشق ذلك عليه فنزلت هذه الآية .
ويحكى عن مالك إباحة ذلك ، وأنكر ذلك أصحابه ، وروي عن عبد الله بن الحسن أنه لقي سالم بن عبد الله فقال له يا أبا عمر ما حديث يحدث نافع عن عبد الله أنه لم يكن يرى بأساً بإتيان النساء في أدبارهن فقال : كذب العبد وأخطأ ، إنما قال عبد الله : يؤتون في فروجهن من أدبارهن ، و الدليل على تحريم الأدبار ما أخبرنا عبد الوهاب بن محمد بن الخطيب أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال أخبرنا أبو العباس الأصم أنا الربيع أخبرنا الشافعي أنا عمر محمد بن علي بن شافع أخبرني عبد الله بن علي بن السائب عن عمرو بن أحيحة بن الجلاح عن خزيمة بن ثابت أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن اتيان النساء في أدبارهن فقال النبي صلى الله عليه وسلم " في أي الخرمتين أو في أي الخرزتين أو في أي الخصفتين أمن دبرها في قبلها فنعم أو من دبرها في دبرها فلا ، فإن الله لا يستحي من الحق لا تأتوا النساء في أدبارهن ".
أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي أنا أبو اسحاق الثعلبي أنا عبد الله الحسين بن محمد الحافظ أنا عمر بن أحمد بن القاسم النهاوندي أخبرنا محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي أنا عبد الله بن أبان أنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن مسلم بن خالد عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ملعون من أتى امرأته في دبرها ".
قوله تعالى : " وقدموا لأنفسكم " قال عطاء : التسمية عند الجماع قال مجاهد " وقدموا لأنفسكم " يعني إذا أتى أهله فليدع .
أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن اسماعيل أنا عثمان بن أبي شيبة أنا جرير عن منصور عن سالم عن كريب عن ابن عباس قال قال النبي صلى الله عليه وسلم " لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله قال : بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا ، فإنه إن يقدر بينهما ولد في ذلك لم يضره شيطان أبداً " . وقيل قدموا لأنفسكم يعني : طلب الولد .
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الفضل الخرقي أنا أبو الحسن علي بن عبد الله الطيسفوني أخبرنا عبد الله بن عمر الجوهري أنا أحمد بن علي الكشميهني أنا علي بن حجر عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة : صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له "، وقيل : هو التزوج بالعفائف ليكون الولد صالحاً .
أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن اسماعيل أنا مسدد أنا يحيى عن عبيد الله حدثني سعيد ابن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها و لجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك " وقيل معنى الآية تقديم الأفراط .
أخبرنا أبو الحسن السرخسي أخبرنا زاهر بن أحمد أخبرنا أبو اسحق الهاشمي أنا أبو مصعب عن مالك عن ابن شهاب / عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد فتمسه النار إلا تحلة القسم " وقال الكلبي و السدي : وقدموا لأنفسكم يعني الخير و العمل الصالح بدليل سياق الآية " واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه " صائرون إليه فيجزيكم بأعمالكم " وبشر المؤمنين " .
223-" نساؤكم حرث لكم " مواضع حرث لكم . شبههن بها تشبيهاً لما يلقى في أرحامهن من النطف بالبذور " فاتوا حرثكم " أي فائتوهن كما تأتون المحارث ،وهو كالبيان لقوله تعالى : " فاتوهن من حيث أمركم الله " " أنى شئتم " من أي جهة شئتم ، روي ( أن اليهود كانوا يقولون : من جامع امرأته من دبرها في قبلها كان ولدها أحول ،فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت ) . " وقدموا لأنفسكم " ما يدخر لكم من الثواب . وقيل هو طلب الولد . وقيل التسمية عند الوطء . " واتقوا الله " بالاجتناب عن معاصيه . " واعلموا أنكم ملاقوه " فتزودوه ما لا تفتضحون به . " وبشر المؤمنين " الكاملين في الإيمان بالكرامة والنعيم الدائم . أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن ينصحهم ويبشر من صدقه وامتثل أمره منهم .
223. Your women are a tilth for you (to cultivate) go to your tilth as ye will, and send (good deeds) before you for your souls, and fear Allah, and know that ye will (one day) meet Him. Give glad tidings to believers, (O Muhammad).
223 - Your wives are as a tilth unto you; so approach your tilth when or how ye will; but do some good act for your souls beforehand and fear God, and know that ye are to meet him (in the hereafter), and give (these) good tidings to those who believes.