[البقرة : 144] قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ
(قد) للتحقيق (نرى تقلب) تصرف (وجهك في) جهة (السماء) متطلعاً إلى الوحي ومتشوقا للأمر باستقبال الكعبة وكان يود ذلك لأنها قبلة إبراهيم ولأنه أدعى إلى إسلام العرب (فلنولينك) نحولنك (قبلة ترضاها) تحبها (فول وجهك) استقبل في الصلاة (شطر) نحو (المسجد الحرام) أي الكعبة (وحيث ما كنتم) خطاب للأمة (فولوا وجوهكم) في الصلاة (شطره وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه) أي التولي إلى الكعبة (الحق) الثابت (من ربهم) لما في كتبهم من نعت النبي صلى الله عليه وسلم من أنه يتحول إليها (وما الله بغافل عما تعملون) بالتاء أيها المؤمنون من امتثال أمره وبالياء أي اليهود من إنكار أمر القبلة
القول في تأويل قوله تعالى: "وكذلك جعلناكم أمة وسطا" قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: "وكذلك جعلناكم أمة وسطاً"، كما هديناكم أيها المؤمنون بمحمد عليه السلام وبما جاءكم به من عند الله، فخصصناكم بالتوفيق لقبلة إبراهيم وملته، وفضلناكم بذلك على من سواكم من أهل الملل، كذلك خصصناكم ففضلناكم على غيركم من أهل الأديان، بأن جعلناكم أمة وسطاً.وقد بينا أن الأمة، هي القرن من الناس والصنف منهم وغيرهم.وأما الوسط ، فإنه في كلام العرب الخيار. يقال منه: فلان وسط الحسب في قومه، أي متوسط الحسب، إذا أرادوا بذلك الرفع في حسبه، وهو وسط في قومه، وواسط ، كما يقال: شاة يابسة اللبن ويبسة اللبن، وكما قال جل ثناؤه فاضرب لهم طريقاً في البحر يبساً [طه: 77]، وقال زهيربن أبي سلمى في الوسط :
هم وسط ترضى الأنام بحكمهم إذا نزلت إحدى الليالي بمعظم
قال أبو جعفر: وأنا أرى أن الوسط في هذا الموضع، هو الوسط الذي بمعنى: الجزء الذي هو بين الطرفين، مثل وسط الدار محرك الوسط مثقله، غير جائز في سينه التخفيف. وأرى أن الله تعالى ذكره إنما وصفهم بأنهم وسط، لتوسطهم فى الدين، فلا هم أهل غلو فيه، غلو النصارى الذين غلوا بالترهب، وقيلهم في عيسى ما قالوا فيه- ولا هم أهل تقصير فيه، تقصير اليهود الذين بدلوا كتاب الله، وقتلوا أنبياءهم، وكذبوا على ربهم، وكفروا به، ولكنهم أهل توسط واعتدال فيه. فوصفهم الله بذلك، إذ كان أحب الأمور إلى الله أوسطها. وأما التأويل، فإنه جاء بأن الوسط العدل. وذلك معنى الخيار، لأن الخيار من الناس عدولهم. ذكر من قال: الوسط، العدل. حدثنا سلم بن جنادة ويعقوب بن إبراهيم قالا، حدثنا حفص بن غياث، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قولة: "وكذلك جعلناكم أمة وسطا"، قال: عدولاً.حدثنا مجاهد بن موسى ومحمد بن بشار قالا، حدثنا جعفر بن عون، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله. حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا مؤمل قال، حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد الخدري: "وكذلك جعلناكم أمة وسطا"، قال: عدولاً.حدثني علي بن عيسى قال، حدثنا سعيد بن سليمان، عن حفص بن غياث، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: "جعلناكم أمة وسطا"، قال: عدولاً. حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن يمان، عن أشعث، عن جعفر، عن سعيد: "وكذلك جعلناكم أمة وسطا"، قال: عدولاً.حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله عز وجل: "وكذلك جعلناكم أمة وسطا"، قال: عدولاً.حدثنا المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله. حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "أمة وسطا"، قال: عدولاً.حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: "أمة وسطا"، قال: عدولاً.حدثنا المثنى قال، حدثنا إسحق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: "أمة وسطا"، قال: عدولاً. حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي ، عن أبيه، عن ابن عباس: "وكذلك جعلناكم أمة وسطا"، يقول: جعلكم أمة عدولاً. حدثني المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك، عن رشدين بن سعد قال، أخبرنا ابن أنعم المعافري، عن حبان بن أبي جبلة، يسنده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وكذلك جعلناكم أمة وسطا"، قال: الوسط العدل. حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء ومجاهد وعبد الله بن كثير: "أمة وسطا"، قالوا: عدولاً. قال مجاهد: عدلاً.حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: "وكذلك جعلناكم أمة وسطا"، قال: هم وسط بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين الأمم. القول في تأويل قوله تعالى: "لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا" قال أبو جعفر: والشهداء جمع شهيد.فمعنى ذلك: وكذلك جعلناكم أمة وسطاً عدولاً، لتكونوا، شهداء لأنبيائي ورسلي على أممها بالبلاع، أنها قد بلغت ما أمرت ببلاغه من رسالاتي إلى أممها، ويكون رسولي محمد صلى الله عليه وسلم شهيداً عليكم، بإيمانكم به وبما جاءكم به من عندي، كما: حدثني أبو السائب قال، حدثنا حفص، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يدعى بنوح عليه السلام يوم القيامة فيقال له: هل بلغت ما أرسلت به؟ فيقول: نعم. فيقال لقومه: هل بلغكم؟ فيقولون: ما جاءنا من نذير! فيقال له: من يعلم ذاك؟ فيقول: محمد وأمته". فهو قوله: "وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا". حدثنا مجاهد بن موسى قال، حدثنا جعفر بن عون قال، حدثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم، بنحوه- إلا أنه زاد فيه: فيدعون ويشهدون أنه قد بلغ.حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا مؤمل قال، حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد: "وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس"- بأن الرسل قد بلغوا- "ويكون الرسول عليكم شهيدا"، بما عملتم، أو فعلتم. حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن فضيل، عن أبي مالك الأشجعي، عن المغيرة بن عتيبة بن النهاس: أن مكاتباً لهم حدثهم عن جابربن عبد الله: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إني وأمتي لعلى كوم يوم القيامة، مشرفين على الخلائق. ما أحد من الأمم إلا ود أنه منها أيتها الأمة، وما من نبي كذبه قومه إلا نحن شهداؤه يوم القيامة أنه قد بلغ رسالات ربه ونصح لهم". قال: "ويكون الرسول عليكم شهيدا". حدثني عصام بن رواد بن الجراح العسقلاني قال، حدثنا أبي قال، حدثنا الأوزاعي،عن يحيى بن أبي كثير، عن عبد الله بن أبي الفضل، عن أبي هريرة قال: خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة، فلما صلى على الميت قال الناس: نعم الرجل! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وجبت ثم خرجت معه في جنازة أخرى، فلما صلوا على الميت قال الناس: بئس الرجل! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وجبت. فقام اليه أبي بن كعب فقال: يا رسول الله، ما قولك وجبت؟ قال: قول الله عز وجل: "لتكونوا شهداء على الناس ". حدثني علي بن سهل الرملي قال، حدثنا الوليد بن مسلم قال، حدثني أبو عمرو،عن يحيى قال، حدثني عبد الله بن أبي الفضل المديني قال، حدثني أبو هريرة قال: أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بجنازة، فقال الناس : نعم الرجل! ثم ذكر نحو حديث عصام عن أبيه.حدثنا أبو كريب قال، حدثنا زيد بن حباب قال، حدثنا عكرمة بن عمار قار، حدثني إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه، قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فمر عليه بجنازة، فأثني عليها بثناء حسن، فقال: وجبت ومر عليه بجنازة أخرى، فأثني عليها دون ذلك، فقال: وجبت! قالوا: يا -رسول الله، ما وجبت؟ قال: الملائكة شهداء الله في السماء، وأنتم شهداء الله في الأرض، فما شهدتم عليه وجب. ثم قرأ "وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون"الآية [التوبة:105].حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "لتكونوا شهداء على الناس" ، تكونوا شهداء لمحمد عليه السلام على الأمم، اليهود والنصارى والمجوس. حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله. حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح قال: "يأتي النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة ناديه ليس معه أحد، فتشهد له أمة محمد صلى الله عليه وسلم أنه قد بلغهم". حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن أبيه، أنه سمع عبيد بن عميرمثله. حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا حجاج، عن ابن جريج قال، حدثني ابن أبي نجيح، عن أبيه قال: يأتي النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، فذكر مثله، ولم يذكر عبيد بن عمير، مثله. حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة "لتكونوا شهداء على الناس"، أي أن رسلهم قد بلغت قومها عن ربها، "ويكون الرسول عليكم شهيدا"، على أنه قد بلغ رسالات ربه إلى أمته.حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن زيد بن أسلم: أن قوم نوح يقولون يوم القيامة: لم يبلغنا نوح! فيدعى نوح عليه السلام فيسأل: هل بلغتهم؟ فيقول: نعم. فيقال: من شهودك؟ فيقول: أحمد صلى الله عليه وسلم وأمته. فتدعون فتسألون فتقولون: نعم، قد بلغهم. فتقول قوم نوح عليه السلام: كيف تشهدون علينا ولم تدركونا؟ قالوا: قد جاء نبي الله صلى الله عليه وسلم فأخبرنا أنه قد بلغكم، وأنزل عليه أنه قد بلغكم، فصدقناه. قال: فيصدق نوح عليه السلام، ويكذبونهم. قال: "لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا".حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة: "لتكونوا شهداء على الناس"، لتكون هذه الأمة شهداء على الناس أن الرسل قد بلغتهم، ويكون الرسول على هذه الأمة شهيداً أن قد بلغ ما أرسل به. حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن زيد بن أسلم: أن الأمم يقولون يوم القيامة: والله لقد كادت هذه الأفة أن تكون أنبياء كلهم! لما يرون الله أعطاهم.حدثنا المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، حدثنا ابن المبارك، عن رشدين بن سعد، قال أخبرني ابن أنعم المعافري، عن حبان بن أبي جبلة يسنده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا جمع الله عباده يوم القيامة، كان أول من يدعى إسرافيل، فيقول له ربه: ما فعلت في عهدي؟ هل بلغت عهدي؟ فيقول: نعم رب، قد بلغته جبريل، عليهما السلام. فيدعى جبريل، فيقال له: هل بلغك إسرافيل عهدي! فيقول: نعم رب، قد بلغني. فيخلى عن إسرافيل، ويقال لجبريل: هل بلغت عهدي؟ فيقول: نعم، قد بلغت الرسل. فتدعى الرسل، فيقال لهم: هل بلغكم جبريل عهدي؟ فيقولون: نعم ربنا. فيخلى عن جبريل، ثم يقال للرسل: ما فعلتم بعهدي؟ فيقولون: بلغنا أممنا. فتدعى الأمم، فيقال: هل بلغكم الرسل عهدي؟ فمنهم المكذب ومنهم المصدق، فتقول الرسل: إن لنا عليهم شهوداً يشهدون أن قد بلغنا مع شهادتك. فيقول: من يشهد لكم؟ فيقولون: أمة محمد. فتدعى أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فيقول: أتشهدون أن رسلي هؤلاء قد بلغوا عهدي إلى من أرسلوا إليه؟ فيقولون: نعم ربنا، شهدنا أن قد بلغوا. فتقول تلك الأمم: كيف يشهد علينا من لم يدركنا؟ فيقول لهم الرب تبارك وتعالى: كيف تشهدون على من لم تدركوا؟ فيقولون: ربنا بعثت إلينا رسولا، وأنزلت إلينا عهدك وكتابك، وقصصت علينا أنهم قد بلغوا، فشهدنا بما عهدت إلينا. فيقول الرب: صدقوا. فذلك قوله: "وكذلك جعلناكم أمة وسطا"- والوسط العدل- "لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا" " . قال ابن أنعم: فبلغني أنه يشهد يومئذ أمة محمد صلى الله عليه وسلم، الا من كان في قلبه حنة على أخيه. حدثني المثنى قال، حدثنا إسحق قال، حدثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاكفي قوله: "لتكونوا شهداء على الناس"، يعني بذلك: الذين استقاموا على الهدى، فهم الذين يكونون شهداء على الناس يوم القيامة، لتكذيبهم رسل الله وكفرهم بآيات الله. حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قوله: "لتكونوا شهداء على الناس"، يقول: لتكونوا شهداء على الأمم الذين خلوا من قبلكم، بما جاءتهم رسلهم، وبما كذبوهم، فقالوا يوم القيامة وعجبوا: إن أمة لم يكونوا في زماننا، فآمنوا بما جاءت به رسلنا، وكذبنا نحن بما جاءوا به! فعجبوا كل العجب. قوله: "ويكون الرسول عليكم شهيدا"، يعني: بإيمانهم به، وبما أنزل عليه. حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: "لتكونوا شهداء على الناس"، يعني: أنهم شهدوا على القرون بما سمى الله عز وجل لهم. حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج: قلت لعطاء: ما قوله: "لتكونوا شهداء على الناس"؟ قال: أمة محمد، شهدوا على من ترك الحق حين جاءه الإيمان والهدى، ممن كان قبلنا. قالها عبد الله بن كثير. قال: وقال عطاء: شهداء على من ترك الحق ممن تركه من الناس أجمعين، جاء ذلك أمة محمد صلى الله عليه وسلم في كتابهم، "ويكون الرسول عليكم شهيدا"، على أنهم قد آمنوا بالحق حين جاءهم، وصدقوا به. حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا"، " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم شاهد على أمته، وهم شهداء على الأمم" وهم أحد الأشهاد الذين قال الله عز وجل: "ويوم يقوم الأشهاد" [غافر: 51]، الأربعة: الملائكة الذين يحصون أعمالنا، لنا وعلينا، وقرأ قوله: "وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد" [قال: 21] وقال: هذا يوم القيامة. قال: والنبيون شهداء على أممهم. قال: وأمة محمد صلى الله عليه وسلم شهداء على لأمم. قال: والأطوار (1) الأجساد والجلود.القول في تأويل قوله تعالى: "وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه" قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: "وما جعلنا القبلة التي كنت عليها"، ولم نجعل صرفك عن القبلة التي كنت على التوجه إليها يا محمد، فصرفناك عنها، إلا لنعلم من يتبعك، ممن لايتبعك ممن ينقلب على عقبيه.والقبلة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها، التي عناها الله بقوله: "وما جعلنا القبلة التي كنت عليها"، هي القبلة التي كنت تتوجه إليها قبل أن يصرفك إلى الكعبة، كما: حدثني موسى بن هرون قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "وما جعلنا القبلة التي كنت عليها"، يعني: بيت المقدس.حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: "وما جعلنا القبلة التي كنت عليها". قال: القبلة بيت المقدس.
قال أبو جعفر: وإنما ترك ذكر الصرف عنها، اكتفاء بدلالة ما قد ذكر من الكلام على معناه، كسائر ما قد ذكرنا فيما مضى من نظائره.وإنما قلنا: ذلك معناه، لأن محنة الله أصحاب رسوله في القبلة، إنما كانت- فيما تظاهرت به الأخبار- عند التحويل من بيت المقدس إلى الكعبة، حتى ارتذ- فيما ذكر- رجال ممن كان قد أسلم واتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأظهر كثير من المنافقين- من أجل ذلك- نفاقهم، وقالوا: ما بال محمد يحولنا مرة إلى ههنا ومرة إلى ههنا! وقال المسلمون فيمن مضى من إخوانهم المسلمين وهم يصلون نحو بيت المقدس: بطلت أعمالنا وأعمالهم وضاعت! وقال المشركون: "تحير محمد صلى الله عليه وسلم، في دينه! فكان ذلك فتنة للناس، وتمحيصاً للمؤمنين".فلذلك قال جل ثناؤه: "وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه"، أي: وما جعلنا صرفك عن القبلة التي كنت عليها، وتحويلك إلى غيرها، كما قال جل ثناؤه: "وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس" [الإسراء: 60] بمعنى: وما جعلنا خبرك عن الرؤيا التي أريناك. وذلك أنه لو لم يكن أخبر القوم بما كان أري، لم يكن فيه على أحد فتنة. وكذلك القبلة الأولى التي كانت نحو بيت المقدس، لو لم يكن صرف عنها إلى الكعبة، لم يكن فيها على أحد فتنة ولامحنة.ذكر الأخبار التي رويت في ذلك بمعنى ما قلنا: حدثنا بشربن معاذ قال، حدثنا يزيد، عن سعيد، عن قتادة قال: كانت القبلة فيها بلاء وتمحيص. صلت الأنصار نحو بيت المقدس حولين قبل قدوم نبي الله صلى الله عليه وسلم، "وصلى نبي الله صلى الله عليه وسلم بعد قدومه المدينة مهاجراً نحو بيت المقدس سبعة عشر شهراً، ثم وجهه الله بعد ذلك إلى الكعبة البيت الحرام"، فقال في ذلك قائلون من الناس: "ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها"؟ لقد اشتاق الرجل إلى مولده! قال الله عز وجل: "قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ". فقال أناس- لما صرفت القبلة نحو البيت الحرام-: كيف بأعمالنا التي كنا نعمل في قبلتنا الأولى؟ فأنزل الله عز وجل: "وما كان الله ليضيع إيمانكم". وقد يبتلي الله العباد بما شاء من أمره، الأمر بعد الأمر، ليعلم من يطيعه ممن يعصيه، وكل ذلك مقبول، إذ كان في أذلك، إيمان بالثه، وإخلاص له، وتسليم لقضائه. حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي قبل بيت المقدس،فنسختها الكعبة.فلما وجه قبل المسجد الحرام،اختلف الناس فيها فكانوا أصنافاً، فقال المنافقون: ما بالهم كانوا على قبلة زمانا، ثم تركوها وتوجهوا إلى غيرها؟ وقال المسلمون: ليت شعرنا عن إخواننا الذين ماتوا وهم يصلون قبل بيت المقدس! هل تقبل الله منا ومنهم، أو لا؟ وقالت اليهود: إن محمداً اشتاق إلى بلد أبيه ومولده، ولو ثبت على قبلتنا لكنا نرجو أن يكون هو صاحبنا الذي ننتظر! وقال المشركون من أهل مكة: تحير على محمد دينه، فتوجه بقبلته إليكم، وعلم أنكم كنتم أهدى منه، ويوشك أن يدخل في دينكم! فأنزل الله جل ثناؤه في المنافقين: "سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها" إلى قوله: "وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله"، وأنزل في الآخرين الايات بعدها " . حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا حجاج، عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: "إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه " فقال عطاء: يبتليهم، ليعلم من يسلم لأمره. قال ابن جريج: بلغني أن ناساً ممن أسلم رجعوا فقالوا: مرة ههنا ومرة ههنا!قال أبو جعفر: فإن قال لنا قائل: أو ما كان الله عالماً بمن يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه، إلا بعد اتباع المتبع، وانقلاب المنقلب على عقبيه، حتى قال: ما فعلنا الذي فعلنا من تحويل القبلة إلا لنعلم المتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنقلب على عقبيه؟قيل: إن الله جل ثناؤه هو العالم بالأشياء كلها قبل كونها، وليس قوله: "وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه"، بخبر [عن]، أنه لم يعلم ذلك إلا بعد وجوده.فإن قال: فما معنى ذلك؟قيل له: أما معناه عندنا، فإنه: وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا ليعلم رسولي وحزبي وأوليائي من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه، فقال جل ثناؤه: "إلا لنعلم"، ومعناه ليعلم رسولي وأوليائي. إذ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأولياؤه من حزبه، وكان من شأن العرب إضافة ما فعلته أتباع الرئيس إلى الرئيس، وما فعل بهم إليه، نحو قولهم: فتح عمربن الخطاب سواد العراق وجبى خراجها، وإنما فعل ذلك أصحابه، عن سبب كان منه في ذلك، وكالذي روي في نظيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه "قال: يقول الله جل ثناؤه: مرضت فلم يعدني عبدي، واستقرضته فلم يقرضني، وشتمني ولم ينبغ له أن يشتمني". حدثنا أبو كريب قال، حدثنا خالد، عن محمد بن جعفر، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله: استقرضت عبدي فلم يقرضني، وشتمني ولم ينبغ له أن يشتمني! يقول: وادهراه! وأنا الدهر، أنا الدهر". حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحق، عن العلاء بن عبد الرحمن،
عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه.
فأضاف تعالى ذكره الاستقراض والعيادة إلى نفسه، وقد كان ذلك بغيره، إذ كان ذلك عن وقد حكي عن العرب سماعاً: أجوع في غير بطني،وأعرى في غير ظهريبمعنى:جوع أهله وعياله وعري ظهورهم. فكذلك قوله: "إلا لنعلم"، بمعنى: يعلم أوليائي وحزبي. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية بن صايح، عن علىأبي طلحة، عن ابن عباس: "وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه" قال ابن عباس: لنميز أهل اليقين من أهل الشرك والريبة.وقال بعضهم: إنما قيل ذلك، من أجل أن العرب تضع العلم مكان الرؤية، و الرؤيةمكان العلم، كما قال جل ذكره "ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل" [الفيل:1]، فزعم معنى "ألم تر"، ألم تعلم؟ وزعم أن معنى قوله: "إلا لنعلم"، بمعنى: إلا لنرى من يتبع الرسول وزعم أن قول القائل: رأيت، وعلمت، وشهدت حروف تتعاقب، فيوضع بعضها موضع بعض كما قال جرير بن عطية:
كأنك لم تشهد لقيطاً وحاجباً وعمرو بن عمرو إذ دعا يال دارم
بمعنى: كأنك لم تعلم لقيطاً، لأن بين هلك لقيط وحاجب وزمان جرير، ما لا يخفى بعده من المدة. وذلك أن الذين ذكرهم هلكوا في الجاهلية، وجرير كان بعد برهة ضت من مجىء الإسلام.قال أبو جعفر: وهذا تأويل بعيد. من أجل أن الرؤية، وإن استعملت في موضع العلم،من أجل أنه مستحيل أن يرى أحد شيئاً فلا توجب رؤيته إياه علط بأنه قد رآه، اذا كان صحيح الفطرة. فجاز من الوجه الذي أثبته رؤية، أن يضاف إليه إثباته إياه علماً، وصح أن يدل بذكر الرؤية على معنى العلم من أجل ذلك. فليس ذلك، وإن كان [جائزاً]، في الرؤية- لما وصفنا- بجائز في العلم، فيدل بذكر الخبر عن العلم على الرؤية. لأن المرء قد يعلم أشياء كثيرة لم يرها ولا يراها، ويستحيل أن يرى شيئاً إلا علمه، كما قد قدمنا البيان [عنه]. مع أنه غير موجود في شيء من كلام العرب أن يقال: علمت كذا، بمعنى رأيته.وإنما جوز توجيه معاني ما في كتاب الله الذي أنزله على محمد صلى الله عليه وسلم من الكلام، إلى ما كان
موجوداً مثله في كلام العرب، دون ما لم يكن موجوداً في كلامها. فموجود في كلامها رأيت بمعنى: علمت، وغير موجود في كلامها، علمت، بمعنى: رأيت، فيجوز توجيه. "إلا لنعلم" إلى معنى: إلا لنرى وقال آخرون: إنما قيل: "إلا لنعلم"، من أجل أن المنافقين واليهود وأهل الكفر بالله، أنكروا أن يكون الله تعالى ذكره يعلم الشيء قبل كونه. وقالوا- إذ قيل لهم: إن قوماً من أهل القبلة
سيرتدون على أعقابهم، إذا حولت قبلة محمد صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة-: ذلك غير كائن! أو قالوا: ذلك باطل! فلما فعل الله ذلك، وحول القبلة، وكفر من أجل ذلك من كفر، قال الله جل ثناؤه: ما فعلت الا لنعلم ما علمه غيركم- أيها المشركون المنكرون علمي بما هو كائن من الأشياء قبل كونه-: أني عالم بما هوكائن مما لم يكن بعد.فكأن معنى قائلي هذا القول في تأويل قوله: "إلا لنعلم" : إلا لنبين لكم أنا نعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه. وهذا وإن كان وجهاً له مخرج، فبعيد من المفهوم.وقال آخرون: إنما قيل: "إلا لنعلم"، وهو بذلك عالم قبل كونه وفي كل حال، على وجه
الترفق بعباده واستمالتهم إلى طاعته، كما قال جل ثناؤه: "قل من يرزقكم من السماوات والأرض قل الله وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين" [سبأ: 24]، وقد علم أنه على هدى، وأنهم على ضلال مبين. ولكنه رفق بهم في الخطاب، فلم يقل: إنا على هدى وأنتم على ضلال. فكذلك قوله: "إلا لنعلم"، معناه عندهم: إلا لتعلموا أنتم، إذ كنتم جهالاً به قبل أن يكون. فأضاف العلم إلى نفسه، رفقاً بخطابهم. وقد بينا القول الذي هو أولى في ذلك بالحق. وأما قوله: "من يتبع الرسول". فإنه يعني: الذي يتبع محمداً صلى الله عليه وسلم فيما يأمره الله به، فيوجه نحو الوجه الذي يتوجه نحوه محمد صلى الله عليه وسلم. وأما قوله: "ممن ينقلب على عقبيه"، فإنه يعني: من الذي يرتد عن دينه، فينافق، أو يكفر، أو يخالف محمداً صلى الله عليه وسلم في ذلك، ممن يظهر اتباعه، كما: حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه"، قال: من إذا دخلته شبهة رجع عن الله، وانقلب كافراً على عقبيه.وأصل المرتد على عقبيه، هو: المنقلب على عقبيه، الراجع مستدبراً في الطريق الذي قد كان قطعه، منصرفاً عنه. فقيل ذلك لكل راجع عن أمر كان فيه، من دين أو خير. ومن ذلك قوله: "فارتدا على آثارهما قصصا" [الكهف: 64]، بمعنى: رجعا في الطريق الذي كانا سلكاه. وإنما قيل للمرتد: مرتد، لرجوعه عن دينه وملته التي كان عليها.وإنما قيل: رجع على عقبيه، لرجوعه دبراً على عقبه، إلى الوجه الذي كان فيه بدء سيره قبل مرجعه عنه. فيجعل ذلك مثلاً لكل تارك أمراً وآخذ آخر غيره، إذا انصرف عما كان فيه، إلى الذي كان له تاركاً فأخذه. فقيل: ارتد فلان على عقبه، وانقلب على عقبيه. القول في تأويل قوله عز وجل: "وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله".قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في التي وصفها الله جل وعز بأنها كانت كبيرة الا على الذين هدى الله .فقال بعضهم: عنى جل ثناؤه بـ الكبيرة، التولية من بيت المقدس شطر المسحد الحرام والتحويل. وانما أنث لكبيرة، لتأنيث التولية.
ذكر من قال ذلك: حدثني المثنى قال، حدثنا عبدالله بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قال الله: "وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله"، يعني: تحويلها. حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى بن ميمون، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله عز وجل: "وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله"، قال:ما أمروا به من التحول إلى الكعبة من بيت المقدس. حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نحيح، عن مجاهد مثله. حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: "لكبيرة إلا على الذين هدى الله"، قال: كبيرة، حين حولت القبلة إلى المسجد الحرام، فكانت كبيرة إلا على الذين هدى الله. وقال آخرون: بل الكبيرة، هي القبلة بعينها التي كان صلى الله عليه وسلم يتوجه إليها من بيت المقدس قبل التحويل. ذكر من قال ذلك: حدثت عن عمار بن الحسن قال، حدثنا عبدالله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع،عن أبي العالية: "وإن كانت لكبيرة"، أي: قبلة بيت المقدس- "إلا على الذين هدى الله".وقال بعضهم: بل الكبيرة هي الصلاة التي كانوا يصلونها إلى القبلة الأولى. ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس بن عبد الأعلى قال، أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد: "وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله"، قال: صلاتكم حتى يهديكم الله عز وجل القبلة. وقد حدثني به يونس مرة أخرى قال، أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد: "وإن كانت لكبيرة"، قال: صلاتك ههنا- يعني: إلى بيت المقدس ستة عشر شهراً- وانحرافك ههنا. وقال بعض نحويي البصرة: أنثت الكبيرة لتأنيث القبلة، وإياها عنى جل ثناؤه لقوله. "وإن كانت لكبيرة" وقال بعض نحوي الكوفة: بل أنثت الكبيرةلتأنيث التولية والتحويلة. فتأويل الكلام على ما تأوله قائلو هذه المقالة: وما جعلنا تحويلتنا إياك عن القبلة التي كنت عليها وتوليتناك عنها، إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه، وإن كانت تحويلتنا إياك عنها وتوليتناك "لكبيرة إلا على الذين هدى الله". وهذا التأويل أولى بالتأويلات عندي بالصواب. لأن القوم إنما كبر عليهم تحويل النبي صلى الله عليه وسلم وجهه عن القبلة الأولى إلى الأخرى، لا عين القبلة ولا الصلاة. لأن القبلة الأولى والصلاة، قد كانت وهي غير كبيرة عليهم. إلا أن يوجه موجه تأنيث الكبيرة إلى القبلة، ويقول: اجتزىء بذكر القبلة من ذكر التولية والتحويلة لدلالة الكلام على معنى ذلك، كما قد وصفنا لك في نظائره. فيكون ذلك وجهاً صحيحاً، ومذهباً مفهوماً. ومعنى قوله: كبيرة، عظيمة، كما: حدثنا يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: "وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله"، قال: كبيرة في صدور الناس، فيما يدخل الشيطان به ابن آدم قال: ما لهم صلوا إلى ههنا ستة عشر شهراً ثم انحرفوا! فكبر ذلك في صدور من لا يعرف ولا يعقل والمنافقين، فقالوا: أي شيء هذا الدين؟ وأما الذين آمنوا، فثبت الله جل ثناؤه ذلك في قلوبهم. وقرأ قول الله: "وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله"، قال: صلاتكم حتى يهديكم إلى القبلة. قال أبو جعفر: وأما قوله: "إلا على الذين هدى الله"، فإنه يعني به: وإن كان تقليبتناك عن القبلة التي كنت عليها، لعظيمة إلا على من وفقه الله جل ثناؤه، فهداه لتصديقك والإيمان بك وبذلك، واتباعك فيه، وفيما أنزل الله تعالى ذكره عليك، كما: حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: "وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله"، يقول: إلا على الخاشعين، يعني: المصدقين بما أنزل الله تبارك وتعالى.
القول في تأويل قوله تعالى: "وما كان الله ليضيع إيمانكم"قال أبو جعفر: قيل: عنى بـ الإيمان، في هذا الموضع: الصلاة. ذكر الأخبار التي رويت بذلك، وذكر قول من قاله: حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع وعبيد الله - وحدثنا سفيان بن وكيع قال حدثنا عبيدالله بن موسى- جميعاً، عن إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: لما وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة قالوا: كيف بمن مات من إخواننا قبل ذلك، وهم يصلون نحو بيت المقدس؟ فأنزل الله جل ثناؤه: "وما كان الله ليضيع إيمانكم". حدثني إسمعيل بن موسى قال، أخبرنا شريك، عن أبي إسحق، عن البراء في قول الله عز وجل: "وما كان الله ليضيع إيمانكم"، قال: صلاتكم نحو بيت المقدس.
حدثنا أحمد بن إسحق الأهوازي قال، حدثنا أبو أحمد الزبيري قال، حدثنا شريك،عن أبي إسحق، عن البراء نحوه. وحدثني المثنى قال، حدثنا عبدالله بن محمد بن نفيل الحراني قال، حدثنا زهيرقال، حدثنا أبو إسحق، عن البراء قال: مات على القبلة قبل أن تحول إلى البيت رجال وقتلوا، فلم ندر ما نقول فيهم. فأنزل الله تعالى ذكره: "وما كان الله ليضيع إيمانكم". حدثنا بشر بن معاذ العقدي قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قال: قال أناس من الناس- لما صرفت القبلة نحو البيت الحرام-: كيف بأعمالنا التى كنا نعمل في قبلتنا؟ فأنزل الله جل ثناؤه: "وما كان الله ليضيع إيمانكم"
حدثني موسى بن هرون قال، حدثني عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: "لما وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل المسجد الحرام، قال المسلمون: ليت شعرنا عن إخواننا الذين ماتوا وهم يصلون قبل بيت المقدس! هل تقبل الله منا ومنهم أم لا؟" فأنزل الله جل ثناؤه فيهم: "وما كان الله ليضيع إيمانكم"، قال: صلاتكم قبل بيت المقدس. يقول: إن تلك طاعة وهذه طاعة. حدثت عن عمار بن الحسن قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قال:قال ناس- لما صرفت القبلة إلى البيت الحرام-: كيف بأعمالنا التي كنا نعمل في قبلتنا الأولى؟ فأنزل الله تعالى ذكره: "وما كان الله ليضيع إيمانكم" الآية. حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج، أخبرني داود بن أبي عاصم قال: "لما صرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة، قال المسلمون: هلك أصحابنا الذين كانوا يصلون إلى بيت المقدس فنزلت: "وما كان الله ليضيع إيمانكم" " . حدثنا محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس في قوله: "وما كان الله ليضيع إيمانكم"، يقول: صلاتكم التي صليتموها من قبل أن تكون القبلة. فكان المؤمنون قد أشفقوا على من صلى منهم أن لا تقبل صلاتهم. حدثني يونس بن عبد الأعلى قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: "وما كان الله ليضيع إيمانكم"، صلاتكم. حدثنا محمد بن إسمعيل الفزاري قال، أخبرنا المؤمل قال، حدثنا سفيان، حدثنا يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب في هذه الآية: "وما كان الله ليضيع إيمانكم"، قال. صلاتكم نحو بيت المقدس.
قال أبو جعفر: قد دللنا فيما مضى على أن الإيمان التصديق. وأن التصديق قد يكون بالقول وحده، وبالفعل وحده، وبهما جميعاً.
فمعنى قوله: "وما كان الله ليضيع إيمانكم" - على ما تظاهرت به الرواية من أنه الصلاة-: وما كان الله ليضيع تصديق رسوله عليه السلام، بصلاتكم التي صليتموها نحو بيت المقدس عن أمره، لأن ذلك كان منكم تصديقاً لرسولي، واتباعاً لأمري، وطاعة منكم لي.
قال: وإضاعته إياه جل ثناؤه- لو أضاعه-: ترك إثابة أصحابه وعامليه عليه، فيذهب ضياعاً، ويصير باطلاً، كهيئة ضاعة الرجل ماله، وذلك إهلاكه إياه فيما لا يعتاض منه عوضاً فى عاجل ولا آجل. فأخبر الله جل ثناؤه أنه لم يكن يبطل عمل عامل عمل له عملاً وهو له طاعة، فلا يثنيه عليه، وإن نسخ ذلك الفرض بعد عمل العامل إياه على ما كلفه من عمله.فإن قال قائل: وكيف قال الله جل ثناؤه: "وما كان الله ليضيع إيمانكم"، فأضاف الإيمان إلى الأحياء المخاطبين، والقوم المخاطبون إنما كانوا أشفقوا على إخوانهم الذين كانوا ماتوا وهم يصلون نحو بيت المقدس، وفي ذلك من أمرهم أنزلت هذه الآية؟قيل: إن القوم وإن كانوا أشفقوا من ذلك، فإنهم أيضاً قد كانوا مشفقين من حبوط ثواب صلاتهم التي صلوها إلى بيت المقدس قبل التحويل إلى الكعبة، وظنوا أن عملهم ذلك قد بطل وذهب ضياعاً، فأنزل الله جل ثناؤه هذه الآية حينئذ، فوجه الخطاب بها إلى الأحياء ودخل فيهم الموتى منهم؟ لأن من شأن العرب- إذا اجتمع في الخبر المخاطب والغائب- أن يغلبوا المخاطب فيدخل الغائب في الخطاب، فيقولوا لرجل خاطبوه على وجه الخبر عنه وعن آخر غائب غير حاضر: فعلنا بكما وصنعنا بكما، كهيئة خطابهم لهما وهما حاضران، ولا يستجيزون أن يقولوا: فعلنا بهما ، وهم يخاطبون أحدهما، فيردوا المخاطب إلى عداد الغيب(1).
القول في تأويل قوله تعالى: "إن الله بالناس لرؤوف رحيم"
قال أبو جعفر: ويعني بقوله جل ثناؤه: "إن الله بالناس لرؤوف رحيم": أن الله بجميع عباده ذو رأفة. والرأفة، أعلى معاني الرحمة، وهي عامة لجميع الخلق في الدنيا، ولبعضهم في الآخرة.
وأما الرحيم: فإنه ذو الرحمة للمؤمنين في الدنيا والآخرة، على ما قد بينا فيما مضى قبل.وانما أراد جل ثناؤه بذلك أن الله عز وجل أرحم من أن يضيع لهم طاعة أطاعوه بها فلا يثيبهم عليها، وأرأف بهم من أن يؤاخذهم بترك ما لم يفرضه عليهم- أي: ولا تأسوا على موتاكم الذين ماتوا وهم يصلون إلى بيت المقدس-، فإني لهم- على طاعتهم إياى بصلاتهم التي صلوها كذلك- مثيب، لأني أرحم بهم من أن أضيع لهم عملاً عملوه لي؟ ولا تحزنوا عليهم، فإني غير مؤاخذهم بتركهم الصلاة إلى الكعبة، لأني لم أكن فرضت ذلك عليهم، وأنا أرأف بخلقي من أن أعاقبهم على تركهم ما لم آمرهم بعمله.
وفي الرؤوف لغات. إحداها رؤف على مثال فعل، كما قال الوليد بن عقبة:
وشر الطالبين- ولا تكنه- بقاتل عمه، الرؤف الرحيم
وهي قراءة عامة قراء أهل الكوفة. والأخرى رؤوف على مثال فعول، وهي قراءة عامة قراء المدينة،ورئف،وهي لغة غطفان،على مثالفعل مثل حذر.ورأفعلى مثال فعل بجزم العين،وهي لغة لبني أسد.والقراءة على أحد الوجهين الأولين.
قوله تعالى : "قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم وما الله بغافل عما يعملون" .
قال العلماء : هذه الآية مقدمة في النزول على قوله تعالى : "سيقول السفهاء من الناس" . ومعنى "تقلب وجهك" : تحول وجهك إلى السماء ، قاله الطبري . الزجاج : تقلب عينيك في النظر إلى السماء ، والمعنى متقارب . وخص السماء بالذكر إذ هي مختصة بتعظيم ما أضيف إليها ويعود منها كالمطر والرحمة والوحي . ومعنى "ترضاها" تحبها . قال السدي : كان إذا صلى نحو بيت المقدس رفع راسه إلى السماء ينطر ما يؤمر به ، وكان يحب أن يصلي إلى قبل الكعبة فأنزل الله تعالى : "قد نرى تقلب وجهك في السماء" . وروى أبو إسحاق " عن البراء قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى نحو بيت المقدس ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهرا ، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب أن يوجه نحو الكعبة ، فأنزل الله تعالى :"قد نرى تقلب وجهك في السماء" " وقد تقدم هذا المعنى والقول فيه ، والحمد لله .
قوله تعالى : "فول وجهك شطر المسجد الحرام" فيه خمس مسائل :
الأولى : قوله تعالى : "فول" أمر "وجهك شطر" أي ناحية "المسجد الحرام" يعني : الكعبة ، ولا خلاف في هذا . قيل : حيال البيت كله ، عن ابن عباس . وقال ابن عمر : حيال الميزاب من الكعبة ، قاله ابن عطية . والميزاب : هو قبلة المدينة وأهل الشام ، وهناك قبلة أهل الأندلس .
قلت : قد روى ابن جريج عن عطاء " عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : البيت قبلة لأهل المسجد والمسجد قبلة لأهل الحرم والحرم قبلة لأهل الأرض في مشارقها ومغاربها من أمتي" .
الثانية : قوله تعالى : "شطر المسجد الحرام" الشطر له محامل : يكون الناحية والجهة ،كما في هذه الآية ، وهو ظرف مكان ،كما تقول : تلقاءه وجهته . وانتصب الظرف لأنه فضلة بمنزلة المفعول به ، وأيضاً فإن الفعل واقع فيه . وقال داود بن أبي هند : إن في حرف ابن مسعود فول وجهك تلقاء المسجد الحرام . وقال الشاعر :
أقول لأم زنباع أقيمي صدور العيسي شطر بني تميم
وقال آخر :
وقد أظلكم من شطر ثغركم هول له ظلم يغشاكم قطعا
وقال آخر :
إلا من مبلغ عمرا رسولا وما تغني الرسالة شطر عمرو
وشطر الشيء : نصفه ، ومنه الحديث :
"الطهور شطر الإيمان" . ويكون من الأضداد ، يقال : شطر إلى كذا إذا أقبل نحوه ، وشطر عن كذا إذا أبعد منه وأعرض عنه . فأما الشاطر من الرجال فلأنه قد أخذ في نحو غير الاستواء ، وهو الذي أعيا أهله خبثاً ، وقد شطر وشطر ( بالضم ) شطارة فيهما . وسئل بعضهم عن الشاطر ، فقال :هو من أخذ في البعد عما نهى الله عنه .
الثالثة : لا خلاف بين العلماء أن الكعبة قبلة في كل أفق ، وأجمعوا على أن شاهدها وعاينها فرض عليه استقبالها ، وأنه إن ترك استقبالها وهو معاين لها وعالم بجهتها فلا صلاة له ، وعليه إعادة كل من صلى ، ذكره أبو عمر . وأجمعوا على أن كل من غاب عنها ان يستقبل ناحيتها وشطرها وتلقاءها ، فإن خفيت عليه فعليه أن يستدل على ذلك بكل ما يمكنه من النجوم والرياح والجبال وغير ذلك مما يمكن أن يستدل به على ناحيتها . ومن جلس في المسجد الحرام فليكن وجهه إلى الكعبة وينظر أليها إيماناً واحستاباً ، فإنه أن النظر إلى الكعبة عبادة ، قاله عطاء و مجاهد .
الرابعة : واختلفوا هل فرض الغائب استقبال العين أو الجهة ، فمهنم من قال بالأول . قال ابن العربي : وهو ضعيف ، لأنه تكليف لما لا يصل إليه . ومنهم من قال بالجهة ، وهو الصحيح لثلاثة أوجه : الأول : أنه الممكن الذي يرتبط به التكليف . الثاني : أنه المأمور به في القرآن ، لقوله تعالى : "فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم" يعني من الأرض من شرق أو غرب "فولوا وجوهكم شطره" .
الثالث :أن العلماء احتجوا بالصف الطويل الذي يعلم قطعاً أنه أضعاف عرض البيت .
الخامسة : في هذه الآية حجة واضحة لما ذهب إليه مالك ومن وافقه في أن المصلي حكمه أن ينظر أمامه لا إلى موضع سجوده . وقال الثوري و أبو حنيفة و الشافعي و الحسن بن حي : يستحب أن يكون نظرة إلى موضع سجوده . وقال شريك القاضي : ينظر في القيام إلى موضع السجود ، وفي الركوع إلى موضع قدميه ، وفي السجود إلى موضع أنفه ، وفي القعود إلىحجره . قال ابن العربي : إنما ينظر أمامه فإنه إن حنى رأسه ذهب بعض القيام المفترض عليه في الراس وهو أشرف الأعضاء ، وإن أقام رأسه وتكلف النظر ببصره إلى الأرض فتلك مشقة عظيمة وحرج ، وما جعل علينا في الدين من حرج ، أما إن ذلك أفضل لمن قدر عليه .
قوله تعالى :"وإن الذين أوتوا الكتاب" يريد اليهود والنصارى "ليعلمون أنه الحق من ربهم" يعني تحويل القبلة من بيت المقدس . فإن قيل : كيف يعلمون ذلك وليس من دينهم ولا في كتابهم ؟ قيل عنه جوابان : أحدهما : أنهم لما علموا من كتابهم أن محمداً صلى الله عليه وسلم نبي علموا أنه لا يقول إلا الحق ولا يأمر إلا به . الثاني : أنهم علموا من دينهم جواز النسخ وإن جحده بعضهم ، فصاروا عالمين بجواز القبلة .
قوله تعالى : "وما الله بغافل عما يعملون" تقدم معناه . وقرأ ابن عامر وحمزة و الكسائي تعملون بالتاء على مخاطبة أهل الكتاب أو أمة محمد صلى الله عليه وسلم . وعلى الوجهين فهو إعلام بأن الله تعالى لا يهمل أعمال العباد ولا يغفل عنها ، وضمنه الوعيد . وقرأ الباقون بالياء من تحت .
قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: كان أول ما نسخ من القرآن القبلة، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما هاجر إلى المدينة وكان أكثر أهلها اليهود فأمره الله أن يستقبل بيت المقدس، ففرحت اليهود فاستقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعة عشر شهراً، وكان يحب قبلة إبراهيم فكان يدعو إلى الله وينظر إلى السماء فأنزل الله "قد نرى تقلب وجهك في السماء" إلى قوله: "فولوا وجوهكم شطره" فارتابت من ذلك اليهود وقالوا: "ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب" وقال: "فأينما تولوا فثم وجه الله" وقال الله تعالى: "وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه" وروى ابن مردويه من حديث القاسم العمري عن عمه عبيد الله بن عمر عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سلم من صلاته إلى بيت المقدس رفع رأسه إلى السماء ، فأنزل الله "فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام" إلى الكعبة إلى الميزاب يؤم به جبرائيل عليه السلام. وروى الحاكم في مستدركه من حديث شعبة عن يعلى بن عطاء عن يحيى بن قمطة قال: رأيت عبد الله بن عمرو جالساً في المسجد الحرام بإزاء الميزاب فتلى هذه الاية، "فلنولينك قبلة ترضاها" قال نحو ميزاب الكعبة. ثم قال صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ورواه ابن أبي حاتم عن الحسن بن عرفة عن هشام عن يعلى بن عطاء به. وهكذا قال غيره وهو أحد قولي الشافعي رضي الله عنه، إن الغرض إصابة عين الكعبة، والقول الاخر وعليه الأكثرون: أن المراد المواجهة، كما رواه الحاكم من حديث محمد بن إسحاق عن عمير بن زياد الكندي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه "فول وجهك شطر المسجد الحرام" قال شطره قبله، ثم قال: صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه، وهذا قول أبي العالية ومجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وقتادة والربيع بن أنس وغيرهم. وكما تقدم في الحديث الاخر "ما بين المشرق والمغرب قبلة" وقال القرطبي: روى ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "البيت قبلة لأهل المسجد والمسجد قبلة لأهل الحرم والحرم قبلة لأهل الأرض في مشارقها ومغاربها من أمتي" وقال أبو نعيم الفضل بن دكين: حدثنا زهير عن أبي إسحاق عن البراء أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى قبل بيت المقدس ستة عشر شهراً، أو سبعة عشر شهراً، وكان يعجبه قبلته قبل البيت ؟ وأنه صلى صلاة العصر وصلى معه قوم، فخرج رجل ممن كان يصلي معه فمر على أهل المسجد وهم راكعون فقال: أشهد بالله لقد صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مكة فداروا كما هم قبل البيت.
وقال عبد الرزاق: أخبرنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة صلى نحو بيت المقدس ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب أن يحول نحو الكعبة، فنزلت "قد نرى تقلب وجهك في السماء" فصرف إلى الكعبة وروى النسائي عن أبي سعيد بن المعلى قال: كنا نغدو إلى المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فنصلي فيه فمررنا يوماً ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد على المنبر ، فقلت: لقد حدث أمر فجلست، فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الاية: "قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها" حتى فرغ من الاية، فقلت لصاحبي تعال نركع ركعتبن قبل أن ينزل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنكون أول من صلى، فتوارينا فصليناها. ثم نزل النبي صلى الله عليه وسلم وصلى للناس الظهر يومئذ، وكذا روى ابن مردويه عن ابن عمر: أن أول صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة صلاة الظهر وإنها الصلاة الوسطى، والمشهور أن أول صلاة صلاها إلى الكعبة صلاة العصر ولهذا تأخر الخبر عن أهل قباء إلى صلاة الفجر ، وقال الحافظ أبو بكر بن مردويه: حدثنا سليمان بن أحمد حدثنا الحسين بن إسحاق التستري، حدثنا رجاء بن محمد السقطي حدثنا إسحاق بن إدريس حدثنا إبراهيم بن جعفر، حدثني أبي عن جدته أم أبيه نويلة بنت مسلم قالت: صلينا الظهر أو العصر في مسجد بني حارثة فاستقبلنا مسجد إيلياء فصلينا ركعتين، ثم جاء من يحدثنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استقبل البيت الحرام فتحول النساء مكان الرجال والرجال مكان النساء، فصلينا السجدتين الباقيتين ونحن مستقبلون البيت الحرام، فحدثني رجل من بني حارثة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أولئك رجال يؤمنون بالغيب" وقال ابن مردويه أيضاً، حدثنا محمد بن علي بن دحيم حدثنا أحمد بن حازم حدثنا مالك بن إسماعيل النهدي حدثنا قيس عن زياد بن علامة عن عمارة بن أوس قال: بينما نحن في الصلاة نحو بيت المقدس ونحن ركوع إذ نادى مناد بالباب: إن القبلة قد حولت إلى الكعبة، قال فأشهد على إمامنا أنه انحرف فتحول هو والرجال والصبيان وهم ركوع نحو الكعبة، وقوله: "وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره" أمر تعالى باستقبال الكعبة من جميع جهات الأرض شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، ولا يستثنى من هذا شيء سوى النافلة في حال السفر فإنه يصليها حيثما توجه قالبه وقلبه نحو الكعبة، وكذا في حال المسايفة في القتال يصلي على كل حال. وكذا من جهل جهة القبلة يصلي باجتهاده وإن كان مخطئاً في نفس الأمر ، لأن الله تعالى لا يكلف نفساً إلا وسعها.
(مسألة) وقد استدل المالكية بهذه الاية على أن المصلي ينظر أمامه لا إلى موضع سجوده كما ذهب إليه الشافعي وأحمد وأبو حنيفة، قال المالكية بقوله: "فول وجهك شطر المسجد الحرام" فلو نظر إلى موضع سجوده لاحتاج أن يتكلف ذلك بنوع من الانحناء وهو ينافي كمال القيام، وقال بعضهم: ينظر المصلي في قيامه إلى صدره. وقال شريك القاضي: ينظر في حال قيامه إلى موضع سجوده كما قال جمهور الجماعة، لأنه أبلغ في الخضوع وآكد في الخشوع وقد ورد به الحديث، وأما في حال ركوعه فإلى موضع قدميه، وفي حال سجوده إلى موضع أنفه وفي حال قعوده إلى حجره.
وقوله: "وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم" أي واليهود الذين أنكروا استقبالكم وانصرافكم عن بيت المقدس، يعلمون أن الله تعالى سيوجهك إليها بما في كتبهم عن أنبيائهم من النعت والصفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأمته، وما خصه الله تعالى به وشرفه من الشريعة الكاملة العظيمة، ولكن أهل الكتاب يتكاتمون ذلك بينهم حسداً وكفراً وعناداً ولهذا تهددهم تعالى بقوله: "وما الله بغافل عما يعملون".
قوله: 144- "قد نرى تقلب وجهك" قال القرطبي في تفسيره: قال العلماء: هذه الآية مقدمة في النزول على قوله: "سيقول السفهاء"، ومعنى: "قد" تكثير الرؤية، كما قاله صاحب الكشاف، ومعنى: "تقلب وجهك" تحول وجهك إلى السماء، قاله قطرب. قال الزجاج: تقلب عينيك في النظر إلى السماء، والمعنى متقارب. وقوله: "فلنولينك" هو إما من الولاية: أي فلنعطينك ذلك. أو من التولي: أي فلنجعلنك متولياً إلى جهتها، وهذا أولى لقوله: "فول وجهك شطر المسجد الحرام". والمراد بالشطر هنا: الناحية والجهة، وهو منتصب على الظرفية ومنه قول الشاعر:
أقول لأم زنباع أقيمي صدور العيس شطر بني تميم
ومنه أيضاً قول الآخر:
ألا من مبلغ عمراً رسولاً وما تغني الرسالة شطر عمرو
وقد يراد بالشطر النصف، ومنه "الوضوء شطر الإيمان"، ومنه قول عنترة:
إني امرؤ من خير عبس منصباً شطري وأحمي سائري بالمنصل
قال ذلك لأن أباه من سادات عبس وأمه أمة، ويرد بمعنى البعض مطلقاً. ولا خلاف أن المراد بشطر المسجد هنا الكعبة. وقد حكى القرطبي الإجماع على أن استقبال عين الكعبة فرض على المعاين، وعلى أن غير المعاين يستقبل الناحية، ويستدل على ذلك بما يمكنه الاستدلال به، والضمير في قوله: "أنه الحق" راجع إلى ما يدل عليه الكلام من التحول إلى جهة الكعبة، وعلم أهل الكتاب بذلك إما لكونه قد بلغهم عن أنبيائهم أو وجدوا في كتب الله المنزلة عليهم أن هذا النبي يستقبل الكعبة، أو لكونهم قد علموا من كتبهم أو أنبيائهم أن النسخ سيكون في هذه الشريعة فيكون ذلك موجباً عليهم الدخول في الإسلام ومتابعة النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: "وما الله بغافل عما يعملون" قد تقدم معناه. وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي تعملون بالمثناة الفوقية على مخاطبة أهل الكتاب أو أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وقرأ الباقون بالياء التحتية.
144. قوله تعالى: "قد نرى تقلب وجهك في السماء " هذه الآية وإن كانت متأخرة في التلاوة فهي متقدمة في المعنى فإنها رأس القصة، وأمر القبلة أول ما نسخ من أمور الشرع، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا بمكة إلى الكعبة، فلما هاجر إلى المدينة أمره الله أن يصلي نحو صخرة بيت المقدس ليكون أقرب إلى تصديق اليهود إياه إذا صلى إلى قبلتهم مع ما يجدون من نعته في التوراة فصلى بعد الهجرة ستة عشر أو سبعة عشر شهراً إلى بيت المقدس وكان يحب أن يوجه إلى الكعبة لأنها فصلى بعد الهجرة ستة عشر أو سبعة عشر شهراً إلى بيت المقدس وكان يحب أن يوجه إلى الكعبة لأنها كانت قبلة أبيه إبراهيم عليه السلام، وقال مجاهد : كان يحب ذلك لأجل اليهود لأنهم كانوا يقولون يخالفنا محمد صلى الله عليه وسلم في ديننا ويتبع قبلتنا، فقال لجبريل عليه السلام: وددت لو حولني الله إلى الكعبة فإنها قبلة أبي إبراهيم عليه السلام، فقال جبريل: إنما انا عبد مثلك وأنت كريم على ربك، فسل أنت ربك فإنك عند الله عز وجل بمكان [فرجع] جبريل عليه السلام وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يديم النظر إلى السماء رجاء أن ينزل جبريل بما يحب من أمر القبلة فأنزل الله تعالى
" قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة " فلنحولنك إلى قبلة " ترضاها " أي تحبها وتهواها " فول " أي حول " وجهك شطر المسجد الحرام " أي نحوه وأراد به الكعبة والحرام المحرم " وحيث ما كنتم " من بر أو بحر أو شرق أو غرب " فولوا وجوهكم شطره " عند الصلاة.
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف اخبرنا محمد بن إسماعيل أخبرنا إسحاق بن نصر أخبرنا ابن جريج عن عطاء قال سمعت ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما دخل النبي صلى الله عليه وسلم البيت دعا في نواحيه كلها ولم يصل حتى خرج منه، فلما خرج ركع ركعتين في قبل الكعبة ( وقال هذه القبلة ).
أخبرنا عبد الواحد المليحي أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف أخبرنا محمد ابن إسماعيل أخبرنا عمرو بن خالد أخبرنا زهير أخبرنا أبو إسحاق عن البراء أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أول ما قدم المدينة نزل على أجداده أو قال أخواله من الأنصار وأنه صلى قبل بيت المقدس ستة عشر أو سبعة عشر شهراً، وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت، وأنه صلى أول صلاة العصر وصلى معه قوم فخرج رجل ممن صلى معه فمر على أهل مسجد قباء وهم راكعون فقال: أشهد بالله لقد صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مكة فداروا كما هم قبل البيت، وكانت اليهود قد أعجبهم إذ كان يصلي قبل المقدس لأنه قبلة أهل الكتاب، فلما ولى وجهه قبل البيت أنكروا ذلك، وقال: البراء في حديثه هذا: أنه مات على القبلة قبل أن تحول رجال وقتلوا فلم ندر ما نقول فيهم، فأنزل الله تعالى (وما كان الله ليضيع إيمانكم).
وكان تحويل القبلة في رجب بعد زوال الشمس قبل قتال بدر بشهرين، قال مجاهد وغيره: نزلت هذه الآية و رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجد بني سلمة وقد صلى بأصحابه ركعتين من صلاة الظهر، فتحول في الصلاة واستقبل الميزاب وحول الرجال مكان النساء، والنساء مكان الرجال، فسمي ذلك المسجد مسجد القبلتين، وقيل: كان التحويل خارج الصلاة بين الصلاتين، وأهل قباء وصل إليهم الخبر في صلاة الصبح.
أخبرنا أبو الحسن محمد بن محمد السرخسي أخبرنا أبو علي زاهر بن أحمد الفقيه السرخسي أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي السامري أخبرنا أبو مصعب أحمد بن أبي بكر الزهري عن مالك بن أنس عن عبد الله بن دينار أن عبد الله بن عمر قال: بينا الناس بقباء في صلاة الصبح إذ جاءهم آت وقال لهم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه الليلة قرآن وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة.
فلما تحولت القبلة قالت اليهود: يا محمد إلا شيء تبتدعه من تلقاء نفسك فتارة تصلي إلى بيت المقدس وتارة إلى الكعبة ولو ثبت على قبلتنا لكنا نرجو أن تكون صاحبنا الذي ننتظره؟ فأنزل الله " وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه " يعني أمر الكعبة "الحق من ربهم " ثم هددهم فقال " وما الله بغافل عما تعملون " قرأ أبو جعفر و ابن عامر و الكسائي بالتاء قال ابن عباس يريد أنكم يا معشر المؤمنين تطلبون مرضاتي وما أنا بغافل عن ثوابكم وجزائكم وقرأ الباقون بالياء يعني ما أنا بغافل عما يفعل اليهود فأجازيهم في الدنيا والآخرة.
144-" قد نرى " ربما نرى " تقلب وجهك في السماء " تردد وجهك في جهة السماء تطلعاً للوحي ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقع في روعه ويتوقع من ربه أن يحوله إلى الكعبة ، لأنها قبلة أبيه إبراهيم ، وأقدم القبلتين وأدعى للعرب إلى الإيمان ، ولمخالفة اليهود ، وذلك يدل على كمال أدبه حيث انتظر ولم يسأل " فلنولينك قبلةً " فلنمكننك من استقبالها من قولك : وليته كذا ، إذا صيرته والياً له ، أو فلنجعلنك تلي جهتها " ترضاها " تحبها وتتشوق إليها ، لمقاصد دينية وافقت مشيئة الله وحكمته . " فول وجهك " اصرف وجهك . " شطر المسجد الحرام " نحوه . وقيل : الشطر في الأصل لما انفصل عن الشيء إذا انفصل ، ودار شطور : أي منفصلة عن الدور ، ثم استعمل لجانبه ، وإن لم ينفصل كالقطر ، والحرام المحرم أي محرم فيه القتال ، أو ممنوع من الظلمة أن يتعرضوه ، وإنما ذكر المسجد دون الكعبة لأن عليه الصلاة والسلام كان في المدينة ، والبعيد يكفيه مراعاة الجهة ، فإن استقبال عينها حرج عليه بخلا القريب . روي : " أنه عليه الصلاة والسلام قدم المدينة ، فصلى نحو بيت المقدس ستة عشر شهراً ، ثم وجه إلى الكعبة في رجب بعد الزوال قبل قتال بدر بشهرين " . " وقد صلى بأصحابه في مسجد بني سلمة ركعتين من الظهر ، فتحول في الصلاة واستقبل الميزاب ، وتبادل الرجال والنساء صفوفهم ، فسمي المسجد مسجد القبلتين " . " وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره " خص الرسول بالخطاب تعظيماً له وإيجاباً لرغبته ، ثم عمم تصريحاً بعموم الحكم وتأكيداً لأمر القبلة وتضيضاً للأمة على المتابعة . " وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم " أنه صلى الله عليه وسلم يصلي إلى القبلتين ، والضمير للتحويل أو التوجه " وما الله بغافل عما تعملون " وعد ووعيد للفريقين . وقرأ ابن عامر و حمزة و الكسائي بالياء .
144. We have seen the turning of thy face to heaven (for guidance, O Muhammad). And now verily We shall make thee turn (in prayer) toward a qiblah which is dear to thee. So turn thy face toward the Inviolable Place of Worship, and ye (O Muslims), wheresoever ye may be, turn your faces when ye pray) toward it. Lo! those who have received the Scripture know that (this Revelation) is the Truth from their Lord. And Allah is not unaware of what they do.
144 - We see the turning of thy face (for guidance) to the heavens: now shall we turn thee to a Qibla that shall please thee. turn then thy face in the direction of the sacred mosque: wherever ye are, turn your faces in that direction. the people of the book know well that is the truth from their Lord. nor is God unmindful of what they do.