[البقرة : 217] يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
وأرسل النبي صلى الله عليه وسلم أول سراياه وعليها عبد الله بن جحش فقاتلوا المشركين وقتلوا ابن الحضرمي آخر يوم من جمادى الآخرة والتبس عليهم برجب فعيرهم الكفار باستحلاله فنزل: (يسألونك عن الشهر الحرام) المُحرَّم (قتال فيه) بدل اشتمال (قل) لهم (قتال فيه كبير) عظيم وزرا مبتدأ وخبر (وصد) مبتدأ منع للناس (عن سبيل الله) دينه (وكفر به) بالله (و) صد عن (المسجد الحرام) أي مكة (وإخراج أهله منه) وهم النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنون وخبر المبتدأ (أكبر) أعظم وزرا (عند الله) من القتال فيه (والفتنة) الشرك منكم (أكبر من القتل) لكم فيه (ولا يزالون) أي الكفار (يقاتلونكم) أيها المؤمنون (حتى) كي (يردوكم عن دينكم) إلى الكفر (إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت) بطلت (أعمالهم) الصالحة (في الدنيا والآخرة) فلا اعتداد بها ولا ثواب عليها والتقيد بالموت عليه يفيد أنه لو رجع إلى الإسلام لم يبطل عمله فيثاب عليه ولا يعيده كالحج مثلا وعليه الشافعي (وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون)
قوله تعالى يسألونك عن الشهر الحرام الآية أخرج ابن جرير وابن ابي حاتم والطبراني في الكبير والبيهقي في سننه عن جندب بن عبدالله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رهطا وبعث عليهم عبدالله بن جحش فلقوا ابن الحضرمي فقتلوه ولم يدروا أن ذلك اليوم من رجب أو من جمادى فقال المشركون للمسلمين قتلتم في الشهر الحرام فأنزل الله تعالى يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه الآيةفقال بعضهم إن لم يكونوا أصابوا وزرا فليس لهم أجر فأنزل الله إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم وأخرجه ابن منده في الصحابة من طريق عثمان ابن عطاء عن أبيه عن ابن عباس
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: يسألك، يا محمد، أصحابك عن الشهر الحرام، وذلك رجب، عن قتال فيه. وخفض القتال على معنى تكرير عن عليه. وكذلك كانت قراءة عبد الله بن مسعود فيما ذكر لنا، وقد:- حدثت عن عمار بن الحسن قال، حدثنا ابن ابي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قوله: "يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه"، قال: يقول: يسألونك عن قتال فيه. قال: وكذلك كان يقرؤها: عن قتال فيه . قال أبو جعفر: قل يا محمد: قتال فيه - يعني في الشهر الحرام كبير، أي عظيم عند الله استحلاله وسفك الدماء فيه. ومعنى قوله: "قتال فيه" قل: القتال فيه كبير. وإنما قال: "قل قتال فيه كبير"، لأن العرب كانت لا تقرع فيه الأسنة، فيلقى الرجل قاتل أبيه أو أخيه فيه فلا يهيجه تعظيما له. وتسميه مضر الأصم ، لسكون أصوات السلاح وقعقعته فيه، وقد:- حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم المصري قال، حدثنا شعيب بن الليث قال، حدثنا الليث قال، حدثنا الزبير، " عن جابر قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو في الشهر الحرام إلا أن يغزى، أو يغزو حتى إذا حضر ذلك أقام حتى ينسلخ". وقوله جل ثناؤه: "وصد عن سبيل الله". ومعنى الصد عن الشيء، المنع منه والدفع عنه، ومنه قيل: صد فلان بوجهه عن فلان ، إذا أعرض عنه فمنعه من النظر إليه. وقوله: "وكفر به"، يعني: وكفر بالله، و الباء في به عائدة على اسم الله الذي في سبيل الله. وتأويل الكلام: وصد عن سبيل الله وكفر به، وعن المسجد الحرإم، وإخراج أهل المسجد الحرام- وهم أهله وولاته- أكبر عند الله من القتال في الشهر الحرام.
فـ الصد عن سبيل الله مرفوع بقوله: "أكبر عند الله". وقوله: "وإخراج أهله منه" عطف على الصد. ثم ابتدأ الخبر عن الفتنة فقال: "والفتنة أكبر من القتل"، يعني الشرك أعظم وأكبر من القتل، يعني: من قتل ابن الحضرمي الذي استنكرتم قتله في الشهر الحرام.
قال أبو جعفر: وقد كان بعض أهل العربية يزعم أن قوله: "والمسجد الحرام" معطوف علىالقتال ، وأن معناه: يسألونك عن الشهر الحرام، عن قتال فيه، وعن المسجد الحرام، فقال الله جل ثناؤه: "وإخراج أهله منه أكبر عند الله" من القتال في الشهر الحرام. وهذا القول، مع خروجه من أقوال أهل العلم، قول لا وجه له. لأن القوم لم يكونوا في شك من عظيم ما أتى المشركون إلى المسلمين في إخراجهم إياهم من منازلهم بمكة، فيحتاجوا إلى أن يسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إخراج المشركين إياهم من منازلهم، وهل ذلك كان لهم؟ بل لم يدع ذلك عليهم أحد من المسلمين، ولا أنهم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك. وإذ كان ذلك كذلك، فلم يكن القوم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا عما ارتابوا بحكمه، كارتيابهم في أمر قتل ابن الحضرمي، إذ ادعوا أن قاتله من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قتله في الشهر الحرام، فسألوا عن أمره لارتيابهم في حكمه. فأما إخراج المشركين أهل الإسلام من المسجد الحرام، فلم يكن فيهم أحد شاكا أنه كان ظلما منهم لهم، فيسألوا عنه. ولا خلاف بين أهل التأويل جميعا أن هذه الآية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبب قتل ابن الحضرمي وقاتله. ذكر الرواية عمن قال ذلك:حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة بن الفضل، عن ابن إسحاق قال، حدثني الزهري ويزيد بن رومان، " عن عروة بن الزبير قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن جحش في رجب مقفله من بدر الأولى، وبعث معه بثمانية رهط من المهاجرين ليس فيهم من الأنصار أحد. وكتب له كتابا، وأمره أن لا ينظر فيه حتى يسير يومين، ثم ينظر فيه فيمضي لما أمره، ولا يستكره من أصحابه أحدا". وكان أصحاب عبد الله بن جحش من المهاجرين. من بني عبد شمس: أبو حذيفة [بن عتبة] بن ربيعة- ومن بني أمية،- بن عبد شمس، ثم من حلفائهم: عبد الله بن جحش بن رئاب، وهو أمير القوم، وعكاشة بن محصن بن حرثان أحد بني أسد بن خزيمة- ومن بني نوفل بن عبد مناف: عتبة بن غزوان، حليف لهم- ومن بني زهرة بن كلاب: سعد بن أبي وقاص- ومن بني عدي بن كعب: عامر بن ربيعة، حليف لهم، وواقد بن عبد الله بن عبد مناف بن عرين بن ثعلبة بن يربوع بن حنظلة، وخالد بن البكير، أحد بني سعد بن ليث، حليف لهم- ومن بني الحارث بن فهر: سهيل بن بيضاء. فلما سار عبد الله بن جحش يومين، فتح الكتاب ونظر فيه، فإذا فيه: إذا نظرت في كتابي هذا، فسر حتى تنزل نخلة بين مكة والطائف، فترصد بها قريشا وتعلم لنا من أخبارهم . فلما نظر عبد الله بن جحش في الكتاب قال: سمعا وطاعة، ثم قال لأصحابه: قد أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أمضي إلى نخلة، فأرصد بها قريشا حتى آتيه منهم بخبر، وقد نهاني أن أستكره أحدا منكم، فمن كان منكم يريد الشهادة ويرغب فيها فلينطلق، ومن كره ذلك فليرجع، فأما أنا فماض لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم. فمضى ومضى معه أصحابه، فلم يتخلف عنه أمنهم، أحد. وسلك على الحجاز، حتى إذا كان بمعدن فوق الفرع يقال له بحران، أضل سعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان بعيرا لهما كانا عليه يعتقبانه، فتخلفا عليه في طلبه. ومضى عبد الله بن جحش وبقية أصحابه حتى نزل بنخلة، فمرت به عير لقريش تحمل زبيبا وأدما وتجارة من تجارة قريش، فيها منهم: عمروبن الحضرمي، وعثمان بن عبد الله بن المغيرة، وأخوه نوفل بن عبد الله بن المغيرة المخزوميان، والحكم بن كيسان مولى هشام بن المغيرة. فلما رآهم القوم هابوهم، وقد نزلوا قريبا منهم. فأشرف لهم عكاشة بن محصن، وقد كان حلق رأسه، فلما رأوه أمنوا وقالوا: عمار! فلا بأس علينا منهم. وتشاور القوم فيهم، وذلك في آخر يوم من جمادى، فقال القوم: والله لئن تركتم القوم هذه الليلة ليدخلن الحرم فليمتنعن به منكم، ولئن قتلتموهم لتقتلنهم في الشهر الحرام! فتردد القوم فهابوا الإقدام عليهم، ثم شجعوا عليهم، وأجمعوا على قتل من قدروا عليه منهم وأخذ ما معهم. فرمى واقد بن عبد الله التميمي عمرو بن الحضرمي بسهم فقتله، واستأسر عثمان بن عبد الله والحكم بن كيسان، وأفلت نوفل بن عبد الله فأعجزهم. وقدم عبد الله بن جحش وأصحابه بالعير والأسيرين حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة. وقد ذكر بعض آل عبد الله بن جحش: أن عبد الله بن جحش قال لأصحابه: إن لرسول الله-صلى الله عليه وسلم مما غنمتم الخمس. وذلك قبل أن يفرض الخمس من الغنائم، فعزل لرسول الله صلى الله عليه وسلم خمس العير، وقسم سائرها على أصحابه. فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام! فوقف العير والأسيرين، وأبى أن يأخذ من ذلك شيئا. فلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، سقط في أيدي القوم، وظنوا أنهم قد هلكوا، وعنفهم المسلمون فيما صنعوا وقالوا لهم: صنعتم ما لم تؤمروا به، وقاتلتم في الشهر الحرام ولم تؤمروا بقتال! وقالت قريش: قد استحل محمد وأصحابه الشهر الحرام، فسفكوا فيه الدم، وأخذوا فيه الأموال، وأسروا [فيه الرجال]! فقال من يرد ذلك عليهم من المسلمين ممن كان بمكة: إنما أصابوا ما أصابوا في جمادى! وقالت يهود- تتفاءل بذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم-: عمروبن الحضرمي قتله واقد بن عبد الله! عمرو، عمرت الحرب و الحضرمي، حضرت الحرب! وواقد بن عبد الله ، وقدت الحرب! فجعل الله عليهم ذلك وبهم.فلما أكثر الناس في ذلك، أنزل الله جل وعز على رسوله: "يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه"، أي: عن قتال فيه "قل قتال فيه كبير" إلى قوله: "والفتنة أكبر من القتل"، أي: إن كنتم قتلتم في الشهر الحرام، فقد صدوكم عن سبيل الله مع الكفر به، وعن المسجد الحرام، وإخراجكم عنه إذ أنتم أهله وولاته، أكبر عند الله من قتل من قتلتم منهم، "والفتنة أكبر من القتل"، أي: قد كانوا يفتنون المسلم عن دينه حتى يردوه إلى الكفر بعد إيمانه، وذلك أكبر عند الله من القتل، ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا، أي: هم مقيمون على أخبث ذلك وأعظمه غير تائبين ولا نازعين. فلما نزل القرآن بهذا من الأمر، وفرج الله عن المسلمين ما كانوا فيه من الشفق، قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم العير والأسيرين. حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط عن السدي:"يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير"، وذلك "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية- وكانوا سبعة نفر- وأمر عليهم عبد الله بن جحش الأسدي، وفيهم عمار بن ياسر، وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة، وسعد بن أبي وقاص، وعتبة بن غزوان السلمي حليف لبني نوفل، وسهيل بن بيضاء، وعامربن فهيرة، وواقد بن عبد الله اليربوعي، حليف لعمربن الخطاب. وكتب مع ابن جحش كتابا وأمره أن لا يقرأه حتى ينزل [بطن] ملل، فلما نزل ببطن ملل فتح الكتاب، فإذا فيه: أن سر حتى تنزل بطن نخلة، فقال لأصحابه: من كان يريد الموت فليمض وليوص، فإني موص وماض لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم. فسار وتخلف عنه سعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان، أضلاً راحلة لهما، فأتيا بحران يطلبانها، وسار ابن جحش إلى بطن نخلة، فإذا هم بالحكم بن كيسان، وعبد الله بن المغيرة، والمغيرة بن عثمان، وعمرو بن الحضرمي، فاقتتلوا، فأسروا الحكم بن كيسان، وعبد الله بن المغيرة، وانفلت المغيرة، وقتل عمرو بن الحضرمي، قتله واقد بن عبد الله. فكانت أول غنيمة غنمها أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.فلما رجعوا إلى المدينة بالأسيرين وما غنموا من الأموال، أراد أهل مكة أن يفادوا بالأسيرين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: حتى ننظر ما فعل صاحبانا فلما رجع سعد وصاحبه فادى بالأسيرين. ففجر عليه المشركون وقالوا: محمد يزعم أنه يتبع طاعة الله، وهو أول من استحل الشهر الحرام، وقتل صاحبنا في رجب! فقال المسلمون: إنما قتلناه في جمادى!- وقيل: فى أول ليلة من رجب، وآخر ليلة من جمادى- وغمد المسلمون سيوفهم حين دخل رجب. فأنزل الله جل وعز يعير أهل مكة: "يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير" " لا يحل، وما صنعتم أنتم يا معشر المشركين أكبر من القتل في الشهر الحرام، حين كفرتم بالله، وصددتم عنه محمدا وأصحابه، وإخراج أهل المسجد الحرام منه، حين أخرجوا محمدا، أكبر من القتل عند الله، والفتنة- هي الشرك- أعظم عند الله من القتل في الشهر الحرام، فذلك قوله: " وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل ". حدثنا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني قال، حدثنا المعتمربن سليمان التيمي، عن أبيه: أنه حدثه رجل، عن أبي السوار، يحدثه عن جندب بن عبد الله، " عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه بعث رهطا، فبعث عليهم أبا عبيدة. فلما أخذ لينطلق، بكى صبابة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فبعث رجلا مكانه يقال له عبد الله بن جحش، وكتب له كتابا، وأمره أن لا يقرأ الكتاب حتى يبلغ كذا وكذا: ولا تكرهن أحدا من أصحابك على السير معك . فلما قرأ الكتاب استرجع وقال: سمعا وطاعة لأمر الله ورسوله! فخبرهم لخبر وقرأ عليهم الكتاب، فرجع رجلان ومضى بقيتهم. فلقوا ابن الحضرمي فقتلوه، ولم يدروا ذلك ليوم: أمن رجب أو من جمادى؟ فقال المشركون للمسلمين: فعلتم كذا وكذا في الشهر الحرام! فأتوا لنبي صلى الله عليه وسلم فحدثوه الحديث، فأنزل الله عز جل: "يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل" " - الفتنة هي الشرك. وقال بعض الذين- أظنه قال- كانوا في السرية: والله ما قتله إلا واحد! فقال: إن كن خيرا فقد وليت! وإن يكن ذنبا فقد عملت!. حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن ابي نجيح، عن مجاهد في قول الله: "يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه"، قال: إن رجلا من بني تميم أرسله النبي صلى الله عليه وسلم في سرية، فمر بابن الحضرمي يحمل خمرا من الطائف إلى مكة، فرماه بسهم فقتله. وكان بين قريش ومحمد عقد، فقتله في آخر يوم من جمادى الآخرة وأول يوم من رجب، فقالت قريش: في الشهر الحرام! ولنا عهد! فأنزل الله جل وعز: "قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به" وصد عن المسجد الحرام "وإخراج أهله منه أكبر عند الله" من قتل ابن الحضرمي، والفتنة كفر بالله، وعبادة الأوثان أكبر من هذا كله. حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري وعثمان الجزري، وعن مقسم مولى ابن عباس قال: لقي واقد بن عبد الله عمروبن الحضرمي في أول ليلة من؟ رجب، وهو يرى أنه من جمادى، فقتله، وهو أول قتيل من المشركين. فعير المشركون المسلمين فقالوا: أتقتلون في الشهر الحرام! فأنزل الله: "يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام"، يقول: وصد عن سبيل الله وكفر بالله، "والمسجد الحرام"، وصد عن المسجد الحرام، "وإخراج أهله منه أكبر عند الله"، من قتل عمروبن الحضرمى، "والفتنة"، يقول: الشرك الذي أنتم فيه أكبر من ذلك أيضا، قال الزهري وكان النبي صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا يحرم القتال في الشهر الحرام، ثم أحل [له] بعد. حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: "يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير"، وذلك أن المشركين صدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وردوه عن المسجد الحرام في شهر حرام، ففتح الله على نبيه في شهر حرام من العام المقبل. فعاب المشركون على رسول الله صلى الله عليه وسلم القتال في شهر حرام، فقال الله جل وعز: "وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله" من القتل فيه. وأن محمداً بعث سرية، فلقوا عمرو بن الحضرمي وهو مقبل من الطائف آخر ليلة من جمادى، وأول ليلة من رجب، وأن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا يظنون أن تلك الليلة من جمادى، وكانت أول رجب ولم يشعروا، فقتله رجل منهم واحد، وأن المشركين أرسلوا يعيرونه بذلك فقال الله جل وعز: "يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير" وغير ذلك أكبر منه، "صد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه" إخراج أهل المسجد الحرام أكبر من الذي أصاب محمد، والشرك بالله أشد. حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا سفيان، عن حصين، عن أبي مالك: قال لما نزلت: "يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير" إلى قوله: "والفتنة أكبر من القتل"، استكبروه. فقال: والفتنة، الشرك الذي أنتم عليه مقيمون، أكبر مما استكبرتم. حدثت عن عمار بن الحسن قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن حصين، " عن أبي مالك الغفاري قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن جحش في جيش، فلقي ناسا من المشركين ببطن نخلة، والمسلمون يحسبون أنه آخر يوم من جمادى وهو أول يوم من رجب، فقتل المسلمون ابن الحضرمي، فقال المشركون: ألستم تزعمون أنكم تحرمون الشهر الحرام والبلد الحرام، وقد قتلتم في الشهر الحرام فأنزل الله: "يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه" إلى قوله: "أكبر عند الله" " من الذي استكبرتم من قتل ابن الحضرمي، و "الفتنة"- التي أنتم عليها مقيمون، يعني الشرك- "أكبر من القتل".حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن ابي جعفر، عن أبيه، عن قتادة قال: وكان يسميهما- يقول: لقي واقد بن عبد الله التميمي عمروبن الحضرمي ببطن نخلة فقتله. حدثنا القاسمقال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قلت لعطاءقوله: "يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه"، فيمن نزلت؟ قال: لا أدري، قال ابن جريج: وقال عكرمة ومجاهد: في عمرو بن الحضرمي. قال ابن جريج، وأخبرنا ابن أبي حسين، عن الزهري ذلك أيضا. حدثنا القاسمقال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال: قال مجاهد: "قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام"،- قال: يقول: صد عن المسجد الحرام "وإخراج أهله منه"- فكل هذا أكبر من قتل ابن الحضرمي- "والفتنة أكبر من القتل"- كفر بالله وعبادة الأوثان، أكبر من هذا كله. حدثت عن الحسين بن الفرج، قال، سمعت أبا معاذ الفضل بن خالد، قال أخبرنا عبيد بن سليمان الباهلي، قال سمعت الضحاك بن مزاحم يقول في قوله: "يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير"، كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قتلوا ابن الحضرمي لي الشهر الحرام، فعير المشركون المسلمين بذلك، فقال الله: قتال في الشهر الحرام كبير، وأكبر من ذلك صد عن سبيل اللى وكفر به، وإخراج أهل المسجد الحرام من المسجد الحرام. قال أبو جعفر: وهذان الخبران اللذان ذكرناهما عن مجاهد والضحاك، ينبئان عن صحة ما قلنا في رفع الصد والكفر به ، وأن رافعه "أكبر عند الله". وهما يؤكدان صحة ما روينا في ذلك عن ابن عباس، ويدلان على خطأ من زعم أنه مرفوع على العطف على الكبير، وقول من زعم أن معناه: وكبير صد عن سبيل الله، وزعم أن قوله: "وإخراج أهله منه أكبر عند الله"، خبر منقطع عما قبله مبتدأ. حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا إسماعيل بن سالم، عن الشعبي في قوله: "والفتنة أكبر من القتل"، قال: يعني به الكفر. حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: "وإخراج أهله منه أكبر عند الله" من ذلك ثم عير المشركين بأعمالهم أعمال السوء فقال: "والفتنة أكبر من القتل"، أي: الشرك بالله أكبر من القتل.وبمثل الذي قلنا من التأويل في ذلك روي عن ابن عباس: حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قال: لما قتل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عمروبن الحضرمي في آخر ليلة من جمادى وأول ليلة من رجب، أرسل المشركون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يعيرونه بذلك، فقال: "يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير"، وغير ذلك أكبر منه: "صد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر" من الذي أصاب محمد صلى الله عليه وسلم.قال أبو جعفر: وأما أهل العربية فإنهم اختلفوا في الذي ارتفع به قوله: "وصد عن سبيل الله". فقال بعض نحوي الكوفيين: في رفعه وجهان: أحدهما، أن يكون الصد مردودا على الكبير، يريد: قل القتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به. وإن شئت جعلت الصد كبيرا، يريد به: قل القتال فيه كبير، وكبير الصد عن سبيل الله والكفر به. قال أبو جعفر: قال فأخطأ- يعني الفراء- في كلا تأويليه. وذلك أنه إذا رفع الصد عطفا به على كبير، يصير تأويل الكلام: قل القتال في الشهر الحرام كبير وصد عن سبيل الله، وكفر بالثه. وذلك من التأويل خلاف ما عليه أهل الإسلام جميعا. لأنه لم يدع أحد أن الله تبارك وتعالى جعل القتال في الأشهر الحرام كفراً بالله، بل ذلك غير جائز أن يتوهم على عاقل يعقل ما يقول أن يقوله. وكيف يجوز أن يقوله ذو فطرة صحيحة، والله جل ثناؤه يقول في أثر ذلك: "وإخراج أهله منه أكبر عند الله"؟! فلو كان الكلام على ما رآه جائزا في تأويله هذا، لوجب أن يكون إخراج أهل المسجد الحرام من المسجد الحرام، كان أعظم عند الله من الكفر به، وذلك أنه يقول في أثره: "وإخراج أهله منه أكبر عند الله ". وفي قيام الحجة بأن لا شيء أعظم عند الله من الكفر به، ما يبين عن خطأ هذا القول.وأما إذا رفع الصد، بمعنى ما زعم أنه الوجه الاخر- وذلك رفعه بمعنى: وكبير صد عن سبيل الله، ثم قيل: "وإخراج أهله منه أكبر عند الله"- صار المعنى إلى أن إخراج أهل المسجد الحرام من المسجد الحرام، أعظم عند الله من الكفر بالله والصد عن سبيله، وعن المسجد الحرام. ومتأول ذلك كذلك، داخل من الخطأ في مثل الذي دخل فيه القائل القول الأول: من تصييره بعض خلال الكفر أعظم عند الله من الكفر بعينه. وذلك مما لا يخيل على أحد خطأه وفساده. وكان بعض أهل العربية من أهل البصرة يقول القول الأول في رفع الصد، ويزعم أنه معطوف به على الكبير، ويجعل قوله: "وإخراج أهله" مرفوعا على الابتداء. وقد بينا فساد ذلك وخطأ تأويله. قال أبو جعفر: ثم اختلف أهل التأويل في قوله: "يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير"، هل هو منسوخ أم ثابت الحكم؟. فقال بعضهم: هو منسوخ بقول الله جل وعز: "وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة" [التوبة: 36]، وبقوله: "اقتلوا المشركين" [التوبة: ه]. ذكر من قال ذلك: حدثنا القاسمقال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال: قال عطاء بن ميسرة: أحل القتال في الشهر الحرام في براءة قوله: "فلا تظلموا فيهن أنفسكم وقاتلوا المشركين كافة" [التوبة: 36]: يقول: فيهن وفي غيرهن. حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن الزهري قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم، فيما بلغنا، يحرم القتال في الشهر الحرام، ثم أحل بعد.وقال آخرون: بل ذلك حكم ثابت، لا يحل القتال لآحد في الأشهر الحرم بهذه الآية، لأن الله جعل القتال فيه كبيراً. ذكر من قال ذلك:حدثنا القاسمقال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قلت لعطاء: "يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير"، قلت: ما لهم! وإذ ذاك لا يحل لهم أن يغزوا أهل الشرك في الشهر الحرام، ثم غزوهم بعد فيه؟ فحلف لي عطاء بالله: ما يحل للناس أن يغزوا في الشهر الحرام، ولا أن يقاتلوا فيه، وما يستحب. قال: ولا يدعون إلى الإسلام قبل أن يقاتلوا، ولا إلى الجزية، تركوا ذلك. قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك ما قاله عطاء بن ميسرة: من أن النهي عن قتال المشركين في الأشهر الحرم منسوخ بقول الله جل ثناؤه: "إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة" [التوبة: 36]. وإنما قلنا ذلك ناسخ لقوله: "يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير"، لتظاهر لأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه غزا هوازن بحنين وثقيفا بالطائف، وأرسل أبا عامر إلى أوطاس لحرب من بها من المشركين، في بعض الأشهر الحرم، وذلك في شوال وبعض ذي القعدة، وهو من الأشهر الحرم. فكان معلوما بذلك أنه لو كان القتال فيهن حراما وفيه معصية، كان أبعد الناس من فعله صلى الله عليه وسلم. وأخرى، أن جميع أهل العلم بسير رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تتدافع أن بيعة الرضوان على قتال قريش كانت في ذى القعدة، وأنه صلى الله عليه وسلم إنما دعا أصحابه إليها يومئذ، لأنه بلغه أن عثمان بن عفان قتله المشركون إذ أرسله إليهم بما أرسله به من الرسالة، فبايع صلى الله عليه وسلم على أن يناجز القوم الحرب ويحاربهم، حتى رجع عثمان بالرسالة، جرى بين النبي صلى الله عليه وسلم وقريش الصلح، فكف عن حربهم حينئذ وقتالهم. وكان ذلك في ذي القعدة، وهو من الأشهر الحرم. فإذ كان ذلك كذلك، فبين صحة ما قلنا في قوله: "يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير"، وأنه منسوخ. فإن ظن ظان أن النهي عن القتال في الأشهر الحرم كان بعد استحلال النبي صلى الله عليه وسلم إياهن لما وصفنا من حروبه، فقد ظن جهلا. وذلك أن هذه الآية- أعني قوله: "يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه"- في أمر عبد الله بن جحش وأصحابه، وما كان من أمرهم وأمر القتيل الذي قتلوه، فأنزل الله في أمره هذه الآية في آخر جمادى الآخرة من السنة الثانية من مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وهجرته إليها، وكانت وقعة حنين والطائف في شوال من سنة ثمان من مقدمه المدينة وهجرته إليها، وبينهما من المدة ما لا يخفى على أحد.قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره: ولا يزال مشركو قريش يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن قدروا على ذلك، كما:- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة قال، حدثني ابن إسحاق قال، حدثني الزهري ويزيد بن رومان، عن عروة بن الزبير: "ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا"، أي: هم مقيمون على أخبث ذلك وأعظمه، غير تائبين ولا نازعين، يعني: على أن يفتنوا المسلمين عن دينهم حتى يردوهم إلى الكفر، كما كانوا يفعلون بمن قدروا عليه منهم قبل الهجرة. حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصمقال، حدثنا عيسى، عن ابن ابي نجيح، عن مجاهد في قول الله عز وجل: "ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا"، قال: كفار قريش. قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: "ومن يرتدد منكم عن دينه"، من يرجع منكم عن دينه، كما قال جل ثناؤه: "فارتدا على آثارهما قصصا" [الكهف: 64] يعني بقوله: "فارتدا"، رجعا. ومن ذلك قيل: استرد فلان حقه من فلان، إذا استرجعه منه. وإنما أظهر التضعيف في قوله: "يرتدد" لأن لام الفعل ساكنة بالجزم، وإذا سكنت فالقياس ترك التضعيف، وقد تضعف وتدغم وهي ساكنة، بناء على التثنية والجمع. وقوله: "فيمت وهو كافر"، يقول: من يرجع عن دينه دين الإسلام، "فيمت وهو كافر"، فيمت قبل أن يتوب من كفره، فهم الذين حبطت أعمالهم. يعني بقوله: "حبطت أعمالهم"، بطلت وذهبت. وبطولها: ذهاب ثوابها، وبطول الأجر عليها والجزاء في دار الدنيا والآخرة. وقوله: "وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون"، يعني: الذين ارتدوا عن دينهم فماتوا على كفرهم، هم أهل النار المخلدون فيها. وإنما جعلهم أهلها لأنهم لا يخرجون منها، فهم سكانها المقيمون فيها، كما يقال: هؤلاء أهل محلة كذا، يعني: سكانها المقيمون فيها. ويعني بقوله: "هم فيها خالدون"، هم فيها لابثون لبثا، من غير أمد ولا نهاية.
فيه اثنتا عشرة مسألة :
الأول : قوله تعالى : " يسألونك " تقدم القول فيه ، وروى جرير بن عبد الحميد و محمد بن فضيل عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : ما رأيت قوماً خيراً من أصحاب محمداً صلى الله عليه وسلم ، ما سألوه إلا عن ثلاث عشرة مسألة كلهن في القرآن ، " ويسألونك عن المحيض " [ البقرة : 222 ] ، " يسألونك عن الشهر الحرام " ، [ البقرة : 217 ] ، ما كانوا يسألون إلا عما ينفعهم ، قال ابن عبد البر : ليس في الحديث من الثلاث عشرة مسألة إلا ثلاث ، وروى أبو السوار عن جندب بن عبد الله : " إن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رهطاً عليهم أبا عبيدة بن الحارث أو عبيدة بن الحارث ، فلما ذهب لينطلق بكى صبابة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبعث عبد الله بن جحش وكتب له كتاباً وأمره ألا يقرأ الكتاب حتى يبلغ مكان كذا ، وقال : ولا تكرهن أصحابك على المسير ، فلما بلغ المكان قرأ الكتاب فاسترجع وقال : سمعاً وطاعة الله ولرسوله ، قال : فرجع رجلان ومضى بقيتهم ، فلقوا ابن الحضرمي فقتلوه ، ولم يدروا أن ذلك اليوم من رجب ، فقال المشركون : قتلتم في الشهر الحرام ، فأنزل الله تعالى : " يسألونك عن الشهر الحرام " " ، وروي أن سبب نزولها أن رجلين من بني كلاب لقيا عمرو بن أمية الضمري وهو لا يعلم أنهما كانا عند النبي صلى الله عليه وسلم وذلك في أول يوم من رجب فقتلهما ، فقالت قريش : قتلهما في الشهر الحرام ، فنزلت الآية ، والقول بأن نزولها ثمانية ، في جمادى الآخرة قبل بدر بشهرين ، وقيل في رجب ، قال أبو عمر ، في كتاب الدرر له ، ولما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من طلب كرز بن جابر تعرف تلك الخرجة جحش بن رئاب الأسدي ومعه ثمانية رجال من المهاجرين ، وهم أبو حذيفة بن عتبة ، وعكاشة بن محصن ، وعتبة بن غزوان ، وسهيل بن بيضاء الفهري ، وسعد بن أبي وقاص ، وعامر بن ربيعة ، وواقد بن عبد الله التميمي ، وخالد بن بكير الليثي ، وكتب لعبد الله بن جحش كتاباً ، وأمره ألا ينظر فيه حتى يسير يومين ثم ينظر فيه فيمضي لما أمره به ولا يستكره أحداً من أصحابه ، وكان أميرهم ، ففعل عبد الله بن جحش ما أمره به ، فلما فتح الكتاب وقرأه وجد فيه : إذا نظرت في كتابي هذا فامض حتى تنزل نخلة بين مكة والطائف فترصد بها قريشاً ، وتعلم لنا من أخبارهم ، فلما قرأ الكتاب قال : سمعاً وطعاة ثم أخبر أصحابه بذلك ، وبأنه لا يستكره أحداً منهم ، وأنه ناهض لوجهه بمن أطاعه ،وأنه إن لم يطعه أحد مضى وحده ، فمن أحب الشهادة فلينهض ، ومن كره الموت فليرجع ، فقالوا : كلنا نرغب فيما ترغب فيه ، وما منا أحد إلا وهو سامع مطيع لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونهضوا معه ، فسلك على الحجاز ،وشرد لسعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان جمل كانا يعتقبانه فتخلفا في طلبه ، ونفذ عبد الله بن جحش مع سائرهم لوجهه حتى نزل بنخلة ، فمرت بهم عير لقريش تحمل زبيباً وتجارة فيها عمرو بن الحضرمي ، واسم الحضرمي عبد الله بن عباد من الصدق ، والصدف بطن من حضرموت ، وعثمان بن عبد الله بن المغيرة ، وأخوه نوفل بن عبد الله بن المغيرة المخزوميان ، والحكم بن كيسان مولى بني المغيرة ، فتشاور المسلمون وقالوا : نحن في آخر يوم من رجب الشهر الحرام ، فإن نحن قاتلناهم هتكنا حرمة الشهر الحرام : وإن تركناهم الليلة دخلوا الحرم ، ثم اتفقوا على لقائهم ، فرمى واقد بن عبد الله التميمي عمرو بن الحضرمي فقتله ، وأسروا عثمان بن عبد الله والحكم بن كيسان ، وأفلت نوفل بن عبد الله ، ثم قدموا بالعير والأسيرين ، وقال لهم عبد الله بن جحش : اعزلوا مما غنمنا الخمس لرسول الله صلى الله عليه وسلم ففعلوا ، فكان أول خمس في الإسلام ، ثم نزل القرآن : " واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه " [ الأنفال : 41 ] ، فأقر الله ورسوله فعل عبد الله بن جحش ورضيه وسنه للأمة إلى يوم القيامة ، وهي أول غنيمة غنمت في الإسلام ، وأول أمير ، وعمرو بن الحضرمي أول قتيل ، وأنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل ابن الحضرمي في الشهر الحرام ، فسقط في أيدي القوم ، فأنزل الله عز وجل : " يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه " إلى قوله : " هم فيها خالدون " ، وقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم الفداء في الأسيرين ، فأما عثمان بن عبد الله فمات بمكة كافراً ، وأما الحكم بن كيسان فأسلم وأقام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى استشهد ببئر معونة ، ورجع سعد وعتبة إلى المدينة سالمين ، وقيل : إن انطلاق سعد بن أبي وقاص وعتبة في طلب بعيرهما كان عن إذن من عبد الله بن جحش ، و" إن عمرو بن الحضرمي وأصحابه لما رأوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هابوهم ، فقال عبد الله بن جحش ، إن القوم قد فزعوا منكم ، فاحلقوا رأس رجل منكم فليتعرض لهم ، فإذا رأوه محلوقاً امنوا وقالوا : قوم عمار لا بأس عليكم ، وتشاوروا في قتالهم ، الحديث ، وتفاءلت اليهود وقالوا : واقد وقدت الحرب ، وعمرو عمرت الحرب ، والحضرمي حضرت الحرب ، وبعث أهل مكة في فداء أسيريهم ، فقال : لا نفديهما حتى يقدم سعد وعتبة ، وإن لم يقدما قتلناهما بهما ، فلما قدما فاداهما ، فأما الحكم فأسلم وأقام بالمدينة حتى قتل يوم بئر معونة شهيداً ، وأما عثمان فرجع إلى مكة فمات بها كافراً ، وأما نوفل فضرب بطن فرسه يوم الأحزاب ليدخل الخندق على المسلمين فوقع في الخندق مع فرسه فتحطما جميعاً فقتله الله تعالى ، وطلب المشركون جيفته بالثمن ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : خذوه فإنه خبيث الجيفة خبيث الدية " ، فهذا سبب نزول قوله تعالى : " يسألونك عن الشهر الحرام " ، وذكر ابن إسحاق أن قتل عمرو بن الحضرمي كان في آخر يوم من رجب ، على ما تقدم ، وذكر الطبري عن السدي وغيره أن ذلك كان في آخر يوم من جمادى الآخرة ، والأول أشهر ، على أن ابن عباس قد ورد عنه أن ذلك كان في أول ليلة من رجب ، والمسلمون يظنونها من جمادى ، قال ابن عطية : وذكر الصاحب بن عباد في رسالته المعروفة بالأسدية أن عبد الله بن جحش سمي أمير المؤمنين في ذلك الوقت لكونه مؤمراً على جماعة من المؤمنين .
الثانية : واختلف العلماء في نسخ هذه الآية ، فالجمهور على نسخها ، وأن قتال المشركين في الأشهر الحرم مباح ، واختلفوا في ناسخها ، فقال الزهري : نسخها " وقاتلوا المشركين كافة "[ التوبة : 365 ] ، وقيل : نسخها غزو النبي صلى الله عليه وسلم ثقيفاً في الشهر الحرام ، وإزاؤه أبا عامر إلى أوطاس في الشهر الحرام ، وقيل : نسخها بيعة الرضوان على القتال في ذي القعدة ، وهذا ضعيف ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما بلغه قتل عثمان بمكة وأنهم عازمون على حربه بايع حينئذ المسلمين على دفعهم لا على الإبتداء بقتالهم ، وذكر البيهقي عن عروة بن الزبير من غير حديث محمد بن إسحاق في اثر قصة الحضرمي : فأنزل الله عز وجل " يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه " ، قال : فحدثهم الله في كتابه أن القتال في الشهر الحرام حرام كما كان ، وأن الذي يستحلون من المؤمنين هو أكبر من ذلك من صدهم عن سبيل الله حين يسجنونهم ويعذبونهم ويحبسونهم أن يهاجروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكفرهم بالله وصدهم المسلمين عن المسجد الحرام في الحج والعمرة والصلاة فيه ، وإخراجهم أهل المسجد الحرام وهم سكانه من المسلمين ، وفتنتهم إياهم عن الدين ، فبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم عقل ابن الحضرمي وحرم الشهر الحرام كما كان يحرمه ، حتى أنزل الله عز وجل : " براءة من الله ورسوله " [ التوبة : 1 ] ، وكان عطاء يقول : الآية محكمة ، ولا يجوز القتال في الأشهر الحرم ، ويحلف على ذلك ، لأن الآيات التي وردت بعدها عامة في الأزمنة ، وهذا خاص والعام لا ينسخ الخاص باتفاق ، و" روى أبو الزبير عن جابر قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقاتل في الشهر الحرام إلا أن يغزى " .
الثالثة : قوله تعالى : " قتال فيه " (( قتال )) بدل عنه سيبويه بدل اشتمال ، لأن السؤال اشتمل على الشهر وعلى القتال ، أي يسألك الكفار تعجباً من هتك حرمة الشهر ، فسؤالهم عن الشهر إنما كان لأجل القتال فيه ، قال الزجاج : المعنى يسألونك عن القتال في الشهر الحرام ، وقال القتبي : يسألونك عن القتال في الشهر الحرام هل يجوز ؟ فأبدل قتالاً من الشهر ، وأنشد سيبويه :
فما كان قيس هلكه هلك واحد ولكنه بنيان قوم تهدما
وقرأ عكرمة (( يسألونك عن الشهر الحرام قتل فيه قل قتل )) بغير ألف فيهما ، وقيل : المعنى يسألونك عن الشهر الحرام وعن قتال فيه ، وهكذا قرأ ابن مسعود ، فيكون مخفوضاً بعن على التكرير ، قاله الكسائي ، وقال الفراء : هو مخفوض على نية عن وقال أبو عبيدة هو مخفوض على الجوار قال النحاس : لا يجوز أن يعرب الشيء على الجوار في كتاب الله ولا في شيء من الكلام ، وإنما الجوار غلط ، وإنما وقع في شيء شاذ ، وهو قولهم : هذا جحر ضب خرب ، والدليل على أنه غلط قول العرب في التثنية : هذان : جحراً ضب خربان ، وإنما هذا بمنزلة الإقراء ، ولا يجوز أن يحمل شيء من كتاب الله على هذا ، ولا يكون إلا بأفصح اللغات وأصحها ، قال ابن عطية : وقال أبو عبيدة : هو خفض على الجوار ، وقوله هذا خطأ ، قال النحاس : ولا يجوز إضمار عن ، والقول فيه إنه بدل ، وقرأ الأعرج " يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه " بالرفع ، قال النحاس : وهو غامض في العربية ، والمعنى فيه يسألونك عن الشهر الحرام أجائز قتال فيه ؟ فقوله : (( يسألونك )) يدل على الإستفهام ، كما قال امرؤ القيس :
‌ أصاح ترى برقاً أريك وميضه كلمع اليدين في حبي مكلل
والمعنى : أترى برقاً ، فحذف ألف الإستفهام ، لأن الألف التي في (( أصاح )) تدل عليها وإن كانت حرف نداء ، كما قال الشاعر :
تروح من الحي أم تبتكر
والمعنى : أتروح ، فحذف الألف لأن أم تدل عليها .
الرابعة : قوله تعالى : " قل قتال فيه كبير " : أبتداء وخبر ، أي مستنكر ، لأن تحريم القتال في الشهر الحرام كان ثابتاً يومئذ إذ كان الإبتداء من المسلمين ، والشهر في الآية اسم جنس ، وكانت العرب قد جعل الله لها الشهر الحرام قواماً تعتدل عنده ، فكانت لا تسفك دماً ، ولا تغير في الأشهر الحرم ، وهي رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم ، ثلاثة سرد وواحد فرد ، وسيأتي لهذا مزيد بيان في (( المائدة )) إن شاء الله تعالى .
الخامسة : قوله تعالى : " وصد عن سبيل الله " إبتداء " وكفر به " عطف على (( صد )) " والمسجد الحرام " عطف على (( سبيل الله )) " وإخراج أهله منه " عطف على (( صد )) خبر الإبتداء " أكبر عند الله " أي أعظم إثماً من القتال في الشهر الحرام ، قاله المبرد وغيره ، وهو الصحيح ، لطول منع الناس عن الكعبة أن يطاف بها " وكفر به " أي بالله وقيل " وكفر به " أي الحج والمسجد الحرام ، " وإخراج أهله منه أكبر " أي أعظم عقوبة عند الله من القتال في الشهر الحرام ، وقال الفراء : (( صد )) عطف على (( كبير )) ، (( والمسجد )) عطف على الهاء في (( به )) ، فيكون الكلام نسقاً متصلاً غير منقطع ، قال ابن عطية ، وذلك خطأ ، لأن المعنى يسوق إلى أن قوله : (( وكفر به )) أي بالله عطف أيضاً على (( كبير )) ويجيء من ذلك أن أخراج أهل المسجد منه أكبر من الكفر عند الله ، وهذا بين فساده ، ومعنى الآية على قول الجمهور : إنكم يا كفار قريش تستعظمون علينا القتال في الشهر الحرام ، وما تفعلون أنتم من الصد عن سبيل الله لمن أراد الإسلام ، ومن كفركم بالله وإخراجكم أهل المسجد منه ، كما فعلتم برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه أكبر جرماً عند الله ، وقال عبد الله بن جحش رضي الله عنه :
تعدون قتلاً في الحرام عظيمة وأعظم منه لو يرى الرشد راشد
صدودكم عما يقول محمد وكفر به والله راء وشاهد
وإخراجكم من مسجد الله أهله لئلا يرى لله في البيت ساجد
فإنا وإن عيرتمونا بقتله وأرجف بالإسلام باغ وحاسد
سقينا من ابن الحضرمي رماحنا بنخلة لما أوقد الحرب واقد
دماً وابن عبد الله عثمان بيننا ينازعه غل من القد عاند
وقال الزهري و مجاهد وغيرهما : قوله تعالى : " قل قتال فيه كبير " ، منسوخ بقوله : " وقاتلوا المشركين كافة " [ التوبة : 36 ] وبقوله : " فاقتلوا المشركين " [ التوبة : 5 ] ، وقال عطاء : لم ينسخ ، ولا ينبغي القتال في الأشهر الحرم ، وقد تقدم .
السادسة : قوله تعالى : " والفتنة أكبر من القتل " قال مجاهد وغيره ، الفتنة هنا الكفر ، أي كفركم أكبر من قتلنا أولئك ، وقال الجمهور : معنى الفتنة هنا فتنتهم المسلمين عن دينهم حتى يهلكوا ، أي أن ذلك أشد اجتراماً من قتلكم في الشهر الحرام .
السابعة : قوله تعالى : " ولا يزالون " ابتداء خبر من الله تعالى ، وتحذير منه للمؤمنين من شر الكفرة ، قال مجاهد ، يعني كفار قريش ، و" يردوكم " نصب بحتى ، لأنها غاية مجردة .
الثامنة : قوله تعالى : " ومن يرتدد " أي يرجع عن الإسلام إلى الكفر " فأولئك حبطت " أي بطلت وفسدت ، ومنه الحبط وهو فساد يلحق المواشي في بطونها من كثرة أكلها الكلأ فتنتفخ أجوافها ، وربما تموت من ذلك ، فالآية تهديد للمسلمين ليثبتوا على دين الإسلام .
التاسعة : واختلف العلماء في المرتد هل يستتاب أم لا ؟ وهل يحبط عمله بنفس الردة أم لا ، إلا على الموافاة على الكفر ؟ وهل يورث أم لا ؟ فهذه ثلاث مسائل :
الأولى : قالت طائفة : يستتاب ، فإن تاب وإلا قتل ، وقال بعضهم : ساعة واحدة ، وقال آخرون : يستتاب شهراً ، وقال آخرون : يستتاب ثلاثاً ، على ما روي عن عمر وعثمان ، وهو قول مالك رواه عنه ابن القاسم ، وقال الحسن : يستتاب مائة مرة ، وقد روي عنه أنه يقتل دون استتابة ، وبه قال الشافعي في أحد قوليه ، وهو أحد قولي طاوس و عبيد بن عمير ، وذكر سحنون أن عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون كان يقول : يقتل المرتد ولا يستتاب ، واحتج بحديث معاذ وأبي موسى ، وفيه : " أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث أبا موسى إلى اليمن أتبعه معاذ بن جبل فلما قدم عليه قال : أنزل ، وألقى إليه وسادة ، وإذا رجل عنده موثق ، قال : ما هذا ؟ قال : هذا كان يهودياً فأسلم ثم راجع دينه دين السوء فتهود ، قال : لا أجلس حتى يقتل ، قضاء الله ورسوله ، فقال : اجلس قال : نعم لا أجلس حتى يقتل ، قضاء الله ورسوله - ثلاث مرات - فأمر به فقتل " ، خرجه مسلم وغيره ، وذكر أبو يوسف عن أبي حنيفة أن المرتد يعرض عليه الإسلام فإن أسلم وإلا قتل مكانه ، إلا أن يطلب ان يؤجل ، فإن طلب ذلك أجل ثلاث أيام ، والمشهور عنه وعن أصحابه أن المرتد لا يقتل حتى يستتاب ، والزنديق عندهم والمرتد سواء ، وقال مالك : وتقتل الزنادقة ولا يستتابون ، وقد مضى هذا أول (( البقرة )) واختلفوا فيمن خرج من كفر إلى كفر ، فقال مالك وجمهور الفقهاء : لا يتعرض له ، لأنه انتقل إلى ما لو كان عليه في الإبتداء لأقر عليه ، وحكى ابن عبد الحكم عن الشافعي أنه يقتل ، لقوله عليه السلام :" من بدل دينه فاقتلوه " ، ولم يخص مسلماً من كافر ، وقال مالك : معنى الحديث من خرج من الإسلام إلى الكفر ، وأما من خر من كفر إلى كفر فلم يعن بهذا الحديث ، وهو قول جماعة من الفقهاء ، والمشهور عن الشافعي ما ذكره المزني و الربيع أن المبدل لدينه من أهل الذمة يلحقه الإمام بأرض الحرب ويخرجه من بلده ويستحل ماله مع أموال الحربيين إن غلب على الدار ، لأنه إنما جعل له الذمة على الدين الذي كان عليه في حين عقد العهد ، واختلفوا في المرتدة ، فقال مالك و الأوزاعي و الشافعي و الليث بن سعد : تقتل كما يقتل المرتد سواء ، وحجتهم ظاهر الحديث : " من بدل دينه فاقتلوه " ، و " من " يصح للذكر والأنثى ، وقال الثوري و أبو حنيفة وأصحابه ، لا تقتل المرتدة ، وهو قول ابن شبرمة ، وإليه ذهب ابن علية ، وهو قول عطاء و الحسن احتجوا بأن ابن عباس روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من بدل دينه فاقتلوه " ، ثم إن ابن عباس لم يقتل المرتدة ، ومن روى حديثاً كان أعلم بتأويله ، وروي عن علي مثله .
و " نهى صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان " ، واحتج الأولون بقوله عليه السلام : " لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : كفر بعد إيمان " فعم كل من كفر بعد إيمانه ، وهو أصح .
العاشرة : قال الشافعي : إن من ارتد ثم عاد إلى الإسلام لم يحبط عمله ولا حجة الذي فرغ منه ، بل إن مات فحينئذ تحبط أعماله ، وقال مالك : تحبط بنفس الردة ، ويظهر الخلاف في المسلم إذا حج ثم ارتد ثم أسلم ، فقال مالك : يلزمه الحج ، لأن الأول قد حبط بالردة ، وقال الشافعي : لا إعادة عليه ، لأن عمله باق ، واستظهر علماؤنا بقوله تعالى : " لئن أشركت ليحبطن عملك " [ الزمر : 65 ] ، قالوا : وهو خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد أمته ، لأنه عليه السلام يستحيل منه الردة شرعاً ، وقال أصحاب الشافعي : بل هو خطاب النبي صلى الله عليه وسلم على طريق التغليظ على الأمة ، وبيان أن النبي صلى الله عليه وسلم على شرف منزلته لو أشرك لحبط عمله ، فكيف أنتم ! لكنه لا يشرك لفضل مرتبته ، كما قال : " يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين " [ الأحزاب : 30 ] ، وذلك لشرف منزلتهن ، وإلا فلا يتصور إتيان منهن صيانهة لزوجهن المكرم المعظم ، ابن العربي ، وقال علماؤنا : إنما ذكر الله الموافاة شرطاً هاهنا لأنه علق علينا الخلود في النار جزاء ، فمن وافى على الكفر خلده الله في النار بهذه الآية ، ومن أشرك حبط عمله بالآية الأخرى ، فهما آيتان مفيدتان لمعنيين وحكمين متغايرين ، وما خوطب به عليه السلام فهو لأمته حتى يثبت اختصاصه ، ما ورد في أزواجه فإنما قيل ذلك فيهن ليبين أنه لو تصور لكان هتكان أحدهما لحرمة الدين ، والثاني لحرمة النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكل هتك حرمة عقاب ، وينزل ذلك منزلة من عصى في الشهر الحرام أو في البلد الحرام أو في المسجد الحرام ، يضاعف عليه العذاب بعدد ما هتك من الحرمات ، والله أعلم .
الحادية عشر : وهي إختلاف العلماء في ميراث المرتد ، فقال علي بن أبي طالب و الحسن و الشعبي و الحكم و الليث و أبو حنيفة و إسحاق بن راهويه : ميراث المرتد لورتته من المسلمين ، وقال مالك و ربيعة و ابن ليلى و الشافعي و أبو ثور : ميراثه في بيت المال ، وقال ابن شبرمة و أبو يوسف و محمد و الأوزاعي في إحدى الروايتين : ما أكتسبه المرتد بعد الردة فهو لورثته المسلمين ، وقال أبو حنيفة : ما أكتسبه المرتد في حال الردة فهي فيء ، وما كان مكتسباً في حالة الإسلام ثم ارتد يرثه ورثته المسلمون ، وأما ابن شبرمة و أبو يوسف و محمد فلا يفصلون بين الأمرين ، ومطلق قوله عليه السلام : " لا وراثة بين أهل ملتين " ، يدل على بطلان قولهم ، وأجمعوا على أن ورثته من الكفار لا يرثونه ، سوى عمر بن عبد العزيز فإنه قال : يرثونه .


قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي, حدثنا المعتمر بن سليمان عن أبيه, حدثني الحضرمي عن أبي السوار, عن جندب بن عبد الله, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رهطاً, وبعث عليهم أبا عبيدة بن الجراح, فلما ذهب ينطلق بكى صبابة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فحبسه فبعث عليهم مكانه عبد الله بن جحش, وكتب له كتاباً وأمره أن لا يقرأ الكتاب حتى يبلغ مكان كذا وكذا, وقال "لا تكرهن أحداً على السير معك من أصحابك" فلما قرأ الكتاب استرجع, وقال: سمعاً وطاعة لله ولرسوله, فخبرهم الخبر وقرأ عليهم الكتاب, فرجع رجلان وبقي بقيتهم, فلقوا ابن الحضرمي فقتلوه, ولم يدروا أن ذلك اليوم من رجب أو من جمادى, فقال المشركون للمسلمين: قتلتم في الشهر الحرام, فأنزل الله "يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير" الاية, وقال السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح, عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود "يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير" الاية, وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية, وكانوا سبعة نفر عليهم عبد الله بن جحش الأسدي, وفيهم عمار بن ياسر وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة وسعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان السلمي حليف لبني نوفل, وسهيل بن بيضاء وعامر بن فهيرة وواقد بن عبد الله اليربوعي حليف لعمر بن الخطاب, وكتب لابن جحش كتاباً وأمره أن لا يقرأه حتى ينزل بطن ملل فلما نزل بطن ملل فتح الكتاب فإذا فيه أن سر حتى تنزل بطن نخلة فقال لأصحابه: من كان يريد الموت فليمض وليوص, فإنني موص وماض لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم, فسار, فتخلف عنه سعد بن أبي وقاص وعتبة, أضلا راحلة لهما فتخلفا يطلبانها, سار ابن جحش إلى بطن نخلة, فإذا هو بالحكم بن كيسان وعثمان بن عبد الله بن المغيرة, وانفلت وقتل عمرو , قتله واقد بن عبد الله, فكانت أولى غنيمة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, فلما رجعوا إلى المدينة بأسيرين وما أصابوا من المال, أراد أهل مكة أن يفادوا الأسيرين عليه. وقالوا: إن محمداً يزعم أنه يتبع طاعة الله وهو أول من استحل الشهر الحرام وقتل صاحبنا في رجب, فقال المسلمون: إنما قتلناه في جمادى, وقتل في أول ليلة من رجب وآخر ليلة من جمادى, وغمد المسلمون سيوفهم حين دخل شهر رجب, وأنزل الله يعير أهل مكة "يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير" لا يحل وما صنعتم أنتم يا معشر المشركين أكبر من القتل في الشهر الحرام حين كفرتم بالله وصددتم عن محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه, وإخراج أهل المسجد الحرام منه حين أخرجوا محمداً صلى الله عليه وسلم وأصحابه أكبر من القتل عند الله.
وقال العوفي عن ابن عباس "يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير" وذلك أن المشركين صدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وردوه عن المسجد في شهر حرام, قال: ففتح الله على نبيه في شهر حرام من العام المقبل, فعاب المشركون على رسول الله صلى الله عليه وسلم القتال في شهر حرام, فقال الله "وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله" من القتال فيه, وأن محمداً صلى الله عليه وسلم بعث سرية, فلقوا عمرو بن الحضرمي وهو مقبل من الطائف في آخر ليلة من جمادى وأول ليلة من رجب وأن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم, كانوا يظنون أن تلك الليلة من جمادى وكانت أول رجب, ولم يشعروا, فقتله رجل منهم وأخذوا ما كان معه, وإن المشركين أرسلوا يعيرونه بذلك, فقال الله تعالى: "يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه" إخراج أهل المسجد الحرام أكبر من الذي أصاب أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم, والشرك أشد منه, وهكذا روى أبو سعيد البقال عن عكرمة, عن ابن عباس, أنها نزلت في سرية عبد الله بن جحش وقتل عمرو بن الحضرمي, وقال محمد بن إسحاق: حدثني محمد بن السائب الكلبي عن أبي صالح, عن ابن عباس, وقال: نزل فيما كان من مصاب عمرو بن الحضرمي "يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه" إلى آخر الاية, وقال عبد الملك بن هشام راوي السيرة, عن زياد بن عبد الله البكائي, عن محمد بن إسحاق بن يسار المدني رحمه الله, في كتاب السيرة له, إنه قال: وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن جحش بن رباب الأسدي في رجب مقفله من بدر الأولى, وبعث معه ثمانية رهط من المهاجرين ليس فيهم من الأنصار أحد, وكتب له كتاباً وأمره أن لا ينظر فيه حتى يسير يومين, ثم ينظر فيه فيمضي كما أمره به, ولا يستكره من أصحابه أحداً, وكان أصحاب عبد الله بن جحش من المهاجرين, ثم من بني عبد شمس بن عبد مناف أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف, ومن حلفائهم: عبد الله بن جحش, وهو أمير القوم, وعكاشة بن محصن أحد بني أسد بن خزيمة حليف لهم, ومن بني نوفل بن عبد مناف عتبة بن غزوان بن جابر حليف لهم ومن بني زهرة بن كلاب سعد بن أبي وقاص ومن بني كعب عدي بن عامر بن ربيعة, حليف لهم, من غير ابن وائل, وواقد بن عبد الله بن عبد مناف بن عرين بن ثعلبة بن يربوع, أحد بني تميم حليف لهم, وخالد بن البكير أحد بني سعد بن ليث حليف لهم, ومن بني الحارث بن فهر: سهيل بن بيضاء, فلما سار عبد الله بن جحش يومين, فتح الكتاب فنظر فإذا فيه: إذا نظرت في كتابي في هذا, فامض حتى تنزل نخلة بين مكة والطائف ترصد بها قريشاً وتعلم لنا من أخبارهم, فلما نظر عبد الله بن جحش الكتاب, قال: سمعاً وطاعة, ثم قال لأصحابه: قد أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله وسلم, أن امضي إلى نخلة أرصد بها قريشاً حتى آتيه منهم بخبر , وقد نهاني أن أستكره أحداً منكم, فمن كان منكم يريد الشهادة ويرغب فيها فلينطلق, ومن كره ذلك فليرجع, فأما أنا فماض لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم, فمضى معه أصحابه لم يتخلف عنه منهم أحد, فسلك على الحجاز حتى إذا كان بمعدن فوق الفرع يقال له نجران, أضل سعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان بعيراً لهما كانا يتعقبانه فتخلفا عليه في طلبه, ومضى عبد الله بن جحش وبقية أصحابه حتى نزل نخلة, فمرت به عير لقريش تحمل زبيباً وأدماً وتجارة من تجارة قريش, فيها عمرو بن الحضرمي, واسم الحضرمي عبد الله بن عباد أحد الصدف وعثمان بن عبد الله بن المغيرة وأخوه نوفل بن عبد الله المخزوميان والحكم بن كيسان مولى هشام بن المغيرة, فلما رآهم القوم هابوهم, وقد نزلوا قريباً منهم, فأشرف لهم عكاشة بن محصن, وكان قد حلق رأسه, فلما رأوه أمنوا وقالوا: عمار لا بأس عليكم منهم, وتشاور القوم فيهم, وذلك في آخر يوم من رجب, فقال القوم: والله لئن تركتم القوم هذه الليلة ليدخلن الحرم, فليمتنعن منكم, ولئن قتلتموهم لتقتلنهم في الشهر الحرام, فتردد القوم وهابوا الإقدام عليهم, ثم شجعوا أنفسهم عليهم, وأجمعوا قتل من قدروا عليه منهم وأخذ ما معهم, فرمى واقد بن عبد الله التميمي عمرو بن الحضرمي بسهم فقتله, واستأسر عثمان بن عبد الله والحكم بن كيسان, وأفلت القوم نوفل بن عبد الله فأعجزهم, وأقبل عبد الله بن جحش وأصحابه بالعير والأسيرين حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة, قال ابن إسحاق: وقد ذكر بعض آل عبد الله بن جحش أن عبد الله قال لأصحابه: إن لرسول الله صلى الله عليه وسلم مما غنمنا الخمس, وذلك قبل أن يفرض الله الخمس من المغانم, فعزل لرسول الله صلى الله عليه وسلم خمس العير, وقسم سائرها بين أصحابه, قال ابن إسحاق: فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال: "ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام" فوقف العير والأسيرين, وأبى أن يأخذ من ذلك شيئاً, فلما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم, أسقط في أيدي القوم, وظنوا أنهم قد هلكوا, وعنفهم إخوانهم من المسلمين فيما صنعوا, وقالت قريش: قد استحل محمد وأصحابه الشهر الحرام, وسفكوا فيه الدم, وأخذوا فيه الأموال, وأسروا فيه الرجال، فقال من يرد عليه من المسلمين ممن كان بمكة إنما أصابوا ما أصابوا في شعبان وقالت اليهود: تفاءلوا بذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن الحضرمي قتله واقد بن عبد الله, عمرو عمرت الحرب, والحضرمي حضرت الحرب, وواقد بن عبد الله وقدت الحرب, فجعل الله عليهم ذلك لا لهم, فلما أكثر الناس في ذلك أنزل الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل" أي إن كنتم قتلتم في الشهر الحرام, فقد صدوكم عن سبيل الله مع الكفر به, وعن المسجد الحرام وإخراجكم منه وأنتم أهله "أكبر عند الله" من قتل من قتلتم منهم "والفتنة أكبر من القتل" أي قد كانوا يفتنون المسلم في دينه حتى يردوه إلى الكفر بعد إيمانه, فذلك أكبر عند الله من القتل " ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا " أي ثم هم مقيمون على أخبث ذلك وأعظمه, غير تائبين ولا نازعين, قال ابن إسحاق: فلما نزل القرآن بهذا من الأمر وفرج الله عن المسلمين ما كانوا فيه من الشدة, قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله وسلم العير والأسيرين, وبعثت إليه قريش في فداء عثمان بن عبد الله والحكم بن كيسان, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا نفديكموهما حتى يقدم صاحبانا" يعني سعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان, فإنا نخشاكم عليهما, فإن تقتلوهما نقتل صاحبيكم, فقدم سعد وعتبة, ففداهما رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم, فأما الحكم بن كيسان فأسلم وحسن إسلامه, وأقام عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قتل يوم بئر معونة شهيداً, وأما عثمان بن عبد الله فلحق بمكة فمات بها كافراً, قال ابن إسحاق: فلما تجلى عن عبد الله بن جحش وأصحابه ما كان حين نزل القرآن طمعوا في الأجر فقالوا: يا رسول الله, أنطمع أن تكون لنا غزوة نعطى فيها أجر المجاهدين ؟ فأنزل الله عز وجل: "إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم" فوضع الله من ذلك على أعظم الرجاء, قال ابن إسحاق, والحديث في هذا عن الزهري ويزيد بن رومان, عن عروة, وقد روى يونس بن بكير, عن محمد بن إسحاق, عن يزيد بن رومان, عن عروة بن الزبير قريباً من هذا السياق, وروى موسى بن عقبة, عن الزهري نفسه نحو ذلك, وروى شعيب بن أبي حمزة عن الزهري عن عروة بن الزبير نحواً من هذا أيضاً, وفيه فكان ابن الحضرمي أول قتيل قتل بين المسلمين والمشركين, فركب وفد من كفار قريش حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة, فقالوا: أيحل القتال في الشهر الحرام ؟ فأنزل الله "يسألونك عن الشهر الحرام" الاية, وقد استقصى ذلك الحافظ أبو بكر البيهقي في كتاب دلائل النبوة, ثم قال ابن هشام, عن زياد, عن ابن إسحاق: وقد ذكر عن بعض آل عبد الله أن عبد الله قسم الفيء بين أهله, فجعل أربعة أخماسه لمن أفاءه, وخمساً على الله ورسوله, فوقع على ما كان عبد الله بن جحش صنع في تلك العير, قال ابن هشام: وهي أول غنيمة غنمها المسلمون, وعمرو بن الحضرمي أول من قتل المسلمون, وعثمان بن عبد الله والحكم بن كيسان أول من أسر المسلمون, قال ابن إسحاق: فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه في غزوة عبد الله بن جحش, ويقال: بل عبد الله بن حجش قالها حين قالت قريش: قد أحل محمد وأصحابه الشهر الحرام فسفكوا فيه الدم وأخذوا فيه المال وأسروا فيه الرجال, قال ابن هشام: هي لعبد الله بن جحش.
تعدون قتلا في الحرام عظيمة وأعظم منه لو يرى الرشد راشد
صدودكم عما يقول محمد وكفر به والله راء وشاهد
وإخراجكم من مسجد الله أهله لئلا يرى لله في البيت ساجد
فإنا وإن عيرتمونا بقتله وأرجف بالإسلام باغ وحاسد
سقينا من ابن الحضرمي رماحنا بنخلة لما أوقد الحرب واقد
دما وابن عبد الله عثمان بيننا ينازعه غل من القيد عائد
قوله: 217- "قتال فيه" هو بدل اشتمال، قاله سيبويه. ووجهه أن السؤال عن الشهر لم يكن إلا باعتبار ما وقع فيه من القتال. قال الزجاج: المعنى يسألونك عن القتال في الشهر الحرام، وأنشد سيبويه قول الشاعر:
فما كان قيس هلكه هلك واحد ولكنه بنيان قوم تهدما
فقوله هلكه اشتمال من قيس، وقال الفراء: هو مخفوض يعني قوله: "قتال فيه" على نية عن وقال أبو عبيدة: هو مخفوض على الجوار. قال النحاس: لا يجوز أن يعرب الشيء على الجوار في كتاب الله ولا في شيء من الكلام، وإنما وقع في شيء شاذ، وهو قولهم: هذا جحر ضب خرب. وتابع النحاس ابن عطية في تخطئة أبي عبيدة. قال النحاس: ولا يجوز إضمار عن، والقول فيه أند بدل. وقرأ ابن مسعود وعكرمة: " يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه ". وقرأ الأعرج قتال فيه بالرفع. قال النحاس وهو غامض في العربية، والمعنى: يسألونك عن الشهر الحرام جاشز قتال فيه. وقوله: "قل قتال فيه كبير" مبتدأ وخبر: أي القتال فيه أمر كبير مستنكر، والشهر الحرام: المراد به الجنس. وقد كانت العرب لا تسفك دماً ولا تغير على عدو، والأشهر الحرم هي: ذو القعدة، وذو الحجة ومحرم، ورجب، ثلاثة سرد وواحد فرد. وقوله: "وصد عن سبيل الله" مبتدأ. وقوله: "وكفر به" معطوف على صد. وقوله: "والمسجد الحرام" عطف على سبيل الله. وقوله: "وإخراج أهله منه" معطوف أيضاً على صد.. وقوله: "أكبر عند الله" خبر صد وما عطف عليه: أي الصد عن سبيل الله، والكفر به والصد عن المسجد الحرام، وإخراج أهل الحرم منه "أكبر عند الله" أي أعظم إثماً وأشد ذنباً من القتال في الشهر الحرام كذا قال المبرد وغيره، والضمير في قوله: "وكفر به" يعود إلى الله- وقيل: يعود إلى الحج. وقال الفراء: إن قوله: "وصد" عطف على كبير، والمسجد عطف على الضمير في قوله: "وكفر به" فيكون الكلام منتسقاً متصلاً غير منفصل. قال ابن عطية: وذلك خطأ لأن المعنى يسوق إلى أن قوله: "وكفر به" أي بالله عطف أيضاً على كبير، ويجيء من ذلك أن إخراج أهل المسجد منه أكبر من الكفر بالله، وهذا بين فساده. ومعنى الآية على القول الأول الذي ذهب إليه الجمهور: أنكم يا كفار قريش تستعظمون علينا القتال في الشهر الحرام، وما تفعلون أنتم من الصد عن سبيل الله لمن أراد الإسلام ومن الكفر بالله، ومن الصد عن المسجد الحرام، ومن إخراج أهل الحرم منه أكبر جرماً عند الله. والسبب يشهد لهذا المعنى، ويفيد أنه المراد كما سيأتي بيانه، فإن السؤال منهم المذكور في هذه الآية هو سؤال إنكار لما وقع من السرية التي بعثها النبي صلى الله عليه وسلم. والمراد بالفتنة هنا الكفر: أي كفركم أكبر من القتل الواقع من السرية التي بعثها النبي صلى الله عليه وسلم. وقيل: المراد بالفتنة: الإخراج لأهل الحرم منه، وقيل: المراد بالفتنة التي الكفار عليها. وهذا أرجح من الوجهين الأولين، لأن الكفر والإخراج قد سبق ذكرهما وأنهما مع الصد أكبر عند الله من القتال في الشهر الحرام. وقوله: "ولا يزالون" ابتداء كلام يتضمن الإخبار من الله عز وجل للمؤمنين بأن هؤلاء الكفار لا يزالون مستمرين على قتالكم وعداوتكم حتى يردوكم عن الإسلام إلى الكفر إن استطاعوا ذلك وتهيأ لهم منكم، والتقيد بهذا الشرط مشعر باستبعاد تمكنهم من ذلك وقدرتهم عليه، ثم حذر الله سبحانه المؤمنين من الاغترار بالكفار والدخول فيما يريدونه من ردهم عن دينهم الذي هو الغاية لما يريدونه من المقاتلة للمؤمنين فقال: " ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم " إلى آخر الآية والردة: الرجوع عن الإسلام إلى الكفر، والتقييد بقوله: "فيمت وهو كافر" يفيد أن عمل من ارتد إنما يبطل إذا مات على الكفر. وحبط: معناه بطل وفسد، ومنه الحبط وهو فساد يلحق المواشي في بطونها من كثرة أكلها للكلأ فتنتفخ أجوافها، وربما تموت من ذلك، وفي هذه الآية تهديد للمسلمين ليثبتوا على دين الإسلام. ومعنى قوله: "في الدنيا والآخرة" أنه لا يبقى له حكم المسلمين في الدنيا، فلا يأخذ شيئاً مما سيتحقه المسلمون، ولا يظفر بحظ من حظوظ الإسلام، ولا ينال شيئاً من ثواب الآخرة الذي يوجبه الإسلام ويستحقه أهله. وقد اختلف أهل العلم في الردة هل تحبط العمل بمجردها أم لا تحبط إلا بالموت على الكفر، والواجب حمل ما أطلقته الآيات في غير هذا الموضع على ما في هذه الآية من التقييد. وقد تقدم الكلام في معنى الخلود.
217. قوله تعالى.: " يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه " سبب نزول هذه الآية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عبد الله بن جحش، وهو ابن عمةالنبي صلى الله عليه وسلم أخت أبيه في جمادى الآخرة، قبل قتال بدر بشهرين على رأس سبعة عشر شهراً من مقدمه إلى المدينة، وبعث معه ثمانية رهط من المهاجرين: سعد بن أبي وقاص الزهري و عكاشة بن محمص الأسدي و عتبة بن غزوان السلمي و أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة و سهيل بن بيضاء و عامر بن ربيعة وواقد بن عبد الله وخالد بن بكير وكتب لأميرهم عبد الله بن جحش كتاباً وقال له: (( سر على اسم الله ولا تنظر في الكتاب حتى تسير يومين فإذا نزلت فافتح الكتاب واقرأه على أصحابك ثم امض لما أمرتك ولا تستكرهن أحداً من أصحابك على السير معك )) فسار عبد الله يومين ثم نزل وفتح الكتاب فإذا فيه بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد: فسر على بركة الله بمن معك من أصحابك حتى تنزل بطن نخلة فترصد بها عير قريش لعلك تأتينا منها بخبر، فلما نظر في الكتاب قال: سمعاً وطاعة، ثم قال لأصحابه ذلك، وقال إنه نهاني أن أستكره أحداً منكم، فمن كان يريد الشهادة فلينطلق ومن كره فليرجع، ثم مضى ومضى معه أصحابه لم يتخلف عنه منهم أحد حتى كان بمعدن فوق الفرع بموضع من الحجاز يقال له بحران آضل سعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان بعيراً لهما يعتقبانه فتخلفا في طلبه ومضى ببقية أصحابه حتى نزلوا بطن نخلة بين مكة والطائف.
فبينما هم كذلك إذ مرت عير لقريش تحمل زبيباً وادماً وتجارة والطائف، فيهم عمرو بن الحضرمي والحكم بن كيسان مولى هشام بن المغيرة وعثمان بن عبد الله بن المغيرة وأخوه نوفل بن عبد الله المخزوميان فلما رأوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هابوهم، فقال عبد الله بن جحش: إن القوم قد ذعروا منكم فاحلقوا رأس رجل منكم وليتعرض لهم فحلقوا رأس عكاشة ثم أشرف عليهم فقالوا: قوم عمار لا بأس عليكم، فأمنوهم، وكان ذلك في آخر يوم من جمادى الآخرة، وكانوا يرون أنه من جمادى وهو من رجب فتشاور القوم وقالوا لئن تركتموهم الليلة ليدخلن الحرم وليمتنعن منكم، فأجمعوا أمرهم في مواقعة القوم، فرمى واقد بن عبد الله السهمي عمرو بن الحضرمي بسهم فقتله فكان أول قتيل من المشركين[وهو أول قتيل في الهجرة وأدى النبي صلى الله عليه وسلم دية ابن الحضرمي إلى ورثته من قريش. قال مجاهد وغيره لأنه كان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قريش عهد، وادع أهل مكة سنين أن لا يقاتلهم ولا يقاتلوه].
واستأسر الحكم وعثمان فكانا أول أسيرين في الإسلام وأفلت نوفل فأعجزهم، واستاق المؤمنون العير والأسيرين حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، فقالت قريش: قد استحل محمد الشهر الحرام فسفك فيه الدماء وأخذ الحرائب وعير بذلك أهل مكة من كان فيها من المسلمين وقالوا: يا معشر الصباة استحللتم الشهر الحرام وقاتلتم فيه!
وبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لابن جحش وأصحابه: ما أمرتكم بالقتال في الشهر الحرام، ووقف العير والأسيرين، وأبى أن يأخذ شيئاً من ذلك، فعظم ذلك على أصحاب السرية، وظنوا أنهم قد هلكوا وسقط في أيديهم، وقالوا: يا رسول الله إنا قد قتلنا ابن الحضرمي ثم أمسينا فنظرنا إلى هلال رجب فلا ندري أفي رجب أصبناه أم في جمادى؟ وأكثر الناس في ذلك، فأنزل الله تعالى هذه الآية، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم العير فعزل منها الخمس، فكان أول خمس في الإسلام، وقسم الباقي بين أصحاب السرية، وكان أول غنيمة في الإسلام وبعث أهل مكة في فداء أسيرهم فقال (( بل نقفهم حتى يقدم سعد وعقبة وإن لم يقدما قتلناهما بهما )) فلما قدما فاداهما، فأما الحكم بن كيسان فأسلم وأقام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، فقتل يوم بئر معونة شهيداً، وأما عثمان بن عبد الله فرجع إلى مكة فمات بها كافراً وأما نوفل فضرب بطن فرسه يوم الأحزاب ليدخل الخندق فوقع في الخندق مع فرسه فتحطما جميعاً فقتله الله، فطلب المشركون جيفته بالثمن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خذوه فإنه خبيث الجيفة خبيث الدية، فهذا سبب نزول هذه الآية.
قوله تعالى: " يسألونك عن الشهر الحرام " يعني رجباً سمي بذلك لتحريم القتال فيه.
" قتال فيه " أي عن قتال فيه " قل " يا محمد " قتال فيه كبير " عظيم، تم الكلام هاهنا ثم ابتدأ فقال " وصد عن سبيل الله " أي فصدكم المسلميين عن الإسلام " وكفر به " أي كفركم بالله " والمسجد الحرام " أي المسجد الحرام وقيل صدكم عن المسجد الحرام " وإخراج أهله " أي إخراج أهل المسجد " منه أكبر " وأعظم وزراً " عند الله والفتنة " أي الشرك الذي أنتم عليه " أكبر من القتل " أي من قتل ابن الحضرمي في الشهر الحرام، فلما نزلت هذه الآية كتب عبد الله بن أنيس إلى مؤمني مكة إذا عيركم المشركون بالقتال في الشهر الحرام فعيروهم أنتم بالكفر وإخراج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة ومنعهم المسلمين عن البيت الحرام، ثم قال: " ولا يزالون " يعني مشركي مكة، وهو فعل لا مصدر له مثل ما عسى " يقاتلونكم " يا معشر المؤمنين " حتى يردوكم " يصرفوكم " عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت " جزم بالنسق " وهو كافر فأولئك حبطت " بطلت " أعمالهم " حسناتهم " في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون " فقال أصحاب السرية يا رسول الله هل نؤجر على وجهنا هذا، وهل نطمع أن يكون سفرنا هذا غزواً؟
217-" يسألونك عن الشهر الحرام " روي أنه عليه الصلاة والسلام " بعث عبد الله بن جحش ابن عمته على سرية في جمادى الآخرة ـ قبل بدر بشهرين ـ ليترصد عيراً لقريش فيها عمرو بن عبد الله الحضرمي وثلاثة معه ، فقتلوه وأسروا اثنين واستأنفوا العير وفيها من تجارة الطائف ، وكان ذلك غرة رجب وهم بظنونه من جمادى الآخرة ، فقالت قريش استحل محمد الشهر الحرام شهراً يأمن فيه الخائف ،وينذعر فيه الناس إلى معايشهم . وشق ذلك على أصحاب السرية وقالوا ما نبرح حتى تنزل توبتنا ،ورد رسول الله صلى الله عليه وسلم العير والأسارى ". وعن ابن عباس رضي الله عنهما " لما نزلت أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الغنيمة وهي أول غنيمة في الإسلام " والسائلون هم المشركون كتبوا إليه في ذلك تشنيعاً وتعييراً وقيل أصحاب السرية . " قتال فيه " بدل اشتمال من الشهر الحرام . وقرئ عن قتال بتكرير العامل . " قل قتال فيه كبير " أي ذنب كبير ، والأكثر أنه منسوخ بقوله تعالى : " فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم " خلافاً لعطاء وهو نسخ الخاص بالعام وفيه خلاف ، والأولى منع دلالة الآية على حرمة القتال في الشهر الحرام مطلقاً فإن قتال فيه نكرة في حيز مثبت فلا يعم . " وصد " صرف ومنع . " عن سبيل الله " أي الإسلام ،أو ما يوصل العبد إلى الله سبحانه وتعالى من الطاعات ز " وكفر به " أي بالله " والمسجد الحرام " على إرادة المضاف أي وصد والمسجد الحرام كقول أبي دؤاد :
‌‌ أكل امرئ تحسبين امرأ ونار توقد بالليل نارا
ولا يحسن عطفه على " سبيل الله " لأن عطف قوله : " وكفر به " على " وصد " مانع منه إذ لا يتقدم العطف على الموصول على العطف على الصلة ولا على الهاء في " به " ، فإن العطف على الضمير المجرور إنما يكون بإعادة الجار . " وإخراج أهله منه " أهل المسجد الحرام وهم النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنون . " أكبر عند الله " مما فعلته السرية خطأ وبناء على الظن ،وهو خبر عن الأشياء الأربعة المعدودة من كبائر قريش . وأفعل مما يستوي فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث . " والفتنة أكبر من القتل " أي ما ترتكبونه من الإخراج والشرك أفظع مما ارتكبوه من قتلى الحضرمي . " ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم " إخبار عن دوام عداوة الكفار لهم وإنهم لا ينفكون عنها حتى يردوهم عن دينهم ، وحتى للتعليل كقولك أعبد الله حتى أدخل الجنة . " إن استطاعوا " وهو استبعاد لاستطاعتهم كقول الواثق بقوته : على قرنه إن ظفرت بي فلا تبق علي ، وإيذان بأنهم لا يردونهم . " ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم " قيد الردة بالموت عليها في إحباط الأعمال كما هو مذهب الشافعي رحمه الله تعالى ، والمراد بها الأعمال النافعة . وقرئ " حبطت " بالفتح وهي لغة فيه . " في الدنيا " لبطلان ما تخيلوه وفوات ما للإسلام من الفوائد الدنيوية . " والآخرة " بسقوط الثواب . " وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون " كسائر الكفرة .
217. They question thee (O Muhammad) with regard to warfare in the sacred month. Say: Warfare therein is a great (transgression), but to turn (men) from the way of Allah, and to disbelieve in Him and in the Inviolable Place of Worship, and to expel his people thence, is a greater with Allah; for persecution is worse than killing. And they will not cease from fighting against you till they have made you renegades from your religion, if they can. And whoso becometh a renegade and dieth in his disbelief: such are they whose works have fallen both in the world and the Hereafter. Such are rightful owners of the Fire: they will abide there in.
217 - They ask thee concerning fighting in the prohibited month. say: fighting therein is a grave (offence); but graver is it in the sight of God to prevent access to the sacred mosque, and drive out its members. tumult and oppression are worse than slaughter. nor will they cease fighting you until they turn you back from your faith if they can. and if any of you turn back from their faith and die in unbelief, their works will bear no fruit in this life and in the hereafter; they will be companion of the fire and will abide therein.