[البقرة : 12] أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَـكِن لاَّ يَشْعُرُونَ
قال الله تعالى رداً عليهم : (ألا) للتنبيه (إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون) بذلك
وهذا القول من الله جل ثناؤه تكذيب للمنافقين في دعواهم. إذا أمروا بطاعة الله فيما أمرهم الله به، ونهوا عن معصية الله فيما نهاهم الله عنه، قالوا: إنما نحن مصلحون لا مفسدون، ونحن على رشد وهدى فيما أنكرتموه علينا دونكم لا ضالون. فكذبهم الله عز وجل في ذلك من قيلهم فقال: ألا إنهم هم المفسدون المخالفون أمر الله عز وجل، المتعدون حدوده، الراكبون معصيته، التاركون فروضه، وهم لا يشعرون ولا يدرون أنهم كذلك لا الذين يأمرونهم بالقسط من المؤمنين، وينهونهم عن معاصي الله في أرضه من المسلمين.
قوله تعالى : "ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون" .
قوله عز وجل : "ألا إنهم هم المفسدون" ردا عليهم وتكذيباً لقولهم . قال أرباب المعاني : من أظهر الدعوى كذب ، ألا ترى أن الله عز وجل يقول : "ألا إنهم هم المفسدون" وهذا صحيح . وكسرت (إن) لأنها مبتدأة ، قاله النحاس . وقال علي بن سليمان : يجوز فتحها ، كما أجاز سيبويه : حقاً أنك منطلق ، بمعنى ألا . و هم يجوز أن يكون مبتدأ و المفسدون خبره والمبتدأ وخبره خبر إن . ويجوز أن تكون هم توكيداً للهاء والميم في إنهم . ويجوز أن تكون فاصله ـ والكوفيون يقولون عماداً ـ و المفسدون خبر إن ، والتقدير ألا إنهم المفسدون ، كما تقدم في قوله : "وأولئك هم المفلحون" .
قوله تعالى : "ولكن لا يشعرون" قال ابن كيسان يقال : ما على من لم يعلم أنه مفسد من الذم ، إنما يذم إذا علم أنه مفسد ثم أفسد على علم ، قال : ففيه جوابان : أحدهما : أنهم كانوا يعلمون الفساد سراً ويظهرون الصلاح وهم لا يشعرون أن أمرهم يظهر عند النبي صلى الله عليه وسلم . والوجه الآخر : أن يكون فسادهم عندهم صلاحاً وهم لا يشعرون أن ذلك فساد ، وقد عصوا الله ورسوله في تركهم تبيين الحق واتباعه . ولكن حرف تأكيد واستدراك ولا بد فيه من نفي وإثبات ، إن كان قبله نفي كان بعده إيجاب ، وإن كان قبله إيجاب كان بعده نفي . ولا يجوز الاقتصاد بعده على اسم واحد إذا تقدم الايجاب ، ولكنك تذكر جملة مضادة لما قبلها كما في هذه الآية ، وقولك : جاءني زيد لكن عمرو لم يجىء ، ولا يجوز جاءني زيد لكن عمرو ثم تسكت ، لأنهم قد استغنوا ببل في مثل هذا الموضع عن لكن ، وإنما يجوز ذلك إذا تقدم النفي كقولك : ما جاءني زيد لكن عمرو .
قال السدي في تفسيره عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة الطيب الهمداني عن ابن مسعود وعن أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم "وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون" قال : هم المنافقون أما لا تفسدوا في الأرض قال الفساد هو الكفر والعمل بالمعصية وقال أبو جعفر عن الربيع بن أنس عن أبي العالية في قوله تعالى "وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض" قال يعني لا تعصوا في الأرض وكان فسادهم ذلك معصية الله لأنه من عصى الله في الأرض أو أمر بمعصيته فقد أفسد في الأرض لأن صلاح الأرض والسماء بالطاعة وهكذا قال الربيع بن أنس وقتادة وقال ابن جريج عن مجاهد "وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض" قال: إذا ركبوا معصية الله فقيل لهم لا تفعلوا كذا وكذا قالوا إنما نحن على الهدى مصلحون، وقال وكيع وعيسى بن يونس وعثمان بن علي عن الأعمش عن المنهال بن عمرو عن عباد بن عبد الله الأزدي عن سلمان الفارسي "وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون" قال سلمان لم يجئ أهل هذه الاية بعد. وقال ابن جرير حدثني أحمد بن عثمان بن حكيم حدثنا عبد الرحمن بن شريك حدثني أبي عن الأعمش عن زيد بن وهب وغيره عن سلمان الفارسي في هذه الاية قال: ما جاء هؤلاء ؟ قال ابن جرير: يحتمل أن سلمان رضي الله عنه أراد بهذا أن الذين يأتون بهذه الصفة أعظم فساداً من الذين كانوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لا أنه عنى أنه لم يمض ممن تلك صفته أحد، قال ابن جرير : فأهل النفاق مفسدون في الأرض بمعصيتهم فيها ربهم وركوبهم فيها ما نهاهم عن ركوبه وتضييعهم فرائضه وشكهم في دينه الذي لا يقبل من أحد عمل إلا بالتصديق به والإيقان بحقيقته وكذبهم المؤمنين بدعواهم غير ما هم عليه مقيمون من الشك والريب ومظاهرتهم أهل التكذيب بالله وكتبه ورسله على أولياء الله إذا وجدوا إلى ذلك سبيلاً فذلك إفساد المنافقين في الأرض، وهم يحسبون أنهم بفعلهم ذلك مصلحون فيها. وهذا الذي قاله حسن، فإن من الفساد في الأرض اتخاذ المؤمنين الكافرين أولياء كما قال تعالى "والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير" فقطع الله الموالاة بين المؤمنين والكافرين كما قال تعالى "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطاناً مبيناً" ثم قال "إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيراً" فالمنافق لما كان ظاهره الإيمان اشتبه أمره على المؤمنين فكأن الفساد من جهة المنافق حاصل لأنه هو الذي غر المؤمنين بقوله الذي لا حقيقة له ووالى الكافرين على المؤمنين ولو أنه استمر على حاله الأول لكان شره أخف، ولو أخلص العمل لله وتطابق قوله وعمله لأفلح ونجح، ولهذا قال تعالى "وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون" أي نريد أن نداري الفريقين من المؤمنين والكافرين ونصطلح مع هؤلاء وهؤلاء كما قال محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس "وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون" أي إنما نريد الإصلاح بين الفريقين من المؤمنين وأهل الكتاب يقول الله "ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون" يقول ألا إن هذا الذي يعتمدونه ويزعمون أنه إصلاح هو عين الفساد ولكن من جهلهم لا يشعرون بكونه فساداً.
12- "ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون".
12. " ألا " كلمة تنبيه ينبه بها المخاطب " إنهم هم المفسدون " أنفسهم بالكفر والناس بالتعويق عن الإيمان " ولكن لا يشعرون " أي لا يعلمون أنهم مفسدون لأنهم يظنون أن الذي هم عليه من إبطان الكفر صلاح. وقيل: لا يعلمون ما أعد الله لهم من العذاب.
12-" ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون " رد لما ادعوه أبلغ رد للاستئناف به وتصديره بحرفي التأكيد : ( ألا ) المنبهة على تحقيق ما بعدها ، فأن همزة الاستفهام التي للإنكار إذا دخلت على النفي أفادت تحقيقاً ، ونظيره " أليس ذلك بقادر " ، ولذلك لا تكاد تقع الجملة بعدها إلا مصدرة بما يلتقي به القسم ، وأختها إما التي هي من طلائع القسم : وإن المقررة للنسبة ، وتعريف الخبر وتوسيط الفصل لرد ما في قولهم "إنما نحن مصلحون" من التعريض للمؤمنين ، والاستدراك بـ" لا يشعرون " .
12. Are not they indeed the mischief makers? But they perceive not.
12 - Of a surety, they are the ones Who make mischief, But they realize (it) not.