[البقرة : 185] شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
تلك الأيام (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن) من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا في ليلة القدر ، منه (هدى) حال هاديا من الضلالة (للناس وبينات) آيات واضحات (من الهدى) مما يهدي إلى الحق من الأحكام (و) من (الفرقان) بما يفرق بين الحق والباطل (فمن شهد) حضر (منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) تقدم مثله وكرر لئلا يتوهم نسخه بتعميم من شهد (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) ولذا أباح لكم الفطر في المرض والسفر ولكون ذلك في معنى العلة أيضا للأمر بالصوم عطف عليه (ولتكْمِلوا) بالتخفيف والتشديد (العدة) أي عدة صوم رمضان (ولتكبروا الله) عند إكمالها (على ما هداكم) أرشدكم لمعالم دينه (ولعلكم تشكرون) الله على ذلك
قال أبو جعفر: والشهر، فيما قيل، أصله من الشهرة. يقال منه: قد شهر فلان سيفه - إذا
أخرجه من غمده فاعترض به من أراد ضربه- يشهره شهرا. وكذلك 9 شهر الشهر، إذا طلع هلاله، وأشهرنا نحن ، إذا دخلنا في الشهر.
وأما "رمضان"، فإن بعض أهل المعرفة بلغة العرب كان يزعم أنه سمي بذلك لشدة الحر الذي كان يكون فيه، حتى ترمض فيه الفصال، كما يقال للشهر الذي يحج فيه ذو الحجة، والذي يرتبع فيه ربيع الأول و ربيع الأخر.وأما مجاهد فإنه كان يكره أن يقال: "رمضان" ، وبقول: لعله اسم من أسماء الله.حدثني المثنى قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا سفيان، عن مجاهد: أنه كره أن يقال: "رمضان"، ويقول: لعله اسم من أسماء الله، لكن نقول كما قال الله: "شهر رمضان".وقد بينت فيما مضى أن "شهر" مرفوع على قوله: "أياما معدودات"، هن شهر رمضان. وجائز أن يكون رفعه بمعنى: ذلك شهر رمضان، وبمعنى: كتب عليكم شهر رمضان. وقد قرأه بعض القراء "شهر رمضان" نصبا، بمعنى: كتب عليكم الصيام أن تصوموا شهررمضان.وقرأه بعضهم نصبا بمعنى: أن تصوموا شهر رمضان خير لكم إن كنتم تعلمون. وقد يجوز أيضا نصبه على وجه الأمر بصومه، كأنه قيل: شهررمضان فصوموه. وجائز نصبه على الوقت، كأنه قيل: كتب عليكم الصيام في شهر رمضان.وأما قوله: "الذي أنزل فيه القرآن"، فإنه ذكر أنه نزل في ليلة القدر من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا، في ليلة القدر من شهر رمضان. ثم أنزل إلى محمد صلى الله عليه وسلم على ما أراد الله إنزاله إليه، كما:حدثنا أبو كريب قال، حدثنا أبو بكربن عياش، عن الأعمش، عن حسان بن أبي الأشرس، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: أنزل القرآن جملة من الذكر في ليلة أربع وعشرين من رمضان، فجعل في بيت العزة- قال أبو كريب: حدثنا أبو بكر، وقال ذلك السدي.حدثني عيسى بن عثمان قال، حدثنا يحيى بن عيسى، عن الأعمش، عن حسان، عن سعيد بن جبير قال: نزل القرآن جملة واحدة في ليلة القدر في شهررمضان، فجعل في سماء الدنيا.
حدثنا أحمد بن منصور قال، حدثنا عبدالله بن رجاء قال، حدثنا عمران القطان، عن قتادة، عن أبي المليح، عن واثلة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "نزلت صحف إبراهيم أول ليلة من شهر رمضان، وأنزلت التوراة لست مضين من رمضان، وأنزل الإنجيل لثلاث عشرة خلت، وأنزل القرآن لأربع وعشرين من رمضان". حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن". أما "أنزل فيه القرآن"، فإن ابن عباس قال: شهر رمضان، والليلة المباركة ليلة القدر، فإن ليلة القدر هي الليلة المباركة، وهي في رمضان، نزل القرآن جملة واحدة من الزبر إلى بيت المعمور، وهو مواقع النجوم في السماء الدنيا حيث وقع القرآن، ثم نزل على محمد صلى الله عليه وسلم بعد ذلك في الأمر والنهي وفي الحروب رسلا رسلا.حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا عبد الوهاب قال، حدثنا داود، عن عكرمة، عن ابن عباس
قال: أنزل الله القران إلى السماء الدنيا في ليلة القدر، فكان الله إذا أراد أن يوحي منه شيئا أوحاه، فهو قوله: "إنا أنزلناه في ليلة القدر" [القدر: ا].
حدثت ابن المثنى قال، حدثنا أبن أبي عدي، عن داود، عن عكرمة، عن ابن عباس، فذكر نحوه- وزاد فيه: فكان من أوله وآخره عشرون سنة.
حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا داود، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: أنزل القرآن كله جملة واحدة في ليلة القدر في رمضان، إلى السماء الدنيا، فكان الله إذا أراد أن يحدث في الأرض شيئا أنزله منه، حتى جمعه.حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا حصين، عن حكيم بن جبير، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: أنزل القران في ليلة القدر من السماء العليا إلى السماء جملة واحدة، ثم فرق في السنين بعد. قال: وتلا ابن عباس هذه الآية: " فلا أقسم بمواقع النجوم " [الواقعة: 75]، قال: نزل مفرقا.حدثنا يعقوب قال، حدثنا ابن علية، عن داود، عن الشعبي قال: بلغنا أن القرآن نزل جملة واحدة إلى السماء الدنيا.حدثني المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك، قرأه ابن جريج في
قوله: "شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن"، قال: قال ابن عباس: أنزل القرآن جملة واحدة على جبريل في ليلة القدر، فكان لا ينزل منه إلا بأمر. قال ابن جريج: كان ينزل من القرآن في ليلة القدر كل شيء ينزل من القرآن في تلك السنة. فنزل ذلك من السماء السابعة على جبريل في السماء الدنيا، فلا ينزل جبريل من ذلك على محمد إلا ما أمره به ربه. ومثل ذلك "إنا أنزلناه في ليلة القدر" [القدر: ا]، و "إنا أنزلناه في ليلة مباركة" [الدخان: 3].حدثني المثنى قال، حدثنا إسحق قال، حدثنا عبيدالله بن موسى، عن إسرائيل، عن السدي، عن محمد بن أبي المجالد، عن مقسم، عن ابن عباس، قاك له رجل: إنه قد وقع في قلبي الشك من قوله: "شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن"، وقوله: "إنا أنزلناه في ليلة مباركة" [الدخان: 3]، وقوله: "إنا أنزلناه في ليلة القدر" [القدر: ا]، وقد أنزل الله في شوال وذي القعدة وغيره! قال: إنما أنزل في رمضان في ليلة القدر وليلة مباركة جملة واحدة، ثم أنزل على مواقع النجوم رسلا في الشهور والأيام.وأما قوله: "هدى للناس"، فإنه يعني رشادا للناس إلى سبيل الحق وقصد المنهج. وأما قوله: "وبينات"، فإنه يعني: وواضحات "من الهدى"- يعني: من البيان الدال على حدود الله وفرائضه وحلاله وحرامه.وقوله: "والفرقان" يعني: والفصل بين الحق والباطل، كما:
حدثني موسى بن هرون قال حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط، عن السدي: أما "وبينات من الهدى والفرقان"، فبينات من الحلال والحرام.
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في معنى شهود الشهر.فقال بعضهم: هو مقام المقيم في داره. قالوا: فمن دخل عليه شهر رمضان وهو مقيم في داره فعليه صوم الشهر كله، غاب بعد فسافر، أو أقام فلم يبرح.ذكر من قال ذلك:حدثنا محمد بن حميد ومحمد بن عيسى الدامغاني قالا، حدثنا ابن المبارك، عن الحسن بن يحيى، عن الضحاك، عن ابن عباس قي قوله: "فمن شهد منكم الشهر فليصمه"، قال: هو إهلاله بالدار. يريد: إذا هل وهو مقيم.حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا حصين، عمن حدثه، عن ابن عباس أنه قال في قوله: "فمن شهد منكم الشهر فليصمه": فإذا شهده وهو مقيم فعليه الصوم، أقام أو سافر. وإن شهده وهو في سفر، فإن شاء صام وإن شاء أفطر. حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية، عن أيوب، عن محمد، عن عبيدة- في الرجل يدركه رمضان ثم يسافر- قال: إذا شهدت أوله فصم آخره، ألا تراه يقول: "فمن شهد منكم الشهر فليصمه"؟ حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية، عن هشام القردوسى، عن محمد بن سيرين قال، سألت عبيدة: عن رجل أدرك رمضان وهو مقيم؟ قال: من صام أول الشهر فليصم آخره، ألا تراه يقول: "فمن شهد منكم الشهر فليصمه".حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: أما "من شهد منكم الشهر فليصمه"، فمن دخل عليه رمضان وهو مقيم في أهله فليصمه، وإن خرج فيه فليصمه، فانه دخل عليه وهو في أهله.حدثني المثنى قال، حدثنا حجاج قال، حدثنا حماد قال، أخبرنا قتادة، عن محمد بن سيرين، عن عبيدة السلماني، عن علي- فيما يحسب حماد- قال: من أدرك رمضان وهو مقيم لم يخرج، فقد لزمه الصوم، لأن الله يقول: "فمن شهد منكم الشهر فليصمه".حدثنا هناد بن السري قال، حدثنا عبد الرحمن، عن إسمعيل بن مسلم، عن محمد بن سيرين قال: سألت عبيدة السلماني عن قول الله: "فمن شهد منكم الشهر فليصمه"، قال: من كان مقيما فليصمه، ومن أدركه ثم سافر فيه فليصمه. حدثنا هناد قال، حدثنا وكيع، عن ابن عون، عن ابن سيرين، عن عبيدة، قال: من شهد أول رمضان فليصم آخره.حدثنا هناد قال، حدثنا عبدة، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة أن عليا كان يقول: إذا أدركه رمضان وهو مقيم ثم سافر، فعليه الصوم.حدثنا هناد قال، حدثنا عبد الرحيم، عن عبيدة الضبي، عن إبراهيم قال: كان يقول: إذا أدركك رمضان فلا تسافر فيه، فإن صمت فيه يوما أو اثنين ثم سافرت، فلا تفطر، صمه.حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري قال: كنا عند عبيدة فقرأ هذه الآية: "فمن شهد منكم الشهر فليصمه"، قال: من صام شيئا منه في المصر فليصم بقيته إذا خرج. قال: وكان ابن عباس يقول: إن شاء صام وإن شاء أفطر. حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الوهاب- وحدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا
ابن علية- قالا جميعا، حدثنا أيوب، عن أبي يزيد، عن أم ذرة، قالت: أتيت عائشة في رمضان، قالت: من أين جئت؟ قلت: من عند أخي حنين. قالت: ما شأنه؟ قالت: ودعته يريد يرتحل. قالت: فأقرئيه السلام ومريه فليقم، فلو أدركني رمضان وأنا ببعض الطريق لأقمت له. حدثنا هناد قال، حدثنا إسحق بن عيسى، عن أفلح، عن عبد الرحمن، قال: جاء إبراهيم بن طلحة إلى عائشة يسلم عليها، قالت: وأين تريد؟ قال: أردت العمرة. قالت: فجلست حتى إذا دخل عليك الشهر خرجت فيه! قال: قد خرج ثقلي! قالت: اجلس، حتى إذا أفطرت فاخرج- يعني شهررمضان.وقال آخرون: معنى ذلك: فمن شهد منكم الشهر فليصم ما شهد منه.ذكر من قال ذلك:حدثنا هناد بن السري قال، حدثنا شريك، عن أبي إسحق: أن أبا ميسرة خرج في رمضان، حتى إذا بلغ القنطرة دعا ماء فشرب. حدثنا هناد قال، حدثنا جرير، عن مغيرة قال: خرج أبو ميسرة في رمضان مسافرا، فمر بالفرات وهو صائم، فأخذ منه كفا فشربه وأفطر.حدثنا هناد قال، حدثنا وكيع، عن سفيان، عن أبي إسحق، عن مرثد: أن أبا ميسرة سافر في رمضان، فأفطر عند باب الجسر- هكذا قال هناد، عن مرثد، وإنما هو أبو مرثد.حدثني محمد بن عمارة الأسدي قال، حدثنا عبيدالله بن موسى قال، أخبرنا إسرائيل، عن أبي إسحق، عن مرثد: أنه خرج مع أبي ميسرة في رمضان، فلما انتهى إلى الجسر أفطر.
حدثنا هناد وأبو هشام قالا، حدثنا وكيع، عن المسعودي، عن الحسن بن سعد، عن أبيه قال: كنت مع علي في ضيعة له على ثلاث من المدينة، فخرجنا نريد المدينة في شهررمضان، وعلي راكب وأنا ماش، قال: فصام- قال: هناد: وأفطرت- قال أبو هشام: وأمرني فأفطرت.حدثنا هناد قال، حدثنا عبد الرحيم، عن عبد الرحمن بن عتبة، عن الحسن بن سعد، عن أبيه قال: كنت مع علي بن أبي طالب وهو جاء من أرض له، فصام، وأمرني فأفطرت، فدخل المدينة ليلا، وكان راكبا وأنا ماش.حدثنا هناد قال، حدثنا وكيع- وحدثنا ابن بشار قال، حدثنا ابن مهدي- قالا جميعا، حدثنا سفيان، عن عيسى بن أبي عزة، عن الشعبي: أنه سافر في شهررمضان فأفطر عند باب الجسر.حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، قال لي سفيان: أحب إلي أن تتمه.حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر، عن شعبة قال: سألت الحكم وحمادا، وأردت أن أسافر في رمضان، فقالا لي: اخرج. وقال حماد، قال إبراهيم: أما إذا كان العشر، فأحب إلي أن يقيم.
حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا أبو الوليد قال، حدثنا حماد، عن قتادة، عن الحسن وسعيد بن المسيب قالا: من أدركه الصوم وهو مقيم رمضان ثم سافر، قالا: إن شاء أفطر. وقال آخرون: "فمن شهد منكم الشهر فليصمه"، يعني: فمن شهده عاقلا بالغا مكلفا فليصمه.وممن قال ذلك أبو حنيفة وأصحابه، كانوا يقولون: من دخل عليه شهر رمضان وهو صحيح عاقل بالغ فعليه صومه، فإن جن بعد دخوله عليه وهو بالصفة التي وصفنا، ثم أفاق بعد انقضائه، لزمه قضاء ما كان فيه من أيام الشهر مغلوبا على عقله، لأنه كان ممن شهده، وهو ممن عليه فرض.قالوا: وكذلك لو دخل عليه شهر رمضان وهو مجنون، إلا أنه ممن لو كان صحيح العقل كان عليه صومه، فلن ينقضي الشهر حتى صح وبرأ، أو أفاق قبل انقضاء الشهر بيوم أو أكثر من ذلك، فإن عليه قضاء صوم الشهر كله، سوى اليوم الذي صامه بعد إفاقته، لأنه ممن قد شهد الشهر.قالوا: ولو دخل عليه شهر رمضان وهو مجنون، فلم يفق حتى انقضى الشهر كله، ثم أفاق، لم يلزمه قضاء شيءمنه، لأنه لم يكن ممن شهده مكلفا صومه.قال أبو جعفر: وهذا تأويل لا معنى له. لأن الجنون إن كان يسقط عمن كان به فرض الصوم، من أجل فقد صاحبه عقله جميع الشهر، فقد يجب أن يكون ذلك سبيل كل من فقد عقله جميع شهر الصوم. وقد أجمع الجميع على أن من فقد عقله جميع شهر الصوم بإغماء أو برسام، ثم أفاق بعد انقضاء الشهر، أن عليه قضاء الشهر كله. لم يخالف ذلك أحد يجوز الاعتراض به على الأمة. وإذ كان إجماعا، فالواجب أن يكون سبيل كل من كان زائل العقل جميع شهرالصوم، سبيل المغمى عليه. وإذكان ذلك كذلك، كان معلوما أن تأويل الآية غير الذي تأولها قائلو هذه المقالة: من أنه شهود الشهر أو بعضه مكلفا صومه. وإذا بطل ذلك، فتأويل المتأول الذي زعم أن معناه: فمن شهد أوله مقيما حاضرا فعليه صوم جميعه،أبطل وأفسد، لتظاهر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "أنه خرج عام الفتح من المدينة في شهر رمضان بعد ما صام بعضه، وأفطر وأمر أصحابه بالإفطار".حدثنا هناد قال، حدثنا أبو الأحوص، عن منصور، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: "سافر رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان من المدينة إلى مكة، حتى إذا أتى عسفان نزل به، فدعا بإناء فوضعه على يده ليراه الناس. ثم شربه".حدثنا ابن حميد وسفيان بن وكيع قالا، حدثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، عن طاوس، عن ابن عباس، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.حدثنا هناد، حدثنا عبيدة، عن منصور، عن مجاهد، عن طاوس، عن ابن عباس، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحوه.حدثنا هناد وأبو كريب قالا، حدثنا يونس بن بكير قال، حدثنا ابن إسحق قال، حدثني الزهري، عن عبيدالله بن عبدالله بن عتبة، عن ابن عباس قال: "مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم لسفره عام الفتح لعشر مضين من رمضان، فصام رسول الله صلى الله عليه وسلم وصام الناس معه، حتى إذا أتى الكديد- ما بين عسفان وأمج- أفطر".حدثنا هناد وأبو كريب قالا، حدثنا عبدة، عن محمد بن إسحق، عن الزهري، عن عبيدالله بن عبدالله، عن ابن عباس قال "خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لعشر- أو لعشرين- مضت من رمضان عام الفتح، فصام حتى إذا كان بالكديد أفطر " .حدثنا ابن بشار قال، حدثنا سالم بن نوح قال، حدثنا عمر بن عامر، عن قتادة، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري قال: "خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم لثمان عشرة مضت من رمضان، فمنا الصائم ومنا المفطر، فلم يعب المفطر على الصائم، ولا الصائم على المفطر".فإذ كانا فاسدين هذان التأويلان، بما عليه دللنا من فسادهما- فبين أن الصحيح من التأويل هو الثالث، وهو قول من قال: "فمن شهد منكم الشهر فليصمه"، جميع ما شهد منه مقيما، ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر.قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: ومن كان مريضا أو على سفر في الشهر فأفطر، فعليه صيام عدة الأيام التي أفطرها، من أيام أخر غير أيام شهر رمضان.ثم اختلف أهل العلم في المرض الذي أباح الله معه الإفطار، وأوجب معه عدة من أيام أخر.فقال بعضهم: هو المرض الذي لا يطيق صاحبه معه القيام لصلاته.ذكر من قال ذلك:حدثنا معاذ بن شعبة البصري قال، حدثنا شريك، عن مغيرة، عن إبراهيم وإسماعيل بن
مسلم، عن الحسن أنه قال: إذا لم يستطع المريض أن يصلي قائما أفطر.حدثني يعقوب قال حدثنا هشيم، عن مغيرة- أو عبيدة- عن إبراهيم، في المريض إذا لم يستطع الصلاة قائما فليفطر. يعني: في رمضان. حدثنا هناد قال، حدثنا حفص بن غياث، عن إسمعيل قال: سألت الحسن: متى يفطر الصائم؟ قال: إذا جهده الصوم. قال: إذا لم يستطع أن يصلي الفرائض كما أمر.وقال بعضهم: هو كل مرض كان الأغلب من أمر صاحبه بالصوم الزيادة في علته زيادة غير محتملة.وذلك هو قول محمد بن إدريس الشافعي، حدثنا بذلك عنه الربيع.وقال آخرون: هو أكل، مرض يسمى مرضا.ذكر من قال ذلك:حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا الحسن بن خالد الربعي قال، حدثنا طريف بن شهاب العطاردي: أنه دخل على محمد بن سيرين في رمضان وهو يأكل، فلم يسأله. فلما فرغ قال: إنه وجعت إصبعي هذه.قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندنا أن المرض الذي أذن الله تعالى ذكره بالإفطار معه في شهر رمضان، من كان الصوم جاهده جهدا غير محتمل، فكل من كان كذلك فله الإفطار وقضاء عدة من أيام أخر. وذلك أنه إذا بلغ ذلك الأمر، فإن لم يكن مأذونا له في الإفطار فقد كفف عسرا، ومنع يسرا. وذلك غير الذي أخبر الله أنه أراده بخلقه بقوله: "يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر". وأما من كان الصوم غير جاهده. فهو بمعنى الصحيح الذي يطيق الصوم، فعليه أداء فرضه.وأما قوله: "فعدة من أيام أخر"، فإن معناها: أياما معدودة سوى هذه الأيام.وأما الاخر، فإنها جمع أخرى كجمعهم الكبرى على الكبر و القربى على القرب . فإن قال قائل: أو ليست الأخر من صفة الأيام ؟ قيل: بلى.فإن قال: أو ليس واحد الأيام يوم وهو مذكر؟قيل: بلى.فإن قال: فكيف يكون واحد الأخر أخرى وهي صفة لـ اليوم ، ولم يكن آخر؟ قيل: إن واحد الأيام وإن كان إذا نعت بواحد الأخر فهو آخر، فإن الأيام في الجمع تصير إلى التأنيث، فتصير نعوتها وصفاتها كهيئة صفات المؤنث، كما يقال: مضت الآيام جمع ، ولا يقال: أجمعون، ولا: أيام آخرون. فإن قال لنا قائل: فإن الله تعالى قال: "فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر"، ومعنى ذلك عندك: فعليه عدة من أيام أخر، كما قد وصفت فيما مضى. فإن كان ذلك تأويله، فما قولك فيمن كان مريضا أو على سفر فصام الشهر، وهو ممن له الإفطار، أيجزيه ذلك من صيام عدة من أيام أخر، أو غير مجزيه ذلك، وفرض صوم عدة من أيام أخر ثابت عليه بهيئته، وإن صام الشهر كله؟ وهل لمن كان مريضا أو على سفر صيام شهر رمضان، أم ذلك محظور عليه، وغير جائز له صومه، والواجب عليه الإفطار فيه، حتى يقيم هذا ويبرأ هذا؟قيل: قد اختلف أهل العلم في كل ذلك، ونحن ذاكرو اختلافهم في ذلك، ومخبرون بأولاه بالصواب إن شاء الله.فقال بعضهم: الإفطار في المرض عزمة من الله واجبة، وليس بترخيص.ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا ابن أبي عدي- وحدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية- جميعا، عن سعيد، عن قتادة، عن جابربن زيد، عن ابن عباس قال: الإفطار في السفر عزمة.
حدثني محمد بن المثنى قال، حدثنا وهب بن جرير قال، أخبرنا شعبة، عن يعلى، عن يوسف بن الحكم قال: سألت ابن عمر- أو: سئل- عن الصوم في السفر فقال: أرأيت لو تصدقت على رجل بصدقة فردها عليك، ألم تغضب؟ فإنها صدقة من الله تصدق بها عليكم.حدثنا نصر بن عبد الرحمن الأزدي قال، حدثنا المحاربي، عن عبد الملك بن حميد قال،قال أبو جعفر: كان أبي لا يصوم في السفر، وينهى عنه.وحدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا عبيد، عن الضحاك: أنه كره الصوم في السفر.وقال أهل هذه المقالة: من صام في السفر فعليه القضاء إذا أقام.
ذكر من قال ذلك:حدثنا نصر بن علي الجهضمي قال، حدثنا مسلم بن إبراهيم قال، حدثنا ربيعة بن كلثوم، عن أبيه، عن رجل: أن عمر أمر الذي صام في السفر أن يعيد.حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن أبي عدي، عن سعيد بن عمروبن دينار، عن رجل من بني تميم، عن أبيه قال: أمر عمررجلا صام في السفر أن يعيد صومه.
حدثني ابن حميد الحمصي قال، حدثنا علي بن معبد، عن عبيدالله بن عمرو، عن عبد الكريم، عن عطاء، عن المحرر بن أبي هريرة قال: كنت مع أبي في سفر في رمضان، فكنت أصوم ويفطر. فقال لي أبي: أما إنك إذا أقمت قضيت.حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا سليمان بن داود قال، حدثنا شعبة، عن عاصم مولى قريبة، قال: سمعت عروة يأمر رجلا صام في السفر أن يقضي.حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا عبد الصمد قال، حدثنا شعبة، عن عاصم مولى قريبة:أن رجلا صام في السفر، فأمره عروة أن يقضي. حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن صبيح قال، حدثنا ربيعة بن كلثوم، عن أبيه كلثوم:أن قوما قدموا على عمربن الخطاب وقد صاموا رمضان في سفر، فقال لهم: والله لكأنكم كنتم تصومون! فقالوا: والله يا أمير المؤمنين لقد صمنا! قال: فأطقتموه؟ قالوا: نعم. قال: فاقضوه، فاقضوه.وعلة من قال هذه المقالة: أن الله تعالى ذكره فرض بقوله: "فمن شهد منكم الشهر فليصمه" صوم شهررمضان على من شهده مقيما غير مسافر، وجعل على من كان مريضا أو مسافرا صوم عدة من أيام اخر غير أيام شهر رمضان بقوله: "ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر". قالوا: فكما غير جائز للمقيم إفطار أيام شهر رمضان وصوم عدة أيام أخر مكانها- لأن الذي فرضه الله عليه بشهوده الشهر صوم الشهر دون غيره- فكذلك غير جائز لمن لا يشهده من المسافرين مقيما، صومه. لأن الذي فرضه الله عليه عدة من أيام أخر. واعتلوا أيضا من الخبر بما:حدثنا به محمد بن عبدالله بن سعيد الواسطي قال، حدثنا يعقوب بن محمد الزهري قال حدثنا عبدالله بن موسى، عن أسامة بن زيد، عن الزهري، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عبد الرحمن بن عوف قال، قال: "رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصائم في السفر كالمفطر في الحضر".حدثني محمد بن عبيدالله بن سعيد قال، حدثنا يزيد بن عياض، عن الزهري، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبيه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصائم في السفر كالمفطر في الحضر". وقال آخرون: إباحة الإفطار في السفر رخصة من الله تعالى ذكره، رخصها لعباده، والفرض الصوم فمن صام فرضه أذى، ومن أفطر فبرخصة الله له أفطر. قالوا: وإن صام في سفر فلا قضاء عليه إذا أقام. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الوهاب قال، حدثنا أيوب قال، حدثنا عروة وسالم: أنهما كانا عند عمر بن عبد العزيز إذ هو أمير على المدينة، فتذاكروا الصوم في السفر، قال سالم: كان ابن عم لا يصوم في السفر. وقال عروة: وكانت عائشة تصوم. فقال سالم: إنما أخذت عن ابن عمر وقال عروة: إنما أخذت عن عائشة. حتى ارتفعت أصواتهما. فقال عمر بن عبد العزيز: اللهم عفوا! إذا كاز يسرا فصوموا، وإذا كان عسرا فأفطروا. حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن أيوب قال، حدثني رجل قال: ذكر الصوم في السفر عند عمربن عبد العزيز، ثم ذكر نحو حديث ابن بشار. حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية، عن محمد بن إسحق- وحدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن ادريس، حدثنا ابن إسحق عن الزهري، عن سالم بن عبدالله قال: خرج عمر بن الخطاب في بعض أسفاره في ليال بقيت من رمضان، فقال: إن الشهر قد تشعشع- قال أبو كريب في حديثه: أو: تسعسع، ولم يشك يعقوب- فلو صمنا! فصام وصام الناس معه. ثم أقبل مرة قافلا، حتى إذا كان بالروحاء أهل هلال شهررمضان، فقال: إن الله قد قضى السفر، فلو صمنا ولم نثلم شهرنا! قال: فصام وصام الناس معه. حدثنا ابن حميد قال، حدثنا الحكم بن بشير قال، حدثني أبي- وحدثنا محمد بن بشار قال، أخبرنا عبيدالله قال، أخبرنا بشير بن سلمان- عن خيثمة قال: سألت أنس بن مالك عن الصوم في السفر، قال: قد أمرت غلامي أن يصوم فأبى. قلت: فأين هذه الآية: "ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر"؟ قال: نزلت ونحن يومئذ نرتحل جياعا، وننزل على غير شبع، وإنا اليوم نرتحل شباعا وننزل على شبع.
حدثنا هناد قال، حدثنا وكيع، عن بشيربن سلمان، عن خيثمة، عن أنس نحوه.حدثنا هناد وأبو السائب قالا، حدثنا أبو معاوية، عن عاصم، عن أنس: أنه سئل عن عن الصوم في السفر فقال: من أفطر فبرخصة الله، ومن صام فالصوم أفضل.حدثنا أبو كريب قال، حدثنا أبو أسامة، عن أشعث بن عبد الملك، عن محمد بن عثمان بن أبي العاص قال: الفطر في السفر رخصة، والصوم أفضل.حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الصمد قال، حدثنا شعبة، قال، حدثنا أبو الفيض قال: كان علي علينا أميرا بالشام، فنهانا عن الصوم في السفر. فسألت أبا قرصافة- رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من بني ليث، قال عبد الصمد: سمعت رجلا من قومه يقول: إنه واثلة بن الأسقع- قال: لو صمت في السفر ما قضيت.حدثنا هناد قال، حدثنا وكيع، عن بسطام بن مسلم، عن عطاء قال: إن صمتم أجزأ عنكم، وإن أفطرتم فرخصة.حدثنا هناد قال، حدثنا وكيع، عن كهمس قال: سألت سالم بن عبدالله عن الصوم في السفر قال: إن صمتم أجزأ عنكم، وإن أفطرتم فرخصة.حدثنا هناد قال، حدثنا عبد الرحيم، عن طلحة بن عمرو، عن عطاء قال: من صام فحق أذاه، ومن أفطر فرخصة أخذ بها.حدثنا هناد قال، حدثنا وكيع، عن سفيان، عن حماد، عن سعيد بن جبير قال: الفطر في السفر رخصة، والصوم أفضل.حدثنا هناد قال، حدثنا أبو معاوية، عن حجاج، عن عطاء قال: هو تعليم وليس بعزم-يعني قول الله: "ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر"، إن شاء صام وإن شاء لم يصم. حدثنا هناد قال، حدثنا أبو أسامة، عن هشام، عن الحسن: في الرجل يسافر في رمضان، قال: إن شاء صام وإن شاء أفطر.حدثنا حميد بن مسعدة قال، حدثنا سفيان بن حبيب قال، حدثنا العوام بن حوشب قال: قلت لمجاهد: الصوم في السفر قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم فيه ويفطر. قال: قلت: فأيهما أحب إليك؟ قال: إنما هي رخصة، وأن تصوم رمضان أحب إلي".حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن حماد، عن سعيد بن جبير وإبراهيم ومجاهد، أنهم قالوا: الصوم في السفر، إن شاء صام وإن شاء أفطر، والصوم أحب إليهم. حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن أبي إسحق قال، قال في مجاهد في الصوم في السفر- يعني صوم رمضان-: والله ما منهما إلا حلال، الصوم والافطار، وما أراد الله بالإفطار إلا التيسير لعباده.حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة، عن الأشعث بن سليم قال: صحبت أبي والأسود بن يزيد وعمرو بن ميمون وأبا وائل إلى مكة، وكانوا يصومون رمضان وغيره في السفر. حدثنا علي بن حسن الأزدي قال، حدثنا معافى بن عمران، عن سفيان، عن حماد، عن سعيد بن جبير: الفطر في السفر رخصة، والصوم أفضل. حدثني محمد بن عبدالله بن سعيد الواسطي قال، حدثنا يعقوب الزهري قال، حدثنا صالح بن محمد بن صالح، عن أبيه قال: قلت للقاسم بن محمد: إنا نسافر في الشتاء في رمضان، فإن صمت فيه كان أهون علي من أن أقضيه في الحر! فقال: قال الله: "يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر" ما كان أيسر عليك فافعل.قال أبو جعفر: وهذا القول عندنا أولى بالصواب، لإجماع الجميع على أن مريضا لو صام شهر رمضان. هو ممن له الإفطار لمرضه- أن صومه ذلك مجزىء عنه، ولا قضاء عليه إذا برأ من مرضه بعدة من أيام أخر. فكان معلوما بذلك أن حكم المسافر حكمه في أن لا قضاء عليه إن صامه في سفره. لأن الذي جعل للمسافر من الإفطار وأمر به من قضاء عدة من أيام أخر، مثل الذي جعل من ذلك للمريض وأمر به من القضاء. ثم في دلالة الآية كفاية مغنية عن استشهاد شاهد على صحة ذلك بغيرها. وذلك قول الله تعالى ذكره: "يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر" ولا عسر أعظم من أن يلزم من صامه في سفره عدة من أيام أخر، وقد تكلف أداء فرضه في أثقل الحالين عليه حتى قضاه وأداه.فإن ظن ذو غباوة أن الذي صامه لم يكن فرضه الواجب، فإن في قول الله تعالى ذكره: "يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام" "شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن"، ما ينبىء أن المكتوب صومه من الشهور على كل مؤمن، هو شهر رمضان مسافرا كان أو مقيما، لعموم الله تعالى ذكره المؤمنين بذلك بقوله: "يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام" "شهر رمضان" وأن قوله: "ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر" معناه: ومن كان مريضا أو على سفر فأفطر برخصة الله، فعليه صوم عدة أيام أخر مكان الأيام التي أفطر في سفره أو مرضه، ثم في تظاهر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله- إذ سئل عن الصوم في السفر"ان شئت فصم، وإن شئت فأفطر"- الكفاية الكافية عن الاستدلال على صحة ما قلنا في ذلك بغيره. حدثنا هناد قال، حدثنا عبد الرحيم ووكيع وعبدة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة: أن حمزة سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصوم في السفر- وكان يسرد الصوم- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن شئت فصم، وإن شئت فأفطر".حدثنا أبو كريب وعبيد بن إسمعيل الهباري قالا، حدثنا ابن إدريس قال، حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه أن حمزة سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر نحوه حدثني محمد بن عبدالله بن عبد الحكم قال، حدثنا أبو زرعة وهب الله بن راشد قال، أخبرنا حيوة بن شريح قال، أخبرنا أبو الأسود: أنه سمع عروة بن الزبير يحدث عن أبي مراوح، عن حمزة الأسلمي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يا رسول الله، إني أسرد الصوم، فأصوم في السفر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما هي رخصة من الله لعباده، فمن فعلها فحسن جميل، ومن تركها فلا جناح عليه . فكان حمزة يصوم الدهر، فيصوم في السفر والحضر. وكان عروة بن الزبير يصوم الدهر، فيصوم في السفر والحضر، حتى إن كان ليمرض فلا يفطر. وكان أبو مراوح يصوم الدهر، فيصوم في السفر والحضر".ففي هذا، مع نظائره من الأخبار التي يطول باستيعابها الكتاب، الدلالة الدالة على صحة ما. قلنا: من أن الإفطار رخصة لا عزم، والبيان الواضح على صحة ما قلنا في تأويل قوله: "ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر".قال أبو جعفر: فإن قال قائل: إن الأخبار بما قلت، وإن كانت متظاهرة، فقد تظاهرت أيضا بقوله:ليس من البر الصيام في السفر؟.قيل: إن ذلك إذا كان الصيام في مثل الحال التي جاء الأثر عن رسول الله كون أنه قال في ذلك لمن قال له.حدثنا الحسين بن يزيد السبيعي قال، حدثنا ابن إدريس، عن محمد بن عبد الرحمن، عن محمدبن عمروبن الحسن، عن جابر: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا في سفره قد ظلل عليه، وعليه جماعة، فقال: من هذا؟ قالوا: صائم. قال: ليس من البر الصوم في السفر".قال أبو جعفر: أخشى أن يكون هذا الشيخ غلط، وبين ابن إدريس ومحمد بن عبد الرحمن،شعبة.حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الأنصاري، عن محمد بن عمرو بن الحسن بن علي، عن جابربن عبد الله قال: "رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا قد اجتمع الناس عليه وقد ظلل عليه، فقالوا: هذا رجل صائم! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس من البر أن تصوموا في السفر". فمن بلغ منه الصوم ما بلغ من الذي قال له النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، فليس من البر صومه. لأن الله تعالى ذكره قد حرم على- كل أحد تعريض نفسه لما فيه هلاكها، وله إلى نجاتها سبيل. وإنما يطلب البر بما ندب الله إليه وحض عليه من الأعمال، لا بما نهى عنه.
وأما الأخبار التي رويت عنه صلى الله عليه وسلم من قوله: "الصائم في السفر كالمفطر في الحضر"، فقد يحتمل أن يكون قيل لمن بلغ منه الصوم ما بلغ من هذا الذي ظلل عليه، إن كان قيل ذلك. وغير جائز أن يضاف إلى النبي صلى الله عليه وسلم قيل ذلك، لأن الأخبار التي جاءت بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم واهية الأسانيد، لا يجوز الاحتجاج بها في الدين.فإن قال قائل: وكيف عطف على المريض ، وهو اسم بقوله: "أو على سفر" و "على" صفة لا اسم.قيل: جاز أن ينسق بـ "على" على المريض ، لأنها في معنى الفعل. وتأويل ذلك: أو مسافرا، كما قال تعالى ذكره: "دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما" [يونس: 12]، فعطف بـ القاعد، والقائم على اللام التي في لجنبه ، لأن معناها الفعل، كأنه قال: دعانا مضطجعا أو قاعدا أو قائما.قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: يريد الله بكم، أيها المؤمنون- بترخيصه لكم في حال مرضكم وسفركم في الافطار، وقضاء عدة من أيام أخر من الأيام التي أفطرتموها بعد إقامتكم وبعد برئكم من مرضكم- التخفيف عليكم، والتسهيل عليكم، لعلمه بمشقة ذلك عليكم في هذه الأحوال، "ولا يريد بكم العسر"، يقول: ولا يريد بكم الشدة والمشقة عليكم، فيكلفكم صوم الشهر في هذه الأحوال، مع علمه شدة ذلك عليكم، وثقل حمله عليكم لوحملكم صومه، كما:حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثنا معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: "يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر"، قال: اليسر الإفطار في السفر، والعسر الصيام في السفر.حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن أبي حمزة، قال: سألت ابن عباس عن الصوم في السفر، فقال: يسر وعسر. فخذ بيسر الله.حدثني المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك، عن شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: "يريد الله بكم اليسر"- قال: هو الإفطار في السفر، وجعل عدة من أيام أخر- "ولا يريد بكم العسر".حدثنا بشربن معاذ قال حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر"، فأريدوا لأنفسكم الذي أراد الله لكم.حدثنى المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن ابن عيينة، عن عبد الكريم الجزري، عن طاوس، عن ابن عباس قال: لا تعب على من صام ولا على من أفطر- يعني في السفرفي رمضان- "يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر".حدثت عن الحسين بن الفرج قال، حدثنا الفضيل بن خالد قال، حدثنا عبيد بن سليمان، قال سمعت الضحاك بن مزاحم في قوله: "يريد الله بكم اليسر"- الإفطار في السفر- "ولا يريد بكم العسر"، الصيام في السفر.قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: "ولتكملوا العدة"، عدة ما أفطرتم، من أيام أخر، أوجبت عليكم قضاء عدة من أيام أخر بعد برئكم من مرضكم، أو إقامتكم من سفركم، كما:حدثني المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك، عن جويبر، عن الضحاك في قوله: "ولتكملوا العدة"، قال: عدة ما أفطر المريض والمسافر.حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "ولتكملوا العدة"،قال: إكمال العدة أن يصوم ما أفطر من رمضان في سفر أو مرض إلى، أن يتمه، فإذا أتمه فقد أكمل العدة.فإن قال قائل: ما الذي عليه- بهذه الواو التي في قوله: ولتكملوا العدة- عطفت؟.قيل: اختلف أهل العربية في ذلك.فقال بعضهم: هي عاطفة على ما قبلها، كأنه قيل: ويريد لتكملوا العدة ولتكبروا الله.وقال بعض نحويي الكوفة: وهذه اللام التي في قوله "ولتكملوا" لام كي لو ألقيت كان صوابا. قال: والعرب تدخلها في كلامها على إضمار فعل بعدها، ولا تكون شرطا للفعل الذي قبلها وفيها الواو، ألا ترى أنك تقول: جئتك لتحسن الي ، ولا تقول: جئتك ولتحسن إلي، فإذا قلته فأنت تريد: ولتحسن جئتك. قال: وهذا في القرآن كثير، منه قوله: "ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة" [الأنعام: 113]، وقوله: "وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض وليكون من الموقنين" [الأنعام: 75]، لو لم تكن فيه الواو كان شرطا على قولك: أريناه ملكوت السموات والأرض ليكون. فإذا كانت الواو فيها فلها فعل مضمر بعدها، و "ليكون من الموقنين"، أريناه.قال أبو جعفر: وهذا القول أولى بالصواب في العربية. لأن قوله: "ولتكملوا العدة"، ليس قبلهلام بمعنى اللام التي في قوله. "ولتكملوا العدة"، فتعطف بقوله: "ولتكملوا العدة" عليها- وأن دخول الواو معها، يؤذن بأنها شرط لفعل بعدها، إذ كانت الواو لو حذفت كانت شرطا لما قبلها من الفعل.
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره: ولتعظموا الله بالذكر له بما أنعم عليكم به، من الهداية التي خذل
عنها غيركم من أهل الملل الذين كتب عليهم من صوم شهررمضان مثل الذي كتب عليكم فيه، فضلواعنه بإضلال الله إياهم، وخضكم بكرامته فهداكم له، ووفقكم لأداء ما كتب الله عليكم من صومه، وتشكروه على ذلك بالعبادة له.والذكر الذي حضهم الله على تعظيمه به، التكبير يوم الفطر، فيما تأوله جماعة من أهل التأويل.ذكر من قال ذلك:حدثني المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك، عن داود بن قيس،
قال: سمعت زيد بن أسلم يقول: "ولتكبروا الله على ما هداكم"، قال: إذا رأى الهلال، فالتكبير من حين يرى الهلال حتى ينصرف الإمام، في الطريق والمسجد، إلا أنه إذا حضر الإمام كف، فلا يكبر إلا بتكبيره.حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك قال: سمعت سفيان يقول: "ولتكبروا الله على ما هداكم "، قال: بلغنا أنه التكبير يوم الفطر.حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: كان ابن عباس يقول: حق على المسلمين إذا نظروا إلى هلال شوال أن يكبروا الله حتى يفرغوا من عيدهم، لأن الله تعالى ذكره يقول: "ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم". قال ابن زيد: ينبغي لهم إذا غدوا إلى المصلى كبروا، فإذا جلسوا كبروا، فإذا جاء الإمام صمتوا، فإذا كبر الإمام كبروا، ولا يكبرون إذا جاء الإمام إلا بتكبيره، حتى إذا فرغ وانقضت الصلاة فقد انقضى العيد. قال يونس: قال ابن وهب: قال عبد الرحمن بن زيد: والجماعة عندنا على أن يغدوا بالتكبير إلى المصلى.قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: ولتشكروا الله على ما أنعم به عليكم من الهداية والتوفيق، وتيسيرمالو شاء عسرعليكم.ولعل في هذا الموضع بمعنى كي، ولذلك عفف به على قوله:"ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون".
قوله تعالى : " شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون " .
فيه إحدى وعشرون مسألة :
الأولى : قوله تعالى : "شهر رمضان" قال أهل التاريخ : أول من صام رمضان نوح عليه السلام لما خرج من السفينة ، وقد تقدم قول مجاهد : كتب الله رمضان على كل أمة ، ومعلوم أنه كان نوح أمم ،والله أعلم . والشهر مشتق من الإشهار لأنه مشتهر لا يتعذر علمه على أحد يريده ، ومنه يقال : شهرت السيف إذا سللته . ورمضان مأخوذ من رمض الصائم يرمض إذا حر جوفه من شدة العطش . والرمضاء ( ممدودة ) : شدة الحر ، ومنه الحديث :
"صلاة الأوابين إذا رمضت الفصال" . خرجه مسلم . ورمض الفصال أن تحرق الرمضاء فتبرك من شدة حرها . فرمضان ـ فيما ذكروا ـ وافق شدة الحر ، فهو مأخوذ من الرمضاء . قال الجوهري : وشهر رمضان يجمع على رمضانات وأرمضاء ، يقال إنهم لما نقلوا أسماء الشهور عن اللغة القديمة سموها بالأزمنة التي وقعت فيها ، فوافق هذا الشهر أيام رمض الحر فسمي بذلك . وقيل : إنما سمي رمضان لأنه يرمض الذنوب أي يحرقها بالأعمال الصالحة ، من الإرماض وهو الإحراق ، ومنه رمضت قدمه من الرمضاء أي احترقت . وأرمضتني الرمضاء أي أحرقتني ، ومنه قيل : أرمضني الأمر . وقيل :لأن القلوب تأخذ فيه من حرار الموعظة والفكرة في أمر الآخرة كما يأخذ الرمل والحجارة من حر الشمس .والرمضاء : الحجارة المحماة . وقيل : هو من رمضت النصل أرمضه وأرمضه رمضاً إذا دققته بين حجرين ليرق . ومنه نصل رميض ومرموض ـ عن ابن السكيت ـ ، وسمي الشهر به لأنهم كانو يرمضون أسلحتهم في رمضان ليحاربوا بها في شوال قبل دخول الأشهر الحرم . وحكى الماوردي أن اسمه في الجاهلية ناتق وأنشد للمفضل :
وفي ناتق أجلت لدى حومة الوغى وولت على الأدبار فرسان خثعما
و "شهر" بالرفع قراءة الجماعة على الابتداء ، والخبر " الذي أنزل فيه القرآن " . أو يرتفع على إضمار مبتدأ ، المعنى : المفروض عليكم صومه شهر رمضان ، أو فيما كتب عليكم شهر رمضان . ويجوز أن يكون شهر مبتدأ ، و " الذي أنزل فيه القرآن " صفة ، والخبر "فمن شهد منكم الشهر" . وأعيد ذكر الشهر تعظيماً ، كقوله تعالى : "الحاقة * ما الحاقة" . وجاز أن يدخله معنى الجزاء ، لأن شهر رمضان وإن كان معرفة فليس معرفة بعينها لأنه شائع في جميع القابل ، قاله أبو علي : وروي عن مجاهد و شهر بن حوشب نصب شهر ، ورواها هارون الأعور عن أبي عمرو ، ومعناه : الزموا شهر رمضان أو صوموا . و " الذي أنزل فيه القرآن " نعت له ، ولا يجوز أن ينتصب بتصوموا ، لئلا يفرق بين الصلة والموصول بخبر أن وهو خير لكم . الرماني : يجوز نصبه على البدل من قوله " أياما معدودات " .
الثانية : واختلف هل يقال رمضان دون أن يضاف إلى شهر ، فكره ذلك مجاهد وقال : يقال كما قال الله تعالى . وفي الخبر :
ولا تقولوا رمضان بل انسبوه كما نسبه الله في القرآن فقال شهر رمضان . وكان يقول : بلغني أنه اسم من أسماء الله . وكان يكره أن يجمع لفظه لهذا المعنى . ويحتج بما روي :رمضان اسم من أسماء الله تعالى ، وهذا ليس بصحيح فإنه من حديث ابي معشر نجيح وهو ضعيف .والصحيح جواز إطلاق رمضان من غير إضافة كما ثبت في الصحاح وغيرها . روى مسلم عن ابي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
"إذا جاء رمضان فتحت أبواب الرحمة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين" . وفي صحيح البستي عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"إذا كان رمضان فتحت له أبواب الرحمة وغلقت أبواب جهنم وسلسلت الشياطين" . وروي عن ابن شهاب عن انس بن ابي انس أن أباه حدثه أنه سمع أبا هريرة يقول ... ، فذكره . قال البستي : أنس بن ابي أنس هذا هو والد مالك بن أنس ، واسم أبي أنس مالك بن ابي عامر من ثقات أهل المدينة ، وهو مالك ابن ابي عامر بن عمرو بن الحارث بن عثمان بن خثيل بن عمرو من ذي أصبح من أقيال اليمن . وروى النسائي عن ابي هريرة قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : آتاكم رمضان شهر مبارك فرض الله عز وجل عليكم صيامه تفتح فيه أبواب السماء وتغلق فيه أبواب الجحيم وتغل فيه مردة الشياطين لله فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم" . وأخرجه أبو حاتم البستي ايضاً وقال :فقوله :"مردة الشياطين" تقييد لقوله : "صفدت الشياطين وسلسلت" . وروى السنائي أيضاً عن ابن عباس قال " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لامرأة من الأنصار :إذا كان رمضان فاعتمري فإن عمرة فيه تعدل حجة". وروى النسائي أيضاً عن عبد الرحمن بن عوف قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"إن الله تعالى فرض صيام رمضان عليكم وسننت لكم قيامه فمن صامه وقامه إيمانا واحتسابا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه" . والآثار في هذا كثيرة ، كلها بإسقاط شهر . وربما أسقطت العرب ذكر الشهر من رمضان .
قال الشاعر :
جارية في درعها الفضفاض أبيض من أخت بني إباض
جارية في رمضان الماضي تقطع الحديث بالإيماض
وفضل رمضان عظيم ، وثوابه جسيم ، يدل على ذلك معنى الاشتقاق من كونه محرقاً للذنوب ، وما كتبناه من الأحاديث .
الثالثة :فرض الله صيام رمضان أي مدة هلاله ، وبه سمي الشهر ، كما جاء في الحديث :
"فإن غمي عليكم الشهر" أي الهلال ، وسيأتي ، وقال الشاعر :
أخوان من نجد على ثقة والشهر مثل قلامة الظفر
حتى تكامل في استدارته في أربع زادت على عشر
وفرض علينا عند غمة الهلال إكمال عدة شعبان ثلاثين يوما ، وإكمال عدة رمضان ثلاثين يوما ، حتى ندخل في العبادة بيقين ونخرج عنها بيقين ، فقال في كتابه "وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم" . وروى الأئمة الإثبات عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
"صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا العدد" في رواية "فإن غمي عليكم الشهر فعدوا ثلاثين" . وقد ذهب مطرف بن عبد الله بن الشخير وهو من كبار التابعين وابن قتيبة من اللغوين فقالا : يعول على الحساب عند الغيم بتقدير المنازل واعتبار حسابها في صوم رمضان ، حتى أنه لو كان صحواً لرؤي ، لقوله عليه السلام : "فإن أغمي عليكم فاقدروا له" أي استدلوا عليه بمنازلة ، وقدروا إتمام الشهر بحسابه . وقال الجمهور :معنى فاقدروا له فأكملوا المقدار ، يفسره حديث أبي هريرة "فأكملوا العدة" . وذكر الداودي أنه قيل في معنى قوله "فاقدروا له" : أي قدروا المنازل . وهذا لا نعلم أحداً قال به ألا بعض أصحاب الشافعي أنه يعتبر في ذلك بقول المنجمين ، والإجماع حجة عليهم . وقد روي ابن نافع عن مالك في الإمام لا يصوم لرؤية الهلال ولا يفطر لرؤيته ، وإنما يصوم ويفطر على الحساب : إنه لا يقتدى به ولا يتبع . قال ابن العربي : وقد زل بعض أصحابنا فحكى عن الشافعي أنه قال : يعول على الحساب ، وهي عثرة لا لعاً لها .
الرابعة : واختلف مالك و الشافعي هل يثبت هلال رمضان بشهادة واحد أو شاهدين ، فقال مالك : لا يقبل فيه شهادة الواحد لأنها شهادة على هلال فلا يقبل فيها اقل من اثنين ، أصله الشهادة على هلال شوال وذي الحجة . وقال الشافعي و أبو حنيفة : يقبل الواحد ، لما رواه أبو داود " عن ابن عمر قال : تراءى الناس الهلال فأخبرت به رسول الله صلى الله عليه وسلم أني رأيته ، فصام وأمر الناس بصيامه" . وأخرجه الدار قطني وقال : تفرد به مروان بن محمد عن ابن وهب وهو ثقة .روى الدار قطني : أن رجلاً شهد عند علي بن ابي طالب على رؤية هلال رمضان فصام ، أحسبه قال : وأمر الناس أن يصوموا ، وقال : أصوم يوما من شعبان أحب إلي من أن أفطر يوماً من رمضان . قال الشافعي : فإن لم تر العامة هلال شهر رمضان ورآه رجل عدل رأيت أن أقبله للأثر والاحتياط . وقال الشافعي : بعد : لا يجوز على رمضان إلا شاهدان . قال الشافعي : وقال بعض أصحابنا : لا أقبل عليه إلا شاهدين ، وهو القياس على كل مغيب .
الخامسة : واختلفوا فيمن رأى هلال رمضان وحده أو هلال شوال ، فروى الربيع عن الشافعي : من رأى هلال رمضان وحده فليصمه ، ومن رأى هلال شوال وحده فليفطر ، وليخف ذلك . وروى ابن وهب عن مالك في الذي يرى هلال رمضان وحده أنه يصوم ، لأنه لا ينبغي له أن يفطر وهو يعلم أن ذلك اليوم من شهر رمضان . ومن رأى هلال شوال وحده فلا يفطر ، لأن الناس يتهمون على أن يفطر منهم من ليس مأموناً ، ثم يقول أولئك إذا ظهر عليهم : قد رأينا الهلال . قال ابن المنذر : وبهذا قال الليث بن سعد و أحمد بن حنبل . وقال عطاء و إسحاق : لا يصوم ولا يفطر . قال ابن المنذر : يصوم ويفطر .
السادسة : واختلفوا إذا أخبر عن رؤية بلد ، فلا يخلو أن يقرب أو يبعد ، فإن قرب فالحكم واحد ، وإن بعد فلأهل كل بلد رؤيتهم ، روي هذا عن عكرمة و القاسم وسالم ، وروي عن ابن عباس ، وبه قال إسحاق ، وإليه أشار البخاري حيث بوب لأهل كل بلد رؤيتهم . وقال آخرون . إذا ثبت عند الناس أن أهل بلد قد رأوه فعليهم قضاء ما أفطروا ، هكذا قال الليث بن سعد و الشافعي . قال ابن المنذر : ولا أعلمه إلا قول المزني والكوفي .
قلت : ذكر الكيا الطبري في كتاب أحكام القرآن له : وأجمع أصحاب أبي حنيفة على أنه إذا صام أهل بلد ثلاثين يوما للرؤية ، وأهل بلد تسعة وعشرين يوماً أن على الذين صاموا تسعة وعشرين يوماً قضاء يوم . وأصحاب الشافعي لا يرون ذلك ، إذ كانت المطالع في البلدان يجوز أن تختلف . وحجة أصحاب أبي حنيفة قوله تعالى :"ولتكملوا العدة" وثبت برؤية أهل بلد أن العدة ثلاثون فوجب على هؤلاء إكمالها . ومخالفتهم يحتج بقوله صلى الله عليه وسلم :
"صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته" الحديث ، وذلك يوجب اعتبار عادة كل قوم في بلدهم . وحكى أبو عمر الإجماع على أنه لا تراعى الرؤية فيما بعد من البلدان كالأندلس من خراسان ، قال :ولكل بلد رؤيتهم ، إلا ما كان كالمصر الكبير وما تقاربت أقطاره من بلدان المسلمين . روى مسلم عن كريب أن أم الفضل بنت الحارث بعثته إلى معاوية بالشام قال :
فقدمت الشام فقضيت حاجتها واستهل علي رمضان وأنا بالشام فرأيت الهلال ليلة الجمعة ثم قدمت المدينة في آخر الشهر فسألني عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ، ثم ذكر الهلال فقال :متي رأيتم الهلال ؟ فقلت : رأيناه ليلة الجمعة . فقال : أنت رأيته ؟ فقلت نعم ، ورآه الناس وصاموا وصام معاوية . فقال : لكنا رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نراه . فقلت :
نكتفي برؤية معاوية وصيامه ؟ فقال لا ، هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال علماؤنا قول ابن عباس هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمة تصريح برفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم وبأمره . فهو حجة على أن البلاد إذا تباعدت كتباعد الشام من الحجاز فالواجب على أهل كل بلد أن تعمل على رؤيته بدون رؤية غيره ، وإن ثبت ذلك عند الإمام الأعظم ، ما لم يحمل الناس على ذلك ، فإن حمل فلا تجوز مخالفته . وقال الكيا الطبري : قوله هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتمل أن يكون تأول فيه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته" . وقال ابن العربي : واختلفت في تأويل قول ابن عباس هذا ،فقيل : رده لأنه خبر واحد ، وقيل : رده لأن الأقطار مختلفة في المطالع ، وهو الصحيح ، لأن كريباً لم يشهد وإنما أخبر عن حكم ثبت بالشهادة ، ولا خلاف في الحكم الثابت أنه يجزىء فيه خبر الواحد . ونظيره ما لو ثبت أنه أهل ليلة الجمعة بأغمات وأهل بأشبيلية ليلة السبت فيكون لأهل كل بلد رؤيتهم ، لأن سهيلاً يكشف من أغمات ولا يكشف من أشبيلية ، وهذا يدل على اختلاف المطالع .
قلت : وأما مذهب مالك رحمه الله في هذه المسألة فروى ابن وهب وابن القاسم عنه في المجموعة أن أهل البصرة إذا رأوا هلال رمضان ثم بلغ ذلك إلى أهل الكوفة والمدينة واليمن أنه يلزمهم الصيام أو القضاء إن فات الأداء . وروى القاضي أبو إسحاق عن ابن الماجشون أنه إن كان ثبت بالبصرة بأمر شائع ذائع يستغنى عن الشهادة والتعديل له فإنه يلزم غيرهم من أهل البلاد القضاء ، وإن كان إنما ثبت عند حاكمهم بشهادة شاهدين لم يلزم ذلك من البلاد إلا من كان يلزمه حكم ذلك الحاكم ممن هو في ولايته ، أو يكون ثبت ذلك عند أمير المؤمنين فيلزم القضاء جماعة المسلمين . قال :وهذا قول مالك .
السابعة : قرأ جمهور الناس شهر بالرفع على أنه خبر ابتداء مضمر ، أي ذلكم شهر ، أو المفترض عليكم صيامه شهر رمضان ، أو الصوم أو الأيام . وقيل : ارتفع على أنه مفعول لم يسم فاعله بـ كتب أي عليكم شهر رمضان . و رمضان لا ينصرف لأن النون فيه زائدة . ويجوز أن يكون مرفوعاً على الابتداء ، وخبره " الذي أنزل فيه القرآن " . وقيل : خبره فمن شهد ، و الذي أنزل نعت له . وقيل : ارتفع على البدل من الصيام . فمن قال : إن الصيام في قوله "كتب عليكم الصيام" هي ثلاثة أيام وعاشوراء قال هنا بالابتداء . ومن قال : إن الصام هناك رمضان قال هنا بالابتداء أو بالبدل من الصيام ، أي كتب عليكم شهر رمضان . وقرأ مجاهد و شهر بن حوشب شهر بالنصب . قال الكسائي : المعنى كتب عليكم الصيام ، وأن تصوموا شهر رمضان . وقال الفراء : أي كتب عيكم الصيام أي أن تصوموا شهر رمضان . قال النحاس : لا يجوز أن ينتصب "شهر رمضان" بتصوموا ، لأنه يدخل في الصلة ثم يفرق بين الصلة والموصول ، وكذلك إن نصبته بالصيام ، ولكن يجوز أن تنصبه على الإغراء ، أي الزموا شهر رمضان ، وصوموا شهر رمضان ، وهذا بعيد أيضاً لأنه لم يتقدم ذكر الشهر فيغرى به .
قلت : قوله "كتب عليكم الصيام" يدل على الشهر فجاز الإغراء ، وهو اختيار أبي عبيد . وقال الأخفش : انتصب على الظرف . وحكي عن الحسن و ابي عمرو إدغام الراء في الراء ، وهذا لا يجوز لئلا يجتمع ساكنان ، ويجوز أن تقلب حركة الراء على الهاء فتضم الهاء ثم تدغم ، وهو قول الكوفيين .
يمدح تعالى شهر الصيام من بين سائر الشهور بأن اختاره من بينهن لإنزال القرآن العظيم, وكما اختصه بذلك قد ورد الحديث بأنه الشهر الذي كانت الكتب الإلهية تنزل فيه على الأنبياء, قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم, حدثنا عمران أبو العوام عن قتادة, عن أبي المليح, عن واثلة يعني ابن الأسقع: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال "أنزلت صحف إبراهيم في أول ليلة من رمضان, وأنزلت التوراة لست مضين من رمضان, والإنجيل لثلاث عشرة خلت من رمضان, وأنزل الله القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان" وقد روي من حديث جابر بن عبد الله وفيه: أن الزبور أنزل لاثنتي عشرة خلت من رمضان, والإنجيل لثماني عشرة, والباقي كما تقدم, رواه ابن مردويه, وأما الصحف والتوراة والزبور والإنجيل, فنزل كل منها على النبي الذي أنزل عليه جملة واحدة, وأما القرآن فإنما نزل جملة واحدة إلى بيت العزة من السماء الدنيا, وكان ذلك في شهر رمضان في ليلة القدر منه, كما قال تعالى: "إنا أنزلناه في ليلة القدر" وقال "إنا أنزلناه في ليلة مباركة" ثم نزل بعده مفرقاً بحسب الوقائع على رسول الله صلى الله عليه وسلم, هكذا روي من غير وجه عن ابن عباس, كما قال إسرائيل عن السدي, عن محمد بن أبي المجالد, عن مقسم, عن ابن عباس: أنه سأل عطية بن الأسود فقال: وقع في قلبي الشك, قول الله تعالى: "شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن" وقوله "إنا أنزلناه في ليلة مباركة" وقوله: "إنا أنزلناه في ليلة القدر" وقد أنزل في شوال, وفي ذي القعدة, وفي ذي الحجة, وفي المحرم وصفر وشهر ربيع, فقال ابن عباس: إنه أنزل في رمضان في ليلة القدر وفي ليلة مباركة جملة واحدة, ثم أنزل على مواقع النجوم ترتيلاً في الشهور والأيام, رواه ابن أبي حاتم وابن مردويه وهذا لفظه, وفي رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس قال, أنزل القرآن في النصف من شهر رمضان إلى سماء الدنيا, فجعل في بيت العزة, ثم أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في عشرين سنة لجواب كلام الناس, وفي رواية عكرمة عن ابن عباس, قال: نزل القرآن في شهر رمضان في ليلة القدر, على هذه السماء الدنيا جملة واحدة, وكان الله يحدث لنبيه ما يشاء ولا يجيء المشركون بمثل يخاصمون به إلا جاءهم الله بجوابه, وذلك قوله: " وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا * ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا " وقوله: "هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان" هذا مدح للقرآن الذي أنزله الله هدى لقلوب العباد ممن آمن به وصدقه واتبعه "وبينات" أي دلائل وحجج بينة واضحة جلية لمن فهمها وتدبرها دالة على صحة ما جاء به من الهدى المنافي للضلال, والرشد المخالف للغي, ومفرقاً بين الحق والباطل والحلال والحرام, وقد روي عن بعض السلف: أنه كره أن يقال إلا شهر رمضان, ولا يقال رمضان, قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا محمد بن بكار بن الريان, حدثنا أبو معشر عن محمد بن كعب القرظي وسعيد هو المقبري عن أبي هريرة قال: لا تقولوا رمضان فإن رمضان اسم من أسماء الله تعالى ولكن قولوا شهر رمضان ـ قال ابن أبي حاتم وقد روي عن مجاهد ومحمد بن كعب نحو ذلك, ورخص فيه ابن عباس وزيد بن ثابت, (قلت) أبو معشر هو نجيح بن عبد الرحمن المدني إمام المغازي والسير, ولكن فيه ضعف, وقد رواه ابنه محمد عنه فجعله مرفوعاً عن أبي هريرة, وقد أنكره عليه الحافظ ابن عدي, وهو جدير بالإنكار, فإنه متروك, وقد وهم في رفع هذا الحديث, وقد انتصر البخاري رحمه الله في كتابه لهذا فقال: باب يقال رمضان وساق أحاديث في ذلك منها "من صام رمضان إيماناً واحتساباً, غفر له ما تقدم من ذنبه" ونحو ذلك, وقوله: "فمن شهد منكم الشهر فليصمه" هذا إيجاب حتم على من شهد استهلال الشهر, أي كان مقيماً في البلد حين دخل شهر رمضان, وهو صحيح في بدنه أن يصوم لا محالة, ونسخت هذه الاية الإباحة المتقدمة لمن كان صحيحاً مقيماً أن يفطر ويفدي بإطعام مسكين عن كل يوم كما تقدم بيانه, ولما حتم الصيام أعاد ذكر الرخصة للمريض وللمسافر أن يفطر بشرط القضاء, فقال "ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر" معناه: ومن كان به مرض في بدنه يشق عليه الصيام معه أو يؤذيه, أو كان على سفر , أي في حالة السفر, فله أن يفطر, فإذا أفطر فعليه عدة ما أفطره في السفر من الأيام, ولهذا قال "يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر" اي إنما رخص لكم في الفطر في حال المرض والسفر مع تحتمه في حق المقيم الصحيح تيسيراً عليكم ورحمة بكم.
وههنا مسائل تتعلق بهذه الاية (إحداها) أنه قد ذهب طائفة من السلف إلى أن من كان مقيماً في أول الشهر ثم سافر في أثنائه, فليس له الإفطار بعذر السفر والحالة هذه لقوله "فمن شهد منكم الشهر فليصمه" وإنما يباح الإفطار لمسافر استهل الشهر وهو مسافر, وهذا القول غريب, نقله أبو محمد بن حزم في كتابه المحلى عن جماعة من الصحابة والتابعين, وفيما حكاه عنهم نظر, والله أعلم, فإنه قد ثبت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه خرج في شهر رمضان لغزوة الفتح, فسار حتى بلغ الكديد ثم أفطر, وأمر الناس بالفطر, أخرجه صاحبا الصحيح. (الثانية) ذهب آخرون من الصحابة والتابعين إلى وجوب الإفطار في السفر لقوله "فعدة من أيام أخر" والصحيح قول الجمهور أن الأمر في ذلك على التخيير وليس بحتم, لأنهم كانوا يخرجون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان, قال: فمنا الصائم ومنا المفطر, فلم يعب الصائم على المفطر, ولا المفطر على الصائم, فلو كان الإفطار هو الواجب لأنكر عليهم الصيام, بل الذي ثبت من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان في مثل هذه الحالة صائماً لما ثبت في الصحيحين عن أبي الدرداء, قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان في حر شديد حتى إن كان أحدنا ليضع يده على رأسه من شدة الحر وما فينا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن رواحة. (الثالثة) قالت طائفة منهم الشافعي: الصيام في السفر أفضل من الإفطار لفعل النبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم, وقالت طائفة. بل الإفطار أفضل أخذاً بالرخصة ولما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن الصوم في السفر, فقال: "من أفطر فحسن, ومن صام فلا جناح عليه" وقال في حديث آخر "عليكم برخصة الله التي رخص لكم" وقالت طائفة: هما سواء لحديث عائشة أن حمزة بن عمرو الأسلمي قال: يا رسول الله, إني كثير الصيام أفأصوم في السفر ؟ فقال"إن شئت فصم, وإن شئت فأفطر" وهو في الصحيحين, وقيل: إن شق الصيام فالإفطار أفضل, لحديث جابر "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً قد ظلل عليه فقال: ما هذا ؟ قالوا: صائم, فقال ليس من البر الصيام في السفر" أخرجاه, فأما إن رغب عن السنة ورأى أن الفطر مكروه إليه, فهذا يتعين عليه الإفطار, ويحرم عليه الصيام, والحالة هذه لما جاء في مسند الإمام أحمد وغيره عن ابن عمر وجابر وغيرهما: من لم يقبل رخصة الله كان عليه من الإثم مثل جبال عرفة. (الرابعة) القضاء هل يجب متتابعاً أو يجوز فيه التفريق فيه قولان: (أحدهما) أنه يجب التتابع لأن القضاء يحكى الأداء. (والثاني) لا يجب التتابع بل إن شاء فرق وإن شاء تابع, وهذا قول جمهور السلف والخلف, وعليه ثبتت الدلائل لأن التتابع إنما وجب في الشهر لضرورة أدائه في الشهر, فأما بعد انقضاء رمضان, فالمراد صيام أيام عدة ما أفطر, ولهذا قال تعالى: "فعدة من أيام أخر" ثم قال تعالى: "يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر" قال الإمام أحمد: حدثنا أبو سلمة الخزاعي, حدثنا ابن هلال عن حميد بن هلال العدوي, عن أبي قتادة عن الأعرابي الذي سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول "إن خير دينكم أيسره, إن خير دينكم أيسره" وقال أحمد أيضاً: حدثنا يزيد بن هارون, أخبرنا عاصم بن هلال, حدثنا عامر بن عروة الفقيمي, حدثني أبي عروة, قال: كنا ننتظر النبي صلى الله عليه وسلم فخرج يقطر رأسه من وضوء أو غسل, فصلى, فلما قضى الصلاة جعل الناس يسألونه: علينا حرج في كذا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن دين الله في يسر" ـ ثلاثاً يقولها ـ ورواه الإمام أبو بكر بن مردويه في تفسير هذه الاية من حديث مسلم بن إبراهيم عن عاصم بن هلال به وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة قال: حدثنا أبو التياح سمعت أنس بن مالك يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يسروا ولا تعسروا وسكنوا وتنفروا" أخرجاه في الصحيحين وفي الصحيحين أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ وأبي موسى حين بعثهما إلى اليمن "بشرا ولا تنفرا ويسرا ولا تعسرا وتطاوعا ولا تختلفا" وفي السنن والمسانيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بعثت بالحنيفية السمحة" وقال الحافظ أبو بكر مردويه وتفسيره: حدثنا عبد الله بن اسحاق بن إبراهيم حدثنا يحيى بن أبي طالب حدثنا عبد الوهاب بن عطاء, حدثنا أبو مسعود الحريري عن عبد الله بن شقيق, عن محجن بن الأدرع: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي فتراءاه ببصره ساعة, فقال أتراه يصلي صادقاً ؟ قال: قلت يا رسول الله, هذا أكثر أهل المدينة صلاة, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تسمعه فتهلكه وقال إن الله إنما أراد بهذه الأمة اليسر ولم يرد بهم العسر" ومعنى قوله "يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة" أي إنما أرخص لكم في الإفطار للمرض والسفر ونحوهما من الأعذار لإرادته بكم اليسر وإنما أمركم بالقضاء لتكملوا عدة شهركم, وقوله: "ولتكبروا الله على ما هداكم" أي ولتذكروا الله عند انقضاء عبادتكم, كما قال: "فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكراً" وقال "فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون" وقال " وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب * ومن الليل فسبحه وأدبار السجود " ولهذا جاءت السنة باستحباب التسبيح والتحميد والتكبير بعد الصلوات المكتوبات, وقال ابن عباس: ما كنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بالتكبير, ولهذا أخذ كثير من العلماء مشروعية التكبير في عيد الفطر من هذه الاية: "ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم" حتى ذهب داود بن علي الأصبهاني الظاهري إلى وجوبه في عيد الفطر لظاهر الأمر في قوله: "ولتكبروا الله على ما هداكم" وفي مقابلته مذهب أبي حنيفة رحمه الله أنه لا يشرع التكبير في عيد الفطر, والباقون على استحبابه على اختلاف في تفاصيل بعض الفروع بينهم, وقوله: "ولعلكم تشكرون" أي إذا قمتم بما أمركم الله من طاعته بأداء فرائضه وترك محارمه وحفظ حدوده فلعلكم أن تكونوا من الشاكرين بذلك.
185- "رمضان" مأخوذ من رمض الصائم يرمض: إذا احترق جوفه من شدة العطش، والرمضاء ممدود: شدة الحر، ومنه الحديث الثابت في الصحيح "صلاة الأوابين إذا رمضت الفصال" أي أحرقت الرمضاء أجوافها. قال الجوهري: وشهر رمضان يجمع على رمضانات وأرمضاء- يقال إنهم لما نقلوا أسماء الشهور عن اللغة القديمة سموها بالأزمنة التي وقعت فيها، فوافق هذا الشهر أيام الحر فسمي بذلك وقيل: إنما سمي رمضان لأنه يرمض الذنوب: أي يحرقها بالأعمال الصالحة. وقال الماوردي: إن اسمه في الجاهلية ناتق، وأنشد المفضل:
وفي ناتق أجلت لدى حومة الوغا وولت على الأدبار فرسان خثعما
وإنما سموه بذلك لأنه كان ينتقهم لشدته عليهم، وشهر مرتفع في قراءة الجماعة على أنه مبتدأ خبره "الذي أنزل فيه القرآن" أو على خبر لمبتدإ محذوف: أي المفروض عليكم صوم شهر رمضان، ويجوز أن يكون بدلاً من الصيام المذكور في قوله تعالى: "كتب عليكم الصيام". وقرأ مجاهد وشهر بن حوشب بنصب الشهر، ورواها هارون الأعور عن أبي عمرو وهو منتصب بتقدير الزموا أو صوموا. قال الكسائي والفراء: إنه منصوب بتقدير فعل كتب عليكم الصيام وأن تصوموا وأنكر ذلك النحاس وقال: إنه منصوب على الإغراء. وقال الأخفش: إنه نصب على الظرف، ومنع الصرف للألف والنون الزائدتين. قوله: "أنزل فيه القرآن" قيل: أنزل من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا، ثم كان جبريل ينزل به نجماً نجماً. وقيل: أنزل فيه أوله، وقيل: أنزل في شأنه القرآن، وهذه الآية أعم من قوله تعالى: "إنا أنزلناه في ليلة القدر". وقوله: "إنا أنزلناه في ليلة مباركة" يعني ليلة القدر. والقرآن اسم لكلام الله تعالى، وهو بمعنى المقروء كالمشروب سمي شراباً، والمكتوب سمي كتاباً، وقيل: هو مصدر قرأ يقرأ، ومنه قول الشاعر:
ضحوا بأشمط عنوان السجود به يقطع الليل تسبيحاً وقرآنا
أي قراءة، ومنه قوله تعالى: "وقرآن الفجر" أي قراءة الفجر. وقوله: "هدى للناس" منتصب على الحال: أي هادياً لهم. وقوله: "وبينات من الهدى" من عطف الخاص على العام إظهاراً لشرف المعطوف بإفراده بالذكر، لأن القرآن يشمل محكمه ومتشابهه، والبينات تختص بالمحكم منه. والفرقان: ما فرق بين الحق والباطل: أي فصل. قوله: "فمن شهد منكم الشهر" أي حضر ولم يكن في سفر بل كان مقيماً، والشهر منتصب على أنه ظرف، ولا يصح أن يكون مفعولاً به. قال جماعة من السلف والخلف: إن من أدركه شهر رمضان مقيماً غير مسافر لزمه صيامه، سافر بعد ذلك أو أقام استدلالاً بهذه الآية. وقال الجمهور: إنه إذا سافر أفطر، لأن معنى الآية: إن حضر الشهر من أوله إلى آخره لا إذا حضر بعضه وسافر فإنه لا يتحتم عليه إلا صوم ما حضره، وهذا هو الحق، وعليه دلت الأدلة الصحيحة من السنة. وقد كان يخرج صلى الله عليه وسلم في رمضان فيفطر. وقوله: "فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر" قد تقدم تفسيره. وقوله: "يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر" فيه أن هذا مقصد من مقاصد الرب سبحانه، ومراد من مراداته في جميع أمور الدين، ومثله قوله تعالى: "وما جعل عليكم في الدين من حرج" وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يرشد إلى التيسير وينهى عن التعسير كقوله صلى الله عليه وسلم: "يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا" وهو في الصحيح. واليسر السهل الذي لا عسر فيه. وقوله: "ولتكملوا العدة" الظاهر أنه معطوف على قوله: "يريد الله بكم اليسر" أي يريد بكم اليسر، ويريد إكمالكم للعدة وتكبيركم، وقيل: إنه متعلق بمحذوف تقديره: رخص لكم هذه الرخصة لتكملوا العدة، وشرع لكم الصوم لمن شهد الشهر لتكملوا العدة. وقد ذهب إلى الأول البصريون قالوا: والتقدير يريد لأن تكملوا العدة، ومثله قول كثير بن صخر:
أريد لأنسى ذكرها فكأنما تمثل لي ليلاً بكل سبيل
وذهب الكوفيون إلى الثاني، وقيل: الواو مقحمة، وقيل: إن هذه اللام لام الأمر، والواو لعطف الجملة التي بعدها على الجملة التي قبلها. وقال في الكشاف: إن قوله: "لتكملوا العدة" علة للأمر بمراعاة العدة "ولتكبروا" علة ما علم من كيفية القضاء والخروج عن عهدة الفطر "ولعلكم تشكرون" علة الترخيص والتيسير، والمراد بالتكبير هنا: هو قول القائل الله أكبر. قال الجمهور: ومعناه الحض على التكبير في آخر رمضان. وقد وقع الخلاف في وقته، فروي عن بعض السلف أنهم كانوا يكبرون ليلة الفطر وقيل: إذا رأوا هلال شوال كبروا إلى انقضاء الخطبة وقيل: إلى خروج الإمام، وقيل: هو التكبير يوم الفطر. قال مالك: هو من حين يخرج من داره إلى أن يخرج الإمام، وبه قال الشافعي. وقال أبو حنيفة: يكبر في الأضحى ولا يكبر في الفطر. وقوله: "ولعلكم تشكرون" قد تقدم تفسيره.
وقد أخرج أبو حاتم وأبو الشيخ وابن عدي والبيهقي في سننه عن أبي هريرة مرفوعاً وموقوفاً "لا تقولوا رمضان، فإن رمضان اسم من أسماء الله تعالى، ولكن قولوا شهر رمضان". وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه" وثبت عنه أنه قال: "من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه" وثبت عنه أنه قال: "شهرا عيد لا ينقصان: رمضان وذو الحجة" وقال: "إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة" وهذا كله في الصحيح. وثبت عنه في أحاديث كثيرة غير هذه أنه كان يقول رمضان بدون ذكر الشهر. وأخرج ابن مردويه والأصبهاني في الترغيب عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما سمي رمضان لأن رمضان يرمض الذنوب". وأخرجا أيضاً عن عائشة مرفوعاً نحوه. وأخرج ابن عساكر في تاريخه عن ابن عمر نحوه. وقد ورد في فضل رمضان أحاديث كثيرة. وأخرج أحمد وابن جرير ومحمد بن نصر وابن أبي حاتم والطبراني والبيهقي في الشعب عن واثلة بن الأسقع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أنزلت صف إبراهيم في أول ليلة من رمضان، وأنزل الزبور لثماني عشرة خلت من رمضان، وأنزل الله القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان". وأخرج أبو يعلى وابن مردويه عن جابر مثله، لكنه قال: "وأنزل الزبور لاثني عشر" وزاد "وأنزل التوراة لست خلون من رمضان، وأنزل الإنجيل لثماني عشرة خلت من رمضان". وأخرج محمد بن نصر عن عائشة نحو قول جابر، إلا أنها تذكر نزول القرآن. وأخرج ابن جرير ومحمد بن نصر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن مقسم قال: سأل عطية بن الأسود ابن عباس فقال: إنه قد وقع في قلبي الشك في قول الله: "شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن". وقوله: "إنا أنزلناه في ليلة القدر" وقوله: "إنا أنزلناه في ليلة مباركة" فقال ابن عباس: إنه أنزل في ليلة القدر وفي رمضان وفي ليلة مباركة جملة واحدة، ثم أنزل بعد ذلك على مواقع النجوم رسلاً في الشهور والأيام. وأخرج محمد بن نصر والطبراني وابن مردويه والحاكم وصححه، والبيهقي والضياء في المختارة عن ابن عباس قال: نزل القرآن جملة لأربعة وعشرين من رمضان، فوضع في بيت العزة في السماء الدنيا، فجعل جبريل ينزله على رسول الله صلى الله عليه وسلم ترتيلاً. وأخرج ابن جرير عنه أنه قال: "ليلة القدر هي الليلة المباركة وهي في رمضان أنزل القرآن جملة واحدة من الذكر إلى البيت المعمور". وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله: "هدى للناس" قال: يهتدون به "وبينات من الهدى" قال: فيه الحلال والحرام والحدود. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن ابن عباس في قوله: "فمن شهد منكم الشهر فليصمه" قال: هو إهلاكه بالدار. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن علي قال: من أدرك رمضان وهو مقيم ثم سافر فقد لزمه الصوم لأن الله يقول: "فمن شهد منكم الشهر فليصمه". وأخرج سعيد بن منصور عن ابن عمر نحوه. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس في قوله: "يريد الله بكم اليسر" قال: اليسر الإفطار في السفر، والعسر: الصوم في السفر. وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع في قوله: "ولتكملوا العدة" قال: عدة شهر رمضان. وأخرج ابن جرير عن الضحاك: أنه قال: عدة ما أفطر المريض في السفر. وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين يوماً". وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: حق على الصائمين إذا نظروا إلى شهر شوال أن يكبروا الله حتى يفرغوا من عيدهم، لأن الله يقول: "ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم". وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة عن ابن مسعود أنه كان يكبر: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد. وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي في سننه عن ابن عباس أنه كان يكبر: الله أكبر كبيراً، الله أكبر كبيراً الله أكبر ولله الحمد وأجل، الله أكبر على ما هدانا.
185. فقال: " شهر رمضان " رقعه على معنى هو شهر رمضان، وقال الكسائي : كتب عليكم شهر رمضان وسمي الشهر شهراً لشهرته، وأما رمضان فقد قال مجاهد : هو اسم من أسماء الله تعالى، يقال شهر رمضان كما يقال شهر الله، والصحيح أنه اسم للشهر سمي به من الرمضاء وهي الحجارة المحماة وهم كانوا يصومونه في الحر الشديد فكانت ترمض فيه الحجارة في الحرارة.
قوله تعالى: " الذي أنزل فيه القرآن " سمي القرآن قرآناً لأنه يجمع السور والآي والحروف وجمع فيه القصص والأمر والنهي والوعد والوعيد.
وأصل القرء الجمع وقد يحذف الهمز منه فيقال، قريت الماء في الحوض إذا جمعته، وقرأ ابن كثير : القرآن بفتح الراء غير مهموز، وكذلك كان يقرأ الشافعي ويقول ليس هو من القراءة ولكنه اسم لهذا الكتاب كالتوراة والإنجيل، وروي عن مقسم عن ابن عباس: أنه سئل عن قوله عز وجل " شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن " وقوله: " إنا أنزلناه في ليلة القدر " (1-القدر)، وقوله: " إنا أنزلناه في ليلة مباركة " (3-الدخان) وقد نزل في سائر الشهور، وقال عز وجل: " وقرآناً فرقناه " (106-الإسراء) فقال أنزل القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ في ليلة القدر من شهر رمضان إلى بيت العزة في السماء الدنيا، ثم نزل به جبريل عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم نجوماً في ثلاث وعشرين سنة فذلك قوله تعالى " فلا أقسم بمواقع النجوم " (75-الواقعة) قال داود بن أبي هند: قلت للشعبي : " شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن " أما كان ينزل في سائر الشهور؟ قال: بلى، ولكن جبريل كان يعارض محمداً صلى الله عليه وسلم في رمضان ما نزل إليه فيحكم الله ما يشاء ويثبت ما يشاء، وينسيه ما يشاء.
وروي عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أنزلت صحف إبراهيم عليه السلام في ثلاث ليال مضين من رمضان، ويروى في أول ليلة من رمضان، وأنزلت توراة موسى عليه السلام في ست ليال مضين من رمضان، وأنزل الإنجيل على عيسى عليه السلام في ثلاث عشرة ليلة مضت من رمضان، وأنزل زبور داود في ثمان عشرة مضت من رمضان وأنزل الفرقان على محمد صلى الله عليه وسلم في الرابعة والعشرين من شهر رمضان لست بقين بعدها".
قوله تعالى: " هدى للناس " من الضلالة، وهدى في محل نصب على القطع لأن القرآن معرفة وهدى نكرة " وبينات من الهدى " أي دلالات واضحات من الحلال والحرام والحدود والأحكام " والفرقان " أي الفارق بين الحق والباطل.
قوله تعالى: " فمن شهد منكم الشهر فليصمه " أي فمن كان مقيمأً في الحضر فأدركه الشهر واختلف أهل العلم فيمن أدركه الشهر وهو مقيم ثم سافر، وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال: لا يجوز له الفطر، وبه قال عبيدة السلماني لقوله تعالى " فمن شهد منكم الشهر فليصمه " أي الشهر كله وذهب أكثر الصحابة والفقهاء إلى أنه إذا أنشأ السفر في شهر رمضان جاز له أن يفطر، ومعنى الآية: فمن شهد منكم الشهر كله فليصمه أي الشهر كله، ومن لم يشهد منكم الشهر كله فليصم ما شهد منه والدليل عليه ما أخبرنا أبو الحسن السرخسي أخبرنا زاهر بن أحمد أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي أخبرنا أبو مصعب عن مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى مكة عام الفتح في رمضان فصام حتى بلغ الكديد ثم أفطر وأفطر الناس معه، فكانوا يأخذون بالأحدث فلأحدث من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله تعالى: " ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر " أباح الفطر لعذر المرض والسفر وأعاد هذا الكلام ليعلم أن هذا الحكم ثابت في الناسخ ثبوته في المنسوخ، واختلفوا في المرض الذي يبيح الفطر، فذهب أهل الظاهر إلى أن ما يطلق عليه اسم المرض يبيح الفطر وهو قول ابن سيرين . قال طريف بن تمام العطاردي دخلت على محمد بن سيرين . في رمضان، وهو يأكل فقال: إنه وجعت أصبعي هذه، وقال الحسن و إبراهيم النخعي هو المرض الذي تجوز معه الصلاة قاعداً. وذهب الأكثرون إلى أنه مرض يخاف معه من الصوم زيادة علة غير محتملة، وفي الجملة أته إذا أجهده الصوم أفطر وإن لم يجهده فهو كالصحيح. وأما السفر، فالفطر فيه مباح والصوم جائز عند عامة أهل العلم إلا ما روي عن ابن عباس وأبي هريرة وعروة بن الزبير وعلي بن الحسين أنهم قالوا لا يجوز الصوم في السفر ومن صام فعليه القضاء، واحتجوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: " ليس من البر الصوم في السفر " وذلك عند الآخرين في حق من يجهده الصوم فالأولى له أن يفطر، والدليل عليه ما أخبرنا به عبد الواحد بن أحمد المليحي أخبرنا أحمد ابن عبد الله النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف أخبرنا محمد بن إسماعيل أخبرنا آدم أخبرنا شعبة أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الأنصاري قال سمعت محمد بن عمرو بن الحسن بن علي عن جابر بن عبد الله قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فرأى زحاماً ورجلاً قد ظلل عليه فقال ما هذا؟ قالوا هذا صائم، فقال: ليس من البر الصوم في السفر ".
والدليل على جواز الصوم ما حدثنا الأستاذ أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري أخبرنا أبو نعيم الاسفراييني أخبرنا أبو عوانه أخبرنا أبو أمية أخبرنا عبد الله القواريري أخبرنا حماد بن زيد أخبرنا الجريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال: " كنا نسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان فمنا الصائم ومنا المفطر فلا يعيب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم".
واختلفوا في أفضل الأمرين، فقالت طائفة: الفطر في السفر أفضل من الصوم، روي ذلك عن ابن عمر وإليه ذهب سعيد بن المسيب و الشعبي ، وذهب قوم إلى أن الصوم أفضل وروي ذلك عن معاذ بن جبل وأنس وبه قال إبراهيم النخعي و سعيد بن جبير ، وقالت طائفة: أفضل الأمرين أيسرهما عليه لقوله تعالى: " يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر " وهو قول مجاهد و قتادة وعمر بن عبد العزيز، ومن أصبح مقيماً صائماً ثم سافر في أثناء النهار لا يجوز له أن يفطر ذلك اليوم عند أكثر أهل العلم، وقالت طائفة: له أن يفطر، وهو قول الشعبي وبه قال أحمد ، أما المسافر إذا أصبح صائماً فيجوز له أن يفطر بالاتفاق، والدليل عليه ما أخبر عبد الوهاب بن محمد الخطيب أخبرنا عبد العزيز بن أحمد الخلال أخبرنا أبو الهباس الأصم أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى مكة عام الفتح في رمضان، فصام حتى بلغ كراع الغميم، فصام الناس معه، فقيل له يا رسول الله إن الناس قد شق عليهم الصيام فدعا بقدح من ماء بعد العصر فشرب والناس ينظرون فأفطر بعض
الناس وصام بعضهم فبلغه أن ناساً صاموا، فقال أولئك العصاة".
واختلفوا في السفر الذي يبيح الفطر، فقال قوم: مسيرة يوم، وذهب جماعة إلى مسيرة يومين، وهو قول الشافعي رحمه الله، وذهب جماعة إلى مسيرة ثلاثة أيام، وهو قول سفيان الثوري وأصحاب الرأي.
قوله تعالى: " يريد الله بكم اليسر " بإباحة الفطر في المرض والسفر " ولا يريد بكم العسر" قرأ أبو جعفر : العسر واليسر ونحوهما بضم السين، وقرأ الآخرون بالسكون. وقال الشعبي : ما خير رجل بين أمرين فاختار أيسرهما إلا كان ذلك أحبهما إلى الله عز وجل " ولتكملوا العدة " قرأ أبو بكر بتشديد الميم وقرأ الآخرون بالتخفيف، وهو الاختيار لقوله تعالى: " اليوم أكملت لكم دينكم " (3-المائدة) والواو في قوله تعالى: ولتكملوا العدة واو النسق، واللام لام كي، تقديره: ويريد لكي تكملوا العدة، أي لتكملوا العدة، أي لتكملوا عدة أيام الشهر بقضاء ما أفطرتم في مرضكم وسفركم، وقال عطاء : " ولتكملوا العدة " أي عدد أيام الشهر.
أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب أخبرنا عبد العزيز بن أحمد الخلال أخبرنا أبو العباس الأصم أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " الشهر تسع وعشرون فلا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين ".
أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسين الحيري أخبرنا حاجب بن أحمد الطوسي أخبرنا محمد بن يحيى أخبرنا يزيد بن هارون أخبرنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تقدموا الشهر بصوم يوم ولا يومين إلا أن يوافق ذلك صوماً كان يصومه أحدكم، صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين ثم أفطروا ".
" ولتكبروا الله " ولتعظموا الله " على ما هداكم " أرشدكم إلى ما رضي به من صوم شهر رمضان وخصكم به دون سائر أهل الملل.
قال ابن عباس: هو تكبيرات ليلة الفطر. وروي عن الشافعي وعن ابن المسيب وعروة وأبي سلمة أنهم كانوا يكبرون ليلة الفطر يجهرون بالتكبير، وشبه ليلة النحر بها إلا من كان حاجاً فذكره التلبية.
" ولعلكم تشكرون " الله على نعمه، وقد وردت أخبار في فضل شهر رمضان وثواب الصائمين.
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الحسني المروزي أخبرنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سراج الطحان أخبرنا أبو أحمد بن قريش بن سليمان أخبرنا علي بن عبد العزيز المكي أخبرنا أبو القاسم بن سلام حدثني إسماعيل بن جعفر عن أبي سهل نافع بن مالك عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا دخل رمضان صفدت الشياطين، وفتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار ".
أخبرنا أبو عثمان سعيد بن إسماعيل الضبي أخبرنا ابو محمد عبد الجبار بن محمد بن الجراح أخبرنا أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي أخبرنا ابو عيسى محمد بن عيسى الترمذي أخبرنا أبو كريب محمد بن العلاء أخبرنا أبو بكر محمد بن عياش عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرةقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا كان أول ليلة في شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب ، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب ، وينادي مناد يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة". أخبرنا أبو بكر أحمد بن أبي نصر بن أحمد الكوفاني الهروي بها أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن عمر ابن محمد التجيبي المصري بهاالمعروف بابن النحاس قيل له أخبركم أبو سعيد أحمد بن محمد بن زياد العنزي البصري بمكة المعروف بابن الأعرابي ؟ أخبرنا الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني أخبرنا سفيان ابن عيينة عن الزهري أخبرنا أبو سلمةبن عبد الرحمن عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام رمضان إيمانا
واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه " . أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي أخبرنا أبوسعيد خلف بن عبد الرحمن بن محمد بن أبي نزار حدثنا الحسين ين أحمد بن محمد بن عبد الرحمن بن أسد الصفار أخبرنا أبو جعفر أحمد بن محمد بن أبي إسحق العنزي أخبرنا علي بن حجر بن إياس السعدي أخبرنا يوسف بن زياد عن علي بن زيد بن جدعان عن سعيد بن المسيب عن سلمان قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر يوم من شعبان فقال : " يا أيها الناس إنه قد أظلكم شهر عظيم - وفي رواية قد أطلكم بالطاء- أطل: أشرف، شهر عظيم، شهر مبارك، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، شهر جعل الله صيامه فريضة، وقيام ليله تطوعاً، من تقرب فيه بخصلة من خصال الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فيه فريضة كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه وهو شهر الصبر، والصبر ثوابه الجنة، وشهر المواساة - أي المساهمة - وشهر يزاد فيه الرزق ومن فطرفيه صائماً كان له مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار، وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيء قالوا يا رسول الله ليس كلنا نجد ما نفطر به الصائم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يعطي الله هذا الثواب لمن فطر صائماً على مذقة لبن أو تمرة أو شربة من ماء، ومن أشبع صائماً سقاه الله عز وجل من حوضي شربة لا يظمأ بعدها حتى يدخل الجنة، ومن خفف عن مملوكه فيه غفر الله له وأعتقه من النار حتى يدخل الجنة، وهو شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار، فاستكثروا فيه من أربع خصال، خصلتين ترضون بهما ربكم، وخصلتين لا غنى بكم عنهما، أما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم فشهادة أن لا إله إلا الله وتستغفرونه، وأما اللتان لا غنى بكم عنهما فتسألون الله الجنة، وتعوذون به من النار ".
أخبرنا الإمام أبوعلي الحسين بن محمد القاضي أخبرنا أبو طاهر محمد بن محمش الزيادي أخبرنا أبو بكر محمد بن عمر بن حفص التاجر أخبرنا إبراهيم بن عبد الله بن عمر بن بكير الكوفي أخبرنا وكيع عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كل عمل بني آدم يضاعف له الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله تعالى إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، يدع الصائم طعامه وشرابه وشهوته من أجلي، للصائم فرحتان، فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فيه أطيب عند الله من ريح المسك، الصوم جنة، الصوم جنة ".
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف أخبرنا محمد بن إسماعيل أخبرنا سعيد بن أبي مريم أخبرنا محمد بن مطرف حدثني أبو حازم عن سهل ابن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " في الجنة ثمانية أبواب منها باب يسمى الريان لا يدخله إلا الصائمون ".
أخبرنا محمد بن عبد الله بن أبي توبة أخبرنا أبو طاهر بن أحمد بن الحارث أخبرنا محمد بن يعقوب الكسائي أخبرنا عبد الله بن محمود أخبرنا إبراهيم بن عبد الله الخلال أخبرنا عبد الله بن المبارك عن راشد بن سعد عن يحيى بن عبد الله عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الصيام والقرآن يشفعان للعبد يقول الصيام: أي رب إني منعته الطعام والشراب والشهوات بالنهار فشفعني فيه، ويقول القرآن رب إني منعته النوم بالليل فشفعني فيه فيشفعان ".

185-" شهر رمضان " مبتدأ خبره ما بعده ، أو خبر مبتدأ محذوف تقديره ذلكم شهر رمضان ، أو بدل من الصيام على حذف المضاف أي كتب عليكم الصيام صيام شهر رمضان . وقرئ بالنصب على إضمار صوموا ،أو على أنه مفعول ، " وأن تصوموا " وفيه ضعف ، أو بدل من أيام معدودات . والشهر : من الشهرة ، ورمضان : مصدر رمض إذا احترق ، فأضيف إليه الشهر وجعل علماً ومنع من الصرف للعلمية والألف والنون ، كما منع دأية في ابن دأية علماً للغراب للعلمية والتأنيث ، وقوله عليه الصلاة والسلام " من صام رمضان " فعلى حذف المضاف لأمن الالتباس ، وإنما سموه بذلك إما لارتماضهم فيه من حر الجوع والعطش ، أو لارتماض الذنوب فيه ، أو لوقوعه أيام رمض الحر حين ما نقلوا أسماء الشهور عن اللغة القديمة . " الذي أنزل فيه القرآن " أي ابتدئ فيه إنزاله ، وكان ذلك ليلة القدر ، أو أنزل فيه جملة إلى سماء الدنيا ثم نزل منجماً إلى الأرض ، أو أنزل في شأنه القرآن وهو قوله : " كتب عليكم الصيام " . وعن النبي صلى الله عليه وسلم " نزلت صحف إبراهيم عليه السلام أول ليلة من رمضان ، وأنزلت التوراة لست مضين ، والإنجيل لثلاث عشرة ، والقرآن لأربع وعشرين " والموصول بصلته خبر المبتدأ أو صفته والخبر فمن شهد ، والفاء لوصف المبتدأ بما تضمن معنى الشرط . وفيه إشعار بأن الإنزال فيه سبب اختصاصه بوجوب الصوم " هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان " حالان من القرآن ، أن أنزل وهو هداية للناس إعجاز وآيات واضحات مما يهدي إلى الحق ، ويفرق بينه وبين الباطل بما فيه من الحكم والأحكام . " فمن شهد منكم الشهر فليصمه " فمن حضر في الشهر ولم يكن مسافراً فليصم فيه ، والأصل فمن شهد فيه فليصم فيه ، لكم وضع المظهر موضع المضمر الأول للتعظيم ، ونصب على الظرف و حذف الجار ونصب الضمير الثاني على الاتساع . وقيل : " فمن شهد منكم " هلال الشهر فليصمه ،على أنه مفعول به كقولك : شهدت الجمعة أي صلاتها فيكون " ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر " مخصصاً له ، لأن المسافر والمريض ممن شهد الشهر ولعل تكريره لذلك ،أو لئلا يتوهم نسخه كما قرينه . " يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر " أي يريد أن ييسر عليكم ولا يعسر ، فلذلك أباح الفطر في السفر والمرض . " ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون " علل لفعل محذوف دل عليه ما سبق ،أي وشرح جملة ما ذكر من أمر الشاهد يصوم الشهر والمرخص بالقضاء ومراعاة عدة ما أفطر فيه ، والترخيص " لتكملوا العدة " إلى آخرها على سبيل اللف ، فإن قوله " ولتكملوا العدة " علة الأمر بمراعاة العدة ، " ولتكبروا الله " علة الأمر بالقضاء وبيان كيفيته ، " ولعلكم تشكرون " علة الترخيص والتيسير . أو الأفعال كل لفعله ، أو معطوفة على علة مقدرة مثل ليسهل عليكم ، أو لتعلموا ما تعلمون ولتكملوا العدة ، ويجوز أن يعطف على اليسر أي يريد بكم لتكملوا كقوله تعالى : " يريدون ليطفئوا نور الله " . والمعنى بالتكبير تعظيم الله بالحمد والثناء عليه ، ولذلك عدى بعلى . وقيل تكبير يوم الفطر ، وقيل التكبير عند الإهلال وما يحتمل المصدر ، والخبر أي الذي هداكم إليه وعن عاصم برواية أبي بكر " ولتكملوا " بالتشديد .
185. The month of Ramadan in which was revealed the Quran, a guidance for mankind, and clear proofs of the guidance, and the Criterion (of right and wrong). And whosoever of you is present, let him fast the month, and whosoever of you is sick or on a journey, (let him fast the same) number of other days. Allah desireth for you ease; He desireth not hardship for you; and (He desireth) that ye should complete the period, and that ye should magnify Allah for having guided you, and that peradventure ye may be thankful.
185 - Ramadan is the (month) in which was sent down the Quran as a guide to mankind, also clear (signs) for guidance and judgment (between right and wrong). so every one of you who is present (at his home) during that month should spend it in fasting, but if any is ill, or on a journey, thee prescribed period (should be made up) by days later. God intends every facility for you; he does not want to but you to difficulties. (he wants you) to complete the prescribed period, and to glorify him in t hat he has guided you; and perchance ye shall be grateful.