[البقرة : 220] فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاء اللّهُ لأعْنَتَكُمْ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
(في) أمر (الدنيا والآخرة) فتأخذون بالأصلح لكم فيهما (ويسألونك عن اليتامى) وما يلقونه من الحرج في شأنهم فإن واكلوهم يأثموا وإن عزلوا ما لهم من أموالهم وصنعوا لهم طعاما وحدهم فحرج (قل إصلاح لهم) في أموالهم بتنميتها ومداخلتكم (خير) من ترك ذلك (وإن تخالطوهم) أي تخلطوا نفقتكم بنقتهم (فإخوانكم) أي فهم إخوانكم في الدين ومن شأن الأخ أن يخالط أخاه أي فلكم ذلك (والله يعلم المفسد) لأموالهم بمخالطته (من المصلح) بها فيجازي كلا منهما (ولو شاء الله لأعنتكم) لضيق عليكم بتحريم المخالطة (إن الله عزيز) غالب على أمره (حكيم) في صنعه
قوله تعالى ويسألونك عن اليتامى أخرج أبو داود والنسائي والحاكم وغيرهم عن ابن عباس قال لما نزلت ولا تقربوا مال اليتيم الا بالتي هي أحسن وإن الذين يأكلون أموال اليتامى الآية إنطلق من كان عنده يتيم فعزل طعامه من طعامه وشرابه من شرابه فجعل يفضل له الشيء من طعامه فيحبس له حتى يأكله أو يفسد فاشتد ذلك عليهم فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله ويسألونك عن اليتامى الآية
اختلف أهل التأويل فيم نزلت هذه الآية. فقال بعضهم: نزلت [في الذين عزلوا أموال اليتامى الذين كانوا عندهم، وكرهوا أن يخالطوهم في مأكل أو فى غيره، وذلك حين نزلت: "ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن" [الأنعام: 152]، وقوله: "إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما" [النساء: 10]. ذكر من قال ذلك،: حدثنا أبو كريب قال، حدثنا يحيى بن آدم، عن إسرائيل، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: لما نزلت: "ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن" [الأنعام: 152- والإسراء: 34] عزلوا أموال اليتامى، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت: "وإن تخالطوهم فإخوانكم، والله يعلم المفسد من المصلح، ولو شاء الله لأعنتكم"، فخالطوهم. حدثنا سفيان بن وكيع قال، حدثنا جرير، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: لما نزلت: "ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن"، "إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا" [النساء: 10]، انطلق من كان عنده يتيم فعزل طعامه من طعامه، وشرابه من شرابه، فجعل يفضل الشيء من طعامه فيحبس له حتى يأكله أو يفسد. فاشتد ذلك عليهم، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله عز وجل: "ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم"، فخلطوا طعامهم بطعامهم وشرابهم بشرابهم. حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عمرو، عن عطاء، عن سعيد قال: لما نزلت: "ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن"، قال: كنا نصنع لليتيم طعاما فيفضل منه الشيء، فيتركونه حتى يفسد، فأنزلى الله: "وإن تخالطوهم فإخوانكم". حدثنا يحيى بن داود الواسطي قال، حدثنا أبو أسامة، عن ابن أبي ليلى، عن الحكم قال: سئل عبد الرحمن بن أبي ليلى عن مال اليتيم فقال: لما نزلت: "ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن"، اجتنبت مخالطتهم، واتقوا كل شيء، حتى اتقوا الماء، فلما نزلت: "وإن تخالطوهم فإخوانكم"، قال: فخالطوهم. حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "ويسألونك عن اليتامى" الآية كلها، قال: كان الله أنزل قبل ذلك في سورة بني إسرائيل "ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن"، فكبرت عليهم، فكانوا لا يخالطونهم في مأكل ولا في غيره، فاشتد ذلك عليهم، فأنزل الله الرخصة فقال: "وإن تخالطوهم فإخوانكم". حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة قال: لما نزلت: "ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن"، اعتزل الناس اليتامى فلم يخالطوهم في مأكل ولا مشرب ولا مال، قال: فشق ذلك على الناس، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله عز وجل: "ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانك". حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن ابي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: "ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم" الآية، قال: فذكر لنا والله أعلم أنه أنزل في بني اسرائيل: "ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده" فكبرت عليهم، فكانوا لا يخالطونهم فى طعام ولا شراب ولا غير ذلك. فاشتد ذلك عليهم، فأنزل الله الرخصة فقال: "ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم" ، يقول: مخالطتهم في ركوب الدابة وشرب اللبن وخدمة الخادم. يقول: الولي الذي يلي أمرهم، فلا بأس عليه أن يركب الدابة أو يشرب اللبن أو يخدمه الخادم. وقال آخرون في ذلك بما:- حدثني عمرو بن علي قال، حدثنا عمران بن عيينة قال، حدثنا عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله: "إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم" [النساء: 10] الآية، قال: كان يكون في حجر الرجل اليتيم فيعزل طعامه وشرابه وآنيته، فشق ذلك على المسلمين، فأنزل الله: "وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح"، فأحل خلطتهم. حدثني أبو السائب قال، حدثنا حفص بن غياث قال، حدثنا أشعث، عن الشعبي قال: لما نزلت هذه الآية: "إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا" [النساء: 10]، قال: فاجتنب الناس الأيتام، فجعل الرجل يعزل طعامه من طعامه، وماله من ماله، وشرابه من شرابه. قال: فاشتد ذلك على الناس، فنزلت: "وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح". قال الشعبي: فمن خالط يتيما فليتوسع عليه، ومن خالطه ليأكل من ماله فلا يفعل. حدثني علي بن داود قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: قوله: "ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير"، وذلك أن الله لما أنزل: "إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا" [النساء: 10]، كره المسلمون أن يضموا اليتامى، وتحرجوا أن يخالطوهم في شيء، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله: "قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم ". حدثنا القاسمقال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال: سألت عطاء بن أبي رباح عن قوله: "ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم"، قال: لما نزلت سورة النساء، عزل الناس طعامهم فلم يخالطوهم. قال: ثم جاؤوا إلى، النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: انا يشق علينا أن نعزل طعام اليتامى وهم يأكلون معنا! فنزلت: "وإن تخالطوهم فإخوانكم"، قال ابن جريج، وقال مجاهد: عزلوا طعامهم عن طعامهم وألبانهم عن ألبانهم وأدمهم عن أدمهم، فشق ذلك عليهم، فنزلت: "وإن تخالطوهم فإخوانكم"، قال: مخالطة اليتيم في المراعي والأدم، قال ابن جريج، وقال ابن عباس: الألبان وخدمه الخادم وركوب الدابة، قال ابن جريج: وفي المساكن، قال: والمساكن يومئذ عزيزة. حدثنا محمد بن سنان قال، حدثنا الحسين بن الحسن الأشقر قال، أخبرنا أبو كدينة، عن عطاء، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: لما نزلت: "ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن" و "إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما"، قال: اجتنب الناس مال اليتيم وطعامه، حتى كان يفسد، إن كان لحما أو غيره. فشق ذلك على الناس، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله: "ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير". حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصمقال، حدثنا عيسى، عن ابن ابي نجيح، عن قيس بن سعد- أو عيسى، عن قيس بن سعد، شك أبو عاصم- عن مجاهد: "وإن تخالطوهم فإخوانكم"، قال: مخالطة اليتيم في الرعي والادم. وقال آخرون: بل كان اتقاء مال اليتيم واجتنابه من أخلاق العرب، فاستفتوا في ذلك لمشقته عليهم، فأفتوا بما بينه الله في كتابه. ذكر من قال ذلك: حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح"، قال: كانت العرب يشددون في اليتيم حتى لا يأكلوا معه في قصعة واحدة، ولا يركبوا له بعيرا، ولا يستخدموا له خادما، فجاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه عنه، فقال: "قل إصلاح لهم خير"، يصلح له ماله وأمره له خير، وإن يخالطه فيأكل معه ويطعمه ويركب راحلته ويحمله ويستخدم خادمه ويخدمه، فهو أجود "والله يعلم المفسد من المصلح ". حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: "ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير" إلى "إن الله عزيز حكيم"، وان الناس كانوا إذا كان في حجر أحدهم اليتيم جعل طعامه على ناحية، ولبنه على ناحية، مخافة الوزر، وأنه أصاب المؤمنين الجهد، فلم يكن عندهم ما يجعلون خدما لليتامى، فقال الله: "قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم" إلى آخر الآية. حدثت عن الحسين بن الفرج تال، سمعت أبا معاذ قال، أخبرنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: "ويسألونك عن اليتامى"، كانوا في الجاهلية يعظمون شأن اليتيم، فلا يمسون من أموالهم شيئا، ولا يركبون لهم دابة، ولا يطعمون لهم طعاما. فأصابهم في الإسلام جهد شديد، حتى احتاجوا إلى أموال اليتامى، فسألوا نبي الله صلى الله عليه وسلم عن شأن اليتامى وعن مخالطتهم، فأنزل الله: "وإن تخالطوهم فإخوانكم"، يعني بالمخالطة: ركوب الدابة، وخدمة الخادم، وشرب اللبن. قال أبو جعفر: فتأويل الآية إذا: ويسألك يا محمد أصحابك عن مال اليتامى، وخلطهم أموالهم به في النفقة والمطاعمة والمشاربة والمساكنة والخدمة، فقل لهم: تفضلكم عليهم بإصلاحكم أموالهم- من غير مرزئة شيء من أموالهم، وغير أخذ عوض من أموالهم على إصلاحكم ذلك لهم- خير لكم عند الله وأعظم لكم أجراً، لما لكم في ذلك من الأجر والثواب، وخير لهم في أموالهم في عاجل دنياهم، لما في ذلك من توفر أموالهم عليهم، "وإن تخالطوهم" فتشاركوهم بأموالكم أموالهم في نفقاتكم ومطاعمكم ومشاربكم ومساكنكم، فتضموا من أموالهم عوضا من قيامكم بأمورهم وأسبابهم وإصلاح أموالهم، فهم إخوانكم، والإخوان يعين بعضهم بعضا، ويكنف بعضهم بعضا، فذو المال يعين ذا الفاقة، وذو القوة في الجسم يعين ذا الضعف. يقول تعالى ذكره: فأنتم أيها المؤمنون وأيتامكم كذلك، إن خالطتموهم بأموالكم، فخلطتم طعامكم بطعامهم، وشرابكم بشرابهم، وسائر أموالكم بأموالهم، فأصبتم من أموالهم فضل مرفق بما كان منكم من قيامكم بأموالهم وولائهم، ومعاناة أسبابهم، على النظر منكم لهم نظر الأخ الشفيق لأخيه، العامل فيما بينه وبينه بما أوجب الله عليه وألزمه، فذلك لكم حلال، لأنكم إخوان بعضكم لبعض، كما:-
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: "وإن تخالطوهم فإخوانكم "، قال: قد يخالط الرجل أخاه. حدثني أحمد بن حازم قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا سفيان، عن أبي مسكين، عن إبراهيم قال: إني لأكره أن يكون مال اليتيم كالعرة.
حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع، عن هشام الدستوائي، عن حماد، عن إبراهيم، عن عائشة قالت: إني لأكره أن يكون مال اليتيم عندي عرة، حتى أخلط طعامه بطعامي وشرابه بشرابي. قال أبو جعفر: فإن قال لنا قائل: وكيف قال: "فإخوانكم"، فرفع الإخوان ؟ وقال في موضع آخر: "فإن خفتم فرجالا أو ركبانا" [البقرة: 239]. قيل: لافتراق معنييهما. وذلك أن أيتام المؤمنين إخوان المؤمنين، خالطهم المؤمنون بأموالهم أو لم يخالطوهم. فمعنى الكلام: وإن تخالطوهم فهم إخوانكم. و الإخوان مرفوعون بالمعنى المتروك ذكره، وهو هم ، لدلالة الكلام عليه، وأنه لم يرد بالإخوان الخبر عنهم أنهم كانوا إخوانا من أجل مخالطة ولاتهم إياهم. ولو كان ذلك المراد، لكانت القراءة نصبا، وكان معناه حينئذ: وإن تخالطوهم فخالطوا إخوانكم، ولكنه قرىء رفعا لما وصفت: من أنهم إخوان للمؤمنين الذين يلونهم، خالطوهم أو لم يخالطوهم. وأما قوله: "فرجالا أو ركبانا"، فنصب، لأنهما حالان للفعل، غير دائمين، ولا يصلح معهما هو. وذلك أنك لو أظهرت هو معهما لاستحال الكلام. ألا ترى أنه لو قال قائل: إن خفت من عدوك أن تصلي قائما فهو راجل أو راكب ، لبطل المعنى المراد بالكلام؟ وذلك أن تأويل الكلام: فإن خفتم أن تصلوا قياما من عدوكم، فصلوا رجالا أو ركبانا. ولذلك نصبه إجراء على ما قبله من الكلام، كما تقول في نحوه من الكلام: إن لبست ثيابا فالبياض ، فتنصبه، لأنك تريد: إن لبست ثيابا فالبس البياض- ولست تريد الخبر عن أن جميع ما يلبس من الثياب فهو البياض. ولو أردت الخبر عن ذلك لقلت: إن لبست ثيابا فالبياض رفعا، إذا كان مخرج الكلام على وجه الخبر منك عن اللابس، أن كل ما يلبس من الثياب فبياض. لأنك تريد حينئذ: إن لبست ثيابا فهي بياض. فإن قال: فهل يجوز النصب في قوله: "فإخوانكم"؟. قيل: جائز في العربية. فأما في القراءة، فإنما منعناه لإجماع القرأة على رفعه. وأما في العربية، فإنما أجزناه، لأنه يحسن معه تكرير ما يحمل في الذي قبله من الفعل فيهما: وإن تخالطوهم، فإخوانكم تخالطون- فيكون ذلك جائزا في كلام العرب. قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: إن ربكم قد أذن لكم في مخالطتكم اليتامى على ما أذن
لكم به، فاتقوا الله في أنفسكم أن تخالطوهم وأنتم تريدون أكل أموالهم بالباطل، وتجعلون مخالطتكم إياهم ذريعة لكم إلى إفساد أموالهم وأكلها بغير حقها، فتستوجبوا بذلك منه العقوبة التي لا قبل لكم بها، فإنه يعلم من خالط منكم يتيمه- فشاركه في مطعمه ومشربه ومسكنه وخدمه ورعاته في حال مخالطته إياه ما الذي يقصد بمخالطته إياه: أفساد ماله وأكله بالباطل، أم إصلاحه وتثميره؟ لأنه لا يخفى عليه منه شيء، ويعلم أيكم المريد صلاح ماله، من المريد إفساده، كما:- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قول الله تعالى ذكره:"والله يعلم المفسد من المصلح"، قال: الله يعلم حين تخلط مالك بماله: أتريد أن تصلح ماله، أو تفسده فتأكله بغير حق. حدثني أبو السائب قال، حدثنا حفص بن غياث قال، حدثنا أشعث، عن الشعبي:"والله يعلم المفسد من المصلح"، قال الشعبي: فمن خالط يتيما فليتوسع عليه، ومن خالطه ليأكل ماله فلا يفعل. قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: ولو شاء الله لحرم ما أحله لكم من مخالطة أيتامكم بأموالكم أموالهم، فجهدكم ذلك وشق عليكم، ولم تقدروا على القيام باللازم لكم من حق الله تعالى والواجب عليكم في ذلك من فرضه، ولكنه رخص لكم فيه وسهله عليكم، رحمة بكم ورأفة. واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: "لأعنتكم". فقال بعضهم بما:- حدثني به محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن ابي نجيح، عن قيس بن سعد- أو عيسى، عن قيس بن سعد- عن مجاهد- شك أبوعاصم- في قوله تعالى ذكره: "ولو شاء الله لأعنتكم"، لحرم عليكم المرعى والأدم. قال أبو جعفر: يعنى بذلك مجاهد: رعي مواشي والي اليتيم مع مواشي اليتيم، والأكل من إدامه.لأنه كان يتأول في قوله: "وإن تخالطوهم فإخوانكم"، أنه خلطة الولي اليتيم بالرعي والأدم. حدثني علي بن داود قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة،عن ابن عباس: "ولو شاء الله لأعنتكم"، يقول: لو شاء الله لأحرجكم فضيق عليكم، ولكنه وسع ويسر فقال: "ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف" [النساء: 6]. حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: "ولو شاء الله لأعنتكم " يقول: لجهدكم، فلم تقوموا بحق ولم تؤدوا فريضة.
حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن ابي جعفر، عن أبيه، عن الربيع نحوه، إلا أنه قال: فلم تعملوا بحق. حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "ولو شاء الله لأعنتكم"، لشدد عليكم. حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قول الله: "ولو شاء الله لأعنتكم"، قال: لشق عليكم في الأمر. ذلك العنت. حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن منصور، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس قوله: "ولو شاء الله لأعنتكم"، قال: ولو شاء الله لجعل ما أصبتم من أموال اليتامى موبقا. وهذه الأقوال التي ذكرناها عمن ذكرت عنه وإن اختلفت ألفاظ قائليها فيها، فإنها متقاربات المعاني. لأن من حرم عليه شيء فقد ضيق عليه في ذلك الشيء، ومن ضيق عليه في شيء فقد أحرج فيه، ومن أحرج في شيء أو ضيق عليه فيه فقد جهد. وكل ذلك عائد إلى المعنى الذي وصفت من أن معناه: الشدة والمشقة. ولذلك قيل: عنت فلان ، إذا شق عليه الأمر، وجهده، فهو يعنت عنتا، كما قال تعالى ذكره: "عزيز عليه ما عنتم" [التوبة: 128]، يعني ما شق عليكم وآذاكم وجهدكم، ومنه قوله تعالى ذكره: "ذلك لمن خشي العنت منكم" [النساء: 25]. فهذا إذا عنت العانت. فإن صيره غيره كذلك، قيل: أعنته فلان في كذا، إذ جهده وألزمه أمرا جهده القيام به، يعنته إعناتا. فكذلك قوله: "لأعنتكم" معناه: لأوجب لكم العنت بتحريمه عليكم ما يجهدكم ويحرجكم، مما لا تطيقون القيام باجتنابه، وأداء الواجب له عليكم فيه. وقال آخرون: معنى ذلك: لأوبقكم وأهلككم. ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كريب قال، حدثنا طلق بن غنام، عن زائدة، عن منصور، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس قال: قرأ علينا: "ولو شاء الله لأعنتكم"، قال ابن عباس: ولو شاء الله لجعل ما أصبتم من أموال اليتامى موبقا. حدثنا أبو كريب قال، حدثنا يحيى بن آدم، عن فضيل- وجرير، عن منصور- وحدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن منصور- عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس: "ولو شاء الله لأعنتكم"، قال: لجعل ما أصبتم موبقا. قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: إن الله "عزيز" في سلطانه، لا يمنعه مانع مما أحل بكم من عقوبة لو أعنتكم بما يجهدكم القيام به من فرائضه فقصرتم في القيام به، ولا يقدر دافع أن يدفعه عن ذلك ولا عن غيره مما يفعله بكم وبغيركم من ذلك لوفعله، ولكنه بفضل رحمته من عليكم بترك تكليفه إياكم ذلك، وهو "حكيم"، في ذلك لو فعله بكم وفي غيره من أحكامه وتدبيره، لا يدخك أفعاله خلل ولا نقص ولا وهي ولا عيب، لأنه فعل ذي الحكمة الذي لا يجهل عواقب الأمور فيدخل تدبيره مذمة عاقبة،كما يدخل ذلك أفعال الخلق لجهلهم بعواقب الأمور، لسوء اختيارهم فيها ابتداء.
" في الدنيا والآخرة " فتحبسون من أموالكم ما يصلحكم في معاش الدنيا وتنفقون الباقي فيما ينفعكم في العقبى ، وقيل : في الكلام تقديم وتأخير ، أي كذلك يبين الله لكم الآيات في أمر الدنيا والآخرة لعلكم تتفكرون في الدنيا وزوالها وفنائها فتزهدون فيها ، وفي إقبال الآخرة وبقائها فترغبون فيها .
قوله تعالى : " يسألونك عن اليتامى " إلى قوله " حكيم " فيه ثمان مسائل :
الأولى : روى أبو داود و النسائي عن ابن عباس قال : لما أنزل الله تعالى : " ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن " [ الأنعام : 152 ] ، و " إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما " [ النساء : 10 ] ، انطلق من كان عنده يتيم فعزل طعامه فيحبس له ، حتى يأكله أو يفسد ، فاشتد ذلك عليهم ، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى : " ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير " ، فخلطوا طعامهم بطعامه وشرابهم بشرابه ، لفظ أبي داود ، والآية متصلة بما قبل ح لأنه اقترن بذكر الأموال الأمر بحفظ أموال اليتامى وقيل : إن السائل عبد الله بن رواحة ، وقيل : كانت العرب تتشاءم بملابسة أموال اليتامى في مؤاكلتهم ، فنزلت هذه الآية .
الثانية : لما أذن الله جل وعز مخالطة الأيتام مع قصد الإصلاح بالنظر إليهم وفيهم كان ذلك دليلاً على جواز التصرف في مال اليتيم ، تصرف الوصي في البيع والقسمة وغير ذلك ، على الإطلاق لهذه الآية ، فإذا كفل الرجل اليتيم وحازه وكان في نظر جاز عليه فعله وإن لم يقدمه وال عليه ، لأن الآية مطلقة والكفالة ولاية عامة ، لم يؤثر عن أحد من الخلفاء أنه قدم أحداً على يتيم مع وجودهم في أزمنتهم ، وإنما كانوا يقتصرون على كونهم عندهم .
الثالثة : تواترت الآثار في دفع مال اليتيم مضاربة والتجارة فيه ، وفي جواز خلط ماله بماله دلالة على جواز التصرف في ماله بالبيع والشراء إذا وافق الصلاح ، وجواز دفعه مضاربة ، إلى غير ذلك على ما نذكره مبيناً واختلف في عمله هو قراضاً ، فمنعه أشهب ، وقاسه على منعه من أن يبيع لهم من نفسه أو يشتري لها ، وقال غيره : إذا أخذه على جزء من الربح بنسبة قراض مثله فيه أمضي ، كشرائه شيئاً لليتيم بتعقب فيكون أحسن لليتيم ، قال محمد بن عبد الحكم : وله أن يبيع له بالدين إن رأى ذلك نظراً ، قال ابن كنانة : وله أن ينفق في عرس اليتيم ما يصلح من صنيع وطيب ، ومصلحته بقدر حاله وحال من يزوج إليه وبقدر كثرة ماله ، قال : وكذلك في ختانه ، فإن خشي أن يتهم رفع ذلك السلطان فيأمره بالقصد ، وكل ما فعله على وجه النظر فهو جائز ،وما فعله على وجه المحاباة وسوء النظر فلا يجوز ، ودل الظاهر على أن ولي اليتيم يعلمه أمر الدنيا والآخرة ، ويستأجر له ويؤاجره ممن يعلمه الصناعات ، وإذا وهب لليتيم شيء فللوصي أن يقبضه لما فيه من الإصلاح ، وسيأتي لهذا مزيد بيان في (( النساء )) إن شاء الله تعالى .
الرابعة : ولما ينفقه الوصي والكفيل من مال اليتيم حالتان : حالة يمكنه الإشهاد عليه ، فلا يقبل قوله إلا ببينة ، وحالة لا يمكنه الإشهاد عليه فقوله مقبول بغير بينة ، فمهما اشترى من العقار وما جرت العادة بالتوثق فيه لم يقبل بغير بينة قال ابن خويز منداد : ولذلك فرق أصحابنا بين أن يكون اليتيم في دار الوصي ينفق عليه فلا يكلف الإشهاد على نفقته وكسوته ، لأنه يتعذر عليه الإشهاد على ما يأكله ويلبسه في كل وقت ، ولكن إذا قال : أنفقت لسنة قبل منه ، وبين أن يكون عند أمة أو حاضنته فيدعي الوصي أنه كان ينفق عليه ، أو كان يعطي الأم أو الحاضنة النفقة والكسوة فلا يقبل قول على الأم أو الحاضنة إلا ببينة أنها كانت تقبض ذلك له مشاهرة أو مساناة .
الخامسة : واختلف العلماء في الرجل ينكح نفسه من يتيمته ، وهل له أن يشتري لنفسه من مال يتيمه أو يتيمته ؟ فقال مالك : ولاية النكاحا بالكفالة والحضانة أقوى منها بالقرابة ، حتى قال في الأعراب الذين يسلمون أولادهم في أيام المجاعة : إنهم ينكحونهم إنكاحهم ، فأما إنكاح الكافل والحاضن لنفسه فيأتي في (( النساء )) بيانه ، إن شاء الله تعالى ، وأما الشراء منه فقال مالك : يشتري في مشهور الأقوال ح وكذلك قال أبو حنيفة : له أن يشتري مال الطفل اليتيم لنفسه بأكثر من ثمن المثل ، لأنه إصلاح دل عليه ظاهر القرآن وقال الشافعي : لا يجوز ذلك في النكاح ولا في البيع ، لأنه لم يذكر في الآية التصرف ، بل قال : " إصلاح لهم خير " من غير أن يذكر فيه الذي يجوز له النظر و أبو حنيفة يقول : إذا كان الإصلاح خيراً فيجوز تزويجه ويجوز أن يزوج منه ، و الشافعي لا يرى في التزويج إصلاحاً إلا من جهة دفع الحاجة ، ولا حاجة قبل البلوغ ، و أحمد بن حنبل يجوز للوصي التزويج لأنه إصلاح و الشافعي يجوز للجد التزويج مع الوصي ، وللأب في حق ولده الذي ماتت أمه لا بحكم هذه الآية ، و أبو حنيفة يجوز للقاضي تزويج اليتيم بظاهر القرآن ، وهذا المذاهب نشأت من هذه الآية ، فإن ثبت كون التزويج إصلاحاً فظاهراً الآية يقتضي جوازه ، ويجوز أن يكون معنى قوله تعالى : " ويسألونك عن اليتامى " أي يسألك القوام على اليتامى الكافلون لهم ، وذلك مجمل لا يعلم منه عين الكافل والقيم وما يشترط فيه من الأوصاف ، فإن قيل : يلزم ترك مالك أصله في التهمة والذرائع إذ جوز له الشراء من يتيمه ، فالجواب أن ذلك لا يلزم ، وإنما يكون ذلك ذريعة فيما يؤدي من الأفعال المحظورة إلى محظورة منصوص عليها ، وأما ها هنا فقد أذن الله سبحانه في صورة المخالطة ، ووكل الحاضنين في ذلك إلى أمانتهم بقول : " والله يعلم المفسد من المصلح " وكل أمر مخوف وكل الله سبحانه المكلف إلى أمانته لا يقال يه : إنه يتذرع إلى محظور به فيمنع منه ، كما جعل الله النساء مؤتمنات على فروجهن ، مع عظيم ما يترتب على قولهن في ذلك من الأحكام ، ويرتبط به من الحل والحزمة والأنساب ، وإن جاز أن يكذبن ، وكان طاوس إذا سئل عن شيء من أمر اليتامى قرأ : " والله يعلم المفسد من المصلح " ، وكان ابن سيرين أحب الأشياء إليه في مال اليتيم أن يجتمع نصحاؤه فينظرون الذي هو خير له ، ذكره البخاري ، وفي هذا دلالة على جواز الشراء منه يلحقه في ذلك من التهمة إلا أن يكون البيع في ذلك بيع سلطان في ملأ من الناس ، وقال محمد بن عبد الحكم : لا يشتري من التركة ،ولا بأس أن يدس من يشتري له منها إذا لم يعلم أنه من قبله .
السادسة : قوله تعالى : " وإن تخالطوهم فإخوانكم " هذه المخالطة كخلط المثل بالمثل كالتمر بالتمر ، وقال أبو عبيد : مخالطة اليتامى أن يكون لأحدهم المال ويشق على كافله أن يفرد طعامه عنه ، ولا يجد بداً من خلطه بعياله فيأخذ من مال اليتيم ما يرى أنه كافيه بالتحري فيجعله مع نفقة أهله ، وهذا قد يقع فيه الزيادة والنقصان ، فجاءت هذه الآية الناسخة بالرخصة فيه ، قال أبو عبيد : وهذا عندي أصل لما يفعله الرفقاء في الأسفار فإنهم يتخارجون النفقاعت بينهم بالسوية ، وقد يتفاوتون في قلة المطعم وكثرته ، وليس كل من قل مطعمه تطيب نفسه بالتفضل على رفيقه ، فلما كان هذا في أموال اليتامى واسعاً كان في غيرهم أوسع ، ولولا ذلك لخفت أن يضيق فيه الأمر على الناس .
السابعة : قوله تعالى : " فإخوانكم " خبر مبتدأ محذوف ، أي فهم إخوانكم ، والفاء جواب الشرط ، وقوله تعالى : " والله يعلم المفسد من المصلح " تحذير ، أي يعلم المفسد لأموال اليتامى من المصلح لها ، فيجازي كلا على إصلاحه وإفساده .
الثامنة : قوله تعالى : " ولو شاء الله لأعنتكم " روى الحكم عن مقسم عن ابن عباس " ولو شاء الله لأعنتكم " قال : لو شاء لجعل ما أصبتم من أموال اليتامى موبقاً وشدد ، ولكنه لم يشأ إلا التسهيل عليكم وقيل : أي لكلفكم ما يشتد عليكم أداؤه وأثمكم في مخالطتهم ، كما فعل بمن كان قبلكم ، ولكنه خفت عنكم ، والعنت : المشقة ، وقد عنت وأعنته غيره ، ويقال للعظم المجبور إذا أصابه شيء فهاضه : قد أعنته ، فهو عنت ومعنت ، وعنتت الدابة تعنت عنتاً ، إذا حدث في قوائمها كسر بعد جبر لا يمكنها معه جري ، وأكمه عنوت : شاقة المصعد ، وقال ابن الأنباري : أصل العنت التشديد ، فإذا قالت العرب : فلان يتعنت فلاناً ويعنته ويعنته فمرادها يشدد عليه ، ويلزمه ما يصعب عليه أداؤه ، ثم نقلت إلى معنى الهلاك ، والأصل ما وصفنا .
قوله تعالى : " إن الله عزيز " أي لا يمتنع عليه شيء " حكيم " يتصرف في ملكه بما يريد لا يحجر عليه ، جل وتعالى علواً كبيراً .
قال الإمام أحمد: حدثنا خلف بن الوليد, حدثنا إسرائيل عن أبي ميسرة, عن عمر أنه قال: لما أنزل تحريم الخمر, قال: اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً, فنزلت هذه الاية التي في البقرة "يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير" فدعي عمر, فقرئت عليه فقال. اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً, فنزلت الاية التي في النساء "يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى" فكان منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقام الصلاة نادى: أن لا يقربن الصلاة سكران, فدعي عمر, فقرئت عليه فقال: اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً, فنزلت الاية التي في المائدة, فدعي عمر, فقرئت عليه فلما بلغ " هل أنتم منتهون " قال عمر: انتهينا انتهينا. هكذا رواه أبو داود والترمذي والنسائي من طرق عن إسرائيل عن أبي إسحاق, وكذا رواه ابن أبي حاتم وابن مردويه من طريق الثوري عن أبي إسحاق, عن أبي ميسرة واسمه عمرو بن شرحبيل الهمداني الكوفي, عن عمر وليس له عنه سواه, لكن قد قال أبو زرعة: لم يسمع منه, والله أعلم. وقال علي بن المديني: هذا إسناد صالح صحيح, وصححه الترمذي, وزاد ابن أبي حاتم بعد قوله انتهينا, إنها تذهب المال وتذهب العقل, وسيأتي هذا الحديث أيضاً مع ما رواه أحمد من طريق أبي هريرة أيضاً عند قوله في سورة المائدة "إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون" الايات, فقوله "يسألونك عن الخمر والميسر" أما الخمر, فكما قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أنه كل ما خامر العقل, كما سيأتي بيانه في سورة المائدة, وكذا الميسر وهو القمار.
وقوله "قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس" أما إثمهما فهو في الدين, وأما المنافع فدنيوية من حيث إن فيها نفع البدن وتهضيم الطعام وإخراج الفضلات وتشحيذ بعض الأذهان ولذة الشدة المطربة التي فيها, كما قال حسان بن ثابت في جاهليته:
ونشربها فتتركنا ملوكاً وأسداً لا ينهنهنا اللقاء
وكذا بيعها والانتفاع بثمنها, وما كان يقمشه بعضهم من الميسر فينفقه على نفسه أو عياله, ولكن هذه المصالح لا توازي مضرته ومفسدته الراجحة, لتعلقها بالعقل والدين, ولهذا قال الله تعالى: "وإثمهما أكبر من نفعهما", ولهذا كانت هذه الاية ممهدة لتحريم الخمر على البتات, ولم تكن مصرحة بل معرضة, ولهذا قال عمر رضي الله عنه لما قرئت عليه: اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً, حتى نزل التصريح بتحريمها في سورة المائدة " يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون * إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون " ويأتي الكلام على ذلك في سورة المائدة إن شاء الله تعالى وبه الثقة, قال ابن عمر والشعبي ومجاهد وقتادة والربيع بن أنس وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم: إن هذه أول آية نزلت في الخمر "يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير", ثم نزلت الاية التي في سورة النساء, ثم نزلت الاية التي في المائدة فحرمت الخمر.
قوله "ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو" قرئ بالنصب وبالرفع وكلاهما حسن متجه قريب. قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا موسى بن إسماعيل, حدثنا أبان, حدثنا يحيى, أنه بلغه أن معاذ بن جبل وثعلبة أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقالا: يا رسول الله, إن لنا أرقاء وأهلين من أموالنا فأنزل الله "يسألونك ماذا ينفقون" وقال الحكم عن مقسم عن ابن عباس " ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو " قال: ما يفضل عن أهلك, كذا روي عن ابن عمر ومجاهد وعطاء وعكرمة وسعيد بن جبير ومحمد بن كعب والحسن وقتادة والقاسم وسالم وعطاء الخراساني والربيع بن أنس وغير واحد, أنهم قالوا في قوله "قل العفو" يعني الفضل, وعن طاوس: اليسير من كل شيء. وعن الربيع أيضاً: أفضل مالك وأطيبه والكل يرجع إلى الفضل. وقال عبد بن حميد في تفسيره: حدثنا هوذة بن خليفة, عن عوف, عن الحسن, في الاية "يسألونك ماذا ينفقون قل العفو" قال, ذلك ألا يجهد مالك ثم تقعد تسأل الناس, ويدل على ذلك ما رواه ابن جرير: حدثنا علي بن مسلم, حدثنا أبو عاصم عن ابن عجلان, عن المقبري, عن أبي هريرة, قال: قال رجل: يا رسول الله, عندي دينار, قال "أنفقه على نفسك" قال: عندي آخر, قال:"أنفقه على أهلك" قال: عندي آخر: قال "أنفقه على ولدك" قال: عندي آخر, قال "فأنت أبصر"، وقد رواه مسلم في صحيحه وأخرجه مسلم أيضاً عن جابر, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل "ابدأ بنفسك فتصدق عليها, فإن فضل شيء فلأهلك, فإن فضل شيء عن أهلك فلذي قرابتك, فإن فضل عن ذي قرابتك شيء فهكذا وهكذا". وعنده عن أبي هريرة رضي الله عنه. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى, واليد العليا خير من اليد السفلى, وابدأ بمن تعول" وفي الحديث أيضاً "ابن آدم إنك إن تبذل الفضل خير لك, وإن تمسكه شر لك, ولا تلام على كفاف" ثم قد قيل إنها منسوخة بآية الزكاة, كما رواه علي بن أبي طلحة والعوفي عن ابن عباس, وقاله عطاء الخراساني والسدي, وقيل مبينة بآية الزكاة, قاله مجاهد وغيره, وهو أوجه.
وقوله " كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون * في الدنيا والآخرة " أي كما فصل لكم هذه الأحكام وبينها وأوضحها كذلك يبين لكم سائر الايات في أحكامه ووعده ووعيده, لعلكم تتفكرون في الدنيا والاخرة. قال علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس: يعني في زوال الدنيا وفنائها, وإقبال الاخرة وبقائها. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا علي بن محمد الطنافسي, حدثنا أبو أسامة عن الصعق العيشي, قال: شهدت الحسن وقرأ هذه الاية من البقرة " لعلكم تتفكرون * في الدنيا والآخرة " قال: هي والله لمن تفكر فيها ليعلم أن الدنيا دار بلاء ثم دار فناء, وليعلم أن الاخرة دار جزاء ثم دار بقاء, وهكذا قال قتادة وابن جريج وغيرهما, وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة: لتعلموا فضل الاخرة على الدنيا. وفي رواية عن قتادة: فآثروا الاخرة على الأولى.
وقوله "ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح ولو شاء الله لأعنتكم" الاية, قال ابن جرير: حدثنا سفيان بن وكيع, حدثنا جرير عن عطاء بن السائب, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس, قال: لما نزلت " ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن " و "إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً" انطلق من كان عنده يتيم فعزل طعامه من طعامه وشرابه من شرابه, فجعل يفضل له الشيء من طعامه فيحبس له حتى يأكله أو يفسد, فاشتد ذلك عليهم, فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله: "ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم" فخلطوا طعامهم بطعامهم وشرابهم بشرابهم. وهكذا رواه أبو داود والنسائي وابن أبي حاتم وابن مردويه والحاكم في مستدركه من طرق عن عطاء بن السائب به. وكذا رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس, وكذا رواه السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح, عن ابن عباس, وعن مرة عن ابن مسعود بمثله, وهكذا ذكر غير واحد في سبب نزول هذه الاية كمجاهد وعطاء والشعبي وابن أبي ليلى وقتادة وغير واحد من السلف والخلف, قال وكيع بن الجراح: حدثنا هشام صاحب الدستوائي, عن حماد, عن إبراهيم, قال: قالت عائشة رضي الله عنها: إني لأكره أن يكون مال اليتيم عندي على حدة, حتى أخلط طعامه بطعامي, وشرابه بشرابي, فقوله "قل إصلاح لهم خير" أي على حدة, "وإن تخالطوهم فإخوانكم" أي وإن خلطتم طعامكم بطعامهم وشرابكم بشرابهم فلا بأس عليكم, لأنهم إخوانكم في الدين, ولهذا قال "والله يعلم المفسد من المصلح" أي يعلم من قصده ونيته الإفساد أو الإصلاح, وقوله "ولو شاء الله لأعنتكم إن الله عزيز حكيم" أي ولو شاء الله لضيق عليكم وأحرجكم, ولكنه وسع عليكم, وخفف عنكم, وأباح لكم مخالطتهم بالتي هي أحسن, قال تعالى: "ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن" بل جوز الأكل منه للفقير بالمعروف, إما بشرط ضمان البدل لمن أيسر, أو مجاناً كما سيأتي بيانه في سورة النساء, إن شاء الله وبه الثقة.
قوله: 220- "في الدنيا والآخرة" متعلق بقوله: "تتفكرون" أي تتفكرون في أمرهما، فتحبسون من أموالكم ما تصلحون به معايش دنياكم، وتنفقون الباقي في الوجوه المقربة إلى الآخرة، وقيل في الكلام تقديم وتأخير: أي كذلك يبين الله لكم الآيات في الدنيا والآخرة لعلكم تتفكرون في الدنيا وزوالها وفي الآخرة وبقائها، فترغبون عن العاجلة إلى الآجلة، وقيل: يجوز أن يكون إشارة إلى قوله: "وإثمهما أكبر من نفعهما" أي لتتفكروا في أمر الدنيا والآخرة، وليس هذا بجيد. قوله: "ويسألونك عن اليتامى" هذه الآية نزلت بعد نزول قوله تعالى: "ولا تقربوا مال اليتيم" وقوله: "إن الذين يأكلون أموال اليتامى" وقد كان ضاق على الأولياء الأمر كما سيأتي بيانه إن شاء الله، فنزلت هذه الآية. والمراد بالإصلاح هنا مخالطتهم على وجه الإصلاح لأموالهم، فإن ذلك أصلح من مجانبتهم. وفي ذلك دليل على جواز التصرف في أموال الأيتام من الأولياء والأوصياء بالبيع والمضاربة والإجارة ونحو ذلك. قوله: "وإن تخالطوهم فإخوانكم" اختلف في تفسير المخالطة لهم، فقال أبو عبيدة، مخالطة اليتامى أن يكون لأحدهم المال ويشق على كافله أن يفرد طعامه عنه ولا يجد بداً من خلطه بعياله، فيأخذ من مال اليتيم ما يرى أنه كافيه بالتحري فيجعله مع نفقة أهله، وهذا قد تقع فيه الزيادة والنقصان، فدلت هذه الآية على الرخصة، وهي ناسخة لما قبلها، وقيل المراد بالمخالطة: المعاشرة للأيتام، وقيل المراد بها: المصاهرة لهم. والأولى عدم قصر المخالطة على نوع خاص بل تشمل كل مخالطة كما يستفاد من الجملة الشرطية. وقوله: "فإخوانكم" خبر لمبتدأ محذوف: أي فهم إخوانكم في الدين. وفي قوله: "والله يعلم المفسد من المصلح" تحذير للأولياء: أي لا يخفى على الله من ذلك شيء فهو يجازء كل أحد بعمله من أصلح فلنفسه، ومن أفسد فعلى نفسه، وقوله: "لأعنتكم" أي ولو شاء لجعل ذلك شاقاً عليكم ومتعباً لكم وأوقعكم فيما فيه الحرج والمشقة، وقيل النعت هنا: معناه الهلاك. قاله أبو عبيدة، وأصل العنت المشقة. وقال ابن الأنباري: أصل العنت التشديد ثم نقل إلى معنى الهلاك. وقوله: "عزيز" أي لا يمتنع عليه شيء، لأنه غالب لا يغالب "حكيم" يتصرف في ملكه بما تقتضيه مشيئته وحكمته، وليس لكم أن تختاروا لأنفسكم.
وقد أخرج أحمد وابن أبي شيبة وعبد بن حميد والترمذي وصححه والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والضياء في المختارة عن عمر أنه قال: اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً فإنها تذهب المال والعقل، فنزلت "يسألونك عن الخمر والميسر" يعني هذه الآية، فدعي عمر فقرئت عليه، فقال: اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً، فنزلت في سورة النساء "يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى" فكان ينادي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة أن لا يقربن الصلاة سكران، فدعي عمر فقرئت عليه فقال: اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً، فنزلت الآية التي في المائدة، فدعي عمر فقرئت عليه، فلما بلغ "فهل أنتم منتهون" قال عمر: انتهينا انتهينا. وأخرج ابن أبي حاتم عن أنس قال: كنا نشرب الخمر فأنزلت "يسألونك عن الخمر والميسر" الآية، فقلنا نشرب منها ما ينفعنا، فنزلت في المائدة "إنما الخمر والميسر" الآية فقالوا: اللهم انتهينا. وأخرج أبو عبيد والبخاري في الأدب المفرد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عمر قال: الميسر القمار. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد مثله. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن المنذر عن ابن عباس مثله قال: كان الرجل في الجاهلية يخاطر عن أهله وماله، فأيهما قمر صاحبه ذهب بأهله وماله. وقوله: "قل فيهما إثم كبير" يعني: ما ينقص من الدين عند شربها "ومنافع للناس" يقول: فيما يصيبون من لذتها وفرحها إذا شربوا "وإثمهما أكبر من نفعهما" يقول: ما يذهب من الدين فالإثم فيه أكبر مما يصيبون من لذتها وفرحها إذا شربوها، فأنزل الله بعد ذلك "لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى" الآية، فكانوا لا يشربونها عند الصلاة، فإذا صلوا العشاء شربوها، ثم إن ناساً من المسلمين شربوها فقاتل بعضهم بعضاً، وتكلموا بما لم يرض الله من القول فأنزل الله "إنما الخمر والميسر والأنصاب" الآية فحرم الخمر ونهى عنها. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه قال: منافعهما قبل التحريم، وإثمهما بعد ما حرمهما. وأخرج ابن إسحاق وابن أبي حاتم عنه أن نفراً من الصحابة حين أمروا بالنفقة في سبيل الله أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: إنا لا ندري ما هذه النفقة التي أمرنا بها في أموالنا، فما ننفق منها؟ فأنزل الله: "ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو" وكان قبل ذلك ينفق ماله حتى ما يجد ما يتصدق به، ولا ما يأكل حتى يتصدق عليه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه قال: العفو هو ما لا يتبين في أموالكم، وكان هذا قبل أن تفرض الصدقة. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والبيهقي في الشعب عنه في الآية قال: "العفو" ما يفضل عن أهلك وفي لفظ قال: الفضل عن العيال. وأخرج ابن جرير عنه في قوله: "قل العفو" قال: لم تفرض فيه فريضة معلومة ثم قال: "خذ العفو وأمر بالعرف" ثم نزلت في الفرائض بعد ذلك مسماة. وقد ثبت في الصحيح من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى، وابدأ بمن تعول". وثبت نحوه في الصحيح مرفوعاً من حديث حكيم بن حزام. وفي الباب أحاديث كثيرة. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: " لعلكم تتفكرون * في الدنيا والآخرة " قال: يعني في زوال الدنيا وفنائها وإقبال الآخرة وبقائها. وأخرج أبو داود والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عنه قال: لما أنزل الله "ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن" " إن الذين يأكلون أموال اليتامى " الآية، انطلق من كان عنده يتيم يعزل طعامه عن طعامه، وشرابه عن شرابه، فجعل يفصل له الشيء من طعامه فيحبس له حتى يأكله أو يفسد فيرمي به فاشتد ذلك عليهم، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله: "ويسألونك عن اليتامى" الآية. فخلطوا طعامهم بطعامهم وشرابهم بشرابهم. وقد روي نحو ذلك عن جماعة من التابعين. وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "وإن تخالطوهم" قال: المخالطة أن يشرب من لبنك وتشرب من لبنه، ويأكل من قصعتك وتأكل من قصعته، ويأكل من ثمرتك وتأكل من ثمرته "والله يعلم المفسد من المصلح" قال: يعلم من يتعمد أكل مال اليتيم، ومن يتحرج منه ولا يألو عن إصلاحه "ولو شاء الله لأعنتكم" يقول: لو شاء ما أحل لكم ما أعنتكم مما لا تتعمدون. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في قوله: "لأعنتكم" يقول: لأحرجكم وضيق عليكم، ولكنه وسع ويسر. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في قوله: " ولو شاء الله لأعنتكم " قال: ولو شاء لجعل ما أصبتم من أموال اليتامى موبقاً.
220. قوله تعالى: " في الدنيا والآخرة " قيل: معناه يبين الله لكم الآيات في أمر النفقة لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة فتحبسون من أموالكم ما يصلحكم في معاش الدنيا وتنفقون الباقي فيما ينفعكم في العقبى، وقال أكثر المفسرين: معناها هكذا: يبين الله لكم الآيات في أمر الدنيا والآخرة، " لعلكم تتفكرون " في زوال الدنيا وفنائها فتزهدوا فيها وفي إقبال الآخرة وبقائها فترغبوا فيها.
قوله تعالى: " ويسألونك عن اليتامى " قال ابن عباس و قتادة : لما نزل قوله تعالى: " ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن " (152-الأنعام) وقوله تعالى " إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً " الآية (10-النساء) تحرج المسلمون من أموال اليتامى تحرجاً شديداً حتى عزلوا أموال اليتامى عن أموالهم حتى كان يصنع لليتيم طعام فيفضل منه شيء فيتركونه ولا يأكلونه حتى يفسد، فاشتد ذلك عليهم فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى هذه الآية: " قل إصلاح لهم خير " أي (الإصلاح لأموالهم) من غير أجرة ولا أخذ عوض خير لكم وأعظم أجراً، لما لكم في ذلك من الثواب، وخير لهم، لما في ذلك من توفر أموالهم عليهم، قال مجاهد : يوسع عليهم من طعام نفسه ولا يوسع من طعام اليتيم " وإن تخالطوهم " هذه إباحة المخالطة أي وإن تشاركوهم في أموالهم وتخلطوها بأموالكم في نفقاتكم ومساكنكم وخدمكم ودوابكم فتصيبوا من أموالهم عوضاً من قيامكم بأمورهم وتكافؤوهم على ما تصيبون من أموالهم " فإخوانكم " أي فهم إخوانكم، والاخوان يعين بعضهم بعضاً ويصيب بعضهم من أموال بعض على وجه الإصلاح والرضا " والله يعلم المفسد " لأموالهم " من المصلح " لها يعني الذي يقصد بالمخالظة الخيانة وإفساد أموال اليتيم وأكله بغير حق من الذي يقصد الإصلاح " ولو شاء الله لأعنتكم " أي لضيق عليكم وما أباح لكم مخالطتهم، وقال ابن عباس: ولو شاء الله لجعل ما أصبتم من أموال اليتامى موبقاً لكم، وأصل العنت الشدة والمشقة. ومعناه: كلفكم في كل شيء ما يشق عليكم " إن الله عزيز " والعزيز الذي يأمر بعزة - سهل على العباد أو شق عليهم " حكيم " فيما صنع من تدبيره وترك الإعنات.
220-" في الدنيا والآخرة " في أمور الدارين فتأخذون بالأصلح فيهما ،وتجتنبون عما يضركم ولا ينفعكم ، أو يضركم أكثر مما ينفعكم . " ويسألونك عن اليتامى " لما نزلت " إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً " اعتزلوا اليتامى ومخالطتهم والاهتمام بأمرهم فشق ذلك عليهم ،فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت " قل إصلاح لهم خير " أي مداخلتهم لإصلاحهم ، أو إصلاح أموالهم خير من مجانبتهم . " وإن تخالطوهم فإخوانكم " حث على المخالطة ، أي أنهم إخوانكم في الدين ومن حق الأخ أن يخالط الأخ . وقيل المراد بالمخالطة المصاهرة . " والله يعلم المفسد من المصلح " وعيد ووعد لمن خالطهم لإفساد وإصلاح أي يعلم أمره فيجازيه عليه "ولو شاء الله لأعنتكم" أي ولو شاء الله إعناتكم لأعنتكم ، أي كلفكم ما يشق عليكم ، من العنت وهي المشقة ولم يجوز لكم مداخلتهم . " إن الله عزيز " غالب يقدر على الاعنات . " حكيم " يحكم ما تقتضيه الحكمة وتتسع له الطاقة .
220. Upon the world and the Hereafter. And they question thee concerning orphans. Say: To improve their lot is best. And if ye mingle your affairs with theirs, then (they are) your brothers. Allah knoweth him who spoileth from him who improveth. Had Allah willed He could have overburdened you. Allah is Mighty, Wise.
220 - (their bearings) on this life and the hereafter. they ask thee concerning orphans. say: the best thing to do is what is for their good; if ye mix. their affairs with yours they are your brethren; but God knows the men who means mischief from the men who means good. and if God had wished. he could have put you into difficulties: he is indeed exalted in power, wise.