[البقرة : 20] يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاء لَهُم مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَاء اللّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
(يكاد) يقرب (البرق يخطف أبصارهم) يأخذها بسرعة (كلما أضاء لهم مشوا فيه) أي في ضوئه (وإذا أظلم عليهم قاموا) وقفوا ، تمثيل لإزعاج ما في القرآن من الحجج قلوبهم وتصديقهم لما سمعوا فيه مما يحبون ووقوفهم عما يكرهون (ولو شاء الله لذهب بسمعهم) بمعنى أسماعهم (وأبصارهم) الظاهرة كما ذهب بالباطنة (إن الله على كل شيء) شاءه (قدير) ومثله إذهاب ما ذكر
" يكاد البرق يخطف أبصارهم كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم إن الله على كل شيء قدير"
قوله تعالى : "يكاد البرق يخطف أبصارهم كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم إن الله على كل شيء قدير" .
قوله تعالى :"يكاد البرق يخطف أبصارهم" يكاد معناه يقارب ، يقال : كاد يفعل كذا إذا قارب ولم يفعل . ويجوز في غير القرآن : يكاد أن يفعل ، كما قال رؤبة :
قد كاد من طول البلى أن يمصحا
مشتق من المصح وهو الدرس . والأجود أن تكون بغير أن ، لأنها لمقاربة الحال ، و أن تصرف الكلام إلى الاستقبال ،وهذا متناف ، قال الله عز وجل :"يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار" . ومن كلام العرب : كاد النعام يطير ، وكاد العروس يكون أميراً ، لقربهما من تلك الحال . وكاد فعل متصرف على فعل يفعل . وقد جاء خبره بالإسم وهو قليل ، قال : وما كدت آئبا . ويجري مجرى كاد كرب وجعل وقارب وطفق ، في كون خبرها بغير أن ، قال الله عز وجل : "وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة" لأنها كلها بمعنى الحال والمقاربة ، والحال لا يكون معها أن ، فأعلم .
قوله تعالى :"يخطف أبصارهم" الخطف : الأخذ بسرعة ، ومنه سمي الطير خطافاً لسرعته . فمن جعل القرآن مثلا للتخويف فالمعنى أن خوفهم مما ينزل بهم يكاد يذهب أبصارهم . ومن جعله مثلاً للبيان الذي في القرآن فالمعنى أنهم جاءهم من البيان ما بهرهم . ويخطف ويخطف لغتان قرىء بهما . وقد خطفه ( بالكسر ) يخطفه خطفاً ، وهي اللغة الجيدة ،واللغة الأخرى حكاها الأخفش : خطف يخطف . الجوهري : وهي قليلة ردئية لا تكاد تعرف . وقد قرأ بها يونس في قوله تعالى : "يكاد البرق يخطف أبصارهم" . وقال النحاس : في يخطف سبعة أوجه ، القراءة الفصيحة : يخطف . وقرأ علي بن الحسن ويحيى بن وثاب : يخطف بكسر الطاء ، قال سعيد الأخفش : هي لغة . وقرأ الحسن و قتادة و عاصم الجحدريو أبو رجاء العطاردي بفتح الياء وكسر الخاء والطاء . وروي عن الحسن أيضاً أنه قرأ بفتح الخاء . قال الفراء : وقرأ بعض أهل المدينة بإسكان الخاء وتشديد الطاء . قال الكسائي و الأخفش و الفراء : يجوز يخطف بكسر الياء والخاء والطاء . فهذه ستة أوجه موافقة للخط . والسابعة حكاها عبد الوارث قال : رأيت في مصحف ابي بن كعب يتخطف ، وزعم سيبويه و الكسائي أن من قرأ يخطف بكسر الخاء والطاء فالأصل عنده يتخطف ، ثم أدغم التاء في الطاء فالتقى ساكنان فكسرت الخاء لالتقاء الساكنين . قال سيبويه : ومن فتح الخاء ألقى حركة التاء عليها . وقال الكسائي : ومن كسر اليا فلأن الألف في اختطف مكسورة . فأما ما حكاه الفراء عن أهل المدينة من إسكان الخاء والإدغام فلا يعرف ولا يجوز ، لأنه جمع بين ساكنين . قاله النحاس وغيره .
قلت : وروي عن الحسن أيضاً و أبي رجاء يخطف . قال ابن مجاهد : وأظنه غلطا ، واستدل على ذلك بأن "خطف الخطفة" لم يقرأه أحد بالفتح .
"أبصارهم" جمع بصر ، وهي حاسة الرؤية . والمعنى : تكاد حجج القرآن وبراهينه الساطعة تبهرهم . ومن جعل البرق مثلا للتخويف فالمعنى أن خوفهم مما ينزل بهم يكاد يذهب أبصارهم .
قوله تعالى : "كلما أضاء لهم مشوا فيه" كلما منصوب لأنه ظرف . وإذا كان كلما بمعنى إذا فهي موصولة والعامل فيه مشوا وهو جوابه ، ولا يعمل فيه أضاء ، لأنه في صلة ما . والمفعول في قول المبرد محذوف ، التقدير عنده : كلما أضاء لهم البرق الطريق . وقيل : يجوز أن يكون فعل وأفعل بمعنى ، كسكت وأسكت ، فيكون اضاء وضاء سواء فلا يحتاج الى تقدير حذف مفعول . قال الفراء : يقال ضاء وأضاء ، وقد تقدم . والمعنى أنهم كلما سمعوا القرآن وظهرت لهم الحجج أنسوا ومشوا معه ، فإذا نزل من القرآن ما يعمون فيه ويضلون به أو يكلفونه قاموا ، أي ثبتوا على نفاقهم ، وعن ابن عباس . وقيل : المعنى كلما صلحت أحوالهم في زروعهم ومواشيهم وتوالت النعم قالوا : دين محمد دين مبارك ، وإذا نزلت بهم مصيبة وأصابتهم شدة سخطوا وثبتوا في نفاقهم ، عن ابن مسعود و قتادة . قال النحاس : وهذا قول حسن ، ويدل على صحته : "ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه" . وقال علماء الصوفية : هذا مثل ضربه الله تعالى لمن لم تصح له أحوال الإرادة بدءاً ، فارتقى من تلك الأحوال بالدعاوى إلى أحوال الأكابر ، كأن تضيء عليه أحوال الإرادة لو صححها بملازمة آدابها ، فلما مزجها بالدعاوى أذهب الله عنه تلك الأنوار وبقي في ظلمات دعاوية لا يبصر طريق الخروج منها . وروي عن ابن عباس أن المراد اليهود ، لما نصر النبي صلى الله عليه وسلم ببدر طمعوا وقالوا : هذا والله النبي الذي بشرنا به موسى لا ترد له راية ، فلما نكب بأحد ارتدوا وشكوا ، وهذا ضعيف . والآية في المنافقين ، وهذا أصح عن ابن عباس ، والمعنى يتناول الجميع .
قوله تعالى : "ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم" لو حرف تمن وفيه معنى الجزاء ، وجوابه اللام . والمعنى : ولو شاء الله لأطلع المؤمنين عليهم فذهب منهم عز الإسلام بالاستيلاء عليهم وقتلهم وإخراجهم من بينهم . وخص السمع والبصر لتقدم ذكرهما في الآية أولاً ، أو لأنهما أشرف ما في الإنسان . وقريء بأسماعهم على الجميع ، وقد تقدم الكلام في هذا .
قوله تعالى : "إن الله على كل شيء قدير" عموم ، ومعناه عند المتكلمين فيما يجوز وصفه تعالى بالقدرة عليه . وأجمعت الأمة على تسمية الله تعالى بالقدير ، فهو سبحانه قدير قادر مقتدر . والقدير أبلغ في الوصف من القادر ، قاله الزجاجي . وقال الهروي : والقدير والقادر بمعنىً واحد ، يقال : قدرت على الشيء أقدر قدراً وقدراً ومقدرة ومقدرة وقدراناً ، أي قدرة . والاقتدار على الشيء : القدرة عليه . فالله جل وعز وقدراً مقتدر قدير على كل ممكن يقبل الوجود والعدم . فيجب على كل مكلف أن يعلم أن الله تعالى قادر ، له قدرة بها فعل ويفعل ما يشاء على وفق علمه واختياره . ويجب عليه أيضاً أن يعلم ان للعبد قدرة يكتسب بها ما أقدره الله تعالى عليه على مجرى العادة ، وأنه غير مستبد بقدرته . وإنما خص هنا تعالى صفته التي هي القدرة بالذكر دون غيرها ، لأنه تقدم ذكر فعل مضمنه الوعيد والأخافة ، فكان ذكر القدرة مناسباً لذلك . والله أعلم .
فهذه عشرون آية على عدد الكوفيين ، أربع آيات في وصف المؤمنين ، ثم تليها آيتان في ذكر الكافرين ، وبقيتها في المنافقين . وقد تقدمت الرواية فيها عن ابن جريج ، وقاله مجاهد أيضاً .

هذا مثل آخر ضربه الله تعالى لضرب آخر من المنافقين وهم يظهر لهم الحق تارة ويشكون تارة أخرى فقلوبهم في حال شكهم وكفرهم وترددهم "كصيب"، والصيب المطر، قال ابن مسعود وابن عباس وناس من الصحابة وأبو العالية ومجاهد وسعيد بن جبير وعطاء والحسن البصري وقتادة وعطية العوفي وعطاء الخراساني والسدي والربيع بن أنس، وقال الضحاك: هو السحاب، والأشهر هو المطر نزل من السماء في حال ظلمات، وهي الشكوك والكفر والنفاق ورعد وهو ما يزعج القلوب من الخوف، فإن من شأن المنافقين الخوف الشديد والفزع كما قال تعالى: "يحسبون كل صيحة عليهم" وقال: " ويحلفون بالله إنهم لمنكم وما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون * لو يجدون ملجأ أو مغارات أو مدخلا لولوا إليه وهم يجمحون " " البرق " هو ما يلمح في قلوب هؤلاء الضرب من المنافقين في بعض الأحيان من نور الإيمان ولهذا قال "يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين" أي ولا يجدي عنهم حذرهم شيئاً لأن الله محيط بقدرته وهم تحت مشيئته وإرادته كما قال : " هل أتاك حديث الجنود * فرعون وثمود * بل الذين كفروا في تكذيب * والله من ورائهم محيط " بهم ثم قال: "يكاد البرق يخطف أبصارهم" أي لشدته وقوته في نفسه، وضعف بصائرهم وعدم ثباتها للإيمان، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس "يكاد البرق يخطف أبصارهم" يقول يكاد محكم القرآن يدل على عورات المنافقين وقال ابن إسحاق حدثني محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس "يكاد البرق يخطف أبصارهم" أي لشدة ضوء الحق كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا أي كلما ظهر لهم من الإيمان شيء استأنسوا به واتبعوه وتارة تعرض لهم الشكوك أظلمت قلوبهم فوقفوا حائرين. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس كلما أضاء لهم مشوا فيه يقول كلما أصاب المنافقين من عز الإسلام اطمأنوا إليه وإذا أصاب الإسلام نكبة قاموا ليرجعوا إلى الكفر كقوله تعالى "ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به" وقال محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس "كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا" أي يعرفون الحق ويتكلمون به، فهم من قولهم به على استقامة فإذا ارتكسوا منه إلى الكفر قاموا أي متحيرين، وهكذا قال أبو العالية والحسن البصري وقتادة والربيع بن أنس والسدي بسنده عن الصحابة وهو أصح وأظهر والله أعلم، وهكذا يكونون يوم القيامة عندما يعطى الناس النور بحسب إيمانهم، فمنهم من يعطى من النور ما يضيء له مسيرة فراسخ وأكثر من ذلك وأقل من ذلك، ومنهم من يطفأ نوره تارة ويضيء أخرى، فيمشي على الصراط تارة ويقف أخرى، ومنهم من يطفأ نوره بالكلية وهم الخلص من المنافقين الذين قال تعالى فيهم "يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نوراً" وقال في حق المؤمنين "يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار" الاية، وقال تعالى: "يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير".
ذكر الحديث الوارد في ذلك
قال سعيد بن أبي عروبة عن قتادة في قوله تعالى: "يوم ترى المؤمنين والمؤمنات" الاية، ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول من المؤمنين من يضيء نوره من المدينة إلى عدن أو بين صنعاء ودون ذلك حتى إن من المؤمنين من لا يضيء نوره إلا موضع قدميه، رواه ابن جرير ورواه ابن أبي حاتم من حديث عمران بن داور القطان عن قتادة بنحوه، وهذا كما قال المنهال بن عمرو عن قيس بن السكن عن عبد الله بن مسعود قال: يؤتون نورهم على قدر أعمالهم فمنهم من يؤتى نوره كالنخلة ومنهم من يؤتى نوره كالرجل القائم وأدناهم نوراً على إبهامه يطفأ مرة ويتقد مرة، وهكذا رواه ابن جرير عن ابن مثنى عن ابن إدريس عن أبيه عن المنهال وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا محمد بن علي بن محمد الطنافسي حدثنا ابن إدريس سمعت أبي يذكر عن المنهال بن عمرو عن قيس بن السكن عن عبد الله بن مسعود "نورهم يسعى بين أيديهم" قال على قدر أعمالهم يمرون على الصراط منهم من نوره مثل الجبل ومنهم من نوره مثل النخلة وأدناهم نوراً من نوره في إبهامه يتقد مرة ويطفأ أخرى، وقال ابن أبي حاتم أيضاً حدثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي حدثنا أبو يحيى الحماني حدثنا عتبة بن اليقظان عن عكرمة عن ابن عباس قال: ليس أحد من أهل التوحيد إلا يعطى نوراً يوم القيامة، فأما المنافق فيطفأ نوره فالمؤمن مشفق مما يرى من إطفاء نور المنافقين، فهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا، وقال الضحاك بن مزاحم يعطى كل من كان يظهر الإيمان في الدنيا يوم القيامة نوراً فإذا انتهى إلى الصراط طفئ نور المنافقين فلما رأى ذلك المؤمنون أشفقوا فقالوا ربنا أتمم لنا نورنا.
فإذا تقرر هذا صار الناس أقساماً، مؤمنون خلص وهم الموصوفون بالايات الأربع في أول البقرة وكفار خلص وهم الموصوفون بالايتين بعدها ومنافقون وهم قسمان: خلص وهم المضروب لهم المثل الناري، ومنافقون يترددون تارة يظهر لهم لمع الإيمان وتارة يخبو وهم أصحاب المثل المائي وهم أخف حالاً من الذين قبلهم، وهذا المقام يشبه من بعض الوجوه ما ذكر في سورة النور من ضرب مثل المؤمن وما جعل الله في قلبه من الهدى والنور بالمصباح في الزجاجة التي كأنها كوكب دري وهي قلب المؤمن المفطور على الإيمان واستمداده من الشريعة الخالصة الصافية الواصلة إليه من غير كدر ولا تخليط كما سيأتي تقريره في موضعه إن شاء الله، ثم ضرب مثل العباد من الكفار الذين يعتقدون أنهم على شيء وليسوا على شيء، وهم أصحاب الجهل المركب في قوله تعالى "والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً" الاية، ثم ضرب مثل الكفار الجهال الجهل البسيط وهم الذين قال تعالى فيهم "أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور" فقسم الكفار ههنا إلى قسمين : داعية ومقلد، كما ذكرهما في أول سورة الحج "ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ويتبع كل شيطان مريد" وقال "ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير" وقد قسم الله المؤمنين في أول الواقعة وفي آخرها، وفي سورة الإنسان إلى قسمين: سابقون وهم المقربون وأصحاب يمين وهم الأبرار.
فتلخص من مجموع هذه الايات الكريمات أن المؤمنين صنفان: مقربون وأبرار، وأن الكافرين صنفان : دعاة ومقلدون ، وأن المنافقين أيضاً صنفان: منافق خالص، ومنافق فيه شعبة من نفاق، كما جاء في الصحيحين عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم "ثلاث من كن فيه كان منافقاً خالصاً ومن كانت فيه واحدة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها : من إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا ائتمن خان" استدلوا به على أن الإنسان قد تكون فيه شعبة من إيمان وشعبة من نفاق. إما عملي لهذا الحديث أو اعتقادي كما دلت عليه الاية كما ذهب عليه طائفة من السلف وبعض العلماء كما تقدم وكما سيأتي إن شاء الله. قال الإمام أحمد حدثنا أبو النضر حدثنا أبو معاوية يعني شيبان عن ليث عن عمرو بن مرة عن أبي البختري عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "القلوب أربعة: قلب أجرد فيه مثل السراج يزهر ، وقلب أغلف مربوط على غلافه، وقلب منكوس، وقلب مصفح، فأما القلب الأجرد فقلب المؤمن فسراجه فيه نوره وأما القلب الأغلف فقلب الكافر وأما القلب المنكوس فقلب المنافق الخالص عرف ثم أنكر وأما القلب المصفح فقلب فيه إيمان ونفاق، ومثل الإيمان فيه كمثل البقلة يمدها الماء الطيب ومثل النفاق فيه كمثل القرحة يمدها القيح والدم فأي المادتين غلبت على الأخرى غلبت عليه" وهذا إسناد جيد حسن.
وقوله تعالى: "ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم إن الله على كل شيء قدير" قال محمد بن إسحاق حدثني محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى: "ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم" قال لما تركوا من الحق بعد معرفته "إن الله على كل شيء قدير" قال ابن عباس أي إن الله على كل ما أراد بعباده من نقمة أو عفو قدير وقال ابن جرير: إنما وصف الله تعالى نفسه بالقدرة على كل شيء في هذا الموضع لأنه حذر المنافقين بأسه وسطوته وأخبرهم أنه بهم محيط ، وعلى إذهاب أسماعهم وأبصارهم قدير. ومعنى قدير قادر كما معنى عليم عالم، وذهب ابن جرير ومن تبعه من كثير من المفسرين إلى أن هذين المثلين مضروبان لصنف واحد من المنافقين وتكون أو ، في قوله تعالى: "أو كصيب من السماء" بمعنى الواو كقوله تعالى "ولا تطع منهم آثماً أو كفوراً" أو تكون للتخيير أي اضرب لهم مثلاً بهذا وإن شئت بهذا، قال القرطبي: أو للتساوي مثل جالس الحسن أو ابن سيرين على ما وجهه الزمخشري أن كلاً منهما مساو للاخر في إباحة الجلوس إليه ويكن معناه على قوله سواء ضربت لهم مثلاً بهذا أو بهذا فهو مطابق لحالهم (قلت) وهذا يكون باعتبار جنس المنافقين فإنهم أصناف ولهم أحوال وصفات كما ذكرها الله تعالى في سورة براءة ـ ومنهم ـ ومنهم ـ ومنهم ـ يذكر أحوالهم وصفاتهم وما يعتمدونه من الأفعال والأقوال، فجعل هذين المثلين لصنفين منهم أشد مطابقة لأحوالهم وصفاتهم، والله أعلم، كما ضرب المثلين في سورة النور لصنفي الكفار الدعاة والمقلدين في قوله تعالى "والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة" إلى أن قال "أو كظلمات في بحر لجي" الاية: فالأول للدعاة الذين هم في جهل مركب، والثاني لذوي الجهل البسيط من الأتباع المقلدين، والله أعلم بالصواب.
وقوله: 20- "يكاد البرق يخطف أبصارهم" جملة مستأنفة كأنه قيل: فكيف حالهم مع ذلك البرق؟ ويكاد: يقارب. والخطف: الأخذ بسرعة، ومنه سمي الطير خطافاً لسرعته. وقرأ مجاهد "يخطف" بكسر الطاء والفتح أفصح. وقوله: "كلما أضاء لهم مشوا فيه" كلام مستأنف كأنه قيل: كيف تصنعون في تارتي خفوق البرق وسكونه، وهو تمثيل لشدة الأمر على المنافقين بشدته على أهل الصيب "ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم" بالزيادة في الرعد والبرق "إن الله على كل شيء قدير" وهذا من جملة مقدوراته سبحانه. وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: "أو كصيب" هو المطر ضرب مثله في القرآن "فيه ظلمات" يقول ابتلاء "ورعد وبرق" تخويف "يكاد البرق يخطف أبصارهم" يقول: يكاد محكم القرآن يدل على عورات المنافقين "كلما أضاء لهم مشوا فيه" يقول: كلما أصاب المنافقون من الإسلام عزاً اطمأنوا، فإن أصاب الإسلام نكبة قاموا ليرجعوا إلى الكفر كقوله: "ومن الناس من يعبد الله على حرف" الآية. وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود وناس من الصحابة قالوا: كان رجلان من المنافقين من أهل المدينة هرباً من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين، فأصابهما هذا المطر الذي ذكر الله فيه رعد شديد وصواعق وبرق، فجعلا كلما أصابهما الصواعق يجعلان أصابعهما في آذانهما من الفرق أن تدخل الصواعق في مسامعهما فتقتلهما، وإذا لمع البرق مشيا في ضوئه وإذا لم يلمع لم يبصرا قاما مكانهما لا يمشيان فجعلا يقولان: ليتنا قد أصبحنا فنأتي محمداً فنضع أيدينا في يده، فأصبحا فأتياه فأسلما ووضعا أيديهما في يده وحسن إسلامهما فضرب الله شأن هذين المنافقين الخارجين مثلاً للمنافقين الذين بالمدينة، وكان المنافقون إذا حضروا مجلس النبي صلى الله عليه وسلم جعلوا أصابعهم في آذانهم فرقاً من كلام النبي صلى الله عليه وسلم أن ينزل فيهم شيء أو يذكروا بشيء فيقتلوا، كما كان ذلك المنافقان الخارجان يجعلان أصابعهما في آذانهما، وإذا أضاء لهم مشوا فيه: أي فإذا كثرت أموالهم وأولادهم وأصابوا غنيمة وفتحاً مشوا فيه وقالوا: إن دين محمد صلى الله عليه وسلم حينئذ صدق واستقاموا عليه، كما كان ذانك المنافقان يمشيان إذا أضاء لهم البرق، وإذا أظلم عليهم قاموا فكانوا إذا هلكت أموالهم وأولادهم وأصابهم البلاء قالوا: هذا من أجل دين محمد صلى الله عليه وسلم، وارتدوا كفراً كما قام المنافقان حين أظلم البرق عليهما. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: "أو كصيب" قال: هو المطر وهو مثل للمنافق في ضوئه يتكلم بما معه من كتاب الله مراءاة الناس، فإذا خلا وحده عمل بغيره فهو في ظلمة ما أقام على ذلك. وأما الظلمات: فالضلالات. وأما البرق: فالإيمان، وهم أهل الكتاب، وإذا أظلم عليهم: فهو رجل يأخذ بطرف الحق لا يستطيع أن يجاوزه. وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس أيضاً نحو ما سلف. وقد روي تفسيره بنحو ذلك عن جماعة من التابعين.
واعلم أن المنافقين أصناف، فمنهم من يظهر الإسلام ويبطن الكفر، ومنهم من قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم كما ثبت في الصحيحين وغيرهما: "ثلاث من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه واحدة منهن كان فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: من إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان" وورد بلفظ أربع وزاد "وإذا خاصم فجر". وورد بلفظ "وإذا عاهد غدر". وقد ذكر ابن جرير ومن تبعه من المفسرين أن هذين المثلين لصنف واحد من المنافقين.
20. " يكاد البرق " أي يقرب، يقال: كاد يفعل إذا قرب ولم يفعل " يخطف أبصارهم " يختلسها والخطف استلاب بسرعة " كلما " كل حرف جملة ضم إلى ما الجزاء فصار أداة للتكرار ومعناهما متى ما " أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا " أي وقفوا متحيرين، فالله تعالى شبههم في كفرهم ونفاقهم بقوم كانوا في مفازة في ليلة مظلمة أصابهم مطر فيه ظلمات من صفتها أن الساري (لا يمكنه) المشي فيها، ورعد من صفته أن يضم السامعون
أصابعهم إلى آذانهم من هوله، وبرق من صفته أن يقرب من أن يخطف أبصارهم ويعميها من شدة توقده، فهذا مثل ضربه الله للقرآن وصنيع الكافرين والمنافقين معه، فالمطر القرآن لأنه حياة الجنان كما أن المطر حياة الأبدان، والظلمات ما في القرآن من ذكر الكفر والشرك، والرعد ما خوفوا به من الوعيد، وذكر النار والبرق ما فيه من الهدى والبيان والوعد وذكر الجنة. والكافرون يسدون آذانهم عند قراءة القرآن مخافة ميل القلب إليه لأن الإيمان عندهم كفر والكفر موت " يكاد البرق يخطف أبصارهم " أي القرآن يبهر قلوبهم. وقيل هذا مثل ضربه الله للإسلام فالمطر الإسلام والظلمات ما فيه من البلاء والمحن، والرعد: ما فيه من الوعيد والمخاوف في الآخرة، والبرق ما فيه من الوعد والوعيد " يجعلون أصابعهم في آذانهم " يعني أن المنافقين إذا رأوا في الإسلام بلاء وشدة هربوا حذراً من الهلاك" والله محيط بالكافرين " جامعهم يعني لا ينفعهم هربهم لأن الله تعالى من ورائهم يجمعهم فيعذبهم. يكاد البرق يعنى دلائل الإسلام تزعجهم إلى النظر لولا ما سبق لهم من الشقاوة.
" كلما أضاء لهم مشوا فيه " يعني أن المنافقين إذا أظهروا كلمة الإيمان آمنوا فإذا ماتوا عادوا إلى الظلمة. وقيل معناه كلما نالواغنيمة وراحة في الإسلام ثبتوا وقالوا إنا معكم " وإذا أظلم عليهم قاموا " يعني: رأوا شدة وبلاء تأخروا وقاموا أي وقفوا كما قال تعالى " ومن الناس من يعبد الله على حرف " (11-الحج) " ولو شاء الله لذهب بسمعهم " أي بأسماعهم " وأبصارهم " الظاهرة كما ذهب بأسماعهم وأبصارهم الباطنة، وقيل لذهب بما استفادوا من العز والأمان الذي لهم بمنزلة السمع والبصر.
" إن الله على كل شيء قدير ": قادر. قرأ عامر وحمزة شاء وجاء حيث كان بالإمالة.


20-" يكاد البرق يخطف أبصارهم " استئناف ثان كأنه جواب لمن يقول : ما حالهم مع تلك الصواعق ؟ وكاد من أفعال المقاربة ، وضعت لمقاربة الخبر من الوجود لعروض سببه لكنه لم يوجد ، إما لفقد شرط ، أو لوجود مانع وعسى موضوعة لرجائه ، فهي خير محض ولذلك جاءت متصرفة بخلاف عسى ، وخبرها مشروط فيه أن يكون فعلاً مضارعاً تنبيهاً على أنه المقصود بالقرب من غير أن ، لتوكيد القرب بالدلالة على الحال ، وقد تدخل عليه حملاً لها على عسى ، كما تحمل عليها بالحذف من خبرها لمشاركتهما في أصل معنى المقاربة . والخطف الأخذ بسرعة وقرئ ( يخطف ) بكسر الطاء ويخطف على أنه يختطف ، فنقلب فتحة التاء إلى الخاء ثم أدغمت في الطاء ، ويخطف بكسر الخاء لالتقاء الساكنين وإتباع الياء لها ، ويخطف ويتخطف .
" كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا " استئناف ثالث كأنه قيل : ما يفعلون في تارتي خفوق البرق ، وخفيته ؟ فأجيب بذلك . وأضاء إما متعد والمفعول محذوف بمعنى كلما نور لهم ممشى أخذوه ، أو لازم بمعنى ، كلما لمع مشوا في مطرح نوره ، وكذلك أظلم فإنه جاء متعدياً منقولاً من ظلم الليل ، ويشهد له قراءة أظلم على البناء للمفعول ، و قول أبي تمام :
هما أظلما حالي ثمة أجليا ظلاميهما عن وجه أمرد أشيب
فإنه وإن كان من المحدثين لكنه من علماء العربية ، فلا يبعد أن يجعل ما يقوله بمنزلة ما يرويه . وإنما قال مع الإضاءة " كلما " ومع الإظلام " إذا " لأنهم حراص على المشي ، فكلما صادفوا منه فرصة انتهزوها ولا كذلك التوقف . ومعنى ( قاموا ) وقفوا ، ومنه قامت السوق إذا ركدت ، وقام الماء إذا جمد . " ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم " أي ولو شاء الله أن يذهب بسمعهم بقصيف الرعد وأبصارهم بوميض البرق لذهب بهما فحذف المفعول لدلالة الجواب عليه ، ولقد تكاثر حذفه في شاء وأراد حتى لا يكاد يذكر إلا في الشئ المستغرب كقوله :
فلو شئت أن أبكي دما لبكيته
( ولو ) من حروف الشرط ، وظاهرها الدلالة على انتفاء الأول لانتفاء الثاني ، ضرورة انتفاء الملزوم عند لازمه ، وقرئ : لأذهب بأسماعهم ، بزيادة الباء كقوله تعالى : " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " .
وفائدة هذه الشرطية إبداء المانع لذهاب سمعهم وأبصارهم مع قيام ما يقتضيه ، والتنبيه على أن تأثير الأسباب في مسبباتها مشروط بمشيئة الله تعالى ، وأن وجودها مرتبط بأسبابها واقع بقدرته وقوله .
" إن الله على كل شيء قدير " كالتصريح به والتقرير له . والشئ يختص ، بالموجود ، لأنه في الأصل مصدر شاء أطلق بمعنى شاء تارة ، وحينئذ يتناول البارئ تعالى كما قال " قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد " وبمعنى مشيء أخرى ، أي مشيء وجوده وما شاء الله وجوده فهو موجود في الجملة وعليه قوله تعالى : " إن الله على كل شيء قدير " . " الله خالق كل شيء " فهما على عمومهما بلا مثنوية . والمعتزلة لما قالوا الشئ ما يصح أن يوجد وهو يعم الواجب والممكن ، أو ما يصح أن يعلم ويخبر عنه فيعم الممتنع أيضاً ، لزمهم التخصيص بالممكن في الموضعين بدليل العقل .
والقدرة : هو التمكن من إيجاد الشئ . وقيل صفة تقتضي التمكن ، وقيل قدرة الإنسان هيئة بها يتمكن من الفعل وقدرة الله تعالى : عبارة عن نفي العجز عنه ، والقادر هو الذي إن شاء فعل وإن لم يشأ لم يفعل ، والقدير الفعال لما يشاء على ما يشاء ولذلك قلما يوصف به غير الباري تعالى ، واشتقاق القدرة من القدر لأن القادر يوقع الفعل على مقدار قوته ، أو على مقدار ما تقتضيه مشيئته . وفيه دليل على أن الحادث حال حدوثه والممكن حال بقائه مقدوران وأن مقدور العبد مقدور لله تعالى ، لأنه شئ وكل شئ مقدور لله تعالى . والظاهر أن التمثيلين من جملة التمثيلات المؤلفة ، وهو أن يشبه كيفية منتزعة من مجموعة تضامت أجزاؤه وتلاصقت حتى صارت شيئاً واحداً بأخرى مثلها ، كقوله تعالى : " مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها " ، فإنه تشبيه حال اليهود في جهلهم بما معهم من التوراة ، بحال الحمار في جهله بما يحمل من أسفار الحكمة . والغرض منهما تمثيل حال المنافقين من الحيرة والشدة ، بما يكابد من انطفأت ناره بعد إيقادها في ظلمة ، أو بحال من أخذته السماء في ليلة مظلمة مع رعد قاصف وبرق خاطف وخوف من الصواعق . كقوله تعالى: " وما يستوي الأعمى والبصير * ولا الظلمات ولا النور * ولا الظل ولا الحرور " وقول امرئ القيس :
كأن قلوب الطير رطباً ويابساً لدى وكرها العناب والحشف البالي
بأن يشبه في الأول : ذوات المنافقين بالمستوقدين ، وإظهارهم الإيمان باستيقاد النار وما انتفعوا به من حقن الدماء وسلامة الأموال والأولاد وغير ذلك بإضاءة النار ما حول المستوقدين ، وزوال ذلك عنهم على القرب بإهلاكهم وبإفشاء حالهم وإبقائهم في الخسار الدائم ، والعذاب السرمد بإطفاء نارهم والذهاب بنورها . وفي الثاني : أنفسهم بأصحاب الصيب وإيمانهم المخالط بالكفر والخداع بصيب فيه ظلمات ورعد وبرق ، من حيث إنه وإن كان نافعاً في نفسه لكنه لما وجد في هذه الصورة عاد نفعه ضراً ونفاقهم حذراً عن نكايات المؤمنين ، وما يطرقون به من سواهم من الكفرة بجعل الأصابع في الآذان من الصواعق حذر الموت ، من حيث إنه لا يرد من قدر الله تعالى شيئاً ، ولا يخلص مما يريد بهم من المضار وتحيرهم لشدة الأمر وجهلهم بما يأتون ، ويذرون بأنهم كلما صادفوا من البرق خفقة انتهزوها فرصة مع خوف أن تخطف أبصارهم فخطوا خطاً يسيرة ، ثم إذا خفي وفتر لمعانه بقوا متقيدين لا حراك بهم . وقيل : شبه الإيمان والقرآن وسائر ما أوتي الإنسان من المعارف التي هي سبب الحياة الأبدية بالصيب الذي به حياة الأرض . وما ارتكبت بها من الشبه المبطلة ، واعترضت دونها من الاعتراضات المشككة بالظلمات . وشبه ما فيها من الوعد والوعيد بالرعد ، وما فيها من الآيات الباهرة بالبرق ، وتصامهم عما يسمعون من الوعيد بحال من يهوله الرعد فيخاف صواعقه فيسد أذنيه عنها مع أنه لا خلاص لهم منها وهو معنى قوله تعالى : " والله محيط بالكافرين " . واهتزازهم لما يلمع لهم من رشد يدركونه ، أو رفد تطمح إليه أبصارهم بمشيهم في مطرح ضوء البرق كلما أضاء لهم ، وتحيرهم وتوقفهم في الأمر حين تعرض لهم شبهة ، أو تعن لهم مصيبة بتوقفهم إذا أظلم عليهم .
ونبه سبحانه بقوله : " ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم " على أنه تعالى جعل لهم السمع والأبصار ليتوسلوا بها إلى الهدى والفلاح ، ثم إنهم صرفوها إلى الحظوظ العاجلة ، وسدوها عن الفوائد الآجلة ، ولو شاء الله لجعلهم بالحالة التي يجعلونها لأنفسهم فإنه على ما يشاء قدير .
20. The lightning almost snatcheth away their sight from them. As often as it flasheth forth for them they walk therein, and when it darkeneth against them they stand still. If Allah willed, He could destroy their hearing and their sight Lo! Allah is Able to do all things.
20 - The lightning all but snatches away Their sight; every time the light (helps) them, they walk therein, and When the darkness grows on them, They stand still. And if God willed, He could take away Their Faculty of hearing and seeing; For God hath Power over all things