[البقرة : 197] الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ
(الحج) وقته (أشهر معلومات) شوال وذو القعدة وعشر ليال من ذي الحجة وقيل كله (فمن فرض) على نفسه (فيهن الحج) بالإحرام به (فلا رفثٌ) جماعٌ فيه (ولا فسوقٌ) معاصٍ (ولا جدالَ) خصامٌ (في الحج) وفي قراءة بفتح الأوَّلَين ، والمراد في الثلاثة النهي (وما تفعلوا من خير) كصدقة (يعلمه الله) فيجازيكم به ، ونزل في أهل اليمن وكانوا يحجون بلا زاد فيكونون كَلاً على الناس: (وتزودوا) ما يبلغكم لسفركم (فإن خير الزاد التقوى) ما يتقي به سؤال الناس وغيره (واتقون يا أولي الألباب) ذوي العقول
قوله تعالى وتزودوا الآية روى البخاري وغيره عن ابن عباس قال كان أهل اليمن يحجون ولا يتزودون ويقولون نحن متوكلون فأنزل الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بذلك: وقت الحج أشهر معلومات.
و الأشهر مرفوعات بـ الحج ، وإن كان له وقتا، لا صفة ونعتا، إذ لم تكن محصورات بتعريف، بإضافة إلى معرفة أو معهود، فصار الرفع فيهن كالرفع في قول العرب في نظير ذلك من المحل: المسلمون جانب، والكفار جانب ، برفع الجانب الذي لم يكن محصورا على حد معروف. ولو قيل: جانب أرضهم، أو بلادهم ، لكان النصب هو الكلام. ثم اختلف أهل التأويل في قوله: الحج أشهر معلومات. فقال بعضهم: يعني الأشهر المعلومات ، شوالا وذا القعدة، وعشرا من ذي الحجة. ذكر من قال ذلك:حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا شريك، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله قوله: "الحج أشهر معلومات"، قال: شوال، وذو القعدة، وعشر ذي الحجة.حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا سفيان، وشريك، عن خصيف، عن عكرمة، عن ابن عباس مثله. حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن خصيف عن مقسم، عن ابن عباس مثله.
حدثنا أبو كريب قال، حدثنا إبراهيم بن إسماعيل بن نصر السلمي قال، حدثنا إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة، عن داود بن حصين، عن عكرمة، عن ابن عباس أنه قال:أشهر الحج شوال، وذو القعدة، وعشر من ذي الحجة.حدثني المثنى قال، حدثنا أبوصالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: "الحج أشهر معلومات"، وهن شوال، وذو القعدة، وعشر من ذي الحجة، جعلهن الله سبحانه للحج، وسائر الشهور للعمرة، فلا يصلح أن يحرم أحد بالحج إلا في أشهر الحج، والعمرة يحرم بها في كل شهر.حدثني المثنى قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا شريك، عن أبي إسحاق، عن الضحاك، عن ابن عباس في قوله: "الحج أشهر معلومات"، قال: شوال، وذو القعدة، وعشر من ذي الحجة. حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن وأبو عامر قالا: حدثنا سفيان- وحدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق- قال، أخبرنا الثوري، عن المغيرة، عن إبراهيم مثله؟ حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا أبو عوانة، عن مغيرة،عن إبراهيم والشعبي مثله.حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا سفيان واسرائيلعن مغيرة، عن إبراهيم مثله.حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا إسرائيل، عن جابر، عن عامر مثله. حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي مثله. حدثني المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح،عن مجاهدمثله.حدثني القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا الحجاج،عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس- وأخبرنا مغيرة، عن إبراهيم والشعبي- وأخبرنا يونس عن، الحسن- وأخبرنا جويبر، عن الضحاك- وأخبرنا حجاج، عن عطاء ومجاهد مثله.حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا أبو الوليد قال، حدثنا حماد، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر قال: شوال وذو القعدة وعشر ذي الحجة في "الحج أشهر معلومات". حدثني أحمد بن حازم قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا ورقاء، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر قال: "الحج أشهر معلومات"، قال: شوال وذو القعدة وعشر ذى الحجة. حدثنا أحمد بن حازم قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا حسين بن عقيل، عن الضحاك، قاك: شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة. حدثني الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا حسين بن عقيل الخراساني قال، سمعت الضحاك بن مزاحم يقول: فذكر مثله. وقال آخرون: بل يعني بذلك شوالا وذا القعدة وذا الحجة كله. ذكر من قال ذلك .حدثنا ابن بشار قال، حدثنا يحيى بن سعيد قال، حدثنا ابن جريج قال: قلت لنافع: أكان عبد الله يسمي أشهر الحج؟ قال: نعم، شوال وذو القعدة وذو الحجة. حدثنا ابن بشار قال، حدثنا محمد بن بكر قال، حدثنا ابن جريج قال: قلت لنافع: أسمعت ابن عمر يسمي أشهر الحج؟ قال: نعم، كان يسمي شوالا وذا القعدة وذا الحجة. حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا شريك، عن إبراهيم بن مهاجر، عن مجاهد، عن ابن عمر قال: شوال وذو القعدة وذو الحجة.حدثنا ابن بشار قال، حدثنا محمد بن بكر قال، أخبرنا ابن جريج قال، قال عطاء؟ "الحج أشهر معلومات"، قال عطاء: فهي شوال وذو القعدة وذو الحجة. حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن قتادة مثله. حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله: "الحج أشهر معلومات"، أشهر الحج شوال وذو القعدة وذو الحجة، وربما قال: وعشر ذي الحجة. حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: "الحج أشهر معلومات"، قال: شوال وذو القعدة وذو الحجة. حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه مثله.
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني الليث قال، حدثني عقيل، عن ابن شهاب قال: أشهر الحج شوال وذو القعدة وذو الحجة. قال أبو جعفر: فإن قال لنا قائل: وما وجه قائلي هذه المقالة، وقد علمت أن عمل الحج لا يعمل بعد تقضي أيام منى؟. قيل: إن معنى ذلك غير الذي توهمته، وإنما عنوا بقيلهم: الحج ثلاثة أشهر كوامل، أنهن أشهر الحج لا أشهر العمرة، وأن شهور العمرة سواهن من شهور السنة. ومما يدل على أن ذلك معناهم في قيلهم ذلك، ما:- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية قال، أخبرنا أيوب، عن نافع قال قال ابن عمر: أن تفصلوا بين أشهر الحج والعمرة، فتجعلوا العمرة في غير أشهر الحج، أتم لحج أحدكم وأتم لعمرته. حدثني نصر بن علي الجهضمي قال، أخبرني أبي قال، حدثنا شعبة قال: ما لقيني
أيوب- أو قال: ما لقيت أيوب- إلا سألني عن حديث قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب قال : قلت لعبد الله: امرأة منا قد حجت، أو هي تريد أن تحج، أفتجعل مع حجها عمرة؟ فقال: ما أرى هؤلاء إلا أشهر الحج. قال: فيقول لي أيوب ومن عنده مثل هذا الحديث، حدثك قيس بن مسلم،، عن طارق بن شهاب، أنه سأل عبد الله؟!.
حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم، عن ابن عون قال: سمعت القاسم بن محمد يقول: إن العمرة في أشهر الحج ليست بتامة. قال: فقيل له: العمرة في المحرم؟ فقال: كانوا يرونها تامة.
حدثنا عبد الحميد بن بيان قال، أخبرنا إسحاق بن يوسف، عن ابن عون قال: سألت القاسم بن محمد عن العمرة في أشهر الحج قال: كانوا لا يرونها تامة. حدثنا ابن بيان الواسطي قال، أخبرنا إسحاق، عن عبد الله بن عون، عن ابن سيرين: أنه كان يستحب العمرة في المحرم، قال: تكون في أشهر الحج؟ قال: كانوا لا يرونها تامة حدثنا ابن بيان قال، حدثنا إسحاق، عن ابن عون، عن محمد بن سيرين قال، قال ابن عمر للحكم بن الأعرج أو غيره: إن أطعتني انتظرت، حتى إذا أهل المحرم خرجت إلى ذات عرق فأهللت منها بعمرة.؟ حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا وهب بن جرير قال، حدثنا شعبة، عن أبي يعقوب قال: سمعت ابن عمر يقول: لأن أعتمر في عشر ذي الحجة، أحب إلي من أن أعتمر في العشرين.، حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب قال: سألت ابن مسعود عن امرأة منا أرادت أن تجمع مع حجها عمرة، فقال. أسحم الله يقول: "الحج أشهر معلومات"، ما أراها إلا أشهر الحج.حدثني أحمد بن المقدام قال، حدثنا حزام القطعي قال، سمعت محمد بن سيرين يقول: ما أحد من أهل العلم شك أن عمرة في غير أشهر الحج أفضل من عمرة في أشهر الحج. ونظائر ذلك مما يطول باستيعاب ذكره الكتاب، مما يدل على أن معنى قيل من قال: وقت الحج ثلاثة أشهر كوامل، أنهن من غير شهور العمرة، وأنهن شهور لعمل الحج دون عمل العمرة، وإن كان عمل الحج إنما يعمل في بعضهن لا في جميعهن. وأما الذين قالوا: تأويل ذلك: شوال وذو القعدة وعشر ذي الحجة، فإنهم قالوا: إنما قصد الله جل ثناؤه بقوله: "الحج أشهر معلومات" إلى تعريف خلقه ميقات حجهم، لا الخبر عن وقت العمرة. قالوا: فأما العمرة، فإن السنة كلها وقت لها، لتظاهر الأخبار "عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه اعتمر في بعض شهور الحج، ثم لم يصح عنه بخلاف ذلك خبر". قالوا: فإذ كان ذلك كذلك، وكان عمل الحج ينقضي وقته بانقضاء العاشر من أيام ذي الحجة، علم أن معنى قوله: "الحج أشهر معلومات"، إنما هو ميقات الحج، شهران وبعض الثالث. قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندنا، قول من قال: إن معنى ذلك: الحج شهران وعشر من الثالث. لأن ذلك من الله خبر عن ميقات الحج، ولا عمل للحج يعمل بعد انقضاء أيام منى. فمعلوم أنه لم يعن بذلك جميع الشهر الثالث. وإذا لم يكن معنيا به جميعه، صح قول من قال: وعشر ذي الحجة. فإن قال قائل: فكيف قيل: "الحج أشهر معلومات"، وهو شهران وبعض الثالث؟. قيل: إن العرب لا تمتنع خاصة في الأوقات من استعمال مثل ذلك، فتقول: له اليوم يومان منذ لم أره ، وإنما تعني بذلك: يوما وبعض آخر، وكما قال جل ثناؤه: "فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه" [البقرة: 203]، وإنما يتعجل في يوم ونصف. وقد يفعل الفاعل منهم الفعل في الساعة، ثم يخرجه عاما على السنة والشهر فيقول: زرته العام، وأتيته اليوم ، وهو لا يريد بذلك أن فعله أخذ من أول الوقت الذي ذكره إلى آخره، ولكنه يعني أنه فعله إذ ذاك، وفي ذلك الحين. فكذلك "الحج أشهر"، والمراد منه: الحج شهران وبعض آخر. فمعنى الآية إذاً: ميقات حجكم أيها الناس شهران وبعض الثالث، وهو شوال وذو القعدة وغشر ذي الحجة. قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: "فمن فرض فيهن الحج"، فمن أوجب الحج على نفسه وألزمها إياه فيهن- يعني: في الأشهر المعلومات التي بينها. وإيجابه إياه على نفسه، العزم على عمل جميع ما أوجب الله على الحاج عمله، وترك جميع ما أمره الله بتركه. وقد اختلف أهل التأويل في المعنى الذي يكون به الرجل فارضا الحج، بعد إجماع جميعهم على أن معنى الفرض: الإيجاب والإلزام. فقال بعضهم: فرض الحج، الإهلال. ذكر من قال ذلك: حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا ورقاء، عن عبد الله المدني ابن دينار، عن ابن عمر قوله: "فمن فرض فيهن الحج" قال: من أهل بحج.
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، وحدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق، قال، أخبرنا الثوري، عن العلاء بن المسيب، عن عطاء قال: التلبية. حدثنا ابن حميد قال، حدثنا مهران، وحدثنا علي قال، حدثنا زيد، جميعا، عن سفيان الثوري: "فمن فرض فيهن الحج"، قال: فالفريضة الإحرام، والإحرام التلبية.حدثني المثنى قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا شريك، عن إبراهيم- يعني: ابن مهاجر-، عن مجاهد "فمن فرض فيهن الحج"، قال: الفريضة، التلبية. حدثنا أحمد بن حازم قال، حدثنا ورقاء، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر:"فمن فرض فيهن الحج"، قال: أهل. حدثني أحمد بن حازم قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا شريك، عن مغيرة، عن إبراهيم قال: الفرض التلبية، ويرجع إن شاء ما لم يحرم. حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "فمن فرض فيهن الحج"، قال: الفرض الإهلال.حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه: "فمن فرض فيهن الحج"، قال: التلبية.حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن مسلم قال، حدثنا أبو عمر الضرير قال، أخبرنا حماد بن سلمة، عن جبر بن حبيب قال: سألت القاسم بن محمد، عن: "من فرض فيهن الحج"، قال: إذا اغتسلت ولبست ثوبك ولبيت، فقد فرضت الحج. وقال آخرون: فرض الحج إحرامه. ذكر من قال ذلك: حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن
عباس: "فمن فرض فيهن الحج"، يقول: من أحرم بحج أو عمرة.
حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن، وحدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد، وحدثني المثنى قال، حدثنا أبو نعيم، قالوا جميعا، حدثنا سفيان، عن مغيرة، عن إبراهيم: "فمن فرض فيهن الحج"، قال: فمن أحرم- واللفظ لحديث ابن بشار. حدثنا أحمد قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا شريك والحسن بن صالح، عن ليث، عن عطاء قال: الفرض الإحرام. حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا الحجاج، عن عطاء وبعض أشياخنا، عن الحسن في قوله: "فمن فرض فيهن الحج"، قالا: فرض الحج الإحرام.حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: "فمن فرض فيهن الحج"، فهذا عند الإحرام. حدثنا أحمد بن حازم قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا حسين بن عقيل، عن الضحاك، عن ابن عباس قال: الفرض الإحرام.حدثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا حسين بن عقيل الخراساني قال، سمعت الضحاك بن مزاحم يقول، فذكر مثله.حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري قال، أخبرنا المغيرة، عن إبراهيم: "فمن فرض فيهن الحج"، قال: من أحرم.
قال أبو جعفر: وهذا القول الثاني يحتمل أن يكون بمعنى ما قلنا، من أن يكون الإحرام- كان عند قائله- الإيجاب بالعزم، ويحتمل أن يكون كان عنده بالعزم والتلبية، كما قال القائلون القول الأول. وإنما قلنا إن فرض الحج الإحرام، لإجماع الجميع على ذلك. وقلنا إن الإحرام هو إيجاب الرجل ما يلزم المحرم أن يوجبه على نفسه على ما وصفنا آنفا، لأنه لا يخلو القول في ذلك من أحد أمور ثلاثة:.إما أن يكون الرجل غير محرم إلا بالتلبية، وفعل جميع ما يجب على الموجب الإحرام على نفسه فعله، فإن يكن ذلك كذلك، فقد يجب أن لا يكون محرما إلا بالتجرد للإحرام، وأن يكون من لم يكن له متجردا فغير محرم. وفي إجماع الجميع على أنه قد يكون محرما لان لم يكن متجردا من ثيابه، بإيجابه الإحرام، ما يدل على أنه قد يكون محرما وإن لم يلب، إذ كانت التلبية بعض مشاعر الإحرام، كما التجرد له بعض مشاعره. وفي إجماعهم على أنه قد يكون محرما بترك بعض مشاعر حجه، ما يدل على أن حكم غيره من مشاعره حكمه. أو يكون- إذ فسد هذا القول- قد يكون محرما وإن لم يلب ولم يتجرد ولم يعزم العزم الذي وصفنا. وفي إجماع الجميع على أنه لا يكون محرما من لم يعزم على الإحرام ويوجبه على نفسه، إذا كان من أهل التكليف، ما ينبىء عن فساد هذا القول. وإذ فسد هذان الوجهان، فبينة صحة الوجه الثالث: وهو أن الرجل قد يكون محرما بإيجابه الإحرام بعزمه، على سبيل ما بينا، وإن لم يظهر ذلك بالتجرد والتلبية وصنيع بعض ما عليه عمله من مناسكه. وإذا صح ذلك، صح ما قلنا من أن فرض الحج، هو ما قرن إيجابه بالعزم، على نحو ما بينا قبل. قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في معنى الرفث في هذا الموضع. فقال بعضهم: هو الإفحاش للمرأة في الكلام، وذلك بأن يقول: إذا حللنا فعلت بك كذا وكذا، لا يكني عنه، وما أشبه ذلك. ذكر من قال ذلك: حدثنا أحمد بن حماد الدولابي ويونس قالا، حدثنا سفيان، عن ابن طاوس، عن
أبيه قال: سألت ابن عباس عن الرفث في قول الله: "فلا رفث ولا فسوق"، قال: هو التعريض بذكر الجماع، وهي العرابة من كلام العرب، وهو أدنى الرفث. حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية، عن روح بن القاسم، عن ابن طاوس في قوله: "فلا رفث"، قال: الرفث العرابة، والتعريض للنساء بالجماع.حدثنا ابن بشار قال، حدثنا ابن ابي عدي، عن عون قال، حدثنا زياد بن حصين قال، حدثني أبي حصين بن قيس قال: أصعدت مع ابن عباس في الحاج وكنت له خليلا، فلما كان بعد ما أحرمت قال ابن عباس، فأخذت بذنب بعيره، فجعل يلويه وهو يرتجز ويقول:
وهن يمشين بنا هميسا إن تصدق الطير ننك لميسا
قال فقلت: أترفث وأنت محرم؟ قال: إنما الرفث ما قيل عند النساء. حدثنا ابن بشار قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن قتادة، عن رجل، عن أبي العالية الرياحي، عن ابن عباس: أنه كان يحدو وهو محرم ويقول:
وهن يمشين بنا هميسا إن تصدق الطير ننك لميسا
قال قلت: تتكلم بالرفث وأنت محرم؟! قال: إنما الرفث ما قيل عند النساء. حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني يونس: أن نافعا أخبره أن عبد الله بن عمر كان يقول: الرفث إتيان النساء، والتكلم بذلك للرجال والنساء، إذا ذكروا ذلك بأفواههم.
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال أخبرني أبو صخر، عن محمد بن كعب القرظي مثله.حدثنا ابن بشار قال، حدثنا أبو عاصم قال، أخبرنا ابن جريج قال، قلت لعطاء:
أيحل للمحرم أن يقول لامرأته:، إذا حللت أصبتك لا؟ قال: لا! ذاك الرفث. قال: وقال عطاء: الرفث ما دون الجماع. حدثنا ابن بشار قال، حدثني محمد بن بكر قال، أخبرنا ابن جريج قال، قال عطاء: الرفث الجماع وما دونه من قول الفحش.حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن أبي زائدة، عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: قول الرجل لامرأته: إذا حللت أصبتك، قال: ذاك الرفث!.حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن الأعمش، عن زياد بن حصين، عن أبي العالية قال: كنت أمشي مع ابن عباس وهو محرم، وهو يرتجز ويقول:
وهن يمشين بنا هميسا إن تصدق الطير ننك لميسا
قال قلت: أترفث يا ابن عباس وأنت محرم؟ قال: إنما الرفث ما روجع به النساء. حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا سفيان ويحيى بن سعيد، عن ابن جريج قال، أخبرنا ابن الزبير السبائي وعطاء: أنه سمع طاوسا قال: سمعت ابن الزبير يقول: لا يحل للمحرم الإعرابة. فذكرته لابن عباس فقال: صدق! قلت لابن عباس: وما الإعراب؟ قال التعريض.حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا يحيى قال، أخبرنا ابن جريج قال، أخبرني الحسن بن مسلم، عن طاوس أنه كان يقول: لا يحل للمحرم الإعرابة. قال طاوس: والإعرابة أن بقول وهو محرم:إذا حللت أصبتك . حدثني أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا فطر، عن زياد بن حصين، عن أبي العالية قال: لا يكون رفث إلا ما واجهت به النساء. حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن علقمة بن مرثد، عن عطاء قال: كانوا يكرهون الإعرابة- يعني: التعريض بذكر الجماع- وهو محرم. حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا أبو عاصم، عن ابن جريج، عن ابن طاوس: أنه سمع أباه أنه كان يقول: لا تحل الإعرابة. والإعرابة التعريض. حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا سفيان بن عيينة، عن ابن طاوس، عن أبيه قال: سألت ابن عباس عن قول الله تعالى: "فلا رفث"، قال: الرفث الذي ذكر ههنا، ليس بالرفث الذي ذكر في "أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم" [البقرة: 187]، ومن الرفث ، التعريض بذكر الجماع، وهي الإعرابة بكلام العرب. حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا أبو معاوية قال، حدثنا ابن جريج، عن عطاء: أنه كره التعريب للمحرم. حدثنا عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن ابن جريج قال، أخبرني ابن طاوس أن أباه كان يقول: الرفث الإعرابة مما وراه من شأن النساء، والإعرابة الإيضاح بالجماع.
حدثنا عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن ابن جريج قال، حدثنا الحسن بن مسلم، أنه سمع طاوسا يقول: لا يحل للمحرم الإعرابة. حدثني علي بن داود قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: "فلا رفث"، قال: الرفث غشيان النساء والقبل والغمز، وأن يعرض لها بالفحش من الكلام، ونحو ذلك.حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن منصور،عن مجاهد قال: كان ابن عمر يقول للحادي: لا تعرض بذكر النساء.
حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر وابن جريج، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس قال: الرفث في الصيام الجماع، والرفث في الحج الإعرابة. وكان يقول: الدخول والمسيس الجماع. وقال آخرون: الرفث في هذا الموضع: الجماع نفسه. ذكر من قال ذلك:حدثنا أبو كريب قال، حدثنا سفيان بن عيينة، عن خصيف، عن مقسم قال: الرفث الجماع. حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن خصيف، عن مقسم، عن ابن عباس مثله. حدثنا عبد الحميد بن بيان قال، أخبرنا إسحاق، عن شريك، عن خصيف، عن مقسم، عن ابن عباس قال: الرفث إتيان النساء. حدثنا عبد الحميد قال، أخبرنا إسحاق، عن شريك، عن أبي إسحاق، عن التميمي قال:سألت ابن عباس عن الرفث، فقال: الجماع.حدثنا عبد الحميد قال، حدثنا إسحاق، عن سفيان، عن عاصم الأحول، عن بكر بن
عبد الله، عن ابن عباس قال: الرفث هو الجماع، ولكن الله كريم يكني عما شاء.حدثنا عبد الحميد قال، أخبرنا إسحاق، عن شريك، عن الأعمش، عن زياد بن حصين عن أبي العالية قال: سمعت ابن عباس يرتجز وهو محرم يقول:
خرجن يسرين بنا هميسا إن تصدق الطير ننك لميسا
قال شريك: ألا إنه لم يكن عن الجماع - لميسا. فقلت: أليس هذا الرفث؟ قال: لا، إنما الرفث إتيان النساء والمجامعة.حدثنا عبد الحميد قال، أخبرنا إسحاق، عن عون، عن زياد بن حصين، عن أبي العالية، عن ابن عباس بنحوه- إلا أن عونا صرح به.
حدثنا ابن بشار قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا سفيان، عن عاصم، عن بكر، عن ابن عباس قال: الرفث الجماع.
حدثنا عبد الحميد قال، حدثنا إسحاق، عن شريك، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله قوله: "فلا رفث"، قال: الرفث إتيان النساء. حدثنا ابن بشار قال، حدثنا حماد بن مسعدة قال، حدثنا عوف، عن الحسن في قوله:"فلا رفث"، قال: الرفث غشيان النساء. حدثنا ابن بشار قال، حدثنا محمد بن بكر قال، أخبرنا ابن جريج قال، قال عمرو بن دينار: الرفث الجماع فما دونه من شأن النساء. حدثنا عبد الحميد قال، أخبرنا إسحاق، عن ابن جريج، عن عمرو بن دينار بنحوه.حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن أبي زائدة، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء في قوله: "فلا رفث"، قال: الرفث الجماع.حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عمرو، عن عبد العزيز بن رفيع، عن مجاهد: "فلا رفث"، قال: الرفث الجماع.حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن سعيد، عن قتادة في قوله: "فلا رفث"، قال: كان قتادة يقول: الرفث غشيان النساء.حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد، عن سعيد، عن قتادة مثله. حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، أخبرنا اسرائيل، عن أبي إسحاق، عن الضحاك، عن ابن عباس قال: الرفث الجماع. حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، أخبرنا اسرائيل، عن الحسن بن عبيد الله، عن أبي الضحى، عن ابن عباس قال: الرفث الجماع. حدثنا أحمد قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا سفيان، عن ليث، عن مجاهد قال: الرفث الجماع.حدثنا أحمد قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا اسرائيل، عن سالم، عن سعيد بن جبير قال: الرفث المجامعة. حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "فلا رفث"، فلا جماع. حدثت عن عمار بن الحسن قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: "فلا رفث"، قال: الرفث الجماع.حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح،عن مجاهد: "فلا رفث" قال: جماع النساء.حدثنا المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن المغيرة، عن إبراهيم في قوله: "فلا رفث"، قال: الرفث الجماع. حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج بن المنهال قال، حدثنا حماد، عن الحجاج، عن عطاء بن أبي رباح قال: الرفث الجماع. حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن محمد بن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر قال: الرفث الجماع. حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن يحيى بن بشر، عن عكرمة قال: الرفث الجماع. حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن النضر بن عربي، عن عكرمة قال: الرفث الجماع.
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن حسين بن عقيل- وحدثني أحمد بن حازم قال، حدثنا أبو نعيم- وحدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق- قالا، أخبرنا حسين بن عقيل، عن الضحاك، قال: الرفث الجماع.حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا حجاج، عن عطاء، عن ابن عباس مثله- قال: وأخبرنا عبد الملك، عن عطاء مثله. حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا يونس، عن الحسن، وأخبرنا مغيرة عن إبراهيم، قالا مثل ذلك. حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين- وأخبرنا مغيرة قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد مثله. حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قال: الرفث النكاح. حدثنا أحمد بن حازم قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا اسرائيل قال، حدثني ثوير قال: سمعت ابن عمر يقول: الرفث الجماع. حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق .قال، أخبرنا معمر،عن ابن أبي نجيح،عن مجاهد قال: الرفث غشيان النساء، قال معمر: وقال مثل ذلك الزهري، عن قتادة. حدثنى يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: الرفث إتيان النساء، وقرأ: "أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم" [البقرة: 187].حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد في قوله: "فلا رفث"، قال: الرفث الجماع. حدثنا ابن حميد، حدثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم مثله. قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي، أن الله جل ثناؤه نهى- من فرض الحج في
أشهر الحج- عن الرفث فقال: "فمن فرض فيهن الحج فلا رفث". والرفث في كلام العرب أصله: الإفحاش في المنطق، على ما قد بينا فيما مضى، ثم تستعمله في الكناية عن الجماع. فإذ كان ذلك كذلك، وكان أهل العلم مختلفين في تأويله، وفي هذا النهي من الله: عن بعض معاني الرفث أم عن جميع معانيه؟- وجب أن يكون على جميع معانيه، إذ لم يأت خبر، بخصوص الرفث الذي هو بالمنطق عند النساء، من سائر معاني الرفث ، يجب التسليم له. إذ كان غير جائز نقل حكم ظاهرآية إلى تأويل باطن، إلا بحجة ثابتة.
فإن قال قائل: إن حكمها من عموم ظاهرها إلى الباطن من تأويلها، منقول بإجماع. وذلك أن الجميع لا خلاف بينهم في أن الرفثعند غير النساء غير محظور على محرم، فكان معلوما بذلك أن الآية معني بها بعض الرفث دون بعض. وإذ كان ذلك كذلك، وجب أن لا يحرم من معاني الرفث على المحرم شيء، إلا ما أجمع على تحريمه عليه، أو قامت بتحريمه حجة يجب التسليم لها. قيل: إن ما خص من الآية فأبيح، خارج من التحريم، والحظر ثابت لجميع ما لم تخصصه الحجة من معنى الرفث بالآية، كالذي كان عليه حكمه لو لم يخص منه شيء، لأن ما خص من ذلك وأخرج من عمومه، إنما لزمنا إخراج حكمه من الحظر بأمر من لا يجوز خلاف أمره، فكان حكم ما شمله معنى الآية- بعد الذي خص منها- على الحكم الذي كان يلزم العباد فرضه بها، لو لم يخصص منها شيء، لأن العلة فيما لم يخصص منها بعد الذي خص منها، نظير العلة فيه قبل أن يخص منها شيء. قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في معنى الفسوق، التي نهى الله عنها في هذا الموضع.فقال بعضهم: هي المعاصي كلها. ذكر من قال ذلك:حدثنا أبوكريب قال، حدثنا سفيان بن عيينة، عن خصيف، عن مقسم ، عن ابن عباس قال: الفسوق المعاصي. حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن أبي زائدة، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء:"ولا فسوق"، قال: الفسوق المعاصي. حدثنا ابن بشار قال، حدثني محمد بن بكر قال، أخبرنا ابن جريج قال، قال عطاء:الفسوق المعاصي كلها، قال الله تعالى: "وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم" [البقرة: 282]. حدثنا عبد الحميد بن بيان قال، حدثنا إسحاق، عن ابن جريج، عن عطاء مثله.حدثنا ابن بشار قال، حدثنا حماد بن مسعدة قال، حدثنا عوف، عن الحسن في قوله:"ولا فسوق"، قال: الفسوق المعاصي.حدثنا عبد الحميد بن بيان قال، حدثنا إسحاق، عن ابن جريج، عن ابن طاوس، عن أبيه قال: الفسوق المعصية. حدثنا عبد الحميد قال، حدثنا إسحاق، عن أبي بشر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد
قال: الفسوق المعاصي كلها. حدثني يعقوب قال، أخبرنا ابن عيينة، عن روح بن القاسم، عن ابن طاوس، عن أبيه في قوله: "ولا فسوق"، قال: الفسوق المعاصي. حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني أبو صخر، عن محمد بن كعب القرظي في قوله: "ولا فسوق"، قال: الفسوق المعاصي كلها.
حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية- وحدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد- جميعاً، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة: "ولا فسوق"، قال: الفسوق المعاصي.حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "ولا فسوق"، قال: المعاصي.حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله. حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا اسرائيل، عن سالم، عن سعيد بن جبير قال: الفسوق المعاصي، قال: وقال مجاهد مثل قول سعيد. حدثنا أحمد قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا سفيان، عن ليث، عن مجاهد قال: الفسوق المعاصي.
حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: "ولا فسوق" ، قال: الفسوق عصيان الله.حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن المغيرة، عن إبراهيم في قوله: "ولا فسوق"، قال: الفسوق المعاصي.حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج بن المنهال قال، حدثنا حماد، عن الحجاج، عن عطاء بن أبي رباح قال: الفسوق المعاصي.
حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن الزهري وقتادة وابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله. حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا الحجاج، عن عطاء، عن ابن عباس: "ولا فسوق"، قال: المعاصي، قال وأخبرنا عبد الملك، عن عطاء مثله.حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع مثله. حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن النضر بن عربي، عن عكرمة مثله. حدثني المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك، عن يحيى بن بشر، عن عكرمة قال: الفسوق معصية الله، لا صغيرمن معصية الله.حدثني علي بن داود قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثنا معاوية، عن علي، عن ابن عباس: "ولا فسوق"، قال: الفسوق معاصي الله كلها. حدثني الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، وعن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: الفسوق المعاصي. وقال مثل ذلك الزهري وقتادة. وقال آخرون: بل الفسوق في هذا الموضع: ما عصي الله به في الإحرام مما نهي عنه فيه، من قتل صيد، وأخذ شعر، وقلم ظفر، وما أشبه ذلك مما خص الله به الإحرام، وأمر بالتجنب منه في خلال الإحرام. ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني يونس: أن نافعا أخبره أن عبد الله بن عمر كان يقول: الفسوق إتيان معاصي الله في الحرم. حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن محمد بن إسحاق، عن نافع،- عن ابن عمر قال: الفسوق ما أصيب من معاصي الله به، صيد أو غيره. وقال آخرون: بل الفسوق في هذا الموضع: السباب. ذكر من قال ذلك: حدثنا عبد الحميد بن بيان قال، أخبرنا إسحاق، عن شريك، عن إبراهيم بن مهاجر، عن مجاهد، عن ابن عمر قال: الفسوق السباب. حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا اسرائيل، عن أبي إسحاق، عن الضحاك، عن ابن عباس قال: الفسوق السباب. حدثني أحمد بن حازم الغفاري قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا اسرائيل قال، حدثنا ثوير قال: سمعت ابن عمر يقول: الفسوق السباب.حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عمرو، عن عبد العزيز بن رفيع، عن مجاهد:"ولا فسوق"، قال: الفسوق السباب.حدثنا موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي في قوله: "ولا فسوق"، قال: أما الفسوق فهو السباب.
حدثني المثنى قال، حدثنا معلى بن أسد قال، حدثنا خالد، عن المغيرة، عن إبراهيم قال: الفسوق السباب. حدثني المثنى قال، حدثنا معلى قال، حدثنا عبد العزيز، عن موسى بن عقبة قال: سمعت عطاء بن يسار يحدث نحوه. حدثنا القاسم قال، حدثني الحسين قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا يونس، عن الحسن- قال وأخبرنا مغيرة، عن إبراهيم- قالا: الفسوق السباب.
حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن خصيف، عن مقسم، عن ابن عباس قال: الفسوق السباب. حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد في قوله: "ولا فسوق" قال: الفسوق السباب. حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم مثله. وقال آخرون:الفسوق ، الذبح للأصنام. ذكر من قال ذلك: حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في "الفسوق": الذبح للأنصاب، وقرأ: "أو فسقا أهل لغير الله به" [الأنعام: 145] فقطع ذلك أيضا، قطع الذبح للأنصاب بالنبي صلى الله عليه وسلم، حين حج فعلم أمته المناسك. وقال آخرون: الفسوق التنابز بالألقاب. ذكر من قال ذلك:حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا حسين بن عقيل قال: سمعت الضحاك بن مزاحم يقول: فذكر مثله.
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال التي ذكرنا بتأويل الآية في ذلك، قول من قال: معنى قوله: "ولا فسوق"، النهي عن معصية الله في إصابة الصيد، وفعل ما نهى الله المحرم عن فعله في حال إحرامه. وذلك أن الله جل ثناؤه قال: "فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق"، يعني بذلك: فلا يرفث ولا يفسق، أي لا يفعل ما نهاه الله عن فعله في حال إحرامه، ولا يخرج عن طاعة الله في إحرامه. وقد علمنا أن الله جل ثناؤه قد حرم معاصيه على كل أحد، محرما كان أو غير محرم، وكذلك حرم التنابز بالألقاب في حال الإحرام وغيرها بقوله: "ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب" [الحجرات: 11] وحرم على المسلم سباب أخيه في كل حال، فرض الحج أو لم يفرضه. فإذ كان ذلك كذلك، فلا شك أن الذي نهى الله عنه العبد من الفسوق في حال إحرامه وفرضه الحج، هو ما لم يكن فسوقا في حال إحلاله وقبل إحرامه بحجه، كما أن الرفث الذي نهاه عنه في حال فرضه الحج، هو الذي كان له مطلقا قبل إحرامه. لأنه لا معنى لأن يقال فيما قد حرم الله على. خلقه في كل الأحوال: لا يفعلن أحدكم في حال الإحرام ما هو حرام عليه فعله في كل حال . لأن خصوص حال الإحرام به لا وجه له، وقد عم به جميع الأحوال من الإحلال والإحرام. فإذ كان ذلك كذلك، فمعلوم أن الذي نهي عنه المحرم من الفسوق فخصق به حال إحرامه، وقيل له: إذا فرضت الحج فلا تفعله ، هو الذي كان له مطلقا قبل حال فرضه الحج، وذلك هو ما وصفنا وذكرنا، أن الله جل ثناؤه خص بالنهي عنه المحرم في حال إحرامه مما نهاه عنه: من الطيب واللباس، والحلق، وقص الأظفار، وقتل الصيد، وسائر ما خص الله بالنهي عنه المحرم في حال إحرامه. فتأويل الآية إذا: فمن فرض الحج في أشهر الحج فأحرم فيهن، فلا يرفث عند النساء فيصرح لهن بجماعهن، ولا يجامعهن، ولا يفسق بإتيان ما نهاه الله في حال إحرامه بحجه: من قتل صيد، وأخذ شعر، وقلم ظفر، وغيرذلك مما حرم الله عليه فعله وهو محرم. قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في ذلك. فقال بعضهم: معنى ذلك: النهي عن أن يجادل المحرم أحدا. ثم اختلف قائلو هذا القول. فقال بعضهم: نهي عن أن يجادل صاحبه حتى يغضبه. ذكر من قال ذلك: حدثنا عبد الحميد بن بيان قال، أخبرنا إسحاق، عن شريك، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله: "ولا جدال في الحج"، قال: أن تماري صاحبك حتى تغضبه. حدثنا عبد الحميد قال، حدثنا إسحاق، عن شريك، عن أبي إسحاق، عن التميمي قال: سألت ابن عباس عن الجدال ، فقال: أن تماري صاحبك حتى تغضبه. حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن عيينة، عن خصيف، عن مقسم، عن ابن عباس قال: الجدال أن تماري صاحبك حتى تغضبه. حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن أبي زائدة، عن عبد الملك بن سليمان، عن عطاء قال: الجدال أن يماري الرجل أخاه حتى يغضبه. حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عنبسة، عن سالم الأفطس، عن سعيد بن جبير: "ولا جدال في الحج"، قال: أن تمحن صاحبك حتى تغضبه. حدثنا ابن حميد قال، حدثنا هارون، عن عمرو، عن شعيب بن خالد، عن سلمة بن كهيل قال: سألت مجاهدا عن قوله: "ولا جدال في الحج"، قال: أن تماري صاحبك حتى تغضبه. حدثنا عبد الحميد بن بيان قال، حدثنا إسحاق، عن ابن بريج، عن عمروبن دينار قال: الجدال هو أن تماري صاحبك حتى تغضبه. حدثنا ابن بشار قال، حدثنا حماد بن مسعدة قال، حدثنا عوف، عن الحسن قال: الجدال المراء. حدثنا أحمد بن اسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن الضحاك، عن ابن عباس قال: الجدال أن تجادل صاحبك حتى تغضبه. حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا اسرائيل، عن سالم، عن سعيد بن جبير قال: الجدال أن تصخب [على] صاحبك. حدثنا أحمد قال، حدثنا أبو أحمد، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد: "ولا جدال في الحج"، قال: المراء.حدثنا الحسن بن يحيي قال، أخبرنا عبد الرزاق- وحدثني أحمد بن حازم قال، حدثنا أبو نعيم- قالا: حدثنا حسين بن عقيل، عن الضحاك قال: الجدال أن تماري صاحبك حتى تغضبه. حدثنا أحمد بن حازم قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا واقد الخلقاني، عن عطاء قال: أما الجدال، فتماري صاحبك حتى تغضبه. حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قال: الجدال المراء، أن تماري صاحبك حتى تغضبه. حدثني المثنى قال، حدثنا المعلى بن أسد قال، حدثنا خالد، عن المغيرة، عن إبرإهيم قال: الجدال المراء. حدثني المثنى قال، حدثنا المعلى قال، حدثنا عبد العزيز، عن موسى بن عقبة، قال: سمعت عطاء بن يسار يحدث نحوه.
حدثني ابن المثنى قال، حدثنا محمد بن أبي جعفر قال، حدثنا شعبة، عن المغيرة، عن إبراهيم بمثله.حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج بن المنهال قال، حدثنا حماد، عن الحجاج، عن عطاء بن أبي رباح قال: الجدال، أن يماري بعضهم بعضاً حتى يغضبوا. حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن يحيى بن بشر، عن عكرمة: "ولا جدال"، الجدال الغضب، أن تغضب عليك مسلما، إلا أن تسعتب مملوكا فتعظه من غير أن تغضبه، ولا إثم عليك إن شاء الله تعالى في ذلك. حدثنا ابن وكيع قال، حدثني أبي، عن النضر بن عربي، عن عكرمة، قال: الجدال أن تماري صاحبك حتى يغضبك أوتغضبه.
حدثنا المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن الزهري وقتادة قالا: الجدال هو الصخب والمراء وأنت محرم.: حدثنا ابن بشار قال، حدثنا محمد بن بكر قال، أخبرنا ابن جريج قال، قال عطاء: الجدال ما أغضب صاحبك، من الجدل.حدثني علي قال، حدثنا عبد الله قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: "ولا جدال في الحج"، قال: الجدال المراء والملاحاة حتى تغضب أخاك وصاحبك، فنهى الله عن ذلك. حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن خصيف، عن مقسم، عن ابن عباس قال: الجدال أن تماري صاحبك حتى تغضبه. حدثنا الحسن بن يحيى قال، حدثنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن منصور، عن إبراهيم قال: الجدال المراء.حدثنا الحسن قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن الزهري وقتادة قالا: هو الصخب والمراء وأنت محرم. حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم: "ولا جدال في الحج"، كانوا يكرهون الجدال. وقال اخرون منهم: الجدال في هذا الموضع، معناه: السباب. ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني يونس: أن نافعا أخبره أن عبد الله بن عمر كان يقول: الجدال في الحج: السباب والمراء والخصومات. حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن محمد بن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر قال: الجدال السباب والمنازعة.حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قال: الجدال السباب.حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد- وحدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية- جميعا، عن سعيد، عن قتادة قال: الجدال السباب. وقال آخرون منهم: بل عنى بذلك خاصا من الجدال والمراء، وإنما عنى الاختلاف فيمن هو أتم حجا من الحجاج.ذكر من قال ذلك: حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني أبو صخر، عن محمد بن كعب القرظي قال: الجدال ، كانت قريش إذا اجتمعت بمنى قال هؤلاء: حجنا أتم من حجكم! ، وقال هؤلاء: حجنا أتم من حجكم! .وقال آخرون منهم: بل ذلك اختلاف كان يكون بينهم في اليوم الذي فيه الحج، فنهوا عن ذلك.ذكر من قال ذلك:حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج قال، حدثنا حماد، عن جبر بن حبيب، عن القاسم بن محمد أنه قال: الجدال في الحج أن يقول بعضهم: الحج اليوم !، ويقول بعضهم: الحج غدا! . وقال آخرون: بل اختلافهم ذلك في أمر مواقف الحج أيهم المصيب موقف إبراهيم.ذكر من قال ذلك: حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "ولا جدال في الحج"، قال: كانوا يقفون مواقف مختلفة يتجادلون، كلهم يدعي أن موقفه موقف إبراهيم، فقطعه الله حين أعلم نبيه صلى الله عليه وسلم بمناسكهم.وقال آخرون: بل قوله جل ثناؤه: "ولا جدال في الحج"، خبر من الله تعالى عن استقامة وقت الحج على ميقات واحد لا يتقدمه ولا يتأخره، وبطول فعل النسيء. ذكر من قال ذلك:.حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن عبد العزيز بن رفيع، عن- مجاهد في قوله: "ولا جدال في الحج"، قال: قد استقام الحج ولا جدال فيه.حدثني محمد بن عمرو قال، أخبرنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد. "ولا جدال في الحج"، قال: لا شهر ينسأ، ولا شك في الحج، قد بين. كانوا يسقطون المحرم ثم يقولون: صفران لصفر وشهر ربيع الأول، ثم يقولون: شهرا ربيع لشهر ربيع الآخر وجمادى الأولى، ثم يقولون: جماديان لجمادى الآخرة ولرجب، ثم يقولون لشعبان: رجب، ثم يقولون لرمضان: شعبان ، ثم يقولون لشوال: رمضان ، ويقولون لذي القعدة: شوال، ثم يقولون لذي الحجة: ذا القعدة، ثم يقولون للمحرم: ذا الحجة، فيحجون في المحرم. ثم يأتنفون فيحسبون على ذلك عدة مستقبلة على وجه ما ابتدأوا، فيقولون: المحرم وصفر وشهرا ربيع ، فيحجون في المحرم ليحجوا في كل سنة مرتين، فيسقطون شهرا آخر فيعدون على العدة الأولى، فيقولون: صفران، وشهرا ربيع نحو عدتهم في أول ما أسقطوا.حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد
نحوه. حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة فال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: صاحب النسيء الذي ينسأ لهم أبو ثمامة، رجل من بني كنانة. حدثنا عبد الحميد بن بيان قال، أخبرنا ابن إسحاق، عن أبي بشر، عن ابن أبي نجيع؟ عن مجاهد: "ولا جدال في الحج"، قال: لا شبهة في الحج، قد بين الله أمر الحج. حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "ولا جدال في الحج"، قال: قد استقام أمر الحج، فلا تجادلوا فيه. حدثني المثنى قال، حدثنا أبوحذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد "ولا جدال في الحج"، قال: لا شهر ينسأ، ولا شك في الحج، قد بين. حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن أبي زائدة، عن العلاء بن عبد الكريم، عن مجاهد "ولا جدال في الحج"، قال: قد علم وقت الحج، فلا جدال فيه ولا شك. حدثنا أحمد بن إسحاق قال حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا سفيان، عن عبد العزيز. والعلاء، عن مجاهد قال: هو شهر معلوم لا تنازع فيه. حدثنا أحمد قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا اسرائيل، عن سالم، عن مجاهد: "ولا جدال في الحج"، قال: لا شك في الحج. حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا حجاج، عن عطاء، عن ابن عباس: "ولا جدال في الحج"، قال: المراء بالحج. حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن ابن أبي نجيح،
عن مجاهد، "ولا جدال في الحج"، فقد تبين الحج. قال: كانوا يحجون في ذي الحجة عامين، وفي المحرم عامين، ثم حجوا في صفر عامين. وكانوا يحجون في كل سنة في كل شهر عامين، ثم وافقت حجة أبي بكر من العامين في ذي القعدة قبل حجة النبي صلى الله عليه وسلم بسنة، ثم حج النبي صلى الله عليه وسلم من قابل في ذي الحجة، فذلك حين يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض". حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد في قوله: "ولا جدال في الحج"، قال: بين الله أمر الحج ومعالمه، فليس فيه كلام. قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال في قوله: "ولا جدال في الحج" بالصواب، قول من قال: معنى ذلك: قد بطل الجدال في الحج ووقته، واستقام أمره ووقته على وقت واحد، ومناسك متفقة غير مختلفة، ولا تنازع فيه ولا مراء. وذلك أن الله تعالى ذكره أخبر أن وقت الحج أشهر معلومات، ثم نفى عن وقته الاختلاف الذي كانت الجاهلية في شركها تختلف فيه. وإنما اخترنا هذا التأويل في ذلك، ورأيناه أولى بالصواب مما خالفه، لما قد قدمنا من البيان آنفا في تأويل قوله: "ولا فسوق"، أنه غير جائز أن يكون الذي خص بالنهي عنه في تلك الحال [إلا ما هو] مطلق مباح في الحال التي يخالفها، وهي حال الإحلال. وذلك أن حكم ما خص به من ذلك حكم حال الإحرام، إن كان سواء فيه حال الإحرام وحال الإحلال، فلا وجه لخصوصه به حالاً دون حال، وقد عم به جميع الأحوال. وإذ كان ذلك كذلك، وكان لا معنى لقول القائل في تأويل قوله: "ولا جدال في الحج"، أن تأويله: لا تمار صاحبك حتى تغضبه، إلا أحد معنيين: إما أن يكون أراد: لا تماره بباطل حتى تغضبه، فذلك ما لا وجه له. لأن الله عز وجل قد نهى عن المراء بالباطل في كل حال، محرما كان المماري أو محلا. فلا وجه لخصوص حال الإحرام بالمنهي عنه، لاستواء حال الإحرام والإحلال في نهي الله عنه. أو يكون أراد: لا تماره بالحق، وذلك أيضا ما لا وجه له. لأن المحرم لو رأى رجلا يروم فاحشة، كان الواجب عليه مراءه في دفعه عنها، أو رآه يحاول ظلمه والذهاب منه بحق له قد غصبه عليه، كان عليه مراؤه فيه وجداله حتى يتخلصه منه. والجدال والمراء لا يكون بين الناس إلا من أحد وجهين: إما من قبل ظلم، و إما من قبل حق. فإذا كان من أحد وجهيه غير جائز فعله بحال، ومن الوجه الآخر غير جائز تركه بحال، فأي وجوهه التي خص بالنهي عنه حال الإحرام؟. وكذلك لا وجه لقول من تأول ذلك أنه بمعنى السباب، لأن الله تعالى ذكره قد نهى المؤمنين بعضهم عن سباب بعض، على لسان رسوله عليه السلام في كل حال، فقال صلى الله عليه وسلم:"سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر". فإذا كان المسلم عن سب المسلم منهيا في كل حال من أحواله، محرما كان أو غير محرم، فلا وجه. لأن يقال: لا تسبه في حال الإحرام إذا أحرمت وفيما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخبر الذي:؟ حدثنا به محمد بن المثنى قال، حدثني وهب بن جرير قال، حدثنا شعبة، عن سيار،عن أبي حازم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق، خرج مثل يوم ولدته أمه ". حدثني علي بن سهل قال، حدثنا حجاج قال، حدثنا شعبة، عن سيار، عن أبي حازم،
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه ".
حدثنا أحمد بن الوليد قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن سيار، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، مثل حديث ابن المثنى، عن وهب بن جرير. حدثني ابن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن منصور، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله أيضا. حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا أبو الوليد قال، حدثنا شعبة قال، أخبرني منصور قال، سمعت أبا حازم يحدث، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، نحوه. حدثنا تميم بن المنتصر قال، أخبرنا إسحاق قال، أخبرنا محمد بن عبيد الله، عن الأعمش، عن أبي حازم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق، خرج من ذنوبه كما ولدته أمه ".حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع وأبو أسامة، عن سفيان، عن منصور، عن أبي حازم- عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر مثله- إلا أنه قال: رجع كما ولدته أمه.حدثنا أبو كريب قال، حدثنا أبو أسامة، عن شعبة، عن سيار، عن أبي حازم، عن أبي هريرة قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر نحوه- إلا أنه قال: "رجع إلى أهله مثل يوم ولدته أمه ".حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا يحيى بن أبي بكير، عن إبراهيم بن طهمان، عن منصور، عن هلال بن يساف، عن أبي حازم، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال، فذكر نحوه- الا أنه. قال: "رجع إلى أهله مثل يوم ولدته أمه".حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا يحيى بن أبي بكير، عن إبراهيم بن طهمان، عن منصور، عن هلال بن يساف، عن أبي حازم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من حج هذا البيت- يعني الكعبة- فلم يرفث ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه". حدثنا الفضل بن الصباح قال، حدثنا هشيم بن بشير، عن سيار، عن أبي حازم، عن أبي
هريرة قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: "من حج لله فلم يرفث ولم يفسق، رجع كهيئته يوم ولدته أمه". دلالة (1) واضحة على أن قوله: "ولا جدال في الحج"، بمعنى النفي عن الحج بأن يكون في وقته جدال ومراء، دون النهي عن جدال الناس بينهم فيما يعنيهم من الأمور أو لا يعنيهم. وذلك أنه صلى الله عليه وسلم أخبر أنه من حج فلم يرفث ولم يفسق، استحق من الله الكرامة ما وصف أنه استحقه بحجه، تاركا للرفث والفسوق اللذين نهى الله الحاج عنهما في حجه، من غير أن يضم إليهما الجدال. فلو كان الجدال الذي ذكره الله في قوله: "ولا جدال في الحج"، مما نهاه الله عنه بهذه الاية- على نحو الذي تأول ذلك من تأوله: من أنه المراء والخصومات أو السباب وما أشبه ذلك- لما كان صلى الله عليه وسلم ليخص باستحقاق الكرامة التي ذكر أنه يستحقها الحاج الذي وصف أمره، باجتناب خلتين مما نهاه الله عنه في حجه، دون الثالثة التي هي مقرونة بهما. ولكن لما كان معنى الثالثة فخالفا معنى صاحبتيها، في أنها خبر على المعنى الذي وصفنا، وأن الأخريين بمعنى النهي الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن مجتنبهما في حجه مستوجب ما وصف من إكرام الله إياه، مما أخبر أنه مكرمه به- إذ كانتا بمعنى النهي- وكان المنتهي عنهما لله مطيعا بانتهائه عنهما، ترك ذكر الثالثة، إذ لم تكن في معناهما، وكانت مخالفة سبيلها سبيلهما. فإذ كان ذلك كذلك، فالذي هو أولى بالقراءة من القراءات، المخالفة بين إعراب الجدال واعراب الرفث والفسوق ، ليعلم سامع ذلك- إذا كان من أهل الفهم باللغات- أن الذي من أجله خولف بين إعرابيهما اختلاف معنييهما. وإن كان صوابا قراءة جميع ذلك باتفاق إعرابه على اختلاف معانيه، إذ كانت العرب قد تتبع بعض الكلام بعضا بإعراب، مع اختلاف المعاني، وخاصة في هذا النوع من الكلام. فأعجب القراءات إلي في ذلك- إذ كان الأمر على ما وصفت- قراءة من قرأ: "فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج "، برفع الرفث والفسوق وتنوينهما، وفتح الجدال بغير تنوين. وذلك هو قراءة جماعة البصريين، وكثير من أهل مكة، منهم عبد الله بن كثير وأبو عمرو بن العلاء. وأما قول من قال: معناه: النهي عن اختلاف المختلفين في أتمهم حجا، والقائلين:. معناه النهي عن قول القائل: غدا الحج مخالفا به قول الآخر: اليوم الحج ، فقول في حكايته الكفاية عن الاستشهاد على وهائه وضعفه. وذلك أنه قول لا تدرك صحته إلا بخبر مستفيض أو خبر صادق يوجب العلم أن ذلك كان كذلك، فنزلت الاية بالنهي عنه، أو أن معنى ذلك في بعض معاني الجدال دون بعض، ولا خبر بذلك بالصفة التي وصفنا. وأما دلالتنا على قول ما قلنا من أنه نفي من الله جل وعز عن شهور الحج، فالاختلاف الذي كانت الجاهلية تختلف فيما بينها قبل كما وصفنا. وأما دلالتنا على أن الجاهلية كانت تفعل ذلك، فالخبر المستفيض في أهل الأخبار أن الجاهلية كانت تفعل ذلك، مع دلالة قول الله تقدس اسمه: "إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما" [التوبة: 37]. قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: افعلوا أيها المؤمنون ما أمرتكم به في حجكم، من إتمام مناسككم فيه، وأداء فرضكم الواجب عليكم في إحرامكم، وتجنب ما أمرتكم بتجنبه من الرفث والفسوق في حجكم، لتستوجبوا به الثواب الجزيل، فإتكم مهما تفعلوا من ذلك وغيره من خير وعمل صالح ابتغاء مرضاتي وطلب ثوابي، فأنا به عالم، ولجميعه محص، حتى أوفيكم أجره، وأجازيكم عليه، فإني لا تخفى علي خافية، ولا ينكتم عني ما أردتم بأعمالكم، لأني مطلع على سرائركم، وعالم بضمائر نفوسكم.قال أبو جعفر: ذكر أن هذه الاية نزلت في قوم كانوا يحجون بغير زاد، وكان بعضهم إذا أحرم.
رمى بما معه من الزاد واستأنف غيره من الأزودة، فأمر الله جل ثناؤه من لم يكن يتزود منهم بالتزود لسفره، ومن كان منهم ذا زاد أن يتحفظ بزاده فلا يرمي به. ذكر الأخبار التي رويت في ذلك:حدثني الحسين بن علي الصدائي قال، حدثنا عمرو بن عبد الغفار قال، حدثنا محمد بن سوقة، عن نافع، عن ابن عمر قاد: كانوا إذا أحرموا ومعهم أزودة رموا بها، واستأنفوا زاداً آخر، فأنزل؟ الله: "وتزودوا فإن خير الزاد التقوى"، فنهوا عن ذلك، وأمروا أن يتزودوا الكعك والدقيق والسويق حدثنا محمد بن عبد الله المخرمي قالت، حدثنا شبابة قال، حدثنا ورقاء، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: كانوا يحجون ولا يتزودون، فنزلت: "وتزودوا فإن خير الزاد التقوى" حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا سفيان، عن ابن سوقة، عن سعيد بن جبير في قوله: "وتزودوا فإن خير الزاد التقوى"، قال: الكعك والزيت. حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق، عن ابن عيينة، عن ابن سوقة، عن سعيد بن جبير قال: هو الكعك والسويق. وحدثنا عمرو قال، حدثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو، عن عكرمة قال: كان أناس يحجون ولا يتزودون، فأنزل الله: "وتزودوا فإن خير الزاد التقوى". حدثنا عمرو قال، حدثنا سفيان بن عيينة قال، حدثنا عبد الملك بن عطاء، كوفي لنا (1). حدثت الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق، عن ابن عيينة، عن عبد الملك، عن الشعبى في قوله. "وتزودوا فإن خير الزاد التقوى"، قال: التمر والسويق.
حدثنا عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا حنظلة، قال: سئل سالم عن زاد الحاج، فقال: الخبز واللحم والتمر. قال عمرو: وسمعت أبا عاصم مرة يقول: حدثنا حنظلة: سئل سالم عن زاد الحاج فقال: الخبز والتمر. حدثنا عمرو قال، حدثنا ابن ابي عدي، عن هشيم، عن المغيرة، عن إبراهيم قال: كان ناس من الأعراب يحجون بغير زاد، ويقولون: نتوكل على الله! ، فأنزل الله جل ثناؤه: "وتزودوا فإن خير الزاد التقوى".حدثنا عبد الحميد بن بيان قال، أخبرنا إسحاق، عن عمر بن ذر، عن مجاهد قال: كان الحاج منهم لا يتزود، فأنزل الله: "وتزودوا فإن خير الزاد التقوى". حدثنا عمرو قاك، حدثنا يحيى، عن عمر بن ذر- وحدثنا الحسن بن يحيى قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا عمر بن ذر- عن مجاهد قال: كانوا يسافرون ولا يتزودون، فنزلت: "وتزودوا فإن خير الزاد التقوى". وقال الحسن بن يحيى في حديثه: كانوا يحجون ولا يتزودون. حدثني نصر بن عبد الرحمن الأودي قال، حدثنا المحاربي، عن عمر بن ذر، عن مجاهد نحوه. حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا عمر بن ذر قال: سمعت مجاهدا يحدث، فذكر نحوه. حدثنا عبد الحميد بن بيان قال، أخبرنا إسحاق، عن أبي بشر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: كان أهل الآفاق يخرجون إلى الحج، يتوصلون بالناس بغير زاد، يقولون: نحن متكلون . فأنزل الله: "وتزودوا فإن خير الزاد التقوى".
حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله عز وجل: "وتزودوا"، قال: كان أهل الآفاق يخرجون إلى الحج، يتوصلون بالناس بغير زاد، فأمروا أن يتزودوا.حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "وتزودوا فإن خير الزاد التقوى"، قال: كان أهل اليمن يتوصلون بالناس، فأمروا أن يتزودوا ولا يستمتعوا. قال: وخير الزاد التقوى. حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عنبسة، عن ليث، عن مجاهد: "وتزودوا فإن خير الزاد التقوى"، قال: كانوا لا يتزودون، فأمروا بالزاد، وخير الزاد التقوى.حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "وتزودوا فإن خير الزاد التقوى"، فكان الحسن يقول: إن ناسا من أهل اليمن كانوا يحجون ويسافرون ولا يتزودون، فأمرهم الله بالنفقة والزاد في سبيل الله، ثم أنبأهم أن خير الزاد التقوى.
حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية، عن سعيد بن أبي عروبة في قوله: "وتزودوا فإن خير الزاد التقوى"، قال: قال قتادة: كان ناس من أهل اليمن يحجون ولا يتزودون- ثم ذكر نحو حديث بشر، عن يزيد. حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة: "وتزودوا فإن خير الزاد التقوى"، قال: كان ناس من أهل اليمن يخرجون بغير زاد إلى مكة، فأمرهم الله أن يتزودوا، وأخبرهم أن خير الزاد التقوى.
حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: "وتزودوا فإن خير الزاد التقوى"، قال: كان ناس يخرجون من أهليهم ليست معهم أزودة، يقولون: نحج بيت الله ولا يطعمنا! . فقال الله: وتزودوا ما يكف وجوهكم عن الناس.
حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن قتادة قوله: "وتزودوا فإن خير الزاد التقوى"، فكان ناس من أهل اليمن يحجون ولا يتزودون، فأمرهم الله أن يتزودوا، وأنبأ أن خير الزاد التقوى. حدثني المثنى قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا سفيان، عن محمد بن سوقة، عن سعيد بن جبير: "وتزودوا"، قال: السويق والدقيق والكعك.حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع، عن سفيان، عن محمد بن سوقة، عن سعيد بن جبير: "وتزودوا فإن خير الزاد التقوى"، قال: الخشكانج والسويق. حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع، عن عبد الملك بن عطاء البكائي قال، سمعت الشعبي يقول في قوله: "وتزودوا فإن خير الزاد التقوى"، قال: هو الطعام، وكان يومئذ الطعام قليلا. قال قلت: وما الطعام؟ قال: التمر والسويق.
حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك قوله: "وتزودوا فإن خير الزاد التقوى"، وخير زاد الدنيا المنفعة من اللباس والطعام والشراب.
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم: "وتزودوا فإن خير الزاد التقوى"، قال: كان الناس يتزودون إلى عقبة، فإذا انتهوا إلى تلك العقبة توكلوا ولم يتزودوا. حدثني نصر بن عبد الرحمن الأودي قال، حدثنا المحاربي قال، قال سفيان في قوله: "وتزودوا"، قال: أمروا بالسويق والكعك.
حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرني أبي: أنه سمع عكرمة يقول في قوله: "وتزودوا"، قال: هو السويق والدقيق. حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "وتزودوا فإن خير الزاد التقوى"، قال: كانت قبائل من العرب يحرمون الزاد إذا خرجوا حجاجا وعفارا لأن يتضيفوا الناس، فقال الله تبارك وتعالى لهم: "وتزودوا فإن خير الزاد التقوى". حدثنا عمرو بن عبد الحميد الاهلي قال، حدثنا سفيان، عن عمرو، عن عكرمة قال: كان الناس يقدمون مكة بغير زاد، فأنزل الله: "وتزودوا فإن خير الزاد التقوى". قال أبو جعفر: فتأويل الآية إذا: فمن فرض في أشهر الحج الحج فأحرم فيهن، فلا يرفثن ولا يفسقن. فإن أمر الحج قد استقام لكم، وعرفكم ربكم ميقاته وحدوده، فاتقوا الله فيما أمركم به ونهاكم عنه من أمر حجكم ومناسككم، فإنكم مهما تفعلوا من خير أمركم به أو ندبكم إليه، يعلمه. وتزودوا من أقواتكم ما فيه بلاغكم إلى أداء فرض ربكم عليكم في حجكم ومناسككم، فإنه لا بر لله جل ثناؤه في ترككم التزود لأنفسكم ومسألتكم الناس، ولا في تضييع أقواتكم وإفسادها، ولكن البر في تقوى ربكم باجتناب ما نهاكم عنه في سفركم لحجكم، وفعل ما أمركم به، فإنه خير التزود، فمنه تزودوا. وبنحو الذي قلنا في ذلك روي الخبر عن الضحاك بن مزاحم:
حدثنى المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك في قوله: "فإن خير الزاد التقوى"، قال: والتقوى عمل بطاعة لله. وقد بينا معنى التقوى فيما مضى بما أغنى عن إعادته. قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: واتقون يا أهل العقول والأفهام، بأداء فرائضي عليكم التي أوجبتها عليكم في حجكم ومناسككم، وغير ذلك من ديني الذي شرعته لكم، وخافوا عقابي باجتناب محارمي التي حرمتها عليكم، تنجوا بذلك مما تخافون من غضبي عليكم وعقابي، وتدركوا ما تطلبون من الفوز بجناتي. وخص جل ذكره بالخطاب بذلك أولي الألباب، لأنهم هم أهل التمييز بين الحق والباطل، وأهل الفكر الصحيح والمعرفة بحقائق الأشياء التي بالعقول تدرك، وبالألباب تفهم. ولم يجعل لغيرهم من أهل الجهل في الخطاب بذلك حظا، إذ كانوا أشباحا كالأنعام، وصورا كالبهائم، بل هم منها أضل سبيلا. و الألباب جمع لب ، وهو العقل.
فيه أربع عشرة مسألة :
الأولى :قوله تعالى : "الحج أشهر معلومات" لما ذكر الحج والعمرة سبحانه وتعالى في قوله : "وأتموا الحج والعمرة لله" بين اختلافهما في الوقت ، فجميع السنة وقت للإحرام بالعمرة ، ووقت العمرة . وأما الحج فيقع في السنة مرة ، فلا يكون في غير هذه الأشهر . و "الحج أشهر معلومات" ابتداء وخبر ، وفي الكلام حذف تقديره : أشهر الحج أشهر ، أو وقت الحج أشهر ، أو وقت عمل الحج أشهر . وقيل التقدير :الحج في أشهر ويلزمه مع سقوط حرف الجر نصب الأشهر ، ولم يقرأ أحد بنصبها ، إلا أنه يجوز في الكلام النصب على أنه ظرف . قال الفراء : الأشهر رفع ، لأن معناه وقت الحج أشهر معلومات . قال الفراء : وسمعت الكسائي يقول : إنما الصيف شهران ، وإنما الطيلسان ثلاثة أشهر .أراد وقت الصيف ، ووقت لباس الطيلسان ، فحذف .
الثانية : واختلف في الأشهر المعلومات ، فقال ابن مسعود وابن عمر و عطاء و الربيع و مجاهد والزهري : أشهر الحج شوال وذو القعدة وذو الحجة كله . وقال ابن عباس و السدي و الشعبي و النخعي : هي شوال وذو القعدة وعشرة من ذي الحجة ، وروي عن ابن مسعود ، وقاله ابن الزبير ،والقولان مرويان عن مالك ، حكى الأخير ابن حبيب ، والأول ابن المنذر . وفائدة الفرق تعلق الدم ، فمن قال : إن ذا الحجة كله من أشهر الحج لم ير دماً يقع من الأعمال بعد يوم النحر ، لأنها في أشهر الحج . وعلى القول الأخير ينقضي الحج بيوم النحر ، ويلزم الدم فيما عمل بعد ذلك لتأخيره عن وقته .
الثالثة : لم يسم الله تعالى أشهر الحج في كتابه ، لأنها كانت معلومة عندهم . ولفظ الأشهر قد يقع على شهرين وبعض الثالث ، لأن بعض الشهر يتنزل منزلة كله ، كما يقال : رأيتك سنة كذا ، أو على عهد فلان . ولعله إنما رآه في ساعة منها ، فالوقت يذكر بعضه بكله ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم :
"أيام منى ثلاثة" . وإنما هي يومان وبعض الثالث . ويقولون : رأيتك اليوم ، وجئتك العام . وقيل : لما كان الاثنان وما فوقهما جمع قال أشهر ، والله أعلم .
الرابعة :اختلف في الإهلال بالحج في غير أشهر الحج ، فروي عن ابن عباس : من سنة الحج أن يحرم به في أشهر الحج . وقال عطاء و مجاهد و طاوس و الأوزاعي : من أحرم بالحج قبل اشهر الحج لم يجزه ذلك عن حجه ويكون عمرة ، كمن دخل في صلاة قبل وقتها فإنه لا تجزيه وتكون نافلة ، وبه قال الشافعي و أبو ثور . وقال الأوزاعي : يحل بعمرة . وقال احمد بن حنبل : هذا مكروه ، وروي عن مالك ، والمشهور عنه جواز الإحرام بالحج في جميع السنة كلها ، وهو قول أبي حنيفة . وقال النخعي : لا يحل حتى يقضي حجه ، لقوله تعالى : "يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج" وقد تقدم القول فيها . وما ذهب إليه الشافعي أصح ، لأن تلك عامة ، وهذه الآية خاصة . ويحتمل أن يكون من باب النص على بعض أشخاص العموم ، لفضل هذه الأشهر على غيرها ، وعليه فيون قول مالك صحيحاً ، والله أعلم .
الخامسة : قوله تعالى : "فمن فرض فيهن الحج" أي ألزمه نفسه بالشروع فيه بالنية قصداً باطناً ، وبالإحرام فعلاً ظاهراً ، وبالتلبية نطقاً مسموعاً ، قاله ابن حبيب و أبو حنيفة في التلبية . وليست التلبية عند الشافعي من أركان الحج ، وهو قول الحسن بن حي . قال الشافعي : تكفي النية في الإحرام بالحج . وأوجب التلبية أهل الظاهر وغيرهم . وأصل الفرض في اللغة : الحز والقطع ، ومنه فرضة القوس والنهر والجبل . ففرضية الحج لازمة للعبد الحر كلزوم الحز للقدح .وقيل : فرض أي أبان ، وهذا يرجع إلى القطع ، لأن من قطع شيئاً فقد أبانه عن غيره . و من رفع بالابتداء ومعناها الشرط ، والخبر قوله : فرض ، لأن من ليست بموصولة ، فكأنه قال :رجل فرض . وقال فيهن ولم يقل فيها ، فقال قوم : هما سواء في الاستعمال . وقال المازني أبو عثمان : الجمع الكثير لما لا يعقل يأتي كالواحدة المؤنثة ، والقليل ليس كذلك ، تقول : الأجذاع انكسرن ، والجذوع انكسرت ، ويؤيد ذلك قوله الله تعالى : "إن عدة الشهور" ثم قال : "ومنها" .
السادسة : قوله تعالى : "فلا رفث" قال ابن عباس وابن جبير و السدي و قتادة و الحسن و عكرمة و الزهري و مجاهد و مالك : الرفث الجماع ، أي فلا جماع لأنه يفسده . وأجمع العلماء على أن الجماع قبل الوقوف بعرفة مفسج للحج ، وعليه حج قابل والهدي ، وقال عبد الله ابن عمر و طاوس و عطاء وغيرهم : الرفث الإفحاش للمرأة بالكلام ، لقوله : إذا أحللنا فعلنا بك كذا ، من غير كناية ، وقاله ابن عباس ايضاً ، وأنشد وهو محرم :
‌وهن يميشن بنا هميسا إن تصدق الطير ننك لميسا
فقال له صاحبه حصين بن قيس : أترفث وأنت محرم ‍، فقال : إن الرفث ما قيل عند النساء . وقال قوم : الرفث الإفحاش بذكر النساء ، كان ذلك بحضرتهن أم لا . وقيل : الرفث كلمة جامعة لما يريده الرجل من أهله . وقال ابو عبيدة : الرفث اللغا من الكلام ، وأنشد :
ورب اسراب حجيج كظم عن اللغا ورفث التكلم
يقال :رفث يرفث ، بضم الفاء وكسرها . وقرأ ابن مسعود فلا رفوث على الجمع . قال ابن العربي : المراد بقوله فلا رفث نفيه مشروعاً لا موجوداً ، فإتا نجد الرفث فيه ونشاهده ، وخبر الله سبحانه لا يجوز أن يقع بخلاف مخبره ، وإنما يرجع النفي إلى وجوده مشروعاً لا إلى وجوده محسوساً ، كقوله تعالى : " والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء" معناه : شرعاً لا حساً ، فإنا نجد المطلقات لا يتربصن ، فعاد النفي إلى الحكم الشرعي لا إلى الوجوه الحسي . وهذا كقوله تعالى : "لا يمسه إلا المطهرون" إذا قلنا : إنه وارد في الآدميين ـ وهو الصحيح ـ أن معناه لا يمسه أحد منهم شرعاً ، فإن وجد المس فعلى خلاف حكم الشرع ، وهذه الدقيقة هي التي فاتت العلماء فقالوا : إن الخبر يكون بمعنى النهي ، وما وجد ذلك قط ، ولا يصح أن يوجد ، فإنهما مختلفان حقيقة ومتضادان وصفا .
السابعة :قوله تعالى : "ولا فسوق" يعني جميع المعاصي كلها ، قاله ابن عباس و عطاء والحسن . وكذلك قال ابن عمر وجماعة : الفسوق إتيان معاصي الله عز وجل في حال إحرامه بالحج ، كقتل الصيد وقص الظفر وأخذ الشعر ، وشبه ذلك . وقال ابن زيد و مالك : الفسوق الذبح للأصنام ، ومنه قوله تعالى : "أو فسقا أهل لغير الله به" . وقال الضحاك : الفسقو التنابز بالألقاب ، ومنه قوله :"بئس الاسم الفسوق" . وقال ابن عرم أيضاً : الفسوق السباب ، ومنه قوله عليه السلام :
"سباب المسلم فسوق وقتاله كفر" . والقول الأول أصح ، لأنه يتناول جميع الأقوال . قال صلى الله عليه وسلم
"من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه" .
"والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة" خرجه مسلم وغيره . وجاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال :
"والذي نفسي بيده ما بين السماء والأرض من عمل أفضل من الجهاد في سبيل الله أو حجة مبرورة لا رفث فيها ولا فسوق ولا جدال" . وقال الفقهاء : الحج المبرور هو الذي لم يعص الله تعالى فيه أثناء أدائه . وقال الفراء : هو الذي لم يعص الله سبحانه بعده ، ذكر القولين ابن العربي رحمه الله .
قلت :الحج المبرور هو الذي لم يعص الله سبحانه فيه لا بعده . قال الحسن : الحج المبرور هو أن يرجع صاحبه واهدً في الدينا راغباً في الآخرة . وقيل غير هذا ، وسيأتي .
الثامنة : قوله تعالى : "ولا جدال في الحج" قرىء "فلا رفث ولا فسوق" بالرفع والتنوين فيهما . وقرئا بالنصب بغير تنوين . وأجمعوا على الفتح في ولا جدال ، وهو يقوي قراءة النصب فيما قبله ، ولأن المقصود النفي العام من الرفث والفسوق والجدال ، وليكون الكلام على نظام واحد في عموم المنفي كله ، وعلى النصب أكثر القراء . والأسماء الثلاثة في موضع رفع ، كل واحد مع لا . وقوله في الحج خبر عن جميعها . ووجه قراءة الرفع أن لا بمعنى ليس فارتفع الاسم بعدها ، لأنه اسمها ، والخبر محذوف تقديره : فليس رفث ولا فسوق في الحج ، دل عليه في الحج الثاني الظاهر وهو خبر لا جدال . وقال ابو عمرو بن العلاء : الرفع بمعنى فلا يكونن رفث ولا فسوق ، أي شيء يخرج من الحج ، ثم ابتدأ النفي فقال : ولا جدال .
قلت : فيحتمل أن تكون كان تامة ، مثل قوله : "وإن كان ذو عسرة" فلا تحتاج إلى خبر . ويحتمل أن تكون ناقصة والخبر محذوف ، كما تقدم آنفاً . ويجوز أن يرفع رفث وفسوق بالابتداء ، ولا للنفي ، والخبر محذوف أيضاً . وقرأ أبو جعفر بن القعقاع بالرفع في الثلاثة . ورويت عن عاصم في بعض الطرق ، وعليه يكون في الحج خبر الثلاثة ، كما قلنا في قراءة النصب ، وإنما لم يحسن أن يكون في الحج خبر عن الجميع مع اختلاف القراءة ، لأن خبر ليس منصوب وخبر ولا جدال مرفوع ، لأن ولا جدال مقطوع من الأول وهو في موضع رفع بالابتداء ، ولا يحتمل عاملان في اسم واحد . ويجوز فلا رفث ولا فسوق تعطفه على الموضع . وأنشد النحويون :
‌لا نسب اليوم ولا خلة اتسع الخرق على الراقع
ويجوز في الكلام فلا رفث ولا فسوقاً ولا جدالاً في الحج عطفاً على اللفظ على ما كان يجب في لا . قال الفراء : ومثله :
‌فلا أب وابنا مثل مروان وابنه إذا هو بالمجد ارتدى وتأزرا
وقال أبو رجاء العطاردي : فلا رفث ولا فسوق بالنصب فيهما ، ولا جدال بالرفع والتنوين . وأنشد الأخفش :
هذا وجدكم الصغار بعينه لا أم لي إن كان ذاك ولا أب
وقيل : إن معنى فلا رفث ولا فسوق النهي ، أيلا لا ترفثوا ولا تفسقوا . ومعنى ولا جدال النفي ، فلما اختلفا في المعنى خولف بينهما في اللفظ . قال القشيري : وفيه نظر ، إذ قيل : ولا جدال نهي أيضاً ، أي لا تجادلوا ، فلم فرق بينهما .
التاسعة : قوله تعالى : "ولا جدال" الجدال وزنه فعال من المجادلة ، وهي مشتقة من الجدل وهو الفتل ، منه زمام مجدول . وقيل : هي مشتقة من الجدالة التي هي الأرض . فكأن كل واحد من الخصمين يقاوم صاحبه حتى يغلبه ، فيكون كمن ضرب به الجدالة . قال الشاعر :
قد أركب الآلة بعد الآلة وأترك العاجز بالجداله
متعفرا ليست له محاله
العاشرة : واختلفت العلماء في المعنى المراد به هنا على أقوال ستة ، فقال ابن مسعود وابن عباس و عطاء : الجدال هنا أن تماري مسلما حتى تغضبه فينتهي إلى السباب ، فأما مذاكرة العلم فلا نهي عنها . وقال قتادة : الجدال السباب . وقال ابن زيد و مالك بن أنس : الجدال هنا أن يختلف الناس : أيهم صادق موقف إبراهيم عليه السلام ، كما كانوا يفعلون في الجاهلية حين كانت قريش تقف في غير موقف سائر العرب ، ثم يتجادلون بعد ذلك ، فالمعنى على هذا التأويل : لا جدال في مواضعه . وقالت طائفة : الجدال هنا أن تقول طائفة : الحج اليوم ، وتقول طائفة الحج غداً . وقال مجاهد وطائفة معه :الجدال المماراة في الشهور حسب ما كانت عليه العرب من النسيء ، كانوا ربما جعلوا الحج في غير ذي الحجة ، ويقف بعضهم بجمع وبعضهم بعرفة ، ويتمارون في الصواب من ذلك .
قلت : فعلى هذين التأويلين لا جدال في وقته ولا في موضعه ، وهذان القولان أصح ما قيل في تأويل قوله : ولا جدال ، لقوله صلى الله عليه وسلم :
"إن الزمان قد استدار كهيئتة يوم خلق الله السموات والأرض" الحديث ، وسيأتي في براءة . يعني رجع أمر الحج كما كان ، أي عاد إلى يومه ووقته . وقال صلى الله عليه وسلم لما حج :
"خذوا عني مناسككم" فبين بهذا مواقف الحج ومواضعه . وقال محمد بن كعب القرظي : الجدال أن تقول طائفة : حجنا أبر من حجكم . ويقول الآخر مثل ذلك .وقيل : الجدال كان في الفخر بالآباء ، والله أعلم .
الحادية عشرة : قوله تعالى : "وما تفعلوا من خير يعلمه الله" شرط وجوابه ، والمعنى : أن الله يجازيكم على أعمالكم ، لأن المجازاة إنما تقع من العالم بالشيء . وقيل : هو تحريض وحث على حسن الكلام مكان الفحش ، وعلى البر والتقوى في الأخلاق مكان الفسوق والجدال . وقيل :جعل فعل الخير عبارة عن ضبط انفسهم حتى لا يوجد ما نهوا عنه .
الثانية عشرة : قوله تعالى : "وتزودوا" أمر باتخاذ الزاد . قال ابن عمر و عكرمة و مجاهد و قتادة و ابن زيد : نزلت الآية في طائفة من العرب كانت تجيء إلى الحج بلا زاد ، ويقول بعضهم : كيف نحج بيت الله ولا يطعمنا ، فكانوا يبقون عالة على الناس ، فنهوا عن ذلك ، وأمروا بالزاد . وقال عبد الله بن الزبير :
كان الناس يتكل بعضهم على بعض بالزاد ، فأمروا بالزاد .
و كان النبي صلى الله عليه وسلم في مسيرة راحلة عليها زاد ، وقدم عليه ثلاثمائة رجل من مزينة ، فلما أرادوا أن ينصرفوا قال : يا عمر زود القوم . وقال بعض الناس : تزودوا الرفيق الصالح . وقال ابن عطية : وهذا تخصيص ضعيف ، والأولى في معنى الاية : وتزودوا لمعادكم من الأعمال الصالحة .
قلت : القول الأول أصح ، فإن المراد الزاد المتخذ في سفر الحج المأكول حقيقة كما ذكرنا ، كما روى البخاري عن ابن عباس قال :
كان أهل اليمن يحجون ولا يتزودون ويقولون : نحن المتوكلون ، فإذا قدموا مكة سألوا الناس ، فأنزل الله تعالى : "وتزودوا فإن خير الزاد التقوى" وهذا نص فيما ذكرنا ، وعليه أكثر المفسرين . قال الشعبي : الزاد التمر والسويق . ابن جبير : الكعك والسويق . قال ابن العربي : أمر الله تعالى بالتزود لمن كان له مال ، ومن لم يكن له مال فإن كان ذا حرفة تنفق في الطريق أو سائلاً فلا خطاب عليه ، وإنما خاطب الله أهل الأموال الذين كانوا يتركون أموالهم ويخرجون بغير زاد ويقولون : نحن المتوكلون . والتوكل له شروط ، من قام بها خرج بغير زاد ولا يدخل في الخطاب ، فإنه خرج على الأغلب من الخلق وهم المقصرون عن درجة التوكل الغافلون عن حقائقه ، والله عز وجل أعلم . قال أبو الفرج الجوزي : وقد لبس إبليس على قوم يدعون التوكل ، فخرجوا بلا زاد وظنوا أن هذا هو التوكل وهم على غاية الخطأ . قال رجل لـ أحمد بن حنبل : أريد أن أخرج إلى مكة على التوكل بغير زاد ، فقال له أحمد : اخرج في غير القافلة . فقال لا ، إلا معهم . قال : فعلى جرب الناس توكلت ؟ .
الثالثة عشرة : قوله تعالى : "فإن خير الزاد التقوى" أخبر تعالى أن خير الزاد اتقاء المنهيات ، فأمرهم أن يضموا إلى التزود والتقوى . وجاء قوله "فإن خير الزاد التقوى" محمولاً على المعنى ، لأن معنى وتزودوا : اتقوا الله في اتباع ما أمركم به من الخروج بالزاد . وقيل : يحتمل أن يكون المعنى : فإن خير الزاد ما اتقى به المسافر من الهلكة أو الحاجة إلى السؤال والتكفف . وقيل : فيه تنبيه على أن هذه الدار ليست بدار قرار . قال أهل الإشارات : ذكرهم الله تعالى سفر الآخرة وحثهم على تزود التقوى ، فإن التقوى زاد الآخرة . قال الأعشى :
إذا أنت لم ترحل بزاد من التقى ولاقيت بعد الموت من قد تزودا
ندمت على ألا تكون كمثله وأنك لمن ترصد كما كان أرصدا
وقال آخر :
الموت بحر طامح موجه تذهب فيه حيلة السابح
يا نفس إني قائل فاسمعي مقالة من مشفق ناصح
لا يصحب الإنسان في قبره غير التقى والعمل الصالح
الرابعة عشرة :قوله تعالى : "واتقون يا أولي الألباب" خص أولي الألباب بالخطاب ـ وإن كان الأمر يعم الكل ـ لأنهم الذين قامت عليهم حجة الله ، وهم قابلوا أوامره والناهضون بها . والألباب جمع لب ، ولب كل شيء : خالصه ، ولذلك قيل للعقل : لب . قال النحاس : سمعت أبا إسحاق يقول قال لي أحمد بن يحيى ثعلب : أتعرف في كلام العرب شيئاً من المضاعف جاء على فعل ؟ قلت نعم ، حكى سيبويه عن يونس : لببت تلب ، فاستحسنه وقال : ما أعرف له نظيراً .

اختلف أهل العربية في قوله "الحج أشهر معلومات" فقال بعضهم: تقديره الحج حج أشهر معلومات, فعلى هذا التقدير يكون الإحرام بالحج فيها أكمل من الإحرام فيما عداها وإن كان ذاك صحيحاً, والقول بصحة الإحرام بالحج في جميع السنة مذهب مالك وأبي حنيفة وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه, وبه يقول إبراهيم النخعي والثوري والليث بن سعد واحتج لهم بقوله تعالى: "يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج" وبأنه أحد النسكين, فصح الإحرام به في جميع السنة كالعمرة. وذهب الشافعي رحمه الله, إلى أنه لا يصح الإحرام بالحج إلا في أشهره, فلو أحرم به قبلها لم ينعقد إحرامه به وهل ينعقد عمرة, فيه قولان عنه. والقول بأنه لا يصح الإحرام بالحج إلا في أشهره مروي عن ابن عباس وجابر, وبه يقول عطاء وطاوس ومجاهد رحمهم الله, والدليل عليه قوله "الحج أشهر معلومات" وظاهره التقدير الاخر الذي ذهب إليه النحاة, وهو أن وقت الحج أشهر معلومات فخصصه بها من بين سائر شهور السنة, فدل على أنه لا يصح قبلها كميقات الصلاة, وقال الشافعي رحمه الله: أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج, أخبرني عمر بن عطاء عن عكرمة, عن ابن عباس أنه قال: لا ينبغي لأحد أن يحرم بالحج إلا في شهور الحج من أجل قول الله تعالى: "الحج أشهر معلومات" وكذا رواه ابن أبي حاتم عن أحمد بن يحيى بن مالك السوسي عن حجاج بن محمد الأعور , عن ابن جريج به, ورواه ابن مردويه في تفسيره من طريقين عن حجاج بن أرطاة, عن الحاكم بن عتيبة, عن مقسم عن ابن عباس أنه قال: من السنة أن لا يحرم بالحج إلا في أشهر الحج, وقال ابن خزيمة في صحيحه: حدثنا أبو كريب, حدثنا أبو خالد الأحمر عن شعبة, عن الحكم, عن مقسم, عن ابن عباس, قال: لا يحرم بالحج إلا في أشهر الحج, فإن من سنة الحج أن يحرم في أشهر الحج, وهذا إسناد صحيح, وقول الصحابي من السنة كذا في حكم المرفوع عند الأكثرين, ولا سيما قول ابن عباس تفسيراً للقرآن وهو ترجمانه. وقد ورد فيه حديث مرفوع, قال ابن مردويه: حدثنا عبد الباقي, حدثنا نافع, حدثنا الحسن بن المثنى, حدثنا أبو حذيفة, حدثنا سفيان عن أبي الزبير, عن جابر, عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "لا ينبغي لأحد أن يحرم بالحج إلا في أشهر الحج" وإسناده لا بأس به, لكن رواه الشافعي والبيهقي من طرق عن ابن جريج, عن أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يسأل: أيهل بالحج قبل أشهر الحج ؟ فقال: لا, وهذا الموقوف أصح وأثبت من المرفوع, ويبقى حينئذ مذهب صحابي يتقوى بقول ابن عباس من السنة: أن لا يحرم بالحج إلا في أشهره, والله أعلم.
وقوله "أشهر معلومات" قال البخاري: قال ابن عمر: هي شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة, وهذا الذي علقه البخاري بصيغة الجزم, رواه ابن جرير موصولاً, حدثنا أحمد بن حازم بن أبي برزة, حدثنا أبو نعيم, حدثنا ورقاء عن عبد الله بن دينار , عن ابن عمر "الحج أشهر معلومات" قال: شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة, إسناد صحيح, وقد رواه الحاكم أيضاً في مستدركه عن الأصم, عن الحسن بن علي بن عفان, عن عبد الله بن نمير , عن عبد الله عن نافع, عن ابن عمرو فذكره وقال: هو على شرط الشيخين, (قلت) وهو مروي عن عمر وعلي وابن مسعود وعبد الله بن الزبير وابن عباس وعطاء وطاوس ومجاهد وإبراهيم النخعي والشعبي والحسن وابن سيرين ومكحول وقتادة والضحاك بن مزاحم والربيع بن أنس ومقاتل بن حيان, وهو مذهب الشافعي وأبي حنيفة وأحمد بن حنبل وأبي يوسف وأبي ثور رحمهم الله, واختار هذا القول ابن جرير , قال: وصح إطلاق الجمع على شهرين وبعض الثالث للتغليب, كما يقول العرب: رأيته العام ورأيته اليوم, وإنما وقع ذلك في بعض العام واليوم "فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه" وإنما تعجل في يوم ونصف يوم, وقال الإمام مالك بن أنس والشافعي في القديم: هي شوال وذو القعدة وذو الحجة بكماله, وهو رواية عن ابن عمر أيضاً, قال ابن جرير: حدثنا أحمد بن إسحاق, حدثنا أبو أحمد, حدثنا شريك عن إبراهيم بن مهاجر, عن مجاهد, عن ابن عمر, قال: شوال وذو القعدة وذو الحجة, وقال ابن أبي حاتم في تفسيره: حدثنا يونس بن عبد الأعلى, حدثنا ابن وهب, أخبرني ابن جريج, قال: قلت لنافع: أسمعت عبد الله بن عمر يسمي شهور الحج . قال: نعم, كان عبد الله يسمي شوالاً وذا القعدة وذا الحجة, قال ابن جريج: وقال ذلك ابن شهاب وعطاء وجابر بن عبد الله صاحب النبي صلى الله عليه وسلم, وهذا إسناد صحيح إلى ابن جريج, وقد حكى هذا أيضاً عن طاوس ومجاهد وعروة بن الزبير والربيع بن أنس وقتادة, وجاء فيه حديث مرفوع لكنه موضوع, رواه الحافظ بن مردويه من طريق حصين بن مخارق, وهو متهم بالوضع, عن يونس بن عبيد عن شهر بن حوشب عن أبي أمامة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الحج أشهر معلومات: شوال وذو القعدة وذو الحجة" وهذا كما رأيت لا يصح رفعه والله أعلم, وفائدة مذهب مالك أنه إلى آخر ذي الحجة بمعنى أنه مختص بالحج, فيكره الاعتمار في بقية ذي الحجة, لا أنه يصح الحج بعد ليلة النحر , قال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سنان, حدثنا أبو معاوية عن الأعمش, عن قيس بن مسلم, عن طارق بن شهاب قال: قال عبد الله: الحج أشهر معلومات, ليس فيها عمرة, وهذا إسناد صحيح, قال ابن جرير: وإنما أراد من ذهب إلى أن أشهر الحج شوال وذو القعدة وذو الحجة أن هذه الأشهر ليست أشهر العمرة إنما هي للحج وإن كان عمل الحج قد انقضى بانقضاء أيام منى, كما قال محمد بن سيرين: ما أحد من أهل العلم يشك في أن عمرة في غير أشهر الحج أفضل من عمرة في أشهر الحج, وقال ابن عون: سألت القاسم بن محمد عن العمرة في أشهر الحج فقال: كانوا لا يرونها تامة. (قلت) وقد ثبت عن عمر وعثمان رضي الله عنهما, أنهما كان يحبان الاعتمار في غير أشهر الحج وينهيان عن ذلك في أشهر الحج, والله أعلم.
وقوله " فمن فرض فيهن الحج " أي أوجب بإحرامه حجاً, فيه دلالة على لزوم الإحرام بالحج والمضي فيه, قال ابن جرير: أجمعوا على أن المراد من الفرض ههنا الإيجاب والإلزام, وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس " فمن فرض فيهن الحج " يقول: من أحرم بحج أو عمرة, وقال عطاء: الفرض الإحرام. وكذا قال إبراهيم والضحاك وغيرهم. وقال ابن جرير : أخبرني عمر بن عطاء عن عكرمة, عن ابن عباس أنه قال " فمن فرض فيهن الحج " فلا ينبغي أن يلبي بالحج ثم يقيم بأرض. قال ابن أبي حاتم: روي عن ابن مسعود وابن عباس وابن الزبير ومجاهد وعطاء وإبراهيم النخعي وعكرمة والضحاك وقتادة وسفيان الثوري والزهري ومقاتل بن حيان: نحو ذلك, وقال طاوس والقاسم بن محمد: هو التلبية. وقوله "فلا رفث" أي من أحرم بالحج أو العمرة فليجتنب الرفث, وهو الجماع, كما قال تعالى: "أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم" وكذلك يحرم تعاطي دواعيه من المباشرة والتقبيل ونحو ذلك, كذلك التكلم به بحضرة النساء, قال ابن جرير: حدثني يونس, أخبرنا ابن وهب, أخبرني يونس: أن نافعاً أخبره أن عبد الله بن عمر كان يقول: الرفث إتيان النساء والتكلم بذلك للرجال والنساء إذا ذكروا ذلك بأفواهم, قال ابن وهب: وأخبرني أبو صخر عن محمد بن كعب مثله, قال ابن جرير : وحدثنا محمد بن بشار , حدثنا محمد بن جعفر , حدثنا شعبة عن قتادة, عن رجل, عن أبي العالية الرياحي, عن ابن عباس, أنه كان يحدو وهو محرم, وهو يقول:
وهن يمشين بنا هميسا إن يصدق الطير ننل لميسا
وقال أبو العالية: فقلت: تكلم بالرفث وأنت محرم ؟ قال: إنما الرفث ما قيل عند النساء. ورواه الأعمش عن زياد بن حصين عن أبي العالية عن ابن عباس فذكره. وقال ابن جرير أيضاً, حدثني أبي حصين بن قيس, قال: أصعدت مع ابن عباس في الحاج, وكنت خليله, فلما كان بعد إحرامنا وقال ابن عباس: فأخذ بذنب بعيره فجعل يلويه ويرتجز ويقول:
وهن يمشين بنا هميسا إن تصدق الطير ننل لميسا
قال فقلت: أترفث وأنت محرم ؟ فقال: إنما الرفث ما قيل عند النساء. وقال عبد الله بن طاوس عن أبيه: سألت ابن عباس عن قول الله عز وجل: "فلا رفث ولا فسوق" ؟ قال: الرفث التعريض بذكر الجماع, وهي العرابة في كلام العرب, وهو أدنى الرفث, وقال عطاء بن أبي رباح: الرفث الجماع وما دونه من قول الفحش وكذا قال عمرو بن دينار وقال عطاء: كانوا يكرهون العرابة, وهو التعريض وهو محرم. وقال طاوس: هو أن يقول للمرأة إذا حللت أصبتك, وكذا قال أبو العالية, وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: الرفث غشيان النساء والقبلة والغمز , وأن يعرض لها بالفحش من الكلام ونحو ذلك, وقال ابن عباس أيضاً وابن عمر: الرفث غشيان النساء وكذا قال سعيد بن جبير وعكرمة ومجاهد وإبراهيم وأبو العالية عن عطاء ومكحول وعطاء الخراساني وعطاء بن يسار وعطية وإبراهيم النخعي والربيع والزهري والسدي ومالك بن أنس ومقاتل بن حيان وعبد الكريم بن مالك والحسن وقتادة والضحاك وغيرهم.
وقوله " ولا فسوق " قال: مقسم وغير واحد, عن ابن عباس هي المعاصي, وكذا قال عطاء ومجاهد وطاوس وعكرمة وسعيد بن جبير ومحمد بن كعب والحسن وقتادة وإبراهيم النخعي والزهري والربيع بن أنس وعطاء بن يسار وعطاء الخراساني ومقاتل بن حيان, وقال محمد بن إسحاق عن نافع عن ابن عمر , قال: الفسوق ما أصيب من معاصي الله صيداً أو غيره, وكذا روى ابن وهب عن يونس عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول: الفسوق إتيان معاصي الله في الحرم, وقال آخرون: الفسوق ههنا السباب قال ابن عباس وابن عمر وابن الزبير ومجاهد والسدي وإبراهيم النخعي والحسن, وقد يتمسك هؤلاء بما ثبت في الصحيح "سباب المسلم فسوق وقتاله كفر " ولهذا رواه ههنا الحبر أبو محمد بن أبي حاتم من حديث سفيان الثوري عن زبيد, عن أبي وائل, عن عبد الله, عن النبي صلى الله عليه وسلم , قال: "سباب المسلم فسوق, وقتاله كفر", وروي من حديث عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه, ومن حديث أبي إسحاق عن محمد بن سعد عن أبيه وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: الفسوق ههنا الذبح للأصنام, قال الله تعالى: "أو فسقاً أهل لغير الله به", وقال الضحاك: الفسوق التنابز بالألقاب, والذين قالوا: الفسوق ههنا هو جميع المعاصي الصواب معهم, كما نهى تعالى عن الظلم في الأشهر الحرم, وإن كان في جميع السنة منهياً عنه, إلا أنه في الأشهر الحرم آكد, ولهذا قال "منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم" وقال في الحرم "ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم" واختار ابن جرير أن الفسوق ههنا ارتكاب ما نهى عنه في الإحرام من قتل الصيد وحلق الشعر وقلم الأظفار ونحو ذلك, كما تقدم عن ابن عمر , وما ذكرناه أولى, والله أعلم, وقد ثبت في الصحيحين من حديث أبي حازم عن أبي هريرة, قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من حج هذا البيت, فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه"
وقوله "ولا جدال في الحج" فيه قولان: (أحدهما) ولا مجادلة في وقت الحج في مناسكه, وقد بينه الله أتم بيان, ووضحه أكمل إيضاح, كما قال وكيع عن العلاء بن عبد الكريم: سمعت مجاهداً يقول "ولا جدال في الحج" قد بين الله أشهر الحج فليس فيه جدال بين الناس. وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد "ولا جدال في الحج" قال: لا شهر ينسأ ولا جدال في الحج قد تبين ثم ذكر كيفية ما كان المشركون يصنعون في النسيء الذي ذمهم الله به. وقال الثوري, عن عبد العزيز بن رفيع, عن مجاهد في قوله "ولا جدال في الحج" قال: قد استقام الحج. فلا جدال فيه, وكذا قال السدي. وقال هشيم: أخبرنا حجاج عن عطاء, عن ابن عباس "ولا جدال في الحج" قال: المراء في الحج. وقال عبد الله بن وهب: قال مالك: قال الله تعالى: "ولا جدال في الحج" فالجدال في الحج ـ والله أعلم ـ أن قريشاً كانت تقف عند المشعر الحرام بالمزدلفة, وكانت العرب وغيرهم يقفون بعرفة, وكانوا يتجادلون يقول هؤلاء: نحن أصوب ويقول هؤلاء: نحن أصوب, فهذا فيما نرى, والله أعلم, وقال ابن وهب عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: كانوا يقفون مواقف مختلفة يتجادلون كلهم يدعي أن موقفه موقف إبراهيم, فقطعه الله حين أعلم نبيه بالمناسك, وقال ابن وهب: عن أبي صخر, عن محمد بن كعب, قال: كانت قريش إذا اجتمعت بمنى قال هؤلاء: حجنا أتم من حجكم, وقال هؤلاء: حجنا أتم من حجكم, وقال حماد بن سلمة, عن جبير بن حبيب, عن القاسم بن محمد أنه قال: الجدال في الحج أن يقول بعضهم: الحج غداً, ويقول بعضهم: الحج اليوم, وقد اختار ابن جرير مضمون هذه الأقوال, وهو قطع التنازع في مناسك الحج, والله أعلم.
(والقول الثاني) أن المراد بالجدال ههنا المخاصمة. قال ابن جرير: حدثنا عبد الحميد بن بيان, حدثنا إسحاق عن شريك, عن أبي إسحاق, عن أبي الأحوص, عن عبد الله بن مسعود في قوله "ولا جدال في الحج" قال: أن تماري صاحبك حتى تغضبه, وبهذا الإسناد إلى أبي إسحاق عن التميمي, سألت ابن عباس, عن الجدال, قال: المراء تماري صاحبك حتى تغضبه, وكذلك روى مقسم والضحاك عن ابن عباس وكذا قال أبو العالية وعطاء ومجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة وجابر بن زيد وعطاء الخراساني ومكحول والسدي ومقاتل بن حيان وعمرو بن دينار والضحاك والربيع بن أنس وإبراهيم النخعي وعطاء بن يسار والحسن وقتادة والزهري وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ولا جدال في الحج, المراء والملاحاة حتى تغضب أخاك وصاحبك فنهى الله عن ذلك, وقال إبراهيم النخعي "ولا جدال في الحج" قال: كانوا يكرهون الجدال, وقال محمد بن إسحاق, عن نافع, عن ابن عمر, قال الجدال في الحج السباب والمنازعة, وكذا روى ابن وهب عن يونس, عن نافع: أن ابن عمر كان يقول: الجدال في الحج السباب والمراء والخصومات, وقال ابن أبي حاتم : وروي عن ابن الزبير والحسن وإبراهيم وطاوس ومحمد بن كعب, قالوا الجدال المراء, وقال عبد الله بن المبارك عن يحيى بن بشر , عن عكرمة "ولا جدال في الحج" والجدال الغضب, أن تغضب عليك مسلماً إلا أن تستعتب مملوكاً فتغضبه من غير أن تضربه, فلا بأس عليك إن شاء الله. (قلت) ولو ضربه لكان جائزاً سائغاً, والدليل على ذلك ما رواه الإمام أحمد: حدثنا عبد الله بن إدريس, حدثنا محمد بن إسحاق, عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه, عن أسماء بنت أبي بكر قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجاجاً حتى إذا كنا بالعرج نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلست عائشة إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلست إلى جانب أبي, وكانت زمالة أبي بكر وزمالة رسول الله صلى الله عليه وسلم واحدة مع غلام أبي بكر , فجلس أبو بكر ينتظره إلى أن يطلع عليه, فأطلع وليس مع بعيره, فقال: أين بعيرك ؟ فقال: أضللته البارحة, فقال أبو بكر: بعير تضلله ؟ فطفق يضربه ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبتسم ويقول "انظروا إلى هذا المحرم ما يصنع" وهكذا أخرجه أبو داود وابن ماجه من حديث ابن إسحاق, ومن هذا الحديث حكى بعضهم عن بعض السلف أنه قال: من تمام الحج ضرب الجمال, ولكن يستفاد من قول النبي صلى الله عليه وسلم عن أبي بكر رضي الله عنه "انظروا إلى هذا المحرم ما يصنع" كهيئة الإنكار اللطيف أن الأولى ترك ذلك, والله أعلم.
وقد قال الإمام عبد بن حميد في مسنده: حدثنا عبيد الله بن موسى, عن موسى بن عبيدة, عن أخيه عبد الله بن عبيد الله, عن جابر بن عبد الله, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من قضى نسكه وسلم المسلمون من لسانه ويده, غفر له ما تقدم من ذنبه".
وقوله "وما تفعلوا من خير يعلمه الله" لما نهاهم عن إتيان القبيح قولاً وفعلاً, حثهم على فعل الجميل وأخبرهم أنه عالم به, وسيجزيهم عليه أوفر الجزاء يوم القيامة, وقوله "وتزودوا فإن خير الزاد التقوى" قال العوفي, عن ابن عباس: كان أناس يخرجون من أهليهم ليست معهم أزودة, يقولون: نحج بيت الله ولا يطعمنا ؟ فقال الله: تزودوا ما يكف وجوهكم عن الناس. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقري: حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار , عن عكرمة: أن ناساً كانوا يحجون بغير زاد فأنزل الله "وتزودوا فإن خير الزاد التقوى" وكذا رواه ابن جرير عن عمرو وهو الفلاس, عن ابن عيينة, قال ابن أبي حاتم: وقد روى هذا الحديث ورقاء عن عمرو بن دينار , عن عكرمة عن ابن عباس, قال وما يرويه عن ابن عيينة أصح. (قلت) قد رواه النسائي عن سعيد بن عبد الرحمن المخزومي, عن سفيان بن عيينة, عن عمرو بن دينار, عن عكرمة, عن ابن عباس: كان ناس يحجون بغير زاد, فأنزل الله "وتزودوا فإن خير الزاد التقوى" وأما حديث ورقاء فأخرجه البخاري عن يحيى بن بشر, عن شبابة, وأخرجه أبو داود عن أبي مسعود أحمد بن الفرات الرازي ومحمد بن عبد الله المخزومي عن شبابة عن ورقاء عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس, قال: كان أهل اليمن يحجون ولا يتزودون ويقولون: نحن المتوكلون, فأنزل الله "وتزودوا فإن خير الزاد التقوى" ورواه عبد بن حميد في تفسيره عن شبابة, ورواه ابن حبان في صحيحه من حديث شبابة به, وروى ابن جرير وابن مردويه من حديث عمرو بن عبد الغفار عن نافع, عن ابن عمر , قال: كانوا إذا أحرموا ومعهم أزوادهم رموا بها واستأنفوا زاداً آخر, فأنزل الله تعالى: "وتزودوا فإن خير الزاد التقوى" فنهوا عن ذلك وأمروا أن يتزودوا الدقيق والسويق والكعك, وكذا قال ابن الزبير وأبو العالية ومجاهد وعكرمة والشعبي والنخعي وسالم بن عبد الله وعطاء الخراساني وقتادة والربيع بن أنس ومقاتل بن حيان, وقال سعيد بن جبير: فتزودوا الدقيق والسويق والكعك, وقال وكيع بن الجراح في تفسيره: حدثنا سفيان عن محمد بن سوقة عن سعيد بن جبير "وتزودوا" قال الخشكنانج والسويق, قال وكيع أيضاً, حدثنا إبراهيم المكي عن ابن نجيح, عن مجاهد, عن ابن عمر, قال: إن من كرم الرجل طيب زاده في السفر, وزاد فيه حماد بن سلمة عن أبي ريحانة أن ابن عمر كان يشترط على من صحبه الجودة.
وقوله "فإن خير الزاد التقوى" لما أمرهم بالزاد للسفر في الدنيا أرشدهم إلى زاد الاخرة, وهو استصحاب التقوى إليها, كما قال "وريشاً ولباس التقوى ذلك خير" لما ذكر اللباس الحسي نبه مرشداً إلى اللباس المعنوي, وهو الخشوع والطاعة والتقوى, وذكر أنه خير من هذا وأنفع, قال عطاء الخراساني في قوله "فإن خير الزاد التقوى" يعني زاد الاخرة, وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني: حدثنا عبدان, حدثنا هشام بن عمار, حدثنا مروان بن معاوية عن إسماعيل, عن قيس, عن جرير عن عبد الله, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "من يتزود في الدنيا ينفعه في الاخرة" وقال مقاتل بن حيان لما نزلت هذه الاية "وتزودوا": قام رجل من فقراء المسلمين فقال: يا رسول الله, ما نجد ما نتزوده, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "تزود ما تكف به وجهك عن الناس, وخير ما تزودتم التقوى" رواه ابن أبي حاتم, وقوله "واتقون يا أولي الألباب" يقول: واتقوا عقابي ونكالي وعذابي لمن خالفني ولم يأتمر بأمري, يا ذوي العقول والأفهام.
قوله: 197- "الحج أشهر" فيه حذف، والتقدير: وقت الحج أشهر، أي وقت عمل الحج، وقيل التقدير: الحج في أشهر، وفيه أنه يلزم النصب مع حذف حرف الجر لا الرفع. قال الفراء: الأشهر رفع لأن معناه وقت الحج أشهر معلومات، وقيل التقدير: الحج حج أشهر معلومات. وقد اختلف في الأشهر المعلومات، فقال ابن مسعود وابن عمر وعطاء والربيع ومجاهد والزهري: هي شوال وذو القعدة وذو الحجة كله، وبه قال مالك. وقال ابن عباس والسدي والشعبي والنخعي: هي شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة، وبه قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد وغيرهم. وقد روي أيضاً عن مالك. ويظهر فائدة الخلاف في ما وقع من أعمال الحج بعد يوم النحر، فمن قال إن ذا الحجة كله من الوقت لم يلزمه دم التأخير، ومن قال: ليس إلا العشر منه قال: يلزم دم التأخير. وقد استدل بهذه الآية من قال إنه لا يجوز الإحرام بالحج قبل أشهر الحج، وهو عطاء وطاوس ومجاهد والأوزاعي والشافعي وأبو ثور قالوا: فمن أحرم بالحج قبلها أحل بعمرة، ولا يجزيه عن إحرام الحج كمن دخل في صلاة قبل وقتها فإنها لا تجزيه. وقال أحمد وأبو حنيفة: إنه مكروه فقط. وروي نحوه عن مالك، والمشهور عنه جواز الإحرام بالحج في جميع السنة من غير كراهة. وروى مثله عن أبي حنيفة. وعلى هذا القول ينبغي أن ينظر في فائدة توقيت الحج بالأشهر المذكورة في الآية. وقد قيل: إن النص عليها لزيادة فضلها. وقد روي القول بجواز الإحرام في جميع السنة عن إسحاق بن راهويه وإبراهيم النخعي والثوري والليث بن سعد، واحتج لهم بقوله تعالى: "يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج" فجعل الأهلة كلها مواقيت للحج، ولم يخص الثلاثة الأشهر، ويجاب بأن هذه الآية عامة، وتلك خاصة، والخاص مقدم على العام. ومن جملة ما احتجوا به القياس للحج على العمرة، فكما يجوز الإحرام للعمرة في جميع السنة، كذلك يجوز للحج، ولا يخفى أن هذا القياس مصادم للنص القرآني فهو باطل، فالحق ما ذهب إليه الأولون إن كانت الأشهر المذكورة في قوله: "الحج أشهر" مختصة بالثلاثة المذكورة بنص أو إجماع، فإن لم يكن كذلك فالأشهر جمع شهر، وهو من جموع القلة يتردد ما بين الثلاثة إلى العشرة، والثلاثة هي المتيقنة فيجب الوقوف عندها، ومعنى قوله: "معلومات" أن الحج في السنة مرة واحدة في أشهر معلومات من شهورها ليس كالعمرة، أو المراد معلومات ببيان النبي صلى الله عليه وسلم، أو معلومات عند المخاطبين لا يجوز التقدم عليها ولا التأخر عنها. وقوله: "فمن فرض فيهن الحج" أصل الفرض في اللغة: الحز والقطع، ومنه فرضة القوس والنهر والجبل، ففرضية الحج لازمة للعبد الحر كلزوم الحز للقوس، وقيل معنى فرض: أبان، وهو أيضاً يرجع إلى القطع، لأن من قطع شيئاً فقد أبانه عن غيره. والمعنى في الآية: فمن ألزم نفسه فيهن الحج بالشروع فيه بالنية قصداً باطناً، وبالإحرام فعلاً ظاهراً، وبالتلبية نطقاً مسموعاً. وقال أبو حنيفة: إن إلزامه نفسه يكون بالتلبية أو بتقليد الهدي وسوقه. وقال الشافعي: تكفي النية في الإحرام بالحج. والرفث قال ابن عباس وابن جرير والسدي وقتادة والحسن وعكرمة والزهري ومجاهد ومالك: هو الجماع. وقال ابن عمر وطاوس وعطاء وغيرهم: الرفث: الإفحاش بالكلام. قال أبو عبيدة: الرفث: اللغاء من الكلام، وأنشد:
ورب أسراب حجيج كظم عن اللغا ورفث التكلم
يقال: رفث يرفث بكسر الفاء وضمها. والفسوق: الخروج عند حدود الشرع، وقيل: هو الذبح للأصنام، وقيل: التنابز بالألقاب، وقيل: السباب. والظاهر أنه لا يختص بمعصية معينة، وإنما خصصه من خصصه من خصصه بما ذكر باعتبار أنه قد أطلق على ذلك الفرد اسم الفسوق، كما قال سبحانه في الذبح للأصنام: "أو فسقاً أهل لغير الله به". وقال في التنابز: "بئس الاسم الفسوق". وقال صلى الله عليه وسلم في السباب: "سباب المسلم فسوق". ولا يخفى على عارف أن إطلاق اسم الفسوق على فرد من أفراد المعاصي لا يوجب اختصاصه به. والجدال مشتق من الجدل وهو القتل، والمراد به هنا المماراة، وقيل: السباب، وقيل: الفخر بالآباء. والظاهر الأول. وقد قرىء بنصب الثلاثة ورفعها، ورفع الأولين، ونصب الثالث، وعكس ذلك، ومعنى النفي لهذه الأمور النهي عنها. وقوله: "وما تفعلوا من خير يعلمه الله" حث على الخير بعد ذكر الشر، وعلى الطاعة بعد ذكر المعصية، وفيه أن كل ما يفعلونه من ذلك فهو معلوم عند الله لا يفوت منه شيء. وقوله: "وتزودوا" فيه الأمر باتخاذ الزاد، لأن بعض العرب كانوا يقولون: كيف نحج بيت ربنا ولا يطعمنا؟ فكانوا يحجون بلا زاد ويقولون: نحن متوكلون على الله سبحانه، وقيل المعنى: تزودوا لمعادكم من الأعمال الصالحة "فإن خير الزاد التقوى" والأول أرجح كما يدل على ذلك سبب نزول الآية، وسيأتي. وقوله: "فإن خير الزاد التقوى" إخبار بأن خير الزاد اتقاء المنهيات، فكأنه قال: اتقوا الله في إتيان ما أمركم به من الخروج بالزاد فإن خير الزاد التقوى، وقيل المعنى: فإن خير الزاد ما اتقى به المسافر من الهلكة والحاجة إلى السؤال والتكفف. وقوله: "واتقون يا أولي الألباب" فيه التخصيص لأولي الألباب بالخطاب بعد حث جميع العباد على التقوى، لأن أرباب الألباب هم القابلون لأوامر الله الناهضون بها، ولب كل شيء خالصه.
197. قوله تعالى: " الحج أشهر معلومات " أي وقت الحج أشهر معلومات وهي: شوال وذو القعدة وتسع من ذي الحجة إلى طلوع الفجر من يوم النحر، ويروى عن ابن عمر شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة وكل واحد من اللفظين صحيح غير مختلف، فمن قال عشر عبر به عن الليالي ومن قال تسع عبر به عن الأيام، فإن آخر أيامها يوم عرفة، وهو يوم التاسع وإنما قال أشهر بلفظ الجمع وهي شهران وبعض الثالث لأنها وقت والعرب تسمي الوقت تاماً بقليله وكثيره فتقول العرب أتيتك يوم الخميس وإنما أتاه في ساعة منه، ويقول زرتك العام، وإنما زاره في بعضه، وقيل الاثنان فما فوقهما جماعة لأن معنى الجمع ضم الشيء إلى الشيء، فإذا جاز أن يسمى الاثنان جماعة جاز أن يسمى الاثنان وبعض الثالث جماعة وقد ذكر الله تعالى الاثنين بلفظ الجمع فقال " فقد صغت قلوبكما " (4-التحريم) أي قلباكما، وقال عروة بن الزبير وغيره: أراد بالأشهر شوالاً وذا القعدة وذا الزيارة بمنى فكانت في حكم الحج " فمن فرض فيهن الحج " أي فمن أوجب على نفسه الحج بالإحرام والتلبية وفيه دليل على أن من أحرم بالحج في غير أشهر الحج لا ينعقد إحرامه بالحج، وهو قول ابن عباس وجابر وبه قال عطاء و طاووس و مجاهد وإليه ذهب الأوزاعي و الشافعي وقال ينعقد إحرامه بالعمرة لأن الله تعالى خص هذه الأشهر بغرض الحج فيها فلو انعقد في غيرها لم يكن لهذا التخصيص فائدة، كما أنه علق الصلوات بالمواقيت ثم من أحرم بفرض الصلاة قبل دخول وقته لا ينعقد إحرامه عن الفرض وذهب جماعة إلى أنه ينعقد إحرامه بالحج وهو قول مالك و الثوري و أبي حنيفة رضي الله عنهم، وأما العمرة: فجميع أيام السنة لها إلا أن يكون متلبساً بالحج، وروي عن أنس أنه كان بمكة فكان إذا حمم رأسه خرج فاعتمر.
قوله تعالى: " فلا رفث ولا فسوق " قرأ ابن كثير وأهل البصرة " فلا رفث ولا فسوق " بالرفع والتنوين فيهما، وقرأ الآخرون بالنصب من غير تنوين كقوله تعالى " ولا جدال في الحج " وقرأ أبو جعفر كلها بالرفع والتنوين، واختلفوا في الرفث: قال ابن مسعود وابن عباس وابن عمر هو الجماع وهو قول الحسن و مجاهد و عمرو بن دينار و قتادة و عكرمة و الربيع و إبراهيم النخعي ، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: الرفث غشيان النساء والتقبيل والغمز، وأن يعرض لها بالفحش من الكلام قال حصين بن قيس أخذ ابن عباس رضي الله عنه بذنب بعيره فجعل يلويه وهو يحدو ويقول:
وهن يمشين بنا هميسا إن تصدق الطير ننك لميسا
فقلت له أترفث وأنت محرم، فقال إنما الرفث ما قيل عند النساء، قال طاووس : الرفث التعريض للنساء بالجماع وذكره بين أيديهن، وقال عطاء : الرفث قول الرجل للمرأة في حال الإحرام إذا حللت أصبتك، وقيل: الرفث الفحش والقول القبيح، أما الفسوق: قال ابن عباس: هو المعاصي كلها وهو قول طاووس و الحسن و سعيد بن جبير و قتادة و الزهري و الربيع و القرظي ، وقال ابن عمر: هو ما نهي عنه المحرم في حال الإحرام من قتل الصيد وتقليم الأظافر، وأخذ الأشعار، وما أشبههما وقال إبراهيم و عطاء و مجاهد ، هو السباب بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم " سباب المسلم فسوق وقتاله كفر " وقال الضحاك هو التنابز بالألقاب بدليل قوله تعالى " ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان " (11-الحجرات).
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف أخبرنا محمد بن إسماعيل أخبرنا آدم أخبرنا سيار أبو الحكم قال سمعت أبا حازم يقول: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه ".
قوله تعالى " ولا جدال في الحج " قال ابن مسعود وابن عباس: الجدال أي يماري صاحبه ويخاصمه حتى يغضبه، وهو قول عمرو بن دينار و سعيد بن جبير و عكرمة و عطاء و قتادة ، وقال القاسم بن محمد : هو أن يقول بعضهم الحج ويقول بعضهم الحج غداً، وقال القرظي : كانت قريش إذا اجتمعت بمنى قال هؤلاء: حجنا أتم من حجكم، وقال هؤلاء: حجنا أتم من حجكم وقال مقاتل : هو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم في حجة الوداع وقد أحرموا بالحج: " اجعلوا إهلالكم بالحج عمرة إلا من قلد الهدي " قالوا كيف نجعله عمرة وقد سمينا الحج؟ فهذا جدالهم، وقال ابن زيد : كانوا يقفون مواقف مختلفة كلهم يزعم أن موقفه موقف إبراهيم يتجادلون فيه، وقيل: هو ما كان عليه أهل الجاهلية كان بعضهم يقف بعرفة وبعضهم بالمزدلفة، وكان بعضهم يحج في ذي القعدة وكان بعضهم يحج في ذي الحجة فكل يقول ما فعلته فهو الصواب، فقال جل ذكره " ولا جدال في الحج " أي استقر أمر الحج على ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا اختلاف فيه من بعد، وذلك معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: " ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض " قال مجاهد : معناه ولا شك في الحج أنه في ذي الحجة فأبطل النسيء قال أهل المعاني: ظاهر الآية نفي، ومعناها نهى، أي لا ترفثوا ولا تفسقوا ولا تجادلوا، كقوله تعالى " لا ريب فيه " أي لا ترتابوا " وما تفعلوا من خير يعلمه الله " أي لا يخفى عليه فيجازيكم به.
قوله تعالى: " وتزودوا فإن خير الزاد التقوى " نزلت في ناس من أهل اليمن كانوا يخرجون إلى الحج بغير زاد ويقولون: نحن نحج بيت الله فلا يطعمنا؟ فإذا قدموا مكة سألوا الناس، وربما يفضي بهم الحال إلى النهب والغصب، فقال الله عز وجل " وتزودوا " أي ما تتبلغون به وتكفون به وجوهكم، قال أهل التفسير: الكعك والزبيب والسويق والتمر ونحوها " فإن خير الزاد التقوى " من السؤال والنهب " واتقون يا أولي الألباب " يا ذوي العقول.
197-" الحج أشهر " أي وقته . كقولك البرد شهران . " معلومات " معروفات وهي : شوال وذو القعدة وتسعة من ذي الحجة بليلة النحر عندنا ، والعشر عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى ، وذي الحجة كله عند مالك . وبناء على الخلاف على أن المراد بوقته وقت إحرامه ، أو وقت أعماله ومناسكه ،أو ما لا يحسن فيه غيره من المناسك مطلقاً ، فإن مالكاً كره العمرة في بقية ذي الحجة . و أبو حنيفة رحمه الله وإن صحح الإحرام به قبل شوال فقد استكرهه . وإنما سمي شهران وبعض شهر أشهراً إقامة للبعض مقام الكل ، أو إطلاقاً للجمع على ما فوق الواحد . " فمن فرض فيهن الحج " فمن أوجبه على نفسه بالإحرام فيهن عندنا ،أو بالتلبية أو سوق الهدي عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى وهو دليل على ما ذهب إليه الشافعي رحمه الله تعالى وأن من أحرم بالحج لزمه الإتمام . " فلا رفث " فلا جماع ، أو فلا فحش من الكلام . " ولا فسوق " ولا خروج عن حدود الشرع بالسيئات وارتكاب المحظورات . " ولا جدال " ولا مراء مع الخدم والرفقة . " في الحج " في أيامه ،نفي الثلاثة على قصد النهي للمبالغة وللدلالة على أنها حقيقة بأن لا تكون ، وما كانت منها مستقبحة في أنفسها ففي الحج أقبح كلبسة الحرير في الصلاة والتطريب بقراءة القرآن لأنه خروج عن مقتضى الطبع والعادة إلى محض العبادة . وقرأ ابن كثير و أبو عمرو والأولين بالرفع على معنى : لا يكونن رفث ولا فسوق . والثالث بالفتح على معنى إلاخبار بانتفاء الخلاف في الحج ، وذلك أن قريشاً كانت تحالف سائر العرب فتقف بالمشعر الحرام ، فارتفع الخلاف بأن أمروا أن يقعوا أيضاً بعرفة . " وما تفعلوا من خير يعلمه الله " حث على الخير عقب به النهي عن الشر ليستدل به ويستعمل مكانه . " وتزودوا فإن خير الزاد التقوى " وتزودوا لمعادكم التقوى فإنه خير زاد ،وقيل : نزلت في أهل اليمن كانوا يحجبون ولا يتزودون ويقولون : نحن متوكلون فيكونون كلا على الناس ، فأمروا أن يتزودوا ويتقوا الإبرام في السؤال والتثقيل على الناس . " واتقون يا أولي الألباب " فإن قضية اللب خشية الله وتقواه ، حثهم على التقوى ثم أمرهم بأن يكون المقصود بها الله تعالى فيتبرأ من كل شيء سواه ،وهو مقتضى العقل المعري عن شوائب الهوى فلذلك خص أولي الألباب بهذا الخطاب .
197. The pilgrimage is (in) the well known months, and whoever is minded to perform the pilgrimage therein (let him remember that) there is (to be) no lewdness nor abuse nor angry conversation on the pilgrimage. And whatsoever good ye do Allah knoweth it. So make provision for yourselves (here after); for the best provision is to ward off evil. Therefore keep your duty unto Me, O men of understanding.
197 - For Hajj are the months well known. if any one undertakes that duty therein, let there be no obscenity, nor wickedness, nor wrangling in the Hajj. and whatever good ye do, (be sure) God knoweth it. and take a provision (with you) for the journey, but the best of provisions is right conduct. so fear me, o ye that are wise.