[البقرة : 172] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ
(يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات) حلالات (ما رزقناكم واشكروا لله) على ما أحل لكم (إن كنتم إياه تعبدون
القول في تأويل قوله تعالى:"يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون" قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: "يا أيها الذين آمنوا"، يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله وأقروا لله بالعبودية، وأذعنوا له بالطاعة، كما:حدثني المثنى قال، حدثنا إسحق قال، حدثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك في قوله: "يا أيها الذين آمنوا"، يقول: صدقوا."كلوا من طيبات ما رزقناكم"، يعني: اطعموا من حلال الرزق الذي أحللناه لكم، فطاب لكم بتحليلي إياه لكم، مما كنتم تحرمون أنتم، ولم أكن حرمته عليكم، من المطاعم والمشارب. "واشكروا لله"، يقول: وأثنوا على الله بما هو أهله منكم، على النعم التي رزقكم وطيبها لكم. "إن كنتم إياه تعبدون"، يقول: إن كنتم منقادين لأمره سامعين مطيعين، فكلوا مما أباح لكم أكله وحلله وطيبه لكم، ودعوا في تحريمه خطوات الشيطان.وقد ذكرنا بعض ما كانوا في جاهليتهم يحرمونه من المطاعم، وهو الذي ندبهم إلى أكله ونهاهم عن اعتقاد تحريمه، إذ كان تحريمهم إياه في الجاهلية طاعة منهم للشيطان، واتباعاً لأهل الكفر منهم بالله من الآباء والأسلاف. ثم بين لهم تعالى ذكره ما حرم عليهم، وفصله لهم مفسراً.
قوله تعالى : "يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون" .
هذا تأكيد للأمر الأول ، وخص المؤمنين هنا بالذكر تفضيلاً . والمراد بالأكل الانتفاع من جميع الوجوه . وقيل : هو الأكل المعتاد . وفي صحيح مسلم عن ابي هريرة رضي الله عنه قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أيها الناس إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال : "يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم" وقال : "يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم" ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ، ومشربه حرام ، وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك " . "واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون" تقدم معنى الشكر فلا معنى للإعادة .
يقول تعالى آمراً عباده المؤمنين بالأكل من طيبات ما رزقهم تعالى, وأن يشكروه تعالى على ذلك إن كانوا عبيده, والأكل من الحلال سبب لتقبل الدعاء والعبادة, كما أن الأكل من الحرام يمنع قبول الدعاء والعبادة. كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد: حدثنا أبو النضر, حدثنا الفضيل بن مرزوق عن عدي بن ثابت, عن أبي حازم, عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أيها الناس إن الله طيب لا يقبل, إلا طيباً وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين, فقال " يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم ", وقال "يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم" ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب, ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام, وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك ؟" ورواه مسلم في صحيحه والترمذي من ذلك حديث فضيل بن مرزوق. ولما امتن تعالى عليهم برزقه وأرشدهم إلى الأكل من طيبه, ذكر أنه لم يحرم عليهم من ذلك إلا الميتة, وهي التي تموت حتف أنفها من غير تذكية وسواء كانت منخنقة أو موقوذة أو متردية أو نطيحة أو قد عدا عليها السبع, وقد خصص الجمهور من ذلك ميتة البحر لقوله تعالى: "أحل لكم صيد البحر وطعامه" على ما سيأتي إن شاء الله, وحديث العنبر في الصحيح وفي المسند والموطأ والسنن قوله عليه السلام في البحر "هو الطهور ماؤه الحل ميتته" وروى الشافعي وأحمد وابن ماجه والدارقطني حديث ابن عمر مرفوعاً "أحل لنا ميتتان ودمان السمك والجراد والكبد والطحال" وسيأتي تقرير ذلك إن شاء الله في سورة المائدة.
(مسألة) ولبن الميتة وبيضها المتصل بها نجس عند الشافعي وغيره. لأنه جزء منها. وقال مالك في رواية: هو طاهر إلا أنه ينجس بالمجاورة, وكذلك أنفحة الميتة فيها الخلاف والمشهور عندهم أنها نجسة, وقد أوردوا على أنفسهم أكل الصحابة من جبن المجوس, فقال القرطبي في التفسير ههنا يخالط اللبن منها يسير, ويعف عن قليل النجاسة إذا خالط الكثير من المائع وقد روى ابن ماجه من حديث سيف بن هارون عن سليمان التميمي, عن أبي عثمان النهدي, عن سلمان رضي الله عنه: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن السمن والجبن والفراء, فقال "الحلال ما أحل الله في كتابه, والحرام ما حرم الله في كتابه, وما سكت عنه فهو مما عفا عنه" وكذلك حرم عليهم لحم الحنزير سواء ذكي أم مات حتف أنفه, ويدخل شحمه في حكم لحمه إما تغليباً أو أن اللحم يشمل ذلك أو بطريق القياس على رأي وكذلك حرم عليهم ما أهل به لغير الله, وهو ما ذبح على غير اسمه تعالى من الأنصاب والأنداد والأزلام ونحو ذلك مما كانت الجاهلية ينحرون له. وذكر القرطبي عن ابن عطية أنه نقل عن الحسن البصري: أنه سئل عن امرأة عملت عرساً للعبها فنحرت فيه جزوراً, فقال: لا تؤكل لأنها ذبحت لصنم, وأورد القرطبي عن عائشة رضي الله عنها: أنها سئلت عما يذبحه العجم لأعيادهم فيهدون منه للمسلمين فقالت: ما ذبح لذلك اليوم فلا تأكلوا منه, وكلوا من أشجارهم ثم أباح تعالى تناول ذلك عند الضرورة والاحتياج إليها عند فقد غيرها من الأطعمة, فقال "فمن اضطر غير باغ ولا عاد" أي في غير بغي ولا عدوان وهو مجاوزة الحد "فلا إثم عليه" أي في أكل ذلك "إن الله غفور رحيم", وقال مجاهد: فمن اضطر غير باغ ولا عاد, قاطعاً للسبيل أو مفارقاً للأئمة, أو خارجاً في معصية الله, فله الرخصة, ومن خرج باغياً أو عادياً أو في معصية الله, فلا رخصة له وإن اضطر إليه, وكذا روي عن سعيد بن جبير. وقال سعيد في رواية عنه ومقاتل بن حيان: غير باغ يعني غير مستحله, وقال السدي: غير باغ, يبتغي فيه شهوته, وقال آدم بن أبي إياس: حدثنا ضمرة عن عثمان بن عطاء وهو الخراساني, عن أبيه, في قوله "غير باغ" قال: لا يشوي من الميتة ليشتهيه, ولا يطبخه, ولا يأكل إلا العلقة, ويحمل معه ما يبلغه الحلال, فإذا بلغه ألقاه, وهو قوله "ولا عاد" ويقول لا يعدو به الحلال, وعن ابن عباس: لا يشبع منها, وفسره السدي بالعدوان, وعن ابن عباس "غير باغ ولا عاد" قال "غير باغ" في الميتة ولا عاد في أكله, وقال قتادة: فمن اضطر غير باغ ولا عاد, قال: غير باغ في الميتة أي في أكله أن يتعدى حلالاً إلى حرام وهو يجد عنه مندوحة, وحكى القرطبي عن مجاهد في قوله: فمن اضطر, أي أكره على ذلك بغير اختياره.
(مسألة) إذا وجد المضطر ميتة وطعام الغير بحيث لا قطع فيه ولا أذى, فإنه لا يحل له أكل الميتة بل يأكل طعام الغير بغير خلاف ـ كذا قال ـ ثم قال: وإذا أكله, والحالة هذه, هل يضمن أم لا ؟ فيه قولان هما روايتان عن مالك, ثم أورد من سنن ابن ماجه من حديث شعبة عن أبي إياس جعفر بن أبي وحشية: سمعت عباد بن شرحبيل الغبري قال: أصابتنا عاماً مخمصة, فأتيت المدينة, فأتيت حائطاً, فأخذت سنبلاً ففركته وأكلته, وجعلت منه في كسائي, فجاء صاحب الحائط فضربني وأخذ ثوبي, فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته, فقال للرجل "ما أطعمته إذ كان جائعاً ولا ساعياً, ولا علمته إذ كان جاهلاً" فأمره فرد إليه ثوبه, فأمر له بوسق من طعام أو نصف وسق, إسناد صحيح قوي جيد وله شواهد كثيرة: من ذلك حديث عمرو بن شعيب عن أبيه, عن جده: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الثمر المعلق, فقال "من أصاب منه من ذي حاجة بفيه غير متخذ خبنة, فلا شيء عليه" الحديث, وقال مقاتل بن حيان في قوله: "فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم": فيما أكل من اضطرار, وبلغنا, والله أعلم. أنه لا يزاد على ثلاث لقم, وقال سعيد بن جبير: غفور لما أكل من الحرام, رحيم إذ أحل له الحرام في الاضطرار, وقال وكيع: أخبرنا الأعمش عن أبي الضحى, عن مسروق, قال: من اضطر فلم يأكل ولم يشرب ثم مات, دخل النار, وهذا يقتضي أن أكل الميتة للمضطر عزيمة لا رخصة, قال أبو الحسن الطبري المعروف بالكياالهراسي رفيق الغزالي في الاشتغال, وهذا هو الصحيح عندنا, كالإفطار للمريض ونحو ذلك.
قوله: 172- "كلوا من طيبات ما رزقناكم" هذا تأكيد للأمر الأول: أعني قوله: "يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالاً طيباً" وإنما خص المؤمنين هنا لكونهم أفضل أنواع الناس، قيل: والمراد بالأكل الانتفاع، وقيل: المراد به الأكل المعتاد، وهو الظاهر. قوله: "واشكروا لله" قد تقدم أنه يقال شكره وشكر له يتعدى بنفسه وبالحرف. وقوله: "إن كنتم إياه تعبدون" أي تخصونه بالعبادة كما يفيده تقدم المفعول.
172. قوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات " من حلالات " ما رزقناكم ".
أخبرنا عبد الواحد المليحي أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن أبي شريح أخبرنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي أخبرنا علي بن جعد أخبرنا فضيل بن مرزوق عن عدي بن ثابت عن أبي حازم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا الطيب وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: " يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً " (51-المؤمنون) وقال " يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم " ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يده إلى السماء يارب يارب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك ".
" واشكروا لله " على نعمه " إن كنتم إياه تعبدون " ثم بين المحرمات
172-" يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم " لما وسع الأمر على الناس كافة وأباح لهم ما في الأرض سوء ما حرم عليهم ، أمر المؤمنين منهم أن يتحروا طيبات ما رزقوا ويقوموا بحقوقها فقال : " واشكروا لله " على ما رزقكم و أحل لكم . " إن كنتم إياه تعبدون " إن صح أنكم تخصونه بالعبادة ، وتقرون أنه مولى النعم ، فإن عبادته تعالى لا تتم إلا بالشكر . فالمعلق بفعل هو الأمر بالشكر لإتمامه ، وهو عدم عند عدمه . وعن النبي صلى الله عليه وسلم " يقول الله تعالى إني والإنس والجن في نبأ عظيم ، أخلق ويعبد غيري ،وأرزق ويشكر غيري " .
172. O ye who believe! Eat of the good things wherewith We have provided you, and render thanks to Allah if it is (indeed) He whom ye worship.
172 - O ye who believe! eat of the good things that we have provided for you, and be grateful to God, if it is him ye worship.