[مريم : 91] أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا
91 - (أن دعوا للرحمن ولدا)
يقول تعالى ذكره : وتكاد الجبال أن تخر انقضاضاً، لأن دعوا للرحمن ولداً، فـأن في موضع نصب في قول بعض أهل العربية، لاتصالها بالفعل ، وفي قول غيره في موضع خفض بضمير الخافض -وقد بينا الصواب من القول في ذلك في غير موضع من كتابنا هذا -بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
وقال "أن دعوا للرحمن ولدا"يعني بقوله "أن دعوا": أن جعلوا له ولداً ، كما قال الشاعر:
ألا رب من تدعو نصيحاً وإن تغب تجده بغيب غير منتصح الصدر
وقال ابن أحمر:
أهوى لها مشقصاً حشراً فشبرقها وكنت أدعو قذاها الإثمد القردا
" أن دعوا للرحمن ولدا " " أن " في موضع نصب عند الفراء بمعنى لأن دعوا ومن أن دعوا، فموضع " أن " نصب بسقوط الخافض. وزعم الفراء أن الكسائي قال: هي في موضع خفض بتقدير الخافض. وذكر ابن المبارك: حدثنا مسعر، عن واصل، عن عون بن عبد الله قال: قال عبد الله بن مسعود: إن الجبل ليقول للجبل يا فلان هل مر بك اليوم ذاكر لله؟ فان قال نعم سر به. ثم قرأ عبد الله " وقالوا اتخذ الرحمن ولدا " الآية، قال: أفتراهن يسمعن الزور ولا يسمعن الخير؟!. قال: وحدثني عوف عن غالب بن عجرد قال: حدثني رجل من أهل الشام في مسجد منى، قال: إن الله تعالى لما خلق الأرض وخلق ما فيها من الشجر، لم تك في الأرض شجرة يأتيها بنو آدم إلا أصابوا منها منفعة، وكان لهم منها منفعة، فلم تزل الأرض والشجر كذلك حتى تكلم فجرة بني آدم تلك الكلمة العظيمة، قولهم: اتخذ الرحمن ولدً، فلما قالوها اقشعرت الأرض وشاك الشجر. وقال ابن عباس: اقشعرت الجبال وما فيها من الأشجار، والبحار وما فيها من الحيتان، فصار من ذلك الشوك في الحيتان، وفي الأشجار الشوك. وقال ابن عباس أيضاً وكعب: فزعت السموات والأرض والجبال، وجميع المخلوقات إلا الثقلين، وكادت أن تزول، وغضبت الملائكة فاستعرت جهنم، وشاك الشجر، واكفهرت الأرض وجدبت حين قالوا: اتخذ الله ولداً. وقال محمد بن كعب: لقد كاد أعداء الله أن يقيموا علينا الساعة، لقوله تعالى: " تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا * أن دعوا للرحمن ولدا " قال ابن العربي: وصدق فإنه قول عظيم سبق به القضاء والقدر، ولولا أن الباري تبارك وتعالى لا يضعه كفر الكافر، ولا يرفعه إيمان المؤمن، ولا يزيد هذا في ملكه، كما لا ينقص ذلك من ملكه، لما جرى شيء من هذا على الألسنة، ولكنه القدوس الحكيم الحليم، فلم يبال بعد ذلك بما يقول المبطلون.
لما قرر تعالى في هذه السورة الشريفة عبودية عيسى عليه السلام وذكر خلقه من مريم بلا أب, شرع في مقام الإنكار على من زعم أن له ولداً, تعالى وتقدس وتنزه عن ذلك علواً كبيراً, فقال: " وقالوا اتخذ الرحمن ولدا * لقد جئتم " أي في قولكم هذا "شيئا إداً" قال ابن عباس ومجاهد وقتادة ومالك : أي عظيماً. ويقال إداً بكسر الهمزة وفتحها, ومع مدها أيضاً ثلاث لغات أشهرها الأولى وقوله: " تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا * أن دعوا للرحمن ولدا " أي يكاد ذلك عند سماعهن هذه المقالة من فجرة بني آدم إعظاماً للرب وإجلالاً, لأنهم مخلوقات ومؤسسات على توحيده, وأنه لا إله إلا هو, وأنه لا شريك له ولا نظير له, ولا ولد له, ولا صاحبة له, ولا كفء له, بل هو الأحد الصمد.
وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد
قال ابن جرير : حدثني علي , حدثنا عبد الله , حدثني معاوية عن علي , عن ابن عباس في قوله: "تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هداً * أن دعوا للرحمن ولداً" قال: إن الشرك فزعت منه السموات والأرض والجبال وجميع الخلائق إلا الثقلين, وكادت أن تزول منه لعظمة الله, وكما لا ينفع مع الشرك إحسان المشرك, كذلك نرجو أن يغفر الله ذنوب الموحدين, وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقنوا موتاكم شهادة أن لا إله إلا الله, فمن قالها عند موته وجبت له الجنة , فقالوا: يا رسول الله فمن قالها في صحته ؟ قال تلك أوجب وأوجب". ثم قال "والذي نفسي بيده لو جيء بالسموات والأرضين وما فيهن وما بينهن وما تحتهن, فوضعن في كفة الميزان, ووضعت شهادة أن لا إله إلا الله في الكفة الأخرى لرجحت بهن" هكذا رواه ابن جرير , ويشهد له حديث البطاقة, والله أعلم.
وقال الضحاك : "تكاد السموات يتفطرن منه" أي يتشققن فرقاً من عظمة الله, وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : "وتنشق الأرض", أي غضباً له عز وجل, "وتخر الجبال هداً", قال ابن عباس : هدماً, وقال سعيد بن جبير : هداً ينكسر بعضها على بعض متتابعات. وقال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن عبد الله بن سويد المقبري , حدثنا سفيان بن عيينة , حدثنا مسعر عن عون عن عبد الله قال: إن الجبل لينادي الجبل باسمه يا فلان, هل مر بك اليوم ذاكر الله عز وجل ؟ فيقول: نعم ويستبشر, قال عون : لهي للخير أسمع أفيسمعن الزور والباطل إذا قيل ولا يسمعن غيره, ثم قرأ "تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هداً * أن دعوا للرحمن ولداً".
وقال ابن أبي حاتم أيضاً: حدثنا المنذر بن شاذان , حدثنا هودة , حدثنا عوف عن غالب بن عجرد , حدثني رجل من أهل الشام في مسجد منى قال: بلغني أن الله لما خلق الأرض وخلق ما فيها من الشجر لم يكن في الأرض شجرة يأتيها بنو آدم إلا أصابوا منها منفعة ـ أو قال ـ كان لهم فيها منفعة, ولم تزل الأرض والشجر بذلك حتى تكلم فجرة بني آدم بتلك الكلمة العظيمة قولهم: اتخذ الرحمن ولداً, فلما تكلموا بها اقشعرت الأرض وشاك الشجر. وقال كعب الأحبار : غضبت الملائكة واستعرت جهنم حين قالوا ما قالوا.
وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن سعيد بن جبير عن أبي عبد الرحمن السلمي عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله إنه يشرك به ويجعل له ولدا, وهو يعافيهم ويدفع عنهم ويرزقهم" أخرجاه في الصحيحين . وفي لفظ "أنهم يجعلون له ولداً وهو يرزقهم ويعافيهم". وقوله: "وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولداً" أي لا يصلح له ولا يليق به لجلاله وعظمته, لأنه لا كفء له من خلقه, لأن جميع الخلائق عبيد له, ولهذا قال: "إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبداً * لقد أحصاهم وعدهم عداً" أي قد علم عددهم منذ خلقهم إلى يوم القيامة, ذكرهم وأنثاهم, صغيرهم وكبيرهم, "وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً" أي لا ناصر له ولا مجير إلا الله وحده لا شريك له, فيحكم في خلقه بما يشاء وهو العادل الذي لا يظلم مثقال ذرة, ولا يظلم أحداً.
ومحل 91- "أن دعوا للرحمن ولداً" الجر بدلاً من الضمير في منه. وقال الفراء: في محل نصب بمعنى لأن دعوا. وقال الكسائي: هو في محل خفض بتقدير الخافض، وقيل في محل رفع على أنه فاعل هداً. والدعاء بمعنى التسمية: أي سمو الرحمن ولداً، أو بمعنى النسبة أي نسبوا له ولداً.
91 - " أن دعوا " ، أي من أجل أن جعلوا " للرحمن ولداً " ، قال ابن عباس و كعب : فزعت السموات والأرض والجبال وجميع الخلائق إلا الثقلين ، وكادت أن تزول ، وغضبت الملائكة ، واستعرت جهنم حين قالوا : اتخذ الله ولداً .
ثم نفى الله عن نفسه الولد فقال :
91ـ " أن دعوا للرحمن ولداً " يحتمل النصب على العلة لـ " تكاد " أو لـ "هداً " على حذف اللام وإفضاء الفعل إليه ، والجر بإضمار اللام أو بالإبدال من الهاء في منه والرفع على أنه خبر محذوف تقديره الموجب لذلك " أن دعوا " ، أو فاعل " هدا " أي هدها دعاء
الولد للرحمن وهو من دعا بمعنى سمى المتعدي إلى مفعولين ، وإنما اقتصر على المفعول الثاني ليحيط بكل ما دعي له ولدا ، أو من دعا بمعنى نسب الذي مطاوعه ادعى إلى فلان إذا انتسب إليه .
91. That ye ascribe unto the Beneficent a son,
91 - That they should invoke a son for (God) Most Gracious.