[البقرة : 119] إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلاَ تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ
(إنا أرسلناك) يا محمد (بالحق) بالهدى (بشيراً) من أجاب إليه بالجنة (ونذيراً) من لم يجب إليه بالنار (ولا تُسْأَلُ عن أصحاب الجحيم) النار ، أي الكفار ما لهم لم يؤمنوا إنما عليك البلاغ ، وفي قراءة بجزم تسألْ نهياً
قوله تعالى إنا أرسلناك الآية قال عبد الرزاق أنبأنا الثوري عن موسى بن عبيدة عن محمد بن كعب القرظي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليت شعري ما فعل أبواي فنزلت إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا ولا تسأل عن أصحاب الحجيم فما ذكرها حتى توفاه الله مرسل وأخرج ابن جرير من طريق ابن جريج قال أخبرني داود بن أبي عاصم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم أين أبواي فنزلت مرسل أيضا
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل فيمن عنى الله بقوله:"وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله". فقال بعضهم: عنى بذلك النصارى. ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله جل وعز:"وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية"، قال: النصارى تقوله.
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله وزاد فيه:"وقال الذين لا يعلمون"، النصارى.
وقال آخرون: بل عنى الله بذلك اليهود الذين كانوا في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم. ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كريب قال، حدثنا يونس بن بكير وحدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة بن الفضل قالا جميعًا، حدثنا محمد بن إسحق قال، حدثني محمد بن أبي محمد قال، حدثني سعيد بن جبير، أو عكرمة، عن ابن عباس قال: قال رافع بن حريملة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن كنت رسولاً من عند الله كما تقول، فقل لله عز وجل فليكلمنا حتى نسمع كلامه! فأنزل الله عز وجل في ذلك من قوله: "وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية" الآية كلها.
وقال آخرون: بل عنى بذلك مشركي العرب. ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر بن معاذ: قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:"وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية"، وهم كفار العرب.
حدثني المثنى قال، حدثنا إسحق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع:"وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله"، قال: هم كفار العرب.
حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله"، أما "الذين لا يعلمون"، فهم العرب.
وأولى هذه الأقوال بالصحة والصواب قول القائل: إن الله تعالى عنى بقوله:"وقال الذين لا يعلمون" النصارى، دون غيرهم. لأن ذلك في سياق خبر الله عنهم، وعن افترائهم عليه، وادعائهم له ولدًا، فقال جل ثناؤه مخبرًا عنهم فيما أخبر عنهم من ضلالتهم: أنهم مع افترائهم على الله الكذب بقولهم: اتخذ الله ولدا، تمنوا على الله الأباطيل، فقالوا جهلاً منهم بالله، وبمنزلتهم عنده، وهم بالله مشركون:"لولا يكلمنا الله" كما يكلم رسله وأنبياءه، أو تأتينا آية كما أتتهم ولا ينبغي لله أن يكلم إلا أولياءه،، ولا يؤتي آية معجزة على دعوى مدع إلا لمن كان محقًا في دعواه وداعيًا إلى الله وتوحيده فأما من كان كاذبًا في دعواه وداعيًا إلى الفرية عليه، وادعاء البنين والبنات له، فغير جائز أن يكلمه الله جل ثناؤه، أو يؤتيه آية معجزة تكون مؤيدة كذبه وفريته عليه.
وأما الزاعم أن الله عنى بقوله:"وقال الذين لا يعلمون"، العرب، فإنه قائل قولاً لا خبر بصحته، ولا برهان على حقيقته في ظاهر الكتاب. والقول إذا صار إلى ذلك، كان واضحًا خطؤه، لأنه ادعى ما لا برهان على صحته. وادعاء مثل ذلك لن يتعذر على أحد.
وأما معنى قوله:"لولا يكلمنا الله" فإنه بمعنى: هلا يكلمنا الله، كما قال الأشهب بن رميلة:
تعدون عقر النيب أفضل مجدكم بني ضوطرى، لولا الكمي المقنعا
بمعنى: فهلا تعدون الكمي المقنع كما:
حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله:"لولا يكلمنا الله"، قال: فهلا يكلمنا الله
قال أبو جعفر: فأما الآية، فقد ثبت فيما قبل معنى الآية، أنها العلامة. وإنما أخبر الله عنهم أنهم قالوا: هلا تأتينا آية على ما نريد ونسأل، كما أتت الأنبياء والرسل فقال عز وجل:"كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم".
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل فيمن عنى الله بقوله: "كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم". فقال بعضهم في ذلك بما:
حدثني به محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم"، هم اليهود.
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"قال الذين من قبلهم"، اليهود.
وقال آخرون: هم اليهود والنصارى، لأن"الذين لا يعلمون"، هم العرب.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع، عن سعيد، عن قتادة قال:"الذين من قبلهم"، يعني اليهود والنصارى وغيرهم.
حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: قالوا: يعني العرب كما قالت اليهود والنصارى من قبلهم.
حدثني المثنى قال، حدثنا إسحق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع:"كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم"، يعني اليهود والنصارى.
قال أبو جعفر: قد دللنا على أن الذين عنى الله تعالى ذكره بقوله:"وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله"، هم النصارى، والذين قالوا مثل قولهم هم اليهود: سألت موسى صلى الله عليه وسلم أن يريهم ربهم جهرة، وأن يسمعهم كلام ربهم كما قد بينا فيما مضى من كتابنا هذا وسألوا من الآيات ما ليس لهم مسألته تحكمًا منهم على ربهم. وكذلك تمنت النصارى على ربها تحكمًا منها عليه، أن يسمعهم كلامه، ويريهم ما أرادوا من الآيات. فاخبر الله جل ثناؤه عنهم أنهم قالوا من القول في ذلك، مثل الذي قالته اليهود، وتمنت على ربها مثل أمانيها، وأن قولهم الذي قالوه من ذلك، إنما يشابه قول اليهود، من أجل تشابه قلوبهم في الضلالة والكفر بالله. فهم وإن اختلفت مذاهبهم في كذبهم على الله وافترائهم عليه، فقلوبهم متشابهة في الكفر بربهم والفرية عليه، وتحكمهم على أنبياء الله ورسله عليهم السلام. وبنحو ما قلنا في ذلك قال مجاهد:
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد:"تشابهت قلوبهم"، قلوب النصارى واليهود.
وقال غيره: معنى ذلك: تشابهت قلوب كفار العرب واليهود والنصارى وغيرهم. ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:"تشابهت قلوبهم"، يعني العرب واليهود والنصارى وغيرهم.
حدثني المثنى، حدثنا إسحق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع:"تشابهت قلوبهم"، يعني العرب واليهود والنصارى وغيرهم.
قال أبو جعفر: وغير جائز في قوله،"تشابهت" التثقيل. لأن التاء التي في أولها زائدة، أدخلت في قوله: تفاعل، وإن ثقلت صارت تاءين. ولا يجوز إدخال تاءين زائدتين علامة لمعنى واحد. وإنما يجوز ذلك في الاستقبال، لاختلاف معنى دخولهما، لأن إحداهما تدخل علمًا للاستقبال، والأخرى منهما التي في تفاعل، ثم تدغم إحداهما في الأخرى فتثقل، فيقال: تشابه بعد اليوم قلوبنا.
فمعنى الآية: وقالت النصارى، الجهال بالله وبعظمته: هلا يكلمنا الله ربنا، كما كلم أنبياءه ورسله، أو تجيئنا علامة من الله نعرف بها صدق ما نحن عليه على ما نسأل ونريد؟ قال الله جل ثناؤه: فكما قال هؤلاء الجهال من النصارى وتمنوا على ربهم، قال من قبلهم من اليهود، فسألوا ربهم أن يريهم الله نفسه جهرة، ويؤتيهم آية، واحتكموا عليه وعلى رسله، وتمنوا الأماني. فاشتبهت قلوب اليهود والنصارى في تمردهم على الله، وقلة معرفتهم بعظمته، وجرأتهم على أنبيائه ورسله، كما اشتبهت أقوالهم التي قالوها.
القول في تأويل قوله تعالى: " قد بينا الآيات لقوم يوقنون".
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله:"قد بينا الآيات لقوم يوقنون"، قد بينا العلامات التي
من أجلها غضب الله على اليهود، وجعل منهم القردة والخنازير، وأعد لهم العذاب المهين في معادهم والتي من أجلها أخزى الله النصارى في الدنيا، وأعد لهم الخزي والعذاب الأليم في الآخرة؟ والتي من أجلها جعل سكان الجنان، الذين أسلموا وجوههم لله وهم محسنون في هذه السورة وغيرها. فاعلموا الأسباب التي من أجلها استحق كل فريق منهم من الله ما فعل به من ذلك، وخص الله بذلك القوم الذين يوقنون، لأنهم أهل التثبت في الأمور، والطالبون معرفة حقائق الأشياء على يقين وصحة. فأخبر الله جل ثناؤه أنه بين لمن كانت هذه الصفة صفته ما بين من ذلك، ليزول شكه ويعلم حقيقة الأمر، إذ كان ذلك خبرًا من الله جل ثناؤه، وخبر الله الخبر الذي لا يعذر سامعه بالشك فيه. وقد يحتمل غيره من الأخبار ما يحتمل من الأسباب العارضة فيه من السهو والغلط والكذب، وذلك منفي عن خبر الله عز وجل.
قوله تعالى "إنا أرسلناك بالحق بشيرا" بشيرا نصب على الحال ، ونذيرا عطف عليه ، وقد تقدم معناهما . "ولا تسأل عن أصحاب الجحيم" قال مقاتل : إن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
"لو أنزل الله بأسه باليهود لآمنوا" ، فأنزل الله تعالى : "ولا تسأل عن أصحاب الجحيم" برفع تسأل ، وهي قراءة الجمهور ، ويكون في موضع الحال بعطفه على "بشيرا ونذيرا" . والمعنى : إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا غير مسؤول . وقال سعيد الأخفش : ولا يسأل ( بفتح التاء وضم اللام ) ، ويكون في موضع الحال عطفاً على "بشيرا ونذيرا" . والمعنى : إنا أرسلناك بالحق بشيراً ونذيراً غير سائل عنهم ، لأن علم الله بكفرهم بعد إنذارهم يغني عن سؤاله عنهم . هذا معنى غير سائل . ومعنى غير مسؤول لا يكون مؤاخذاً بكفرهم من كفر بعد التبشير والإنذار . وقال ابن عباس ومحمد بن كعب : " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم : ليت شعري ما فعل أبواي " . فنزلت هذه الآية ، وهذا على قراءة من قرأ ولا تسأل جزماً على النهي ، وهي قراءة نافه وحده ، وفيه وجهان :
أحدهما :أنه نهى عن السؤال عمن عصى وكفر من الأحياء ، لأنه قد يتغير حاله فينتقل عن الكفر إلى الإيمان ، وعن المعصية إلى الطاعة .
والثاني : وهو الأظهر ، أنه نهى عن السؤال عمن مات على كفره ومعصيته ، تعظيماً لحاله وتغليظاً لشأنه ، وهذا كما يقال : لا تسأل عمن فلان ‍‍‍، أي قد بلغ فوق ما تحسب . وقرأ ابن مسعود ولن تسأل . وقرأ أبي وما تسأل ، ومعناهما موافق لقراءة الجمهور ، نفى أن يكون مسؤولاً عنهم . وقيل : إنما سأل أي أبويه أحدث موتا ، فنزلت . وقد ذكرنا في كتاب التذكرة أن الله تعالى أحيا له أباه وأمه وآمنا به ، وذكرنا قوله عليه السلام للرجل :
"إن أبي وأبيك في النار" وبينا ذلك ، والحمد لله .
قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي أخبرنا عبد الرحمن بن صالح أخبرنا عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله الفزاري، عن شيبان النحوي، أخبرني قتادة عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "أنزلت علي "إنا أرسلناك بالحق بشيراً ونذيراً"، قال: بشيراً بالجنة ونذيراً من النار"، وقوله: "ولا تسأل عن أصحاب الجحيم" قراءة أكثرهم ولا تسأل بضم التاء، على الخبر وفي قراءة أبي بن كعب، وما تسأل، وفي قراءة ابن مسعود ولن تسأل عن أصحاب الجحيم، نقلها ابن جرير ، أي: لا نسألك عن كفر من كفر بك كقوله: "فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب"، وكقوله تعالى: " فذكر إنما أنت مذكر * لست عليهم بمصيطر " الاية، وكقوله تعالى: "نحن أعلم بما يقولون وما أنت عليهم بجبار فذكر بالقرآن من يخاف وعيد"، وأشباه ذلك من الايات، وقرأ آخرون: "ولا تسأل عن أصحاب الجحيم" بفتح التاء على النهي، أي: لا تسأل عن حالهم، كما قال عبد الرزاق: أخبرنا الثوري عن موسى بن عبيدة عن محمد بن كعب القرظي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليت شعري ما فعل أبواي ليت شعري ما فعل أبواي ليت شعري ما فعل أبواي ؟" فنزلت: "ولا تسأل عن أصحاب الجحيم"، فما ذكرهما حتى توفاه الله عز وجل، ورواه ابن جرير عن أبي كريب عن وكيع عن موسى بن عبيدة، وقد تكلموا فيه عن محمد بن كعب بمثله، وقد حكاه القرطبي، عن ابن عباس ومحمد بن كعب، قال القرطبي: وهذا كما يقال لا تسأل عن فلان، أي: قد بلغ فوق ما تحسب، وقد ذكرنا في التذكرة أن الله أحيا له أبويه حتى آمنا به، وأجبنا عن قوله: "أبي وأباك في النار "، (قلت): والحديث المروي في حياة أبويه عليه السلام، ليس في شيء من الكتب الستة ولا غيرها، وإسناده ضعيف، والله أعلم.
ثم قال ابن جرير: وحدثني القاسم أخبرنا الحسين حدثني حجاج عن ابن جريج، أخبرني داود بن أبي عاصم به، "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم: أين أبواي؟ فنزلت: "إنا أرسلناك بالحق بشيراً ونذيراً ولا تسأل عن أصحاب الجحيم"،" وهذا مرسل كالذي قبله، وقد رد ابن جرير هذا القول المروي، عن محمد بن كعب وغيره في ذلك، لاستحالة الشك من الرسول صلى الله عليه وسلم في أمر أبويه، واختار القراءة الأولى، وهذا الذي سلكه ههنا فيه نظر، لاحتمال أن هذا كان في حال استغفاره لأبويه، قبل أن يعلم أمرهما، فلما علم ذلك تبرأ منهما، وأخبر عنهما أنهما من أهل النار ، كما ثبت هذا في الصحيح، ولهذا أشباه كثيرة ونظائر ولا يلزم ما ذكر ابن جرير ، والله أعلم.
وقال الإمام أحمد: أخبرنا موسى بن داود حدثنا فليح بن سليمان، عن هلال بن علي عن عطاء بن يسار ، قال: لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص، فقلت: أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة فقال: أجل والله إنه لموصوف في التوراة بصفته في القرآن، يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً وحرزاً للأميين، وأنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل، لا فظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق، ولا يدفع بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويغفر ولن يقبضه حتى يقيم به الملة العوجاء، بأن يقولوا لا إله إلا الله فيفتح به أعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غلفاً. انفرد بإخراجه البخاري، فرواه في البيوع عن محمد بن سنان عن فليح به، وقال تابعه عبد العزيز بن أبي سلمة عن هلال: وقال سعيد بن هلال عن عطاء عن عبد الله بن سلام، ورواه في التفسير عن عبد الله عن عبد العزيز بن أبي سلمة، عن هلال عن عطاء عن عبد الله بن عمرو بن العاص به فذكر نحوه، فعبد الله هذا هو ابن صالح، كما صرح به في كتاب الأدب، وزعم ابن مسعود الدمشقي أنه عبد الله بن رجاء ، وقد رواه الحافظ أبو بكر بن مردويه في تفسير هذه الاية من البقرة، عن أحمد بن الحسن بن أيوب عن محمد بن أحمد بن البراء ، عن المعافى بن سليمان عن فليح به وزاد: قال عطاء: ثم لقيت كعب الأحبار فسألته، فما اختلفا في حرف إلا أن كعباً قال بلغته: أعيناً عمومى، وآذاناً صمومى، وقلوباً غلوفاً.
قوله: 119- "بشيراً ونذيراً" يحتمل أن يكون منصوباً على الحال، ويحتمل أن يكون مفعولاً له: أي أرسلناك لأجل التبشير والإنذار. وقوله: "ولا تسأل" قرأه الجمهور بالرفع مبنياً للمجهول: أي حال كونك غير مسؤول، وقرئ بالرفع مبنياً للمعلوم. قال الأخفش: ويكون في موضع الحال عطفاً على "بشيراً ونذيراً" أي حال كونك غير سائل عنهم، لأن علم الله بكفرهم بعد إنذارهم يغني عن سؤاله عنهم، وقرأ نافع: " ولا تسأل " بالجزم: أي لا يصدر منك السؤال عن هؤلاء أو لا يصدر منك السؤال عمن مات منهم على كفره ومعصيته تعظيماً لحاله وتغليظاً لشأنه: أي أن هذا أمر فظيع وخطب شنيع، يتعاظم المتكلم أن يجريه على لسانه أو يتعاظم السامع أن يسمعه.
119. " إنا أرسلناك بالحق " أي بالصدق كقوله " ويستنبئونك أحق هو؟ " (53-يونس) أي صدق، قال ابن عباس رضي الله عنهما: بالقرآن دليله " بل كذبوا بالحق لما جاءهم " (5-ق) وقال ابن كيسان : بالإسلام وشرائعه، دليله قوله عز وجل: " وقل جاء الحق " (81-الإسراء) وقال مقاتل : معناه لم نرسلك عبثاً، وإنما أرسلناك بالحق كما قال: " وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق " (85-الحجر).
قوله عز وجل " بشيراً " أي مبشراً لأوليائي وأهل طاعتي بالثواب الكريم " ونذيراً " أي منذراً مخوفاً لأعدائي وأهل معصيتي بالعذاب الأليم، قرأ نافع و يعقوب " ولا تسأل " على النهي قال عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما: وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم: " ليت شعري ما فعل أبواي " فنزلت هذه الآية، وقيل: هو على معنى ولا تسأل عن شر فلان فإنه فوق ما تحسب وليس على النهي، وقرأ الآخرون (( ولا تسأل )) بالرفع على النفي بمعنى ولست بمسؤول عنهم كما قال الله تعالى: " فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب " (20-آل عمران)، " عن أصحاب الجحيم " والجحيم معظم النار.
119-" إنا أرسلناك بالحق " متلبساً مؤيداً به . " بشيراً ونذيراً " فلا عليك إن أصروا وكابروا . " ولا تسأل عن أصحاب الجحيم " ما لهم لم يؤمنوا بعد أن بلغت . وقرأ نافع و يعقوب : لا تسأل ، على أنه نهي للرسول صلى الله عليه وسلم عن السؤال عن حال أبويه . أو تعظيم لعقوبة الكفار كأنها لفظاعتها لا يقدر أن يخبر عنها ، أو السامع لا يصبر على استماع خبرها فنهاه عن السؤال . والجحيم : المتأجج من النار .
119. Lo! We have sent thee (O Muhammad) with the truth, a bringer of glad tidings and a warner. And thou wilt not be asked about the owners of hell fire.
119 - Verily we have sent thee in truth as a bearer of thee no question shall be asked of the companions of the blazing fire.